جواب الشيخ عبد الحسين بن الشيخ يوسف البحراني (اقسام الكفار وحقيقتهم واعتقاداتهم)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الشيخ عبد الحسين بن الشيخ يوسف البحراني (اقسام الكفار وحقيقتهم واعتقاداتهم)

رسالة في جواب الشيخ عبد الحسين بن الشيخ يوسف البحراني

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الخامس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اوضح الحق باكمل بيان واشهد مستوضحيه دلائل سبله مشاهدة عيان ودلهم على ابطال الباطل بواضح البرهان ورفع بذلك درجات اهل العلم والاحسان واولي اليقين والايمان وحط مقام اهل الكفر والطغيان وصلى الله على نور الاكوان وعلة الكيان محمد رسوله الى الانس والجان وعلى آله سادات الزمان وصفوة ولد عدنان الذين جعلهم الله واباهم حجج الملك الديان والواسطة في ذلك الامتنان

وبعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين الاحسائي انه قد ارسل اليّ ذو الكفرة الوقادة ووجهه (كذا) وذو البصيرة النقادة الشيخ عبد الحسين بن المرحوم الشيخ يوسف البحراني مسئلة اراد بها كشف نقابها ورفع حجابها وبيان ما في جلبابها ولعمري انها مسئلة من اغمض المسائل وهي تشعر بتيقظ السائل اذ قيمة كل امرء ما يحسنه فكتبت له ما سنح بالخاطر القاصر اعتمادا على حسن سريرته وصحة بصيرته وجعلت عبارة سؤاله متنا والجواب شرحا كما هي عادتي ليخص كل شيء ما يخصه من البيان مقتصرا من مطلوبه على غير ما هو معلوم او موجود غالبا في كتب القوم سائلا من الله سبحانه التسديد عن الخطأ والخلل والتوفيق للعلم والعمل انه سميع الدعاء لطيف لما يشاء

قال ايده الله تعالى بتوفيقه ومدده : اقسام الكفار تفصيلها انهم مع تشعبهم وتفرقهم يجمعهم اربعة اقسام الاول قسم غير معترف بالقادر المختار وهم الدهرية على اختلاف فرقها
اقول الكفر لغة الستر والتغطية ومنه تسمية الزارع كافرا قال تعالى كمثل غيث اعجب الكفار نباته اي الزراع وانما سمي الكافر كافرا لانه يستر الحق قال ابن ابي ‌جمهور ( ابن جمهور خ‌ل ) في المجلي وفي الشرع يقابل الايمان فهو انكار شيء مما علم بالضرورة مجيء الرسول (ص) به انتهى وبيان ما في هذا الكلام نشير اليه في مطاوي كلامنا وانما قسم الكفار على اربعة اقسام مع ان فيهم في الجملة من اختلف فيه كالذين اختلفوا في الولاية ( الولاية والامامة خ‌ل ) ويأتي تمام هذا الكلام في محله وفيهم من ليس كونه كافرا من الجهة التي جرى به التقسيم وسوف ننبه عليه لان مراده حفظه الله بيان الفرق بين مأخذ واحد بمدرك واحد كيف يكون موصلا قوما الى الكفر وآخرين الى الايمان كما هو الذي عليه مبني ( معنى خ‌ل ) هذه المسئلة وان استلزم بيان ذلك بيان اصول الكفر واصول الايمان في الجملة المستلزم لبطلان هذا التقسيم اذ ليس هو بصدد بيان التقسيم فلا فائدة لبيانه وتشييده ( تشييد خ‌ل ) بنيانه ونحن نقتصر على المراد ونشير الى ما يلزم من ذلك مما يتوقف عليه بيان المطلوب تتميما للبيان وايصالا الى المشاهدة والعيان

فقوله سلمه الله غير معترف بالقادر المختار الخ اشارة الى ما ذكره الصادق (ع) في حديث الاهليلجة للدهري لانهم ( فانهم خ‌ل ) يزعمون ان الصانع هو الطبيعة ويثبتون لها قدرة لكنها ليست اختيارية ولا عن علم واما ذكر فرق الدهرية ( واما ما ذكره في الدهرية خ‌ل ) فلا فائدة فيه وهؤلاء لا اشكال في كفرهم لانهم انكروا الصانع سبحانه بعد البيان لانهم اقروا بانهم مصنوعون واثبتوا الصنع والا يجاد لمصنوع مثلهم قد شاركهم في الا ين والمتى والوضع والكيف والكم والاضافة والاقتران والافتراق وغير ذلك من احوال المصنوعين وهي دالة على ان من وجدت فيه مصنوع لا بد له من صانع فكفرهم على الحقيقة ذاتي اصلي لان اصل الكفر اما ذاتي اصلي واما لازم فرعي اما ( واما خ‌ل ) من كان منهم قائلا بالتعطيل وعدم الصانع بالكلية فظاهر واما من قال بالطبيعة وامثالها فكذلك لانهم وان اثبتوا صانعا في الجملة لكنه غير الصانع الحق تعالى فقد جحدوا الحق واثبتوا الباطل فكفرهم اصلي ويدخل في هذا القسم من الاقسام الآخرين ( من الآخرين خ‌ل ) من اثبت صانعا يثبت فيه صفة من المخلوقين ( صانعا ثبتت صفة من صفات الخلق خ‌ل ) بحسب طاقته في ادراكه بما اوتي نعم لو اثبت ( ثبت خ‌ل ) للصانع صفة من صفات الخلق الا انها عنده صفة كمال ولا يعلم انها صفة الخلق لقصور وجوده لم يكن من هؤلاء ويجري عليه حكم المسلمين وتأتي الاشارة الى بيان ذلك ان شاء الله تعالى في ذكر اصول الايمان واصول الكفر

قال سلمه الله : الثاني قسم معترف بالقادر المختار غير معترف بالنبوة اصلا وهم البراهمة
اقول وهم طائفة في الهند انكروا نبوات ( نبوة خ‌ل ) الانبياء عليهم السلام بعد الاقرار بوجود صانع للعالم واعتمدوا في ذلك على ما توهموه فقالوا كلما يعرف بالعقل فلا يحتاج فيه الى شيء ( نبي خ ) وكل ما لا يكون للعقل اليه طريق فهو غير معقول ولا يكون مرادا ودعوى النبوة غير معقول ( غير معقولة خ‌ل ) اصلا وهؤلاء كافرون ايضا كفر جحود لانه يلزم من انكار الواسطة انكار المبدء والاصل في ذلك ان الواسطة في الحقيقة فعل المبدء في كل مقام من مراتب الوجود من الدرة الى الذرة فمنكر الواسطة منكر للصنع ومنكر الصنع منكر الصانع ( للصانع خ‌ل ) تعالى وهو كافر ايضا كفر جحود كما مر

قال وفقه الله : الثالث قسم معترف بالنبوة في الجملة لكنهم ينفون نبوة محمد (ص) كاليهود والنصارى وغيرهم كالمجوس
اقول وهؤلاء كالذين قبلهم باعتبار المآل لان انكار البعض يستلزم انكار الكل وذلك لان الموجب للاقرار بالبعض المقر به كظهور المعجزات الثابتة بالمشاهدة او بالتواتر يوجب ( موجب خ‌ل ) للاقرار بذلك البعض المنكَر ( المذكور خ‌ل ) لوجود الموجب بنفسه وزيادة نص السابق وبشارته باللاحق والحث على اتباع اللاحق ولان المقر به لا يصح الاقرار به الا بتصديقه في كل ما جاء به عن ربه وما ( ومما خ‌ل ) جاء به مما لا ينكر تصديق النبي اللاحق فانكار البعض انكار الكل وهؤلاء كافرون كفر تهود ( يهود خ‌ل )

