
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
وبعد ( اما بعد خل ) فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد ارسل اليّ الشيخ الممجد الشيخ محمد بن الشيخ عبد عليّ بن عبد الجبار القطيفي اصلح الله احواله وبلغه اماله في مبدئه ومآله بمحمد وآله ارسل الى بمسائل ( مسائل خل ) يريد جوابها وكشف حجابها على استعجال منه ولا امهال فكتبت له ما جاء على البال من وارد الحال ولم ابسط الكلام اتكالا على فهمه لانه سلمه الله يكفيه ( تكفيه خل ) الاشارة ويستغني في التنبيه على ادنى عبارة ( اشارة خل ) فنقلت كلامه متنا وجعلت ذلك له كالشرح
فكان من كلامه ان قال : افيضوا علينا من الماء فيضا فانا عطاشى وانتم ورود يا اهل الشهود
اقول اراد بالماء العلم الذوقي وفيه اشارة الى قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي وقوله عليه السلام من شرب منه لم يظمأ ابدا وقوله وانتم ورود يفيد معنيين احدهما وانتم واردون والثاني وانتم مورودون الخ
قال سلمه الله : وهنا بعض الاحاديث بينوا لنا معناها تأويلا باطنا عن المفضل في تفسير قوله تعالى مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل عن ابي عبد الله عليه السلم قال الحبة فاطمة والسبع السنابل سبعة من ولدها سابعهم قائمهم قلت الحسن قال الحسن من الله امام مفترض الطاعة ولكن ليس من السنابل السبعة اولهم الحسين واخرهم القائم عليهم السلم قلت فقوله تعالى في كل سنبلة مائة حبة قال عليه السلم يولد للرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه وليس ذلك الا هؤلاء السبعة
اقول اعلم ان الحب مأخوذ من الحب بضم الحاء وهو في لغة اهل البيت (ع) وشيعتهم حقيقة فيه وفي تفسير القمي الحب ما احبه والنوى ما نأى عن الحق وقال ايضا في قوله ايضا ان الله فالق الحب والنوى قال ان يفلق ( يفلق خل ) العلم من الائمة والنوى ما بعد عنه وروي عن الصادق عليه السلم ما معناه في قوله تعالى فالق الحب والنوى الحب هو المحب لنا وهم شيعتنا الخ فالحبة فاطمة لان الحب المحب والمحبوب فالحبة فاطمة لان الله فطمها وفطم محبها من النار فهي حبيبة الله وحبيبة حبيب الله ولا ريب ان الحبة تنبت السنابل والسنابل يجوز ان تكون ( يكون خل ) في ( من خل ) سنبل ثوبه اي جره من خلفه وامامه فاستعمل لمن اعقب من نسله من خلفه وامامه اي من مات قبله او بقي بعده وان تكون ( يكون خل ) من المعروف لاشتماله على الحب اي المحب فلما كان الملحوظ هو الوجهين معا لم يسم الحسن بن عليّ عليهما السلم سنبلة لانه عليه السلم لم يكن له من عقبه في الرجعة مائة من البالغين في المحبة والولاية حتى ينالوا ( نالوا خل ) ست مراتب من الايمان وهذا من الاخبار بالغيب وما ورد من انه يكون للرجل في اخر الرجعات الف ذكر فلا ينافي ذلك لان المائة المشار اليها ( اليهم خل ) هم البالغون وقوله عليه السلم اولهم الحسين عليه السلم يعني اول السنابل الحسين والثانية عليّ بن الحسين والثالثة محمد بن عليّ والرابعة جعفر بن محمد والخامسة موسى بن جعفر واما عليّ بن موسى وعليّ الهادي فقد دخلا في حكم عليّ بن الحسين عليه السلم لان ذلك حكم ظاهر وهو منوط بالصفة الظاهرة والاسم هو تلك الصفة الظاهرة وكذلك محمد الجواد عليه السلم دخل في حكم محمد الباقر عليه السلم والسادسة الحسن بن عليّ العسكري والسابعة القائم (ع) وهو وان سمي محمدا لم يدخل في حكم الباقر عليه السلم لانه لا يشمل ( لا يشتمل خل ) ظاهره على كل حال بل اسمه احمد ايضا وعلى معنى ان الحب هو العلم يكون المراد بالسنبل هو الدين ( الذين خل ) يكون منهم العلماء وهو هنا على اسلوب ما مر فافهم
قال سلمه الله : وحديث في المجالس ان الصادق عليه السلم مر ببعض اصحابه على الشط فخرجت موجة وعانقت الامام عليه السلم فلم يبتل فانزعج الرجل فقال الامام عليه السلم له ان هذا ملك الماء خرج وعانقني
