
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد كتب إلي بعض العارفين الطالبين للحق واليقين ثلاث مسائل يريد مني جوابها وانا في ما يعلم الله مني في اشتغال وملال وكمال كلال ولكن لا يمكنني رده لانه من اهل الاستحقاق للجواب فجعلت سؤاله متنا وجوابي شرحا ليتبين له الصواب
قال ايده الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين اما بعد فيقول العبد المسكين كاظم بن علي نقي السمناني سائلا من الاستاد المحقق المدقق الى آخر وصفه قال :
الاولى - ان بازاء كل خلق من المخلوقات لله تعالى اسما خاصا به هو المؤثر في خلقه وايجاده ام لا وعلى الاول فيلزم ان تكون اسماؤه تعالى التي لها مدخل في خلق الاشياء زائدة على ثمانية وعشرين اسما مع ان عبدكم المسكين سمع من جنابكم مرارا ورأى في بعض رسائلكم انها ثمان وعشرون اسما لا تزيد ولا تنقص وذلك لان اول الصادر والحوادث بعد المشية والارادة والقدر والقضاء والامضاء هو العقل الاول الذي هو العقل الكلي وبتبعيته العقول ثم الروح الكلية وبتبعيتها الارواح ثم النفس الكلية وبتبعيتها النفوس ثم الطبيعة الكلية وبتبعيتها الطبائع ثم المادة الكلية وبتبعيتها المواد الاخر ثم المثال الكلي وما تحته من المثالات الجزئية والافلاك التسعة من العرش المعبر عنه بالاطلس احيانا الى السماء الدنيا ثم النار ثم الهواء ثم الماء ثم الارضون السبع ثم الملك ثم الصخرة ثم الحوت ثم البحر ثم جهنم ثم الطمطام ثم الثرى ولا يعلم ما تحت الثرى الا الله وهذه اثنان وثلاثون خلقا واذا انضم اليها الافعال الخمسة اعني المشية والارادة والتقدير والقضاء والامضاء تصير سبعا وثلاثين مخلوقا
اقول اعلم ان الوجود المقيد من العقل الاول الى الثرى بجميع مراتبه وافراده ومعروضها واعراضها وارتباطاتها من جميع الاشياء لا يكون شيء الا باسم من اسماء الله وتفصيل ذلك لا يدخل تحت علمنا وان كنا نعلم مما علمنا الله سبحانه بعض مجملاتها وانما ذكرنا الثمانية والعشرين الاسم لان العارفين يقسمون مراتب الحق على قسمين دائرة العقل ودائرة الجهل ومراتب دائرة العقل ثمانية وعشرون حرفا يسمونها الحروف الكونية ومراتب دائرة الجهل كذلك ثمانية وعشرون حرفا بعكس دائرة العقل فاما دائرة العقل فاول مراتبها العقل وهو بازاء البديع والنفس بازاء الباعث والطبيعة الباطن والمادة الاخر والمثال الظاهر وجسم الكل الحكيم والعرش المحيط والكرسي الشكور وفلك البروج غني الدهر وفلك المنازل المقتدر وفلك زحل الرب وفلك المشتري العليم وفلك المريخ القاهر وفلك الشمس النور وفلك الزهرة المصور وفلك عطارد المحصي وفلك القمر المبين وكرة الاثيرية القابض وكرة الهواء الحي وكرة الماء المحيي وكرة التراب المميت ومرتبة الجماد العزيز ومرتبة النبات الرزاق ومرتبة الحيوان المذل ومرتبة الملك القوي ومرتبة الجن اللطيف ومرتبة الانسان الجامع ومرتبة الجامع (ع) رفيع الدرجات فهذه ثمانية وعشرون حرفا من الحروف الكونية على ترتيب الحروف الابجدية تبتدئ من العقل الاول بالالف والنفس بالباء وهكذا الى آخر الحروف وانما ذكرت الثمانية والعشرين اسما لانها هي التي بازاء هذه المراتب الثمانية والعشرين المسماة بالحروف الكونية وهي كليات الوجود ومراتب تنزلات العقل ولو اريد جزئيات كل مرتبة من هذه الثمانية والعشرين لكان يقال لكل