
حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان جناب سيد ( سيدنا خل ) الاجل ذو الفهم اللامع والعلم الواسع السيد الممجد السيد محمد ارسل اليّ بهذه المسائل يريد الجواب عما يرد من الاشكال فيها لدى ذوي الالباب ولما كان من اهل الذوق المستقيم والطبع السليم ( المستقيم خل ) اكتفيت بالاشارة والاختصار
( قال : ارادة العبد المنبعثة من العلم والداعي لا يخلو اما ان تكون واجبة او ممكنة فعلى الاول يلزم الجبر وعلى الثانية ننقل الكلام الى علة الرجحان في نفسها اي نفس الارادة وهكذا فاما ان ينتهي الى التسلسل او الى الواجب فيلزم ما لزم في الشيء الاول فينافي الاختيار نسخة ٢٦ خ )
فاقول وبالله سبحانه المستعان واعلم ان الارادة في حق العبد غيرها في حق الواجب سبحانه لانها في حق الواجب على ما هو الحق المطابق لمذهب اهل العصمة عليهم السلم من انه ليس لله ارادة قديمة وانما ارادته حادثة وان الارادة غير العلم فانك تقول افعل كذا ان شاء الله ولا تقول افعل كذا ان علم الله ودعوى من يعتقد قدمها باطلة اما دعوى اهل الاشراق والمشائين والصوفية وامثالهم من انه تعالى ابدا مريد اذ ليس له حالة كان فيها منقبضا عن الفعل والميل الذي هو العناية المقتضية لربط ( له باطل خل ) الاسباب بالمسببات على كمال ما ينبغي ويعبر عنها بالارادة فيكون بعد حصولها متغيرا بل كلما جاز عليه وجب له وهذا باطل لان كل ما اشاروا اليه غير محض الذات وكل ما سوى الذات البحت حادث ولا يجري هذا في العلم والقدرة لانا لانريد منها ( بها خل ) معنى مترتب على الذات كما هو شأن الارادة بل نريد ان العلم والقدرة عين الذات بلا مغايرة لا في الفرض والاعتبار ولا في الحيث ولا في الواقع ولهذا قلنا انه عالم بالاشياء معناه ( معناه انه خل ) سبحانه فهو عالم ولا معلوم يعني فهو هو ولا شيء غيره واما على ما يقرر ( يقرره خل ) المتكلمون من انه لو كانت حادثة لكان ( لكانت خل ) لا يخلو اما ان يكون ( تكون خل ) قائمة ( قائمة به خل ) فيكون محلا للحوادث و( او خل ) قائمة بغيره وصفة الشيء لا تقوم بغيره او بنفسها والصفة لا تقوم بنفسها وايضا لو كانت حادثة كانت محدثة ( حادثة خل ) بارادة اخرى وهكذا ويلزم التسلسل او الدور فجوابه عن الدور ( الاول خل ) انها حادثة وليست قائمة بذاته قيام عروض وانما هو قائمة به قيام صدور لان قيام الشيء بالشيء على اربعة اقسام قيام صدور كقيام الكلام بالمتكلم وقيام عروض كقيام السواد بالجسم وقيام ظهور كقيام الوجود بالمهية وقيام تحقق كقيام المهية بالوجود فلا يكون محلا للحوادث وايضا فقد اقامها بنفسها وكونها صفة انما هو بالنسبة الى الواجب والا فهي بالنسبة الى جميع المخلوقات ذات تذوتت الذوات بفاضل تذوتها بل كل الاشياء ذات باعتبار ما تحته عرض باعتبار ما فوقه من اول الوجود الى اخر ما لا نهاية له من الممكنات كلها بهذه النسبة وقولهم ان الصفة لا تقوم بغير موصوفها غلط فهذا الكلام صفة لا بمتكلم وهو قائم بالهواء وان قيل انه قائم بالمتكلم فهو قيام صدور وكذلك المشية فانها قائمة بالله قيام صدور وكذا جميع الخلائق واما قولهم فانها لو كانت محدثة لكانت محدثة بمشية اخرى ويلزم التسلسل او الدور فالجواب انها محدثة بنفسها وهذا قطعي شهد له الوجدان والعقل والنقل اما النقل فظاهر وهو قوله عليه السلم خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية واما العقل فلان المشية والارادة فعل والفعل مفهومه الحركة الايجادية فاذا اردت ايجاد حركتك انما توجدها بحركة وهي حركة فتوجدها بنفسها اذ لا يمكن الايجاد الا بحركة وذلك في كل شيء بحسبه واما الوجدان فاظهر فانك توجد صلاتك بنيتك بلا خلاف ونيتك توجدها بنية اخرى ام بنفسها والعلماء اجمعوا انك توجدها بنفسها ولا تحتاج في ايجادها الى نية اخري وهي افضل ما في العمل وقد قال صلى الله عليه وآله انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فليس لك من العمل الا ما نويت فلو لم تكن النية منوية لما اثبت عليها لكنك تثاب عليها البتة فتكون منوية البتة ولم تكن لتنويها الا بنفسها البتة فعلى جهة الاختصار ثبت كونها حادثة مضافا الى ما رواه الصدوق في التوحيد عن الرضا عليه السلم انه قال المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله تعالى لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد فاما الارادة من الخلق فالضمير وما يبدو لهم من الافعال قسم من ارادتهم فنقول قولكم لا تخلو يعني الارادة من العبد اما ان تكون واجبة او ممكنة مما تريدون بهذا الوجوب تريد ان ارادة العبد هي الله سبحانه ام غيره فان كان غير الله فليس واجبا ان كل ما سواه ممكن وان كان هو الله فتعالى الله ( الله يلزم خل ) ان تكون ( يكون خل ) صادرا عن الحادث فليس لذكر الوجوب هنا معنى اصلا فارادة العبد ممكنة وقولكم ننقل الكلام الى علة الرجحان فيه ان رجحان الفعل لا يوجبه اذ ليس كل ما كان راجحا وجب ايجاده لان الرجحان قد يكون خلاف الحق وخلاف الحق لا يكون راجحا في الواقع وانما يكون راجحا عند المكلف عند ما تغلب عليه شهوته على الفعل وتقدم النفس عليه مع ما ترى من الامور القبيحة والمقتضية لترجيح الترك وانما الترجيح شهوة محضة غلطت البصيرة عن قبح ما تعلمه قبيحا وترى قبحه فتغمض عما ترى فاذا اردت ان تعاين حقيقة ما قلت لك فانظر نفسك وغيرك من الناس تجد ان المقصر يعرف انه ملوم ويقدر على ترك ما يلام عليه ولو كان عمله انما عمله لانه ترجح ( يرجح خل ) عنده بحيث لا يقدر على تركه لانه واجب الترجح ( بالترجح خل ) لعرف ذلك ولكان اذا عوتب وقيل له لما فعلت تقول اني لا اقدر على تركه ويعرف ذلك من نفسه ولكن الواقع على العكس بل يعرف انه ما عمله يقدر على تركه وانما فعله متعمدا وكذلك فعل الطاعات وتوهم ان ما ترجح ( ترجح وجب خل ) باطل فهذا يكفي ذا الفهم والقابلية المستقيمة في فهم المسئلة وعلى نحو العيان والضرورة
قال سلمه الله تعالى : الثانية - لا شك ان التكليف حال استواء دواعي العبد الى الفعل والترك او حال رجحان دواعي احدهما فعلى الاول يستحيل وقوع المأمور به فالتكليف غير جائز لان الممكن ما لم يترجح وجوده لم يقع
اقول لا يقال لا شك في عدم استحالة الوقوع بل اليقين هو جواز الوقوع في هذه الصورة المفروضة وانما حصل التوهم من جهة الاطلاع على معرفة الدواعي وانا اشير الى بيان بدء الدواعي ومنشئها على سبيل الاختصار فاقول اعلم ان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته يعني بسيطا حقيقيا للدلالة عليه فالمخلوق خلق من وجود ومهية وهما حادثان و الحادث لا يستغني في بقائه عن المدد طرفة عين والا لفقد وكل شيء انما يميل الى نوعه ووجوده ( وهو جهة خل ) مدده من الله فالوجود نور وحين يميل الى مدده من الخير والنور وهو الطاعات والمهية على العكس في كل شيء فهي ظلمة وشر تميل ( يميل خل ) الى مددها من الشر والظلمة وهو المعاصي والمكلف مركب منهما فداعي ميله الى الخير من جهة الوجود وداعي ميله الى الشر من جهة المهية وهو محتاج الى احد الميلين وايهما مال اليه وعمل به كفاه في بقائه بذلك الاستمداد لانه ان كان خيرا قوى الوجود بما فيه من النور وحصل للمهية حفظ الاصل عن الفناء بما في ذلك الخير من شائبة الظلمة لان الخير كما تقدم لا يكون وجودا بحتا بدون شيء يحفظ بقائه في ( من خل ) المهية وان كان الذي من المهية في ذلك الخير يكاد يفني لضعفه وبهذا الضعيف تستمسك مهية المكلف عن الفناء وان كان شرا قويت المهية بما فيه من الظلمة وحصل للوجود حفظ اصله عن الفناء بما في ذلك ( ذلك الشر خل ) من شائبة النور لان الشر كما قلنا قبل في الوجود لا يكون مهية بحتا بدون شيء يحفظ بقائها من الوجود وان كان الذي من الوجود في ذلك الشر يكاد يفني لضعفه وبهذا الضعيف يستمسك وجود المكلف عن الفناء