اقول اعلم ان الملائكة عند اهل المشاهدة كل جنس منهم من جنس ما وكل به وبذلك الملك قوام تلك الجهة التي وكل بها والموكل بذلك الشيء الذي ( التي خل ) له صفات وكل ( وكل بها خل ) ملائكة موكل بتلك الملائكة يردون ويصدرون عن امره وهم منه كالنور من المنير فملائكة المعقولات عقول والموكل بها عقل الكل وملائكة الصور صور والموكل ( الموكل بها خل ) نفس الكل يعني اللوح المحفوظ وهو ملك كما في قول الصادق (ع) لسفيان الثوري وملائكة الطبائع طبايع والموكل بها ملك من الطبيعة اعوانه في ذلك جبرئيل عليه السلم وملائكة المواد مواد والموكل بها ملك المادة على نحو ما ذكر وملائكة الاشكال اشكال والموكل بها ( به خل ) ملك شكل الكل وملائكة الاجسام اجسام والموكل بها ( به خل ) ملك رأسه تحت العرش ورجلاه في اسفل التخوم وملائكة الاعراض كذلك من جنسها وما ورد تصريحا وتلويحا باختلاف المراد ( المرادات خل ) في العبارات عن الستة الايام التي خلق فيها الارضون والسموات وما فيهن وما بينهن فاذا رأيت العبارات والروايات مختلفة فضع كل شيء في مكانه وقالوا ان الملائكة خلقت من اشعة الوجود فلو اتيت الى موجود متشخص وحللت منه تلك الاشعة اضمحل مثلا الصخرة اذا طرحت منها الثقل الذي يهبط بها بامر الله الى السفل لم يهبط ( لم تهبط خل ) واذا طرحت منها الصلابة التي تصدم بها كما شاء ( يشاء خل ) الله لم تصدم واذا طرحت منها العرض الذي جعلها باذن الله مرئية لم تر وهكذا فوكل الله بها ملكا يهبط بها وملكا يجعلها تصدم وملكا يجعلها ترى وتلك اشعة وجودها فاذا زالت هذه الثلثة ولحقت بمراكزها اضمحلت من تلك الجهات وهكذا حتى تفنى ففي الماء الملك الموكل بالمادة والموكل بالصورة النوعية والموكل بالبلة والموكل بالميعان والموكل بالثقل وهكذا فلو عانق الامام (ع) بالبلة ( الملك الموكل بالبلة اصابه البلل خل ) الا تراه يتوضؤ ويغتسل فافهم ما القي عليك ( اليك خل ) مما لا يسمح به احد في الدفاتر ولو شئت ابنت المراد على ما تتصوره العوام ان من الملائكة كلها ذوات احساس وشعور لانهم حيوانات لاظهرت ذلك ولكنه يحتاج الى تطويل الكلام بوضع مقدمات وايراد روايات واقامة دلالات وذلك يخرج عن المقام لان هذا المعنى الذي يقولونه العوام هو الحق في هذا المقام لانهم حفظوا عبارات عن اهل الحق (ع) طابقت ما فطروا عليه فوعوا ظاهرها الذي هو اثر باطنها ( ولم يعرفوا باطنها خل ) كما عرفوا الارواح في الجملة ولم يعرفوا حقيقتها ولو وصفتها لهم بعبارة البحث لم يفهموها ابدا والارواح بهذا المعنى حرفا بحرف ونحن انما قلنا ( ذكرنا خل ) ذلك جريا على البحث بطريقة اهل الظاهر ليقرب الى فهم من لم يعاين ومن عاين يعلم انا انما جعلنا ذلك لذلك لا انا كما يظن من لم يعاين ( لم يعاين انا خل ) نقول بان الملائكة قوى لا غير نعم هو ( هي خل ) قوى حساسة دراكة لما هي له تستفيد جميع الحيوانات منها الاحساس والشعور والاحوال كلها فافهم ومرادنا من هذا الكلام هو معنى ما تفهمه العوام والسلام على من انصف من نفسه ولم ينكر ما لم يعلم فيقرأ عليه كتاب الله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمايأتهم تأويله فافهم ( فافهم والله يحفظك ويحفظ لك خل )
قال سلمه الله : وحديث في العلل عن ابان بن تغلب قال قلت لابي عبد الله عليه السلم لم سميت الزهراء عليها السلم زهراء قال لانها تزهر لامير المؤمنين عليه السلم في النهار ثلث مرات بالنور كان يزهر نور وجهها صلوة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض النور الى حجراتهم بالمدينة فيأتون النبي صلى الله عليه وآله فيسألونه عما رأوا فيرسلهم الى منزل فاطمة عليها السلم فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون ان الذي رأوه كان من نور فاطمة عليها السلم فاذا انتصف النهار وترتبت للصلوة زهر وجهها بالصفرة عليها السلم فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم والوانهم فيأتون النبي صلى الله عليه وآله فيسألونه عما رأوه فيرسلهم الى منزل فاطمة عليها السلم فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها بالصفرة فيعلمون ان الذي رأوه كان من نور وجهها فاذا كان اخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة عليها السلم فاشرق وجهها بالحمرة فرحا وشكرا لله عز وجل فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم فتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلى الله عليه وآله ويسألونه عن ذلك فيرسلهم الى منزل فاطمة عليها السلم فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون ان الذي رأوه كان من نور وجه فاطمة عليها السلم فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلم فهو يتقلب في وجوهنا الى يوم القيمة في الائمة منا اهل البيت اماما بعد امام
