
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين ان العالم العامل الفاضل الممجد شيخنا الشيخ الملا محمد حمدت عواقبه وسددت مذاهبه قد عرضت له بعض الاشتباهات في بعض المسائل العرفانية حال الدرس علي فكتبها واراد مني جوابها وكان حال سفرنا الى العتبات المقدسات ولم يكن لي توجه اليها فقال لي حرسه الله تعالى وسدده عسى ان يحصل لكم توجه في الطريق او في اي حال فلم يسعني رده ادام الله فضله وجده فكتبت على جهة الاشارة والاقتصار اعتمادا على فهمه ورسمت كلامه اعلى الله مقامه كالمتن وجوابي كالشرح ليكون ادل على المطلوب
قال سلمه الله : بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى اله الطاهرين واصحابه الكاملين واحبائه المستكملين وبعد فالاستدعاء من الدرة النادرة في دهره راس الكاملين ورئيس العارفين وقطب المجتهدين والمتألهين وقدوة المتقدمين والمتأخرين المقنن لقوانين الدين المبين لاحكام الائمة المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين
انما ذكرت هذه الاوصاف مع اعتقادي في نفسي خلافها لاجل ما ذكر غيره لي في مثل هذا وارادة كتابته ولاعتقاده ذلك وانا اقول كما قال الله سبحانه ليس بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب الاية اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
قال سلمه الله : ان يمن تفضلا على احوج عباد الله الفقير الحقير محمد بن محمد نصير الجيلاني بتحقيق المسائل التي وردت علي في اثناء القراءة والاستفادة من جنابكم ولما كانت اطالة الكلام في اثنائها من سوء الادب بجهات عديدة مع ان امثال هذه المسائل وغيرها عندكم من قبيل الاوليات وكان البيان بتحرير الاقلام اوقع فذكرت بعضها في هذه الصحيفة ملتمسا من النحرير الامجد والمربي الماجد ان ينظرها بعين الرأفة والرحمة ويبينها بنحو التفصيل على ما هو الحق عند نظره الجليل
منها - ما المراد من الامكان الذي هو المكان للمتمكن الاول والوعاء للمشية الكونية
اقول اني لضيق وقتي وعدم توجه قلبي لا اتكلم على شيء من العبارة لا بتبطيل ولا تعديل في جميع المسائل او اغلبها وانما اقتصر على ما هو الحق في المسئلة بما هو مستفاد من كلمات اهل العصمة عليهم السلام مما هو مطابق للعقل المستنير بنور هدايتهم عليهم السلام وان لم اذكر خصوص الدليل او جهة المأخذ اعتمادا على فهمه واعتقاده فيما اقرره
قال سلمه الله : فان كان عبارة عن امكانات الشيء الموجود كامكان كونه فرسا او بقرا او غنما او انسانا الى غير ذلك حين كونه حجرا فهذه بعينها وعاء ومكان للمشية الامكانية فعلى هذا اما يلزم الاتحاد بينهما او كون احدهما بلا مكان وكلاهما باطلان ضرورة ان كل كون مسبوق بالامكان فالسابق غير المسبوق كما ان لكل لا بد من مكان الا انه في كل بحسبه
اقول ان الامكان المسئول عن حقيقته وتعيينه هو متعلق المشية الامكانية والتعين الاول ظهرت به لانه شرط لظهورها وهو امكانات جميع الممكنات ما كان وما يكون وما لا يكون والمشية واحدة ففي الرتبة الاولى تسمى بالامكانية لتعلقها بالامكانات وهي العلم الذي لا يحيطون بشيء منه كما في الاية الشريفة وتسمى في الرتبة الثانية بالكونية لتعلقها بالاكوان وهي العلم الذي يحيطون به في قوله تعالى الا بما شاء فليس المشية مشيتين احديهما امكانية والثانية كونية ليجب تغايرهما والمكان مكانان فتعلقها بالاولى تعلق الامكان وبها حدث الامكان لانه تعالى امكن بها هذا الامكان الراجح الوجود وهذا هو خزائن كل