جواب الشيخ يعقوب بن الحاج قاسم الشرواني (٤ مسائل)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الشيخ يعقوب بن الحاج قاسم الشرواني (٤ مسائل)

رسالة في جواب الشيخ يعقوب بن الحاج قاسم الشرواني

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي انه قد عرض علي جناب العالم العارف جناب الشيخ يعقوب بن حاجي قاسم الشرواني مسئلة عويصة كان سمعها مني وسمعها من بعض العلماء والحكماء مشافهة ونقلا غير معنى ما سمع مني طالبا من السؤال معنى ما اريده ولاجل ان مقصوده غير ما سمع منهم كان التعبير غير مطابق للمقصود ولكن الجواب مني آتى به على حسب ما افهم من عبارته والله سبحانه ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل الهادي الى سواء الطريق

قال سلمه الله : ان الذاهب من المدد ولد له مادة وهي النور وصورة وهي الرحمة
اقول معنى مراده من كلامه ان الشيء المصنوع لا بد ان يكون له مادة وهي وجوده وهو الاب وله صورة وهي ماهيته وهي الام فيكون الشيء متولدا منهما وسعادته وشقاوته في الصورة وذلك كما اشار عليه السلم الشقي من شقى في بطن امه كما ان الخشب يعمل بابا وصنما وشقاوة الصنم في الصورة اذ لا قبح في الخشب وقوله وصورة وهي الرحمة يكون في السعيد كما قال الصادق عليه السلم ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته الحديث اما لو كان المخلوق غير مؤمن فانه بعمله يصبغه في غضبه لان الرحمة صبغ من اجاب دعوة الله واما من انكر دعوة الله فصبغه في غضبه واعلم ان اصل المسئلة انهم اختلفوا في الممكن الباقي هل يحتاج في بقائه الى المدد ام لا فقيل لا يحتاج قياسا منهم على الجدار فانه انما يحتاج في انشائه الى المدد واما في بقائه فلا يحتاج وهذا القول باطل والا لكان مستغنيا والاكثر قالوا يحتاج في بقائه الى المدد مطلقا اي سواء ( كان ظ ) جمادا ام نباتا ام حيوانا ولكن اكثرهم ذهبوا الى ان المدد في كل آن جديد بمعنى انه لم يرد على الشيء قبل ذلك فاذا احتاج الى مدد آخر اتاه غير المدد الاول واذا ذهب منه شيء لم يعد ابدا فالشيء مثل النهر كل ما ذهب منه لا يعود ولكنه باق بصورته النوعية فما دامت الصورة النوعية موجودة فالشيء موجود وان تبدلت المادة لان المادة تتغير وتتبدل دائما وتضمحل وعلى هذا القول تلزم مفاسد منها ان المادة المباشرة للعمل الحسن او القبيح تذهب قبل ثواب المحسن وعقاب المسيء فاذا وقع الجزاء اثيب من لم يحسن وعوقب من لم يسئ ويلزم من هذا العبث والظلم من الغني الحكيم العدل العليم ومنها انه يلزم من ذلك القول بعدم المعاد الجسماني لان الجسم انما هو جسم بمادته واما الصورة فانما تؤخذ في تمييز الجسم بان يكون ناميا حيوانيا او نباتيا او غير نام وفي تشخصه بان يكون صغيرا او كبيرا ذكرا او انثى ابيض او اسود وما اشبه ذلك فالجسم في الاصل هو المادة والصورة انما تخلق من الجسم لان المادة في نفس الامر هي الجنس والحصة من الجنس كالحيوان والصورة هي الفصل كالناطق والصاهل والفصل مخلوق من الجنس وقولهم الاجناس متقومة بالفصول يريدون ان الحصة الحيوانية انما تتعين للنوع بالفصل كما اذا اخذت حصة من الخشب لتعملها سريرا انما تتشخص للسرير بحيث تتعين له اذا فصلتها على الهيئة الصالحة للسرير وليس المراد انها لا توجد الا بالهيئة الصالحة للسرير فانها كانت موجودة بصورة النوع اعني