جواب الملا كاظم بن علي نقي السمناني – ٢ (عن مسالتين)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الملا كاظم بن علي نقي السمناني – ٢ (عن مسالتين)

رسالة في جواب الملا كاظم بن علي نقي السمناني - 2

عن ثلاث مسائل

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وبعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين الاحسائي انه قد التمس مني الاكرم العالم الصفي الملا كاظم بن علي‌نقي السمناني بلغه الله صالح الاماني انه على كل شيء قدير الجواب عن مسائل عنونها بثلث مسائل في حال كان القلب متفرقا والبال متشتتا واني الحري بالاعتذار لعدم الاقبال وشده تشتت البال فالح علي بالسؤال فلم ‌يسعني الا الاتيان بالميسور اذ لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور وجعلت عبارة سؤاله متنا والجواب شرحا كما هي عادتي تسهيلا لادراك المعنى المراد وتخفيفا على نفسي في الايراد وحسبي الله وكفى

قال سلمه الله : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على محمد وآله الطاهرين وبعد فالاستدعاء من الجناب الامجد الاب الماجد الشفيق العطوف الرؤوف الروحاني والعالم الرباني الذي انزل به الماء على الارض الجرز فاخرج به من كل الثمرات وساق به سحابا ثقالا لبلد ميت فانزل به الماء فاحيى به الارض بعد موتها ان يمن على احقر عباد الله العبد المسكين كاظم بن علي ‌نقي السمناني بتحقيق اجوبة مسائل ثلث وان كان الحقير سمع منكم مرارا الا ان البيان بتحرير الاقلام بالتفكر له وقع آخر

الاولى منها ما المراد بكون اهل العصمة سلام الله عليهم الثقل الاصغر وكون الكتاب هو الثقل الاكبر كما في النبوي اني تارك فيكم الثقلين الثقل الاكبر والثقل الاصغر فاما ( واما خ ) الاكبر فكتاب ربي واما الاصغر فعترتي اهل بيتي فاحفظوني فيهما فلن‌تضلوا ما ان تمسكتم بهما مع انهم (ع) كلام الله الناطق والكتاب ( القرآن خ ) كلامه الصامت هذا مع انه ليس في عالم ذرات الوجود الامكانية بعد النبي صلى الله عليه وآله اعلى رتبة منهم بالعقل والنقل مع ان القرآن علمهم والعالم اعلى رتبة من العلم
اقول انا قد قررنا في مباحثاتنا مرارا متعددة في اماكن متفرقة ان لهم (ع) ثلث مراتب الاولى مرتبة المعاني وهم في تلك المرتبة الحجاب الاعلى الذي لا يظهر بالكلام ولا يدرك بالافهام وانما الواجب على كل من دنا من تلك الطلول كمال الصمت وتمام الخمول وذلك اعلى معاني ( المعاني خ ) نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وتلك المنازل لا يمكن ان يحل بساحتها احد الا من سكن فيها وخرج منها وهي المعاني التي يسئل الانبياء ربهم بها والاولياء يدعونه بها وهو قول الحجة عليه السلام في دعاء رجب اللهم اني اسئلك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك المأمونون على سرك اه وفي هذا المقام هم عليهم السلام اكبر من القرآن وكل شيء من خلق الله تعالى الثانية مرتبة الابواب وهم عليهم السلام فيها باب الله الذي يصدر منه الفيض الى جميع ما في الوجود المقيد بعدهم وهم عليهم السلام في هذه المرتبة مساوون للقرآن لانهم عليهم السلام الآن في رتبة العقل الاول والعقل الاول هو الملك الاعظم المسمى بالروح من امر الله وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وهو القرآن في الباطن وانما افترقا من جهة الظهور فالظهور في اللفظ قرآن والظهور في الصورة الملكية روح من امر الله وقد اشار اليه سبحانه في الكتاب ( كتابه خ ) العزيز وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم والروح من امر الله هو الموحي اليه وهو الملك المسمى بروح القدس الاعلى وهو المجعول نورا يهدي به الله من يشاء من عباده وهو القرآن ومن نظر بفؤاده في هذه الآية الشريفة عرف بدليل الحكمة انه القرآن وانه الملك الاعظم فانه هو الذي يقذف الله الوحي في قلبه وهو معهم يسددهم فلا يعلمون شيئا الا بواسطته وهذا هو القرآن فان الله اخبر في مواضع متعددة انه لا يعلم شيئا قبل القرآن مثل قوله تعالى ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فهم عليهم السلام في مرتبة الابواب مساوون للقرآن الثالثة مرتبة الامامة وهو هذا الآدمي الظاهر الذي فرض الله طاعته على عباده وهم عليهم السلام في هذا المقام لا يعلمون شيئا الا من القرآن وما نزل به جبرئيل والملئكة عليه صلى الله عليه وآله في ليلة القدر وغيرها انما هو في بيان ما انطوى عليه القرآن من الخفايا ولهذا وصف الله عليا عليه السلام بالعلم في غاية الوصف حيث قال ومن عنده علم الكتاب وقال ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فاخبر عن كتابه المجيد انه تفصيل كل شيء وروي ان ( عن خ ) امير المؤمنين عليه السلام سئل هل عندكم من رسول الله شيء من الوحي سوى القرآن قال لا والذي فلق الحبة وبرء النسمة الا ان يؤتي الله عبدا فهما في كتابه وقد قال في كتابه اشارة الى قصة نوح عليه السلام تلك من انباء الغيب نوحيها اليك وما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا يعني القرآن وقوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين اي من قبل القرآن وقال في آخر سورة يوسف عليه السلام ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون وامثال ذلك مما يدل على ان علمهم مستفاد من القرآن وانما في الغابر والزبور ومصحف فاطمة عليها السلام والجفر والجامعة وغير ذلك كله من القرآن فان الله سبحانه يقول وكل شيء احصيناه في امام مبين ومن المعلوم عند العلماء مما لا يختلفون فيه ان الكتاب التدويني مطابق للكتاب التكويني ولهذا قال امير المؤمنين عليه السلام في تفسير باء بسم الله الرحمن الرحيم ولو شئت لاوقرت سبعين بغلا من تفسير باء بسم الله الرحمن الرحيم وقول الباقر عليه السلام لو وجدت لعلمي ( للعلم خ ) الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرائع من الصمد الحديث وامثال ذلك فاذا عرفت المراد ظهر لك ان القرآن هو الثقل الاكبر في هذه المرتبة وهم الثقل الاصغر لان حكمهم تابع لحكم القرآن لا العكس وهم حملته ومعنى الثقل محركا الشيء النفيس المصون وسميا بذلك لان التمسك بهما ثقيل وهذا المعنى في بيان كون القرآن الثقل الاكبر وهم الثقل الاصغر الحقيقي وعن ابي ‌سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اني تارك فيكم امرين احدهما اطول من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض طرف بيد الله وطرف بيد عترتي الا وانهما لن‌ يفترقا حتى يردا على الحوض فقلت لابي ‌سعيد من عترته قال اهل بيته والعبارة عنه في الظاهر ان المراد ان القرآن بمنزلة العقل وهم عليهم السلام بدون العقل بمنزلة الجسم ولا ريب ان العقل اكبر من الجسم اما اذا اعتبرت العاقل فانه اكبر من العقل والعاقل هنا في هذا المثال هو المرتبة الاولى المعبر عنها بالمعاني وهنا جواب آخر لساير الناس ان الحكيم لا يخاطب الناس الا بما يعرفون والذي يعرفونه انهم عليهم السلام انما ياخذون من القرآن فيكون هو الثقل الاكبر وهو صلى الله عليه وآله اراد باهل البيت ( بيته خ ) الذين هم الثقل الاصغر ظاهرهم بين الناس ويريد به ( بهم خ ) مرتبتهم الثالثة كما قررنا فلاحظ واما انهم عليهم السلام كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت كما قال علي عليه السلام فالمراد ان القرآن صامت بالحق لا ينطق بالحق الا بحملته فالكتاب ينطق بالحق بلسان حامليه والا فهو صامت ولا ينتفع بالصامت ولا يكون حجة حال صمته فالناطق من هذه الحيثية افضل لعموم الانتفاع به وقيام الحجة به وكون انهم (ع) ليس في ذرات الوجود بعد النبي (ص) اعلى رتبة منهم صحيح في المرتبة الاولى واما في المرتبة الثالثة فهم عليهم السلام يتعلمون من الملئكة ومن ساير الموجودات كما اخبر الميمون عليا عليه السلام وهو راكب عليه حين حفر المنافقون له حفيرة في الطريق وغطوها بالدغل فلما قرب منها اخبره حصانه بذلك وغير ذلك من الامور التي لا تتمشى الا على احوالهم الظاهرة والقرآن مشحون في حق النبي صلى الله عليه وآله بمثل ذلك مثل قوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي وقوله صلى الله عليه وآله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير ومامسني السوء وفي كل هذه الاحوال هم الثقل الاصغر واما كون القرآن علمهم والعالم اعلى رتبة من العلم فذلك في مرتبتهم الاولى كما سبق التلويح اليه فافهم

