
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
وبعد ( اما بعد خل ) فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين انه قد التمس مني السيد السند المخدوم المعتمد المكرم المسدد والمعظم الممجد السيد محمد بن السيد عبدالنبي بن السيد عبد عليّ القاري اصلح الله احواله وبلغه اماله في الدارين في جمادي الثانية سنة ست ومأتين والف من الهجرة النبوية بيان ما رواه الصدوق في العلل من عليّ بن ابيطالب عليه السلم في علة خلق الذر لما سأله ابنه عمر وما خلق الله تعالى الذر الذي في كوة البيت فقال عليه السلم الحديث الآتي التمس مني السيد المذكور بيان بعض ما تضمنه من الاشارة والتأويل على سبيل التلويح والتمثيل وكان ايده الله قد ذكر لي مشافهة ان فيه ان ثلث الجبل وقع في البحر فكان طعام الحوت فلما نظرنا الحديث بنفسه لم يكن فيه ذلك ظاهرا وان اشير الى ذلك في غيره فكتبت له هكذا هذا الحديث ليس فيه ما ذكرت لي من ان ثلث الجبل وقع في البحر فكان طعام الحوت ولكن كلامك هذا حق وانا اشير اليه ومراد سيدنا بيان تأويله لا تفسير ظاهره وهو يحتاج الى بيان كلام يتوقف فهم الرمز عليه وهو ان الجبل في التأويل هو الجسد والبحر هو النفس المعبر عنها بالصدر وبالعلم والارض هي المعبر عنها بالنفوس المقابلة للعقول فمختصر القول في هذا الحديث وهو فقال عليه السلم ان موسى عليه السلم قال رب ارني انظر اليك قال الله عز وجل ان استقر الجبل يعني جسدك يا موسى لنوري يعني ذكري لك الاول وحقيقتك مني باسمي ( باسمك خل ) البديع فانه اذا بدا جذب ما بك وبجسدك منه كما قال عليّ عليه السلم لكميل جذب الاحدية اي جذب الاسم البديع لصفة التوحيد اي لصفة الاسم الباعث واليه الاشارة بما روي ان نبيا من انبياء الله قال يا رب كيف الوصول اليك قال الق نفسك وتعال إليّ فانك ستقوى على ان تنظر إليّ لكن الجبل لا يستقر لنوري فلا تقوى على النظر وانما امتنع الاستقرار لان قوام الجبل ووجوده بما فيه من صفة التوحيد وتجلي النور هو جذب تلك الصفة فيمتنع الاستقرار وان لم يستقر وهو لا يستقر للجذب المذكور المعبر عن اثره بالاحتراق فلا تطيق ان تنظرني لضعفك لكون ظاهرك غير باطنك وشهادتك غير غيبتك وهذه التعددات ( التعدد خل ) هي مدار الافتقار المستلزم للضعف فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل المتجلي هو الرب سبحانه والتجلي اسمه البديع والمتجلى به حقيقة موسى وذكره الاول وهو النور تقطع ثلث قطع قطعة ارتفعت الى السماء والمراد بها ما في جسمه من الرقائق الروحانية والصور الملكوتية وذلك الطف ما في الجسد والسماء هو العقل ان اريد به الفلك وان اريد به العلو كما هو المراد هنا فالمراد به الهواء بين السماء والارض وهو الروح وهذا المرتفع هو الذر وهو صور المعلومات المجردة عن المادة وهي اطراف الارض يعني نهاياتها قال الله تعالى افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها يعني بموت العلماء وهذا الهباء الظاهر هو بحر جعله الله لحيوانات البر تعيش به والهباء الباطن بحر عذب تعيش به الخلق ويقوم به النظام وهو العلم وقطعة غاصت تحت الارض وهو ما في جسمه من تركيبات العادات والحيرات البشرية لحقت بمراكزها هابطة لما جذب الى العلو وترك ما سوى الله القى الاغيار فسقطت في دركات النار والمراد بالارض ارض الحيوة وتحتها دركات الاموات ومحل الهلكات اومن كان ميتا فاحييناه وقال تعالى وما انت بمسمع من في القبور فكانت تلك القطعة حيوة الجان وجند الشيطان وقطعة بقيت يعني على ارض الحيوة وهي ملتقا القطعتين ومحل الاين ومركب الاثر والعين الى اسفلها تصعد القطعة النازلة وعلى اعلاها تهبط الصاعدة الفاضلة فهذا الذر من ذلك الغبار غبار الجبل اما الذر الظاهر في الكوة فظاهر انه من طور سيناء الجبل الظاهر الذي نزل عليه نور الوحي على موسى عليه السلم واما الباطن فالذر هو القطعة الصاعدة في السماء وهي اطراف الارض وهي عالم الذر المذكور في الروايات وهو عالم الاظلة وصور المعلومات يوم اخذ الميثاق وهو من غبار الجبل الباطن الذي نزل عليه نور الوحي على موسى عليه السلم والظاهر طبق الباطن حرفا بحرف واما ما ذكرت من انه وقع منه في البحر فكما قلنا لك هو حق فان الروايات تشير اليه وان لم تكن صريحة بأن ما وقع منه في البحر طعام للحوت لانه ورد في الروايات من الفريقين انه ساخ الجبل وذاب حتى وقع في البحر فهو يهوى حتى الساعة ويدل عليه زيادة قرائة جعله دكاء بالمد ( بالمدة خل ) يعني ربوة كالتل لما ذاب من نور العظمة وبالجملة معنى كون ذلك الواقع طعاما للحوت اما ظاهرا فلانه يكون هباء في الماء واجزاء منبثة فيه كما في الهواء كما هو كثير ظاهر في الفرات ودجلة وغيرهما فان التراب الناعم والهباء ممازج للماء ومن ذلك غذاء السمك وحياتها ولولا ذلك لماتت كما ان الهباء في الهواء حياة الحيوانات ولولا ذلك لماتت ومنه خلقت حيتان البحر كما روي عن الصادق عليه السلم ولان ذلك الطين الممازج للماء يعين قواها الماسكة والهاضمة والجاذبة والا لفسدت ببساطة الماء وبرودته الى غير ذلك واما باطنا فكما مر ان البحر هو الصدر وهو النفس الذي هو لوح المعلومات وحيتانه معلوماته التي تسبح في غمراته والهباء هو ثمرات الاشجار بين الجبال والبحار قال تعالى ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون فالجبال جمع جبل وهو الجسد وجمع جبلة وهي التي تقع على مقتضياتها الاحكام وتلك المقتضيات هي الهباء والثمرات والبيوت مما تبوئته الولاة عليهم السلم من موارد المقتضيات ومصادرها والشجر هو تطورات النفوس ومقارنات المعقول والمحسوس ومما يعرشون ملتقى الجبال والاشجار ومجتمع الباطن بمثله من الظاهر لما لهما من الحكم وهذا وامثاله هو الهباء اي مقتضيات العلوم فالمقتضى هباء وغذاء وصورة العلم بذاك حوت تسبح في بحر النفس وتغتذى من الهباء الممزوج للماء واعذر يا سيدي في الخط وفي بسط الكلام وتسهيل العبارة فاني كتبتها ليلة اتاني ( اتى خل ) امركم بعد ما مضى كثير من الليل على غير صحة وفراغ مع نعاس ودواع والسلام