شيء قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه فكل خزانة لكل شيء من الموجودات فمن هذه الخزائن نزلها تعالى بقدر معلوم وتعلقها بالثانية تعلق الكون اي الوجود وبها في هذا المقام اخرج ما شاء من تلك الخزائن والبسها حلة الوجود وهذا هو العلم المستثنى في قوله تعالى الا بما شاء فالمشية وما قام بها قيام تحقق من جميع الامكانات مما سوى الله سبحانه هو الوجود الراجح ولا يخرج شيء من هذه المرتبة الى اللاشيء ابدا فاذا عين تعالى شيئا منها بمشخصاته خرج في رتبة الاكوان وهو حينئذ متعلق المشية الكونية لتعلقها بما البسته من الكون ومتعلق المشية الامكانية لتعلقها بما تحقق به من الامكان فالمشية واحدة والمتعلق اثنان فللمشية مكانان اما المكان الاول فهو الراجح الوجود لا يفقد ابدا واما المكان الثاني فقد يخرج عنه الى الاول اذا شاء سبحانه الا ان القرءان المجيد والسنة النبوية دالان على بقاء ما دخل في الاكوان خصوصا من الانسان مثل قوله تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وكذلك ما دل على بقاء الجنة واهلها ونعيمهم والنار واهلها وتألمهم وامثال ذلك والعقل المستنير بانوار هديهم عليهم السلام يشهد بذلك وهو قوله تعالى او القى السمع وهو شهيد فقوله ايده الله « وكلاهما باطلان » اما كون احدهما بلا مكان فصحيح وكذلك اتحاد المكانين واما في اتحاد المشية فلا بل هي مشية واحدة تعلقت بالامكان تعلق رجحان وبالاكوان تعلق جواز فالامكان الاول راجح الوجود والثاني جائز الوجود وقوله " ضرورة ان كل كون مسبوق بالامكان " مسلم وهو ما قلنا من ان اول ما احدث سبحانه امكان الشيء ثم احدث فيه كونه فالامكان باق بفعل الله والكون محل التغير والتبدل
قال سلمه الله تعالى : وان كان عبارة عن الامكانات الراجحة المتحققة في ضمن الاكوان فمع قطع النظر عن المناقشة اللفظية مكان المشية الكونية ح هو الاكوان لا الامكان فعلى هذا لااجد فرقا بين مكان المشية الكونية ومكان الموجودات المقيدة المجردة عن المواد العنصرية التي في عالمنا هذا بل المجردات والماديات كلها بنسبة واحدة بمعنى ان اوعيتها وامكنتها على حسب تفاوت مراتبها عبارة عن البعد المفطور المساوق لها بحيث لا يتحقق التفاضل بين المكان والمتمكن في شيء منها فاي سر في العدول عن البعد المفطور الى كل الامكان تارة وبكل الممكن اخرى هل هذا محض اصطلاح عندكم او عند القوم او مستنبط من الاخبار بينوا لنا حقيقة الامر اجركم على الله
اقول الامكان هو عبارة عن جميع الامكانات الراجحة فان جميع ما سوى الله لا يفارق الامكان لا في حال وجوده ولا في حال عدمه واما الامور المحالات فليست شيئا وانما يعبرون عن احد اعتبارين لها اما عن طرفي امكان متناقضين متعاديين ينظر العقل الى كل واحد على حدة وهو ممكن موجود ثم يتلفظ باجتماعهما من غير ان يناله العقل مجتمعا وانما يراهما متفرقين وهذا التلفظ مركب من معنيين متعاندين لم يجدهما العقل مجتمعين فهو لفظ لا معنى له مثاله ما يقال دخول الارض في البيضة لا تصغر الارض ولا تكبر البيضة فان هذا في الحقيقة من المغالطات لانه يلتفت بخياله الى الارض الجسمية في حال كبرها على الانفراد ويلتفت الى البيضة الجسمية في حال صغرها على الانفراد فاذا حاول تخيل اجتماعهما لم يجده فهو يعبر عن معنى الانفراد حال الانفراد بلفظ الاجتماع حال الانفراد ولهذا كان ممتنعا ومن ثم اجاب عيسى عليه السلام ابليس لما سأله عن ذلك وقال ربك قادر قال عليه السلام ربي