
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين المطيرفي الاحسائي الهجري ان الجناب العالي الشامخ والعلم الجالي الباذخ ركن الدولة الركين وعضد السلطنة المتين كعبة الوافدين وعز الدين وناصر المؤمنين وملجأ المضطرين حليف السعادة وعظيم الرفادة المحترم محمود الشاه زاده ادام الله عليه امداده وانعم عليه وزاده وبلغه في الدارين مراده بحرمة الميامين محمد وآله الطاهرين قد ارسل من نتائج افكاره الذكية وتنبيهات فطنته اللوذعية الي داعيه بالاخلاص وناشر ثنائه بالاختصاص مسائل جليلة وتنبيهات نبيلة تنبي عن ذكاء فطنته وحسن سريرته قد طلب من مخلصه جوابها وتبيين قشرها من لبابها فامتثلت امره علي ما انا عليه من تشويش البال وكثرة الدواعي والاشغال مع توارد الاعراض وتواتر الامراض وانا على حال لااستطيع القيام بشيء من المأمور ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله ترجع الامور
قال رفع الله قدره واعلى ذكره : الاول منها انه ما سر عصمة الانبياء والاوصياء قولا وعلما وعملا
اقول سر عصمة الانبياء والاوصياء عليهم السلام ان احكام الله عز وجل وحدوده عظيمة في كثرتها ودقة مأخذ استنباطها ويحتاج في حفظها وضبطها الى قلوب مشرقة وصدور منيرة لا يجوز عليها الغفلة ولا السهو والنسيان ولا يحوم حولها الشيطان اذ لو جاز عليها شيء من ذلك لماحصل الوثوق بما اخبروا به عن الله تعالى اذا جاز عليهم السهو والنسيان والكذب والافتراء واذا كان كذلك انتفت فائدة بعثتهم فلا بد لمن جعل مبلغا الى العباد ما امر الله تعالى به عباده من التكاليف ومؤديا لذلك اليهم ان يكون معصوما اي يمتنع من دواعي السهو والنسيان والكذب والافتراء ومساوي الاخلاق علما وعملا يعني في غيب سره بان لا يجري علىي قلبه وخاطره ما لا يحبه الله ولا يريده وفي لسانه بان لا يقول ولا يلفظ الا ما يحبه الله ويريده وفي اركانه واعضائه وجميع جوارحه بان لا يعمل ولا يتحرك ولا يسكن الا بما يحبه الله ويريده كل ذلك بعمده واختياره مع قدرته على مخالفة ذلك كله والموجب له ذلك هو سبقه الى اجابة الله وطاعته عن كمال البيان والمعرفة مع طيب طينته ونورية مادته واستقامة بنيته واعتدال صورته وعلة طيب طينته ونورية مادته واستقامة بنيته واعتدال صورته انها اول فائض عن المبدء فان قلت لا شك ان اول فائض عن المبدء لا يكون الا كذلك ولكن السؤال في انه لم كان اول فائض قلت ان الفيض المشتمل على حصص متعددة كنور السراج فانه لا بد للفيض ان يتقدم منه ويكون اشد نورا من باقي الحصص لقربه من المبدء وحينئذ يكون طيبا منيرا مستقيما معتدلا وذلك لا بد ان يقبل امر الله وطاعته لنوريته لاجل قربه من المبدء وهذا من شأنه ان يكون معصوما عاملا بجميع ما امره الله تعالى مجتنبا لجميع ما نهى الله عنه باختياره وعمده من نفسه مع قدرته على خلاف ذلك من غير اكراه في الفعل والترك وليس لك ان تقول لو لم يعصمه الله لما كان كذلك لانا نقول نعم كل شيء لا يكون الا بالله ولكن الله تعالى يفعل ذلك به باختياره وامتثاله لامر الله فاذا امتثل امر الله وادى طاعته كما امره احدث فيه مقتضى امتثاله والقيام بطاعته كما قال تعالى مازال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته الحديث فلما امره تعالى ودله على ما يوصله الى اعلى الدرجات من التأدب بآداب الله والتخلق باخلاق الروحانيين التي يكون القيام بها موجبات للعصمة اذا واظب عليها باختياره مع تمكنه من فعل اضدادها فمن عرف مقتضى الفيض المشتمل على الحصص المتعددة كنور السراج المشتمل على الحصص المتعددة بان اوله اشدها نورا لقربه من المبدء اذ مقتضى طبيعة الصنع على مقتضى الحكمة ذلك وعرف ان مقتضى ما يكون كذلك قبول دعوة الله وامتثال اوامر الله واجتناب نواهيه والتخلق باخلاق الروحانيين والتأدب باداب الله والمواظبة على النوافل تقربا الى الله تعالى حتى كان القيام بمرادات الله تعالى ملكة وعرف ان الله تعالى يجري افعاله في تأثيراتها على مقتضى القوابل وان الله سبحانه اعلم حيث يجعل رسالاته عرف سر العصمة وعرف ان العصمة لا تجامع المعاصي والسهو والنسيان والغفلة والكسل والضجر والتساهل في مرادات الله تعالى والذنوب صغيرها وكبيرها وامثال ذلك اذ معنى العصمة الطهارة من تلك الاشياء والمنع منها فافهم
قال رفع الله شأنه واعلى مكانه : الثاني - ما معنى الولاية وبيان تفسير الاية الكريمة انا عرضنا الامانة الاية