الخشبية الصالحة لنوع السرير والباب والسفينة فهي موجودة بالصورة الجنسية وليس قولي بالصورة الجنسية انها لا توجد الا بها بل توجد الحصة فيما قبل الفصل بصورة النوع وهم يريدون ان الحصص انما تتقوم بفصولها ولا يريدون ان الجنس متقوم بفصول انواعه لان الجنس يتقوم بالصورة الجنسية بلا شك والحصص فيها حصص من الصورة الجنسية تتقوم بها الا انها لا تتعين الحصة منها للنوع الا بفصله وهي موجودة قبل ذلك في الجنس بحصة من الصورة الجنسية والحاصل لا تتوهم من قولهم ان الاجناس متقومة بالفصول ان الفصل مخلوق قبل الجنس بل الجنس قبل الفصل لان الجنس هو المادة والفصل هو الصورة والمادة هي الوجود والصورة هي الماهية كالخشب فانه هو المادة والصورة انما خلقت منها وان كانت المادة تتوقف على الصورة في الظهور كالكسر فانه قبل الانكسار ويتوقف على الانكسار وان كان مخلوقا من الكسر والمادة اب للشيء والصورة ام له فهو ولدهما وذلك كما ذكره الصادق عليه السلم في قوله ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة الحديث ولما ثبت بالدليل العقلي والنقلي ان الاجسام المباشرة للطاعة او المعصية لا بد ان تعاد لتجزى كل نفس بما تسعى وان الاجسام انما هي اجسام بالمادة والصورة وان المجازي بالثواب المباشر للطاعة والمجازى بالعقاب المباشر للمعصية وان كل ممكن انما هو شيء بغيره فتتوقف شيئيته على مقوم تقويم صدور وهو فعل الله سبحانه ومقوم تقويم تحقق وهو المادة والصورة ولما كانتا ايضا ممكنتين احتاجتا الى الامداد السيالي من نوع ما يذهب منه ولو بقي طرفة عين بدون امداد كان عدما ولما دل الدليل على ان الذاهب هو العامل المباشر للطاعة او المعصية وهو المطلوب وجب ان يكون هو العائد اذ لو كان العائد غيره لزم ان يكون الشيء في كل آن غير مطيع ولا عاص لان المطيع والعاصي ذهب وهذا غيره فيأتي زيد يوم القيمة جديدا ليس له ثواب لعدم طاعته ولا عليه عقاب لعدم معصيته وذلك كما ذهب اليه اولئك القائلون بانه كالنهر الجاري فان النهر الجاري في كل آن ماؤه جديد غير مائه في الان الذي قبله واما اذا كان العائد هو الاول كان اذا عاد متصفا بعمله قبل المفارقة فيعود بما له من الخير الا ان يفعل ما يحبط عمله وبما عليه من الشر الا ان يتوب وهنا بحث شريف وكشف سر لطيف تقاصر عن ادراكه افهام الحكماء والعلماء لا يقف عليه الا اهله صلى الله عليهم اجمعين او من اوقفوه عليه والحمد لله رب العالمين وهو ان العقلاء باجمعهم من العلماء والحكماء واهل الملل والاديان من اهل العصمة عليهم السلم وغيرهم قالوا ان كل ما له اول فله اخر وقالوا كل ما سبقه العدم لحقه العدم وقد اتفق اهل الملل المحقون ان كل ما سوى الله من المصنوعات له اول فيجب ان يكون له اخر وكل ما له اخر متناه فان وان ما سوى الله من المصنوعات سبقه العدم بمعنى انه لم يكن موجودا في وقت ما هو قبله فيجب ان يلحقه العدم وكل ما يلحقه العدم فهو متناه فان واتفق اهل الشرائع الالهية ان الجنة والنار باقيتان واهلهما باقون لا يلحقهم العدم ولا اخر لوجودهم وهذا مما لا اشكال فيه فما التوفيق بين هذا وبين القاعدتين المتفق عليهما فاعلم ان العلماء والحكماء تحيروا فمنهم من قال بقدم العالم ليتخلص من هذا الاشكال ومنهم من قال ان المخلوقات منقطعة الاول للادلة القطعية والجنة والنار واهلهما غير منقطعي الاخر لنص