قال سلمه الله : المسئلة الثانية - ان يمن علي بتحقيق الكلام في حديث كميل كما ينبغي بان يتفضل علينا معاشر الطلبة بل وعلى العلماء ايضا لا سيما من لا خبرة له بطريقتكم وتحقيقاتكم النفيسة بشرح كل فقرة من فقراته ببيان مراداتها المعصومية وتبيين معاني الفاظها المتداولة بين العلماء لا سيما لفظ الجلال والاحدية وصفة التوحيد والسبحات وامثال ذلك من الالفاظ المعصومية وبالجملة شرحها كما هي دون الاكتفاء باقل بيان وادنى اشارة كما هي عادتكم الشريفة في اجوبة المسائل غالبا وهو ان اميرالمؤمنين عليه السلام اردف كميل بن زياد النخعي يوما على ناقته التي ركب فقال كميل ما الحقيقية قال عليه السلام ما لك والحقيقة فقال اولست صاحب سرك قال عليه السلام بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فقال كميل اومثلك يخيب سائلا قال امير المؤمنين عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة فقال كميل زدني بيانا قال عليه السلام محو الموهوم وصحو المعلوم فقال كميل زدني بيانا قال عليه السلام هتك الستر لغلبة السر فقال زدني بيانا قال (ع) جذب الاحدية لصفة التوحيد فقال زدني بيانا قال عليه السلام نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره قال زدني بيانا فقال عليه السلام اطفئ السراج فقد طلع الصبح
اقول المسئول عنه حقيقة معرفة الله لا حقيقة ذات الله فقال عليه السلام ما لك والحقيقة يعني ان الله معروف بما اظهر من آثار صنعه ودل بذلك على ذاته كما قال سيد الشهداء في مناجاة يوم عرفة تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء وقال عليه السلام فيه ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار ( الاشارة خ ) هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا الخ فاذا كان هذا حال تعرفه لخلقه فما لك تطلب ازيد مما ظهر لك بآياته وهذا تقرير منه عليه السلام على الاكتفاء بادنى معرفة بنسبة حال العارف وفيه اشارة الى ان الحقيقة لها اهل مخصوصون لست انت منهم ولعله حث منه على الطلب لما في جوابه بالحقيقة من جلائل المنافع والمراتب العالية لاهلها ليكون جوابه منهلا يروي العارفين ويهدي المؤمنين واتى به على انحاء مختلفة في العبارة وان كان معناه متحدا ليعلم كل اناس مشربهم وينال كل قوم مطلبهم فلما قال كميل اولست صاحب سرك قرره عليه السلام على دعواه ليستميله ولا ينقطع رجاه ثم بين له ان قولك هذا لا يحسن على اطلاقه لانه ماوصل اليك من الاسرار الا ما كان عندي من ظواهر الاعتبار وطافح الآثار فلما قال اومثلك يخيب سائلا اجابه فكان كلامه عليه السلام له اولا بقوله ما لك والحقيقة يحتمل انه اراد بذلك تعظيم ذلك في عين كميل ليستعد بكمال ( لكمال خ ) الاستعداد لا انه ليس اهلا للجواب عما سئل ويحتمل انه عليه السلام علم انه ليس اهلا وانه عليه السلام انما اجابه فيما بعد اما لينال منه بقدره وان كان ليس اهلا لحقيقة الجواب واما لينقله الى اهله مع ان من ليس باهل لشيء قد ينتفع بشيء منه اذ قد يكون الشخص اهلا لظاهر هذا الكلام دون باطنه وقد يكون الكلام موضوعا لمعان يقال عليها بالتشكيك فينتفع ببعضه وبالجملة فالذي يظهر ان السائل مع معرفته الكاملة ان الكلام الذي القاه عليه السلام اليه لا يرشح عليه من معناه الا ما يطفح منه كما قال عليه السلام وكان جوابه عليه السلام له كشف سبحات الجلال من غير اشارة المراد بالكشف هنا الازالة من موضع نظر البصيرة وهو معنى المحو الآتي والهتك والمراد ان القلب او الخيال يلاحظ شيئا محدودا بحدود معنوية او خيالية فهو حين يتوجه اليها ويلاحظها محجوب بها محبوس في سجن الظلمات والكثرات والحيثيات والفرقيات والكيفيات مقيد بقيود التشابه والتشاكل والتشارك والتماثل والتجانس والتقارب والتباعد والاجتماع والافتراق والمعية والبينونة والبينية واللمية والانية والابانة والتحديد والتمييز والنفي والاثبات والضم والتولد والتوليد والمعادلة والافراد والجمع والكلية والجزئية والامتداد بين طرفين وبين اولية وآخرية والتجويز والاحتمال والفرض والشك واعتبار من والى وفي وعلى وكان ولولا وقد الا بالتاويل والانبساط والاستدارة والدخول والخروج والعزلة والحلول والاتحاد والممازجة والتقلب والخصوص والعموم والاطلاق والتقييد والاستبانة والفعل والانفعال والحصول والوضع والاين والمتى والاضافة والنسبة والضدية والتضاد والتخالف والتوافق والتعالي والاعتزال والانعزال والفصل والوصل والتوقيت والانتظار والزيادة والنقصان والاستكمال والحاجة والاستنارة والانارة والحركة والسكون والنمو و الذبول والشفافية والكمودة والتحلل والتخلل والتفتت والتقطع والصيرورة والصعوبة والسهولة والخشونة والنعومة والصلابة والصرابة والرخاوة واللين والخرق والالتيام والفرح والحزن والضيق والسعة والمرض والصحة والعافية والبلاء والضحك والبكاء والنوم واليقظة والخلاء والملاء والشدة والرخاء والجوع والظماء والشبع والري والخلو والامتلاء والفراغ والشغل والنطق والصمت والتعرض والتعريض والايماء والتلويح والاشارة واللون والتلون والمعروضية والعارضية واللذة والنفرة والكبر والصغر والتوسط والثقل والخفة والتوسيط والتركيب والتاليف والتحول والانقلاب والانتقال والتغير والتبدل والغلظ والرقة والجدة والعتق والحدة والكلال والذكاء والبلادة والفهم والحمق والجهل والعقل والتصور والتوهم والشك والكشف والاستبانة والتفقه والاحساس واللمس والشم والذوق والسمع والبصر والتقدير والتقدر والطول والعرض والعمق والقرب والبعد والشكل والهيكل والشمول والوضع والجذب والدفع والهضم والمسك وامثال ذلك من الهيئات والنسب والاضافات والاحوال والكيفيات في الملك والملكوت والجبروت فهذه وامثالها مما يقع عليه الكشف من سبحات الجلال والسبحة النور والجلال وسبحات وجه ربنا آلاؤه وعظمته ونوره فعلى تفسير ان السبحات هي الجلال يكون المعنى كشف جلال الجلال والمراد به النور اي نور الجلال وانما يسمى النور جلالا لقهاريته لكشف الظلمات فان النور اذا ظهر على الظلمة امتنع وجودها معه عادتا وعقلا بالنظر الى الخلق وعلى تفسير الآلاء ان كل شيء من الموجود انما هو نعمة من نعم الله على غيره وعلى نفسه وعلى تفسير العظمة انه عظمة الله ومظهر عظمة الله وعلى تفسير النور ان كل شيء ظاهر في نفسه عند من ادركه مظهر لغيره مما هو دليل عليه او علة له هذا في الحقيقة ولا نعني بالنور الا الظاهر في نفسه المظهر لغيره والجلال قيل هو الحجاب او القهر او العظمة ونور الجلال قيل هو الجمال وقيل الجلال نور الجمال ولهذا قالوا لجمال الله سبحانه جلال اذا بدا غيب ما انتهى اليه وقيل لجلال الله سبحانه جمال اذا بدا لشيء اشغله عن نفسه وعن غيره هذا اذا فسر الجلال بالعظمة وان فسر بالعزة فعزة الجمال انه ليس كمثله شيء بمعنى انه تعرف بجمال من خلقه لا يشابهه شيء من خلقه وجمال العزة ظهور كمال او كمال ظهور او ظهور هو كمال لا يتناهى في الامكان من كل جهة في كل جهة يتعالى عن جميع صفات الخلق فهو خلق لا يشبهه شيء من الخلق ولا يشبهه شيء من الحق قال امير المؤمنين عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله والجم به الفحص الى العجز والبيان الى الفقد والجهد الى الياس والبلاغ على القطع والسبيل مسدود والطلب مردود ه‍ واقوي من السبحات المذكورة موضوعاتها ومعروضاتها من جميع الوجودات من الاعيان كزيد وعمرو والحجر والمدر والجبال والتلال والقفار والاشجار والطيور والدور والنبات والحب والثمار والمساجد والمدارس والطرق والاسواق والعقاقير والمعادن والحاصل ساير المعادن وسائر النباتات وساير الحيوانات والعناصر وسائر ما في الملك وما في الملكوت وما في الجبروت وما في البرازخ عن اصناف الجواهر من كل ما هو ظاهر التركيب او ظاهر البساطة مما حدث عن فعل الله وكلها ايضا من سبحات الجلال وهي للاولى جلال فالاولى سبحات جلال الجلال او سبحات سبحات الجلال وعلى كل تقدير فحيث تقرر في الحكمة الالهية بدليل الحكمة ان جميع ذرات الوجود من عالم الغيب والشهادة من الجواهر والاعراض اعراض اضافية وجواهر اضافية بمعنى ان الجوهر عرض بالنسبة الى علته التي صدر عنها وهي عرض لعلتها وهكذا وكذلك نقول ان هذا الجوهر جوهر لعرضه وهذا العرض جوهر لما قام به وهذا الاعتبار صعودا ونزولا الى غير النهاية في الامكان فكل شيء من الخلق عرض لما فوقه جوهر لما تحته صح ان يقال ان المذكورات اولا سبحات سبحات الجلال والجلال ايضا سبحة لما فوقه وان يقال انها سبحات جلال الجلال والجلال اذا اعتبرت انه الحجاب جاز ان يكون هو المقام وكذا اذا اعتبرت انه العظمة فيكون معنى من عرف نفسه فقد عرف ربه من عرف الجلال او العظمة عرف ربه وقوله عليه السلام من غير اشارة فيه رفع توهم من يتوهم ان كشف هذه السبحات جوهريها وعرضيها لا بد ان يكون بدلالة الاشارة القلبية ( اشارة قلبية خ ) فلا تكون مكشوفة فابان عليه السلام انها من السبحات بقوله من غير اشارة وانما جعل الكشف للسبحات لا لمطلق الوجود لان السبحات هي الموصوفة بالوجود المقيد واما النفس المشار اليها في الحديث فهي الوجود بدون القيود واذا اعتبرته بدون اعتبار لم تكن له انية انما هو نور الله ولهذا اشار اليه بدون القيود في قوله عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ولم يقل ينظر بنفسه ولا بذاته ولا بحقيقته وذلك لانه اذا نظر الى نفس النور لم يشهد فيه المنير وانما هو ظلمة ولا يرى المنير ظاهرا بالنور حتى ينظر الى نور المنير لا الى النور نفسه فانه ظلمة فمن وجد نفسه لم يعرفها حين يجدها واذا نظر الى الله فقدها فعرفها حينئذ فهي في المثال المذكور لمن عرفها هي الجلال ولا يعرفها الا من كشف قيودها حتى الكشف لانها هي السبحات التي من كشفها من غير اشارة عرف ربه وانما قلنا فمن وجد نفسه لم يعرفها لان النفس انما توجد بالقيود وهي المشخصات ومشخصات المشخصات وهكذا من اللوازم ولوازم اللوازم ومنها ما يخطر على الاوهام ويجري في الافهام وما تتقلب فيه القلوب من مكشوف ومحجوب ومحبوب ومكروه فاذا ازلت القيود التي هي المعينات للنفس زال تعينها فاحرق نوره الذي هو ذلك الوجود وتلك النفس بعد ازالة تلك القيود جميع ما انتهي اليه بصره من تلك القيود والمقيدات وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله ان لله تعالى سبعين‌الف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه ه‍ وهذا الوجود الذي هو النفس بدون القيود سبحة من سبحات وجهه ذي الجلال والاكرام وكشف الحجب بهذه السبحة وانما تحرق ما وصلت وانتهت اليه والسبحات مختلفة في الكشف على حسب مقام السبحة ورتبتها من الوجه الباقي فكلما قربت من الوجه كانت اوسع كشفا واشد ازالة وقال كمال الملة والدين عبد الرزاق الكاشي صاحب التاويلات عفى الله عنه الحقيقة هنا هو الشيء الثابت الواجب لذاته الذي لا يمكن تغيره بوجه ما ولما كان كميل قدس الله روحه من اصحاب القلوب طالبا لمقام الولاية التي هو مقام الفناء في الذات الاحدية اقتضي حاله السؤال عن الحقيقة فاجاب اميرالمؤمنين عليه السلام بما يدل على انها مقام بعيد عن مقام صاحب القلب وهو مقام تجليات الصفات والجلال هو احتجاب الوجه الذاتي بحجب الصفات كما ان نور الجمال هو نور الوجه من دون الحجاب والوجه هو الذات الموجودة مع جميع لوازمها والسبحات هي الانوار وانوار تجليات الصفات هي حجب الوجه وتسمى سبحات الجمال وقوله عليه السلام من غير اشارة اي بلا اشارة ولو عقلية او روحية لانها تشعر بالاثنينية وهي عبارة عن مقام الفناء المحض اي الحقيقة وهي طلوع الوجه الباقي بكشف حجب الصفات عنه لنفي سبحات وجهه ما سواه فلا تبقى الاشارة الى شيء كما قال الله تعالى كل من عليها فان الآية وقال تعالى كل شيء هالك الا وجهه ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله ان لله تعالى سبعين ‌الف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه فهداه عليه السلام الى مقام الفناء والبروز من وراء حجب الصفات الى عرصة كشف الذات انتهى كلامه ولا يخفى ان هذه الكلمات جارية على طريقة اهل التصوف والقول بوحدة الوجود وفيها ما يخالف مذهب اهل العصمة عليهم السلام ما لا يخفى على من شرب بكاسهم مثل قوله ان المراد بالحقيقة الذات الواجب ومثل ان الوجه هو الذات الموجودة مع جميع لوازمها ومثل وهي طلوع الوجه الباقي بكشف حجب الصفات عنه لنفي سبحات وجهه ما سواه ومثل الى عرصة كشف الذات وغير ذلك من المفاسد التي لا تصح الا على القول بوحدة الوجود وقول اهل التصوف ولكن لسنا بصدد بيان بطلان والا لكنت ترى ما سمعت راي العين قال عبدالرزاق بعد ( بعد نقل خ ) ما نقلناه عنه ولم يكتف يعني كميلا بذلك لوفور استعداده وعلمه بان ذلك الكشف قد يكون مع كون صاحبه في مقام التلوين ولا يدل على مقام الوحدة الا بالالتزام وان الذات الاحدية لا تخلو من الصفات اي يلزمها دائما فاستزاد البيان فقال عليه السلام محو الموهوم وصحو المعلوم فاشار عليه السلام الى التلوين لحسبان صاحبه وجود غيره بالتوهم وليس وجود العين في الحقيقة الا نقشا موهوما استقر ورسخ عليه باستيلاء الوهم وسلطان الشياطين على القلب فمن اخلصه الله من عباده محي عنه ذلك الوجود الموهوم الذي ليس الا نقشا خياليا لا وجودا حقيقيا يحتاج الى الفناء ولهذا قال بعض العرفاء :