اقول معنى الولاية في اللغة بفتح الواو النصرة والصداقة والدنو والقرب وبكسر الواو الامارة والملك والسلطان وفي العرف الظاهر النيابة والقيام بامر الشيء والقيام عليه والمراد بالامانة في الاية الشريفة انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال الاية ولاية علي بن ابي طالب وولاية اولاده الطاهرين ففي بصائر الدرجات عن الباقر عليه السلام هي الولاية ابين ان يحملنها كفرا وحملها الانسان والانسان ابو فلان وفي معاني الاخبار عن الصادق عليه السلام الامانة الولاية والانسان ابو الشرور المنافق ه ومعنى ابين اي السموات والارض والجبال امتنعن ان يحملن الولاية كفرا يتحملن ان يكفرن بها وذلك لان الله سبحانه جعل لكل شيء من خلقه ضدا فلما خلق ولاية علي عليه السلام خلق البراءة منه وخلق محبته وخلق ضدها بغضه فلما عرض الولاية والمحبة لعلي واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين فقبلها المؤمنون وكل طيب طاهر من الملائكة والانس والجن والحيوان والنباتات والجمادات وانكرها ما سوى اولئك وعرض عداوته وبغضه والبراءة منه وهذه هي التي عبر عليه السلام عنها بقوله ابين ان يحملنها كفرا فحملها الانسان وابو فلان هو الاول وابوالشرور هو الثاني وعن الرضا عليه السلام في هذه الاية قال الامانة الولاية من ادعاها بغير حق كفر ه وعن الصادق عليه السلام ان الله عرض ارواح الائمة عليهم السلام على السموات والارض والجبال فغشيها نورهم وقال في فضلهم ما قال ثم فولايتهم امانة عند خلقي فايكم يحملها باثقالها ويدعيها لنفسه فابت من ادعاء منزلتها وتمني محلها من عظمة ربهم الحديث والحاصل ان فسرت الامانة بالولاية فالمراد بعرضها اختبار المكلفين ليتميز من يدعيها لنفسه او يتمناها غير من جعله الله سبحانه اهلا لحملها وان فسرت الامانة ببغض علي عليه السلام فالمعنى ظاهر وبعض المفسرين فسروها بجميع التكاليف التي يريد الله سبحانه من جميع المكلفين والمعني تحمل الانسان لها انه عاهد الله على القيام بها فلم يف بما عاهد الله عليه والمعاهدة في قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين ومعنى الولاية في التأويل والباطن هو الامانة في الاية وهي جميع التكاليف التي يريد الله من عباده المكلفين من تكاليف الجنان من الاعتقادات وما يلحق بها من المعارف الاصولية ومن تكاليف اللسان وما يلحقها من الاقرارات والاعترافات ومن تكاليف الجوارح والاركان ومتمماتها ومكملاتها والحاصل جميع الاعتقادات والاعمال والاقوال والاحوال مما يحب الله ويرضاه من ولاية علي عليه السلام وجميع ذلك مما يكره الله ويسخطه من ولاية اعداء علي عليه السلام وهذا مجمل القول
قال رفع الله قدره وعلا ذكره : الثالث - ما معنى الحديث الذي قال الجناب النبوي صلى الله عليه وآله في جواب سوادة حاشي ان يكون عن عمد ه فاذا لم يكن عن عمد فهل المراد هو السهو او يوجد غير العمد والسهو حالة اخرى وعلى الاول لا يجوز السهو عليهم عليهم السلام
اقول اعلم انه صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى وانما يقول عن الله تعالى او بالله بمعنى ان جميع ما يصدر عنه من قول او عمل فانما هو بامر الله او بتسديد الله اذ لم يخله من يده وتسديده طرفة عين ابدا وانما ضرب بطن سوادة بالهام من الله حتى يكون اذا دعاه الى القصاص لاجل ان القصاص في الدنيا اهون فضيحة من القصاص في الاخرة بين جميع الخلائق على رؤس الاشهاد ينظر اليه جميع العباد فانه ابلغ من الموعظة باللسان خصوصا منه صلى الله عليه وآله لانه اذا خاف هو مع علو مقامه وقربه من الله عز وجل فكيف حال غيره فلذا الهمه الله تعالى ان يفعل ذلك فلا يكون على هذا الوجه فعله عن عمد لان المراد بالعمد هنا ان يكون فعل ذلك بشهوة نفسه وميل هواه طلبا لمضرة سوادة وانما فعل ذلك عن الهام ويحتمل ان يكون لما اراد ضرب الناقة صرف جبرئل عليه السلام القضيب الى بطن سوادة فاصابه ليدعو صلى الله عليه وآله سوادة الى القصاص ليبين للناس بان الله يقتص للمظلوم من كل احد حتى من نبيه صلى الله عليه وآله وعلى كل حال لم يكن فعله صلى الله عليه وآله عن خطأ او سهو او عن غفلة او لا عن اعتداء وظلم وما اشبه ذلك مما ينافي العصمة وانما هو باحد امرين اما بامر من الله او الهام او تسديد بحيث يكون راجحا شرعا وعقلا واما من فعل الملك عن امر الله تعالى لاجل مصلحة الامة بهذه الموعظة العظيمة ولمنفعة سوادة فان الله قد عفا عنه وغفر له حيث عفا عن بطن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال رفع الله شانه وعلا برهانه : الرابع - بيان الحديث لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين
اقول هذا الحديث ظاهره سهل هين لان معناه لا جبر يعني ان الله لم يجبر العباد على اعمالهم بل هم مختارون في افعالهم لانه تعالى جعل فيهم العقول والتمييزات وجعل فيهم الالات التي تصلح لفعل الطاعات ولفعل المعاصي وكلفهم بما يستطيعون فعله وخلق فيهم الاختيار والتمكين الصالح لفعل الطاعات وفعل المعاصي وذلك بعد ان كشف لهم عن عليين واريهم صور الطاعات وقال لهم هذه صور اجاباتي وطاعاتي فمن اجابني البسته صورة اجابته لي من صور طاعاتي ثم كشف لهم عن سجين واريهم صور المعاصي وقال لهم هذه صور عدم اجاباتي وصور معاصي فمن لم يجبني ولم يقبل طاعتي البسته صورة انكاره لدعوتي من صور معاصي وكانوا قبل الدعوة متساوين في صلوحهم للاجابة وللانكار باختيارهم كما اشار تعالى الى ذلك بقوله كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فلما جعل فيهم الاختيار ومعرفة الخير والشر وجعل لهم العقول واعطاهم ما يحتاجون اليه وجعل لهم الالات والصحة وتخلية السرب والتمكين من فعل ما شاؤا امرهم فقال لهم الست بربكم قالوا بلى فمن قالها بلسانه وقلبه عارفا بذلك البسه الله صورة اجابته وهي الصورة الانسانية وصبغ الرحمة فكان مؤمنا او نبيا على حسب قبوله واجابته ومن قالها بلسانه وقلبه منكر بعد البيان البسه الله صورة انكاره وهي الصورة الحيوانية من صور الحيوانات او السباع او المسوخ او الحشرات فكان كافرا او منافقا او مشركا على حسب انكاره ومن قالها عن غير علم كان امره موقوفا فهو مرجى لامر الله فاذا كان يوم القيمة حوسب بعمله فاما الى الجنة واما الى النار ومعنى لا تفويض ان المكلف ليس شيئا في نفسه الا بالله اذ لولا امداده بالفيض امدادا متصلا سيالا لما بقي لحظة وكذلك قواه وآلاته وافعاله وحركاته وسكانه ( سكناته ظ ) لو بقي شيء آنا واحدا بدون مدد ومن كان كذلك لا يستقل بنفسه ولا بشيء من افعاله ولاجل هذا ورد ان المفوض مشرك لانه يدعي انه يفعل بدون الله فلذلك قال الصادق عليه السلام لا جبر ولا تفويض يعني ان الله سبحانه ما اجبر العباد على افعالهم ولا فوض اليهم امورهم بل هم الفاعلون لافعالهم بالله اي بقدر الله بمعني ان جميع قواهم وجوارحهم واراداتهم وجميع ما تتوقف عليه افعالهم من الله سبحانه وهو تعالى يحفظها لهم بامداده وقيوميته والا لماكان شيء لا هم ولا قواهم وجوارحهم واراداتهم فبذلك كانوا يفعلون فلا يصح ان تقول انهم فاعلون بدون الله ولا فاعلون مع الله ولا فاعلون لبعض بدون الله ولبعض مع الله بل هم الفاعلون بالله يعني بقدره حيث خلقهم وخلق لهم جميع ما يحتاجون اليه في افعالهم وحفظ تلك النعم عليهم ولهم واعلم ان هذه المسئلة ادق من الشعرة واحد من السيف وبيانها على كمال ما ينبغي يطول فيه الكلام ولكن هذا فيه اشارة تكفي اولي الالباب والله سبحانه هو المسدد للصواب
قال ادام الله له السرور وكفاه شر كل محذور : الخامس - علم خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله هل هو مأخوذ من الله بلا واسطة الملك ام بواسطة الملك وعلى الثاني يلزم اشرفية الملك الواسطة وفضله عليه صلى الله عليه وآله
اقول علم النبي صلى الله عليه وآله من الله بغير واسطة لا من البشر ولا من ملك وبيان ذلك ان الله سبحانه اول ما خلق نور نبيه محمد صلى الله عليه وآله قبل ان يخلق انوار الانبياء عليهم السلام بالف دهر كل دهر على ما ظهر لي من النقل مائة الف سنة وخلق انوار اهل بيته الطيبين صلى الله عليه وعليهم اجمعين من نوره كالسراج المشعول من سراج قبله ولم يخلق من ذلك احدا من خلقه غير الاربعة عشر عليهم السلام ثم خلق من نورهم شعاعا قسمه مائة الف واربعة وعشرين الفا فخلق من كل قسم نور نبي فبقوا منذ خلقهم يعبدونه الف دهر كل دهر مائة الف سنة ثم خلق من شعاع انوارهم انوار المؤمنين فلما خلق نور نبيه صلى الله عليه وآله بقي في عوالم الغيب يسبح الله وهو نور ابيض في صورة ملك قائم فاوحى اليه ما شاء من العلم بغير واسطة اذ لا شيء قبله ولا معه وانما قذف في قلبه العلم قذفا وذلك النور هو ن والقلم وما يسطرون فكان ذلك المسمى بنون وهو الدواة يستمد منه القلم وهو ملك ويستمد منه اللوح وهو ملك ويستمد منه اسرافيل ويستمد منه ميكائيل ويستمد منه جبرئل عليهم السلام وجبرئل يؤدي الى الانبياء والرسل فالدواة الذي نور محمد وحقيقته صلى الله عليه وآله يستمد من الله تعالى بغير واسطة بل بالهام يقذفه الله في قلبه قذفا وهو يؤدي الى القلم والقلم يؤدي الى اللوح والقلم واللوح ملكان واللوح يؤدي الى اسرافيل واسرافيل يؤدي الى ميكائيل وميكائل يؤدي الى جبرئل وجبرئل يؤدي الى الانبياء عليهم السلام الى ان بعث محمد صلى الله عليه وآله فكان جبريل يؤدي اليه صلى الله عليه وآله لانه يأخذ عن ميكائيل عن اسرافيل عن اللوح عن القلم عن الدواة وهي الحقيقة المحمدية عن الله تعالى بالهام ينزله الله سبحانه من العلم الامكاني بغير واسطة وانما يقذفه في ذلك النور قذفا فجبريل في الحقيقة يأخذ عن حقيقة محمد ويلقيه الى ظاهر محمد صلى الله عليه وآله ومثاله اذا اردت ان تتصور ذلك اني اسألك عن مسئلة فربما تقول الأن ما اذكرها ثم بعد حين تقول خطر على خاطري ان المسئلة كذا وكذا فاذا تأملت وجدت ان الذي جاء على خاطرك انما اخذها من قلبك فقلبك مثال الحقيقة المحمدية والذي ورد بها خاطرك اخذها من قلبك هو مثال جبرئل فان خاطرك يأخذ من حقيقتك ويلقيه على خيالك كذلك جبرئل (ع) يأخذ من حقيقة محمد صلى الله عليه واله ويلقيه على خياله ويخاطبه به فافهم المثال فان جميع الملائكة نسبتها الى نور محمد صلى الله عليه واله نسبة خطراتك اليك فليس احد من خلق الله اقرب الى الله تعالى من محمد صلى الله عليه وآله حتى يكون واسطة بينه وبين الله تعالى
