
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد انتهى الى الجناب المنيع والشان الرفيع منصور الجنود والطالع المسعود والفعال المحمود جناب المحترم الشاهزاده محمود ميرزا اخذ الله بيده وايده بمدده رحم الله من قال آمين فانه دعاء لنصرة الدين وتأييد المؤمنين مسائل شريفة وتنبيهات لطيفة اراد من داعيه ومخلصه بيانها وقد وافق الورود حال ضعف شديد ( شديدة خل ) في داعيه وتشتت خاطر من كثرة الامراض وشدة دواعي الاعراض وقد تعارض منع الموانع ووجوب الدواعي ورجع الحال الى الجمع بين الحقين بان لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله ترجع الامور فسلكت في البيان طريق الاجمال والاختصار اعتمادا على صحة فهمه ايده الله تعالى وعظيم تسليمه كما هو شان طالبي الحق والله سبحانه هو المستعان
المسئلة الاولى - قال ( قول خل ) سيد الساجدين عليه وعلى آبائه الطاهرين وابنائه المعصومين السلام فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة وبارادتك دون نهيك منزجرة
اقول ( الجواب خل ) ان المشية والارادة متقاربتان تطلق ( يطلق خل ) احديهما على الاخرى فتقول شاء الله كذا يعني ( اي خل ) اراد واراد الله كذا يعني شاء نعم اذا اجتمعا افترقا فتقول شاء الله واراد فحينئذ يكون بينهما فرق فيكون في قولنا شاء الله السرير مثلا واراده شاء اي بمعنى خلق عناصره واراد بمعنى خلق صورته النوعية اي الخشبية ولذلك ( كذلك خل ) قدره اي خلق حدود ( حدوده خل ) من الطول والعرض والعمق وقضاه اي اتم خلقه وركبه فالمشية مع الاجتماع بالارادة قبل الارادة ولذا سماها الرضا عليه السلام الذكر الاول وسمي الارادة العزيمة على ما يشاء ( شاء خل ) ولما كان الامر ( الامر من خل ) آثار الرحمة وكان مقدما على النهي الذي هو المنع من موجبات الغضب فلاحظ عليه السلام الترتيب الطبيعي فقال فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة وبارادتك دون نهيك منزجرة
المسئلة الثانية - بيان قوله عليه السلام ان الله خلق آدم على صورته
الجواب - ان في معنى هذا الحديث وجوها اظهرها ان هذا الحديث جزء حديث واصله ان النبي صلى الله عليه وآله سمع رجلا يقول لرجل قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال صلى الله عليه وآله مه لا تقل هذا فان الله خلق آدم على صورته وفيه ايضا وجه قريب فان الضمير يعود الى آدم والمعنى ان الله سبحانه خلق آدم على هذه الصورة التي هو عليها بل كل شيء خلقه على صورته فخلق الطير على صورته اي على صورة الطير وخلق الفرس على صورة الفرس فكل شيء يخلقه على صورته والا كان غيره
المسئلة الثالثة - بيان جواب علي عليه السلام لكميل حين سئله عن الحقيقة الخ
الجواب - ان مراد كميل السؤال عن حقيقة معرفة الله الممكنة والمراد بها معرفة النفس التي اشار اليها ( اليها النبي صلى الله عليه وآله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه واشار اليها خل ) امير المؤمنين عليه السلام بقوله من عرف نفسه فقد عرف ربه قد اقتبس ( ربه وقد اقتبسا خل ) صلى الله عليه وعلي ابن عمه وآلهما ذلك من قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق واصل هذا انه لما كان عز وجل لا يمكن ان يعرف من نحو ذاته لان كل ما سوى الله ( سواه خل ) خلقه وكل شيء من خلقه لا يدرك الا ما كان من نظايره كما قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها فلما كان الازل لا يصل اليه شيء فيعرفه ولا يخرج منه شيء فيخبر عنه واراد من خلقه ان يعرفوه وجب في الحكمة بمقتضى اللطف والفضل والرحمة ان يعرفهم نفسه وهم لا يعرفون الا ما كان من نحوهم فوصف لهم نفسه بجهتين احديهما معنوي والاخرى لفظي فاما الوصف المعنوي فانه جعل وصفه الذي به يعرف نفس الشخص الذي تعرف له بها فاذا نظر الشخص المكلف نفسه رءاها اثرا له تعالى وصنعا والاثر يدل على المؤثر والصنع يدل على الصانع وهذا هو من الآيات التي اشار تعالى اليها بقوله سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم فان كون نفسه صنعا واثرا آية تدل من اعتبر ونظر على ان له صانعا هذا صنعه ومؤثرا هذا اثره والآية هي الدليل وذلك كما روي عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال :
فيا عجبا كيف يعصي الالهام كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد
فهذا هو الوصف المعنوي واما الوصف اللفظي فهو ما انزله في كتابه المجيد واظهره على السنة انبيائه ورسله وحججه صلى الله عليهم اجمعين من بيان توحيده واثبات وجوده وهو ظاهر قد امتلئت منه الكتب والاسفار وكان مراد كميل بن زياد بيان الوصف الاولي المعنوي فقال ما الحقيقة اي حقيقة معرفة الله سبحانه فقال عليه السلام ما لك والحقيقة يا كميل فتوهم كميل انه عرف الله سبحانه معرفة اجمالية فسئل ليطلع على التفصيل قال اولست بصاحب ( صاحب خل ) سرك يعني الست الذي اطلعتني على جميع اسرارك التي من جملتها معرفة النفس التي هي معرفة الرب عز وجل قال عليه السلام بلى ولكن اطلعتك على ظاهر تلك المعرفة التي تظهر مني كظهور العرق من البدن الذي هو رشح من رطوبته ولم اطلعك ( لم اطلعتك خل ) على حقيقة ما عندي فلما ايس من البيان من جهة الاستحقاق طلبه من جهة الرجاء وحسن الظن فقال أومثلك يخيب سائله فقال عليه السلام ( عليه السلام الحقيقة خل ) كشف سبحات الجلال من غير اشارة واعلم انه اذا كان المانع للبيان انما نشأ من عدم الاستحقاق واذا كان الامر كذلك ماجاز في مقتضى الحكمة الذي احكم خيط نظام الوجود عليه ان يكون جاريا على نحو ما من الاستحقاق فانه لو كان كذلك كان ظلما للحكمة فهو عليه السلام وان اجاب بعبارة الحقيقة ( الحقيقة ولكنه خل ) لم يبين حقيقة ما اجاب به الا ترى قوله عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة وما بعده فانها عبارات الحقيقة ولكنه لم يبين ما المراد من الكشف وما المراد من السبحات وان كان كميل يعرف معنى الكشف في اللغة وانه رفع الغطاء وان السبحات هي الانوار ولكن ما المراد من الانوار والناس يعرفون من الكشف والغطاء ما تعرفه الاعراب حتى لو قيل للرجل ما معنى الكشف على حقيقة اللغة ربما انكره ( انكروه خل ) ولو قيل له ان السبحة صفة الشيء واثره وانك انت سبحة من سبح الامام عليه السلام فالسبح كلما يصدر عن الذات او ينسب اليها ويضاف او يكون اثرا من آثارها كالاكل والشرب والحركة والسكون والفعل والعمل والاصوات والاوضاع والاشعة والاظلة والصور والهيئات والانفعالات والضماير والخواطر والنوم واليقظة والطبايع والشئون والاحوال و ( الاحوال والاقوال خل ) والافعال والجهات والمراتب والاماكن والاوقات والكم والكيف والانوار والظلمات والعلوم والاسماع والابصار والطعوم والاحساس والاذواق والمشمومات والالوان والاكوان والمعاني والاعيان ( البيان خل ) والمبادي والنهايات وما بين كل اثنين واثنتين وكلما يصدق عليه اسم شيء بالنسبة الى كل شيء اذا نسب الى شيء فهو غيره فهو سبحة وذو سبحة وعنه سبحة ومنه سبحة وله سبحة وفيه سبحة وبه سبحة واليه سبحة وكل شيء سبحة بالنسبة الى ما ينسب اليه وتنتهي الاشياء الى محمد صلى الله عليه وآله فالاشياء كلها سبح لهم عليهم السلام وهم سلام الله عليهم سبح فعل الله تعالى والى هذه ( هذا خل ) الاشارة بقولهم عليهم السلام ان الله خلقنا من نوره فاذا فهمت كلامي فانا اسئلك هل سمعت او ظننت ان السبحات يراد منها مثل ما سمعت فاذا اجاب امير المؤمنين عليه السلام سؤال كميل بمثل ما سمعت من معنى السبحات فكميل انما يفهم منها السبحات بالمعنى اللغوي وهو ليس معنى السبحات على معنى ما اراده عليه السلام منها فيصح قوله عليه السلام لكميل ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فلم يكن عليه