الباقي باق في الازل والفاني فان لم يزل

وبالثاني اشار الى ان الايهام اللازم لدلالة الالتزامية هيهنا انما يكون لسلطنة القوة العقلية واعتبار العقل بكثرة الصفات وامتناع عروجه عن الحضرة الواحدية من عرف الحق الاحدية بالطريق العلمي لم يخلص عن حجب الصفات الى عين الذات ولم يرتق عن الحضرة الواحدية الى عرصة الاحدية فلا تنكشف الحقيقة الا لمن عزل عقله بنور الحق وجن بالجنون الالهي كما قال امام المحق ( الحق خ ) جعفر الصادق عليه السلام العشق جنون الهي فصحا معلومه عن غمام كثرة الصفات وصفا عن كدورة الاعتبارات وارتفعت الكثرات العقلية عن تنور العشق الحقيقي والحب الذاتي حتى يبلغ صاحبه مقام الاخلاص الذي اشار اليه بقوله عليه السلام وكمال الاخلاص نفي الصفات عنه الخ فصار علمه عينا وعينه حقا وتوحيده شهادة وشهودا وعيانا لا علما وبيانا انتهى اقول ما ذكره من كون الكشف قد يكون صاحبه في مقام التلوين والتشبيه بالواصلين وهو لا يدل على رتبة الوحدة وان الذات الاحدية لا تخلو عن الصفات فلذلك استزاد البيان فيه ان الكشف ان ازال جميع السبحات حصل له حقيقة المعرفة والا فلا لان الذات البحت لا يجري عليها الكشف كما لا يحيط به الوصف فان كل شيء امكن كشف حجبه عنه فهو معلوم بذاته وذلك الكاشف مساو له او اعلى منه ولا يصح شيء من ذلك في حق الواجب على ان الامام عليه السلام انما قال كشف سبحات الجلال وهي انواره اي آثار الجلال وصفات افعاله ونسبه وهي غير الجلال ولم يقل كشف الجلال لان الكاشف حينئذ من مظاهر الجلال والجلال غير الجليل جل وعلا فليس الكشف جاريا على الذات الحق وانما مراد الامام عليه السلام بهذا الكلام معرفة النفس لان النفس اذا كشفت عنها جميع سبحاتها مما اشرنا اليه سابقا وما اشبهه ظهر لك انها وصف الحق لك نفسه لانه ظهر لك بك وظهور الشيء وصفه ولو كان المراد بالحقيقة المسئول عنها هو الذات الحق تعالى لزم مع حصول مدركيته تساوي جميع العارفين فيها لا فرق بين الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين ولا بين سائر العارفين وكل مدع لذلك له ان يقول ان مقامي في الوصول نفس محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وآله اجمعين لان كل واحد قد حصل له كشف جميع الحجب والمظاهر ولم يقل بهذا احد وان كان المراد بتلك الحقيقة المسئول عنها هي حقيقة تعرف الحق للعبد وانه انما تعرف له به وظهر له به كما هو الحق دل على ان الكشف انما هو لسبحات الجلال الذي ظهر لك به واحتجب عنك به وهو في الحقيقة وجودك ( وجود لك خ ) به سبحانه كما قال سيد الوصيين (ع) لاتحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها فيكون ذلك الوجود هو الجلال الذي اذا كشف سبحاته عرفت الحق سبحانه من عرف نفسه فقد عرف ربه ويلزم من هذا ان كل عارف له جلال يختص به هو وجوده الذي هو نور الله كما قال عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وهذه الاجلة سبحات للجلال الاعلى فهي مظاهره وهو اعلى مظاهر الحق فتحصل الحقيقة لكل عارف بنسبته وكلها امثاله سبحانه التي ليس كمثلها شيء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم فكل عارف لا يفنى فيما فوق وجوده لان هذا الفناء المشار اليه بقاء فيه ولا يبقى فيما فوقه فان نور الشمس يفني في ظهور الشمس به وهو وجوده لا في ذات الشمس واين التراب ورب الارباب وهذه المقامات المتكثرة هي مصارع المحبين فهي تعرفات الحق لهم بهم فلا فناء في ذات الحق البحت وقوله وان الذات الاحدية لا تخلو عن الصفات فيه ان الذات الاحدية ان اراد بها الظاهر بالصفات فليس ذلك هو الذات البحت وان اراد بها الذات البحت فليس ثم شيء غيره وانما هو هو بلا مغايرة ولا تكثر ولا تعدد بكل فرض واعتبار وليس الكشف المراد تجريد الذات عن الصفات باي نوع كان لان الشخص قد يتوهم ذاتا مع قطع النظر عن جميع صفاتها ومع ذلك هي متوهمة محدودة قد ميزها بوهمه ووضعها في موضع من وجدانه وباقي وجدانه خال منها يضع فيها متخيلاته وموهوماته التي هي سبحات وجوده بل الكشف المراد ان يمحو عن وجدانه جميع الاشياء من ذات وصفة وغيرهما حتى وجوده ومحوه فهناك يظهر له الحق بحقيقة ظهوره له وحينئذ يعرف نفسه ولما كان كميل يتعلق قلبه بشئ ليس في جهة من وجدانه ولا هيئة له في اوهامه وانما تجول بصيرته في الصحارى والاودية السحيقة يطلب حيث يرد فلا يعرف كيف الوصول فبين عليه السلام له انك في هذه الحال تطلب المحال لانك ناظر بنظر وطالب بطلب ومطلوبك قد احتجب بك وبطلبك ونظرك عنك وانت حجاب كثيف غليظ اقام جدارك لحفظ كنزك فاذا اردت ان تستخرج الكنز وتحل الرمز فقض الجدار من غير اشارة فطلب منه زيادة البيان لوجدانه ذاته طالبة فكيف يطلب بغير طالب ولا طلب فقال عليه السلام محو الموهوم وصحو المعلوم يعني ما انت الا نقش فهواني قد اشار لك بك ولا ريب ان النقش موهوم لانه تمثيل فهواني اي تنبيهي تعريفي فانت موهوم واشارتك صفتك فاذا كشف الموهوم يعني محى ( كشف خ ) وازيل صحا المعلوم يعني ان المعلوم ليس مستورا ولا محتجبا فلا يحتاج الى الاظهار والتبيين وانما انت حجاب نفسك فاذا ازلت الحجاب صحا لك المعلوم وفي الحديث ان نبيا من انبياء الله قال يا رب كيف الوصول اليك فاوحى الله اليه الق نفسك وتعال الى وقول عبد الرزاق وليس وجود العين في الحقيقة الا نقشا موهوما استقر ورسخ عليه باستيلاء الوهم وسلطان الشياطين يريد به انك في الحقيقة صورة منطبعة في مرءاة كونك لا حقيقة لك الا ظهور موجدك وانما كانت تلك الحقيقة ( لك حقيقة خ ) عند نفسك لاجل استيلاء الشياطين على قلبك فاشغلته عن ذكر الله الذي هو معرفة اظهريته من كل شيء فينظر الوهم الى نفسه استقرت لها حقيقة عنده لنسيانه ذكر الله وهو حق لانه لو كانت لها حقيقة غير النقش لكانت مستقلة مستغنية عن المدد فيكون كونها بنفسها وقيامها بذاتها وهو باطل واذا ثبت انها لا حقيقة لها الا ظهور الحق بها لها كانت حقيقتها من نفسها وهما وسبحاتها من نفسها وهما من الموهوم وحقيقتها من ظهور الحق معلوما فالمعرفة الحقيقة المسئول عنها محو حقيقتها من نفسها ومحو سبحات حقيقتها من ظهور الحق فاذا محا ذلك من نظر الوجدان صحا حقيقتها من ظهور الحق الذي هو المعلوم لانه صفة الله وتعرفه لذلك العبد والشيء انما يعرف بصفته وهذا المعلوم هو المعنى لكل عارف بنسبة مقامه بقوله تعالى ليس كمثله شيء كما اشرنا اليه في الفائدة الثانية من الفوائد فقوله عليه السلام محو الموهوم وصحو المعلوم هو معنى قوله عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة فالمحو هو الكشف الا ان المحو اجلى وابين لان الشيء قد يكشف عما ستره وهو باق بخلاف المحو والموهوم هو السبحات من الذوات والصفات والافعال والنسب والاضافات الا ان بيان كون وجودها موهوما ليس بصريح من الجواب الاول والمعلوم هو الجلال الا انه قد يحتمل ان الجلال هو حجاب المعلوم فبين عليه السلام في الجواب الثاني ان المراد بالجلال في الجواب الاول هو المعلوم في الثاني لانه بيانه فكان الثاني اخص من الاول فلهذا صلح لزيادة البيان فقول عبد الرزاق الكاشي فمن اخلصه الله تعالى من عباده محي عنه ذلك الوجود الموهوم الخ في الحقيقة ظاهر ولا ريب ان كاشف سبحات الجلال وماحي الموهوم هو الله تعالى وهو الذي يعرف نفسه عباده الا ان الظاهر من الحديث ان الكاشف والماحي هو العبد العارف وان كان في الواقع لا يكون الا بالله لكن لما كان يسئل كميل عن كيفية الوصول الى حقيقة المعرفة ناسب اسناد الكشف والمحو الى العبد ولهذا قال عليه السلام من غير اشارة ولا يكون هذا التقييد الا اذا اسند الى العبد وقوله واعتبار العقل بكثرة الصفات الخ مبني على طريقتهم من ان الموهوم هو الصفات وان المعلوم هو الذات وان الفناء فيه فناء في الذات وهذه الامور لا تصح على نهج اهل العصمة عليهم السلام لان الصفات ان اريد بها صفات الذات فهي الذات فلا معنى لكونها موهومة وان اريد اعتبار تعددها او من حيث متعلقاتها من الحوادث فهي موهومة ولكن بكشفها لا يحصل للكاشف صحو الذات البحت كما تقدم لان ما سواه لا يحوم حول حماه وانما كلامه جار على طريقة اهل التصوف القائلين بوحدة الوجود وان الخلق عين الحق اذا قطعت النظر عن المشخصات الموهومة ولهذا قال من عرف الحق الاحدية بالطريق العلمي لم يخلص من حجب الصفات الى عين الذات الخ يعني اذا محا الموهوم الذي هو حجب الصفات اتصل بعين الذات وهذه طريقة اهل الضلال والتصوف وقد قال شاعرهم :

جعلت نفسك في نفسي كما جعل الحمرة في ماء الزلال
واذا سرك شيء سرني فاذا انت انا في كل حال

وقال مميت ‌الدين الاعرابي في الفصوص :

فلولاه ولولانا لماكان الذي كانا
فانا نعبد ( اعبد خ‌ل ) حقا وان ( انا خ‌ل ) الله مولينا
وانا عينه فاعلم اذا ما قيل انسانا
فلا تحجب بانسان فقد اعطاك برهانا
فكن خلقا وكن حقا تكن بالله رحمانا
وعد خلقه منه تكن روحا وريحانا
فاعطيناه ما يبدو به فينا واعطانا
فصار الامر مقسوما باياه وايانا
واحياه الذي يدري به فينا واحيانا
وكنا فيه اعيانا واكوانا وازمانا
وليس بدائم فينا ولكن كان احيانا

والحاصل ان هذه الطايفة انكروا العيان ولبسوا في البيان حتى ضلوا واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل قال عبد الرزاق ولما نفي سلطان الوهم والعقل بطردها عن طريق الحق عرف السائل ان ذلك لا يكون الا بظهور سلطان العشق وذلك لا يكون اختياريا ولا منوطا بسعي السالك وارادته فاشكل ذلك عليه فطلب زيادة الوضوح فقال عليه السلام هتك الستر لغلبة السر اقول ما ذكره من ان ادراك الحقيقة لا بالاختيار جار على ظاهر الحال واما في الحقيقة فهو بالاختيار وقد قررنا في الفوائد انه ليس في الوجود شيء يقع منه فعل الا باختيار فان الطلب من الشيء لا يكون الا بما يمكن في ذاته سواء كان الطلب بجميع الاسباب والمسببات من الشيء المقرونة بجميع القيود كما ترى منه جواز الفعل والترك ام ببعضها كما تجد من بعض الحيوانات والجمادات ام بحقيقة الشيء من ربه كما يكون من العارف ومن الاشياء المفتقرة الى مدبرها لان المراد من الطلب في كل مقام من كل شيء هو الافتقار الى الغني او الى جهة من الغني فهذا الميل الحقيقي هو الميل الانوجادي من القوابل الفواعل لافعال الفاعلين ولا ريب في اختيارها ولهذا اتاهم الايجاد بصورة السؤال المشعر بطلب الاجابة والقابلية منهم حين قال الست بربكم ليجيبوه ويقبلوا منه باختيارهم واول الشيء تكوينه بنفسه ثم تكوينه باسبابه ومسبباته ولا نعني بالاختيار الا هذا واذا نظرت بفؤادك جميع الاشياء وجدتها مختارة بنمط واحد وانما تختلف هيئات المختارين لاختلافهم في مراتب الاختيار من جهة الدواعي والعوائق والعاشق مختار وانما خفي ذلك فيه لشدة رغبته ومحبته واقباله على مطلوبه حتى غلب ذلك منه على التفاته الى ما سوى معشوقه وهذا معنى ما قال عليه السلام لغلبة السر يعني ان السر الذي هو ذلك الميل والقابلية التي هو بها هو غلب على كل حجاب بينه وبين معشوقه من كل ما سوي معشوقه بحيث لا يلتفت الى ما سويه وذلك لا ينافي الاختيار وان لم يشعر بنفسه بل شرط صدق الحب عدم الاشعار بما سوى المحبوب ومن هنا قال الصادق عليه السلام ما معناه المحبة حجاب بين المحب والمحبوب وهو قد علل طلب الزيادة بما ذكر والاقرب في نفسي انه انما طلب الزيادة في البيان لما وجد في نفسه من صعوبة الطريق حتى ظن العجز بدون اعانته بالبيان ودلالته على اسباب التحصيل والوصول قال عليه السلام له الحقيقة هتك الستر لغلبة السر اي لغلبة سرك الذي هو تصحيح الفقر الذي اشار اليه النبي صلى الله عليه وآله الفقر شعاري وبه افتخر وهذا الفقر يحصل بالتدريج حتى لا يشهد له ولا لجميع ما له وما ينسب اليه اثرا في نظر الوجدان فاذا فقد عن وجدانه ما سوى معبوده الذي هو هتك الستر والحجاب بينه وبينه ظهر له ان ما حصل له ذلك لتمام فقره وصحته الذي هو غلبة السر لانه حينئذ ليس هو وانما الموجود نور الله الذي تجلى به وتعرف به وهو هو بلا مغايرة بوجه ما واما ما ذكره من تعليل طلب زيادة البيان فهو وان كان قد يكون له وجه في الجملة لكنه قشري بخلاف ما ذكرنا وهذا التعريف ابين مما قبله ووجه صلوحه لزيادة البيان ان المحو للشيء الموهوم لا يدل على كونه حاجبا ساترا للمطلوب بخلاف هتك الستر فانه يدل على ازالة الساتر فتكون ازالته ابلغ في ظهور المطلوب واما غلبة السر فانه ادل على المطلب الحق من صحو المعلوم لما في المعلوم من الابهام والاجمال لجواز ان يفهم منه ارادة الذات البحت وهو باطل بخلاف غلبة السر فانه لا يفهم منه ذلك وانما يفهم ان السر شيء غير الذات البحت وقد يفهم منه انه اذا هتك ما يحجب عنه مطلوبه دل على ان حصول ذلك له انما هو لغلبة السر والسر المراد هنا هو المعلوم ويدل عليه ما في بعض نسخ الحديث من ابدال اللام بالواو فيكون محو الموهوم وصحو المعلوم هو هتك الستر وغلبة السر وهذا السر هو سر الخليقة وهو الحقيقة وهو ظهور الحق لك بك كما قال علي عليه السلام تجلى لها بها وبها امتنع منها