قال شد الله اركانه وانار برهانه : السادس - هو ان صفات الواجب تعالى عين ذاته وعلم الواجب بالنظام الاتم عين الداعي وعين الارادة وعين الذات الذي هو متعلق بكل الممكنات ومنها الكفر والايمان والمعصية والطاعة وارادة الحق ايضا متعلق بالكل
اقول اعلم ان صفات الله التي هي عين ذاته غير صفاته الفعلية فالعلم الذي هو عين ذاته مثلا هو ذاته تعالى والعلم الفعلي ليس هو عين ذاته وانما هو مخلوق خلقه وجمع فيه حقائق المعلومات وسماه علما له كما قال تعالى قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى والمراد اللوح المحفوظ وكذا قوله تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ فالعلم الفعلي هو اللوح المحفوظ والواح المحو والاثبات وهذا ليس هو عين ذاته تعالى وانما هو حادث مخلوق ونحن اذا اردنا ان نتكلم تكلمنا على العلم الحادث ولا نتكلم على القديم الا بذكره وعبادته لانه هو الله لان الاسماء الدالة على العلم والقدرة والسمع والبصر والحيوة والله الفاظ مترادفة معناها واحد كالاسد والسبع والعفرني والسيد وما اشبه ذلك فان فرضنا ان لها مفاهيم متغايرة ومعاني متعددة فنعني بها صفات الافعال لانها هي المتغايرة المتكثرة واما صفات الذات فليس لها الا معنى واحد هو المعبود بالحق عز وجل واما المتعلقة بالنظام الاتم فهي صفات الافعال الحادثة وهي عين الداعي والداعي عين الارادة والارادة عين الفعل وفعل الله واحد تتكثر اسماؤه وتختلف باعتبار تكثر متعلقاتها واختلافها فان تعلق الفعل بالامكان قلنا الامكاني وان تعلق بالاكوان قلنا الكوني ثم الكوني ان تعلق باحداث الكون اعني الوجود والمادة قلنا خلق وشاء وان تعلق بالعين اعني الصورة النوعية قلنا برأ واراد وان تعلق باحداث الحدود والمشخصات قلنا قدر وصور وان تعلق بالاتمام قلنا قضي والفعل في الكل واحد لانه عبارة عن الحركة الايجادية وكل شيء وضع بازائه اسم له فهو مخلوق لله سبحانه كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم ه اذ ليس شيء الا الله تعالى وفعله وخلقه فكل ما سوى الله ممكن مخلوق لله من الذوات والصفات والكل من الممكنات خلقها الله سبحانه على حسب قبولها فصارت ثلاثة اقسام قسم موجود في نفسه وفي اصله كالذوات من الجواهر والاجسام وكالصفات الطيبة كالحسنات فانها موجودة واصلها موجود لانها من الوجود المتصل بفعل الله تعالى بالاصالة والذات قال تعالى ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء وقسم موجود في نفسه كالصفات الخبيثة كالمعاصي فانها في نفسها موجودة محسوسة مرئية والمعدوم لا يحس ولا يرى واما اصلها فهو معدوم بمعنى انه لا ينتهي الى موجود ولا الى وجود قال تعالى ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار لان المعصية تنتهي الى الماهية من حيث نفسها لا من حيث وجودها قال تعالى وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله على ( ما ظ ) فسره علماء التأويل من ان المعصية من النفس الامارة بالسوء وهي تنتهي الى الماهية المنتهية الى الوجود من حيث نفسه لا من حيث الوجود ومثالها فيك ان طاعتك من باعث عقلك المطيع لوجودك المطيع لامر الله فكانت الطاعة متصلة بالنور ومعصيتك من باعث نفسك المطيعة لهواها وشهوتها كما قال تعالى افرأيت من اتخذ الهه هواه وقال تعالى ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله وقسم معدوم في نفسه وفي اصله وهو اصل المعاصي والشرور والثلاثة الاقسام كلها مخلوقة لله تعالى لكن بعضها بارادته ومحبته ورضاه كالطاعات والحسنات وما يترتب عليها من الثواب وبعضها ليس بمحبة الله ولا برضاه وذلك كالمعاصي والسيئات فانها من تمام الطاعات بمعني لو لم يتمكن العبد من فعل المعصية لم يقدر على الطاعة لانه لا يكون فعله طاعة حتى يتمكن من فعل المعصية ويتركها باختياره مع القدرة عليها ولا يتمكن من المعصية حتى يفعل الله ما يتوقف المعصية عليه مثاله ان الله سبحانه خلق الحنطة لمصلحة عباده المؤمنين المطيعين وقدر فيها انها اذا القيت في الارض الجرز الصالحة للزرع وسقيت بالماء انها تنبت بمعنى ان الله تعالى ينبتها لمن يفعل ذلك فاذا غصب الظالم حنطة المؤمن وزرعها في ارض مغصوبة وسقاها بماء مغصوب انبتها الله سبحانه بمقتضى ما جعل في الحنطة وفي الارض وفي الماء ولم يرض بغصب حنطة المؤمن ولا غصب ارضه ولا غصب مائه ولكنه فعل ذلك اجراء لما جعله سببا في التأثير في مسبباته وكذلك اذا زنى الرجل الزاني والقى نطفته