اقول قوله عليه السلم لانها تزهر لامير المؤمنين عليه السلم اشارة الى ان الانوار ( الانوار الثلاثة خل ) العرشية النور الابيض الذي منه البياض ومنه ضوء النهار وهو النور العقلي المحمدي والنور الاصفر الذي اصفرت منه الصفرة وهو النور الروحي البراقي والنور الاحمر الذي احمرت منه الحمرة وهو النور الطبيعي لجبرئيل ( الجبرئيلي خل ) ظهرت فيها لعليّ عليه السلم لان تلك مصادر التكميل والارزاق والحيوة وهي منوطة بالولي المطلق فهي تزهر لعليّ عليه السلم ولما كانت الزهراء عليها السلم وعاء لاولي الامر بعد عليّ عليه السلم الذين بهم تناط تلك الانوار الثلثة لتلك الجهات الثلث في العالم ظهرت فيها فلما ولد الحسين عليه السلم وانقسمت ( وانقسم خل ) ولم يبق فيها من تلك الانوار الا ما كان لها وكان بعض تلك في الحسين عليه السلم غيبا لبيه ( لبنيه خل ) وشهادة مما ظهر فيه خفيت تلك الاثار لما انقسمت وتجسدت كانت ذائبة فجمدت ومتفرقة فاجتمعت وكانت خفية بظهور اشعتها فانجلت فخفيت خفاء النور في المنير فافهم ولما كانت الشمس ينبوع اثار تلك الجهات ( الجهات الثلاث خل ) لانها تكسى كل يوم كسوة من مجتمع تلك الانوار كما هو معروف عند اهله كانت تظهر على ترتيب مراتب ذلك الوجود الشامل عند صلوة الغداة بنور ابيض وهو الفجر فينطبع منعكس ذلك الفرع في باب مرءاة ذلك الاصل الذي عندها عليها السلم وهو وجهها بمعونة ما ظهر فيه من اثار اليقين ( اليقين والثبات خل ) عند استقبال الصحو المعبر عنه بالنهار فيدخل بياض النور الى حجراتهم نور الاصل والفرع والباطن والظاهر واذا زالت الشمس وزوالها في الحلقة الغربية قال النبي صلى الله عليه وآله ان الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها فاذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شيء دون العرش بحمد ربي عز وجل وهي الساعة التي يصلي على فيها ربي جل جلاله الحديث والمراد بالحلقة دائرة نصف النهار فانها تنصف العالم من القطب الاعلى الى القطب الاسفل فتكون ( فيتكون خل ) دائرتين غربية وشرقية فخروجها من الشرقية دخولها في الغربية وهو معلوم فاذا بلغت حد مبدء وجودها من الحلقة الشرقية ركدت ساجدة بين يدي الله تعالى تحت العرش فاذا اذن لها بالزوال قلبها ملك النور ظهرا لبطن فخشع لعظمة الله كل شيء ونادت الملائكة بالتسبيح والتحميد والتهليل وهي صلوات الله عليها مترتبة للصلوة فيلحقها اذ ذاك من معاناة تلك المعاينات وخوف مقام جبار السموات صفرة الوجه فينطبع ما انعكس من شعاع الشمس بالمدد البراقي على ترتيب الوجود في باب مرءاة ذلك الاصل الذي عندها (ع) وهو وجهها بمعونة ما ظهر من اثار الفناء في ذلك البقاء عند تجلي الحي القيوم فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم والوانهم من نور الاصل والفرع والفرق والجمع فاذا كان اخر النهار وغربت الشمس وهي عليها السلم جالسة متهيئة للصلوة انطبع منعكس ذلك الفرع الذي جرى على ترتيب الوجود حينئذ في باب مرءاة ذلك الاصل الذي عندها كما مر وهو وجهها بمعونة ما ظهر فيه من اثار العزيمة على القيام بخدمة الملك العلام من باعث نار ( نور خل ) الشوق الطبيعي فتدخل حمرة وجهها حجرات القوم فتحمر حيطانهم فلما ولد الحسين عليه السلم خفي الاثر وظهرت العين وقد يظهر الاثر كما وقع احيانا او دائما بنحو اخر والحمد لله رب العالمين
قال سلمه الله : واذا كان كل رجل له جنة عرضها السموات والارض فما يصنع الرجل بجنة هذه عرضها الخ