قال عبد الرزاق ولا يلزم من غلبة السر حصول الحقيقة كما قال احدهم :

شربت الحب كاسا بعد كاس فما نفد الشراب وما رويت

فاستزاد البيان فعلم عليه السلام قوة استعداده فقال جذب الاحدية التي لا كثرة فيها لصفة التوحيد الى نهاية في غلبة السر قوة جذب الحضرة الاحدية التي لا اعتبار للكثرة فيها اصلا لصفة التوحيد المشعر بالكثرة الاعتبارية في الحضرة الواحدية التي هي منشأ الاسماء والصفات وذلك النور هو العين الكافوري الذي هو مشرب المقربين خاصة فلا يبقى مع هذا الجذب والشرب الحقاني لغير عين ولا اثر اقول قوله ولا يلزم من غلبة السر حصول الحقيقة ليس بصحيح عندنا اما على مذهبهم فهو صحيح عندهم لانهم يريدون بها الذات البحت وهذا عندنا باطل لان الذات البحت لم يكن معه غيره ولا يكون غيره اياه وانما الحقيقة ظهور الذات باثر فعله فيه له وايضا هو يريد ان الحقيقة لم تحصل بذلك فاستزاد البيان وهذا لا يصح لانه يستزيد البيان ولا يطلب الحقيقة طلبا اصليا غير الطلب الاول اذ من المعلوم انه عليه السلام قد اجابه في كل صورة بما يلزم منه حصول الحقيقة وقد علم كميل ذلك الا ان فيه اجمالا بالنسبة الى فهمه فلهذا انما طلب زيادة البيان لكن عبد الرزاق انما قال بعدم حصول الحقيقة بغلبة السر ليرتب على ذلك استزادته للبيان والذي يقتضيه التامل ان استزادة البيان فرع الحصول قبل ذلك فافهم وقوله فعلم عليه السلام قوة استعداده ليس بظاهر لان علمه عليه السلام باستعداد كميل فيما سبق من جوابه عليه السلام له اولى لان الجواب بما فيه الاجمال انسب بقوة الاستعداد من الجواب المشتمل على البيان والانسب عندي انه انما طلب زيادة البيان لقصور فهمه عن كمال ادراك المعنى المراد من جوابه عليه السلام كما هو عادة طالبي استزادة البيان فقال عليه السلام جذب الاحدية لصفة التوحيد

قال في الانسان الكامل الاحدية عبارة عن مجلي ذاتي ليس للاسماء ولا للصفات ولا لشيء من مؤثراتها فيه ظهور فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية وليس لتجلي الاحدية في الاكوان مظهر اتم منك اذا استغرقت في ذاتك ونسيت اعتبارك واخذت بك فيك عن خواطرك فكنت انت في انت من غير ان تنسب اليك شيئا مما تستحقه من الاوصاف الحقية او ما هو لك من النعوت الخلقية فهذه الحالة للانسان اعم مظهر الاحدية في الاكوان فافهم اقول ما ذكره عبدالكريم في كتابه الانسان الكامل مبني على وحدة الوجود لانه من كبار اهل التصوف من العامة ولهذا قال الاحدية عبارة عن مجلى ذاتي الى ان قال فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية فان جعل الاسم عين المسمى كما هو صريح كلامه هنا وفي اكثر المواضع من كتابه لم يصح جعل الانسان المعروف عنده لا سيما ما يدعونه من ذلك لانفسهم اعلى مظاهر الذات لان اعلى مظاهر الذات اول صادر عنه وهو المشية وان كانت عندنا هو الآدم الاول لكن لا يريده وايضا اذا اريد بالاحدية الذات فلا معنى لتجرده عن الاعتبارات الحقية وان اريد به غير الذات الواجب فلا معنى لتجرده عن الاعتبارات الخلقية وقوله وليس لتجلي الاحدية في الاكوان مظهر اتم منك الخ ليس بصحيح لان اتم المظاهر وراء الاكوان وهو الفعل اذ لا يظهر على شيء الا بفعله فيكون فعله او مظاهره واما فعله فيه فبه وقوله فكنت انت في انت الخ ليس بصحيح لان كون انت في انت لا يجري الا فيمن ماهيته بذاته وهو الغني عما سواه واما من كان بغيره فلا يكون هو في هو وان حصر نظر نفسه في نفسه كان مقتصرا على سراب فهو في وجدانه وفقدانه فاقد بخلاف ما لو حصر نظر نفسه في ربه فانه في وجدانه وفقدانه واجد والحق ان الاحدية بكل اعتبار اعتبرها المخلوق لا تقع على صرافة الذات البحت وانما يدرك المخلوق مخلوقا فلا يعرف احد من الخلق من معنى الاحدية الا معنى محدثا والمعنى المحدث لا يقع الا على معنى محدث الا ان من المعاني المحدثة ما هو مختص بحيث لا يصدق على شيئين وما كان كذلك كان ما يدل عليه من الاسماء كذلك والا لم يدل عليه فاذا وجدت الالوهية لا تجوز لغير الله دل على اختصاصها به تعالى وكذلك معناها ولكن المعنى الذي يقع عليه هذا اللفظ منها محدث وان كان مختصا بالبحت والاحدية دون الالوهية لان الاحدية صفة الاحد والالوهية صفة الله لا العكس والحاصل ان الاحدية وان كانت جامعة لمراتب التوحيد الاربعة توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد العبادة لكنها اخص شمولا من الالوهية التي هي الجامعة لصفات القدس والعزة وصفات الاضافة والنسبة وصفات الخلق والتربية فهي من صفات الالوهية فتقول الله احد فيحمل على الله ولا تقول الاحد الله الا على البدلية او على نسبة البيانية وما ذهب اليه اولئك من معناها ليس بصحيح وهو ( هي خ ) معنى محدث ليس لغير المعبود بالحق وان كان لها مراتب لا يحصى عددها الا الله يطلق هذا اللفظ عليها من باب التشكيك والعارف اذا كشف سبحات الجلال من غير اشارة ظهرت الاحدية فيه وهي الجلال في الجواب الاول والمعلوم في الثاني والسر في الثالث وهي النفس في من عرف نفسه فقد عرف ربه وهي حقيقتك من ربك وانما قال عليه السلام جذب الاحدية لان الباقي بعد ازالة الفاني في الحقيقة هو الجاذب للفاني كما انه في الايجاد هو الدافع له والمعنى ان الحقيقة في الايجاد يفيض عنها آثارها فهي تدفعها من كتم الامكان الى شهادة الاعيان وفي الاعدام والافناء هي تجذبها من شهادة الاعيان الى غيب الامكان فحقيقتك عنها ظهرت وفيها فنيت ففي حالة ايجادها هي دافعة وفي حالة الافناء هي جاذبة فاذا فسرنا الاحدية بنسبة مقامها قلنا ان صفة التوحيد هنا هي سبحات الجلال وهي الموهوم وهي الستر الحاجب وبيان كون السبحات المذكورة صفة التوحيد حتى يكون ضروريا يحتاج الى التطويل ( تطويل خ ) واما على سبيل الاشارة فالسبحات وهي شئون الحقيقة وجميع ما لها من المتعلقات والآثار وهي صفتها والحقيقة هي التوحيد والاحدية وصفتها هي صفة التوحيد وهي الواحدية لان الواحدية صفة الاحدية ولذلك قالوا هي حضرة الاسماء والصفات التي هي السبحات وانما كان قوله عليه السلام جذب الاحدية لصفة التوحيد صالحا لزيادة البيان لان ما تقدم لا يدل على معرفة المزيل للموانع ولا على كيفية الازالة ولا على نسبة المزال الى الباقي بحيث يتوقف ظهوره على ازالته وهنا اشتمل على ذلك كله مع انه بمعنى ما تقدم فبين عليه السلام ان المزيل هو الاحدية التي هي الحقيقة لانك انت المزيل لنفسك وما يرتبط بها ويدل على هذا قوله تعالى في الحديث القدسي حين قال ذلك النبي عليه السلام يا رب كيف الوصول اليك فاوحى الله اليه الق نفسك وتعال الى وقد تقدم وان كيفية الازالة وان كانت بالتدريج لكن جذب تلك الاوصاف والاضافات من الوجدان الى الفقدان اشعارا بان الاحدية بها قوام صفة التوحيد وان صفة التوحيد انما تفقد فيها وانها الكتاب الحفيظ لصفة التوحيد وان نسبة صفة التوحيد التي هي سبحات الجلال في الاول والموهوم في الثاني والستر في الثالث الى الاحدية التي هي الجلال في الاول والمعلوم في الثاني والسر في الثالث نسبة النور الى المنير والصورة الى الشاخص والحجاب الى المحتجب والصفة الى الموصوف وفي هذه الفقرات وما ياتي اسرار كثيرة يعرف كثير منها مما كتبنا في رسائلنا وذكرنا في مباحثاتنا