في رحم المرأة التي زنى بها فانه يخلق منها الولد وهو لا يرضى بالزنى ولا القاء النطفة الحرام في الرحم الحرام ولا يرضى بولد الزنى ولكنه تعالى اعطى الاشياء ما تقتضيه طبائعها وخلقها للطاعات وللمطيعين ونهى عن استعمالها فيما يكره وتوعد فاعله بالعقاب واخبرهم بانه لا يرضى بذلك فاذا فعل العاصي خلاف ما امره به لم يمنع الكريم عز وجل عطيته بل يعطيها مقتضى طبائعها فيخلق مقتضى فعل العاصي وان لم يرضه ولا يمنع عطيته فالفعل من العاصي وحده والله سبحانه يخلق مسبب ذلك الفعل فاذا كفر العبد خلق الله الكفر فيه بفعله وهو اسوداد قلبه وظلمته وسلبه اللطف مع ان الله لا يحب ان يفعل بعبده ذلك ولكنه لما فعل ما يوجبه ماجاز في الحكمة ابطال الاسباب بل يحدث لازمها المسمى فان الكفر الذي خلقه تعالى هو مقتضى فعل الكافر لا نفس فعل الكافر واليه الاشارة بقوله تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا وهذا الطبع هو الكفر الذي خلقه الله لا انكار الوحدانية التي فعله الكافر ولكنه ايضا لا يرضى ولا يحب ان يفعل بعبده ذلك ولولا ما اوجب على نفسه من انه لا يبطل الاسباب التي جعلها اسبابا لما خلق الكفر في الكافر بكفره واليه الاشارة بقوله عليه السلام في دعاء كميل فباليقين اقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك وقضيت به من اخلاد معانديك لجعلت النار كلها بردا وسلاما وماكان لاحد فيها مقرا ولا مقاما لكنك تقدست اسماؤك اقسمت ان تملأها من الكافرين من الجنة والناس اجمعين الدعاء اذ لو فعل جميع مقتضى ما يحب خاصة بطل النظام لانه تعالى اقام الاشياء باضدادها ليعلم الا ضد له فلم يخلق شيئا بسيطا قال الرضا عليه السلام ان الله لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده ه فاصل المعصية عدم في نفسه وفي اصله لعدم انتهائه الى وجود فلا يراد بالمخلوق خصوص الموجود لا في الكتاب ولا في السنة بل انما المراد به كل ما يدركه العقل فان كل ما يتعقل فهو شيء ممكن لان الواجب عز وجل وان كان شيئا بحقيقة الشيئية الا انه لا يدرك ولا يمكن تعقله والممتنع ليس شيئا ولا يمكن تعقله لان الصورة المعقولة ان كانت هي الممتنع فليست ممتنعة بل موجودة وان كانت صورة الممتنع فالصورة عرض وظل لاتقوم الا بمعروضها ولا يعقل وجود صورة لا معروض لها ولا ظل لا شاخص له ولذا قال تعالى الذي خلق الموت والحيوة فاخبر تعالى ان الموت مخلوق مع ان كثيرا يتوهم انه ليس بشيء لانه عدم الحيوة ولا يعلمون ان عدم الشيء مخلوق كما ان وجوده مخلوق وروي بسنده الى الرضا عليه السلام ان علي بن يونس بن بهمن قال للرضا عليه السلام جعلت فداك ان اصحابنا اختلفوا فقال في اي شيء اختلفوا فتداخلني من ذلك شيء فلم يحضرني الا ما قلت جعلت فداك من ذلك ما اختلف فيه زرارة وهشام بن الحكم فقال زرارة النفي ليس بشيء وليس بمخلوق وقال هشام النفي شيء مخلوق فقال لي قل في هذا بقول هشام ولا تقل بقول زرارة ه وقوله وعين الارادة وعين الذات صريح في كون الارادة قديمة وهي ذات الله وهذا لا يجوز لان الارادة تتعلق بالممكنات كما قال ولو كانت هي ذات الله تعالى لكانت ذات الله تتعلق بالممكنات تعالى عن ذلك علوا كبيرا بل الارادة هي الفعل وهو يتعلق بالممكنات وقوله ومنها الكفر والايمان اي من الممكنات التي تتعلق بها الارادة الكفر والايمان فيلزم ان يكون الكفر مرادا لله تعالى وليس كذلك بل الارادة ارادة محبة وهي التي امر بموجبها كامره بالصلوة وارادة عدل وقضاء وهو انه تعالى مثلا خلق النار حارة يظهر اثرها في كل ما باشرها لاجل منافع العباد وعلمك انك ان وضعت فيها اصبعك فانها تحرقه واخبرك بانه لا يرضى بذلك فاذا خالفت امره ووضعت اصبعك فيها احدث بها في اصبعك ما يترتب عليها من الاحراق وذلك بارادة عدل وقضاء لا بارادة محبة كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم فافهم وكل ما تسمع في الاحاديث من قولهم عليهم السلام ان الله تعالى خلق الخير والشر والكفر والايمان وما اشبه هذا فمن هذا القبيل ولا شك انه يجب على المؤمن الرضا بالقضاء على نحو ما بينا
قال ايده الله : وبعبارة اخرى انه لا بد من عموم القدرة المتعلقة بمعنى ان الكل بارادة الحق وقضائه ويجب الرضا بالقضاء عقلا وشرعا كما في الحديث القدسي من لم يرض بقضائي الى آخر الحديث والحال انه ورد عن ائمة الهدى الراسخين في العلم الرضا بالكفر كفر وورد ايضا في كلامه المجيد ولا يرضى لعباده الكفر
