جواب الشيخ محمد بن الشيخ علي بن عبدالجبار القطيفي (معنى الحديث: العلم نقطة كثّرها الجاهلون، ...)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الشيخ محمد بن الشيخ علي بن عبدالجبار القطيفي (معنى الحديث: العلم نقطة كثّرها الجاهلون، ...)

رسالة في جواب الشيخ محمد بن الشيخ عليّ

بن عبد الجبار القطيفي

وفي بعض النسخ الشيخ محمد بن الشيخ عبد عليّ بن عبد الجبار

عن عشر مسائل منها معنى العلم نقطة كثرها الجاهلون

من مصنّفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد الامين وآله الطيبين الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي قد ارسل اليّ الشيخ الممجد الشيخ محمد ابن الشيخ عبد عليّ بن عبد الجبار امده ( آمنه خ‌ل ) الله من الخطا والخلل وسدده في القول والعمل ارسل اليّ بمسائل عرضت له في حال بلبال وتشويش احوال ولكن لما اعتني بها في مثل ذلك الحال وجب عليّ اذ ذاك اجابة السؤال اسعافا لطلبته واجابة لمسئلته فنسخت صورة سؤاله على مجرى عادتي معه ومع امثاله والله المستعان وعليه التكلان

قال ايده الله تعالى : ونلتمس من جناب مولانا ان يمن بجواب هذه المسائل سريعا وهي : ما معنى العلم نقطة كثرها الجاهلون ما الوجوه المحتملة فيه على حسب المقامات وما هذه النقطة التي تجتمع ( تجمع خ‌ل ) الشتات وما هذا العلم
اقول صورة الحديث على ما رواه في المجلي العلم نقطة كثرها الجهال وبالجملة فان التفاوت في الجملة سهل بعد دخول الالف واللام المفيدة للعموم واما كون العلم نقطة فلأنه لا اختلاف فيه ولا في مسائله في الحقيقة وانما الاختلاف في مراتبه بحسب تفاوت مراتب المعلوم ولهذا كانت ايات الكتاب واخبار السنة مختلفة وهي في الحقيقة متفقة الا ان معنى هذا الحديث في كذا ومعنى الاخر في كذا كما ورد عنهم عليهم السلم انهم لا يعلمون الغيب حتى تبرءوا ممن يزعم ذلك فيهم وورد انهم يعلمون كل شيء مما كان ومما يكون فعلى تكثير العلم عند الجهال قال بعضهم لا يعلمون الغيب ومن ادعاه فيهم فهو غال كافر وقال بعضهم هم يعلمون الغيب وتلك الاخبار محمولة على التقية وهذان القولان من تكثير العلم واما على انه نقطة فحيث ان دعوى علم الغيب قد لا يحتمله من يسمعه اذ ليس كلما يعلم يقال ولا كلما يقال آن وقته ولا كلما آن وقته حضر اهله وانهم يتكلمون بالكلمة ويريدون منها احد سبعين وجها فاذا قلنا انهم لا يعلمون الغيب فالمراد بالغيب الذي لا يعلمونه هو غيب الهوية ورتبة الازلية لامتناع ذلك على مقام الامكان وانما اريد هذا المعنى دون غيره مع اطلاق اللفظ من غير بيان دفعا لظنون الغالين وازالة لتزويق المبطلين ولو بين هذا الاطلاق وقيد لماانطفت نائرة الجهال ولكنه بين لاهل التبيين وعرف لتأسيس اليقين واذا قلنا انهم لا يعلمون ( يعلمون خ‌ل ) الغيب فالمراد انهم يعلمون كلما سوى مرتبة الوجوب مما حواه الامكان من ذرات الوجود فلا منافاة وكذلك الكلام في الحقيقة والمجاز في اليد فان يد الله حقيقة واذا قلنا ليس له جارحة فكذلك وكذلك في رحمة الله وعينه فالقول بانه ( بان ذلك خ‌ل ) مجاز ولا يصح الحقيقة تكثير ( تكثيرا خ‌ل ) للعلم والاصل في ذلك ما قلنا ان العلم شيء واحد بسيط باعتبار انه ليس على انحاء مختلفة الكينونة لاستلزام اختلاف الكينونة اختلاف الذات البسيطة هذا خلف بيان ذلك ان العلم صورة المعلوم والعلم ذات العالم وكينونته التي هي كونه على ما هو عليه فلا اختلاف في الذات البسيطة واختلاف المظاهر لاختلاف المراتب والقابليات لا يوجب اختلاف الذات الظاهرة بخلاف ما لو اختلف المظاهر مع اتحاد الرتبة والجهة فانها تدل على اختلاف الذات وجميع علوم الخلق ان جرت على كينونة واحدة بان يكون الاختلاف انما هو بالمراتب تكون نقطة وان اختلفت في انفسها وجبت ( اوجبت خ‌ل ) اختلاف الذات وهو ممتنع لان احدا لا يشك انه اذا حكم شخص بحرارة النار وشخص ببرودتها لا باعتبار اخر بل بالاعتبار الذي حكم به الاخر بالحرارة ان ذلك لا يصح ان يحكم بكون كل واحد من الحكمين علما وان ذلك انما صدر عن الجهل فتسمية كل منهما ( منهما علما خ‌ل ) تكثير العلم ومنه اختلاف العلماء في المسائل الشرعية اذ لو اقتصر في الحكم من كل منهما على المعاينة لماوقع الاختلاف ولكن لما كان امر المعاينة متعسرا او متعذرا مع كثرة العلماء مع عموم البلوى من المكلفين وانتشار المكلفين في اقطار الارض حيث لا يصح التعليل ( التعطيل خ‌ل ) كان الاقتصار على الظن في الحكم لسد الرمق كأكل الميتة في المخمصة حتى يأتي الفرج من الله وليس المعاينة ما يدعيه بعض الناس من ان العمل بالخبر او بالاية هو اليقين لان ذلك انما يحصل بما يثبت من الكتاب الذي قد اجمع على تأويله بلا خلاف من الفرقة المحقة ومن الاخبار التي لا اختلاف فيها بلا خلاف ومن القياس الذي تعرف العقول عدله ولا تحتمل غيره واما حصول اليقين بمجرد الترجيح في مواضع الاحتمال لغير اصحاب المعاينة فدونه خرط القتاد وكفى بمدعيه بدون ذلك جهلا وطريق ( طريق المعاينة في ذلك ان ترى طريق خ‌ل ) ذلك الحكم في الافاق وفي الانفس فاذا رأيت ( رأيت ذلك خ‌ل ) الطريق المخلوق الذي خلقه الله اية ( اياته خ‌ل ) لذلك الحكم ولغيره او له خاصة فقد عاينت وحصل لك اليقين وان كان في مواضع الخلاف والاحتمال الا انك اذا رأيت ذلك ذهب عنك الاختلاف وبطل لديك الاحتمال ولكن كما قال الشاعر : ضاع الكلام ولا ( فلا خ‌ل ) كلام ولا سكوت معجب ومعنى كون العلم نقطة انه صفة الذات او صفة الصفة وهكذا ففي الحقيقة لا يخالف الواقع والقولان المختلفان ان كان تنافيهما في مادة واحدة كان احدهما من العلم دون الاخر فان قلت ان كلا منهما يسمى علما في الظاهر فكيف تنفي تسميته بذلك قلت ان الحديث ليس واردا على ما ظهر وعلى ما تسميه العامة علما بل على الحقيقة لان المراد بالعلم الحقيقي المطابق للواقع

