
حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان الرجل الافخر المكرم الملا عليّ اكبر ابن البصير محمد سميع وفقه الله لطاعته قد ارسل الى كلمات قليلة مشتملة على معان جليلة يريد من الفقير الجواب وهي انه :
قال سلمه الله : ان تتفضلوا وتفيدوا وتكتبوا طريق خلوص النية وحضور القلب والقصد في الطاعات باي شيء يتحصل بذكر او فعل او رياضة وترقي النفس في الكمالات القدسية باي شيء يتيسر؟
اقول ان النية انما تخلص اذا ظهرت على مشاعر العبد اثار فضل الله سبحانه حتى جذبه الطمع فيما عند الله والرغبة في خيرات وعد الله الصادق واثار عدله سبحانه حتى صرفه الخوف من مقام الله والرهبة في محذورات وعيده المطابق
فاذا حصل ذلك للانسان انصرف عما سوى الله تعالى اليه سبحانه فهناك تخلص نيته ويحضر قلبه عند الله وتكون اعماله مقبولة فينهمك في الطاعات وتترقى نفسه الى الكمالات فيتخلق باخلاق الروحانيين وتتعلق روحه بالمحل الاعلى من القدس
الا ان الانسان لما كان منغمسا في رذائل الطبيعة محجوبا بحجاب الانية تعسر عليه ذلك المطلب العالي واصل ذلك الانغماس انه لما ظهر الى الدنيا كانت نفسه مصاحبة لحيوته في طفوليته وكان همها الطعام والشراب لضعف قواه عن الادراكات الكاملة
ثم تدرج في مراتب الجهل من الشهوة والغضب والتكبر والحسد وغير ذلك من الاخلاق الرذيلة واستولت هذه القوى النفسانية على ذلك العبد واستوطنت منازلها
وكان العقل الذي يدعو الى الله سبحانه وتعالى والى طاعته انما يأتي ذلك العبد شيئا فشيئا بالتدريج ولايتم نزوله في اول مساكنه الا عند البلوغ فيأتي ذلك المنزل وهو غريب وحيد لا ناصر له ولا معين وقد استولت اعداؤه وطغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد فدخلها فكان بينهم غريبا ذليلا حقيرا خامد الذكر معزول التصرف والامر
فتفضل الله عليه ثانيا بعد ايجاده وخلقه مهديا مستقيما بملك من جبروته يعينه على طاعته ويؤيده على اعدائه ونصر ذلك الملك بجند من ملائكة يفعلون بامره ويدفعون اعدائه وهم بامر ذلك الملك يهدون بالحق وبه يعدلون
ثم تفضل الله سبحانه عليه بعد ذلك مرة بعد اخرى فارسل فيه رسولا صلى الله عليه وآله وعلمه طرق شريعته ثانيا كما علمه طريق شريعته اولا ( كما علمه شريعة طرقه اولا خل ) وبين له مستقيم اعماله واقواله وافعاله وحركاته وسكناته وجميع احواله من معوجها ونصب له الادلة ولم يترك شيئا فيه صلاحه الا دله عليه ولا شيئا يضره الا عرفه اياه وحصره في كل شيء من افراد الطريقين بامره ونهيه لئلا تكون للناس على الله حجة بعد الرسل
والاشارة الى مجمل تلك الهدايات انه امرك بالاقبال على الله والمسير اليه سبحانه ودلك على طريق ذلك من محبته ورضاه فامرك بشريعته من الطهارة والصلوة والزكوة والصوم وساير التكاليف واجبها ومندوبها على ما هو مقرر عند اهل الشرع
ونبّه على ذلك في مواضع من كتابه منها قوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلوة وانها لكبيرة الا على الخاشعين يعني ان غير الخاشعين لا يقدرون على الاستعانة بالصلوة على جميع مطالبهم لانهم معرضون عن ذكر الله فكانت قلوبهم في غمرة من هذا ولهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون
فاذا اردت طريق خلوص النية وغيره الى اخر ما طلبت فعليك بحسن العمل فانه لا شيء كالعمل كما قال امير المؤمنين عليه السلم فاذا اردت الصلوة فاسبغ الوضوء تقربا الى الله واقرء ما ندبك اليه الامام من ادعية الوضوء وقبله وبعده وتوجه الى ذلك بقلبك وقم الى الصلوة بقصد الخدمة لله سبحانه وصل كما امرك الشارع عليه السلم من الافعال والاقوال
وتعوّد اقام الصلوة ولا تترك شيئا من النافلة ولا شيئا من المستحبة ( المستحب خل ) من صلوة او دعاء او قراءة القران تعللا بأن الله سبحانه لا يقبل الا الخالص وما اقبل العبد اليه بقلبه فاذا لم تتوجه الى العمل بقلبك تركته وهذا من حيل الشيطان على الانسان ليحرمه جميع الخيرات فلا تترك شيئا مما افترضه الله ولا ما ندب اليه لانك ان لم تقدر على العمل الصالح تقدر على صورته
واوصيك ان تجعل همك في الاعمال الصالحة من اعمال صالحة من صلوة واجبة ومندوبة ومن دعاء وصيام وزكوة من واجب ومندوبة ( مندوب خل ) وقراءة القران لا سيما الايات التي فيها المواعظ ولا تنس ذكر ( ذكره خل ) الموت والاخرة وذكر قوله ( واذكر قول الله خل ) تعالى واذكر عبادنا ابرهيم واسحق ويعقوب اولي الايدي والابصار انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار فجعل ذكرى الدار خالصة عبادة الصالحين المصطفين الاخيار