اقول كلامه اعلى الله مقامه متوجه في الاشكال وبيانه الذي لا غبار عليه هو ما ذكرنا فانه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر ولكنه تعالى من عصاه وكفر حكم عليه بالكفر ومثاله اذا كان زيد وعمرو قاعدين قريبا منك وامرتهما بطاعتك فيما يقدران ان يطيعاك فيه فاطاع زيد فانك تحكم عليه بانه مطيع وعصاك عمرو فانك تحكم عليه بانه عاص وتعامله بما تعامل به من عصاك وانت لا ترضى ان يعصيك عمرو ولا ترضى له بالمعصية ولكنك لما امرته وعصاك باختياره وهو قادر على طاعتك جعلته مع العاصين لك وجازيته مجازاة العاصين وانت لا ترضى له بالمعصية فلما عصى رضيت ان تجعله عاصيا وجعلك له عاصيا يجب ان يكون مقبولا عقلا وشرعا بمعنى انك لم تظلمه ولكنه باختياره فعل ما يستحق به الاهانة وهذا بيان ذلك السؤال ودفع الاشكال فافهم
قال رفع الله ذكره وقدره : السابع - ان حدوث العالم كيف يجتمع مع دوام الفيض وازلية الجود
اقول اعلم ان الازل والابد هو الله سبحانه والازل هو الابد اذ لا يجوز ان يكونا اثنين والا لزم حدوث الازل والابد لما يلزم من تغايرهما الاجتماع او الافتراق او الاقتران وما كان كذلك فهو حادث قال امير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة لم يسبق له حال حالا فيكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا وقال الصادق عليه السلام اللهم انت الابد بلا امد والحاصل لا تتوهم ان الازل مكان او وقت والحق تعالى حال فيه اذ لو كان كذلك لكان غيره فيلزم اما تعدد القدماء ان فرضت الازل قديما وان فرضته حادثا كان تعالى حالا في الحادث بل هو ذاته الحق والفيض الذي يكون مددا للاشياء لا بد ان يكون حادثا مثلها لان الازل صمد بسيط لا يخرج منه شيء ولا يدخله شيء وانما الصانع الحق تعالى خلق الامكان على نحو كلي لا يتناهى ولا يتصور ان يدخله نقص بما يخرج منه فخلق منه الاشياء وامدها منه فالفيض ممكن دائم لا يتناهى ولا ينقص بالافاضة والجود كذلك فافهم
قال حرسه الله وبلغه ما يتمناه : الثامن - ان خطبة البيان وخطبة الططنجية هل هما عن علي عليه السلام ام لا
اقول اعلم ان خطبة البيان ذكر محمد باقر المجلسي في بعض ما نقله عنه بعض العلماء انه قال سمعت من استاذي علامة العلماء والمجتهدين مولانا محمد باقر المجلسي ايده الله ان اهل الخلاف نقلوا خطبة البيان انتهى ومعلوم عند كل احد من الشيعة نسبتها اليه عليه السلام بحيث لا يكاد احد يشك في نسبتها اليه نعم ذكر بعضهم ان فيها زيادات ونسخها مختلفة لا تكاد توجد نسختان متوافقتان واما الطعن فيها بانها فيها ارتفاع فمما لا يلتفت اليه لان لها معاني ومحامل تصرف اليها والذي يترجح عندي صحة نسبتها اليه عليه السلام واما ان الزيادات من اختلاف النسخ فغير بعيد واما الخطبة الططنجية فلا عيب فيها والمعاني المذكورة فيها التي قيل فيها من اجلها انها من وضع الغلاة لا تدل على شيء من امر الغلاة والذين يزعمون بان مثل ذلك غلو لا يفهمون كلامهم عليهم السلام فاذا رأى شيئا غير ما يفهم انكره مع انه يسمع كلامهم عليهم السلام يقولون ان حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش فانبذوا الى الناس نبذا فمن عرف فزيدوه ومن انكر فامسكوا لا يحتمله الا ثلاث ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ويقولون عليهم السلام ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر والسر المستسر وسر مقنع بالسر ه وامثال هذا حتى ان الصادق عليه السلام قال ما معناه اني لا تكلم بالكلمة واريد بها احد سبعين وجها لي من كل منها المخرج وفي رواية ان شئت اخذت هذا وان شئت اخذت هذا الى غير ذلك فاذا كان هذا شأنهم عليهم السلام في مراداتهم فكيف يحصر كلامهم في شيء مخصوص من يكون عقله قاصرا عن الاحاطة ببعض معاني كلامهم بحيث يقول في كلامهم هذا غلو وباطل مع عدم ادراكه لشيء من ذلك والحاصل قد ورد عنهم عليهم السلام في عدة اخبار عن النبي صلى الله عليه واله ما معناه ان كل ما يوجد في ايدي الناس من حق فهو من تعليمي وتعليم علي بن ابي طالب فاذا ثبت مثل هذا وثبت على ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا ظهر ان مثل هاتين الخطبتين وما اشبههما لا يكونان من غير اهل العصمة عليهم السلام ومن تأمل فيهما عرف ذلك
قال ايده الله بنصره وبتوفيقه : التاسع - ما وجه صحة نسبة التردد والابتلاء والبَداء الى الله تعالى
اقول ان التردد الوارد في الحديث القدسي في قوله تعالى ما ترددت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته ولا بد له منه ه ومعنى ظاهره انه تعالى لما حكم بالعدل حكم بان من كره لقاء الله كره الله لقاءه ولما رأف به اسبغ عليه نعمه ولما تواترت عليه النعم كره الموت واحب البقاء في الدنيا وكره مفارقة النعيم وذلك موجب لكراهة لقاء الله تعالى ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ومن كره الله لقاءه ادخله النار والله سبحانه لرحمته له يكره مساءته فلما كان الموت على هذه الحال مستلزما لذلك ولمساءته تردد سبحانه في قبض روحه واعلم ان العلماء اختلفوا في معنى التردد المنسوب الى الله تعالى وذكروا له وجوها والذي ترجح عندي وجه غير تلك الوجوه التي ذكروها وهي انه سبحانه يضيق على عبده المؤمن امور الدنيا فاذا خيف عليه القنوط وسع عليه فاذا خيف عليه الركون الى الدنيا ضيق عليه المعيشة فاذا خيف عليه القنوط وسع عليه فاذا خيف عليه الركون الى الدنيا ضيق وهكذا حتى يعرف خساسة الدنيا وتقلبها فيكره الدنيا والبقاء فيها فيحب الموت ويحب لقاء الله فيحب الله لقاءه فيقبضه اليه مكرما وهذا عندي احسن معاني ما يحتمل التردد