الشرائع الالهية على ذلك وهذا امر ممكن فيكون الممكن اوله منقطع وآخره غير منقطع وهذا الكلام ممن نقل عنه السيد محمد الداماد وهو صحيح ولكن ليس هذا محل السؤال انما محل السؤال كيف تكون القاعدتان صحيحتين والمخالف لهما صحيحا والجواب المطلوب ان يأتي بما ينطبق على القاعدتين وعلى المخالف لهما بما يكون صحيحا في العقول السليمة وهو ان نقول ان الممكن لا يكون الا من غيره والمستند في وجوده الى غيره يكون وجوده مسبوقا بوجود ذلك الغير فيكون الممكن غير موجود في رتبة وجود موجده فقد سبق عدمه وجوده وله اول وهو بدؤه من صنع موجده فعلى القاعدتين يكون اخره يلحقه العدم وله آخر ايضا وقد ثبت ان الذاهب دخل في ملك الله فلا يخرج من ملكه وان الذاهب ايضا مؤلف من عناصره الجسمانية ان كان جسما ومن عناصره الطبيعية ان كان فلكا او فلكيا ومن عناصره الجوهرية ان كان نفسا ومن عناصره المعنوية ان كان عقلا ومن عناصره السرمدية ان كان سرمديا فاذا ذهب تفككت اجزاؤه فذهب كل جزء الى استقصه وعاد اليه عود ممازجة الا انه متميز متعين في علم الله في كتاب رتبته هذا بالنسبة الى حروف مادته واما بالنسبة الى كلمات مادته فعودها عود مجاورة فان الحروف المعجمة تعود عود ممازجة والمهملة تعود عود مجاورة وكان بعد التأليف الاول قبل ذهابها سحقتها في الممكن دور عناصرها وكر افلاك التكليف في ضمن جملة الشيء حتى نعمت وتلطفت واكلت اراضي قوابلها ما فيها من غرائب مراتب تنزلاتها حتى لم يبق من غرائبها الا الهيئات التي اكتسبتها من اوصاف تكاليف الشيء فما رجع منها الى استقصها لم يرجع مكانه الجزئي الاول حين اخذه الاول للتأليف الاول لنعومته ولطافته في ضمن تكليف الشيء وان كان من نوع المكان الاول الا انه اقرب الى المبدء لنعومته وصفائه ونضجه ولما فيه من الاوصاف التي اكتسبها من التكليف في ضمن تكليف الشيء فاذا اخذ للامداد كان مبدؤه الثاني قبل مبدئه الاول وقتا واعلا من الاول مكانا فيكون بقاؤه الثاني اطول من بقائه الاول واشد تأثرا وتأثيرا بالثواب او العقاب واذا تحلل وذهب من الشيء خلص من غرائبه واعراضه اللاحقة له من مراتب تنزلاته الا الهيئات التي اكتسبها من اوصاف تكاليف الشيء وعاد الى مكان ووقت من استقصه اعلى من مكان مبدئه الثاني وقبله لشدة سحقه وتلطفه في ضمن تكليف الشيء فاذا اخذ للتأليف الثالث اخذ من مكان اعلى من مكانه حين اخذ للتأليف الثاني وقبله فكان مبدؤه الثالث قبل مبدئه الثاني واعلا منه فيكون بقاؤه الثالث اطول من بقائه الثاني واشد تأثرا وتأثيرا بالثواب او العقاب وهكذا في كل آن من الدنيا والاخرة والعبارة السهلة عن عدم تناهي المتناهي وعن عدم انقطاع المنقطع ان الممكن خلقه الله ولم يك شيئا ثم جعله شيئا بجعله وقدرته والامداد الذي به البقاء صنع وخلق كالصنع الاول فهو ممكن كالاول وكلما ذهب شيء اعاده فلا يتناهى حكم كلما وقد بين ذلك في كتابه فقال كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب اي العذاب الدائم وقال كلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم اعيدوا فيها فكانوا خالدين فيها ابدا بحكم كلما ومثاله انك لو وضع لك عشرة دراهم في كيس نفقة عشرة ايام لو لم تزد العشرة دراهم فنيت بعد عشرة ايام لانها محصورة في الاول والاخر ولكن اذا انفقت خمسة دراهم وضعنا في الكيس عشرة فكانت الدراهم التي