ومع هذا كله فيحتاج ( فتحتاج خل ) الى ساعة من ليلك ونهارك تخلو بنفسك وتنظر في المخلوقات من الارضين والسموات والجمادات والنباتات ( والجماد والنبات خل ) وتعتبر بما ترى من الايات الدالة على قدرة خالق البريات ( البركات خل ) فانه لا بد لمن يريد رضى الله والدار الاخرة ويريد ان يعرفه الله نفسه ويعرفه انبيائه ورسله واوليائه عليهم السلم وان يبصره في دينه الذي ارتضاه ويجعله انسانا فان اكثر الناس بهائم كما قال الباقر عليه السلم الناس كلهم بهائم الا قليل من المؤمنين والمؤمن قليل
فلا بد لمن يطلب هذه المطالب العلية من النظر والتدبر في مخلوقات الله سبحانه كما قال الله سبحانه قل انظروا ماذا في السموات والارض وقال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم وقال تعالى وكأين من اية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقال تعالى اولم يتفكروا في انفسهم ماخلق الله السموات والارض وما بينهما الا بالحق
وقال تعالى اولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيء وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم وغير ذلك من الايات
فاذا عملت بما وصفت لك من العبادات كما ذكره الفقهاء رضوان الله عليهم في كتبهم الفقهية وكتب الادعية وقرأت القران بالتدبر في بعض اوقاتك وتفكرت في المصنوعات كما ذكرنا حصل لك نور ( نورا خل ) يبعثك على العمل وكلما عملت قويت وكلما قويت عملت كما قال الصادق عليه السلم بالحكمة يستخرج غور العقل وبالعقل يستخرج غور الحكمة
فاذا واظبت على ذلك فتح الله مسامع قلبك فادركت الحكمة وعرفت العبرة وخلصت نيتك وحضر قلبك وصح قصدك في الخيرات وتترقت ( ترقت خل ) نفسك في الكمالات القدسية قال الله تعالى في القدسي ( الحديث القدسي خل ) من اخلص لله العبودية اربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه الحديث وقال تعالى ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته الحديث
فبين سبحانه ان سبب محبته للعبد هو تقربه اليه بالنوافل ومن احبه الله قذف في قلبه العلم ومن هذا ( هنا خل ) قال صلى الله عليه وآله ليس العلم بكثرة التعلم وانما العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب ( يحب الله خل ) فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء
فقيل : يا رسول الله وهل لذلك من علامة
قال صلى الله عليه واله: التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ه
فظهر ان النفس لا تترقى الى الكمالات القدسية والمراتب العلية الا بالعلم الحق المطابق الخالص وذلك العلم لا ينال الا بمحبة الله ومحبته لاينال الا بالتقرب اليه بالنوافل والمراد بالنوافل الاداب الشرعية من صلوة وطهارة وصيام وورع واجتهاد وذكر وفكر
والمراد بالفكر التفكر في المخلوقات واعتبار الايات ( والاعتبار في الايات خل ) فقد ورد تفكر ساعة خير من عبادة سنة ه
ولقد قال عليّ عليه السلم ليس العلم في السماء فينزل اليكم ولا في الارض فيصعد اليكم ولكن العلم مجبول في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم
ومثل معناه ما روي عن عيسى بن مريم عليه السلم وقال الله تعالى ولما بلغ اشده واستوى اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين اي من احسن العمل اتاه الله العلم بدون تعلم لان السبب في كل خير حسن العمل كما في قوله تعالى لنبلوهم ايهم احسن عملا يعني اذا احسن العمل اتاه الله الحكم والعلم كقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله
واما ما اشرت اليه مما هو مشتهر الان بين الناس من ( من ان خل ) الطريق الى معرفة الله هو الرياضات والاذكار المستحدثة وذلك من سنة اهل التصوف ( خذلهم الله خل ) اتاهم الشيطان عن ايمانهم وامرهم بالاذكار وضرب الطار وترجيع الغنا ونغمات المزمار وقال لهم ان النفس خلقت من حال ( من الحان خل ) الافلاك فاذا روحت بالالحان الموسغية ( الموسيقية خل ) غابت عن ذلك ( هذا خل ) العالم وتذكرت عاليها ( عالمها خل ) الاعلى ومركزها الاصل ( الاصلي خل ) فتطلبه فتعرف ما يراد منها من المعارف لانها قد فارقت الجسم بافعالها فاذا فارقته لحقت بالعقل وهذه حيل الشيطان سول لهم واملى لهم
