
حسب جوامع الكلم – المجلد الخامس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين انه قد ارسل الي الشيخ الافخر العالم العامل الاقا جعفر قراگوزلوي الهمداني اصلح الله جميع احواله في مبدئه ومأله بحرمة محمد وآله آمين رب العالمين كلمات ذكر فيها اعتقاده لانظر فيه واقرر منه ما وافق الحق وما رأيت فيه منافاة اذكر وجه عدم صحته واذكر الصحيح واشير الى وجه صحته وذلك لما تكلم في عرضه بعض الناس وقال انه صوفي والتصوف يطلق على الاعمال المنافية للشرع مع دعوى انها طريقة الشارع عليه السلام ويطلق على الاعتقادات الباطلة التي هي تخالف ما اتى به صاحب الشريعة عليه السلام وحيث علم من حاله انه ملازم لما اتى به الشارع عليه السلام ذكر الاعتقاد الذي فيه الكلام من بعض الناس عليه وانا اذكر عبارته على نحو المتن واتكلم على ما فيه المنافي للاعتقاد الصحيح
قال ايده الله : بسم الله الرحمن الرحيم المعروض على الجناب المستطاب ان الحقير لما تشرف بخدمتكم واستنار قلبي بنور مشاهدتكم عمتني العنايات الالهية والتوفيقات القدسية فرأيت في نفسي ان اعرض عقائدي والزمت على نفسي ان اكشف عنها الغطاء لذلك الجناب حتي يطلع ذلك الجناب فان كان فيها خدش او خطأ فالمرجو من ذلك الجناب التنبيه عليه والاشارة على رده واثبات الصواب فيه بالبرهان وهو اني اشهد الله وملائكته ورسله وانبياءه وجميع خلقه انهم يشهدون علي في الموقف ان الله سبحانه واحد في جميع العوالم
اقول يعني انه سبحانه واحد متفرد بالوحدانية في ذاته وفي صفاته وفي افعاله فيما هو سبحانه عليه في الازل وفي السرمد وفي الجبروت وفي الملكوت وفي الملك وفي الخارج وفي الذهن وفي نفس الامر في الغيب والشهادة الظاهر والباطن بالاعتقاد والاعمال والاقوال والاحوال
قال ايده الله : بمعنى انه لا نظير له ولا ند ولا ضد ولا جزء له لا في الخارج ولا في الخيال ولا في الوهم ولا في العقل وكل شيء معدوم في رتبة ذاته حتى اسماءه وغيوره
اقول في هذا الكلام اجمال في ثلاثة مواضع :
الموضع الاول قوله وكل شيء معدوم قال بعضهم حقائق الاشياء في علمه الذي هو ذاته وهي ليست متميزة عن ذاته ليست معدومة ولا موجودة بل هي ثابتة وقال آخرون هي الصور العلمية وهي غير مجعولة وهي خارجة عن الذات معلقة بها تعلق الظل بالشاخص وقال آخرون هي خارج الذات والعلم المتعلق بها موجود في رتبة الذات وامثال هذه الاقوال الثلاثة يحتملها ظاهر العبارة وكلها باطلة لاستلزامها وجود شيء غير الذات البحت في رتبة الذات مع انه يقال انها ليست غير الذات وان كان المراد منها ان كل شيء من علم او معلوم بالفعل او بالقوة غير محض الذات البحت المعبود بالحق ممتنع في رتبة الذات فهو حق لان رتبة الذات هو الازل والازل هو ربنا المعبود بالحق واذا ثبت ان الازل هو الذات البحت فلايكون فيه غيره والا لكان تعالى محلا لغيره وقولي او بالقوة اريد به قول من يقول ان معطي الشيء ليس فاقدا له فانه فيه بالقوة وكما قال الملا محسن في الكلمات المكنونة فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين ولكنه مستعد لذلك الكون بالامر ولما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك واتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الى الفعل فالمظهر لكونه الحق والكائن ذاته القابل للكون فلولا قبوله واستعداده للكون لماكان فما كونه الا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول وقابليته للكون وصلاحيته لسماع قول كن واهليته لقبول الامتثال فما اوجده الا هو ولكن بالحق وفيه انتهى فانظر كيف حكم بان العالم كامن في الذات بالقوة ولما توجه اليه قول كن قبل باستعداده الغير المجعول وكون نفسه الظاهرة بالحق وفي الحق تعالى عن ذلك فالمكون للعالم الظاهر بالفعل عين العالم الثابتة في العلم الكامنة في ذاته فلما كون نفسه الظاهرة بالحق وفي الحق ظهر الكون الكامن في ذاته بالقوة الى الفعل مع انك لو سألته هل في رتبة الذات الحق غير الذات شيء باي فرض اعتبر قال لك لا فان اريد بامتناع كل شيء في رتبة الذات معنى ما ذكرنا والا فهو باطل
