جواب الشيخ عبد الله بن مبارك القطيفي (معنى القدر في أفعال العباد والإشارة الى المنزلة بين المنزلتين)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الشيخ عبد الله بن مبارك القطيفي (معنى القدر في أفعال العباد والإشارة الى المنزلة بين المنزلتين)

رسالة في جواب الشيخ عبدالله بن مبارك القطيفي

في معنى القدر في افعال العباد والاشارة الى المنزلة بين المنزلتين وبيان السبب

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين الاحسائي انه قد التمس مني الشيخ الاواه الشيخ عبدالله بن الشيخ مبارك بن عليّ الجارودي القطيفي ان اكتب بعض الكلمات في كشف القدر في افعال العباد وبيان الاشارة الى المنزلة بين المنزلتين وبيان السبب على سبيل الاختصار فكتبت هذه الكلمات على الفور امتثالا للامر واغتناما للذكر

واعلم ( وهو اعلم خ‌ل ) ان الله تعالى خلق الانسان من نوره وهو الوجود فلما خلقه انعكس انفعال الوجود عند فاعل ( فعل خ‌ل ) القادر سبحانه ظلا منكوسا وهو الماهية فالوجود من الله والماهية من الوجود لانها انفعاله والانسان عبارة عنهما ومركب منهما وكل منهما له نهايات مقدرة كالسراج مثلا فان له اشعة مقدرة تنبعث عنه وهي نهاياته وكذلك للاشعة اشعة وهي نهايات النهايات وهكذا حتى تفنى فجعل للوجود بابا تخرج منه اشعة النور الثابتة وهو العقل وجعل للماهية بابا تخرج منه ( اليه خ‌ل ) اشعة الفقر والحاجة المجتثة وهو النفس ثم لما كان الانسان عبارة عن الوجود والماهية ذواتي النهايات المقدرة ركب فيه شهوة كمالاته لتمام ذاته فركب في الوجود شهوة كمالاته وتمام نهاياته الثابتة وركب في الماهية شهوة كمالاتها وتمام نهاياتها المجتثة فتركب ( فتركبت خ‌ل ) في الانسان الشهوة المركبة الاختيارية لصلوحها للنور اي الطاعة من جهة الوجود وللظلمة اي المعصية من جهة الماهية وانما قلنا بلزوم الماهية للوجود لان الوجود مصنوع والمصنوع يلزمه الانفعال والا لم ‌يكن مصنوعا هذا خلف فدل هذا اللزوم على ان مشية الله ( مشية الله للوجود ولبابه ولكمالاته استلزمت مشية الله خ‌ل ) للماهية ولكمالاتها وبابها فمشية كل استلزمت مشية مقابلها العام لكون الماهية وما لها من النهايات من تمام قابلية الوجود وما له من النهايات للايجاد فتكون المشية لها للوجود لا لها فتكون مشية ( مشية الله خ‌ل ) لها بالعرض لكونها غير مقصودة لنفسها بل للوجود فتكون مشية العبد لبعض كمالات الوجود من مشية الله الذاتية لها بالذات ومشية العبد لبعض كمالات الماهية بالذات من مشية الله لها بالعرض فاذا تحركت الشهوة المركبة في الانسان لشيء من نهايات الوجود التي هي الطاعات مثلا تحركت لضد ( لضده خ‌ل ) العام من نهايات الماهية التي هي المعاصي لكون الشهوة في الاصل مركبة لانها اقتضاء الانسان المركب فاذا غلبت شهوة احد النهايتين لمعونة او خذلان اراد ومصدر الداعيين من البابين العقل والنفس وعلى كل باب منهما داع من الرحمن فعلى العقل ملك مؤيد يلقي اليه المعونة من الله وهو صورة الراس الخاص من العقل الاول المنطبعة في المرءاة اليمنى من قلب الانسان ونعني بها العقل وذلك الملك يسمع من اذن القلب اليمنى وعلى النفس شيطان مقيض يلقي اليه الخذلان بالله لا منه وهو صورة الراس المنكوس الخاص من الجهل الاول المنطبعة في المرءاة الشمال من قلب الانسان ونعني بها النفس وذلك الشيطان يسمع ( يستمع خ‌ل ) من اذن القلب اليسرى فالانسان بين آمر وناه واعان الملك بجنود الالطاف والايقان وامد ( مد خ‌ل ) الشيطان بجنود الخذلان وجعل سبحانه للعبد الآلة والصحة وهي التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل مددا واعانة على الطاعة لكنه سبحانه جعلها صالحة للمعصية لان ذلك الصلوح من تمام الطاعة اذ لو لم‌ تصلح للمعصية ( على المعصية خ‌ل ) لم‌ يقدر عليها واذا لم‌ يقدر عليها كان مضطرا الى الطاعة فلا يكون مطيعا اذ الطاعة لاتتحقق ( لا يتحقق خ‌ل ) حتى يقدر على ضدها ويفعل الطاعة مختارا فاذا تحركت الشهوة من جانب ( الجانب خ‌ل ) الايمن والمراد بها ميل الوجود الى بعض كمالاته ظهرت المشية من بابه وهو العقل واقتضى الطاعة فلما كان الوجود من مشية الله بالذات كما مر ومشية العبد للطاعة التي هي من كمالات الوجود بالذات من مشية الله لها بالذات والله سبحانه السابق لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وظهرت تلك الآثار بالعبد المختار كان الله اولى بالحسنات من العبد وانما نسبت الطاعة الى العبد واستحق عليها الثواب كما نسب نور الشمس الى الجدار الذي اشرقت عليه واستحق الاضاءة بذلك اذ لولا الجدار وكثافته لم ‌يظهر النور والا كانت ( وان كانت خ‌ل ) الشمس اولى بذلك منه واذا تحركت الشهوة من الجانب الشمال اي ميل الماهية الى بعض كمالاتها ظهرت المشية من بابها وهو النفس الامارة واقتضت المعصية ولما كانت الماهية من الوجود واليه وبالله لا منه ولا اليه ومشية العبد للمعصية التي هي من كمالات الماهية بالذات ايضا من مشية الله لها بالعرض لرجوعها الى الماهية كما مر مكررا والله السابق كذلك ام حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا وظهرت تلك الآثار من العبد المختار بالله القهار كان العبد اولى بالسيئات من الله ويقال ان السيئة من العبد وبالله لا منه كما يقال ان ظل الجدار اذا اشرقت عليه الشمس من الجدار وبالشمس لا منها ولكنه لا يتحقق ولا يعقل الا بها ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فالظل من الجدار واليه يعود ولكنه ظهر بالشمس واعلم وفقك الله ان هذه الاشياء المذكورة المفصلة كلها مذكورة في الكتاب والسنة وروى: ما من شيء الا وفيه كتاب وسنة ولكن بعض ادلتها مذكور بلفظه وبعض بالاشارة والايماء وجميع ذلك يطول به الكلام ولا يحتمله المقام ومن طلب وجد ولا يسعني ايراد ذلك مع ما انا فيه من الاشتغال وتشتت البال وانما اكتب ما اكتب بلا مراجعة ولا تذكر ولا مطالعة والله سبحانه الهادي سواء السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين كتبها منشئها في السنة الثامنة بعد المائتين والالف من الهجرة النبوية وصلى الله على محمد وآله خير البرية ( وصلى الله على خير البرية محمد وآله الطاهرين خ‌ل ) ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا تمت

المصادر
المحتوى