على كل شيء قدير قال يقدر ان يدخل الارض في البيضة لا تصغر الارض ولا تكبر البيضة قال عليه السلام يا ويلك من اقدر ممن يكبر البيضة حتى تسع الارض او يصغر الارض حتى تدخل في البيضة او كما قال فاجابه عليه السلام بمعنى الاجتماع بشرائط امكانه واما عن مختلق ممكن سموه بغير الممكن كالعبارة عن شريك الباري تعالى فانه اسم لمخلوق سموه باسم القديم ولهذا قال تعالى قل سموهم ام تنبئونه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول وبالجملة فالمحال ليس شيئا فلا عبارة له فالشيء بحقيقة الشيئية هو الله سبحانه وحده وما سواه فهو شيء بفعل الله وامره وكل ما سوى الله ممكن في اصل حقيقته داخل في الملك بالامكان الراجح والاكوان حلل الاشياء تلبسها وتخلعها على السواء وليس الامكان في ضمن الكون بل الاصل هو الامكان واما الكون فطار عليه ومكان المشية الامكان والاكوان بعدها لانهما رتبتان لتعلقها وهي واحدة فقوله ايده الله « فعلى هذا لا اجد فرقا بين مكان المشية الكونية ومكان الموجودات » بيان جوابه ان الاكوان والموجودات كلها وامكنتها واوقاتها وجميع شروطها ومشخصاتها محل المشية ومتعلقها مطلقا وقوله " عبارة عن البعد المفطور " غلط لان مرادنا بالمكان هو المكون سواء كان متحيزا ام حيزا جوهرا ام عرضا عينا ام معنى ذهنيا ام خارجيا لا انا نريد به الحيز المعروف خاصة فالبعد المفطور من مكان المشية والحال فيه من مكان المشية وهو السر في عدولنا عنه الى كل الامكان في متعلق المشية الامكانية يعني انها تعلقت بجميع امكانات الاشياء قبل ان تكون وبعد ان كونت والى كل الممكن في متعلق المشية الكونية يعني انها متعلقة بجميع الامكانات من المجردات والماديات الذوات وغيرها وهذا المعنى ليس محض اصطلاح ولا مأخوذ من كلام القوم بل اكثر هذه الاشياء لا يعرفونها الا ظواهر منها اكثرها باطل وانما هي مستنبطة مما تشير اليه بواطن الاخبار عن الائمة الاطهار صلى الله عليهم ما اختلف الليل والنهار وان الاكثر ليمرون على هذه وامثالها في الاحاديث ولم يقفوا عليها كما قال تعالى وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون
قال ايده الله : ومنها ان قوله عليه السلام فبعلمه كانت المشية الخ يدل على ان الكونية مخلوقة بالامكانية وهذا بظاهره ينافي قوله عليه السلام خلق الاشياء بالمشية والمشية بنفسها ان كان المراد منها الكونية على ان تخصيص العلم بالامكاني لا بد له من مخصص ثم التعبير بالعلم الامكاني هل مبني على الاصلاح ( الاصطلاح ظ ) عندكم او عند القوم ايضا او مستنبط من كلمات الائمة صلوات الله عليهم والاخير ارجح ولكن ينبغي الاشارة الى مأخذه ووجه دلالته
اقول ان قول الكاظم عليه السلام فبعلمه كانت المشية لا يدل في الظاهر على ما ذكرتم لانه عليه السلام ايضا قال بعد هذا وبالمشية كانت الارادة وبالارادة كان التقدير الخ ولا يلزم منه ما ذكرتم وانما يراد منه التقدم كما قال عليه السلام فالعلم متقدم المشية والمشية ثانية والارادة ثالثة هذا حكم الظاهر واما ما هو نفس الامر فكذلك لان كل شيء مسبوق بشيء وهو مترتب عليه فهو مخلوق به بمعنى انه احد شروط وجوده كالابن فانه مخلوق بابيه بمعنى انه مخلوق بشرائط خلقه ومنها وجود ابيه وامه مثلا وعلى المعنى الظاهر والباطن يكون المعنى فعن علمه كانت المشية لانها الظهور الثاني وعن المشية كانت الارادة لانها العزيمة على ما يشاء وهكذا ثم على كل تقدير لا ينافي قوله خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية لانا قد اشرنا سابقا ان المشية الامكانية هي الكونية بعينها وانما تعددت اسماؤها باعتبار تعدد متعلقاتها كما ذكرنا في كثير من رسائلنا ان فعل الله سبحانه واحد فاذا تعلق بالاكوان سمي مشية واذا تعلق بالاعيان سمي ارادة واذا تعلق بالهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء سمي قدرا واذا تعلق بالاتمام سمي قضاء وهكذا ومن هنا قلنا اذا تعلق بالامكانات سمي علما وقد اشار اليه النصوص عن اهل الخصوص صلى الله عليهم ان الحق عز وجل لا يرتبط بشيء ولا يرتبط به شيء ولا يقترن بشيء ولا يقترن به شيء ولا يطابق شيئا ولا يطابقه شيء ودلت على ان له علمين علما قديما هو ذاته وهذا لا يقترن شيئا ولا يقترن به ولا يطابق شيئا ولا يطابقه وعلى انه تعالى عالم ولا معلوم الخ ودلت ايضا على انه عالم بها وهذا هو العلم الاقتراني وهو قول الصادق عليه السلام فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع الخ ومعلوم بان الواقع على المعلوم ليس هو الذاتي لان الذاتي هو الله ولا يجوز ان يقال فلما احدث الاشياء وكان المعلوم وقع الله على المعلوم لانه يلزم منه ان يكون له حالتان مختلفتان حالة عدم الوقوع وحالة الوقوع وهذا صفة المصنوع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ودلت على ان العرش والكرسي بابان من العلم وهذا وجه التسمية نعم ورد في الاخبار تسميته بالحادث ونحن سميناه بالامكاني لفائدة
قال ايده الله تعالى : ومنها قولكم في افاداتكم واكثر رسائلكم واجوبتكم كلما يمتنع في الممكن فهو في الواجب واجب بظاهره يقتضى الكلية جارية في جميع جهات التعريف وفيه ان التجلي في اقليم الامكان يمتنع ان يكون لذوات الموجودات الا في الذوات للاثار والصفات وكلها من قبيل التعينات بالافعال والظهورات منها وح لا يخلو اما ان يكون في الواجب واجبا على مقتضى تلك القضية الكلية فعلى هذا تصح تصحيح العبارات التي لاكثر اهل العقول من الاثني عشرية من غير تنافر بين كلامكم وكلامهم مع انكم لا ترضون به واما الا يكون فيبطل استدلالكم بتلك القضية الكلية فلا يصح ان يقال ان كلما يمتنع في الممكن فهو في الواجب واجب وان كنت اعرف ان الترديد بهذا النحو من سوء الادب الا ان مقام السؤال لتحقيق الحال لاطمئنان البال يقتضي ذلك والمرجو من الحليم العطوف والكريم الرؤف العفو ثم العفو
اقول انما قلنا ذلك اذا كان الممتنع صفة كمال بحسب مفهومها وكذلك الجائز لان الممتنع اذا كان نقصا لم يجز اثباته للحق تعالى مثل ان الانسان يمتنع ان يكون متحركا ساكنا في حال واحدة وهذا لا يجوز على الله تعالى لان الحركة الانتقال والسكون اللبث وكذلك مثل الاقبال والادبار لانهما الانتقال وانما يعني ما لم يكن نقصا في نفسه كالظهور والبطون والقرب والبعد وما اشبه ذلك فانه تمتنع في الخلق وتجب في الخالق ثم انا انما قلنا ذلك بتنبيه اهل العصمة عليهم السلام لنا على ذلك فانه تعالى لا يجري عليه ما هو اجراه ولا يلحقه ما هو ابداه على ان الذي اشرت اليه خلاف ما قلنا لان التجلي بنفس الذات يجوز على المخلوق فيمتنع على الخالق وانت تضطر الى القول بخلاف ما ذكرت انت لانك تقول من عرف نفسه فقد عرف ربه ولا يعرف احد نفسه معرفة تكون هي معرفة ربه حتى يعرفها بذاتها بعد كشف جميع سبحاتها من غير اشارة ولو ان نفسه ظهرت له بشيء من شؤنها من افعالها او آثار افعالها لم يعرفها بالكنه واذا لم يعرفها بالكنه لم يعرف ربه فلم تكن معرفة نفسه معرفة