قال ايده الله تعالى : وورد ان السنة ثلثمائة وستون يوما هلالية فلما خلقت السموات والارض في ستة ايام اختزلت منها فالسنة ثلثمائة واربع وخمسون يوما ما معناه
اقول اعلم ان الله سبحانه ( وتعالى خ‌ل ) خلق اسما بالحروف غير متصوت ( مصوت خ‌ل ) وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ الى اخر الكلام كما في رواية ابرهيم بن عمر اليماني عن ابي ‌عبد الله ( الصادق خ‌ل ) عليه السلم الى ان قال فجعلها كلمة تامة على اربعة اركان ليس منها واحد ( واحدا خ‌ل ) قبل الاخر فاظهر منها ثلاثة لفاقة الخلق اليها وحجب واحدا منها وهو الاسم المكنون المخزون فهذه الاسماء التي ظهرت فالظاهر هو الله تبارك وتعالى وسخر سبحانه لكل اسم من هذه الاسماء اربعة اركان فذلك اثني ‌عشر ركنا ثم خلق لكل ركن منها ثلثين اسما فعلا منسوبا اليها فهو الرحمن الرحيم الملك القدوس الخالق البارئ المصور الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبار المتكبر الخ واذا كانت الاسماء الثلثة لكل واحد اربعة اركان وخلق لكل ركن ثلثين اسما كان مجموع الاسماء التي على اركان الثلثة الاسماء ثلثمائة وستين اسما وتلك الاركان الاربعة لكل اسم من الثلثة على احد الوجوه فظاهرها الطبائع الاربع فظهر على الاركان الفصول الاربعة فاول كل من اركان الثلثة الاسماء مظاهرها الحمل والاسد والقوس ومظاهر ثانيها الثور والسنبلة والجدي ومظاهر ثالثها الجوزا والميزان والدلو ومظاهر رابعها السرطان والعقرب والحوت وكل ركن عليه ثلثون اسما مظاهرها ايام الشهر الثلثون فيكون مجموع السنة ثلثمائة وستون يوما فاستجنت طبائع الاسماء واسرارها في الايام ثم لما كان الخلق لا يخرج الى عالم الكون الا مشروحا مبينا مرتبا مسبباته ( مسببا خ‌ل ) على اسبابه للدلالة على الوحدانية كان خلق السموات والارض في ستة ايام لكن لما كانت ايام الكلي يجب ان تكون كلية وايام الجزئي يجب ان يكون جزئية تحقيقا للسببية كانت الايام الستة التي خلقت فيها السموات والارض كلية فالاول يوم الاحد وهو العقل الاول بمنزلة النطفة للانسان والثاني يوم الاثنين وهو النفس الكلية بمنزلة العلقة للانسان والثالث يوم الثلثا وهو الطبيعة الكلية بمنزلة المضغة والرابع يوم الاربعا وهو هيولي الكل بمنزلة العظام والخامس يوم الخميس بمنزلة اكتساء العظام لحما وهو شكل الكل والسادس يوم الجمعة وهو جسم الكل بمنزلة انشاء الخلق الاخر الذي هو نفخ الروح في الجسد وحيث كان لكل يوم اسم من الثلث‌المائة والستون ( الثلثمائة والستين خ‌ل ) اسما اختصت الايام ( بالايام خ‌ل ) الكلية بالاسماء الكلية وهي البديع الباعث الباطن الاخر الظاهر الحكيم وحيث كانت هذه الستة الاسماء مهيمنة ( المهيمنة خ‌ل ) على باقي الاسماء كانت الايام الستة قد تقومت بها الايام كلها وايام السنة انما يعدها القمر لانه صاحب العدد والحساب والتفصيل وقد استقرت فيه قوى الاسماء الثلثمائة والستين فاذا جرى في المنازل التي لو سار فيها كل منزلة باسم لم تنقص السنة ولكن القمر جرى بما حق فيه من جميع الاسماء قطع ازيد مما يخص اسما واحدا والفلك لم يتقدر على جميع الاسماء لان السنة الكلية لا تحويها المنازل الجزئية نعم توجد بكلها ( كلها خ‌ل ) في كلها فيقطع الفلك في ثلثمائة واربع وخمسين يوما لقوة سيره لما فيه من الزيادة المذكورة فاختزلت هذه الستة الايام من السنة القمرية هذا ( وهذا خ‌ل ) وجه باطن في جواب المسئلة ووجه اخر ان الاسماء الكلية ظهرت في ايام كلية بالنسبة وهي الاربعة الايام التي خلقت فيها الارض واقواتها وهي فصل الربيع وفصل الصيف وفصل الخريف وفصل الشتاء واليومان اللذان خلقت فيها ( فيهما خ‌ل ) السموات وهو يوم المادة ويوم الصورة فاختزلت من الايام الثلثمائة وستين يوما على نحو ما قلناه في الوجه السابق وهذا كله على مجرى القمر لما استجن فيه من قوى الاسماء كما تقدم