قال سلمه الله : الرابع قسم معترف بنبوته ونبوة من تقدمه من الانبياء لكنهم يختلفون في الخليفة بعده
اقول هذا القسم الرابع الذي جعله من اقسام الكفار ( الكافر خ‌ل ) فيه تفصيل فلا يحكم عليهم بالكفر بجميع اقسامهم بل نقول ان تفصيل الاختلاف في الجملة التي ( الذي خ‌ل ) يتبين فيه من كفر ومن لم يكفر يحتاج الى بيان كلمات وتقديم مقدمات وهي على سبيل الاشارة والاختصار هذه اعلم ان الامامة رأس النبوة ونفسها وروحها كما قال (ص) لعليّ (ع) انت مني بمنزلة الرأس من الجسد كذا رواه الجمهور وقال تعالى وانفسنا وانفسكم واجمع المفسرون ان المراد بنفس رسول الله (ص) هو عليّ (ع) ولا يمكن الاتحاد واقربها الى الحقيقة هو ان المراد به ان الامامة نفس النبوة (ص) وقد حققناه في بعض رسائلنا ومباحثاتنا واليه الاشارة بقوله تعالى قال اني جاعلك للناس اماما الاية فقال (ص) لعليّ (ع) انت نفسي التي بين جنبي وقال (ص) انت مني بمنزلة الروح من الجسد وقد قال عليّ بن الحسين (ع) والجسد بغير روح صورة لا حراك بها الحديث كما رواه الصدوق في توحيده ثم اقول وهو ما ذكرته في مثل هذا المقام في شرحي لتبصرة العلامة الحلي (ره) ( وقلت فيه خ‌ل ) اعلم ان المعنى الغائب اي المعقول له ثلث مراتب اي مواضع اولها العلم ومقره الصدر يعني صدر ( صور خ‌ل ) النفس وهو صور المعلومات المجردة عن المواد والمدد والثاني اليقين ومقره القلب اي العقل هذا ( هنا خ‌ل ) وهو معاني المعلومات المجردة عن المادة والمدد والصور ( المدة والصورة خ‌ل ) والثالث المعرفة ومقرها الفؤاد وهو المعبر عنه بلسان الشرع ايضا بالنور الذي خلق منه اي نور الله في قولهم (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وبلسان الاشراقيين بالسر وهو الفيض الالهي اللائح اثره على هيكل العبد وشكله وانزلها العلم وضده الجهل وهو عدم الصورة وفوق العلم اليقين وهو لا يكون مع الشك وقد يكون عن عدم الانكار وضده الريب والشك ولو عن جهل وفوق اليقين المعرفة وهي الصحو ولا تكون عن شك ولا عن غفلة وضدها العام الانكار وهو يكون بعدها عن شك وغفلة ولا يتحقق قبلها اذ الانكار بعد التعريف وقد يطلق بعض الثلثة على الآخر لجهة جامعة ولكن لا ينافي ما قلناه لان تقسيمنا تزييل بالحقيقة وتحقيق ما قلناه يطلب من مواضعه انتهى كلامي اذا تقرر ذلك فاعلم ان المختلفين في الامامة اي التاركين ( للامامة اي التاركون خ‌ل ) لها قسمان تارك عن معرفة وتارك عن عدم معرفة فمن عادى احدا من الائمة (ع) او عادى محبهم ( محبيهم خ‌ل ) لمحبتهم او لاتباعهم لهم لا مطلقا او قدح في الائمة (ع) بقول او فعل او قدم عليهم من اخره الله عنهم او ( وخ‌ل ) فضل عليهم غيرهم من الناس او سمع النص عليهم مشافهة او تواترا ولم يقبل او انكر فضائلهم الظاهرة او احب هؤلاء لاجل ما ذكرنا من فعلهم او مال اليهم لاجل ذلك لا مطلقا او زعم ان لهم في الاسلام نصيبا مع ذلك وما اشبه ما ذكرنا وكان ذلك منه عن معرفة بضد معتقده هذا بان ظهر له الحق في نفسه ثم عدل عنه الى شيء مما ذكرنا لا مطلقا فقد كفر كفر الجاهلية الاولى وعلى هذا دلت الاخبار وصح الاعتبار لان مطلق حصول هذه الاشياء مع عدم العلم في نفسه لا يكفره ولا يخرجه عن الاسلام ومن الاخبار الدالة على ذلك ما رواه الكليني في روضة الكافي عن زرارة عن ابي ‌جعفر (ع) ان الناس صنعوا ما صنعوا اذ بايعوا ابابكر لم يمنع امير المؤمنين (ع) من ان يدعو الى نفسه الا نظرا للناس وتخوفا عليهم ان يرتدوا عن الاسلام فيعبدوا الاوثان ولا يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله (ص) وكان الاحب اليه ان يقرهم على ما صنعوا من ان يرتدوا عن جميع الاسلام وانما هلك الذين ركبوا ما ركبوا فاما لم يصنع ( فاما من لم يصنع ظ ) ذلك ودخل فيما دخل فيه الناس على غير علم ولا عداوة لامير المؤمنين صلوات الله عليه فان ذلك لا يكفره ولا يخرجه من الاسلام فلذلك كتم عليّ (ع) امره وبايع مُكرها حيث لم يجد اعوانا ه‍ فانظر الى صراحة هذه الرواية في ان من لم يعلم لا يكفر بما فعل وسماهم مسلمين بل قد ورد ما يدل على ان منهم من يحتمل ان يدخل الجنة بل يدخلون بدون احتمال كما رواه القمي في تفسيره في سورة المؤمن لقوله تعالى ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون يعني من الفرح قال حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب عن ضريس الكناسي عن ابي‌ جعفر (ع) قال قلت له جعلت فداك ما حال الموحدين المقرين بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم امام ولا يعرفون ولا يتكم فقال اما هؤلاء فانهم في حفرهم فمن كان له عمل صالح ولم تظهر منه عداوة فانه يخد له خدا الى الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته الى يوم القيمة حتى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فاما الى الجنة واما الى النار فهؤلاء من الموقوفين لامر الله قال وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والاطفال واولاد المسلمين الذين لم يبلغ ( لم يبلغوا خ‌ل ) الحلم الحديث اقول فقوله ولا يعرفون ولا يتكم المراد بنفي المعرفة الجهل ( المراد هم الولاية فيه الجهل خ‌ل ) لان المراد بها هنا العلم كما اشرنا اليه سابقا واما المعرفة الحقيقة ( الحقيقية خ ) التي نفيها الانكار فكما في قوله (ص) من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ه‍ فان المراد بنفي المعرفة هنا الانكار كما في قوله تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها فهذه هي المعرفة الخاصة وتلك عامة مجازية وتعرف ويعرف كل بالقرينة واذا فقدت القرينة فارجع الى الحقيقة ودعاة الذين ( ورعاة الدين خ‌ل ) عليهم السلام وضعوا كل شيء موضعه من تصريح وابهام وايهام ووضعوا العلامات لاهل الاستيضاح من شيعتهم لانهم يعرفون لغتهم عليهم السلام فلا يضرهم اختلاف الآثار لان الرعاة عليهم السلام انما خالفوا بين الآثار سترا للاسرار عن الاغيار وحفظا للاخيار عن الاشرار كما رواه الكشي في كتابه عن عبيد بن زرارة في حديث اعابته لابيه زرارة وان ذلك لغاية قال قال ابو عبد الله (ع) الى ان قال عليه السلام ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق ولو اذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي امرناكم ( امرناكم به خ ) فردوا الامر الينا وسلموا لنا واصبروا لاحكامنا وارضوا بها والذي فرق بينكم هو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه ( امر خلقه خ‌ل ) وهو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها لتسلم من فسادها وخوف عدوها الحديث فاخبر (ع) ان له تصاريف في ذلك الاختلاف والتفريق ومعان توافق الحق وانه هو الذي فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها لتسلم ولكل شيء حد وعلى كل شيء حد دليل ( على كل حد دليل خ‌ل ) فهمه من فهمه ومما هو الاعم ( اعم خ‌ل ) الادلة العرض على الكتاب المجمع على تأويله وسنة النبي (ص) المجمع عليها والقياس الذي تعرف العقول عدله كما قال الكاظم عليه السلام في حديث محمد بن الزبرقان على ما رواه المفيد في الاختصاص والاخبار متواترة معنى على تصديق هذا الحديث والاعتبار الصحيح شاهد به فاذا اردنا التمييز ( التميز خ‌ل ) بين المعرفتين المذكورين ( المذكورتين خ ) لنضع مدلول كل في موضعه اذ ورد كما مر ان من لم يعرف الولاية كافر وورد ان من لم يعرف الولاية ليس بكافر واستيضاح ذلك من كتاب الله قال ( قال الله خ‌ل ) تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي وامثال ذلك من الايات المحكمات المجمع على مدلولها ومن السنة ايضا كثير مثل الناس في سعة ما لم يعلموا ليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله الى غير ذلك من الاخبار وهذا ظاهر فقد ثبت ان المختلفين في الامامة لا يكفرون اجمعون بل من لم يقل ( لم يقبل خ‌ل ) بها بعد ان عرف في نفسه وجوب ذلك عليه فان قيل كيف كفر من انكر الصانع والنبوة والمعاد ولو بما يؤدي الى ذلك بمجرد قوله وان لم يكن عن معرفة منه ويكون مسلما بمجرد اقراره بذلك كذلك ولم يكفر من انكر الولاية الا اذا كان بعد ان وصل اليه البيان وهو اصل بمنزلة تلك الاصول بل هو شرط فيها في مقام القبول قلنا لما كان التكليف بها حكما ظاهريا كفي في تحقق حصول امتثالها الامر الظاهر لان هذه مبادي وسبل ( سبيل خ‌ل ) الى الولاية التي هي ولاية الله التي حمل لوائها الولي ولهذا كان الرد اليه ردا الى الله حقيقة بل لا مغايرة ولا كثرة قال تعالى ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه وقال تعالى ثم ردوا الى الله موليهم الحق الا له الحكم وهو اسرع الحاسبين هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ومثل قوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم وكقوله تعالى واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون الى غير ذلك والاصل فيه ان الولي ليس له من نفسه عند نفسه اعتبار وانما هي صفات الله وشئونه في خلقه يظهرها فيمن يشاء الا ترى الى قوله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها الاية وتلك الامانة هي الولاية وهي جميع التكاليف من الاعمال والاقوال والاعتقادات فافهم واذا اردت ضربت لك مثلا من ( في خ‌ل ) نفسك وفي العالم اللذين اشار اليهما سبحانه بانهما آياته من ( في خ‌ل ) قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم ( الاية خ‌ل ) وبيان ذلك في نفسك ان كل ما يعمله زيد لجسدك وما ينسبه اليه فانهما ( فانما خ‌ل ) هو عمل لنفسك ونسبة اليها حقيقة بل ليس الجسد مقصودا بذلك العمل والنسبة الا من جهة انه وصلة الى نفسك ودال عليها ووجه لها فانظر في مثل هذه المرءاة الصافية لترى وجه الامر فيها علانية وايضا ان الملوك يضعون بعض ( لبعض خ‌ل ) عبيدهم لا نفاد ( لا نفاذ خ‌ل ) اوامرهم ونواهيهم واصلاح شئونهم تكرما منهم عن مباشرة ما لا يليق بمقام الملك وتعظما ( تعظيما خ‌ل ) باحتجاب العزة فيلبس العبد في جميع ما هو مأمور به وموكل عليه لباس سيده وتاج هيبته فتمتثل الرعية امر العبد لانه امر سيده ولو عثروا في خلال ذلك الامر على اقل قليل ليس عن سيده اما بتخصيص او تفويض ( بتفويض خ‌ل ) عارضوه وسقطت هيبته في ذلك الامر القليل واستخفوا به وضعفت في ذلك عزيمته وسطوته والاصل في ذلك ان ما كان فيه من الهيبة والتسلط ليس من نفسه وانما هي هيبة الملك وتسلطه فليس له اذ ذاك اعتبار من نفسه ولهذا اذا اعتبر نفسه لم يكن له شيء من ذلك لان ذلك هي صفة الملك وولا يته وبمثل ذلك جاء ( جار خ‌ل ) قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا لان ولاية الولي ( عليه السلام خ‌ل ) هي ولاية الله القديمة ظهر بتعلقها بالخلق الولي الحق وقد اشار الى ذلك عليّ عليه السلام في خطبته انا صاحب الازلية الاولية وقد ذكر السيد قطب قدس الله روحه ونور ضريحه ( السيد قطب‌الدين قدس سره خ‌ل ) في قصيدته الطويلة التائية المشهورة هذا المعني فقال ( فقال شعرا خ‌ل ) :