الموضع الثاني قوله حتى اسماؤه ان اريد به ان الاسماء معدومة في رتبة الذات لانها ان كانت اسماء افعال لم تتجاوز رتبة ما يتقوم بالافعال كالقائم اذا حمل على زيد لانه اسم فاعل القيام وان كانت اسماء للذات كانت مميزة للذات عما يشاركها فهي على الحالين تحت رتبة الذات فلا يتحد منها شيء بالذات بحال من الاحوال فهي بكل اعتبار معدومة في رتبة الذات وقد تطلق ويراد منها الذات فلا تعتبر بنفسها وان كان اطلاقها على الذات انما يصح بلحاظ الصفات واهل التصوف يطلقون الاسم على الذات ويقولون ان نسبة الاسم من المسمى نسبة الظاهر من الباطن ثم يقولون هو بهذا الاعتبار عين المسمى فاذا اعتبر انه عين المسمى جعل الاسم معدوما في رتبة المسمى وهو عينه بناء على مذهبهم من القول بوحدة الوجود ولذا قالوا هو عين المسمى مع انه ان نسبته منه نسبة الظاهر من الباطل ( الباطن ظ ) وهذا اعتقاد باطل كاصله والحق ان الاسماء كلها بكل مراد لا وجود لها في رتبة الذات لا في وجود ولا في علم ولا في ذكر وان وجد العلم في الذات لا يتعلق بها الا في رتبة وجودها تحت وجود الذات لان فرض وجود تعلقه بها في رتبة الذات مناف للتوحيد الحق
الموضع الثالث قوله وغيوره يعني به ان غيوره منتفية في رتبة الذات فنقول الصفات السلبية من الغيور لان قولك ان الله تعالى ليس بجسم صفة سلبية جارية بنفي الجسم على تحديد الغير فلا يكون الله عز وجل موصوفا بها وانما الموصوف بها المحدود بها وهي تلك الغيور كما قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه فالصفات الثبوتية المحمولة صفات فعل فهي في نفس الامر محمولة على الفعل والصفات السلبية في نفس الامر محمولة على ما اثبتته الاوهام الغافلة له تعالى فكل ما سواه غيوره والغيور مطلقا ممتنعة في رتبة الذات فهذا تفصيل الاجمال في المواضع الثلاثة
قال سلمه الله : وكلها مخلوقة وصادرة عنه تعالى كما تشهد به الاحاديث والادعية المروية عن الائمة عليهم السلام وعلمه تعالى بالنسبة الى المخلوقات لا يتفاوت سابقا كان او لاحقا
اقول قوله وعلمه تعالى بالنسبة الى المخلوقات فيه اجمال ايضا من جهة العلم نفسه ومن جهة معنى الكلام فالاول ان اريد بالعلم العلم الذي هو هو تعالى فالمعنى بالنسبة الى دخولها في ملكه من غير ان يكون تعالى فاقدا لشيء في حال من الاحوال ولا ينتظر او يستفيد بشيء او يستقبل لشيء وهذا العلم هو الله عز وجل لا يطابق شيئا ولا يطابقه شيء ولا يقع على شيء ولا يقع عليه شيء ولا يتعلق بشيء ولا يتعلق عليه شيء ولا كيف لذلك وان اريد به علمه الذي هو كتابه الذي ذكره في كتابه المجيد قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وقال قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وما اشبه ذلك فالمراد به العلم الحادث وهو المروي عن ائمة الهدى عليهم السلام سمى الامام علي بن الحسين عليهما السلام العرش بالعلم الباطن وهو علم الكيفوفة ومنه مظهر البداء وعلل الاشياء والكرسي العلم الظاهر والمعروف بين المسلمين ان اللوح المحفوظ كتب فيه القلم باذن ربه ما كان وما يكون الى يوم القيمة وهو المشار اليه في الايتين المتقدمتين وهذا العلم اعتبار تفاوته وعدمه مبني على كونه عين المعلوم او غير المعلوم او ان بعضه عين المعلوم وبعضه غير المعلوم وهذا الاختلاف لا تعلق له بما نحن بصدده في الجملة في نفسه نعم قد تترتب على ذلك مسائل يلزم منها على احد هذه الاقوال امور عظيمة النفع او كثيرة الضرر
قال ايده الله : وقدرته ومشيته بالفعل والترك لا يتفاوت مقدما كان او مؤخرا وليس في فعله ظلم ولا تعسف وان الجبر والتفويض كلها باطلان وانه تعالى معري من جميع النقائص الامكانية ومنزه منها وانه تعالى مباين لجميع المخلوقات ذاتا وصفة وفعلا والحلول والاتحاد والتناسخ ووحدة الوجود بمعنى انه ليس الا الله تعالى وليس موجود سواه باطلة
اقول العبارة عن وحدة الوجود ان يقال انه تعالى هو كل الاشياء وان جميع الخلق منه تعالى كالموج من البحر والحروف من النفس والحروف المنقوشة من المداد وما اشبه ذلك الا ان عبارته سلمه الله اراد منها ما اردنا والتناسخ باقسامه الاربعة النسخ والمسخ والفسخ والرسخ