اقول اعلم رعاك الله ان الجنة على ما يظهر ارضها محدب الكرسي وسقفها عرش الرحمن والكرسي الذي ( الذي هو خل ) فلك الثوابت هي فيه على قسمين قسم منها مغموس في ثخنه ثبت ( مثبت خل ) مركب كتركيب الفص في الخاتم وقسم منها معلق بسلاسل كالقناديل وهي في المقدار على ستة اقسام تقريبا كما قيل فاعظمها يماس سطح كرية محدب الفلك الاعظم ومقعره وما سوى الاعظم مما يماس المحدب والمقعر فهو المعلق بسلاسل فافهم واصغر ( اصغره خل ) من النجوم المعروفة المدركة السها وقد ذكروا انه بقدر الارض خمس عشرة مرة فانظر نسبته الى محدب الفلك الاعظم فكيف لا يكون للرجل جنة عرضها السموات والارض واما قولكم فما يصنع ( يصنع بها خل ) فاعلم ان الاجسام غدا بعد ذهاب اعراضها وكثافاتها تكون بحكم الارواح لا يحجبها شيء فالمكان القريب والبعيد عندها على حد سواء انظر الى ما في خيالك فان فيه القطيف والبحرين والاحساء والعجم والعراق وغيرها والدنيا والاخرة مع ما عندك من العلوم وانت تطلب الزيادة وانا كذلك عندي مثل ذلك واطلب الزيادة وكذلك جميع الخلق ولا تزاحم بيننا ولا استكبار ( استكثار خل ) عندنا بل كل منا مستقل ما عنده فما تصنع بما عندك من هذه الامور الكثيرة حتى كنت تطلب الزيادة ابدا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا بل الامر اعظم الا تسمع الى ما روي ما معناه ان المؤمن اذا ادي زكوته كانت له غدا كاسبق جواد في الدنيا فيقال له اركب واركض في ارض الجنة سنة فما بلغ جوادك فهو لك وانه ليقطع في طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات فتفطن الى هذا ومثله فانه اعظم من ذلك وكل هذا لا يكون موضع منه اقرب من موضع عند جسد المؤمن لانه بحكم الروح في الاحاطة والادراكات وروحه بحكم الجسد في ادراك المشاهدات الحسية اماسمعت ان الدنيا خطوة مؤمن وكم جرى لاهل العصمة عليهم السلم من هذا الباب مما لا يحصيه هذا الخطاب ونظيره في عالم الحس جسد الاكسير فانه مثل لذلك وهو الكبريت الاحمر ( الاحمر واليه الاشارة بقوله (ع) ان المؤمن اعز من الكبريت الاحمر خل ) وهو عند اهله معلوم والحمد لله
قال سلمه الله تعالى : وفي العلل ايضا نهى عن مخالطة الاكراد ومعلل بانهم حي من الجن كشف الله عنهم الغطاء ما تأويله وما باطنه
اقول اعلم ان الله سبحانه لما اراد ان يبدء بالنسل ما ترون وان يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم عز وجل من الاخوات على الاخوة انزل على شيث (ع) حوراء بعد العصر في يوم خميس من الجنة بفتح الجيم اسمها نزلة فامر الله ادم ان يزوجها من شيث عليه السلم فزوجها منه ثم انزل الله بعد العصر من الغد حوراء من الجنة بكسر الجيم وهي ابنة الجان واسمها منزلة فامر الله ادم ان يزوجها من يافث اخ شيث ولد بعد شيث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث ابن ادم جارية فامر الله ادم حين ادركا ان يزوج ابنة يافث من ابن شيث واعلم ان الحوراء التي زوجها من يافث من حور الجن كما في رواية بريد العجلي عن ابي جعفر عليه السلم انه قال وتزوج الاخر ابنة الجان ه وروي عن الحسين بن عليّ عليهما السلم انه قال واخرج لعبد الله امرأة من الجن والمراد به يافث وفيها وما كان من حسن وجمال فمن ولد الحوراء وما كان من قبيح ( قبح خل ) بذي فمن ولد الجنية وفي رواية العجلي فما كان في الناس من جمال كثير او حسن خلق فهو من الحوراء وما كان منهم من سوء خلق فهو من ابنة الجان ه ثم ان الله اذا اراد ان يخلق شخصا جمع كل صورة بينه وبين ادم فخلقه على صورة احدهم يعني انه قد جعل فيه عروقا ثلثمائة وستين عرقا وتتصل تلك العروق بصلب الرجل وترائب المرأة وتجري في تلك العروق طبائع اسلاف ذلك ( ذلك الرجل خل ) وتلك المرأة الى ادم فان سبقت نطفة الرجل فاي ( فايما خل ) عرق منه تحرك ( تحرك بتلك خل ) النطفة خرج النسل بشبهه وان سبقت نطفة المرأة فايما عرق منها تحرك بتلك النطفة خرج النسل بشبهه وذلك الشبه هو المشار اليه في الصورة ويشتمل شبه الصورة على بعض طبائع المشبه وانما قلنا على بعض ولم نقل على الكل لان ذلك الشبه لا يكون شاملا من كل وجه بحيث لا يتمايزان ( لا يتميزا خل ) لو حضر ( حضرا خل ) بل يكون بينهما كمال التمايز قال الله تعالى ومن اياته اختلاف السنتكم والوانكم ثم لما كان بتقدير الله سبحانه ان خلق الانسان من اربعة عشر شيئا ستة من الله سبحانه وهي حواسه الخمس والروح واربعة من ابيه وهي المخ والعظم والعصب والعروق واربعة من امه وهي اللحم والدم والجلد والشعر كان الاصل من الاب والفرع من الام وهذا معروف ولما كان الجمال