ومن ميل جزئي المركب كل واحد الى جهة مدده من جنسه حصل للمكلف منهما الاختيار لان الفعل المكلف فيه العبد اما خيرا يؤمر به واما شرا ينهى عنه ولما كان المكلف هو المجموع المفرد المركب كان ان شاء فعل هذا وان شاء فعل ضده وهذا هو الاختيار فالداعيان من المكلف من جهة الصلوح متساويان ابدا الى فعل الشيء بما يناسبه والى تركه بضده هذا في اصله بنية ( بنيته خل ) فاذا ورد عليه ورد بالترغيب والترهيب المعنيين ( المعينين خل ) لداعي الخير والتخلية والتزيين بمعنى لا يمنع من ارادة الشر ولا يمنع منه عدوه المزين الشيطان والنفس وهويها والدنيا وزينتها المعنيين ( المعينين خل ) لداعي الشر ولهذه الرتبة من المكلف داعيان متساويان فاذا مال الى فعل الخير اعانه الملك بتحبيب الطاعة ولطف به الرب اللطيف سبحانه وتعالى وهو اعانة على الطاعة لطفا لا يكون مانعا من التمكن من فعل ضده ما لم يفعله فكان داعي الخير حينئذ راجحا رجحانا لا يمنع النقيض بمعنى انه ما لم يفعله يمكنه تركه وفعل ضده وان كان ذلك الضد مرجوحا لانه اذا مال اليه ترجح مرجوحية ( ترجح مع مرجوحيته خل ) بما يقويه من التخلية والتزيين والخذلان وكذلك اذا مال الى فعل الشر اعانه الشيطان المقيض بتزيين المعصية وخذله الرب العدل الحكيم بان خلاه وهواه تخلية لا انه تكون مانعة له من فعل ضده هو الخير ما لم يفعل الشر فكان داعي الشر حينئذ راجحا رجحانا لا يمنع النقيض بمعنى انه ما لم يفعل المعصية يمكنه تركها وفعل الطاعة وان كان فعل الطاعة حينئذ مرجوحا لانه اذا مال الى المعصية ترجحت مع كونها قبل مرجوحة بما يقويها الميل اليها من تحبيب الملك المؤيد له لها ومن اللطف به من اللطيف الخبير سبحانه فالاستحالة المتوهمة باطلة وقولك ان الممكن ما لم يرجح وجوده لم يقع ليس كذلك لان الترجيح الموجب للفعل هو شروع المكلف للفعل لانه حين يفعل لا يمكنه الا يفعل ويمكنه ان يقع فعله والترجيح ما يبلغ الوجوب يمكن عكسه وفعل ضده ويكون بذلك مرجوحا واذا بلغ الوجوب امتنع تركه وبلوغه الوجوب هو فعله واحاديث ائمتنا عليهم السلم ناطقة ( ناطقة بهذا خل ) لمن خاطبوه بها فافهم واشرب صافيا ودع عنك الاوهام كما روي عنهم عليهم السلم ما معناه ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بنور الله انتهى
قال ايده الله : وعلى الثاني فالمرجوح ممتنع الوقوع والا لزم ترجيح المرجوح فالراجح واجب الوقوع فالتكليف بالراجح تكليف بايجاد ما يجب وقوعه وبالمرجوح ما يمتنع وقوعه وكلاهما مستحيلان
اقول قوله وعلى الثاني فالمرجوح الخ جوابه ما تقدم من ان ممتنع الوجود من افعال المكلفين ما فعل ضده حين فعل ضده اما قبل فعل ضده او بعده فهو ممكن الوقوع والحوالة في ذلك على الوجدان فتأمل في افعالك تجد كلامنا هذا ضروري الحقيقة لا شك في شيء منه وكذلك قوله فالراجح واجب الوقوع لا يجب وقوعه الا حين يقع لا قبله ولا بعده فالتكليف بالراجح وبالمرجوح اذا كان الراجحية والمرجوحية انما هي لقوة ميل المكلف وتحبيب الملك او تزيين الشيطان تكليف بايجاد ما يجوز وقوعه وعدمه ولا يكون تكليفا بما يجب وقوعه الا حين وقع ولا يكون التكليف بالمرجوح تكليف ( تكليفا خل ) بما يمتنع وقوعه الا حين اوقع ضده لا قبل ايقاعه ولا بعده فافهم فانه لمن عرف كلامي اظهر من الشمس في رابعة النهار اذا لم يكن عليها سحاب ولا غبار
قال سلمه الله تعالى : وايضا ورد الامر بالتكاليف اما لفائدة او لا لفائدة فان كان الاول فهي عائدة الى المعبود او الى العابد والاول محال لانه كامل الذات بذاته وان كان الثاني فهي اما عاجلة او اجلة والاول باطل لان التكاليف كلها مشاق والام في الدنيا والثاني عبث لان الله قادر على تحصيل رفع الالم وتحصيل اللذة للعبد ابتداء من غير توسيط العبادة وكذلك حكم الشق الثاني
اقول ورد الامر بالتكاليف لفائدة وهي عائدة الى العابد وعودها اليه في العاجل والاجل معا ولا يكون العاجل باطلا وبيان هذه الامور طويل لتوقفه على بيان المقدمات ولكني اقتصر على البعض ومن عرف اغناه عما سواه ان شاء الله تعالى فاقول كما خلق الخلق اما جودا او تفضلا كذلك انعم عليهم ثم لما كان جوده وكرمه يجريه ( يجري خل ) على كمال ما ينبغي والا لم يكن كاملا وجب ان يجري فعله في جميع المفعولات على حسب قوابلهم لان فعله واحد ونسبته على جميع الاشياء على السواء فاذا اراد خلق الخلق فلا يخلو اما ان يخلقهم على حسب مقتضى فعله او على حسب مقتضى قوابلهم حين الخلق فان كان الاول وجب ان يكون الخلق شيئا واحدا لا تعدد فيه ولا اختلاف لان نسبة فعله على حسب مقتضاه الى جميع الخلق على السواء ليس شيء منها اقرب من شيء ولا شيء اسهل من شيء ولا شيء قبل شيء ولا جهة للفعل الى شيء دون شيء فيكون ( فتكون خل ) مصنوعة ( مصنوعه خل ) واحدا ولو كان كذلك بطلت فائدة الصنع والايجاد فلا يحسن في الحكمة اصل الايجاد وان كان الثاني وهو ان فعله يجري على سائر الخلق على حسب قابلياتهم حين الخلق كان ما قلنا من انه خلقهم ليعبدوه فعرفهم عبادته بالتكاليف وبيان هذا انه خلقهم فلزم الخلق على مقتضى الحكمة ان يحدث المخلوق على ما هو عليه وذلك انه لم يكن شيئا مذكورا فاذا اخترع حصة من الوجود خرجت كما هي لا كما الاولى فهذه هي قابلية الثانية وهي غير قابلية الاولى والا كانت هي الاولى والقابليتان لم تكونا قبل خلق الحصتين شيئا مذكورا وانما كانا باختراع الحصتين فلزم هذا نظام مرتب لا يكون الشيء كما هو الا بذلك وهذا اعني النظام المرتب شرع وتكليف وجودي لو لم يكن لم يكن المصنوع كما هو فيظهر لمن عرف كلامي هذا ان هذا التكليف اعظم فائدة للمكلف اذ بدونه لا يوجد فيبقى في عدم الامكان نسيا منسيا فيحرم ما عرضه الله بسبب وجوده لخيرات الابد والسعادة التي لا تنفد فاي فائدة اعظم من هذا هو البنيان الصوري القشري واما البنيان المعنوي العقلي فانه تفضل عليه مرة بعد اخرى فكلفه بالتكليف الشرعي بان امره ونهاه وقبوله لامره ونهيه او تركهما هو روح كونه على ما هو عليه في الخلق وهو جسم لهذه الروح التي هي قبوله لامره ونهيه او تركهما وذلك المقبول ( القبول خل ) هو ما هو عليه في الشرع من سعادة او ( وخل ) شقاوة والمكلف لا محالة قابل لامره ونهيه و( او خل ) تارك لهما فلزم التكليف الشرعي الوجود الشرعي ( وجود شرعي خل ) انشاء الله تعالى بعمل المكلف من قبوله او تركه خلقه الله من مادة امره ونهيه وصورة امتثال المكلف وعدمه وهذا الوجود الشرعي روح وجود المكلف المعلوم كما اشرنا واصله وحياته ولذا اشار سبحانه الى ذلك بقوله او من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له روحا يمشي به في الناس وقال تعالى ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور وقال تعالى اموات غير احياء فاخبر ان الكافر ميت لا حيوة له مقبور في قبر طبيعته لا حيوة له الا بالايمان ولا ايمان الا بامتثال امره ونهيه تعالى فهذا الوجود الشرعي المخلوق في المؤمن من امر الله وامتثال المكلف وفي الكافر من امر الله وترك امتثال امر الله تعالى هو علة الوجود الكوني فيكون التكليف علة الكون اذ لا يمكن التكوين على ما ( ما هو خل ) المكون عليه الا بقبوله عن الله وقبوله عن الله بالامتثال وعدمه لا يكون الا بالتكليف فقد توقف اظهار كرم الله وجوده وتفضله على تكوين محله ومتعلقه وتكوينه على قبول ذلك وقبول ذلك لا يكون الا بالامتثال وعدمه وهذا متوقف على التكليف وهذا معنى قولنا ان الايجاد متوقف على التكليف واليه الاشارة بقوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وانما خلقهم لعبادته لتخلقهم بها خلقا يصلح له تعلق رضاه او غضبه فقوله والاول باطل يعني به ان تكون الفائدة عاجلة لا معنى له صحيح لان كونها عاجلة شرط الايجاد الذي هو سلب سعادتهم ونعيمهم وكونها اجلة لان ما اعد لهم من