قال سلمه الله تعالى : وما معنى ان المؤمن انما يحس بالم النار اذا خرج منها اما فيها فلا
( اقول ) والاصل في ذلك انه حالة الدخول وحالة الكون فيها الغالب عليه طبيعتها فهو وان كان يتألم بنسبة ما فيه من الوجود الا ان اغلبية ميل الطبيعة ينسيه حينئذ تألمه لشغل ( لغفل خ‌ل ) الطبيعة بما يجانسها واما حالة الخروج فسببها اغلبية خيرات الوجود على طبيعة الاعدام التي هي طبيعة النار فيكون اذ ذاك حيا ( حبا خ‌ل ) فيتألم لقوة احساسه كالمؤمن اذا زنى فانه حال الدخول في الزنى وحال الزنى لا يحس بالم المعصية التي هي النار لخروج روح الايمان منه المعبر عنه باغلبية الطبيعة وادبارها فاذا اقلع وتاب ذاق الم المعصية لحياته بعود روح الايمان التي هي الحياة وخروجها هو الموت ولهذا لا يحسون بالنار اهل النار في الدنيا مع قوله تعالى وان جهنم لمحيطة بالكافرين وقوله تعالى يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين فلا يحس بالم النار الا من كان حيا قال تعالى لينذر من كان حيا اومن كان ميتا فاحييناه وقوله تعالى وما انت بمسمع من في القبور فافهم الاشارة