في الكيس عشرين فاذا انفقت خمسة بقي فيه خمسة‌ عشر فاذا انفقت خمسة ووضعنا في الكيس عشرة بقي فيه عشرون وهكذا ففي الحقيقة ان الذي في الكيس ثلاثون فكيف ينقطع ما لا ينقطع مدده المانع من انقطاعه فاذا كان كل مدد تجدد فان مبدءه قبل مبدء ما قبله في الوقت وفوق ما قبله في المكان واقرب من مبدء ما قبله في الرتبة واشرف من مبدء ما قبله في الجهة واكثر من مبدء ما قبله في الكم واشد من مبدء ما قبله في الكيف وكذلك نفس المدد المتجدد قبل ما قبله من المدد في الوقت وفوق ما قبله في المكان واقرب مما قبله في الرتبة واشرف مما قبله في الجهة واكثر مما قبله في الكم واشد مما قبله في الكيف كان ابطأ مما قبله اضمحلالا بالنسبة الى ما قبله واسرع استمدادا واطول بقاء واعظم استغناء بربه واشد افتقارا اليه وآية ما ذكرنا المركب عند اهل الصناعة فانه كلما كثر سحقه وتكريره وسقيه ازداد عظما في الكم وشدة في الكيف وكذلك تكسير الاسم عند علماء الهيمياء كلما ازداد تكسيرا ازداد تأثيرا وسرعة فافهم فان اول امكان الممكن لا يتناهى فاذا تخلص من الموانع كان استعداده للاكوان لا يتناهى فتكويناته تدريجية وبقاؤه تدريجي كما اشرنا اليه فافهم واشرب صافيا فقد كشفت لك الستر واطلعتك على السر فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين والمولود في رتبة الامداد الذي تألف منه في القرب والبعد والسعادة والشقاوة والشدة والضعف فاهل الجنة كلما طال مكثهم في الجنة ازدادوا صحة وقوة وشبابا وكثرت ممالكهم وعظمت شهواتهم واشتدت لذاتهم وتبالغ نعيمهم حتى انه يكون ادنى ما فيها من النعيم لو وصل الى احد من اهل الدنيا منه ذرة كجزء من مائة‌الف جزء لمات ذلك الشخص الذي كان من اهل الدنيا ومن قرب منه ولو كالشعاع لان مثال المطيع لا يزال مشتغلا بتلك الطاعة في غيب مكان الطاعة وفي غيب وقتها فان كنت تحب ان ترى ما قلت لك فافهم تمثيلي لك وهو انك اذا رأيت زيدا يوم الجمعة الثالث من شهر رجب سنة تسع وثلاثين بعد المائتين والالف يصلي في المسجد كتبت الملائكة صورة مثاله في غيب ذلك المسجد وفي غيب يوم الجمعة الى يوم القيمة فكلما التفت قلبك بمرءاة خياله انطبع فيها صورة مثال زيد يصلي في غيب ذلك المكان وذلك الوقت فهو باق يعمل ذلك العمل الى يوم القيمة لزيد فتقوى اعماله وتستحكم اوصافه فيتبالغ نعيمه من ثمرات الطاعة الواحدة واذا رأيت عمرا في ذلك اليوم وذلك المكان يفعل المعصية كتبت الملائكة صورة مثاله في غيب ذلك المكان وذلك الوقت الى يوم القيمة فكلما التفت قلبك بمرءاة خياله انطبع فيها صورة مثال عمرو متلبسا بفعل تلك المعصية في غيب ذلك المكان وغيب ذلك الوقت فهو باق يعمل ذلك العمل الذي هو المعصية الى يوم القيمة فاذا اتي اليك عمرو وهو مصر على تلك المعصية رأيته بقلبك متلبسا بتلك المعصية مكشوف العورة لديك فتقوى معاصيه وتستحكم اوصافه القبيحة فيتبالغ تألمه من ثمرات تلك المعصية الواحدة وان اتى اليك عمرو وهو تائب من تلك المعصية رأيته بقلبك وليس بينه وبين تلك المعصية ربط ومثاله الذي تراه متلبسا بتلك المعصية ليس مرتبطا به وان كان مثالا له ولا يستمد ذلك المثال في بقائه من عمل عمرو ولا نيته وانما يستمد ذلك المثال من الصورة التي هي اصله القائمة في سجين كتاب الفجار فاذا جاء يوم القيمة محا صورة ذلك المثال من غيب ذلك المكان وغيب ذلك الوقت ومحا رسمه من الارض ومن نفوس الملائكة ومن الواح سائر الزمانيات والواح سفليات الدهر حتى لا يبقى لها ذكر في سائر الاوقات والامكنة فانه تعالى يستر على من تاب وفي الدعاء يا من اظهر الجميل وستر القبيح