وضده وحسن الخلق وضده والطبائع التي يتصف بضدها ( بها خل ) فروعها ( فروعا خل ) على الحقيقة ونسبت الى الام ولذا قال في الروايتين السابقتين فما كان من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء وما كان من قبح وسوء خلق فهو من ابنة الجان ولما كانت الاكراد غلبت عليهم شهوة النساء وسبقت في اصل تخلقهم من يافث ومن ابنة الجن لانها غير طريقة الانس فان حوى لم تأت الى ادم لغلبة طبيعة الانس عليها بعكس ابنة الجن فتسبق شهوتها لقربها من الحيوانات بالنسبة الى الانس فيغلب طبعها وكذلك عند تخلقهم من يافث بن نوح عليه السلم وغلب التنزيل بينهم وبين اولاد سام الذين هم العرب الذين تغلب عليهم الانسانية سبقت ( فسبقت خل ) شهوة الام في ابيهم فخرج بشبه( يشبه خل ) احواله الجن وكشف الغطاء عنهم بما فيهم من الانسانية فالشبه شبه صورة والصورة تهتف بالطبيعة لا انهم جن خالصون والا لحرم مناكحتهم وما تقدم في الكلام المأخوذ من رواية زرارة من ان انزال الحوراء والجنية بعد العصر فهو اشارة الى انه مقام الخلافة في شيث والى ان ذلك هو الضم الذي يكون منه النسل كما يشيرون اليه اهل العرفان فان الضم هو العصر والعصر يخرج به اخر من المعصور كما اشار اليه ابن عربي في الفتوحات المكية فافهم
قال سلمه الله : والحديث الذي قلتم لنا ان الله خلق عشرين عالما انتم اخرهم في اي كتاب هو وكيف هو
اقول اعلم ان الاحاديث في هذا الباب كثيرة وهي مختلفة فمنها ما في رواية عبد الله الدهقان عن الرضا عليه السلم قال سمعته يقول ان لله خلف هذا النطاق زبرجد خضراء منه ( منها خل ) اخضرت السماء قلت وما النطاق قال الحجاب ولله عز وجل وراء ذلك سبعون الف عالم اكثر من عدد الجن والانس وكلهم يلعن فلانا وفلانا وعن عجلان بن صالح قال سألت ابا عبد الله عليه السلم عن قبة ادم فقلت له هذه قبة ادم عليه السلم فقال نعم والله ولله عز وجل قبب كثيرة اما ان لخلف مغربكم هذا تسعة وتسعين مغربا ارضا بيضاء مملوة خلقا يستضيئون بنورها لم يعصوا الله طرفة عين لا يدرون اخلق الله عز وجل ادم عليه السلم ام لم يخلقه يبرؤن من فلان وفلان قيل له كيف هذا وكيف يبرؤن من فلان وفلان وهم لا يدرون ان الله خلق ادم ام لم يخلقه فقال للسائل عن ذلك اتعرف ابليس فقال لا الا بالخبر قال اذا امرت بلعنه والبرائة منه قال نعم فقال فكذلك امر هؤلاء ه وعن ابي جعفر عليه السلم ان وراء شمسكم هذه اربعين عين شمس ما بين عين شمس الى عين شمس اربعون عالما فيها خلق كثير مايعلمون ان الله خلق ادم ام لم يخلقه وان من وراء قمركم هذا اربعين قرصا بين القرص الى القرص اربعون عالما فيها خلق كثير مايعلمون ان الله عز وجل خلق ادم ام لم يخلق ( لم يخلقه خل ) قد الهموا كما الهمت النخلة الاول والثاني في كل الاوقات وقد وكل بهم ملائكة متى عذبوا ه وعن ابي عبد الله عليه السلم قال ان لله اثني عشر الف عالم كل عالم منهم اكثر من سبع سموات وسبع ارضين ما يرى كل عالم منهم ان لله عالما غيرهم وانا الحجة عليهم ه وعن ابنعباس في تفسير قوله رب العالمين قال ان الله عز وجل خلق ثلثمائة عالم وبعضه نصف عشر عالم كل عالم منهم يزيدون ثلثين عالما مثل ادم وما ولد ادم وذلك معنى قوله الحمد لله رب العالمين ه واعلم ان روايات هذا المقام مختلفة ( مختلفة الظاهر خل ) جدا وهي متفقة المراد فالتي فيها سبعة او سبعون الف عالم او اكثر كما روي ان الله خلق ( ان لله خل ) الف الف عالم والف الف ادم انتم في اخر العوالم واخر الادميين لم يخلق منهم شيء من التراب الا هذا العالم وفي بعضها ان لله الف قنديل معلق بالعرش فسمواتكم هذه وارضكم في قنديل واحد الحديث فالمراد بها فروع جهات الغيب والشهادة فالسبعة كما ذكرناه مرارا اكمل الاعداد لتركبه من اول فرد وهو الثلثة واول زوج وهو الاربعة فقد يعبر بها لكمال المعدود لا لخصوصية ( خصوصية خل ) العدد وقد يراد بها العدد اذا كان في الاصول وكذلك ذكر الاثني عشر لكونه في الفروع و كذلك ذكر الاربعين في مقام مراتب الوجود المراتب العشرة في الادوار الاربعة وذكر التسعة والثلثين هو ذلك الاربعون ( الاربعون بدون هذا خل ) العالم وبالجملة ان هذه العوالم مقامات الوجود في