واما الابتلاء والفتنة والاضلال اذا نسبت الى الله تعالى فالمراد منها الاختبار لان الله لما دعا عباده على لسان نبيه والسنة اوليائه صلى الله عليه وآله كانوا على اربعة اقسام : قسم اجابوا عن بصيرة وعلم وهم الانبياء والمرسلون واوصياؤهم عليهم السلام وشيعتهم وقسم انكروا عن بصيرة وعلم وهم الكفار والمشركون والمنافقون واتباعهم وقسم اجابوا من غير علم ولا بصيرة وقسم انكروا من غير بصيرة ولا علم وهؤلاء الفريقان امرهم موقوف لا يسئلون في قبورهم ويلهى عنهم فاذا كان يوم القيمة وزالت عنهم موانع الفهم والادراك عرض عليهم التكليف فمن اجاب لحق بالمؤمنين ومن انكر لحق بالكافرين واما القسمان الاولان وهم الذين اجابوا او انكروا فيبتليهم بما لا يعرفون فاما المجيبون فيبتليهم بخلاف ما يعرفون ليتبين من ثبت عن بصيرة اذا ورد عليه ما لا يعرفه واما المنكرون فيبتليهم بما لا يعرفون لئلا يقولوا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع آياتك ولاجل هذا المعنى قال تعالى ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى وقال تعالى الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون اي وهم لا يختبرون وكذلك معنى يضل الله من يشاء ومثاله كان في مشركي قريش من هو لا يقدر على معارضة القرءان وهو راد للوحي ولكنه ساكت لانه ما يدري ما يقول وسكوته ليس عن ايمان او تسليم فاراد الله سبحانه ان يختبرهم فانزل في وصف سقر قال لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر فلما قال عليها تسعة عشر ضحكوا فقال بعضهم عجز عن تمام عشرين وقال شخص منهم انا علي سبعة عشر وانتم يا صناديد قريش تعجزون عن اثنين فانزل الله سبحانه وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايمانا ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا ثم قال تعالى في سبب اختبارهم وبيان ضلالتهم بسبب اختبارهم قال كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء يعني انا جعلنا الزبانية تسعةعشر ليضل به من شاء الله ممن انكر ويهدي به من سلم ولم يعترض
واما البَداء المنسوب الى الله تعالى فالمراد بانه تعالى جعل لكل شيء وقتا واجلا مقدرا لا يزيد ولا ينقص فاذا امر بحكم فانه عنده مؤجل بمعنى ان المكلفين يكلفون به مدة اما الى يوم القيمة كالصلوة واما الى مدة معينة كتكليفهم بالتوجه الى بيت المقدس في الصلوة ثلاث عشرة سنة واربعة اشهر تقريبا ثم تنقضي تلك المدة ويكلفون بالتوجه الى الكعبة وانقضاء الحكم الاول يسمى نسخا وانقضاء مدة الذوات مثلا يسمى بَداء ولذا قيل البَداء نسخ وجودي والنسخ بَداء تشريعي مثال البَداء يكتب الله اجل زيد مثلا خمسين سنة ويكتب انه ان قطع رحمه او زنى كان عمره خمس سنين وان تعفف او وصل رحمه كان عمره خمسين سنة ومثاله انك اذا رأيت جدارا بني بالطين انتقش في خيالك انه يبقى عشر سنين ثم ينهدم فاذا اتاه صاحبه وبناه بالجص والصخر وضبطه واحكم بنيانه ورأيته بعد ذلك انمحى ما كان في خيالك منتقشا من انه يبقى عشر سنين وانتقش فيه انه يبقي مائة سنة ومثاله في زيد ان الملائكة الموكلين به لما رأوا زيدا ونظروا الى بنية آلات نفسه بعد ما زنى او قطع رحمه انتقش في انفسهم انه يعيش عشر سنين وذلك انه اذا فعل المعاصي ضعف المدد الوجودي الذي به قوامه وبقاؤه فتحلل آلات الروح التي لا تبقى الروح في البدن الا بها حال استقامتها فلما رأت الملائكة اختلال تلك الالات وقدرت بقاءه بنسبة ما بقي من الالات انتقش في الواح نفوسها انه يعيش عشر سنين فلما تاب وعف او وصل رحمه قوي المدد بينه وبين فيض الوجود فقويت آلات النفس فلما نظرت الملائكة الى تلك الالات وقوتها قدرت بقاءه بنسبة قوة الالات انمحى ما كان في نفوسها من قبل وانتقش فيها انه يعيش خمسين سنة فهذا معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت انه محا بسبب المعصية قوة آلات نفس زيد ومحا بقاءه خمسين سنة ومحا من نفوس الملائكة قوة آلات نفس زيد وما اقتضته من البقاء خمسين سنة ولما اطاع محا ما اثبت اولا في الواح الالات وقوتها وبقاء عشر سنين وفي نفوس الملائكة واثبت في تلك الالواح ما اقتضته الطاعة من قوة آلات نفس زيد ومن بقائه خمسين سنة ومن انتقاش ذلك في نفوس الملائكة فالواح المحو والاثبات آلات نفس زيد وقوتها او ضعفها ونفوس الملائكة وبقاء زيد عشر سنين او خمسين سنة وما اثبت باعمال زيد من اسباب الزيادة كالطاعات او اسباب النقص كالمعاصي فافهم فهذا معنى البداء اما بالنسبة الى الله فانها اشياء يبديها لا يبتديها واما بالنسبة الى نفس الشيء بدا فيه فانه في كل ما يحكم به او عليه مؤجل والاجل غائب فان انتهت المدة ارسلوا اليه ان اقبل فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وان زيد في المدة ارسلوا ان تأخر كذا وكذا والزيادة بسبب الطاعات والنقيصة بسبب المعاصي فهذه الاشارة فيه كفاية لاولي الالباب