النعيم لا ينفد انما هو ثمرات اعمالهم لان اعمالهم شجرة طيبة تؤتي اكلها كل حين وكذلك ما اعد لمن عصاه من العذاب الاليم المؤبد انما هو ثمرات اعمالهم لان اعمالهم شجرة خبيثة هي طعام الاثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم فالتكاليف وان كانت مشاقا والاما ( مشاق والام خل ) بالنسبة الى النفس لانها تأنف من الانفعال لما فيها من الدعوى الباطلة فهي في الحقيقة ملاذ وراحة ( راحة الا ترى خل ) الى ما تجد نفسك بعد اداء الصلوة الفريضة التي هي اعظم المشاق من اللذة والراحة والسرور ولهذا امر الشارع عليه السلم بسجدة الشكر شكرا لنعمة التي هي اداء الفريضة ولو كانت في الحقيقة مشقة والما لما وجدت اللذة والراحة والسرور هذا كله في الدنيا ولهذا قال صلى الله عليه وآله جعلت قرة عيني في الصلوة ولو لم تكن نعيما ولذة لما قال ان قرة عينه فيها فان قلت انما ذلك كذلك بملاحظة ما يترتب عليها من النعيم قلت وهذا ايضا كاف في كونها في الحقيقة نعيما ولذة وقوله والثاني عبث الخ قد تقدم جوابه في ضمن ما ذكرنا وبيانه ان تكون الفائدة اجلة الخ ليس كذلك كيف يكون عبثا وتلك الكرامات العظيمة من الله التي لا غاية لها في البقاء وفي النعيم متوقفة عليه كما بيناه وقوله لان الله تعالى قادر على تحصيل دفع الالم ودفع ( تحصيل خل ) اللذة للعبد ابتداء من غير توسط ( توسيط خل ) العبادة الخ ليس بمتجه لان الله سبحانه قادر على كل شيء لا شك فيه ولكنا قلنا هل يفعل بمقتضى قدرته وفعله ام بمقتضى القابلية فان كان بمقتضى قدرته وفعله تساوي في ذلك جميع الخلق بل لا يكون المخلوق الا واحدا بل الحكمة يقتضي كون الايجاد من اصله مرجوحا فلا يحسن الايجاد من اصله لما يلزم فيه من المفاسد وان كان يفعل بمقتضى القابلية كما هو الامر الواقع وجب لكمال علمه وقدرته واتقان صنعه ان يكون المصنوع على غاية كمال ما اقتضته قابليته من فعل صانعه فيقتضي كمال ذلك الاقتضاء ان يحكم له من الوجود وشرعه من الشرع ووجوده ما خلق له اولا من انه خلق للمعرفة والطاعة اللذين هما شرط بقائه ونعيمه وهذا شأن الكريم اللطيف الحكيم لانه انما خلقهم للخير الدائم وما خلق به ثانيا من انه خلق ثانيا لما هو ميسر له وعامل له بعمله وهذا ما سمعت من الوجودين شرطه القابلية كلها من عمل المكلف سواء كانت في الوجودي او التكليفي وشرط القابلية وتحققها التكليف فلو لم يكن التكليف لم تتحقق القابلية لا في الشرعي لانه انما يطيع بقبول الامر ويعصي بتركه ولا في الوجودي لانه سبحانه عرض عليهم الايجاد فلم يقبل من قبل ولم يترك من ترك الا بالعرض ( بالغرض خل ) اذ لو اتيهم بمقتضي فعله وارادته لقبلوا بلا اختلاف فيكونون سواء وهو السر في قوله تعالى لهم الست بربكم حيث عرض ذلك الايجاد عليهم ولم يقل لهم انا ربكم وقبولهم لذلك هو عملهم حين الخلق لا قبله ولا بعده كما ان الانكسار لا يكون قبل الكسر ولا بعده بل يكون معا ( مع الكسر خل ) ومع هذا فهو فعل منه المفعول كما قال الله تعالى كن فيكون ولو لم تتحقق القابلية لم يتحقق الوجودان ( الوجود خل ) و لو لم يكونا بطل النظام لعدم وجود متعلق الكرم والجود فعلي الثاني يكون الامر المذكور حقا لانه عبث فلا يمكن في الحكمة تحصيل دفع الالم وتحصيل اللذة للعبد الا لتوسط ( بتوسيط خل ) التكليف فافهم
قال ايده الله تعالى : وايضا اذا كان السعيد سعيدا في بطن امه والشقي شقيا في بطن امه لا يتخلف ولا يتبدل ابدا على ما هو مفاد بعض روايات الطينة فلا يتصور ثمرة لتكليف اذ كل ينساق الى غايته البتة
اقول لا شك ان السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه ولكن الاشكال في معرفة الام ومعرفة قدر عمرها وقدر بقاء جنينها في بطنها فان من عرف ذلك زال الاشكال عنه ونشرع في بيان هذه الثلاثة اولا على سبيل الاختصار والاقتصار لتوقف زوال الاشكال عليه فاما الام فلها معنيان مقصودان في الحديث : احدهما ان الام هي الصورة لا المادة كما توهمه بعض الحكماء والمادة هي الاب بعكس ما قالوا وقد اشرنا الى ذلك في الفوائد وبعض معناه ان الحكم لا يتعلق بالمادة والا لتساوت افراد الجنس في الحكم فيكون الانسان والكلب واحدا وكذلك السرير والصنم لانهما من الخشب ولكن لما كان الحكم متعلقا بالصورة كالسرير ( كان السرير خل ) من الخشب مستحسنا والصنم من الخشب مستقبحا وليس ذلك الا من الصورة فالحسن انما حسن في بطن امه وهي الصورة والقبيح انما قبح في بطن امه وهي الصورة ولو كانت الام هي المادة لكان الصنم انما قبح لكونه خشبا ولم يقل به عاقل او يقال ان السعيد من سعد في صلب ابيه ولم يقل به مؤمن والثاني ان الام هي الوالدة المعروفة وعلى هذا المعنى ليس في صلب الاب الا ماء وهو النطفة يصلح للسعيد او ( وخل ) الشقي كالمداد قبل الكتابة والصورة تصلح للاسم الشريف والوضيع ولا يتميز الا في بطن امه اي الصور لان تخطيط البنية المعنوية كاعتدال المزاج وصفائه عن الفضلات البلغمية والدموية وسلامته من الاحتراق الناري من الجمود السوداوي اذا كان في اخلاطه زيادة سوداء صافية مستقيمة وما يطابقه من تخطيط الصورة الظاهرة يقتضي الاتيان بالاعمال الصالحة والاعتقادات الصحيحة والميل الى الخيرات وذلك هو منشأ السعادة ولا تتحقق هذه الهندسة من تعديل المزاج والبنية الا في بطن امه لا في صلب ابيه وكذلك عكس هذه الاشياء من افراط المزاج والبنية وتفريطهما المقتضيتان ( المقتضيان خل ) للاتيان بالاعمال الطالحة والاعتقادات الباطلة والميل الى الشرور التي هي منشأ الشقاوة انما يتحقق في بطن امه واما قدر عمرها فالام الثانية ( الذاتية خل ) التي هي الصورة فعمرها طويل وله فصلان الاول فصل التكليف الظاهري وهو من اول البلوغ الشرعي الى الممات وفي هذا الفصل ينتزع ( تزرع خل ) الاحكام الظاهرة الفرعية من الشرعية والعقلية فاذا مات ارتفع هذا التكليف والفصل الثاني هو فصل الترقيات والتكاليف الحقيقية وهو من الكون الجوهري اي العقلي الى الكون المائي من الاظلة والذر ثم منه الى ما لا نهاية له في الامكان وفي هذا الفصل تزرع الاحكام الباطنية الاصلية من الشرعية والعقلية والترقيات الذاتية في طرفي الاقبال والادبار الى ما لا نهاية له في الامكان فمن عرف هذا الوقت الذي هو عمر الام الذاتية التي هي الصورة ظهر له عدم تحقق التخلف والتبدل ابدا كما هو ظاهر كلامه حرسه الله تعالى من الزيغ والزلل تعويلا على ما قال على ما هو مفاد بعض روايات الطينة وهذا التوهم سار في ضمائر الكل الا الاقلين ولهذا ترى بعضهم ينكر احاديث الطينة ويوجب طرحها ويحكم ببطلانها وبعض يقول لانعرف منها شيء ( شيئا خل ) ويسكت عنها وهو انصاف وسلامة له وفي بعض قبلها وتكلم في بيانها وخبط خبط عشواء وركب عمياء لا يدري في مسيره هل هو مقبل او مدبر ولا يدري حين وضع قدمه في سيره اين وضعه على قرار ام على غير قرار ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وانما توهموا هذه التوهمات لظن بعضهم انها عنصرية وظن بعض منهم ان القلم جف فيها ولم يعلموا ما هي واما اسماؤهم التي خلقها سبحانه باعمالهم وهي الصورة الوجودية الشرعية وهي ابدا تصاغ وتكسر لم يفرغ القلم من كتابة حروفها في الفصل الاول من احكامه الى الممات وفي الفصل الثاني من احكامه الى غير نهاية فالطينة هي الصورة الوجودية المخلوقة بعمل المكلف فاذا عمل خلقت له واذا خلقت له حركته الى العمل واذا عمل ما يطابق الاول احكم صيغة ( صنعة خل ) الاولى وزيد فيها من نوعها واذا عمل ما يخالف الاول كسرت وصيغت على مقتضى العمل الثاني فهذه الطينة فهي لم تكمل ولم يفرغ منها ليقال السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه ولا يتخلف ولا يتبدل ابدا بناء على ان القلم جف من كتابة الطينة وكتابة مقتضاها واما على ما بيناه من السر المصون والغيب المكنون