ولو كان ذلك الطريق حقا يوصل الى الله تعالى والى ما يرضيه لما اهمله الشارع ولا يجوز ان يخل بشيء يحصل به رضاه وما يطلبه من المكلف على ان هذه لو حصلت لشخص بها معرفة كانت معرفة لا يحبها الله لان الله حق وبيده الخير ولا ينال منه الا برضاه فلا يدرك ما عنده بما لا يحب لانه لو احب هذه الطرق لامر بها ودعا اليها والا كان مانعا من خيره سبحانه وتعالى عما يشركون فلا يعرفه احد بسبيل عدوه الشيطان وانما يعرف بسبيله وسبيل اوليائه عليهم السلم
قال امير المؤمنين عليه السلم نحن الاعراف لا يعرف ( الذين لا يعرف خل ) الله الا بسبيل معرفتنا فقد حصر معرفة الله فيما بينوا وعلموا من العلم والعمل والعلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل
واما ما حصلوه اولئك المتصوفة الجهال فهو غير الحق وهم بربهم يعدلون اما ترى ان ( اما ترى الى خل ) قدوتهم وكبيرهم مميت الدين ابن عربي وما سن لهم وموه عليهم حتى بلغت به معرفته الى ان حكم بايمان فرعون لعنهما الله من مشتبه قوله تعالى حتى اذا ادركه الغرق قال امنت ونسي محكم قوله تعالى وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان وهذه مثل فرعون ولا الذين يموتون وهم كفار وهذا مثل ابن عربي وكذلك محكم قوله تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون
اقول يعني مثل ابن عربي وفرعون الذي قال الله في حقه واستكبر هو وجنوده في الارض بغير الحق وظنوا انهم الينا لا يرجعون فاخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم ائمة يدعون الى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين
كل هذه الايات المحكمة جعلها ابن عربي مميت الدين لا حكم لها ووصفها من المشتبهة ( المشتبه خل ) وله الويل مما يصف
وكذلك قال اني انا الله بلا انا وجعله سبحانه مادة لخلقه وجعل خلق المخلوقات وهما سرابا لانه ( وجعل المخلوقات وهم وسراب فانه خل ) لم يخلق الا ذاته
وقرر ان اهل الجحيم مآلهم الى النعيم وقال ان علم الله مستفاد من الخلق وقال ان الله احب ان يعبد في عجل السامري لانه يحب ان يعبد في كل صورة
وهذه وامثالها هي نتايج الرياضات والاذكار ونغمات الاوطار وحيث جعلها ( جعل خل ) وسيلة وترك سنة النبي صلى الله عليه وآله وطريقة اهل بيته عليهم السلم
وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ولو ان اهل الكتاب امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون فهؤلاء في الحقيقة ضالون مضلون
فالعاقل يطلب النجاة حيث يمكن وذلك في اتباع الهادين المهديين واما طريق غيرهم فلا نجاة لسالكه وما احسن ما قال الشاعر وما اصدقه في هذا المقام قال :
اذا شئت ان تختر لنفسك مذهبا ينجيك يوم الحشر من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي ومالك وحنبل والمروي عن كعبالاحبار
ووال اناسا نقلهم وحديثهم روى جدنا عن جبرئيل عن الباري
واعلم ان الشريعة التي اسسوها عليهم السلم نور توصل الى النور فاطلب النور بالنور ولا تطلب النور بالظلمات فانها لا توصل الا الى الظلمات هذا الطريق الذي وصفت لك هو اقرب الطرق الى الله واصحها وانجحها
وان أبيت إلا الرياضة فاصحها طريق اهل العصمة عليهم السلم وهو انك لا تأكل حتى تجوع واذا جعت فكل ولا تتملأ بل ترفع يدك وانت تشتهي الطعام ولك ميل اليه واياك والشبع فانه من مؤيدات جنود الشيطان وكذلك الشراب لا تشرب حتى تعطش فاذا عطشت فاشرب ولا تتملأ فارفع رأسك وانت تشتهي الشراب
وتدبر قول الله سبحانه كلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين
وقد ذكرنا سابقا ان العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب وذكر في الاية الشريفة انه لا يحب المسرف في الاكل والشرب
فاذا اردت استعمال الذكر فاذكر لدفع مكاره الدنيا والاخرة اعتصمت بالله تقولها ثلثا واربعين مرة وان قلتها بعدد حساب الجمل فهو انجح
ولدفع ما يجري في للخواطر من ضرر التطير والتفأل والدعوى وعدم الرضا بالقضا وما اشبه ذلك اعتصمت بك يا رب من شر ما اجد في نفسي فاعصمني من ذلك تقولها ولو مرة واحدة
وتقول عند المضائق حسبي الله مائة وست واربعون مرة تتفرج
وتقول للنوائب والحوادث اثنين واربعين مرة توكلت على الله وان قلتها بعدد الجمل الكبير فهو انجح
وهذه الاذكار وما اشبهها سريعة الاجابة بشرط الاقبال والتوجه التام عند كل لفظة تذكر مطلوبك من غير تصور له ولا لنفسك وانما تتوجه الى معطي الخيرات جل وعلا
والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وكتب احمد بن زين الدين حامدا مستغفرا مصليا