قال سلمه الله : فان كان الراجع والعائد هو نفس الذاهب فلا يخلو اما ان يكون الراجع هو المادة فقط او الصورة فقط او كليهما والاولان ليسا بصحيح لان لكل مادة صورة ولكل صورة مادة
اقول جواب هذا وما بعده يعلم مما ذكرنا ولا نذكره مرة ثانية الا للبيان فنقول اعلم ان العائد هو المادة ولكن لما كانت لا تنفك عن الصورة قلنا انه لا بد من اعادة الصورة الا ان الصورة منها جنسية ومنها نوعية ومنها شخصية فالجنسية الفصل المميز بين الاجناس وهذا الفصل قد يكون مميزا بين الاجناس العالية كالجسم المميز بين المتحيزات وقد يكون صورة جنسية باعتبار كالمتحرك بالارادة فانه صورة جنسية بالنسبة الى الحيوان وقد يكون صورة نوعية باعتبار كالمتحرك بالارادة فانه صورة نوعية بالنسبة الى الجسم النامي وكذلك الصورة النوعية قد يكون نوعية باعتبار وجنسية باعتبار الى ان تكون صورة لاسفل الانواع فتخلص للنوعية كما ان الفصل الاعلى يختص بالصورة الجنسية والصورة الشخصية تختص بافراد النوع الاسفل وهذه الصور كل واحدة توجد مع ما تنسب اليه ومنها اي من الصورة ما تحصل للمادة من اعمال ذي المادة من حسن او قبح فاما الصور الاول فقد تفارق اصل المادة على حسب انتقال الشيء بسبب تبدل اعماله واما هذه فلا تفارق المادة وربما تتغير بها حقيقة الشيء وتغير هذه الصورة تابع لتغير الاعمال وعلى كل حال فالمادة انما تعاد وتحشر في هذه الصورة ولاجل هذا تحشر العصاة في صور اعمالهم فيحشر النمام عقربا اي في صورة عقرب او حية ويحشر الحريص غرابا ويحشر صاحب الشهوة في النكاح في صورة فرس ويحشر صاحب شهوة الاكل المحرم خنزيرا وهكذا فتعاد المادة في صورة عمل ذي المادة اذا مات عليه كما قال صلى الله عليه واله على ما تعيشون تموتون وعلى ما تموتون تحشرون نقلته بالمعنى فقوله سلمه الله فالاولان ليسا بصحيح لان لكل مادة صورة ولكل صورة مادة مبني على مطلق الصورة والكلام هنا كما سمعت مما كتبنا فافهم

قال سلمه الله : على انها لو كانت هي المادة لا يحكم عليها بالحسنة والسيئة ولا بالكفر والايمان لان ذلك في مقام القدر الذي هو الحدود والهندسة فيرتفع الثواب والمعاقبة
اقول لو قلنا ان العائد هو المادة لا يلزم خلوها من الصورة التي اكتسبتها من العمل وان فرضنا خلوها من الصورة الجنسية والنوعية لم‌ نفرض خلوها من الصورة الشخصية العملية التي لزمتها من اعمال المكلف لان التقدير للحدود الذي هو الخلق الثاني جار في كل مرتبة من مراتب الصنع كل بنسبته مثلا جار في الطبائع حتى صارت العناصر وفيها حتى صارت المعادن وفيها حتى صارت النباتات وفيها حتى صار الخشب وفيه حتى صار السرير فالحدود والهندسة هي التي تتحقق بها الصورة في كل رتبة الا ان الصورة التي تكون مميزة للافراد وهي الصورة الشخصية هي محل السعادة والشقاوة الشخصية وهي المتعارفة واما الجنسية والنوعية فكذلك الا الحكم فيهما يكون شاملا لافراد الجنس وافراد النوع فتعميم كلامه على الظاهر متجه

قال سلمه الله : وعلى الثالث يلزم امران احدهما ان زيدا مثلا من مبدئه الى منتهاه ما فعل الا فعلا واحدا في الباطن وان تعدد في الظاهر وثانيهما ان كل احد باي مدد بدي فبه يختم ان خيرا فخير وان شرا فشر وكلا الامرين كما ترى