يظهر لمن عرفه كالشمس الطالعة ان السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه وان المكلف لا يفارق بطن هذه الام وان هذه ( عنده خل ) الام دائما يزاد فيها وينقص ابدا وبالتكليف دائما يتغير المكلف ويسبق ويقصر وبهذا تظهر ثمرة التكليف ومع هذا فلا ريب ان كل احد ينساق الى غايته البتة كما قال صلى الله عليه وآله لسراقة بن مالك لما سأله عن هذا فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله لكن تلك الغاية يخلقها للمكلف الحكيم العليم بخاتمته التي هي نتيجة سابقته واما قدر بقاء جنينها في بطنها فكما مر من انه قد بقي في الكون الجوهري الف سنة في بطن امه وفي الكون الهوائي الف سنة وفي الكون المائي الف سنة وفي الكون الناري الف سنة وفي الكون الاظلة والذر الف سنة ثم تنزل الى الملائكة حتى كمنت فيه روحه ودفعته الى الريح على جهة الوديعة ثم الى السحاب ثم الى التراب ثم الى المعدن ثم الى النبات ثم الى الغذاء ثم الى المعدن ثم الى النبات ثم الى الحيوان ومن المعدن الثاني الى الحيوان اربعة اشهر ثم الى كمال الحيوان بان تستقيم الارحام في تسعة اشهر او ينقص ( يغيض خل ) في ستة اشهر الى تسعة اشهر او تزداد الى سنة ثم الى ان يموت ثم الى ان يبعث يوم القيمة الكبري ثم الى ما لا نهاية له ابدا في بطن امه نعم قد يكون له احوال كاملة يكون فيها خارجا عن امه موليا عنها فرارا فاقدا لها في وجدانه لا في وجوده فانه ابدا لا يفارقها وذلك حين يعرف نفسه وهو مع ذلك كله عامل بعمله يصاغ ويكسر بصيغة ( بصنعة خل ( حتى يورده الله سبحانه ( سبحانه الى خل ) ما يشاء في حكمه وهو الحكيم العليم واعلم ان الام الظاهرة هي محل لزرع الام الباطنة في الدنيا ولك ام ثالثة قدرت لك في التنزيل وهي ام قد حملت بك في التأويل وهي الارض فانها التي القت ما فيها وتخلت وتضع كل ذات حمل حملها فافهم واشرب عذبا صافيا
قال سلمه الله تعالى : الثالثة - ان مخالفة التكاليف وترك العبادات من العبد لماذا يصير منشأ للعذاب مع انه تعالى مستغن عن طاعة العبد منزه عن لذة الانتقام متعال عن الغرض الحاصل له ومع ذلك وصف نفسه بأنه منتقم فما وجه التوفيق
اقول ان الله سبحانه ليس كما يتوهمه الجاهلون من انه سبحانه اذا عصاه عبده غضب عليه لاجل معصيته كما هو مدلول السؤال بل السر في ذلك انه سبحانه انما خلقهم ليعرفهم نفسه ويظهر عليهم اثار كرمه وكان قد خلقهم لا من شيء ولا لشيء وما كان هذا حقيقته بحيث لا تكون له حقيقة قائمة بنفسها والا لكان اما غير مخلوق واما انه مخلوق من شيء كالجدار فانه لما بناه البناء من الطين واللبن قام باصله وان اضمحل صانعه وانما مثال ما يخلق لا من شيء الصورة في المرءاة فانها لم تخلق من شيء ولا اصل لها الا تجلي الشاخص لها بها فكذلك المخلوق لا حقيقة له الا تجلي الله سبحانه له به فلا يقوم باصله كما يقوم الجدار فاذا اردنا تشريح هذا المخلوق بنظر الفؤاد لم نجد له مادة الا نفس تجلي الحق سبحانه لديه ولا صورة الا نفس انفعال ذلك التجلي عند فعل المتجلي كما نقل ( نقول خل ) ليس للصورة في المرءاة مادة الا ظهور الشاخص لها بها و ليس لها صورة الا هيئة المرءاة من الصقالة والبياض و( او خل ) السواد والاستقامة او ( وخل ) الاعوجاج والطول او ( وخل ) العرض والكبر او ( وخل ) الصغر والقرب او البعد وفي المرءاة ليس للصورة صورة الا ما لبسها ( لابسها خل ) من هيئتها من التخطيط والهيئة واللون وذلك هو المراد بالمرءاة التي تظهر فيها الصورة لان الصورة انما تظهر بنفسها ولا نريد بالمرءاة في الحقيقة هذه الزجاجة فاذا عرفت ان المخلوق خلق لا من شيء وان مادته هو التجلي وان صورته هو الهيئة الانفعالية والهيئة الانفعالية مركبة من اشياء كثيرة تسمى المشخصات وتلك المشخصات هي القابلية وهي في الحقيقة اعمال المكلف في الظاهر وفي الباطن كما تقدم ولا يكون المخلوق ( الخلق خل ) بدون هذه القابلية التي هي من عمله وقبوله للايجاد حين خلق فلما اراد سبحانه ان يلطف بهم بين لهم ان المخلوق لا يمكن ايجاده بدون ان يقبل الايجاد وقبوله لذلك هو حقيقة عمله والايجاد خير من قبول الخير بالاعمال الطيبة وشر في قبول الشر بالاعمال الخبيثة والاعمال صفات العاملين كما قال تعالى سيجزيهم وصفهم ولكم الويل مما تصفون وايجاد الصفات بنحو ايجاد الذوات ( الذوات واخبرهم وهداهم النجدين بان قال لهم انما هي اعمالكم ترد عليكم خل ) وان ( فاذا خل ) اطعتم لا محالة كانت اعمالكم بامتثال امري نعيما ولذة وان عصيتم لا محالة كانت اعمالكم بترك امري عذابا اليما لان النعيم مركب من مادة هي امر الله وصورة هي عمل المكلف به وامتثاله لا يصح ان يتركب الا من هذا والعذاب مركب من مادة هي امر الله ومن صورة هي عمل المكلف بترك امر الله والمخالفة ( بمخالفته خل ) لا يصح ان يتركب من غير هذا فاذا عرفت هذا ظهر لك ان عذاب المكلف نشأ من عمله الذي اوقعه باختياره وتمكنه من تركه من غير جبر ولا ضرورة وانما امره طاعته لانه يريد به اليسر ولا يريد به العسر ليسلم من عذابه الذي هو من معصية ( معصيته خل ) الا ترى انك اذا رأيت رجلين اجنبيين معك ليس بينك وبين احد منهما معرفة ولا صداقة ومحبة ( لا محبة خل ) ولا بغض وعداوة ( ولا عداوة وبغض خل ) بوجه من الوجوه فدعوتهما واجابك واحد وانكرك واحد كيف كان المجيب طائعا فمن اين جاء هذا الوصف المحبوب الا من قبوله دعوتك وكيف كان الممتنع عاصيا فمن اين جاءه هذا الوصف المبغوض الا من عدم قبوله دعوتك وهذا القبول وهذا الترك هو القابلية التي لا يكون الشيء بدونها والله سبحانه لا حاجة له في ثوابهم ولا عقابهم ولا يلتذ بالانتقام ولا بالاثابة وانما وصف نفسه بالمثيب والمنتقم لانه لما سأله ( سال خل ) عباده الفقراء اعطاهم ما هم مذكورون به من انهم اذا خلوا واختيارهم اختاروه فعلم ما سيكون منهم وخلق للعاصي الاسباب وترتب عليها المسببات والاسباب والمسببات فقراء محتاجون الى كرمه وجوده فاعطاهم ما سألوه بحقيقة استعدادهم لانه كريم لا يبخل فخلق ( فخلق للعاصي خل ) بمعصيته مقتضاها وهو العقاب فسمي نفسه بذلك الترتيب اي اعطائه مقتضي عمله من الانتقام منتقما وكذلك الثواب
قال سلمه الله تعالى : وايضا التعذيب في الاخرة ضرر خال عن جهات النفع
اقول وان كان التعذيب ضررا خاليا عن جهات النفع لا يجوز في الحكمة عدم ايقاعه لانه سبحانه لو منع مقتضي المعصية لجاز منع مقتضى الطاعة لان كلا منهما كان مسببا لسببه فكيف يمنع تأثير سبب ويعطي تأثير سبب وهما في الحاجة اليه سواء وايضا هذه صفاتهم ولا يحسن منع الموصوف صفته كما قال تعالى سيجزيهم وصفهم وقال عليه السلم انما هي اعمالكم ترد اليكم وقد تقدم انه سبحانه اجرى عادته انه لا يفعل الا على حسب القابلية والا وقع خلاف الحكمة ان خلقهم على ما علمهم وفسدت السموات والارض ومن فيهن وان خلقهم على غير ما هم عليه كانوا غيرهم وايضا هم فعلوا ما يلزمهم به التعذيب باختيارهم ولو رفعه عنهم لكان فعل بهم غير ما طلبوا منه بالسنة استعداداتهم فاذا سأله سائلهم فان اعطاه ما سأله كان ما رأيت وسمعت وان اعطاه غير ما سأله كانت عطيته بلا قابل لان السؤال انما هو القابلية واذا كانت بلا قابل تعذر ايجادها انما قلنا ذلك لان المخلوق لا يخلو من تنعم او تألم ما دام موجودا وهذا ( هنا خل ) العاصي ان عذب فذلك وان نعم كان النعيم لا في محل لان المحل كان منتهيا للعذاب ومتقدر له بسبب المعاصي فلا يصلح ان يكون محلا للثواب فان المحل المثلث مثلا لا يصلح للحال المربع وبالعكس ولا ينطبق المستدير عليهما ولا ينطبقان عليه والظلمة لا تقتضي النور وبالعكس فافهم الاشارة
قال سلمه الله تعالى : وايضا انه تعالى كان عالما بان الكافر لا يؤمن كما هو مدلول بعض الايات متى كلف لم يظهر منه الا العصيان سببا للعقاب فكان ذلك التكليف مستعقبا لاستحقاق العقاب فوجب ان يكون قبيحا لكونه مستعقبا للضرر الخالي من النفع