قال عبدالرزاق ولما كان كميل عارفا بان مقام الوحدة في الفناء في الذات وان كان مقام الولاية ليس كمالا تاما لان صاحبه لا يصلح للهداية والتكميل ما لم يرجع من الجمع الى التفصيل ومن الوحدة الى الكثرة ولم يصل الى مقام الصحو بعد السكر ولم يحصل له مقام الاستقامة المامور بها النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى فاستقم كما امرت فاستوضح واستزاد البيان فقال نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره اقول يجوز ان يكون ما ذكره علة لطلب زيادة البيان على بعد ويجوز ان يكون المراد منه قصوره عن نيل المراد فيطلب الزيادة في البيان مرة بعد اخرى لا لاجل انه يطلب التفصيل ومعرفة الرجوع من الوحدة الى الكثرة بدليل الجواب الاخير فانه على النسق ( نسق خ ) الاول وما بعده ولو كان كما قال لكان الاخير فيه تفصيل اشد مما قبله واما ما ذكره من التفصيل وذكر الوحدة في الكثرة فهو نوع من البيان والجواب والا فان جميع تعريف الحقيقة لا يتحقق الا بانبساط ( بانبساطها خ ) نظر البصيرة الى جميع اقطار الوجود والوجدان فيتوجه الى الوحدة في الكثرة والى الاولية في الآخرية والى البطون في الظهور والى البعد في القرب والى الوصل في الفصل والى الاتحاد والتعدد والى المزايلة في الملاصقة ( المواصلة خ ) الى غير ذلك من جهات الوجدان فمهما بقي جهة او احتمال لشيء من الاشياء لم تسلكه بحيث لا تشهد كل شيء في كل شيء لم تكشف سبحات الجلال ولم تمح الموهوم ولم تهتك الستر ولم تجذب الاحدية لصفة التوحيد ولم تظهر لك الوحدة في الكثرة بحيث يغيب وجود الكثرة في ظهور الوحدة فظهر لمن نظر واعتبر وابصر ان مفاد الاجوبة واحد وانما اختلفت ( اختلف خ ) لاختلاف التبيين وبذلك ظهرت فوايد جمة لا تسع هذه الكلمات بيانها فقوله عليه السلام نور اشار به الى الجلال والمعلوم والسر والاحدية كما تقدم وقوله عليه السلام اشرق يريد به بيان حدوثه كما اشرنا اليه سابقا لا ما توهموه من انه الذات البحت المجردة عن الاعتبارات الحقية والخلقية بل هو حادث لانه اشرق من صبح الازل والصبح هو المشية والشمس التي لم تطلع بذاتها وانما طلعت بآثار فعلها هو الازل الذي لم يزل عز وجل فيلوح من ذلك النور المشرق من صبح الازل على هياكل التوحيد آثاره وهياكل التوحيد لها مراتب تطلق وتعرف من مقام الاطلاق في الاستعمال مرتبة كل مقام والمراد بالهياكل الصور والمراد بالتوحيد هنا صفة ذلك النور المشرق والهياكل صفة ذلك التوحيد والآثار صفة تلك الهياكل يعني ان الحقيقة نور اشرق من مشية الله سبحانه وهو الوجود بدون القيود والحدود لانها هي السبحات المكشوفة وهذا الوجود هو المعبر عنه بالحقيقة تارة وبالوجود بدون القيود اخرى وبالنفس مرة وبنور الله اخرى وبالفؤاد ايضا وهذا التوحيد صفته بمعني ان هذا النور ليس في مكان ولا يحويه مكان ولا يخلو منه مكان وليس في جهة ولا قبل ولا بعد بل قبله عين بعده واوله نفس آخره وظاهره حقيقة باطنه وكل الجهات جهاته ولاتخلو منه جهة وليس في زمان ولا يقع عليه وصف وليس كمثله شيء وكلما ميزته فهو غيره وكلما توهمته فهو بخلافه بريء من الحدود والامكنة والجهات والاوقات والانداد والاضداد والاشباه والكثرة والكلية والجزئية والعموم والخصوص والاجمال والتقييد والجمع والتفصيل وسائر صفات الخلق وهو معنى قولنا ليس كمثله شيء ولو كان هذا النور الذي هو النفس المشار اليها في الحديث من عرف نفسه فقد عرف ربه له مثل لكان لو عرف نفسه بشيء من صفات الخلق لزم منه انه يعرف ربه بصفات الخلق وانه مخلوق تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فان قلت انك اذا وصفت نفسك بهذه الصفات كنت قد وصفتها بصفات الواجب وهذا باطل عقلا ونقلا قلت انك اذا جردت نفسك عن كل ما يغايرها لزمك ان تصفها بهذه الصفات فان قلت اني في مكان والمكان غيرك والكون فيه غيرك وكونك ابنا او ابا غيرك وكونك مدركا او معلوما غيرك ومع وفي ومن والى وعن كلها غيرك واين غيرك ومتى وحيث وكيف ولم وعند واول وآخر وظاهر وباطن غيرك والاقتران والاجتماع والافتراق والحركة والسكون غيرك وجميع ما ينسب اليك وينفي عنك غيرك فاذا اخذت تجرد عنك هذه السبحات لم يبق الا وجود لا يلتبس بشيء وليس كمثله شيء لان الالتباس والمشابهة والمماثلة غيرك وهذه صفة الحق تعالى فمن عرف صفة الحق تعالى فقد عرفه لان الشيء لا يعرف الا بصفته وهذه الاشارة كافية في بيان صحة هذا البيان لمن احب الله ان يعرفه نفسه وهذا التجريد صفة هذا النور وهذه الصفة هي التوحيد وللنور مظاهر لصفته هي هياكل التوحيد اي صوره واعلاها اربعة ‌عشر هيكلا وليس معها في وجودها شيء ومن دونها هياكل متعددة ومن دون هذه المتعددة هياكل كثيرة وهكذا ومعنى هيكل التوحيد ان يظهر لذلك النور المشرق من صبح الازل صفة تفيد هذا التجريد الكامل بهيئتها كما تفيد الاشارة الى الشيء الدلالة عليه والاشارة بالاقبال المجيء وبالادبار المضي فافهم ولذلك النور المشرق آثار صدرت من صفاته التي هي هياكل التوحيد تظهر وتلوح على تلك لهياكل اي تظهر مشابهة لتلك الهياكل بمعني ان صفاتها بل ذواتها تشابه صفات عللها المؤثرة فان كل صفة تشابه صفة مؤثره والاشارة الى بيان ذلك انك لو رأيت صفة كلامك لدل عليك بهيئته التي هي من هيئتك كما تدل عليك صورتك في المرءاة ولو برز لك عقل زيد او علمه او كلامه او مشيه او حركته او حرارته او رطوبته او برودته او يبوسته او اشارته او فكره او خياله او شيء مما ينسب اليه لعرفته انه لزيد كما تعرف زيدا بصورته في المرءاة بل ترى كل واحد مما ذكرنا لك من كل ما ينسب اليه رجلا انت تعرف ان اسمه زيد وانه لزيد وان كان ذلك لامرأة رأيته امرأة تسمى باسمها وهي لها لا تنكر شيئا من هذا لو رأيته قطعت به ضرورة كما تقطع بنفسك انك انت فاذا عرفت الاشارة ظهر لك ان تلك الآثار التي هي آثار ذلك النور ظهرت على صورة صفات فعله التي هي هياكل التوحيد فقوله عليه السلام نور خبر لمبتداء محذوف تقريره الحقيقة نور فكان ذلك النور هو الحقيقة ثم انه عليه السلام بين ان كل ما ينسب اليه من صفة ذات كالتوحيد او صفة فعل كالهياكل او آثار فعل كالآثار المذكورة غير ذاته بل هي من سبحاته ليعرف فنائها في بقائه بل انما هو ليس شيء غيره