ففي ازل الآزال نور الولاية الالهية العظمى على نعت وحدة
الى ابد الآباد ليس لنورها تعدد اوهام العقول الضعيفة
ولكن لها مجلي وذلك واحد لدى اول الابداع عند الافاضة
ولكن امير المؤمنين هو الذي لقد كان مجلي ذاته الصمدية

(ولكن امير المؤمنين هو نور الذي كان مجلي ذات الصمدية خ‌ل ) فقد ظهر لك انه انما يكفر من انكر ما يلزم من انكاره الكفر من الاصول كما يأتي بمجرد انكاره اذا كان ذلك الاصل مبنيا حكمه على الظاهر ( على حكم الظاهر خ‌ل ) لسهولة ادراكه على كل من اتصف ( انصف خ‌ل ) بادنى عقل ولظهور براهينه وشواهده اذ برهان كل شيء بنسبته في الظهور والخفاء بخلاف امر الولاية ويأتي تتميمات لهذا المعنى في مواضعها ان شاء الله تعالى فتفقدها تجدها

قال ايده الله : وكل واحد من هذه الاقسام الاربعة اعتقاده لا يخلو من اقسام اربعة ايضا الظن والوهم والعلم والشك فاذا ضربت الاقسام الاربعة في اعتقاداتها الاربعة بلغت ستة‌ عشر قسما
اقول يعني ان هذه الاقسام الاربعة كل واحد منها اصحابه على اربعة اقسام ظان وواهم وعالم وشاك ( وشاك وعالم خ‌ل ) كالدهرية مثلا منهم من هو ظان بان الصانع هو الدهر كما حكى الله عنهم في قوله تعالى ان هم الا يظنون والمراد انهم قاسوا الصانع بالمصنوع فاثبتوا له صفات المصنوع ثم نظروا فلم يجدوا مصنوعا الا متغيرا فانيا فاحالوا امرهم على الدهر لانه موهوم ولم يفن عندهم فحصلت لهم امارة بذلك واما اهل الوهم منهم فحيث حصل لهم ذلك حصل لهم من الفطرة ما هو ارجح منه فعملوا بحكم الطبيعة المرجوحة و( او خ‌ل ) تساوي حكم الفطرة و( او خ‌ل ) حكم الطبيعة عند بعض منهم فحصل لهم الشك فعملوا بحكم الطبيعة من غير ترجيح واما اهل العلم منهم فان فسرنا العلم هنا بالاعتقاد وهو المانع من النقيض عند الذاكر لا في الواقع قلنا انهم بعد ان ظنوا او توهموا او شكوا كما مر لان الاعتقاد قد يكون منها كلها واعرضوا بالكلية عن ( من خ‌ل ) النظر ومقتضاه واكبوا على مقتضى العصبية و تكبروا واستنكفوا عن قبول هدي ( هدي من خ‌ل ) الدعاة الى الله حسدا وبغيا ( وبغيا وخ‌ل ) رسخت فيهم دواعي تلك الافعال والاحوال بلوازمها ملكة وجبلة حتى انهم لم يجوزوا غير ما هم عليه واما ان فسرنا العلم بمانع ( بمانع من خ‌ل ) النقيض في نفس الامر وفي الاعتقاد فلا يجري في غير اهل الحق اذ نفس الامر هو الحق الواقع وهذا ظاهر ومنشأ عدول من عدل عن الحق من اهل الفرق كلها ان الانسان اول ( اولا خ‌ل ) تكون منه جسده ثم النفس الحيوانية بجميع قواها على الترتيب مثلا ( مثل خ‌ل ) نفس الشهوة ثم الغضبية ثم التمييز ( التميز خ‌ل ) ولا يكون له عقل يتوجه بسببه اليه التكليف الا بعد رسوخ النفس ( النفوس خ‌ل ) فيه كنفس الحيوة والشهوة والقوة والمدرج والغضبية وكنفس العادات ونفس الاكوان والاضافات الى غير ذلك مما هو يقتضي خلاف الحق والعقل الذي يقتضي الحق ويأمر به مخالف لها كلها في جميع ميولاته ومقتضياته وهو لا يأتي الا بالتدريج شيئا فشيئا فان حصل له اعوان من الميل الى الدعاة والاصغاء اليهم ( اليهم والتخلق خ‌ل ) باخلاقهم وربى بالغذاء الصالح له من الاعمال الصالحة قوى على قتل تلك النفوس واحالته على ( احالتها الى خ‌ل ) حالاته وادخالها تحت طاعته فتكون مطمئنة راجعة اليه راضية بحكمه مرضية لديه ( لديه وخ‌ل ) اهتدي صاحبه الى الحق القويم والصراط المستقيم والا كان من الانسان ما يغلب عليه من النفوس حتى ينزل في الدركات ويستولي عليه الشبهات كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون فتكون الدواعي الاربعة في الفرق الاربع ست ‌عشرة صورة كما ذكر سلمه الله ( الاربعة ستة‌ عشر صورة كما ذكره خ‌ل ) الا ان المختلفين في الولاية يلحظ ( يلحظون خ‌ل ) في ذلك ما قلناه آنفا