قال سلمه الله تعالى : وما الجمع من ( بين خ‌ل ) النصوص والايات الدال بعضها على الاحباط وبعضها على الجزاء بكل ( بكل الاعمال خ‌ل ) حسنة كانت ام قبيحة
( اقول ) اعلم ايدك الله تعالى ان الايات والروايات الدالة على الاحباط فانما هي في الاعمال المجتثة لان الاعمال الصالحة انما تكون ثابتة اذا كان اصلها ثابتا اي متصلا بالوجود المتصل بالموجد سبحانه وتلك لا يتطرق عليها الاحباط لان الاحباط انما هو موازنة الحسنات بالسيئات وقد ثبت ان الحسنات وجودات والسيئات اعدام فلا يصح الموازنة بين الشيء وبين اللاشيء واما الحسنات المجتثة وهي التي مااوقعت على الوجه المأمور به بل اوقعت رياء مثلا او كانت مشروطة بشرط من الاعمال والمعتقدات او غير ذلك فتكون تلك الحسنة لا اصل لها لانها مجتثة لعدم اتصالها حقيقة بالوجود فهي صنم لا روح فيه فهي في الحقيقة عدم وتصح ان ( او خ‌ل ) توزن بالسيئة العدم لانها في الحقيقة من جنسها وفي مرتبتها ولهذا قال سبحانه والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ووجه اخر وهو ان الموازنة تقتضي المعادلة بين الموزونين اما في الوزن الصنجي او الطبيعي او القيمي او الوصفي او الرتبي او غير ذلك من اعتبارات الموازنة وليس بين الحسنة الثابتة وبين السيئة معادلة بنحو من اعتبارات الموازنة لا في الصنجي المعبر عنه بالكم هنا فان السيئة بمثلها والحسنة بعشر فلا تصح الموازنة واما الطبيعي فطبيعة الحسنة الحرارة والرطوبة او الرطوبة والبرودة وطبيعة السيئة الحرارة واليبوسة او البرودة واليبوسة فلا تصح موازنة علة الكون بعلة الفساد وانما قلت ان طبيعة الحسنة الحرارة والرطوبة والبرودة وعلة السيئة الحرارة واليبوسة والبرودة لما قلت من علة الكون والفساد لان الحسنات حيوة المحسنين والسيئات كما مر عدم ولا يقال ان الغضب لله طبعه الحرارة واليبوسة مع انه طاعة وكذلك الصبر وان الفراغة ( القناعة خ‌ل ) والرضا برودة ويبوسة مع انه طاعة لانا نقول ان الروح الامري الذي تستمد منه ( عنه خ‌ل ) الاعمال التي كانت قبل ذلك طبيعتها بخلاف الكون هو مادة الحيوة والكون في كل شيء وهو الماء الذي قال الله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي فحيث كانت تلك الاعمال مستمدة من تلك الروح انقلبت ما في طبائعها من علل الفساد الى علل الكون وهذه اشارة وبيانها معروف عند اهل البيان وكذلك قيمة ( قيم خ‌ل ) الحسنات والوانها ومراتبها لا توزن بها قيمة السيئات والوانها ومراتبها الى غير ذلك وقد بسطنا الكلام بما لا مزيد عليه في رسالتنا في اجوبة الشيخ عبدالله بن محمد بن غدير تغمده الله بغفرانه ( برحمته خ‌ل ) ورضوانه والايات التي تدل على عدم الاحباط محكمة كقوله تعالى لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وغير ذلك والنصوص والرواة والعقلاء ( العقل خ‌ل ) جارية على الاستشهاد بها في ذلك والايات والروايات التي تدل على الاحباط متشابهة تأويلها في الاخبار الجامعة بين هذه وبين تلك والتدبر شاهد به وهو ان الاحباط انما يكون في الحسنات المجتثة الباطلة فانها تكون ظاهرا في صورة الحسنة وان كانت في الباطن سيئة بل اسوء من السيئة فاذا قابلتها السيئة بطلت صورتها فرجعت الى اصلها السيء ولذا ورد انه اذا دخل في العبادة بنية صادقة لا يضره ما طرء عليه من العجب فهذا وامثالها هو الجمع بين الايات والروايات فلا احباط والا لزم الظلمة ( الظلم خ‌ل ) كما اشرنا اليه سابقا لعدم امكان الموازنة فافهم