اقول يريد انا اذا فرضنا ان العائد بعد ذهابه ان كان هو المادة والصورة الاولين لزمنا امران كلاهما غير جائز احدهما ان زيدا وهو المكلف الذي حكمنا عليه بالتغير والتبدل في كل آن من اول عمره الى منتهى اجله ومن اول اعماله الى آخرها مافعل الا فعلا واحدا في الباطن يعني ان المقتضى لفعله قبل ان يذهب الذاهب هو الذاهب نفسه فاذا عاد بنفسه من غير تغيير وهو المعبر عنه بعود مادته وصورته فعل ذلك الفعل الاول لانه هو مقتضى طبيعته والطبيعة لا تغلط ولهذا اخبر سبحانه عن الكفار بقولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين انه تعالى قال بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون فلو عاد الذاهب بمادته وصورته لفعل فعله الاول وان كانا في الظاهر اثنين فانهما في الباطن فعل واحد وثانيهما انه اذا كان العائد بعينه هو الذاهب كان كل شخص يجري على مدده الذي خلق منه اولا فان كان طينته طيبة فعل خيرا سواء تغير وعاد كالاول من دون تبديل ام لم يتغير وان كانت طينته خبيثة فعل شرا تغير ام لم يتغير كذلك وفيه انه لا يلزم ما ذكر على فرض الوجه الثالث بل نقول ان العائد هو المادة والصورة ومع ذلك تتعدد افعاله لاجل ما يعرض له من التغيير كما اشرنا اليه سابقا من ان العائد وان كان هو الاول لكن مبدء تنزله للشيء اعلى من مبدء تنزله اولا وقبله ايضا لقوته بسبب كثرة السحق والتكرير والتردد في احوال التكليف والاعمال وايضا بسبب ما لحقه مما اكتسب من وصف الاعمال ربما زاد كمه كما زاد كيفه وكما سبق مبدؤه واستعلى في رتبته وايضا يعود اليه في وقت غير وقت تنزله اولا وكل هذه وامثالها مشخصات يلزم منها تعدد افعاله وشدة اعماله كما وكيفا في الظاهر والباطن وقوة اتصافه بما اكتسب وشدة تلك الاوصاف المكتسبة كما وكيفا بحيث يكون في حال ذهابه اقوى منه في ذهابه اولا وقد اشار الامام الصادق صلوات الله عليه الى هذا المعنى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد فقال عليه السلم بالحكمة يستخرج غور العقل وبالعقل يستخرج غور الحكمة ه‍ فتتعدد افعاله وتشتد اعماله ومع هذا نقول ان الطبيعة لا تغلط بل لو عاد ثانيا ولم تتغير اعماله ولم تتكثر افعاله لجاز لنا ان نقول ان الطبيعة غلطت لانها دائرة مدار اقتضاء المقتضى وجودا وعدما وعلى الثاني ان الخاتمة تابعة للسابقة ولكن السابقة ليست السابقة زمانا وانما هي السابقة دهرا بمعنى انها آخر عائد لانه اعلى مراتب الشيء واسبقها فاخر عائد الى الشيء من المدد قبل كل شيء من ذلك الشيء واعلى كل شيء منه وقد بينا ذلك سابقا فراجعه وهذا هو السابقة التي تكون الخاتمة تابعة لها وكاشفة عنها وهي منتهى الشيء الذي يسر له حتى خلق منه والتيسير الذي ذكره صلى الله عليه واله في جوابه لسراقة بن مالك في قوله اعملوا فكل ميسر لما خلق له قد ذكرناه في الفوائد في الفائدة السابعة عشرة من اراد الوقوف عليه طلبه من هناك

فرغ من تسويد هذه التنبيهات منشئها العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي في الليلة الثامنة من شعبان سنة تسع وثلثين بعد المائتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها واله الف الصلوة والسلام حامدا مسلما مستغفرا

المصادر
المحتوى