قال ايده الله : ثم ان مادة هذه الاعتقادات الاربع مكن ان تكون من البرهان المؤلف من اليقينيات او من الجدل المؤلف من المسلمات او من الشعر المؤلف من المخيلات او من الخطابة المؤلف من المقبولات والظنونات او من السفسطة المؤلفة من الوهميات والمشبهات فاذا ضربت هذه الخمسة في الستة ‌عشر قسما الحاصلة من الضرب الاول تبلغ ثمانين قسما
اقول ان البرهان الصحيح يفيد حصول الاعتقاد الجازم العلمي كما قرر في محله والجدل الصحيح يفيد قطع الخصم لتركبه من المقدمات المسلمات عنده او ( اي خ‌ل ) من المشهورات التي يحصل بها الاستظهار عليه وان لم تكن مسلمة عنده ولا يستلزم الاول لجواز بطلان لازمه عند الذي اقامه وانما يفيد اسكات الخصم والشعر الصحيح فائدته بسط النفس او قبضها بمدح او ذم فقد يؤثر اخلاقا حميدة او ذميمة والخطابة الصحيحة فائدتها جذب القاصرين الى الاعتقادات الحقة لتركب هذا المقام من المقبولات عند الخصم فيستلزم قبول الحجة او من المظنونات فلا يسعه المصير الى الموهوم وهذا لا يكون كالاول وان كان طريقا اليه لان البرهان لاهل البيان واما الخطابة فلمن لم يقدر على البرهان ابتداء والسفسطة يفيد ( تفيد خ‌ل ) المغالطة لتركبها عن ( لتركيبها من خ‌ل ) المقدمات الباطلة التي تشبه الحقة اما في الصورة او في المعنى اذا رتبت على وجهها وبالجملة فقوله ايده الله ان الاقسام تبلغ ثمانين يريد به في صورة الضرب والتقسيم لا انها تحصل في الواقع لتنافي بعضها لبعض كما لا يخفي على من له ادنى انس بالعلم وهو لا يجهل ذلك وانما اراد ما ذكرنا ولسنا بصدد بيان هذا

قال سلمه الله : وهذه الاقسام لاختلافها لا تكون كلها ايمانا ولاتكون كلها كفرا ولشهادة بعضها على بعض ايضا بالخروج عن طريق الاستقامة والصواب
اقول هذا الكلام ظاهر لان بعض من اختلف في الولاية ممن لم يقر بها ليس بكافر كما مر وبعض من هو غيرهم وان كان كافرا ظاهرا او بحكم الكافر كاطفالهم ومجانينهم موقوفون لامر الله يوم القيمة ويأتي تتمة البيان ان شاء الله تعالى