تنزلاته وذكرها ( ذكره خل ) في العبارة في كل حديث باعتبار ما تقتضيه ( يقتضيه خل ) الحال فمرة يلاحظ مراتب الوجود فيقول اربعون ومرة يلاحظ العوالم الثلثة الملك والملكوت والجبروت في مقارنات الكلمات الاربع او الفصول الاربعة او الاركان الاربعة للعرش او الملائكة الاربع ( الاربعة خل ) او في الخلق والرزق والحيوة والموت او مقارنات ( مقارنات من هذه خل ) مع العساكر الثلثة التي اشار اليها امير المؤمنين عليه السلم ان ( في ان خل ) لله في كل يوم ثلثة عساكر عسكر ينزل من الاصلاب الى الارحام وعسكر ينزل من الارحام الى الارض وعسكر يرتحل من الدنيا الى الاخرة ه او غير ذلك فيقول اثني عشر عالما وقد يلاحظ الاجناس فيقول اثني عشر عالم فافهم الاشارة تجد الصواب وبمثل هذا التوجيه ينكشف عنك الريب ولا تلتفت الى قول من يقول ان هذا خرافات وانما هي على المعنى المعروف بين العوام او الى من يردها ويطرح الروايات ويقول ليس الا هذا العالم واقتد بقول الشاعر :
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم الا ما تلونا عليكم ومنا اليكم ما وهبناكم منا
(فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا خل )
وقولك واين هي هذه الاحاديث وامثالها كثيرة توجد في كتب عديدة كبصائر الصفار وبصائر سعد الاشعري وكتاب الحسن بن سليمان الحلي وروضة الكافي وغيرها من الكتب فلتطلب منها
قال سلمه الله : وما فائدة نزول جبرئيل على الرسول صلى الله عليه وآله مع انه لا تراه الناس فيكون النبي يحيل على غائب وقوله (ص) اتاني جبرئيل لايدفع شبهة المعاند وقوله انه يقول على الله الخ
اقول اعلم هداك الله تعالى ان الفائدة في نزول جبرئيل عليه السلم في مختصر القول شيئان والمانع من رؤيته لكل الناس ( انسان خل ) شيئان اما اول الاولين فلما كان ما في الشهادة طبق ما في الغيب والمسببات كالاسباب وقد علم ان العقل محيط بالمعاني والصدر ( الصدر محيط خل ) بالصور ( بصور خل ) المعلومات الذاتية وان العقل عبارة عن المعاني والصدر عبارة عن الصور فقد يلحظ العقل معنى منه او صورة من تلك الصور بها وتلك اللحظة شعور خاص منه ولحظة من لحظاته يتميز ذلك المعنى به من بين المعاني وكذلك الصورة فهي تخصيص من عام سواء كان ذلك المعنى في العقل بالفعل او بالقوة فيقال في بالي وفي خاطري ويقال لما بالقوة اذا كان حينئذ بالفعل ورد على خاطري وامثال ذلك فلا يمكن لشخص ( شخص خل ) ان يعبر ( يعبره خل ) عن معنى من المعاني التي عنده الا بتخصيص خاص غير ما به هو هو وذلك التخصيص والالتفات وارد منه اليه ( عليه فعقل رسول الله (ص) عقل الكل وجبرئيل وارد منه اليه خل ) كانت الفائدة ( فالفائدة خل ) في نزول جبرئيل كالفائدة في نزول ( كالنزول في خل ) ذلك الوارد من العقل عليه اذ الظاهر من الباطن والفائدة الثانية ليظهر للخلق انه عبد مأمور لايسبق الله بالقول وهم ( هو خل ) بامره يعمل واما الاول من المانعين فبان ( ان خل ) الملك لا يطيق الناس رؤيته اما اولا فلان الله حكم عليهم انه اذا نزل الملك قضى عليهم لانهم لايدركونه الا ان يغير حقائقهم ويجعلهم ممن يطيق ذلك فيكونون انبياء او يحتضرهم الموت فتنصرف نفوسهم عن الدنيا فيقتضي ( فيقضي خل ) عليهم لان من انغمس في رذائل اشراك الدنيا والنفس والشهوات لا يشاهد الملكوت واما ثانيا فلأن الملك ان ( اذ خل ) ظهر بصورته التي خلق عليها لم تحتمل رؤيته عقولهم وزاغت ابصارهم كما قص الله ذلك في كتابه وانه لما رأي رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل في الافق الاعلي وقد ملأ السماء الرابعة ورءاه نزلة اخرى عند سدرة المنتهي وله ستمأةالف جناح فلذا قال في مقام الثناء على رسول الله ( رسوله خل ) صلى الله عليه وآله ما زاغ البصر وما طغى حتى انه لم يره على صورته التي خلق ( خلقه خل ) الله عليها من الانبياء الا محمد صلى الله عليه وآله لان غيره لم يطق رؤيته فكيف عامة الناس واما الثاني فلأنه لو ظهر للناس فانما يظهر على صورة بني ادم فاذا كثر تردده وانسوا به انكروه ان يكون من الملائكة وقالوا انما نعلمه بشرا ( يعلمه بشر خل ) فلا فضل له علينا لانه اذا جعل رجلا لبس عليهم ما يلبسون واما نزوله في صورة دحية الكلبي ( فهو خل ) قليل من كثير بحيث لم يأنسوا به فيمل او ينكر واذا نزل بصورة دحية لم يفقد دحية عن موضعه وجبرئيل عند رسول الله صلى الله عليه وآله على صورته فهذا اولا وثانيا هو الفائدة في نزوله ولم يره الناس الا في مواضع اقتضاء المصلحة ذلك على صورتهم