السلام يظلم الحكمة ولم يخيب سائله والحاصل ان مراد كميل من الحقيقة حقيقة ( حقيقة المعرفة خل ) يعني معرفة النفس التي هي معرفة الرب واشار امير المؤمنين عليه السلام لكميل في قوله كشف سبحات الجلال من غير اشارة الى ان حقيقة المعرفة هي ( الى حقيقة المعرفة التي هي خل ) معرفة النفس وحدها من غير التفات الى شيء مثال هذا الكشف انك اذا نظرت الى نفسك وحدها مجردة عن كل ما ليس من ( عن خل ) حقيقتها لم تجد الا شيئا بسيطا واحدا لا كثرة فيه فتستدل بذلك على انه عز وجل شيء واحد بسيط لا كثرة فيه ولا تعدد ولا تركيب ولا اختلاف مثاله اذا قيل لك انت ابن فلان وابو فلان فهذه البنوة والابوة في الحقيقة هي غير نفسك وكونك في شيء غير نفسك وكونك على شيء غير نفسك وحركتك وسكونك وكلما ذكرت لك في التمثيل السابق غير نفسك فاذا نفيت عن نفسك كل ما يفهم منه شيء غير نفسك بقيت نفسك مجردة بسيطة لا تركيب فيها ولا تعدد ولا كثرة فتستدل بنفسك على وجود المعبود الذي ليس فيه تعدد ولا تركيب ولا كثرة لانك حينئذ اثره والاثر يدل على المؤثر ولانك صنعه والصنع يدل على وجود الصانع ولا يتبين لك انك اثره ( اثر خل ) حتى تكشف سبحات الجلال لانك اذا لم تكشفها بان تنفيها من وجدانك لانها هي حدود انيتك التي تتألف منها وما دامت انيتك موجودة في وجدانك لم يظهر لك انك اثره وصنعه لانك اذا قلت انا كنت انت متحققا في وجدانك انك ( انت خل ) لست بصنع لغيرك فلا تدلك انيتك على وجود صانع لك وباقي فقرات الحديث مثل هذا في المعنى ومن اراد بيانه كله فليطلبه من رسائلنا
المسئلة الرابعة - تبيين حقيقة عالم البرزخ والمثال والحشر والبعث والقيامة وترتب الثواب والعقاب
الجواب عنه اما عالم البرزخ فالمراد ( فالمراد به خل ) العالم المتوسط بين النفوس والاجسام وهو قسمان ( اقسام خل ) قسم منه ذوات وجواهر خلقت من مجموع عالم النفوس والاجسام الغالب على اعلاه التجرد كالنفوس وعلى اسفله الماديات ويسكن ( يسمى خل ) العالي منه جابرصا والسافل منه جابلقا وقسم منه صفات واعراض خلقت من مجموع صفات عالمي ( عالي خل ) النفوس والاجسام وتسكن ( يسكن خل ) في بساتين جابرصا وجابلقا ومجموع القسمين تحت عالم النفوس وفوق عالم الاجسام بين النفس الناطقة القدسية والنفس الحيوانية الحسية فكانهم في الاقليم الثامن اسفلهم على محدب محدد الجهات رتبة واعلاهم تحت عالم الاظلة والصور التي تراها في المرآة ( المراتب خل ) من القسم الثاني وعالم المثال اسم لمجموع القسمين واما الحشر والبعث فالمراد بالحشر جمع الارواح وتركيب اركانها الستة وجمعها مع الاجساد بعد بعثها من القبور وانشائها من طينها واخراجها ليوم القيمة للحساب والثواب او ( وخل ) العقاب فالحشر جمع الارواح مع الاجسام والبعث اخراج الاجسام من قبورها بعد دخول ارواحها فيها واما الجواب عن شبهة الآكل والمأكول فاعلم ان الانسان روحه وجسمه نزل من عالم الغيب الى الدنيا دار التكليف فاكتسب جسمه اجساما جزئية عرضية عنصرية عرضت له عند نزوله اليها كما قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فصار الانسان الموجود مركبا من طينة اصلية وهي التي نزلت ( تنزلت خل ) من عالم الغيب من الخزاين ومن طينة عنصرية اختلطت بطينة الاصلية ( اصلية خل ) فاذا اكل شخص شخصا اغتذى بالاجزاء العارضة ( العارضية خل ) العنصرية التي هي من هذه الدنيا واما اجزاء الشخص الاصلية فانها لا تكون غذاء ابدا ولو اكلها الف شخص ما نقصت ذرة وهي الطينة التي تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق منها اول مرة واما اعتراض بعض الجهال علينا بان هذا انكار البعث قد ( فقد خل ) صدر عن جهل وعن شيء في النفوس يسئلون عنه ( عنه يوم خل ) تبلي السراير وتبدو الضماير اسمع كلام العالم العارف قدوة الموحدين خواجه نصير الدين الطوسي في كتابه التجريد قال : ولا تجب اعادة