قال ايده الله : لان هذا القول مخالف لبداهة الحس والعقل باعث لسقوط التكاليف الشرعية وموجب لمفاسد كلية واما وحدة الوجود بمعنى ان حقيقة الوجود مستغنية عن الكل والكل في الوجود والبقاء محتاجة له وان الاشياء ليس لها من ذاتها شيء بل كل شيء منحصرة فيه تعالى اعتقده واعتقد بنبوة محمد صلى الله عليه واله والائمة من بعده بحول الله وقوته وما وصل منهم من المحكم والمتشابه اقر بصدقه وحقيقته على ما هو مرادهم ومقصودهم عليهم السلام والذي لا اعرفه من اخبارهم الزم فيه التسليم لهم وخاتمهم حي وهو القائم عليه السلام وانتظر فرجه وظهوره عليه السلام وكلما وصل منهم من ضغطة القبر وسؤال الملكين ورجعتهم والمعاد الجسماني والروحاني والميزان والصراط والجنة والنار كلها حق واعتقد ان مخالفيهم من الكفار وغيرهم مخلدون في النار واعتقد ان محمدا وآله عليهم السلام افضل من جميع الانبياء والمرسلين وحلالهم حلال الى يوم القيمة واحب من يحبهم وابغض من يبغضهم ولو قريب او بعد ووردي اللهم وال من والاهم وعاد من عاداهم وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقول والحاصل من اول كلامه الى قوله موجب لمفاسد كلية كل الفاظه مع ما تدل عليه لغة صحيحة لا شك في شيء من ذلك واما المقصود منها غير ما تدل عليه الالفاظ لغة فصحته وبطلانه موقوفة على الاطلاع على المراد منها اصطلاحا او لغة من جهة الحقيقة او المجاز وذلك شيء لا اعرف حكمه حتى اطلع على المراد منه واما قوله واما وحدة الوجود بمعنى ان حقيقة الوجود مستغنية عن الكل فظاهره على ما اصطلحوا عليه باطل في معناه لا يصح اعتقاده لان قوله ان حقيقة الوجود يدل على ان الوجود يتناول الواجب والممكن فاصله واجب وهو خالصه عن الشوائب وفرعه ممكن مشوب بالنقائص فالوجود يصدق على شيئين من جهة يكون بالتواطي نظرا الى ذات الوجود واذا نظرت الى صفته الذاتية قلت بالتشكيك من جهة قوة خالصه وضعف المشوب منه واما المراد والمقصود منه ان كان غير هذا فينظر فيه واما قوله فالكل في الوجود والبقاء محتاجة له فهذا ان اريد به ان الاحتياج اليه راجع الى فعله واثر فعله فهو صحيح وان كان راجعا الى ذاته فان كان من حيث كونه فاعلا فلا بأس والا فلا يجوز وقوله وان الاشياء ليس لها من ذاتها شيء منحصرة فيه ظاهر والحاصل ان الكتابة ما تدل على الضمير الا اذا لفظها لا يحتمل غير ما تدل عليه على جهة الحقيقة واما اذا احتمل اللفظ غير ذلك من حقيقة او مجاز فلا وقوله والمعاد الجسماني ايضا ليس بصريح في المدعي فان من الناس من يدعي انه يعتقد المعاد الجسماني ويريد به ان الشخص المعاد هو الصورة الوجودية لا المادة الخاصة الموجودة في الدنيا ويدعي ان نفس زيد التي هو بها زيد لا خصوصية لها بمادته في الدنيا بل يكون زيد المعاد هو زيد الذي في الدنيا اذا اعيدت نفسه مع صورته في اي مادة كانت سواء اعيد في مادته التي في الدنيا ام في غيرها كما يقوله الملا صدرا من انه يعاد بصورته لا بمادته حتى لو امكن قيام الصورة بدون مادة لم تعد غير الصورة حتى انه ذكر في كتابه العرشية وغيره ان الرجل لم يبق فيه مما كان فيه حال الطفولية شيء لان المواد العنصرية متغيرة متبدلة مضمحلة او كما قال وهذا عند اهل البيت عليهم السلام ليس قولا بالمعاد الجسماني بل قول بعدمه لانه بخلاف ما قال تعالى وان الله يبعث من في القبور وقول الصادق عليه السلام فانه مثل ذلك باللبنة وكذلك قوله والجنة والنار فان القائلين بوجودهما اختلفوا في معنى ذلك فمن اقوالهم ما هو باطل لا يجوز اعتقاده وكذلك قوله واعتقد ان مخالفيهم من الكفار وغيرهم مخلدون في النار فانه ينبغي تقييده بقوله تعالى من بعد ما تبين له فان العدل الحكيم لا يؤاخذ الجاهل قبل ان يبين له قال تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون وهذا آخر الاشارة الى جواب هذا الكتاب وكتب احمد بن زين الدين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
كتبه بيده ليلة الرابعة عشرة من جميدي الثانية سنة سبع وثلاثين بعد المأتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله السلام حامدا مصليا مستغفرا