قال ايده الله تعالى : وفي النصوص ان الذنوب انما تخفف بالتصفية في كل بحسبه حتى ان منهم من لا يطهره الا النار هذا في اهل الايمان وفي روايات ان كثيرا من الناس يسقط عنهم العقاب بالواسطة منهم ( عنهم خ‌ل ) او من خواصهم فهل الشفاعة مختصة ببعض دون اخر ما المرجح وما برهانه مع ان غير المخلد انما يخرج من النار بايمانه لا بالشفاعة اذ لا اثر لها ولو قلنا ان الايمان منهم فهم ( فهو خ‌ل ) المشفعون والشفاعة من الدنيا حاصلة وهو وان كان حقا الا انه لا اسقاط حينئذ وباقي البيان موكول لفهم ( الى فهم خ‌ل ) سيدنا اه
اقول لا يخفى ان الذنوب انما تخفف بالتصفية الا ان من التصفية اهوال البرزخ واهوال المحشر ودخول النار والشفاعة اما غير الشفاعة فظاهر واما الشفاعة فاعلم ان اصل قابلية الاشياء للوجود الذي هو الخير المحض انما هو بواسطة الشفاعة والى ذلك الاشارة بقول عليّ عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا فهم الوسائط بين الخالق والخلائق في كل شيء وهم ( هو خ‌ل ) الابواب للجواد الوهاب فافهم فالتصفية في الحقيقة انما هي كسر المصفي وصياغته على الفطرة المستلزمة لفعل الخير وذلك اذا اعوجت الطبيعة وخالفت الفطرة التي هي صفة فعل الله ( صفة فعله خ‌ل ) بسبب عارض غريب لما بين ذلك العارض الغريب وبين الطبيعة التي هي خلاف كينونة الحق سبحانه من المناسبة لان الغريب غير الفطرة فكونه خلاف كونها والطبيعة كونها خلاف كون الفطرة فتوافقا على مخالفة الفطرة والتصفية كسر تلك الصورة المخالفة الشيطانية وصياغة هيولاها الثانية على صورة الفطرة لتطابق الفطرة فتقتضي مقتضاها والمصفى هو الواسطة وهو الشافع وبيان ذلك ان الاشياء على ثلاثة اقسام قسم صبغته تزيد على وجوده الاول ويكون فيها فضل وقسم صبغته بقدر وجوده وقسم صبغته اقل من وجوده فالقسم الاول كالسراج فان فيه من النور ما يزيد على وجوده فلذا كان ظاهرا في نفسه ومظهرا لغيره اما كونه ظاهرا في نفسه فيحصل بصبغة تساوي وجوده كالقسم الثاني واما انه مظهر لغيره فلانه مكمل لما كان صبغته اقل من وجوده كالقسم الثالث وهي الاشياء الغاسقة التي تحتاج في كونها ظاهرة في نفسها الى الضياء من غيرها ( من غير خ‌ل ) كالجمادات الغاسقة فانها لا تستبين في الظلمة واذا كانت الصبغة بقدر الوجود استبان ذلك الشيء مطلقا كالقسم الثاني مثل الجمرة فانها تظهر في الظلمة والزيادة التي في القسم الاول كالسراج من الصبغة بحيث تكون تلك الزيادة مظهرة لغيرها من الموجودات الغاسقة مكملة لما نقص من صبغتها عن وجودها والشافع من القسم الاول وهو الذي صبغته تزيد على وجوده والطبيعة الموجبة ( المعوجة خ‌ل ) كما قلنا انما اعوجت لقلة ما فيها من الصبغة فاذا قابلها الشافع كمل ما نقص فيها ووصلها بفضل لطيفته والحقها باوائل جواهر عللها ومعنى كسره لها صوغه لها على هيكل الفطرة التي هو هيكل الصبغة ومعنى الصبغة هي الايجاد الثاني ومعنى الوجود الايجاد الاول فالكل في الحقيقة وجود والى ذلك المعنى الذي اشرنا اليه من ان التصفية من الشفاعة قول الحجة عليه السلم في دعائه لشيعته وان خفت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا الخ فخفة الميزان من المعصية لانها عدم لا وجود والعدم لا شيء قال تعالى حتى اذا جاءه لم يجده شيئا وتثقيله بفاضل حسناتهم عليهم السلم تصفية وكسر للخفة وصوغها ثقيلة بذلك الفاضل لانه وجود وانما قالوا عليهم السلم بفاضل حسناتنا لانهم عليهم السلم يعملون من الصالحات ازيد مما به النجاة والخروج عن ربقة التقصير وبتلك الزيادة سموا سابقين وكانوا مقربين والحسنات هي الصبغة والوجود الثاني ( الثاني بيان هذا خ‌ل ) هذا في الباطن الذوقي واما في الظاهر ايضا فليس ثم منافاة بين الادلة لان التصفية لاناس كانت ذنوبهم تقابلها محن الدنيا وشدائد الموت والمحاسبة والقبر والبرزخ واهوال القيمة والشفاعة لقوم ذنوبهم لا تقابلها تلك المحن وربما تكون الشفاعة بعد دخول النار لانها من التصفية فلا تختص الشفاعة باناس دون اخرين الا ان لها شرطا وهو ان يجري عليه الرضى بوجه من الوجوه قال الله تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى لان الشفاعة لا يحسن لغير من ارتضى دينه وكذلك التصفية لا تجري الا بهذا الشرط والى هذا الاشارة بقوله تعالى وليمحص الله الذين امنوا ويمحق الكافرين فكانت التصفية والامتحان تمحيصا للذين امنوا ومحقا للكافرين فظهر مما اشرنا ان الشفاعة لا تختص ولكنها غاية التصفية والتمحيص وبذلك يظهر المرجح ويظهر البرهان وقوله سلمه الله تعالى مع ان غير المخلد انما يخرج من النار بايمانه لا بالشفاعة اذ لا اثر لها الخ يظهر جوابه مما قلنا لان ذلك انما يخرج من النار بعد التصفية بمعني انه لا يبقى عليه ذنب يعاقب به فيخرج لعدم الموجب لعقابه مع بقاء الموجب لثوابه وهو الايمان فان خرج بعد فناء جميع ذنوبه فذلك من التصفية وقد سمعتها وانها من الشفاعة وان بقى من ذنوبه شيء فلا يخرج الا بالشفاعة وقوله والشفاعة من الدنيا حاصلة هو ما ذكرناه سابقا وقوله الا انه لا اسقاط حينئذ الخ مر بيانه بان الشفاعة اسقاط سواء جرت على سبيل التصفية او على ظاهر الشفاعة او على صورة الايمان لما قلنا من ان فاضل الصبغة تكسر صورة الطبيعة المخالفة للفطرة بمحو الموهوم وتصوغها على هيكل صورة المعلوم فراجع