فواضل المكلف قال العلامة آية الله في العالمين في شرحه للتجريد على كلام الخواجه هذا اقول اختلف الناس في المكلف ما هو على مذهب الاوائل والناسخية ( التناسخية خل ) والغزالي من الاشاعرة وابن الهيفم من الكرامية وجماعة من الامامية والصوفية ومنها قول جماعة من المحققين ان المكلف هو اجزاء اصلية في هذا البدن لا تتطرق اليها ( عليها خل ) الزيادة والنقصان وانما النقصان في الاجزاء المضافة اليها اذا عرفت هذا فنقول الواجب في المعاد هو اعادة تلك الاجزاء الاصلية او ( وخل ) النفس المجردة مع الاجزاء اما الاجسام المتصلة بتلك الاجزاء فلا تجب اعادتها بعينها وغرض المصنف بهذا الكلام الجواب عن اعتراض الفلاسفة على المعاد الجسماني وتقرير قولهم ان انسانا لو اكل آخر واغتذى بغذائه فان اعيدت اجزاء الغذاء للاول عدم الثاني وان اعيدت الى الثاني عدم الاول وايضا اما ان يعيد الله جميع الاجزاء البدنية الحاصلة من اول العمر الى آخره او الغذاء الحاصل له عند موته والقسمان باطلان اما الاول فلان البدن دائما في التحلل والاستخلاف فلو ( فان خل ) اعيد البدن مع جميع الاجزاء منه لزم عظمه في الغاية لانه قد تحلل منه اجزاء تصير اجساما عند الله ثم ياكلها ذلك الانسان بعينه حتى تصير اجزاء من عضو آخر غير العضو الذي كانت له اولا فان اعيد اجزاء كل عضو الى عضوه لزم جعل ذلك الجزء جزء من العضوين وهو محال واما الثاني فلانه قد يطيع العبد حال تركبه ( تركبها خل ) من اجزاء بعينها ثم تتحلل تلك الاجزاء ويعصى في اجزاء اخرى فاذا اعيد في تلك الاجزاء بعينها واثابها على الطاعة لزم ايصال الحق الى غير مستحقه وتقرير الجواب واحد وهو ان لكل مكلف ( ان للمكلف خل ) اجزاء اصلية لا يمكن ان تصير جزء من غيره بل يكون فواضل من غيره لو اغتذى بها فاذا اغتذى بها لو جعلت اجزاء اصلية لما كانت اولا وتلك الاجزاء هي التي تعاد وهي باقية من اول العمر الى آخره انتهى كلامه في شرح كلام نصير الدين في التجريد فتدبر كلامهما تجده كما اقول وفي الفقيه والكافي بسندهما عن ابي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الميت يبلى جسده قال نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم الا طينته التي خلق منها فانها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق ( خلق منها خل ) اول مرة ه وقال الفاضل المجلسي في بيان حشر الاجساد في يوم المعاد في كتابه المسمى بحقاليقين قال قدس سره : دويم آنكه در بدن اجزاء اصليه هست كه باقي است از اول عمر ( اول عمر تا آخر عمر خل ) واجزائي فضليه ميباشد كه زياده وكم ومتغير ومتبدل ميشود وانسان كه مشار اليه است بانا ومن آن اجزاي اصليه است كه مدار حشر ونشر وثواب وعقاب بر آن است انتهى بعض كلامه وهو طويل لكن هذا بعضه وكله بهذا المعنى فاعتبر في حال المنكرين يظهر لك مرادهم وكل قادم على الله علام الغيوب يوم تكشف السراير وتبدي الضماير هنالك تبلو كل نفس بما عملت
المسئلة الخامسة - ما الفرق بين الكلام والكتاب وما معنى ان الواجب عز اسمه متكلم
الجواب - ان المحدث حال بروزه وصدوره من المبدء يسمى كلاما وقولا وحال قيامه واستقراره في محله الذي يقوم فيه يسمى كتابا فاشار تعالى الى الاول بقوله في حق الائمة عليهم السلام ولقد وصلنا لهم القول اي اماما بعد امام وقال الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اي يتدبرون حال الخلفاء فيتبعون من يهدي الى الحق وقال بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم واشار الى الثاني بقوله كل شيء احصيناه في كتاب مبين وقال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وقال قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ واما معنى كون الواجب متكلما فان المتكلم من احدث الكلام فالانسان المتكلم يحدث الكلام بفعله واذا احدثه قام بالهواء والله سبحانه يحدث الكلام واذا احدثه قام بالهواء لكن آلات الاحداث ما يتمكن بها المتكلم من احداث الكلام فالانسان ما يتمكن من احداث الكلام به ليس الا اسنانه و لهاته وشفتاه وحلقه ونفسه بفتح الفاء ولو قدر على احداث كلامه بشيء غير تلك لاحدثه بها كما اشار الخبيث في قوله :