اقول انه تعالى كان عالما ولا معلوم ولا كافر ولا مؤمن هذا علمه الذاتي الذي هو ذاته وله علم اخر مطابق للمعلوم فقولك كان عالما بان الكافر الخ معناه ليس بصحيح لان معناه انه كافر قبل ان يكفر وهذا لا معنى له والقول الصحيح ان يقال له انه تعالى كان عالما بان زيدا لا يؤمن ليصح ان يقال فمتى كلف الخ هذا ما يرجع الى تصحيح اللفظ واما المعنى فالذي نبه الامام عليه السلم عليه في هذه المسئلة هي ( هو خل ) حقيقة الجواب الا ان فهمه صعب قال عليه السلم كان عالما ولا معلوم فلما وجد المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والمعنى انه كان وحده لم يزل ولا يزال فلما احدث المعلوم كان معلوما له حين احدثه وقبل ان يحدثه كان عالما ولا معلوم اذ ليس قبل ان يوجد معلوما والا لكان شيئا قديما معه تعالى ولكن العبارة الظاهرة للجواب هي انه تعالى لما كان علمه غير زماني ولا دهري بل الازمنة والدهور وما فيها نقطة في علمه لا تقبل القسمة لذاتها عند علمه وجميع الاجزاء والجزئيات الواقعة في الازمنة والدهور في مستقبل الامور يعلم سبحانه مجملها ومفصلها في ازمنة وجودها وامكنة حدودها والاستقبال والماضي والحال انما هو عندها وبنسبة بعضها الى بعض وعنده جل وعلا في آن واحد فان من سيوجد بعد مائة سنة من ايامنا هذه مثلا وبعد بلوغه يكفر باختياره قد كان عند الله في وقته الذي حده له وكفر في وقت كفره وعندنا لم يكن من ذلك شيء وانما هو امر مستقبل ولله تعالى فيه البداء فان بدا لله في ان يعصمه من الكفر قبل ان يكون وقته تحت الفلك كان له ذلك ولم يكفر وهذا الذي كان في علم الله فالذي في علم الله يقع والذي يقع هو ( فهو خل ) ما شاء واليه الاشارة بقول الصادق عليه السلم كما رواه في الكافي في باب الاستطاعة ولكن حين كفر كان في ارادة الله ان يكفر و( وهم خل ) في ارادة الله وعلمه الا يصيروا الى شيء من الخيرات الحديث فعلم الله بأنه يكفر ليس موجدا لكفره بل هو باق على اختياره ان شاء امن وان شاء كفر وان امن كان الواقع في علمه هو الايمان قبل ان يؤمن وان كفر كان الواقع في علمه كفر قبل ان يكفر لانه علم ما سيفعل في مستقبل امره باختياره فالعبد مختار بينهما حتى يقع منه احدهما ثم هو مختار في الانتقال الى الاخر والله سبحانه يعلم ما يكون منه لانه هو الذي يخلقه بعمله الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وهو سبحانه مختار في عبده واعماله ان شاء عصمه وان شاء خذله ثم اذا وقع من عبده احد الحالين كان جل وعلا مختارا في ملكه ان شاء غير وان شاء ابقي فالذي انتم تفرضونه ان الله يعلم انه يكفر وامره بالايمان هو عند الله انه قادر على الايمان وعند العارفين بالله وبافعاله فان امن كان الله انما يعلم منه الايمان وان كفر كان انما يعلم الله منه الكفر واما هذا الكلام الذي ذكره الاشاعرة فباطل لانه تشبيه علم الله بعلم خلقه الدهري وهو قول الصادق عليه السلم بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض اياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك يا الهي الدعاء فمتى كلف العبد كان ذلك التكليف استنطاقا لطبيعته يؤل امره اليها باختياره بمعونة اللطف والخذلان فان اختار الايمان امكنه ذلك فان امن كان ما في علم الله هو ايمانه وان اختار الكفر كان ما في علم الله هو كفره وهذا الرجل الذي وقع منه الكفر قبل ان يكفر ليس في علم الله انه كفر وانما الدعوى انه في علم الله انه سيكفر والجواب ان نقول هذا الرجل قبل ان يكفر في علم الله انه يمكن منه الايمان وليس يمكن منه الايمان فان كان الاول تساوي الحالان بالنسبة اليه فجاز ان يؤمر بالايمان ولا يجوز ان يقال انه لا يقع منه الا الكفر لان هذا ليس بمختار فيهما وليس هذا الفرض الاول بل الفرض الثاني وان كان الفرض الثاني لزم اما ان يقال انه لم يفعل شيئا لانه ماكفر وانما احدث فيه الكفر بل لا يصح ان يقال كفر لان هذا اللفظ الذي هو كفر فعل ماض صدر من فاعل قاصد للفعل راض به ويقبل ( لقيل خل ) خلق الله كفره كما تقول في صورة جسمه خلقها الله ولا تقول خلق صورته او تصور فاذا جاز وقوعه منه وهو قاصد له وجب ان يكون مختارا في فعله وان كان مختارا فيه امكن له تركه واذا امكن له تركه تمكن من ضده وهو الايمان وجاز تكليفه به كما هو الواقع فكما جاز منه الكفر جاز منه الايمان او لم يكلف به لانه تكليف بما لا يطاق واذا جاز منه وقوع الايمان بل لم يخلق الا للايمان ولم يطلب منه غيره فلما فعل غير ما خلق له وغير ما يراد منه وجرى على ( عليه خل ) مقتضى فعله الموجب للعذاب لم يلزم من ذلك ان يكون داعي التكليف وباعثه قبيحا لانه انما يكلف ( كلف خل ) بالطاعة ليصل بها الى كل خير فلما نسوا ما ذكروا به لزمهم وصفهم وليس من التكليف ليكون مستعقبا للضرر الخالي من النفع وانما ذلك بتركهم التكليف ولو ان اهل الكتاب امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا واخذناهم بما كانوا يكسبون وذلك بما قدمت ايديكم وان الله ليس بظلام للعبيد
قال سلمه الله تعالى : وايضا انه تعالى انما كلفنا النفع لعوده الينا قال تعالى ان احسنتم احسنتم لانفسكم الاية فاذا عصينا فقد فوتنا على انفسنا تلك المنافع فهل يحسن في العقول ان يأخذ الحكيم انسانا ويقول اني اعذبك العذاب الشديد لانك فوت على نفسك بعض المنافع فانه يقول له ان تحصيل النفع مرجوح بالنسبة الى دفع الضرر فهب اني فوت على نفسي ادون المطلوبين فانت تفوت على لاجل ذلك اعظمها كيف يليق هذا باحكم الحاكمين
اقول لا شك انه سبحانه انما كلف عبده النفع لعوده اليه لانه لما علم فقره وحاجته وعدم استغنائه عن اعانته ومدده في حال من الاحوال كلفهم قبول النفع منه ولما علم انهم لا يقدرون على ما يحتاجون اليه من المعونة والنفع منه بل لا طريق الى ذلك الا بقبولهم هذا التكليف الخاص بهم ولا يمكنهم غيره ( غيره كلفهم خل ) كما سمعت ورأيت وهذا التكليف هو طريق قبولهم النفع منه لا غيره ونفعهم محصور في تنعمهم وتلذذهم بما يحبون وما يشتهون لا غير ولما كانوا في انفسهم محتاجين مفتقرين اليه في كل حال لانه غني مطلق وهم فقراء كذلك والله الغني وانتم الفقراء وجب لكونهم فقراء مطلقا ان حصول مطلوبهم في طلبهم فيه ( منه خل ) لا غير وليس لهم طلب الا القبول منه ولا يتحقق القبول النافع الا لامره وارادته الموافقين لمحبته وليس في شيء مما يوافق محبته قبح بوجه ما بل كل ما يحب حسن لانه تعالى الحق المطلق فاذا لم يقبلوا منه ما يوافق محبته وجب ان يقبلوا عنه ( منه خل ) ما يوافق كراهته اذ لا واسطة بين محبته وكراهته ولا استغناء للمحتاجين عن الاحتياج الى المدد فاذا قبلوا ما يوافق كراهته لزمهم مقتضاها وليس فيما يكره شيء من الحسن بل كله قبح لانه سبحانه لا يكره الخير ولا يحب الشر وليس في شيء من القبيح لذة ولا محبة في ذاته بل هو لذاته خلاف مطلوب النفوس وانما يظهر للغافلين حسنه لغفلتهم عن قبحه مثلا اذا زنى الرجل الغافل عن قبح المناهي بالاجنبية يتلذذ ويستحسن فعله لغفلته عن قبحه ولو انه تأمل في قبحه ( قبحه مثل خل ) ما لو كان الزاني غيره والمزنى بها اخته ( اخته او خل ) ابنته ( بنته خل ) لعرف ما في الزنى من القبح وفي حسنه لو كان موافقا لمحبة الله كما لو تزوج ذلك الاجنبي اخته او بنته فاذا قبل المكلف ما يوافق كراهته كان بذلك بعيدا من القرب اليه ومن الذات الحقيقية بنفس فعله وليس ضد القرب الذي هو الخير المطلق الا البعد الذي هو الشر فاذا لم يقبل منه فوت على نفسه النفع فيلزمه ضده الذي هو الضر ولا يغني بالعذاب الا هذا فهو حين فوت النفع ابدا فاقد له والفاقد للنفع ابدا واجد ( واجد للضر خل ) لان الممكن ما دام موجودا هو متصف باحدهما لانه اما