قال ايده الله : العاشر - بيان استجابة الدعاء واغاثة الملهوفين عند الالحاح والالتماس
اقول ان الله سبحانه قال ادعوني استجب لكم وهذا مجمل وبينه في قوله واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ومن معنى بيانه انه قال فليستجيبوا لي يعني اني دعوتهم الى ان يدعوني فيدعوني وليؤمنوا بي اي يصدقون باني اقرب اليهم من حبل الوريد واني اجيب الداع فاذا دعا الداعي وهو شاك في انه يجيب الدعاء لا يستجيب له وان دعا وهو لا يعرف من دعاه لا يستجيب له كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام لما قيل له ما بالنا ندعو ولا يستجاب لنا قال عليه السلام لانكم تدعون من لا تعرفونه فاذا اردت استجابة الدعاء فادعه وحده لانك اذا لم تعرفه فانما تدعو غيره وطريق معرفة موجب الاستجابة ان تعزم عليه تعالى بما دعاك فتتوجه اليه غير ناظر الى حاجتك ولا الى نفسك على نحو ما اذا قلت لزيد يا قاعد فانك غير لاحظ للقعود وانما انت متوجه الى زيد فكذلك اذا قلت اللهم اغفر لي فلا تلتفت الى كونك ولا الى كونك سائلا ولا الى المغفرة وتتوجه اليه تعالى لا الى جهة بلا كيف فانك اذا فعلت كذلك استجاب لك في مكانك ولقد جربت ذلك خمس او ست مرات فلا ينقطع كلامي الا بالاجابة وطريق آخر ان تتقي الله بان تطيعه في كل ما تريد منك فاذا كنت كذلك فهو اكرم منك واولى بالفضل فاذا دعوته استجاب لك في كل ما تريد وهو تعالى نبهك على ذلك بقوله انما يتقبل الله من المتقين
قال ايده الله بنصره واعانه بتوفيقه : وكذلك نريد بيان ان الرضا عليه السلام حين اكل العنب المسموم هل كان عالما بالسم ام لا
اقول انه عليه السلام كان عالما بالسم وله جوابان احدهما انه عالم بالسم الى ان اكله بل اكله مع علمه بالسم ولا يلزم من ذلك انه القى بنفسه الى التهلكة من وجهين احدهما انه لا يقدر على الامتناع من الاكل لانه لو امتنع قتله اللعين بالسيف والممنوع من الالقاء بالنفس الى التهلكة ما كان مع القدرة على الامتناع واما مع عدم القدرة على الامتناع فلا وثانيهما انه قد اخبره اسلافه عليهم السلام عن الله تعالى بان الله قد كتب عليه ذلك وامره بالاكل فلا يكون امتثال امر الله تعالى القاء بالنفس الى التهلكة كما لو امرك الامام عليه السلام بالجهاد واخبرك بانك تقتل فانه يجب عليك امتثال امره وان علمت بانك مقتول ولا يكون القاء بالنفس الى التهلكة وهذا ظاهر وثاني الجوابين انه عند التناول غاب عنه الملك المسدد كما في رواية وهو معنى ما روي انه كان يعلم ذلك الى وقت التناول فلما ان يتناول انسيه ليجري عليه القضاء ه فان معنى ما في الروايتين واحد فان الاولى معناها ان الملك الذي يسدد الامام عليه السلام غاب عنه المراد بالملك عقله الشريف ومعنى غيبته عنه انه حين امره الله باكل العنب المسموم توجه الى الله تعالى كناية عن مسابقته الى الله والى امتثال امره وغفلته عن نفسه ومعنى ما في الثانية ان توجهه الى الله والى امتثال امره مستلزم للغفلة عن نفسه ولتركه لنفسه والانساء بمعنى الترك يعني انه اشغله بلذاذة لقائه عن نفسه ليجري عليه القدر فلم يلتفت الى نفسه ولا الى المحافظة عليها فكني عن الاقبال على الله وامتثال امره والاشتغال بما اظهر له من الجمال والمحبة للقائه وعن تركه للمحافظة على نفسه بغيبوبة الملك المسدد عنه وبالانساء لانه لما اراد الاكل من العنب المسموم حضره آباؤه الطاهرون صلى الله عليهم اجمعين وقالوا الينا الينا فانا مشتاقون اليك وما عند الله خير لك فتوجه الى الله تعالى واليهم والى النعيم الدائم ولم يلتفت الى شيء بل ترك كل شيء من الدنيا حتى نفسه لان الانسان اذا اشتغل بشيء مهم لم يحس بالضربة والصدمة ولهذا كان الانسان اذا اشتغل قلبه بفرح شديد او خوف ربما تدخل الشوكة او العظم في رجله ولا يحس به ولا بالمه لانه قد اجتمعت مشاعره على ما هو مهتم به ونسي نفسه وهذا امر وجداني وهو بهذا البيان منكشف لمن له عينان والحمد لله رب العالمين وكتب بيده العبد المسكين احمد بن زين الدين بن ابراهيم عفي الله عنهم وفرغ من اجوبة هذه المسائل الشريفة ليلة الرابع والعشرين من شهر رجب سنة ١٢٣٧ سبع وثلاثين بعد المائيتن والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله افضل الصلوة والسلام حامدا مصليا مسلما مستغفرا تائبا