قال : وما الدليل على النبي صلى الله عليه وآله والولي من العقل لا من جهة المعجزة
اقول الدليل على ذلك معروف وهو مذكور في كتب العلماء والحكماء والروايات وملخص البينة عليه على سبيل الاختصار والاقتصار ان الله لما خلق ابن ادم ابتداء رحمة به وجده محتاجا فاغناه وسائلا فاعطاه وخلقه كما علمه فطلب الاستعداد منهم لفيضه وتكميله اياهم لينالوا منه ما طلبوا وذلك لا يكون الا بطاعته ولا تكون الا بما يريد ولا يعلم احد ما يريد الا بتعليمه ولا يمكن ذلك في حقهم ( حقهم وهم هم خل ) الا بالواسطة وهم الواسطة ثم يحافظ عن الواسطة فالاول النبي صلى الله عليه وآله والثاني الولي عليه السلم ووجه اخر ان الله خلق الانسان كما علمه وهو في علمه انه يقتضي الكمال ولا يتم الا بكونه جامعا مملكا وما يكون كذلك يكون كثير الشئون لا تفي حيلة احدهم ولا وقته بجميع شئونه وهو معنى قولهم ان الله خلق الانسان مدني الطبع لا يحسن معيشته اذا ( لو خل ) انفرد وحده ليكون شئون كل تامة بمعونة غيره ويلزم ذلك الاجتماع ( الا اجتماع خل ) معاملة ويلزمها سنة ويلزم ذلك بيان ( شان خل ) ومعدل لحفظ النظام وذلك هو النبي صلى الله عليه وآله ولما كان ذلك النبي غير مخلد مع كثرة احكام السنة ووقتها ( ودقتها خل ) وجب لذلك خليفة يقوم مقامه بمنزلته ويتصف بصفته وهو الخليفة
قال سلمه الله : وما معنى ان الامام يخرج منه مثل عبد الله حتى يقول فيه ابني عبدالله يحب الا يعبد الله كيف يداخلهم الشيطان ساعة الجماع حتى يقع منهم شركة شيطان كما نطقت به الرواية في مشاركة الشيطان
اقول اعلم هداك ان مادة الوجود في نفسها خالية عن الحكم عليها ولها من حيث هي هي وانما الاحكام تلحق الصورة فالحكم العام يلحق للصورة النوعية والخاص للشخصية الا ترى ان القلم اذا اصاب مدادا فانما يلحقه حكم ذلك من غير الحكم بالحسن والسيء مثلا فاذا كتبت بذلك المداد الذي في القلم اسمي ذاتين مختلفين ( مختلفتين خل ) في الخير والشر كان اسم الذات المقدسة حسنا واسم الاخرى سيئا وكذلك حروف الهجاء والى هذا المعنى اشار الرضا عليه السلم لعمران الصابي في مفاد هذا المعنى قال فلم يجعل للحروف في ابداعه لها معنى غير انفسها يتناهى ولا وجودا الى ان قال والحروف لا تدل على غير نفسها قال المأمون وكيف لا تدل على غير انفسها قال الرضا عليه السلم لان الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا بغير معنى ابدا فاذا الف منها احرف ( احرفا خل ) اربعة او خمسة او ستة او اكثر من ذلك او اقل لم يؤلفها لغير معنى ولم تكن الا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا الحديث فان ( فابان ان خل ) المعنى لم يكن شيئا قبل الحروف كما اشرنا اليه فالمادة لا تجري عليها الاحكام من حيث هي وانما تجري عليها بالصورة الا ترى ان الفقهاء حكموا بانه اذا نزا حيوان محرم على محلل كان حكم النسل منهما في التحليل والتحريم للاسم الذي هو خاصة الحقيقة وظاهرها وتلك الحقيقة تحققت وتميزت بالصورة فيكون ( فتكون خل ) عبدالله من نطفة الامام عليه السلم يجري على احد وجهين كل منهما مراد احدهما ان تلك النطفة التي هي مادة عبد الله التي اقتضت صورته الذاتية له الشخصية لم تماس شيئا من جسد الامام عليه السلم وانما مسه المطعم الطيب وتلك القوي سافلة في الغيب لها بذلك المطعم تعلق الرجوع بين المفترقين والجامع السابق للافتراق هو الوجود وتحقق الضدية بعد الافتراق بمعونة تعفين الرحم نظيره شجرة العنب التي بال الشيطان في اصلها فهي طيبة للاكل حيث لم يمس اكلها بول الرجس النجس فاذا غلت ظهر فيها رائحة البول بمعونة الحرارة فحرمت ونجست حتى يذهب ثلثاها وهو نصيب الشيطان فان قيل فهل عبد الله كذلك قلنا لو ذهب منه نصيب الشيطان طهر لكنه ينقلب عن تلك الحقيقة قال الله تعالى لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم وايضا هذه ارض كربلاء قد يدخلها المؤمن بها فيدخل ارضا من اراضي ( ارضي خل ) الجنة ويدخلها غير المؤمن بها فلا يدخل ما دخل المؤمن ولا يرى ما رأى ويتخذ ( تتخذ خل ) فيها مواضع الغائط ويؤخذ منها التربة للسجود والتسبيح فيجب احترامها فافهم ولهذا امثلة كثيرة وثانيهما النطفة التي تكون منها لا يلزم ان تكون بجرمها بل كثيرا ما يحصل بالرائحة وهي تكيف الهواء بتلك النطفة لان الرائحة من اثار ذي الريح وتلك الرائحة هي الوجود الذي اشرنا اليه سابقا الخالي عن الحكم عليه وله فافهم