مقبل متلذذ باقباله الى الخير واما مدبر متألم بادباره عن الخير الى الشر ولا واسطة بينهما وهو قوله صلى الله عليه وآله ليس وراء دنياكم هذه بمستعتب ولا دار الا جنة او نار وليس المراد ان العذاب الذي استحقه العاصي انه لموجب عين ( غير خل ) فعله وصادر من عين ( غير خل ) عمله ليقال انه اذا ترك النفع انما ترك حظ نفسه ولا يعاقب على ذلك كما يقال اذا ترك الاكل لا يضرب على ترك الاكل لانه لم يفعل ما يستوجب به الضرب ( الضرب بل نقول خل ) انه انما جري عليه العذاب من عمله كما لو ترك الاكل الذي لو امر به فانه بسبب ترك الامر بالاكل يؤلمه الجوع الى ان يقتله الا انه يضرب عليه ولكن تركه الصلاح هو الفساد وتركه ( ترك خل ) الراحة هو النصب ( التعب خل ) وترك الطاعة هو المعصية وترك النعيم هو العذاب وهكذا فلو قال يا رب اني فوت ( فوت على خل ) نفسي اهون المطلوبين الى اخره قيل له انت جاهل بدوائك ودائك لانه في الحقيقة ليس الا مطلوب واحد وضده فاذا تركت الراحة ليس غيرها الا ضدها وهو التعب ولو قال انت تقدر على ان تعطيني الراحة وان تركتها قيل له كيف يمكن ان تستريح وانت لا تستريح ونظيره لو كان قريبا منك رجلان فدعوتهما فاقبل شخص وادبر الاخر فان المقبل اليك المجيب دعوتك البتة يكون قريبا منك فاذا كنت في نور وليس نور الا عندك كان من اقبل اليك ( اليك كان خل ) قريبا منك ومستنيرا بنورك والمدبر عنك المعرض عن اجابتك البتة يكون بعيدا عنك لانه لم يقرب منك فكيف يكون قريبا منك وهو قد بعد عنك ويكون مظلما لانه لم يدخل في النور الذي عندك فلو قال لك انا بعدت عن قربك ولا اريده ولا ادخل نورك وقد فوت على نفسي قربك ونورك فلم لا تجعلني قريبا منك من حيث بعدت عنك وداخلا في نورك من حيث لمادخل فانك تقول له انا دعوتك الى قربي ونوري فتركتهما فكيف تدخل فيما لم تدخله وانما انت باق في البعد والظلمة اللذين طلبتهما فهو معذب بما طلب باختياره فافهم
قال سلمه الله تعالى : الرابعة - سلمنا العقاب وجوزنا العذاب فمن اين القول بالدوام وما الدليل عليه في المقام مع ان اقسى الناس قلبا واشدهم غلظة وبعدا عن الخير والرحمة اذا اخذ من بالغ في الاسائة التي عذبه يوما وشهرا وسنة ثم انه شبع منه ولو بقي مواظبا عليه يلومه كل احد ويقال هب انه بالغ في الاسائة والاضرار بك ولكن الى متي هذا التعذيب فاما ان يقتله واما ان يخلعه فاذا قبح هذا من الانسان الذي يلتذ بالانتقام فالغني عن الكل كيف به هذا الدوام مع انه تعالى قال فلا يسرف في القتل الاية
اقول ان الانسان في كل حال من احواله له مثال منه صفة له يعمل عمله من خير او شر في مكان عمله ووقته فكل ما توجهت اليه وجدته قائما في ذلك الزمان وذلك المكان بذلك العمل مثلا انت رأيت زيدا في العام الماضي في بيت مخصوص يزني وبعد شهر رأيته في السوق يسرق وهذه السنة مثلا رأيته في المسجد يصلي ففي كل وقت التفت خيالك الى ذلك البيت في ذلك العام الماضي رأيت زيدا يزني وذلك مثاله لا ينفك عن العمل كلما التفت رأيته كذلك وكلما التفت اليه في السوق بعد شهر وجدته يسرق ابدا لا ينفك عن هذا الفعل وكلما التفت اليه في المسجد في ذلك الوقت وجدته يصلي ابدا لا ينفك عن هذا العمل كلما التفت اليه وجدته كذلك وكذلك حال اكله وشربه وقيامه و قعوده وجميع احواله وحركاته وسكناته كل حال له مثال له قائم بتلك الصفة ابدا سواء بقي هو عليها ام اعرض عنها ام تاب حيا ام ميتا وهذه الامثال صفاته لازمة له كلزوم الظل للشاخص مثبتة في هذا اللوح المحفوظ كلما احدث شيئا كتب فيه قال تعالى انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فكما كان مثاله ابدا يعمل عمله وكان مثاله هو صفته كذلك يكون هو ابدا متصفا بذلك وقد قدمنا ان اعمال المكلف صور ثوابه وعقابه كما قال تعالى سيجزيهم وصفهم وقال تعالى وما تجزون الا ما كنتم تعملون وان ليس للانسان الا ما سعى انما يأكلون في بطونهم نارا يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون فاذا كان متصفا بذلك وهو ابدا يعمل المعصية فالمعصية ابدا لا تنتهي كما ان الطاعة ابدا لا تنتهي وانما هي شجرة تؤتي اكلها كل حين فان ( وان خل ) تاب عن تلك المعصية توبة نصوحا بقي ذلك المثال يعمل المعصية الى يوم القيمة ثم يمحي من ذلك اللوح وتنسى ذكره الملئكة من السماء الثانية ويمحى من تلك البقعة التي عمل فيها ومن ذلك الوقت فلا يذكره احد ابدا فان قلت ان قولك كلما توجهت اليه وجدته عاملا بالمعصية لا يدل على دعويك لان ذلك انما هو شيء في التصور وانت تدّعي وجوده في الخارج واين ما في الذهن مما في الخارج قلت انما تتصور بذهنك الصورة وهي ظل للخارجي لان الذي في ذهنك لا يخلو اما ان يكون ظلا او يكون ذاتا فلو كان ذاتا لزم ان يكون ذهنك فيه البلدان والاشخاص بذواتها ولم يقل به احد ولا يتوهمه عاقل واذا كان ظلا لزم ان يكون لشيء خارجي ويجب ان يكون موجودا خارج الذهن وليس الا مثال زيد ولهذا اذا اردت ان تذكر مثاله وتراه بخيالك لا يمكنك ذلك الا ان تلتفت الى زمانه ومكانه بل لو عمل يوم الجمعة في المسجد لم تره ولا تراه الا اذا التفت الى المسجد يوم الجمعة وكون العاصي متصفا ابدا بذلك المثال وان ذلك المثال ابدا يفعل المعصية هو المشار اليه بما روي عنهم عليهم السلم انما خلد اهل النار في النار بنياتهم والسر في كون النية علة للخلود وهو اهل النار في الدنيا كانت نياتهم انهم ابدا لا يطيعون الله فلما كانت نياتهم كذلك دلت على ان حقايقهم لم يكن في اصل تكونها شيء مقتض للخيرات والا لبدا عنه ميل ما ولو بالتسويف الى جهة الخير فلا ينبعث النية على المعصية بالتأييد لان الدواعي والميول الخالصة لا تنبعث خالصة ابدا عن الحقايق المشوبة فاذا كانت حقائقهم هكذا لم يكن فيها جهة قبول ما هو خلاف ما هي عليه في حد ذاتها فلم يجري عليها الا ما قبلته بمقتضى ذواتها باعمالها الظاهرة والباطنة ومنها النية لانها الباعث على العمل ولكن اعمارهم ماوفت بما عزموا عليه ولو عاشوا ابدا الابدين ماهموا بطاعة الله ابدا حتى انهم يندمون على تفريطهم ولا يعزمون على التلافي كما حكى الله عنهم في قوله ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين فكذبهم الله تعالى لعلمه بما عزموا عليه فقال بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل فانهم كانوا يتبرؤن من التقصير فلما ظهر للناس انهم قصروا ظهروا لهم الاعتذار حياء لا ندما على تقصيرهم فقال تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون اخبر تعالى عن نياتهم واستدامتها ابدا فلهذا اقامها ( اقامهم خل ) مقام اعمالهم بالمعاصي لانهم لم يمنعهم من معاصي الله الا عدم التمكن منها او الموت مع العزم عليها ولو جاز تنعيمهم والحال هذه لجاز خلاف الاستحقاق وخلاف القابلية وخلاف الحكمة ولو حسن هذا لجاز تعذيب الطبايع ولو جاز ذلك لبطلت فائدة التكليف ولو جاز هذا لم يحسن ايجادهم لان فائدة الايجاد هي المعرفة والعبادة المتوقفين على التكليف ليصل المكلف بهما الى الخيرات والتنعيم الدائم فهذا من الادلة المثبتة لدوام العذاب عند اولي الالباب ومنها ان الله سبحانه لم يخلق شيئا الا وخلق له ضدا ليعلم ( ليعلم الا ضد له خل ) فلما خلق الرحمة وجب في الحكمة ان يخلق ضدها فخلق الغضب وهو ضد الرحمة وهما ركنان للوجود فخلق من الرحمة اهل الجنة وخلق من الغضب اهل النار والمراد من هذا الخلق هو الخلق الثاني الذي هو خلق التقدير وفيه السعادة والشقاوة لا الخلق الاول الذي اشار اليه تعالى بقوله كان الناس امة واحدة وهو خلق مواد الخلق اي ايجادهم تامين في الخلقة الظاهرة ناقصين في الخلقة الباطنة يعني خلقهم خلق الايجاد ولم يخلقهم خلق التكليف الا انهم كانوا صالحين لقبول الخير والشر فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وهذا خلق