قال عبد الرزاق الكاشي بعد ان ذكر كلاما على مذاقه لان المتصوفة كلامهم لا يختلف تشابهت قلوبهم فانهم عيون كدرة يفرع ( يفرغ خ‌ل ) بعضها في بعض قال وعند ذلك غلب حال كميل فسكر وجذب الشوق عنان تماسكه فاستزاد البيان فقال عليه السلام اطفئ السراج فقد طلع الصبح قال اي دع البيان العلمي واترك الجدال العقلي اقول كلامه متدافع بنفي بعضه بعضا لان قوله غلب حال كميل فسكر وجذب الشوق عنان تماسكه ينافي قوله في البيان اي دع البيان العلمي الخ لان من غلب حاله حتى سكر لا جدال معه ولا بحث له بل اما ان يكون لم يعرف اصل المراد من الاجوبة او انه عرف ولا يكون هذا خطابه وتوجيهه بانه بين له حاله قبل السؤال او على سبيل الترديد في المقال او تعريضا لغيره من الجهال بعيد لا ينال وانما كان حاله في ذلك كله انما طلب الجواب ليستدرك بالاستزادة ما فاته من فهم ما سبق اذ قد يحصل المطلوب بتلفيق المدركات من كل جواب فيكمل له من ابعاضها كل يتم له به المطلوب او يكون بالتكرار يتفطن في المراد فقوله عليه السلام اطفئ السراج المراد بالسراج النور العلمي والنور العقلي والنور البصري والسمعي والشمي والذوقي واللمسي فانها هي المدركة لسبحات الجلال فنبه السائل على معنى عجيب يحسن لاستزادة البيان وهو ان السبحات المعروفة لا تكشف ولا تمحي ولا يراد ذلك في ظهور الحقيقة وانما المراد ان لا ينظر اليها ولا يحصل ذلك الا بعدم استعمال الخيال والعقل والحواس الخمس التي هي سراج الانسان في ظلمات الكثرات والتعددات المعبر عنه ( عنها خ ) بالاطفاء فقال له ما معناه اذا لم تنظر بخيالك وعلمك الذين لا يدركان الا الصور المجردة عن المواد العنصرية والمدد الزمانية ولا بعقلك الذي لا يدرك الا المعاني ولا ببصرك الذي لا يدرك الا الالوان والهيئات ولا بسمعك الذي لا يدرك الا الاصوات ولا بشمك الذي لا يدرك الا الروايح ولا بذوقك الذي لا يدرك الا الطعوم ولا بلامستك التي لا تدرك الا الاجساد ولا سراج لك في هذه الظلمات الا هذا القوي الظاهرة والباطنة فاذا لم تستعملها فيما خلقت له فقد اطفأتها ولا يسعك اطفائها حتى تستغني عنها بنور اقوي منها مثل طلوع الصبح فانه يكشف جميع الظلمات بخلاف تلك السرج السبعة فانها انما تكشف بعض ظلمات ما توجهت اليه بنسبة قوة نورها فاذا ظهر ذلك النور الاعظم المشبه بطلوع الصبح الذي هو من نور شمس الازل بطلت فائدة السرج لعدم الانتفاع بها في كشف ما تستعمل لكشفه ولان النور القوي اذا ظهر اقتضى ابطال الانوار الضعيفة فحيث كان مقتضيا لابطالها ولا انتفاع بها قال عليه السلام اطفئ السراج فقد طلع الصبح وفي قوله عليه السلام فقد طلع الصبح اشارة الى سر مكتوم من اسرارهم عليهم السلام وضع الله عليه حجابا مسيره سبعين عاما لو اذن ببيانه ( في بيانه خ ) لكتبه من اذن له ببيانه وحيث كان كل شيء مرهونا بوقته تركنا ذكره حتى ياتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد والحمد لله رب العالمين