قال سلمه الله : وما معنى قول الصادق (ع) وهو في رواية فلا يحضرني اني سألت الله ان يجعل هذا الامر وهو الخلافة في ابني هذا وهو اسمعيل فابى الله ذلك ولم يجعلها فيه كيف يسأل ذلك وهو يعرف الامام (ع) الذي بعده وان هذا لا يطيق ذلك ويعلم ما سبق في علم الله وباقي الكلام ظاهر وليكن الجواب مسئولا حسب المكنة
اقول وهذا المعنى مروي في الكافي وغيره اعلم ان هذا مما اشاروا عليهم السلم اليه من ان حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وانما كان هذه الطوائف الثلاث تحتمله من تلك الفرق الثلث لانهم عليهم السلم يتكلمون بلسانهم ويجري كلامهم على مذاق اولئك الطوائف فيفهمون ( فيفهمونه خل ) بذكائهم لانه من ذكاء ساداتهم ويعرفون كثيرا من مراداتهم كما اشار اليه الصادق عليه السلم على ما في بصائر الدرجات في تفسير قول ابيه الباقر عليه السلم ان حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان ثقيل مقنع الحديث قال عليه السلم في قوله عليه السلم ذكوان ذكاء المؤمن واولئك الطوائف الثلث هم المؤمنون حقا الا ان المؤمن الممتحن على قسمين قسم من اولي الافئدة وقسم من ارباب القلوب فمن كان من اولي الافئدة فاحتماله لكلامهم عليهم السلم احتمال عزم وثبات لانه منهم ولهم ومعهم واما من كان من ارباب القلوب فقد يحتمل كلامهم من باب العزيمة كاولي الافئدة وقد يحتمله من باب التسليم وبشر المخبتين ولا يكون حينئذ من اولي العزم بل قد يبقى اذ ذاك عنه كما جرى على ابينا ادم عليه السلم في اخذ العهد النوراني عليه من جهة صاحب الزمان عجل الله فرجه في عالم الذر حيث احتمل من باب التسليم ولم يحتمل من باب العزم فقال الله تعالى ولقد عهدنا الى ادم من قبل يعني في عالم الذر حيث اراه الائمة المعصومين واخذ عليه العهد لهم والقائم عليه السلم بينهم قائم كالكوكب الدري يصلي فقال تعالى ولم نجد له عزما فقال الصادق في ذلك ما معناه لم يقر ولم يجحد واما اولئك فهم الذين قال الله تعالى في شأنهم انما يتذكر اولوا الالباب والى هذا المعنى اشار الصادق عليه السلم كما في باب العقل من الكافي وكذلك الملائكة المقربون على قسمين وقد اشرنا الى ذلك في اجوبة مسائل الشيخ عبد عليّ ( عبد عليّ بن الشيخ عليّ خل ) التوبلي ( التوبلي الا والى خل ) فاذا ثبت هذا مضافا الى معنى قول احدهما عليهما السلم اني اتكلم بالكلمة واريد بها احد سبعين وجها لي من كل منها المخرج الحديث ومضافا الى قوله تعالى ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فاعلم ان الامام الولي عليه السلم له حالتان حالة ولاية وربوبية وهو حالة المعاني والابواب وحالة امامة وخلافة وهو حالة ( الحالة خل ) البشرية والعبودية ففي الحالة الاولى لا يسئل عما يفعل لانه بالغ الحجة يفعل الله به ما يشاء فلما كان من تمام الحجة وقطع المعاذير في نصب الامام اللاحق ان لا يكون الامام السابق متهما في نصب من بعده ولا يكون ذلك حتى يقول لو كان الامر الى لاحببت ان تكون في غير هذا المقصود لانه من باب تعليق المحال على المحال ومن باب الحقيقة لانه لو كان الامر الى حادث فقير لذاته لم يكن عنه شيء ( شيء ولو كان شيء لم يكن خل ) الا باطلا لان الحادث من حيث نفسه لا يكون عنه حق وانما الحق من الحق فان موسى عليه السلم لما كان اختياره من قومه من جهة نفسه لم يقع على الصواب لان الاختيار انما يقع على الصواب اذا كان من العالم المطلق والعالم المطلق بالشيء انما هو خالقه لا غير واما سواه فلا الا ان يكون به وما لا يكون للشيء الا بغيره ليس له من امر ذلك ذلك شيء وانما الشيء لذلك الغير
تمت ( غير تامة خل )