جزئي من مرتبة كلية اسم من اسماء الله سبحانه يختص به ويكون غيره به والذي هو بازاء تلك المرتبة الكلية كما ان ذلك الجزئي رأس من رؤس تلك المرتبة وبيانه العقل بازاء الاسم البديع وكل جزئي من جميع عقول الخلق كلهم فهو رأس من رؤس العقل الكلي ولذلك الاسم رؤس بعدد جزئيات ذلك العقل فكل جزئي من رؤس العقل بازاء اسم جزئي من رؤس الاسم البديع وعلى هذا قياس سائر الحروف الكونية بالنسبة الى جزئياتها الى نسبته الى جزئيات تلك الاسماء وما ذكرت في العدد من الارضين السبع والملك والصخرة والثور الى آخر فليس من دائرة العقل وانما هو من دائرة الجهل فلا يدخل في عدد دائرة العقل ليكون زائدا وكذلك المراتب الخمس للفعل لانها هي مبادي الاسماء المذكورة وغيرها فلا تكون بازائها
قال سلمه الله تعالى : وعلى الثاني فهل البرزخ بين كل شيئين (ظ) ليس بازائه اسم خاص به بل يطلق عليه اسم احدهما تارة واسم الاخر اخرى فتكون لذلك ثمانية وعشرين اسما او يكون بازائه اسم كذلك فتكون زائدة عليها
اقول ان لكل برزخ اسما خاصا به برزخيا غير اسمي الشيئين ويكون ذلك مركبا من اسمي الشيئين مثلا قالوا النخل برزخ بين النبات الذي هو بازاء الاسم الرزاق وبين الحيوان الذي هو بازاء الاسم المذل فيجب ان يكون بازاء اسم مركب من الاسم الرزاق والاسم المذل فالنخل بازاء اسم غير اسم النبات وغير اسم الحيوان وذلك من حيث كون النخل نباتا له صفات الحيوان من الانس والوحشة والخوف والعشق وغير ذلك
قال سلمه الله تعالى : وعلى التقادير كلها فاسئل من جنابكم ان تمنوا علي ببيان الثمانية والعشرين باسمائها الخاصة المخصوصة مع ما هي بازائه انها ما هي وذلك بان تبينوا بالشفقة والعطف علي على ان اسم الله البديع بازاء العقل الاول مثلا وما تحته وهكذا وان المشية والابداع هل هو المنشئ والمبدع ام غيرهما وان اسماء الارادة والقدر والقضاء والامضاء هل هي ما اشتق منها من المريد والمقدر والقاضي والممضي ام غيرها؟
اقول اما بيان الثمانية والعشرين واسمائها الخاصة وكذلك بيان اسم الله البديع بازاء العقل الخ فقد تقدم ذكره واما ان المشية والابداع هل هما المنشئان فاعلم ان المشية والابداع هو فعل الله ومحله الحقيقة المحمدية فهو بمنزلة الفعل والحقيقة المحمدية بمنزلة الانفعال والمراد بالفعل جهة العلية وبالانفعال جهة المعلولية لا التعدد لانه في غاية البساطة الامكانية لراجحية بيان وجوده والى ذلك الاشارة بقولهم الحق عليهم السلام نحن محال مشية الله والمشية الذي هو الابداع هو المنشئ لانه عبد لله مطيع لم يخلق الله عبدا اطوع منه لله ولا اقرب اليه منه فكل شيء مما سوى الله فانما هو شيء بالمشية وسمي الشيء شيئا لانه مشاء هذا بحسب الظاهر واما بحسب الحقيقة فالله سبحانه هو المنشئ ينشئ بالمشية ما شاء وهو المبدع يبدع بالابداع ما شاء واراد وذلك لان المشية من حيث انه منشئ عبارة عما اشتق منه فهو المنشئ وكذلك باقي الافعال والمنشئ هو الصفة وما تقومت به وهو وجه الفاعل بالفعل لا بذاته لان الفعل لا يتقوم بذات الفاعل من حيث ذاته وانما يتقوم به من حيث فاعليته وذلك هو وجه الفعل من الفاعل بالفعل وهو الذي يعبر عنه بنفس الفعل كما اشار اليه (ص) بقوله خلق الله المشية بنفسها وهذا هو معنى قولنا ان الله هو ينشئ بالمشية وكذلك الارادة والقدر وغيرهما من افعاله تعالى
قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثانية - ان المعراج لنبينا محمد (ص) الذي نقرؤه الان عندكم ونتكلم فيه هل كان في كل شيء بحسبه وما يناسبه بان يكون سيره وعروجه في الاجسام بجسمه الشريف وفي المثال بمثاله وفي المادة بمادته وفي الطبيعة بطبيعته وفي النفوس بنفسه وفي الارواح بروحه وفي العقول بعقله وفي مرتبة او ادنى بالمشية التي هي الحقيقة المحمدية في اصطلاحكم ام كان عروجه وسيره في كل المراتب المذكورة بالجسم الشريف على مشرفه الاف تحية وثناء
اقول اعلم ان نبينا صلى الله عليه وآله عرج بجسمه الى ما شاء الله فلم يبق ذرة في الوجود المقيد الا اوقفه الله عليه بجسمه ومثاله ونفسه وعقله وغير ذلك فمر في عروجه الى مقام او ادنى على جميع ما في الدنيا والرجعة والبرزخ والاخرة وقد اشار الى ذلك بقوله (ص) في حق البراق عند عروجه عليها قال ولو اذن الله لها لجالت الدنيا والاخرة في جرية واحدة فاشار لاهل الاشارة انها جالت الدنيا في جرية والاخرة في جرية اخرى وذلك لانه لما عرج من البشرية بالجسد البشري لم يحسن منها ان يكون سيرها به في الدنيا على نحو سيرها به في الاخرة بل بنحو آخر وهو معنى ان الدنيا في جرية والاخرة في جرية وبالجملة فقد طوى في عروجه المكان والزمان والدهر وجميع ما فيها ولما تجاوز ذلك وقف على كل ذرة من الوجود من الاجسام والمكان والزمان والمجردات والدهر عند صدورها من الفعل الى الوجود وفي ذلك الحال اشهده الله خلق مخلوقاته وانهى اليه علمهم واليه الاشارة بمفهوم قوله تعالى ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا فاشار بمفهومه الى انه سبحانه اتخذ الهادين اعضادا واشهدهم خلق السموات والارض وخلق انفسهم حتى تجاوز قاب قوسين فكان الجسم الشريف بينه وبين مقام او ادنى في اضطراب حتى كاد يفنى وانما وصل الى ذلك بجسمه الشريف لان مرتبة جسمه من اعلى عليين وهو اعلى من قلوب شيعتهم بسبعين مرتبة فافهم
قال سلمه الله تعالى : الثالثة - ان عالم المثال والاشباح وعالم النفوس هل هما شيئان متغايران ام شيء واحد يعبر عن كل منها بالاخر والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا
اعلم ان عالم النفوس هي صور الذوات وهو صور الوجود واصلها مركب من الهيولي الاولى والمادة النورانية ومن الصور التكليفية في الخلق الثاني وهي صور نوعية خلقت الطيبة من عليين والخبيثة من سجين فهذه الصور صور ذاتية للموجود بمعنى ان زيدا له وجود ثان قد تركب من وجود وماهية وذلك الوجود هو مادته ووجوده الثاني وله صورة وهي صورة التكليف في الذر المعبر عنها بالطينة وهذه المادة والصورة لزيد كالمرءاة للصورة فزيد هو الشبح المنتقش في مرءاة هذه المادة والصورة من تجلي الوجه الخاص به من فعل الله فقولنا انها صور ذاتية له ان الشبح الذي هو ذاته يلوح في كونه على حسب قابلياتها من النور والظلمة والكبر والصغر والاستقامة والاعوجاج واللطافة والغلظ والقرب من المبدء والبعد وغير ذلك واما عالم المثال والاشباح فهو على هذا النحو الا ان تلك الصور تقومت بالنور تحت اللوح المحفوظ وسقيت بماء العلم وهذه تقومت بالاجسام فوق محدد الجهات وسقيت بماء الحس المشترك فهي غيرها لان صور النفوس في العبارة الظاهرة صور علمية وهذه صور جسمانية فافهم والحمد لله رب العالمين