قال سلمه الله : الثالثة - ما الفرق بين القلب والصدر والنفس والوهم والخيال والفكر وما الفرق بين ادراكاتها ومدركاتها وهل القلب والعقل بمعنى فكيف جعلتهما اثنين في رسالة شرح احاديث الطينة وان كانا متفاوتين فبينوا الفرق بينهما وهكذا هل المراد بالصدر والنفس واحد ام متعدد وعلى الثاني فما الفرق بينهما وما الفرق بين الصدر والعلم اذا اريد به النفس مع ان النفس ليست الا الصورة النفسية المجردة عن المادة والمدة والعلم ليس الا الصورة النفسية كذلك وما الفرق بين الخيال والصدر فاذا كانا واحدا فلم جعلتهما في تلك الرسالة وغيرها اثنين وما الفرق بين المتخيلة والمتفكرة والحافظة والمأمول من جناب الاستاد الا يقهر اليتيم عن امامه ولا ينهر السائل من بابه قال الله تعالى واما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر واما بنعمة ربك فحدث
اقول القلب هو اللب وهو وسط الشيء فالقلب هو العقل وسمي قلبا لانه يتقلب في معاني مدركاته او لانه الوسط ومنه قلب النخلة وهو السعفة الوسطى من سعفها او قبل انتشار خوصه وهو ورق النخل او لانه تقلب فيه المعاني اي تفرغ او انه قالب المعاني لانطباعها فيه وهو في اطلاقات الشارع عليه السلام يراد به العقل ويراد به مقر اليقين وخزانة العقل فهو بمنزلة الحافظة للخيال وفي المذهبة التي كتبها الرضا عليه السلام الى المامون قال عليه السلام فملك الجسد هو القلب والعمال هو العروق والاوصال والدماغ وبيت الملك هو قلبه وارضه الجسد والاعوان يداه ورجلاه وعيناه وشفتاه ولسانه واذناه وخزانته معدته وبطنه وحجابه صدره الخ والمراد بالقلب الذي هو الملك هو النفس الناطقة على ما قيل والمراد بالقلب الذي هو بيت ذلك القلب هو اللحم الصنوبري الكائن في وسط الصدر والمعروف من كلام بعضهم ان القلب الذي هو اللب بمنزلة الملك بكسر اللام وهو متعلق باللحم الصنوبري تعلق تدبير لانه ليس من عالم الجسمانيات التي في الزمان وانما هو من عالم الغيب ويؤيده ما روي كميل بن زياد عن علي عليه السلام قال عليه السلام والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة وفي الرواية الاخرى عنه عليه السلام قال عليه السلام قوة لاهوتية بدء ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية الذهنية موادها التاييدات العقلية فعلها المعارف الربانية الخ ويؤيد انها تتعلق باللحم الصنوبري الذي في الصدر انك اذا التفت الى انيتك او اشرت اليك او اشار اليك احد انما تشير انت او غيرك الى صدرك وقيل هو العقل ولهذا قال بعضهم ان العقل في القلب الذي هو اللحم الصنوبري في الصدر والذي يشهد به الوجدان ان العقل في الدماغ بمعنى انه متعلق به تعلق التدبير او تعلق الظهور والدليل على الاول من الوجدان انك اذا اشرت الى المسمى بانا اشرت الى صدرك واذا اشرت الى تعقلك اشرت الى راسك لان عين ( عيني خ ) بصيرتك في راسك وهذا قول الاكثر وهو الاصح والقلب هو مدرك المعاني ومقر اليقين وقد يطلق على العقل في كثير من كلام اهل الشرع وكلام العلماء وبالعكس بمعنى الاتحاد وقد يراد التعدد فيكون القلب بمنزلة المبصر والعقل بمنزلة البصر وقوة الادراك ومأخذ هذا وجداني فان القلب معلوم انه في اللحم الصنوبري المسمى بالقلب وسمي به لتعلقه به واذا اردت ان تدرك شيئا وتتعقله فانك تجد محل ذلك الدماغ فان في الراس عينين يتعقل بهما الاشياء ويبصر بهما المعاني من مصدر واحد هو في جهة الدماغ كمثل العينين المبصرتين للمحسوسات من مصدر واحد وسمي ذلك المصدر عقلا لتعقله المعاني فتعرف نافعها من ضارها فيعقل صاحبه عن الضار اي يحبسه ويحبس النفس عن هواها واللسان عن الكلام الذي لا نفع فيه ومنه عقلت البعير اذا ربطت يده بالعقال وهو من الصوف او الشعر او الليف والتحقيق في الفرق بينهما ان القلب عبارة عن العقل والروح والنفس والطبيعة فهو مركب في الحقيقة من هذه الاربع ( الاربعة خ ) القوي التي هي قلب الانسان ولبه والعقل اعلى الاربعة وهو اعظم اركان القلب ووزير الملك ووليه على اعوانه العينين والاذنين والانف واللسان والشفتين واليدين والرجلين فتعمل في مصالح الملك على نظر الوزير وتدبيره هذا في الاصل واما في الاستعمال والاطلاق فيطلق احدهما على الآخر واما الصدر فالمراد صدر القلب وظاهره وهو منه بمنزلة الفلك المكوكب من المحدد فان المحدد فيه جميع ما في المكوكب من الاحكام والاسرار والمكوكب ظاهره والى هذا الاشارة بقول الصادق عليه السلام في رواية حنان بن سدير قال سئلت ابا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي فقال ان للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة فقوله رب العرش العظيم يقول رب الملك العظيم وقوله الرحمن على العرش استوى يقول على الملك احتوى وهذا ملك الكيفوفة في الاشياء ثم العرش في الوصل منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب وهما جميعا غيبان وهما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الاشياء كلها والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والاين والمشية وصفة الارادة وعلم الالفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدء فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلم الغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال رب العرش العظيم اي صفة اعظم من صفة الكرسي فهما في ذلك مقرونان قال جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي قال عليه السلام انه صار جاره لان علم الكيفوفة فيه وفيه الظاهر من ابواب البداء واينيتها وحد رتقها وفتقها فهذان جاران احدهما حمل صاحبه في الظرف الحديث فالقلب هو الباطن والصدر هو الظاهر والمراد ان القلب هو محل المعاني المجردة عن الصورة النفسانية والمثالية والمدة الزمانية والمادة العنصرية والصور النفسية هي ظاهر المعاني والمعاني باطنها والصدر الذي هو الظاهر عبارة عن الذهن الذي ينتقش فيه صور المعلومات وهو مرادف النفس عندنا في اطلاق وهو الكتاب المسطور وهو اللوح المحفوظ في العالم الكبير والوهم محل الصور الجزئية المتعلقة بالمحسوسات وقيل محل الصور المدركة بالاحساس والاول هو المراد وبابه فلك المريخ وهو يستمد بواسطة الشمس من نفس الطبيعة الكلية طبيعة الكل والخيال محل الصور الجزئية المتعلقة بالمحسوسات وبابه الزهرة وهو يستمد بواسطة الشمس من صفة طبيعة الكل وهما من مصدر واحد الا ان الوهم بارد الفؤاد مطمئن الباطن على كرسي من ذهب ظاهر الغضب لابس ثياب القهر والخيال منطو على طرب وتزين لابس ثياب الذهب قاعد على كرسي من دم واما الفكر فانه يقلب الاشياء ويرتبها ويصنع منها آلات لمطالبه ويلتقط ما في الحس المشترك من صور المحسوسات ويضعها في خزانة الخيال كما يلتقط من المثل الغيبية العلوية صورها ويضعها في الهمة ( القمة خ ) ويرتب الحاصلين من الجزئيات فيتولد منها الصور الكلية ويضعها في خزانة النفس الناطقة واما الحكماء فقالوا القوى الباطنة مدركة فقط او مدركة ومتصرفة والمدركة مدركة للصور الجزئية او المعاني الجزئية فالمدركة للصور الجزئية المحسوسة بالحواس الظاهرة تسمى الحس المشترك لاشتراكه في ادراكه بين الحواس الظاهرة وبين المتخيلة فهو واسطة بين النهرين ويسمى هذا