قال ايده الله : فما حقيقة الايمان الكاشفة عن اصوله وما حقيقة الكفر الكاشفة عن اصوله وما الواسطة بينهما ان فرضت وما الاصل من اصول الايمان هل هو ما يمتنع دخول الجنة بعدمه ام غير ذلك وما معنى الاصل من اصول الكفر هل هو ما يوجب دخول النار بوجوده ام غير ذلك وما الدليل على ذلك
اقول اعلم ان الايمان لغة التصديق وكذلك في الشرع الا انه مخصوص بالتصديق بالله وبالرسول (ص) وبجميع ما جاء به ( صلى الله عليه وآله خ‌ل ) مما علم مجيئه به ضرورة وهل الاعمال الصالحة جزء منه ام لا قالت المعتزلة نعم فهو تصديق بالجنان واقرار باللسان وعمل بالاركان والاخبار دالة عليه كما رواه في الكافي في حسنة حمران بن اعين عن ابي‌ جعفر (ع) قال سمعته يقول الايمان ما استقر في القلب وافضى به الى الله عز وجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لامر الله الحديث وفيه في صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال الايمان اقرار وعمل الحديث وفيه في مكاتبة ( حكاية خ‌ل ) عبدالرحيم القصير قال كتبت مع عبد الملك بن اعين الى ابي ‌عبد الله عليه السلام اسأله ( سألته خ‌ل ) عن الايمان ما هو فكتب الى مع عبدالملك بن اعين سألت رحمك الله عن الايمان والايمان هو الاقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالاركان والايمان بعضه من بعض وهو دار الحديث الى غير ذلك قال ابن ابي ‌جمهور في المجلي وحمله يعني هذا القسم من الايمان الذي جعل العمل جزء منه على الايمان الكامل احق لعطف الاعمال الصالحة عليه والعطف يقتضي المغايرة انتهى وقيل ان الايمان تصديق الرسول صلى الله عليه وآله في كل ما علم بالضرورة انه اتى به وهذا التعريف يناسب ( يناسب مذهب خ‌ل ) الاشعري لحصرهم طرق المعارف في السمع فلا يعلم العقل شيئا الا من الشرع وقيل انه المعرفة مع الاقرار والعلم بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وقيل انه مجموع الطاعات وهو مذهب كافة المعتزلة وجماعة من الامامية ولهم قول عليّ عليه السلام لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلوة ولا حلال ولا حرام وقول ابي‌ جعفر عليه السلام قيل لاميرالمؤمنين عليه السلام من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله كان مؤمنا قال ( عليه السلام خ‌ل ) فاين فرائض الله وانت اذا تدبرت الآثار وجدت الايمان له اطلاقات فمرة يطلق على الاسلام العام الذي هو قبول قول الرسول صلى الله عليه وآله في الجملة مع انكار لذلك في باطنه كما قال تعالى يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون فانها نزلت في منافق كناه بعض الصادقين عليهم السلام بابي ‌الملاهي وسماه الله مؤمنا بظاهر اقراره مع انه اهل قوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وهو عند الله كافر كما في رواية محمد بن حفص ( جعفر خ‌ل ) بن خارجة عن ابي ‌عبد الله عليه السلام وفيها قال عليه السلام وتجري عليه احكام المؤمنين وهو عند الله كافر ومرة يطلق عليه مع عدم انكار ( انكار ذلك خ‌ل ) كما اشار سبحانه الى بعض اهل هذا الايمان بقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا آمنوا فوصفهم بهذا الايمان وامرهم بالايمان المقرون بالتصديق ومرة يطلق على المقرون بالتصديق مطلقا كما في رواية محمد بن مسلم عن ابي ‌عبد الله عليه السلام قال سألته عن الايمان فقال شهادة ان لا اله الا الله ( وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله خ‌ل ) والاقرار بما جاء ( جاء به خ‌ل ) من عند الله وما استقر في القلوب من التصديق بذلك قال قلت الشهادة ليست عملا قال بلى قلت العمل من الايمان قال نعم الايمان لا يكون الا بعمل ( بالعمل خ‌ل ) والعمل منه ولا يثبت الايمان الا بعمل ه‍ فأبان (ع) ظاهرا بان ( ان خ‌ل ) الشهادة عمل وان ذلك يكفي في ثبات الايمان ثم قرر مرتبة ثانية للايمان ضمنا بقوله الايمان لا يكون الا بعمل وان كان الاقرار بالشهادتين عملا ولا ( وهو خ‌ل ) كاف في المرتبة الاولى كما هو في صحيحة جميل ايضا الا ان كل ما شفع بالعمل والاوامر كان اكمل واتم كما هو صريح مرسلة ابن مسكان عن ابي ‌عبد الله عليه السلام قال ومن عمل بما امر الله تعالى به فهو مؤمن ومرة يطلق على الاقرار بالمعارف وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله كما في رواية سفيان بن السمط قال سأل رجل اباعبدالله عليه السلام عن الاسلام والايمان ما الفرق بينهما الى ان قال فقال الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة الا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله واقام الصلوة وايتاء الزكوة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام وقال الايمان معرفة هذا الامر مع هذا الحديث ومرة يطلق ويراد به جميع ما ذكر مع ( من خ‌ل ) الاجتهاد والورع وموالاة ولي ولاة الامر عليهم السلام ومعاداة عدوهم والتسليم لامرهم والاحتمال لسرهم والاحتجاب بذمتهم وانتظار دولتهم كما دلت عليه الروايات والادعية والزيارات خصوصا الجامعة وهذه اعلى درجات ( درجة خ‌ل ) مراتب الايمان الست ليس ورائها مرتبة الا مرتبة ايمان اهل المرتبة السابعة عليهم السلام واما اهل المرتبة الاولى فانهم عند الله كفار بل هم اشد عذابا من الكفار قال الله تعالى ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار وان كان في الظاهر يجري عليه احكام المسلمين ما لم يظهر منه ( منهم خ‌ل ) مقتضي ما ابطنه ( ابطنوه خ‌ل ) ولو بالقول بل يطلق عليهم اسم الايمان ظاهرا كما مر في آية الصف وقد اشار الصادق (ع) الى هذا المعنى كما رواه في الكافي عن محمد بن حفص بن خارجة قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول وسأله رجل عن قول المرجئة في الكفر والايمان وقال انهم يحتجون علينا ويقولون كما ان الكافر عندنا هو الكافر عند الله فكذلك نجد المؤمن اذا اقر بايمانه انه عند الله مؤمن فقال سبحان الله وكيف يستوي هذان والكفر اقرار من العبد فلا يكلف بعد اقراره بينة والايمان دعوى لا تجوز الا ببينة وبينته عمله ونيته فاذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن والكفر موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلث من نية او قول او عمل والاحكام تجري على القول والعمل فما اكثر من يشهد له المؤمنون بالايمان وتجري عليه احكام المؤمنين وهو عند الله كافر وقد اصاب من اجرى عليه احكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله ه‍ اقول وهؤلاء يسلب عنهم اسم الايمان في غير مرتبة ظاهر القول قال الله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين الايات فهم في الحقيقة كافرون كفر نفاق وبالجملة فالايمان الظاهر يكون ثوابه في الدنيا ينالهم نصيبهم من الكتاب ويحقن به الدم ويستحل به الفرج وتؤدي به الامانة وهذا هو الاسلام الذي هو قسيم الايمان ومِن دونه مَن دونه فانه مسلم ايضا كما قال الصادق (ع) في رواية سفيان بن السمط قال عليه السلام فان اقر بها ولم يعرف هذا الامر كان مسلما وكان ضالا ه‍ وهو انما سمي مؤمنا لاضافته الى الايمان كما قال الصادق عليه السلام في حسنة حمران قال قلت ارأيت من دخل في الاسلام اليس هو داخلا في الايمان فقال لا ولكنه قد اضيف الى الايمان وخرج من الكفر الا ان هذا ( هذين خ‌ل ) قسمان فان حصل له تصديق قلبي بذلك كان ايمانه برزخيا فان عمل بما لا يختلف فيه ورد ما اختلف فيه الى الله ولم ينكر الولاية ولم يعرف اولي الامر عليهم السلام ولم يعادهم ولم يعرف حقهم ولم يأتم بهم فهذا كما قال الحسن بن عليّ عليه السلام كما رواه عنه الطبرسي في احتجاجه قال عليه السلام فنحن نرجو ان يغفر الله له ويدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف انتهى هذا حاله في الآخرة واما في القبر فيخد له خد يدخل عليه روح الجنان الى يوم القيمة فيحاسب بعمله كما مر في حسنة ضريس وان لم يكن له عمل صالح كان في قبره ممن يلهى عنه وفي آخرته يجدد له التكليف كما مر ويتخوف عليه ذنوبه كما قال عليّ عليه السلام في حديث اشعث بن قيس ويدخل في الثانية الثالثة عن ( على خ‌ل ) تفصيل يطول ذكره الا انه يعرف مما ذكرنا وما ستذكر ( سنذكره خ‌ل ) واما الثلث الاخر فهم من نور واحد الا انهم متفاوتون في الكم والكيف والوضع كاضواء السراج كلما قرب منه كان اضوء واشد ثم نقول اما حقيقة الايمان فهي معرفة الله على ما هو عليه في ذاته مما ( مما وجه خ‌ل ) تعرف به ومعرفة صفاته على ما هي عليه كذلك مما عرف به ومعرفة افعاله كذلك مما رغب وخوف به ومعرفة عبادته كذلك مما كلف به وذلك سبيل الله الى عباده وسبيل عباده اليه ( اليه تعالى خ‌ل ) والعبارة عن ذلك في الظاهر شهادة الا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان عليّا والائمة من ذريته حجج الله واوصياء رسول الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة وصيام شهر رمضان وحج البيت والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجميع مرادات الله من الخلق والعبارة عنه ( عن ذلك خ‌ل ) في الحقيقة ان يقال انه يدخل في شهادة الا اله الا الله عدله لاستلزامه لذلك ويدخل في العدل الايمان باليوم الآخر لاستلزامه لذلك ويدخل في شهادة ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله التوحيد وما يدخل فيه لكون ذلك من فروعها لان التوحيد في الخليقة انما ( انما هو خ‌ل ) توحيد الرسم لا الحقيقة وذلك فرع الواسطة وباب الفيض والنعم وذلك الجميع عبارة عن الولاية قال عليّ عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا واشار عليه السلام الى ذلك في جوابه لكميل عن الحقيقة فقال نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره فاعمالنا صفاتنا ونحن تلك الآثار ونفوسنا هياكل التوحيد فقال صلى الله عليه وآله ( قال عليه السلام خ‌ل ) من عرف نفسه فقد عرف ربه ولاحت اظلتنا واشباحنا على هيئة اشباح التوحيد واليه الاشارة بقوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها والنور المشرق انوارهم عليه السلام وصبح الازل اسرارهم وهو سر الكاف المستديرة على نفسها والسر المجلل بالسر قال ( وقال خ‌ل ) الصادق (ع) ان امرنا سر مستسر وسر لا يفيده الا سر وسر على سر وسر مقنع بالسر وعنه ( عليه السلام خ‌ل ) ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر ه‍ فالتوحيد في الحقيقة توحيد الولاية في المقامات الاربعة توحيد الذات قال الله تعالى انما هو اله واحد وتوحيد الصفات قال تعالى ليس كمثله شيء وتوحيد الافعال قال تعالى وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير وتوحيد العبادة قال تعالى ولا يشرك بعبادة ربه احدا والاصل في هذا انه سبحانه خالق كل شيء منه بدؤه وبه بدؤه وبه قوامه وله ملكه واليه مرجعه وقال تعالى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم وهذه الاربعة الاركان هي اركان الوجود كله ولله الولاية على ذلك كله وحده قال تعالى هنالك الولاية لله الحق فالتوحيد ( فالتوحيد هو خ‌ل ) التسليم والتفويض ونفي ما سوى الله من كل شيء في كل شيء فمن لم يفوض لم يوحد لانه اثبت غير الله والتفويض هو التسليم والتسليم هو التسليم لولي الامر وهو في الحقيقة هو الاسلام والاسلام هو التسليم كما رواه في الكافي عن امير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه احد قبلي ولا ينسبه احد بعدي الا بمثل ذلك ان الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق والتصديق هو الاقرار والاقرار هو العمل والعمل هو الاداء الحديث وفي رواية حمران عن الصادق عليه السلام ان صبغة الله هي الاسلام وكذا في غيرها وفي رواية عبد الله بن سنان عن ابي ‌عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى صبغة الله ومن احسن من الله صبغة قال ( قال هي خ‌ل ) الاسلام وقال في قوله تعالى فقد استمسك بالعروة الوثقى قال هي الايمان بالله وحده لا شريك له ولا ريب ان المراد به الولاية وهي الاسلام حقيقة ( حقيقة وهي الايمان حقيقة خ‌ل ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله والذي بعثني بالحق ما آمن بي من كفر بك ولا اقر بالله من جحدك ه‍ والاخبار الدالة على هذا الاعتبار بالصريح الذي ليس عليه غبار كثيرة فظهر ان التوحيد هو الايمان والايمان هو التصديق ( هو التوحيد خ‌ل ) وان الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق ثبت ( وثبت خ‌ل ) ان التصديق هو الاقرار وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله كما مر مااقر بالله من جحدك لانه قد دلت النصوص على الخصوص على ان الولاية هي الامانة وهي جميع ما يريد الله من العباد من الشهادتين وجميع اصول الدين وفروعه وآثارها تظهر في اركان الوجود الاربعة الخلق والرزق والحيوة والممات وهي ولاية الله الاولية ( الازلية خ‌ل ) وحامل لوائها وهو لواء الحمد على واهل بيته المعصومون ( المعصومين خ‌ل ) عليه وعليهم السلام وهذا اصل اصل الايمان وحقيقة حقيقة ( حقيقة حقيقته خ‌ل ) لان حقيقة الايمان هي التصديق والعمل بما امر ( امروا خ‌ل ) والاستقامة كما امر ففي رواية عذافر (ظ) بن عيسى عن ابي ‌جعفر عليه السلام قال بينا رسول الله (ص) في بعض اسفاره اذ لقيه ركب فقالوا السلام عليك يا رسول الله (ص) فقال ما انتم فقالوا نحن قوم مؤمنون قال فما حقيقة ايمانكم قالوا الرضي بقضاء الله والتفويض الى الله والتسليم لامر الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله علماء حكماء كادوا ان يكونوا من الحكمة انبياء فان كنتم صادقين فلا تبنوا ما لاتسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون و اتقوا الله الذي اليه ترجعون ه‍ ولا ريب ان هذه الحقيقة فرع لمعرفة الولي واتباع امره والتسليم له كما دل عليه حديث المفضل بن عمر الطويل الذي رواه الشيخ حسن بن سليمان الحلي في كتابه مختصر بصائر سعد الاشعري عن الصادق (ع) واعلم ان كل شيء له حقيقة في كل مرتبة من مراتب وجوده ونزول تلك الحقيقة الى رتبة الحقيقة التي تحتها مجازها وطريقها اليها وصعودها الى ما فوقها من الحقائق هو سر تلك الحقيقة الصاعدة وفناؤها فيها فهذه الحقيقة التي في رواية عذافر حقيقة الايمان في الاداء وهي بالنسبة الى حقيقة التوحيد الظاهر مجاز له لانه اصلها وهي فرعه وذلك بالنسبة الى حقيقة التوحيد الحقيقي الباطن وهي الولاية الكبرى مجاز ( مجازا خ‌ل ) بالنسبة اليه ولقد كررت العبارات ورددت الاشارات ليفهم من يفهم ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القي السمع وهو شهيد فثبت ان حقيقة الايمان واصله هو الاقرار بالشهادتين والعمل والتصديق ( بالتصديق خ‌ل ) بما جاء به رسول الله (ص) من احوال النشأتين وان اصل هذا وحقيقته معرفة هذا الامر ومعرفته ان يظهر لك ان لا تكليف بغيره وانه لا يراد من العباد سواه فمن ثبت له المقام الاول كان مؤمنا ويكفيه في هذه المرتبة من معرفة هذا الامر وصفه ( وصفته خ‌ل ) بما ظهر ولهذه ( لهذا خ‌ل ) المقام مراتب لا تكاد تحصى فمنهم من يشهد الشهادتين ويعمل بعض العمل ولا ينفي هذا الامر وهو ادني معرفته ومنهم من يقول به ولا يدري ما يقول ومنهم من يدري بلا دليل ومنهم من له دليل غير معقول ومنهم من له دليل معقول بلا معرفة وهكذا واما المقام الثاني فشرطه معرفة هذا الامر كما قلنا ان فهم قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال عليه السلام في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه وهم اسماؤه الحسني وامثاله العليا ونعمه التي لا تحصى كما دلت عليه الاخبار وشهد له صحيح الاعتبار ولا يعرف الشئ الا باسمائه وصفاته وامثاله ونعمه الا ان يكون مصنوعا فيعرف بحقيقته اذ كل معروف بنفسه مصنوع فاذا ثبت بما اشرنا اليه انهم اسماء الله وقد ثبت انه يسبح الله باسمائه جميع خلقه لانه انما يعرف ويدعي باسمائه بل لا يتوصل اليه في حال من الاحوال لا بعبارة ولا باشارة لا في العقل ولا في السر الا بهم وبسبيل ( وسبيل خ‌ل ) وصلهم فهم في الحقيقة المدلجون بين يدي المدلج من جميع المخلوقات في كل نحو من انحاء الوجود بل هم الحجب وهو سبحانه المحتجب بهم عن خلقه وهم الاسماء وهو ( هم خ‌ل ) المعنى كما قال الصادق عليه السلام في حديث المفضل بن عمر وقد ثبت انه ( انهم خ‌ل ) صراط الله وطريقه الى خلقه في جميع ما فاض ( افاض خ‌ل ) من خزائنه من الخلق والرزق والحيوة والممات وما يترتب على ذلك من الاوامر والنواهي الى غير ذلك مما ( ما خ‌ل ) به قوام النشأتين وملاك النظامين فاذا ثبت ذلك كان معرفتهم والكون معهم وسلوك طريقتهم هو اصل الايمان وحقيقته فمن عرف ما اشرت اليه وآمن عالما بذلك من مشاهدة فذلك الذي اشار اليه (ص) بقوله علماء امتي كانبياء بني ‌اسرائيل ومن آمن بذلك غير عالم فهو من المخبتين المبشرين ومن اتبع ( اتبع غيره خ‌ل ) على ذلك من غير علم ولا بصيرة وانما هو للكون بين المؤمنين واتباعا للوالدين فهم قسمان الاول من عرف هذا الامر مجملا بان علم في الجملة حسن اتباع آل‌محمد صلى الله عليه وآله من غير تفصيل بل لانهم ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وقد سمع لهم فضائل عن الموالين لهم وعن خصمائهم بحيث لم يشتهر عند الخصم طعن على احد منهم كما اشتهر عند الموالين الطعن على غيرهم ورسخ ذلك في نفسه مع ما تخلق عليه وشب ( ثبت خ‌ل ) من اهله واهل فرقته حتى كانت تلك الامور الملفقة ملكة وطبيعة لا يحول عنها الى غيرها ولم تختلجهم ( لم تختلجه خ‌ل ) الشكوك الاختيارية في ذلك بل لو جرت عليه وسوسة في شيء من ذلك تألم بها لانه ليس بميت ولو كان ميتا لم يتألم بلهب النار وهؤلاء يلحقون بالمخبتين ولكل درجات مما عملوا والقسم الثاني من لم يعرف من الامور المجملة شيئا الا ما اعتاده من سماع اهل مذهبه ومن اهله وهؤلاء يسئلون يوم القيمة عما خلقوا لاجله وهو الولاية ويلحق كل منهم بمن خلق من فاضل طينته والفرق بينهم وبين القسم الاول حيث لم‌نحكم ( لم يحكم خ‌ل ) عليهم اعني اصحاب القسم الاول بالاختبار ( بالاختيار خ‌ل ) يوم القيمة انما ( انهم خ‌ل ) كانوا مطمئنين في هذه الدنيا لموافقة ما كسبوا من المعتقدات لطينتهم وفطرتهم ولا يكون ذلك الا بعناية ربانية لا بالاتفاق اذ لو خالفتها لحصل ( لماحصل خ‌ل ) لهم الاضطراب ولمالوا ( لما مالوا خ‌ل ) مع كل ريح فافهم واما هؤلاء انما سكنوا ( فانما سكتوا خ‌ل ) لعدم شعورهم بما حصل لهم من الاعتقاد فلا تحصل منافاة بين ذلك وبين طينتهم عاجلا فاذا مسهم طائف من الشيطان بشك ( يشك خ‌ل ) في ذلك لم يتألموا منه لعدم حياتهم بل منهم من يقبله ويستحسنه لموافقته لطينته على انه ما بهم شيء من ( عن خ‌ل ) حسن الحسن وقبح القبيح في الجملة وما من شيء الا والله دليله ولا دلالة اوضح من دلالته فمن حصل له نوع عذر فالله الذي لا يخاف الفوت يجمعه يوم لاتنفع الاعذار عند كشف الاستار وابداء الاسرار فيستنقطه ( فيستنطقه خ‌ل ) بقسطاس الاختبار فيلحق باحد الاقسام لحقيقته ( لحقيقة خ‌ل ) الاعتبار فظهر ان متمسك هذه الفرقة المحقة وهم الشيعة عروة وثقي ووجود وهو خير محض يفضي الى الله تعالى حيث يجب ( يحب خ‌ل ) وان التوفيق له سلوك الى الجنة على اي نوع وبأي طريق وانما لم ‌نثبت ذلك بالشك لعدم تحققه بالشك لان الشك كفر كما ورد عنه (ص) وان كان الشك ممن لم يعرف بالكلية على اثر ( بالكلية فلا اثر خ‌ل ) حتى يعرف وعلى الله الهداية والتوفيق وعليه البيان والمعونة قال