التقدير والتكليف وبه السعادة والشقاوة والمراد من ( ومعنى خل ) خلق السعداء من الرحمة والاشقياء من الغضب انه خلق الفريقين موادهما من الوجود في الخلق الاول كل منهما صالح لقبول الخير من جهة وجوده ولقبول الشر من جهة مهيته فقال لهم الست بربكم من اجاب دعوتي وامن بي خلقت صورته من جنس اجابتي والايمان بي وهو الرحمة ويكون بذلك مآله الى جنتي ورحمتي ومن اعرض عني وكفر بي ( اعرض عن دعوتي ولم يؤمن بي خلقت صورته من جنس الاعراض عني والكفر خل ) وهو الغضب ويكون بذلك مآله الى ناري وغضبي فمنهم من اجاب خلقه من الرحمة واليها يعود ومن انكر خلقه من الغضب واليه يعود فاجرى على كل ( كل اهل خل ) اصل فروعه وفروع كل من الاصلين لا نهاية لها فصورة الرحمة خلقها لمن اطاعه باجابته والى الرحمة يعود ومن فروعها الجنة ونعيمها الدائم الذي لا انقطاع له بل كلما تطاولت الدهور عليهم ازدادوا نعيما ولذة وجدة وشبابا وعكسها صورة الغضب خلقها لمن عصاه بمعصيته وعدم قبوله لدعوته والى الغضب يعود ومن فروعها النار وحميمها الاليم وعذابها الذي لا انقطاع له بل كلما تطاولت الدهور عليهم ازدادوا تألما وعذابا وضعفا على عكس الجنة واهلها ولهم عذاب مقيم فكما ان اهل الجنة دائما يأكلون ويتلذذون من ثمرات اعمالهم كذلك اهل النار يتألمون من طلع اعمالهم فانهم لآكلون فيها ( منها خل ) البطون ثم ان لهم عليها لشوبا من الحميم ( حميم خل ) ثم ان مرجعهم لألى الجحيم استجير بالله من غضب الله ومنها انه قد دل العقل والنقل واجماع المسلمين على ان اهل الجنة ابدا يتنعمون وان نعيمهم لا انقطاع له وقد دل العقل والنقل على ان النار عكس الجنة وضدها وان جميع ما فيها ضد ما في الجنة وقد ثبت ان الجنة لا ينقطع نعيمها وتنعم اهلها فيجب ان تكون النار لا ينقطع عذابها وتألم اهلها لانها ضد ( ظل خل ) الجنة فكيف يصح ان ينتهي الظل وذو الظل لا ينتهي ولا شك ان تألم اهلها ظل لتنعم اهل الجنة لان التنعم فرع الجنة والتألم فرع النار وهي ضدها وظلها وهذه التي سمعت من الادلة العقلية ولكنها من دليل الحكمة الذي ينظر به الفؤاد واما الادلة النقلية فالايات والروايات ناطقة بذلك كقوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وقوله تعالى لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها والاحاديث مشحونة بذلك واجماع العلماء من الفريقين على ذلك معلوم لا ينكر ولا يجهل ودعوى ان اهل النار يؤل امرهم الى النعيم باطلة فان هؤلاء المتصوفة اعداء اهل البيت عليهم السلم هم القائلون بذلك لما قال اهل العصمة عليهم السلم بدوام التألم لاهل النار واولئك همهم الخلاف لاهل العصمة ( الحق خل ) عليهم السلم ليتقربوا بذلك الى ائمة الجور فجري فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله كما رواه الفريقان لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة الحديث وذلك ان اليهود قالوا لن تمسنا النار الا اياما معدودة وقال بعضهم الا اياما معدودات ونظيرهم في هذا الامر القائلون بانقطاع العذاب عن الكافر وان مرادهم يؤل الى النعيم وبه قال مميت الدين ابن عربي وتبعه جهال من اهل هذه المذهب في صورة العلماء وتكلفوا تأويل القران والنصوص وصرفوا القول عن مفهومه وحرفوا الكلم عن مواضعه حتى وقعوا في مهلكة غفلة بان جعلوا محكمات الكتاب ونصوص اهل الخصوص تابعا لرأي اهل الضلالة كابن عربي وعبد الكريم الجيلاني وهم لا يعلمون ولو قلدوا ائمتهم وردوا الامر اليهم لكان خيرا لهم واقوم
قال سلمه الله تعالى : ثم ان العبد هب عصى طول عمره فاين عمره من الابد فيكون العذاب المؤبد ظلما تعالى الله عن ذلك مع ان التجاوز عن الوعيد مستحسن فيما بين الناس
اقول قد تقدم جواب اول هذا السؤال بأنه انما عذب ابدا على نيته وعزمه القاطع انه يعصي ابدا وانما منعه عن ( من خل ) عمل المعاصي ابد الابدين بالجوارح عدم ( لعدم خل ) تمكنه ومعاجلة الاجل ولانه لو انقطع عنه العذاب لا يخلو اما الا يكون موجودا وليس في الاخرة عدم واما ان ينعم وقد تقدم ان حقيقته لا يقتضي النعيم ولا يحسن العبث من الحكيم الذي لا يفعل الا عن حكمة فلو وضع الاشياء في غير موضعها لكان ظلما للحكمة ويكون فاعل ذلك ضعيفا كما قال عليه السلم وانما يحتاج الى الظلم الضعيف فيكون تعذيبه لهذا المنافق بالعذاب المؤبد عدلا ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون واما ما احتج به الصوفية فيه من ان التجاوز عن الوعيد مستحسن لانه عفو ومن كرم النفوس ومن اولى في ( من خل ) كرم النفس من الله تعالى ولانه مدح اقواما يعفون عمن يستحق العقوبة وسماهم محسنين كما قال تعالى والعافين عن الناس والله يحب المحسنين فليس بصحيح اما الاول ( اولا خل ) فلأن الوعيد اذا كان لمن لا يحسن العفو عنهم فانه وعد من جهة وذلك لان ذلك الانتقام قصاص لمظلومين في الدنيا وهو وان كان وعيدا بالنسبة من المقتص منه لكنه وعد بالنسبة الى المقتص له لانه في مقابلة مظلمته ولو ان للذين ظلموا ما في الارض لافتدوا به ولهذا سماه الله وعدا قال تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده واذا كان وعد الاخرين لا يجوز في الحكمة العفو عنه لان فيه ابطال حق الغير مع ما فيه مما يلزم عليه مما ينافي المصلحة واما ثانيا فلان العفو عن الوعيد لا يحسن الا عمن يصلح للاحسان اليه والا لما جاز مطلق العدل والحساب لانه ينافي العفو واذا فتح جواز هذا الباب بطل حكم التكاليف ( التكليف خل ) ولان من عفى عنه لا يبقى واقفا بل لا بد من الاحسان اليه ومن لا يصلح للاحسان اليه كيف يصح الاحسان اليه وهذا مع ملاحظة ما تقدم واما ثالثا فلأن العفو عن الوعيد اذا كان احسن من القصاص فهل ( فهل هذا خل ) الحسن مطلق او انه مقيد فان كان مقيدا فنحن نقول بموجبه لان بعض من يحسن الاحسان اليه يعفى عنه لا مطلقا وان كان مطلقا ففيه بحث وهو ان نقول اما ان يكون المراد بالاطلاق انه يحسن العفو عن كل احد او انه يحسن العفو عن كل ذنب فان كان المراد به الاول لزم منه ما قلنا من بطلان فائدة التكليف وان ( فان خل ) كان الثاني فنقول لم لا يكون العفو المستحسن انما هو عن البعض دون الكل فان قلت يجوز ان يكون المراد به العفو عن البعض قلنا فيه شيئان الاول ترجيح البعض دون البعض الاخر ترجيح بلا مرجح اذ نسبة الذنوب كلها الى عفوه ( عفوه متساوية خل ) لغناه المطلق على السواء فلا يكون المراد به بعضا دون بعض وان سلمنا انه عن بعض دون بعض فنقول المعفو ( العفو خل ) عنه هو الصغائر ام الكبائر فان كان هو الصغائر لزم ما قلنا سابقا من لزوم الدوام اذ ( او خل ) العفو عن الصغائر خاصة كلا عفو لانه لا يترتب عليها عذاب يلزم منه الدوام ليكون المعفو ( العفو خل ) عنه ناطقا ( قاطعا خل ) عن الدوام وان كان عن الكبائر ( الكبائر قلنا ان العفو عن الكبائر خل ) مكفرا للصغائر فيكون العفو عن الكبائر عفوا عن الكل وهو خلاف المفروض مع ما فيه من خلاف الحكمة فان العفو اذا كان تدريجيا يجب على مقتضى الحكمة ان يكون الابتداء بالصغائر وكون العفو عن الكبائر دون الصغاير يستلزم تأخر الصغائر وهو مخالف للحكمة وان قلت ان العفو المستحسن انما هو عن الكل لان التمدح بالعفو عن الكل اكمل واولى بالغنى المطلق والكريم الذي لا يتلذذ بالانتقام ولا تستفزه الاحوال قلنا الامر في حقه تعالى كما قال وفوق ما نقول ويقول القايلون ولكن يلزمك ان تقول انه يعفو عن كل احد ولا يؤاخذه ( لا يؤاخذ خل ) عن ذنب فكيف قلت انه يعذبهم مدة من الاوقات ويتألمون من ابتداء دخولهم فلم جاز ان يعذبهم ولا يعفو عنهم ابتداء لان العفو عنهم ابتداء ابلغ في التمدح بالعفو عنهم بعد تطاول الدهور ولان يعفو عن ابليس ويدخله الجنة ابلغ من ذلك فكيف حكمت انه يعذبهم ابتداء ثم يتمدح بالعفو عنهم فان كان ذلك عن ذنوب يعفو عنها