الحس في اللغة اليونانية بنطاسيا وخزانته الخيال وهو الحافظة للصور الجزئية بعد زوالها وانفصالها عن الحس المشترك واما المدركة للمعاني الجزئية القائمة بالمحسوسات ككون هذا الشخص صديقا والآخر عدوا فهي الوهم وخزانته الحافظة وهي التي تحفظ المعاني الجزئية قالوا واما المدركة والمتصرفة فهي التي تتصرف في المدركات المخزونة في الخزانتين اللتين للحس المشترك والوهم بالتركيب والتخليل فتركب انسانا له راسان وبحرا من زيبق وهي عند استعمال العقل تسمى مفكرة وعند استعمال الوهم تسمى متخيلة وقالوا الحس المشترك هي القوة المرتبة في مقدم الدماغ وهو المنبت الذي تنبت منه اعصاب الحواس الظاهرة تجتمع عندها مثل جميع المحسوسات الظاهرة فتدركها على سبيل المشاهدة فتكون الصور الماخوذة من خارج منطبعة فيها ما دامت النسبة بينها وبين المبصر او المسموع او غيرهما محفوظة او قريبة العهد فاذا غاب المبصر او غيره انمحت الصورة عنها ولم تثبت زمانا معتبرا ومهما كانت الصورة في الحس المشترك فهي محسوسة فقط فاذا انطبع فيها صورة كاذبة كما للممرورين احسته فاذا انتقلت الصورة الى الخيال تصير متخيلة لا محسوسة اقول قولهم محسوسة فقط فيه انه لو كان محسوسا فقط لاحتيج الى واسطة بينه وبين الخيال ولكنه برزخ بين المحسوس والمتخيل فان النقطة النازلة من العلو يدركها الحس المشترك خطا مستقيما و النقطة الدائرة بسرعة يراها خطا مستديرا والبصر الحسي يري الجسم في محله ولا يراه في المحل المنتقل عنه الا بالتخيل فمدرك الدائرة من النقطة الدايرة والخط المستقيم من النقطة النازلة مركب من البصر والخيال وهو الحس المشترك اعلاه تحت الخيال واسفله فوق البصر فهو برزخ بينهما بحيث لا يكون بين احد منهما وبينه فصل ينبغي ان يكون برزخا والحس المشترك غير البصر وغير الخيال فيدرك ما يدركه البصر وما لا يدركه البصر لان النقطة اذا دارت عند وصولها الى مكان مقابل للبصر ترتسم فيه نقطة ثم تزول عنه بزوال المقابلة لانها حين الاستدارة لا تحصل في آن يحيط به زمانان لا تحصل فيهما فحافظ الارتسامات مع الانتقالات واختلاف المقابلات ليس هو البصر وليست الارتسامات تجتمع في البصر بمحض الزمان وانما هو الحس المشترك وهو المركب من الحس والخيال وهذا هو معنى المشترك ولهذا قال بعض المتاخرين ان الحس المشترك من جملة المرايا التي للنفس تظهر فيه الامور الغريبة العجيبة والخيال قالوا ويسمى بالمصورة وهي مرتبة في آخر التجويف الاول يجتمع عنده مثل جميع المحسوسات بعد غيبتها عن الحواس وعن الحس المشترك فتدركها وهي خزانة الحس المشترك يؤدي اليه على سبيل الاستخزان وقد يخزن ما ليس مأخوذا عن الحس المشترك بل عن المفكرة كما اذا تصرفت في الصورة التي فيها بالتحليل والتركيب فركبت صورة منها او فصلتها استحفظتها في هذه الخزانة والوهم قالوا وهو القوة التي يدرك بها الحيوان المعاني الجزئية الموجودة الغير المحسوسة بالحواس الظاهرة التي لم يتأد اليها من الحواس كادراك الشاة معنى في الذئب موجبا للهرب وهي العداوة وادراك زيد معنى في عمرو موجب للطلب وهو المحبة والصداقة والموافقة وامثالها من المعاني الجزئية الموجودة في المحسوسات واذا لم تكن للحواس الظاهرة ولا لحس المشترك والخيال قوة ادراكها فلا بد من اثبات قوة اخرى غيرها تدركها وهي القوة الوهمية وايضا فكون المعاني المدركة بها لم تتأد اليها من الحواس الظاهرة دليل على مغايرتها للحس المشترك والخيال وكون القوة الوهمية موجودة في الحيوانات العجم يدل على مغايرتها للنفس الناطقة وايضا فانها قد تخوف من شيء لا تخوف منه النفس الناطقة كالبيات عند الموتى فان النفس الناطقة تؤمنه من ذلك الخوف وتعلم بالضرورة ان الذي يؤمن غير الذي يخوف والمتخيلة وتسمى المتصرفة وهي قوة من شانها التركيب والتفصيل فتركب الصور مع المعاني التي في الخيال والحافظة بعضها مع بعض فتجمع بين المختلفات المتباينة وتفرق بين المتباينات المجتمعة وتمثل امورا لا توجد في الخارج ومثال تركيبها الصور الخيالية بعضها مع بعض انها تدرك انسانا له الف راس او له جناحان يطير بهما وجبلا من ياقوت وبحرا من زيبق وامثال ذلك ومثال تركيبها الصور الخيالية بالمعاني الوهمية كحكمها بان هذا الشخص صديق والآخر عدو اقول الوهم والخيال والصدر والنفس يراد منها في الجملة معنى واحد وهو الصور المجردة عن المادة العنصرية والمدة الزمانية وان كانت مراتبها من حيث المصادر مختلفة فالصدر من المشتري والنفس من المكوكب والخيال من الزهرة والوهم من المريخ وقد يقال الصدر من المكوكب فهو النفس واما التوهم والتخيل فهو فعل الوهم والخيال من الادراك والانطباع والفكر يحصل لها من المعاني والصور نقوشها النسبة الكلية واما الحافظة فقالوا وتسمي الذاكرة وهي قوة مرتبة في التجويف الآخر من الدماغ من شأنها ان تحفظ احكام الوهم كما كان الخيال خزانة الحس المشترك وهذه القوة الحافظة سريعة الطاعة للقوة الناطقة في التذكير ويتأتي للروية بسببها ان تستخرج عن امور معهودة امور ( امورا خ‌ل ) منسية كانت مصاحبة لها فهذه القوة بعينها هل هي المتذكرة المسترجعة لما غاب عن الحفظ او غيرها اقول القوى خمس وان جعلت الحافظة مغايرة للمتذكرة كانت ستا كما قال بعضهم معللا ان الحافظة امساك والمتذكرة استرجاع فهي غيرها وقال في الشفا انهما واحدة الا انهما تسمى حافظة ومتذكرة باعتبار الخ والذي يقوى في نفسي ان القوىي خمس وان الحافظة غير الذاكرة لان الذاكرة تحصل ما فات من الحافظة وتخزنه وتقيده في الحافظة فاذا اردت بيان هذا فانظر ما في الحافظة من اين اتاها فانك تجده من المتوهمة والمتخيلة وهذه هي المتذكرة الا انك سميتها باسم فعلها فان المتخيلة مثلا اذا استحدثت شيئا تسمى متخيلة لتخيلها ذلك بمعونة الفكر فاذا خزنته في الحافظة ونسيته الحافظة طلبته المتخيلة واستعانت بالمفكرة فاذا وجدته وضعته في الحافظة وسميت متذكرة لتحصيلها الشيء المنسى وهذا المعنى هو مراد الشيخ في الشفا فالقوى خمس لا ست لان الدماغ له ثلثة بطون فمقدم الدماغ في خارجه الحس المشترك وداخله الخيال وهما عندهم للتصور الجزئي ومؤخر الدماغ في آخره الحافظة وقبله الوهم وهما عندهم للتصديق الجزئي ووسط الدماغ للادراك والتصرف وهي المتصرفة والمتخيلة وعلى راي الاشراقيين ( اهل الاشراق خ ) والمتألهين هي قوة واحدة تسمى بالاسماء المختلفة باعتبار اختلاف الافعال في الآلات اقول الحق ان القوى الظاهرة ايضا كذلك من حيث الادراك والتمييز وانما سمي بالاسماء المختلفة من مبصرة وسامعة ولامسة وشامة وذائقة باعتبار افعال فتسمى كل قوة باسم محل من آلاتها التي تعالج بها المحسوسات وبها تسمى القوى الظاهرة كما ان القوة الباطنة تسمى بكل اسم من اسماء آلاتها التي تعالج بها الغائبات وبها تسمى القوة الباطنة فاذا عرفت ذلك فاعلم ان لنا في بعض الاحوال اطلاقات لبعض هذه الامور غير ما يريدون منها الحكماء المشاؤن والاشراقيون تفصيل ذلك وضبط علاماته لا يسعها الوقت الا انها تعلم من سياق كلامنا فتدبره والسلام خير ختام وكتب العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين في ليلة الثالثة ‌عشر من شهر ربيع المولود صلى الله على محمد وآله حامدا مصليا مستغفرا

المصادر
المحتوى