تعالى وعلى الله قصد السبيل فهذه حقيقة الايمان الكاشفة عن اصوله واما حقيقة الكفر الكاشفة عن اصوله فانظر الى ضد ما سبق في حقيقة الايمان وهو حقيقة الكفر الكاشفة عن اصوله حرفا بحرف واعرف كل مرتبة بضدها فان الاولى معارج لا تتناهى في الدرجات والثانية مهابط لا تتناهى في الدركات وما ورد في الاخبار من ان الايمان وحدوده شهادة الا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والاقرار بجميع ما جاء به من عند الله وصلوة الخمس واداء الزكوة وصوم شهر رمضان وحج البيت وولاية وليهم ومعاداة عدوهم والدخول مع الصادقين ه‍ وامثال ذلك مما يشابه هذا الحديث في معناه فالمراد به ما ذكرنا لك وان كان جرى على الظاهر منه ( من خ‌ل ) ان حدود الايمان اشياء متعددة لان هذه الامور المتعددة هي وامثالها فروع الولاية بل احكامها ومقتضياتها تأمل ما ورد في تفسير قوله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال الاية فانها قد فسرت بالولاية تارة وبجميع التكاليف اخرى ومن المعلوم عند اصحاب الشهود والعيان اتحاد معنى التفسيرين واذا اردت البيان من القرآن بان هذا الامر هو اصل الايمان بأي نوع كان كل بحسبه وان انكاره هو اصل الكفر بأي نوع كان في كل ( كان كل خ‌ل ) بحسبه وان ما ظهر مما يوهم مخالفة ما ذكرنا بعدم انحصار الايمان والكفر في الاقرار بهذا الامر والانكار له فالمراد منه ما ذكرنا وانه منحصر فيه الا ان معرفة ذلك ليس مشرعة لكل وارد فانظر الى ما ورد في قوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم وقوله تعالى واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون وقوله تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا وامثال ذلك حيث حذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه بحيث يطلق عليه الحكم بالاسناد بعد الحذف والمضاف المحذوف ( بعد حذف المضاف والمحذوف خ‌ل ) في الايات وامثالها في الاولي من دون ولي الله وفي الثانية وجهان مرادان احدهما واذا ذكر ولي الله وحده في الولاية ونفي عنه من تقدمه اشمأزت الاية والثاني ( وثانيهما خ‌ل ) واذا ذكر الله بحصر الولاية في الولي الحق اشمأزت الاية فان حصر الولاية في الولي الحق هو ذكر الله الخالص ومفتخر الخلص من المقربين والابرار وفي الاية الثالثة كالاولى ( وفي الاولى الاية الثانية خ‌ل ) وكذلك ما رواه القمي في تفسيره في قوله تعالى ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم قال من زعم انه امام وليس بامام وغير ذلك والسر في حذف المضاف ارادة حقيقة الامر في المجاز بالاسناد والحكم لان الحق سبحانه لا يكون ( لا يكون معه خ‌ل ) حكم وليس معه غيره ولا يساوقه في ازله شيء ومقام جميع الاحكام في الخلق لا في الحق ( الحق جل وعز خ‌ل ) فمرادنا بحقيقة الامر هنا الحقيقة الحقيقية لا الحقيقة الحقية اذ ليس ثم الا ذات ساذج ووجود بحت ووحدة صرفة مقدسة عن التقييد والاطلاق واما التعين ( التعين الاول خ‌ل ) الذي يصح معه الحكم والاسناد فهو الولي لكن لما كان الولي صفة الظاهر به سبحانه لم يذكر عند ذكر الظاهر لانمحاق الصفة في الموصوف والظهور في الظاهر كقولك يا قاعد فان الدعاء للقعود ويعني ( تعني خ‌ل ) به الذات وبعبارة اخرى فان الدعاء بالقعود للذات ولعل هذه العبارة اظهر وان كان المعنى عند اهل العرفان سواء بل الاولى اولى وعلى كل تقدير فقد خفي ما له الحكم العنواني لفنائه ( لغنائه خ‌ل ) للظاهر به بحيث لو قام لم يصدق عليه ذلك الاسم ودعي بالمظهر الذي ظهر به ولو كان الاسناد والحكم لمحض الذات لم تتغير العبارة لعدم تغيرها بتغير ( بتغيير خ‌ل ) المظاهر والصفات والى هذا المعنى الاشارة بما رواه الصدوق في توحيده عن ابي ‌عبد الله (ع) في قول الله عز وجل ( في قوله تعالى خ‌ل ) فلما آسفونا انتقمنا منهم قال ان الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق اولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مدبرون فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا وذلك لانه جعلهم الدعاة اليه والادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس ان ذلك يصل الى الله كما يصل الى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك وقال ايضا من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ( بالمجادلة خ‌ل ) ودعاني اليها ( اليها وقال ايضا من يطع الرسول فقد اطاع الله خ‌ل ) وقال ايضا ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضي والغضب وغيرهما من الاشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل الى المكون الاسف والضجر وهو الذي احدثهما ( احدثهما وانشأهما خ‌ل ) لجاز لقائل ان يقول ان المكون يبيد يوما ما لانه اذا دخله الضجر والغضب دخله التغير فاذا دخله التغير لم يؤمن عليه الابادة ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا هو الخالق للاشياء لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه فافهم ذلك ان شاء الله انتهى الحديث الشريف وانا اقول فافهم الحديث بما ذكرت لك ان شاء الله لتشرب شربة لن‌تظمأ بعدها ابدا واما الواسطة بين الايمان والكفر فهي الاسلام بالمعنى الاعم وهو ما ظهر من الشهادتين والصلوة والزكوة والصوم والحج وما ( والحج اما خ‌ل ) هذه مع الولاية فهو ايمان وان كان يسمي اسلاما بنحو آخر ويسمى واسطة اضافية الا ان الواسطة بالقول المطلق هو ما ذكرنا وهو الذي عليه عامة الناس والاخبار في ذلك كثيرة ظاهرة الدلالة واظهرها دلالة على اثبات الواسطة وبيان حكمها وما رواه ( حكمها ما رواه خ‌ل ) في الكافي عن عبد الرحيم القصير قال كتبت مع عبد الملك بن اعين الى ابي‌ عبد الله (ع) اسأله عن الايمان ما هو فكتب (ع) الى مع عبدالملك بن اعين سألت رحمك الله عن الايمان والايمان هو الاقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالاركان والايمان بعضه من بعض وهو دار وكذلك الاسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل ان يكون مؤمنا حتى يكون مسلما فالاسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان فاذا اتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي او صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله تعالى عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الاسلام فان تاب واستغفر عاد الى دار الايمان ولا يخرجه الى الكفر الا الجحود والاستحلال ان يقول للحلال هذا حرام وللحرام حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان داخلا في الكفر وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة واحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الحرم فضربت عنقه وصار الى النار انتهى وفي رواية سفيان بن السمط عن الصادق (ع) فقال عليه السلام الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة الا اله الا الله وان محمدا رسول الله (ص) واقام الصلوة وايتاء الزكوة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام وقال ( عليه السلام خ‌ل ) الايمان معرفة هذا الامر مع هذا فان اقر بها ولم يعرف هذا الامر كان مسلما وكان ضالا ه‍ ومن قال بنفي الواسطة او ( وخ‌ل ) ان ما ظهر من الامر اسلام وما وقر في القلب ايمان ولا فرق بينهما الا بالثبات فيحصر ( فيحضره خ‌ل ) الاسلام والايمان في هذه الدار في الفرقة المحقة عملا بمثل حسنة الفضل ( فضل خ‌ل ) بن يسار قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ان الايمان يشارك الاسلام ولا يشاركه الاسلام ان الايمان ما وقر في القلوب والاسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء والايمان يشارك الاسلام والاسلام لا يشارك الايمان انتهى وكذلك ما في موثقة سماعة في قول الصادق عليه السلام ان الايمان يشارك الاسلام في الظاهر والاسلام لا يشارك الايمان في الباطن وان اجتمعا في القول والصفة ه‍ لم يتحر الصواب لتصريح الاخبار الكثيرة بأن الاسلام ما عليه الناس ومعلوم انهم لا يقولون بهذا الامر فقوله في حسنة ابن يسار ( فقوله عليه السلام في موثقة سماعة خ‌ل ) وان اجتمعا في القول والصفة المراد به انهما يجتمعان فيه ( المراد بانهما يجتمعان فيهما خ‌ل ) من الامور المذكورة وفي صفاتها لا مطلقا بل يختص الايمان بقول ووقر وصفات وهذا ظاهر ومن تدبر الاخبار زال عنه الغبار ولا مزية في ايرادها ولا زيادة تحقيق في اثبات الواسطة ولا التفات الى قول من نفاها بعد تحقق ثبوتها وليس في قوله تعالى هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن دليل لان المراد بها ( دليل له لان المراد به خ‌ل ) بيان بدئهم وبيان مردهم ولا نزاع في ذلك وانما الكلام في هذه الدار على ان القرآن صريح في اثبات الواسطة في قوله تعالى قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وهذا نص محكم وتلك من المجمل المتشابه القابل للتأويل على ان مدلولها ثبوت الايمان والكفر ولا دلالة في ذلك على نفي الاسلام اذ اثبات الشيء لا ينفي ما عداه وبالجملة فأصل الايمان ( الايمان هو معرفة هذا الامر خ‌ل ) مع فروعه من ظاهر القول ومن حدود الاسلام وهو ما يوجب دخول الجنة على نحو ما سبق واصل الكفر هو جحود هذا الامر مع فروعه ( مع فروع خ‌ل ) ذلك الجحود من جميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن وهو ما يوجب دخول النار والقرآن مشحون ببيان هذا البيان من تدبره بعين البصيرة الشرعية الذوقية شاهد العيان واما اهل الواسطة فاغلبهم يلهى عنه في البرزخ كما دلت عليه الاخبار ويوم القيمة يميز الله الخبيث من الطيب والدليل على جميع ما ذكرنا محكمات القرآن والاخبار وصحيح الاعتبار والحمد لله رب العالمين