قال سلمه الله تعالى : وما اول الميزان ( الزمان خ‌ل ) الذي يجب فيه معرفة الله هل هو متي حصلت للمكلف قوة التمييز وان لم يبلغ البلوغ الشرعي اذ معرفته وشكره واجب عقلا فلا يتوقف على توقيت شرعي والا لزم خلاف المفروض او اوله البلوغ الشرعي وان كان وجوبه عقليا ابينوا لنا حقيقة الحال
اقول اما في الظاهر فان اول ما يجب من ( تجب فيه خ‌ل ) المعرفة من الزمان هو عند البلوغ وما سبق على ذلك فلا يعتمد على اثره ولهذا قال الفقهاء ان المميز لو اسلم دون ابويه لا يعتبر اسلامه فلا يصح عتقه في الرقبة المؤمنة نعم يفرق بينه وبين ابويه لئلا يستزلاه عن عزيمته وهذا معنى عدم الاعتماد على اثره فاذا كان اثره غير معتمد لا يجب ( لا تجب خ‌ل ) قبل البلوغ والا لكان اثره معتمدا ويترتب عليه احكام الاسلام نعم مسئلة المثال المذكور فيها خلاف هل يعتبر اسلام الصبي المميز فيجري عليه الاحكام ام لا والذي يظهر لي ان ما يتعلق بالاخرة من الاحكام يجري ( تجري خ‌ل ) على اسلام الصبي المميز في ثوابه وعقابه وما يتعلق بالدنيا مما يترتب عليه احوال المعاملات وغيرها لا تجري عليه نعم يلزم من باب التمرين بما يتأدي به الواجب ولو بعد حين واما في الباطن فاول ما يجب فيه المعرفة من الزمان ما ادرك فيه الصبي ان له صانعا هو صانع كل شيء فيجب عليه ما يحتمله في كل وقت من مراتب المعرفة من غير توقيت شرعي لان النور الذي يقع في قلبه لا يكون دفعة فيكون وجوب المعرفة دفعة بل يقع في قلبه بالتدريج فيتم عند البلوغ ويقوى الى ثماني‌عشرة سنة ويشتد عند ثلثين سنة او ثلث وثلثين سنة ويكمل عند الاربعين وعند كل مقام يجب فيه ما يخصه من المعرفة باعتبار النور الواقع في قلبه من العقل المطبوع وباعتبار القول ( النور خ‌ل ) الظاهر في قلبه من العقل المسموع واما انه وجوبه عقلي فذلك باعتبار الدليل والا فانه شرعي بل العقل شرع باطن والشرع عقل ظاهر فيلزم من هذا وجوب التوقيت اما في الظاهر فعند البلوغ الظاهر واما في الباطن فعند البلوغ الباطن فاذا بلغ حدا وجب عليه ما فيه من المعرفة سواء كان ذلك البلوغ مطبوعا ام مسموعا فافهم