فنقول انه تعالى قد حكم الا يعفو عنهم قال تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به وان كان انما عقاب ذنوبهم قد انتفى ( انتهى خل ) فينبغي ان يقال انه يخرجهم من النار ويدخلهم الجنة والا لكانوا مظلومين وهو خلاف الحكمة فان قلت انما الحكمة ان ترتفع عنهم التألم ويتنعمون بالعذاب قلنا لو خيروا ان يخرجوا من النار ويدخلون الجنة هل يرضون بذلك ام يقولون نعيم النار خير لنا ولا شك انهم يختارون الجنة وليس ذلك الا بعدم النقم ( لعدم النعم خل ) ولو بالنسبة على قولكم ثم نقول اذا كانت الجنة خيرا لهم وقد فرض ان لا ذنب عليهم فلم لا يخرجهم من النار ويدخلهم الجنة وهي خير من النار فان كان لاجل انه حكم انه حرم عليهم الجنة قلنا ان كان منعهم من الجنة لحكمه عليهم بذلك ويكون حكمه هو المانع قلنا بما استحقوا ذلك بدون تقصير فكيف يحكم عليهم من غير استحقاق فان كان حكمه جرى على مقتضى الحكمة مع انهم لا ذنب عليهم كذلك حكم بانهم ابدا يتألمون جار على مقتضى الحكمة وان كان هو الموجب لتألمهم وان كان ان حكمه لا يجري على مقتضى الحكمة الا اذا كان ( كانوا خل ) مستحقين كذلك نقول انما جرى حكمه عليهم بتألمهم لانهم كانوا مستحقين بسبب ذنوبهم وذنوبهم انما كانت غير متناهية لان نياتهم كانت غير متناهية في التصميم والعزم الجازم على العصيان وانما قامت النيات مقام الاعمال لانها ميل ذواتهم الذاتي الى ما هم عليه من العصيان ومن ادلتهم على انقطاع التألم ان الله تعالى قال ورحمتي وسعت كل شيء ولا ريب ان الكافر شيء فتسعه الرحمة والجواب ان الرحمة الواسعة هي الفضل والعدل بخلاف الرحمة المكتوبة فانها فضل خاص ( خالص خل ) ولهذا قال تعالى فساكتبها للذين يتقون الاية وهو الصفة ( هي صفة خل ) الرحيم الخاصة بالمؤمنين وكان بالمؤمنين رحيما فالرحمة ( والرحمة خل ) الواسعة صفة الرحمن وهو اسم خاص بصفة عامة ومعنى عموم صفته انها تشمل المؤمنين والكافرين في الدنيا او في الدنيا والاخرة وعلى الرواية الاخيرة ان رحمته تشمل المؤمن بجهة الفضل والكافر بجهة العدل ولو كان المراد بالرحمة الواسعة هي جهة الفضل خاصة لكان يلزم احد الامرين ( امرين خل ) اما الا تشمل كل شيء لانها لا تشمل الكفار اول دخولهم النار فلا تسع كل شيء فيبطل استدلالهم او تشملهم فلا يتألمون ابدا ولم يقل به احد من المسلمين وامثال ذلك مما لا فائدة في ذكره لانه مخالفة العقل ( مخالف للعقل خل ) والنقل والتأويل للنقل هنا باطل للاجماع على الصحيح ( تصحيح خل ) ظاهره واما العقل فلا يتوهمون ان دعويهم مطابقة للعقل غلط لان هذا الذي ذكروه ليس بعقل اذ شرط العقل المسموع ان لا يخالف المطبوع لان المسموع قد يكون مكتسبا من مذهب قلد فيه او اعتقاد اعتادت نفسه له وانست به والمطبوع فطرة الله وهي حق والى هذا اشار امير المؤمنين عليه السلم بقوله :
رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع
فلا ينفع مسموعا ذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع
والحاصل تفهم الكلام تعرف الحق من الباطل قال الشاعر :
فهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء
قال سلمه الله تعالى : وايضا ايجاد هذا الموجود المستحق للعذاب الدائم لا يخلو عن اشكال فان ذلك الموجود له له ان يقول لموجده حين الذم والعقاب انا ما كنت راضيا بالوجود فلم اوجدتني وابتليتني بهذا البلاء العظيم مع علمك بان ذاتي كذلك وليس عدم رضائي من سفاهتي وقلة عقلي بل كل العقلاء يؤثرون العدم على مثل هذا الوجود المبتلي بالعقاب دائما ولم يتخلص من العذاب ابدا
اقول ليس لهذا الموجود ان يقول هذا القول لانه انما اوجده باختياره ورضاه بعد ان بين له ما يؤل امر الطائع والعاصي بالدليل الذي يفهمه بذوقه فهما قطعيا حتى انه لو علم منه ان عقله ماذاق ازيد ( ما اريد خل ) منه بقي ملهيا عنه حتى يكون يوم القيمة ويجدد له التكليف كما قال الله تعالى وماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون ولهذا قال لهم الست بربكم حتى انه خاطبهم بالاستفهام التقريري الدال على اقرار المخاطب بالمذكور وعلمه به ورضاه بذلك الاقرار بما سئل عنه كما تقول لمن تريد منه الاقرار لك بأنك الذي اعطيته دراهم الست بالذي اعطاك دراهم فيقول بلى فاذا تأملت هذا الكلام ظهر لك انه راض بذلك الاقرار ولما اقروا بذلك قال للملائكة اشهدوا يا ملائكتي قالوا شهدنا كراهة ان تقولوا انا كنا عن هذا غافلين فكيف يقول ماكنت راضيا بالوجود مع انه هو الذي دخل في البلاء العظيم باختياره فان الله تعالى مثلا قال لعمرو لا تأكل دينار هذا اليتيم فان من اكل مال اليتيم انما يأكل في بطنه نارا فبعد ان عرفه ذلك حتى علم به يقينا واشتهي طعاما لا يموت بدونه ( بدون خل ) اخذ دينار اليتيم فاكله فاذا كان يوم القيمة اتى به فاطعم ذلك الدينار نارا في بطنه يطهر ( يصهره خل ) فاذا كان اشتد به الامر قال يا رب ماكنت راضيا بوجودي في الدنيا حتى لا آكل دينار اليتيم ولا شك انه لو رجع في الدنيا واشتهي شهوة ولم يجد الا ذلك الدينار لاخذه وهكذا فهذا انما يقول ماكنت راضيا بالوجود واذا وقف على النار ولو رد وسأل ربه الوجود واما قوله مع علمك بان ذاتي كذلك فغلط لان الله تعالى انما علم قبح ذاته بمعصيته ولو اطاع لعلم حسن ذاته ( ذاته لان ذاته خل ) ليست شيئا قبل الايجاد ليعلمها انه ( انها خل ) قبيحة فيكون قد خلق ما كان شقيا ليشقيه بل ما كانت شيئا فلما خلق كونها وغيبها جعل ذاتا صالحة للشر للتمكن ( لتتمكن خل ) من قبول الخير فانه لو جعلها متمكنة من الخير ولم تكن متمكنة من الشر ( الخير خل ) اذ شرط التمكن من الخير التمكن من الشر لانه اذا ترك الشر باختياره وهو قادر على فعل الخير كان فاعلا للخير باختياره ( باختياره ولو لم يتمكن من الشر كان فاعلا بغير اختياره فلا يكون فاعلا باختياره خل ) فلا يسعه بفعله للخير لانه لا يمكنه تركه فلما جعل ذاته صالحة للخير وللشر عرفه طريق الخير الموصل للسعادة وطريق الشر الموصل للشقاوة واخبره ان طريق الخير هو الاجابة وطريق الشر هو الانكار فبعد ابلاء الاعذار امره فانكر وترك امره باختياره وحقت عليه الكلمة بعمله وكيف يقول مع علمك بان ذاتي هكذا انما كانت ذاته كذلك بعمله باختياره واما قوله وليس عدم رضائي هذا من سفاهتي وقلة عقلي الخ غلط ومغالطة بل من سفاهته وقلة عقله لانه بعد ان فعل ما يوجب العذاب الاليم الدائم باختياره وعمله ( علمه خل ) البتة يكون عدمه اخف على نفسه من بقائه في هذا البلاء ولكنه هو التي ( الذي خل ) ادخل نفسه في حلول ( طول خل ) البقاء وعظيم الشقاء فلم لم يطع وهو سالم كما قال تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون والعاقل انما يجوز هذا القول لمن اوجد بغير اختياره وبغير طلبه ثم لم يكن اختيار ينصرف به عن المهالك واما من طلب بفقره ان يغنيه الغني سبحانه ثم انه اعطاه ما يوصله الى سعادة الابد وامره بما فيه نجاته وبين كيفية السلوك اليه وخلده ( حذره خل ) من موارد الهلكة ثم بين له ان الفضل ليس له قبول الا بالعمل الصالح وهو كذا وكذا ولا اعطيه بدونه اذ لا ربط له بك الا العمل الصالح وان النعيم لا يحصل الا بذلك وان العدل الذي يكون موصلا الى البلاء العظيم والعذاب الاليم ليس له قبول الا بالعمل الطالح ( الصالح خل ) وهو كذا ( كذا وكذا خل ) ولا اجريه الا به ولا ادفعه مع وجود سببه لئلا تبطل حكمتي وعدلي فاكون ظالما ولا يظلم الا المحتاج العاجز فانه لا يجوز احد من العقلاء له الاعتراض كما قال تعالى الم تكن اياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين الايات وهو ظاهر والحمد لله رب العالمين
( وصلى الله على محمد واله الطاهرين كتبه احمد بن زين الدين الاحسائي في السنة السابعة والعشرين بعد الماتين والالف حامدا مصليا مسلما خل )