قال ايده الله بتوفيقه وسلك به واضح طريقه : وايضا اذا تساوت هذه الفرق الاربع في نوع الاعتقاد وفي مادته فما الوجه في ترجيح بعضها على بعض في الحكم بكفره باعتقاده او بايمانه باعتقاده دون البعض الآخر حتى يصح ان يقال كل من اعتقد دين الامامية بأي نوع من انواع الاعتقاد من اي مادة كانت فهو ناج دون غيره فانه لا نسب بين الله وبين احد من خلقه فهو اعدل العادلين وما الدليل على هذا الوجه ايضا علمونا مما علمكم الله مأجورين انتهى كلامه اعلى الله مقامه
اقول ان من حكم بنجاة اهل هذا الاعتقاد دون غيرهم وان كان في الظاهر نوع الاعتقاد ومادته سواء فترجيح قوم دون آخرين ترجيح بلا مرجح هو الذي عرف حقيقة الطريق وعرف المقصود بالاعتقاد والعمل وعرف ان ذلك هو سبيل الله الى خلقه لا غير وسبيل خلقه اليه لا غير فاذا انجا ( نحا خ‌ل ) المكلف نحوه على كل حال وبكل نحو فانما ذلك لسبق عناية من الله ( الله تعالى خ‌ل ) به بحقيقة ما هو اهله فانه سبحانه قبض قبضة بيمينه وتلك اليمين هو المقصود المذكور وهو السبيل المشار اليه فقال سبحانه الى الجنة ولاابالي يعني بعد ان دعوت اصحاب اليمين واصحاب الشمال الى الخير الذي خلقتهم لاجله فمال باختياره كل الى ما منه بدئ ورجع الى اصله بعد ابلاء الاعذار والتقدم بالوعيد والتلطف في الترغيب لا ابالي فلاجل تلك العناية مال بطبعه وباسباب التوفيق وقبولها اذا سلك الطريق ( طريق خ‌ل ) النجاة علم او جهل وكذلك موافقة ذلك للفطرة ( الفطرة خ‌ل ) فان كل مكلف انما فطر على قبول الخير ومحبة الخير فالحكم بنجاة من سلك هذا الطريق انما هو من العالم بذلك وهو الامام عليه السلام او تابعه الذي يأخذ عنه اما بالبصيرة والذوق او بالتقليد والتسليم وانما حكم بذلك من حكم عن بصيرة لاجل معرفته بان سلوك طريق الحق لا يكون عن ( من خ‌ل ) غير توفيق وتسديد وعناية من الله ( الله تعالى خ‌ل ) لانه لا يصح في الوجود اهمال ولانه موافق للفطرة اذ الفطرة التي فطر الله الخلق عليها انما هي على الحق الذي احب ورضي كما اشرنا اليه سابقا في قول عليّ عليه السلام لكميل نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره فراجع وتفهم بخلاف سلوك طريق الضلالة ( طريق اهل الضلال خ‌ل ) فانه بالترك والخذلان لانه عدم فيصح فيه الاهمال الذي هو العناية العرضية لا ان الحاكم في حكمه ناظر الى مجرد انواع معتقداتهم وموادها لانه على ذلك لا فرق بين احد منهم بل لما قلنا اما الحاكم العارف مطلقا ( فظاهر خ ) واما غيره فانما يحكم بما يشاهد في المنقول ولا يدري ما يقول واما انه لا نسب بين الله وبين احد من خلقه الخ فنعم كل سبب منقطع الا سببه والذي ( كل نسب منقطع الا نسبه الذي خ‌ل ) اشرنا اليه وهو سبيله ووجهه الذي لا يفنى هو السبب الذي ( وهو النسب الذي خ‌ل ) لا ينقطع واليه الاشارة بقوله تعالى فقد استمسك بالعروة الوثقى فان اصحاب اليمين آخذون بحجزة ائمتهم عليهم السلام والائمة عليهم السلام آخذون بحجزة رسول الله (ص) ورسول الله صلى الله عليه وآله آخذ بحجزة الله عز وجل والحجزة هي السبب ( النسب خ‌ل ) كما في الاخبار فأي سبب ( نسب خ‌ل ) بين الله وبين عباده المؤمنين اعظم من سلوك سبيله الذي حصر طاعته ورضاه ودخول جنته ( جنة خ‌ل ) في سلوكه وقد علم الكل من الفريقين انه ليس بين الله وبين احد قرابة ولا نسب الا العمل الصالح ولا شك ان العمل الصالح هو الولاية والمحبة والادلة في ذلك لا تحصى الا ان الذي ذكرنا كاف في كل مدرك عند الاستبصار فلاحظ ما مر وهو سبحانه اعدل العادلين لان من قابل النور استنار قصد ذلك او لم يقصد ومن ولج في الظلمة اظلم قصد او لم يقصد وبيان ذلك انه قد تقرر في محله ان الفطرة وجود وان الوجود خير محض وخير كله وكذلك الاعمال الصالحة وتقرر ان الاعمال الصالحة ( الطالحة خ‌ل ) كلها في الحقيقة اعدام لان اصلها مجتث وهو الماهية التي ما شمت رائحة الوجود ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان والى ذلك الاشارة بقوله تعالى والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء يعني ان الكافر يظن انها شيء ووجود كالظمآن الذي يظن ان السراب ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا فانت اذا عرفت ما ذكرنا عرفت انه اذا قال شخص بالحق من ( عن خ‌ل ) غير بصيرة من اي مادة كانت ودان به فقد اصاب الحق وان لم ‌يكن من وجه الاصابة ولا يقال انه ظمآن وقع على سراب بل ظمآن وقع على ماء فاذا كان مطمئنا على ظواهر حدود الحق دل ذلك على موافقته للفطرة وسبق العناية له بالسعادة والا فمرجو لامر الله كما مر واذا قال شخص بالباطل من غير بصيرة من اي مادة كانت ودان به فقد اخطأ الحق فانه يقال ان ( انه خ‌ل ) ظمآن وقع على سراب والحكم بكون العدم عدما والوجود وجودا هو العدل فلو ساوى من لم ‌يكن في وجود بمن يكون في وجود في الوجود او ( وخ‌ل ) في العدم لم ‌يكن من العدل والدليل على ذلك الجزم من العقول بصحة هذا القول والاخبار والاعتبار وصلى الله على محمد وآله الاطهار والحمد لله رب العالمين

فرغ من تسويدها مؤلفها الليلة الخامسة ‌عشرة ( الخامسة‌ عشر خ‌ل ) من جميدي ‌الثانية سنة الثانية‌ عشر بعد المأتين والالف من الهجرة على مهاجرها افضل الصلوة والسلام حامدا مصليا مستغفرا والحمد لله اولا وآخرا

المصادر
المحتوى