حواجبنا تقضي الحوايج بيننا ونحن سكوت والهوا يتكلم
هذا حال المحدث العاجز والله القادر على كل شيء سبحانه كل شيء ملكه وكل شيء له فيحدث ما شاء بما شاء فيما شاء كما احدث كلامه في الشجرة لموسى عليه السلام بوليه صلوات الله عليه وقس عليه غيره على نحو ما ذكرنا
المسئلة السادسة - ما معنى حديث الفرجة المروى عن الصادق عليه السلام في اثبات التوحيد
اقول الجواب - معناه ان الواجب عز وجل واحد من كل جهة في الامور الاربعة الاول انه واحد في ذاته تعالى لا يشاركه شيء كما قال تعالى وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد الثاني انه واحد في صفاته لا يشاركه شيء في شيء منها كما قال تعالى ليس كمثله شيء الثالث انه واحد في افعاله لا يشاركه في شيء منها احد كما قال تعالى هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه وقال تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون الرابع انه واحد في عبادته كما قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا فلو فرض انه اثنان لكان بينهما فرجة قديمة اذ لو لم تكن ( لم يكن خل ) بينهما فرجة لم يكن بينهما تمايز ولو لم يكن بينهما تمايز لم تتحقق ( لم يتحقق خل ) الاثنينية ولو فرض ان الفرجة حادثة لكانا قبلها شيئا واحدا انقسم بعد وجودها قسمين وهذا اظهر في حدوثهما من فرض قدمهما فاذا كانت قديمة كانا في القديم اثنين فكانا معها ( معهما خل ) ثلثة ولا يكونان معها ( معهما خل ) ثلثة الا اذا حصل بين كل اثنين من الثلثة فرجة قديمة ليتميز كل واحد عن الآخر فيكونون خمسة فاذا كانوا خمسة وجب ان يكون بين كل اثنين من الخمسة فرجة قديمة فيكونون تسعة واذا كانوا تسعة كانوا سبعةعشر وهكذا بلا نهاية وهذا ظاهر
المسئلة السابعة - اذا فرض واجب الوجود بالذات كان واجب الوجود من جميع الجهات فلا يفقد شيئا من الكمال والشجاع اسم كمال مع انه ما ورد في اسمائه تعالى
الجواب - اعلم ان الكمال اذا كان ليس من محض الذات وانما هو بالنسبة الى غيره لا يكون كمالا مطلقا ولا يكون كمالا الا في حق المركب المتكثر المحدث الذي تجتمع فيه الجهات المختلفات المتضادات كالحركة والسكون والعلم والجهل والشجاعة والجبن والخير والشر وامثال ذلك وكل شيء له ضد لا يكون كمالا ولهذا قلنا ان العلم الذي ضده الجهل والقدرة التي ضدها العجز والحيوة التي ضدها الموت لا يجوز ان تتصف بها ذات الله سبحانه لان صفات ذاته هي ذاته وكل ما له ضد لا يجوز ان يوصف به الله سبحانه لانه ليس له ضد وكل ما يكون معناه مدركا كالعلم الذي ضده الجهل لان معناه حضور صورة الشيء وحصولها عند العالم به وضده ( ضده عدمه اي خل ) عدم حضور الصورة وعدم حصولها عنده وما كان ( وما يكون خل ) كذلك لا يكون هو عين ذات الله عز وجل نعم يجوز ان يكون صفة لفعله لانه يكون كمالا في حق الفعل الحادث ولاجل ( فلاجل خل ) ذلك لم تكن المشية والارادة صفة كمال مطلقا لان ضدهما ( ضدها خل ) الكراهة ومن ثم حكم ائمة الهدى عليهم السلام على المشية والارادة بانهما حادثتان ومن قال بانهما من صفات الذات فقد اخطأ الصواب كيف تكون الارادة ذات الله وضدها الكراهة اذ يلزم من ذلك ان يكون ما ( ما هو خل ) ذات الله له ضد ( ضد فيكون الله تعالى له ضد خل ) تعالى عن ذلك وعن الضد وعن الند والشريك علوا كبيرا والشجاع من الصفات التي لها ضد وهو الجبان فيكون من صفات النقص في حق الكامل المطلق وعلى هذا المعنى جرى جميع الصفات وسامح فان الامراض منعتني من التطويل في البيان والحمد لله رب العالمين