قال ايده الله تعالى : وهل القاصد لاربعة فراسخ ولم يرجع الى يومه هل هو بالخيار ام يجب عليه الاتمام الا ان يرجع ليومه ما اختياركم وما محمل روايات عرفة
اقول القاصد الى اربعة فراسخ ولم ‌يرد الرجوع ليومه يجب عليه الاتمام في الصوم والصلوة ولا معنى للتخيير كما يذهب اليه الشيخ الطوسي ولا يقصر ( لا للقصر خ‌ل ) في الصلوة دون الصوم كما يذهب اليه الشيخ المفيد ولا ان شرط القصر ان يعزم على الرجوع قبل عشرة ايام كما يذهب اليه ابن ابي ‌عقيل بل الذي نختاره وجوب الاتمام على من قصد الاربعة الا ان ينوي الرجوع ليومه والاخبار صريحة باعتبار ثمانية فراسخ في القصر وان الاقل منها يجب فيه الاتمام ومن تتبع الاخبار وجد فيها هذا الحكم ليس عليه غبار واما ما يدل على ان القصر يكون في بريد فهي قابلة للتأويل مخصصة بمثل صحيحة معوية بن عمار وموثقة محمد بن مسلم عن ابي‌عبدالله عليه السلم بعد ان سأله عن التقصير فقال في بريد فاستغرب محمد بن مسلم هذا الحكم لشهرة كون القصر انما هو في الثمانية لا اقل فلما قال له في بريد قال محمد بن مسلم في بريد فقال عليه السلم اذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه فبين عليه السلم ان البريد انما يكون مسافة للقصر اذا ذهب ورجع في يومه بحيث يشغل بالذهاب والاياب يومه وهو حجة المشهور وعملهم يعضد الرواية المذكورة وهي مستند حكمهم بالتقييد واما اخبار عرفة فهي محمولة على التقية ولا يقال ان هذه الروايات تدل على خلاف مقتضى التقية لان الجمهور منهم من يرى القصر في ثلاثة ايام ومنهم في يوم وليلة ومنهم في روحة واما اخبار عرفة فانها تدل على حصول القصر في بريد ولم يقل به احد من الجمهور لانا نقول ان التقية كما هو الاصح لا تنحصر في اقوالهم الموجودة بل يجوز ان تحصل التقية بمجرد حصول الخلاف بين هذه الفرقة فان القاء الخلاف بينهم مطلوب لاهل العصمة عليهم السلم لتسلم شيعتهم كما تدل عليه رواية عبيد بن زرارة على انه ربما يكون به قائل من الجمهور فيما مضى او فيما يأتي لان اقوالهم ليس ( ليست خ‌ل ) محصورة لانها دائرة مدار الرأي والاستحسان والقياس والمماراة والمباهاة كما تشعر به النصوص وهنا محمل لتلك الاخبار ايضا وهو ان مكة شرفها ( شرفها الله تعالى خ‌ل ) من المواضع الاربعة التي يستحب فيها الاتمام للمسافر وورد ايضا استحباب نية الاقامة لمن اراد اتمام الصلوة هناك يومين او اكثر تشبيها بناوي الاقامة عشرا ليصلي تماما لسر الله في البقعة ولصورة نية التمام وهكذا ( هذا خ‌ل ) يصلي تماما ما دام في مكة فاذا خرج الى عرفة صلى قصرا لانه مسافر لم يقطع سفره بالقواطع المذكورة للسفر فلعل تلك الاخبار جرت على هؤلاء فانهم اهل ( من اهل خ‌ل ) مكة في الجملة لنية الاقامة اليومين والثلاثة ومرد ذلك الى التقية كما قلنا واذا قام الاحتمال بطل الاستدلال والمشهور اعرضوا عن هذه الاخبار ( الاخبار ووضعوها في زاوية الطرح والهجران علما منهم باختصاص القصر في الثمانية الفراسخ وقد ذكرنا جواب هذه المسئلة في المسائل التي كتبنا للشيخ عبدالله بن غدير ره وذكرنا الاخبار خ‌ل ) التي لها تعلق بما نختاره من اراد ذلك طلبها

قال سلمه الله تعالى : وما حد الزمان الذي يجوز معه تطليق الغايب زوجته
( اقول ) اعلم ان الغايب عن زوجته مدة يظن فيها انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه الى طهر اخر ويكفي في ذلك الظن المستند الى الامارة العادية فانه يعرف عادتها ولو باستواء شهرين في الابتداء وهذا امر اغلبي واما عدم حصول الظن له لعدم تلك الامارة كان تكون مبتدأة او مضطربة لم يستقر لها عادة وقتية فهو قليل الوقوع بالنسبة الى الاولى نعم لو كان ذلك وجب عليه تحصيل الظن وهو قد يحصل بما يكون عليه اكثر النساء بل بما لا يكون نادرا جدا كأن تحيض في كل سنة مرة او في كل تسعة اشهر مرة ولهذا ورد التحديد بالشهر كما هو في غالب النساء وورد في ثلثة اشهر كما في صحيحة جمل ( جميل خ‌ل ) لوجود ذلك في المسترابات من النساء وورد خمسة او ستة اشهر كما في بعض النساء وبالجملة فالحد الذي يجوز معه تطليق الغايب زوجته على الاصح هو ما يحصل فيه ( فيه الظن خ‌ل ) بانتقالها من طهر المواقعة الى طهر اخر واما تحديده بما في احدى الروايات نظرا الى صحة سندها او ( وخ‌ل ) بعض المرجحات فليس بشيء بعد معرفة ما ذكرنا من مراد الشارع عليه السلم في هذه المسئلة وغيرها في ذوات العدد بما لا يخفى عن ( على خ‌ل ) من يعرف المراد من الايراد و لا يقتصر على العبارة فان المخاطب بها يعرف مراد المخاطب بنحو غير محصور في اللفظ الظاهر الصريح فافهم

قال سلمه الله تعالى : وما مقدار ما ينتظر بزوجة المفقود حتى تتزوج افتونا مثابين مأجورين
اقول ان كان المفقود في مكان محصور اي محيط به بلدان عمران تصل اليها المسافرون وتصل منها الى بلد المفقود ولم يصل خبر عنه فلا ينتظر بها اكثر مما يحصل به ذلك وان كان غير محصور وليس له ما يسد خلتها من مال او ولي ينفق عليها ورفعت امرها الى الحاكم ولم تصبر اجلها اربع سنين وارسل الى كل صقع من يبحث عن خبره وبعد المدة يأمرها ان تعتد عدة الوفاة وهذا معروف لديهم

قال ايده الله تعالى : ما العلة في جعل الكافر الملائكة اناثا واثبتوا لله بناتا لا ذكورا
( اقول ) اعلم ان المشائين والرواقيين من الحكماء قالوا ان الملائكة قوى وجودية كالطبائع في العقاقير لا انها ذوات متشخصة بنفسها مجردة منزهة عن الحلول بما وكلت به بل هي قوى ومعنى انها موكلة بكذا انها خلقت فيه فقال الكافرون ان هذه القوى من خالق الاشياء والقوة انثى فهي بنت مصيرا منهم الى تأنيث لفظ القوة وكونها بنات وانه تعالى عما يقولون علوا كبيرا يلد لان هذه الاشياء المخلوقة لا تكون الا من شيء على زعمهم لما رأوا توالدهم وزروعهم من البذر فحكموا على تلك القوى بانها ( بانها بنات خ‌ل ) مولودة اي متولدة من الفاعل فتعالى عما يقولون وسبحان ربك رب العزة عما يصفون لقد جاؤا شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الارض وتخر الجبال هدا لا اله الا الله الملك الحق المبين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وكتب مؤلفه العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين في سلخ عاشورا سنة اربع ‌عشرة بعد المأتين والالف من الهجرة حامدا مصليا مستغفرا

المصادر
المحتوى