ربه فان قلت يلزم ان تكون النفس هي الرب او تعدد المعرفتين قلت لا يلزم شيء منهما لان حقيقة النفس هي وصف الله سبحانه نفسه لعبده فاذا عرف الوصف عرف الله فالنفس حقيقتها آية الله التي بها يعرف اي وصفه الذي تعرف به للعبد قال تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم ولم يقل سنريهم ذاتنا في الافاق وفي انفسهم ولا يلزم تعدد المعرفتين لان معرفة الله هي معرفة وصفه نفسه لعبده فافهم فلا تمتنع ذوات الموجودات ان تتجلى وتظهر في اقليم الامكان بذاتها بل ذلك ممكن لها فيمتنع ذلك في حق الواجب فلا يبطل استدلالنا بتلك القضية الكلية واخبار ائمتنا عليهم السلام ناطقة به وقولك فعلى هذا يصح تصحيح العبارات التي لاكثر اهل العقول من الاثني عشرية من غير تنافر بين كلامكم وكلامهم مع انكم لا ترضون به فيه اولا ان هؤلاء الذين اشرت اليهم ليسوا من اهل العقول المستقيمة وان كانوا من اهل العقول المعوجة وليسوا من الاثني عشرية وان اتسموا بسماتهم وقالوا بقولهم في الفروع ولهذا حكم العلماء بكفرهم لانهم انما ائتموا بامامهم مميتالدين وذلك لانهم يقولون ان علم الله مستفاد من المعلومات وليس له ان شاء فعل وان شاء ترك وانما معنى الاختيار في حقه هو القصد الى ما يفعل والرضا به وقالوا الفعل يده اليمنى والانفعال يده اليسرى فذاته الفاعلة والمنفعلة لانها واحدة والكثرة شؤن فصح انه ما اوجد الا نفسه وليس الا ظهوره وقالوا ان تكلمه تعالى عين ذاته سبحانه وقالوا ان الاشياء جميعها كل شيء منها مركب من وجود هو الله سبحانه ومن ماهية موهومة فجميع الخلائق وجودها هو الله وحدودها واعراضها موهومة ما شمت رائحة الوجود حتى ان بعضهم يقول انا الله بلا انا وقال في الفصوص امامهم :
فلولاه ولولانا لماكان الذي كانا
فانا اعبد حقا وانا الله مولينا
وانا عينه فاعلم اذا ما قيل انسانا
فلا تحجب بانسان فقد اعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه تكن روحا وريحانا
فاعطيناه ما يبدو به فينا واعطانا
فصار الامر مقسوما باياه وايانا
واحياه الذي يدري به فينا واحيانا
و كنا فيه اعيانا واكوانا وازمانا
وليس بدائم فينا ولكن كان احيانا
وقال غيره :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
وامثال هذه من القول بوحدة الوجود وكيف يصحح قولهم بقولي وهم يقولون هو ظهر بذاته فتكثر في وحدته فمن شهد الوحدة في الكثرة فقد عرفه ورءاه واحاط به لانهم يقولون ان ذاته يمكن ادراكها والاحاطة بها وانما يمتنع الاحاطة بصفاته لان علمه لا يتناهى وقدرته لا تتناهى ويقولون هو يلبس صور الخلق ويخلعها قال شاعرهم :
كل ما في عوالمي من جماد ونبات وذات روح معار
صور لي خلعتها فاذا مازلتها لا ازول وهي جواري
انا كالثوب ان تلونت يوما باحمرار وتارة باصفرار
وانا اقول هو سبحانه لا يظهر بذاته لشيء من خلقه ولا يتحول من حال الى حال كما قال امير المؤمنين عليه السلام لم يسبق له حال حالا فيكون اولا قبل ان يكون اخرا ويكون باطنا قبل ان يكون ظاهرا ه كان وحده والازل ذاته والقدم ذاته قبل ان يخلق الخلق وهو الأن على ما كان وحده احدث الاشياء لا من شيء واقامها بامره لم يخرج من شيء ولا يخرج منه شيء ولا يصل اليه شيء ولا يحيط به شيء بل كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فهذا وامثاله قولي فاين هذا من ذاك قولي غير قولهم وديني غير دينهم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون مع ما ورد من النهي عن الميل اليهم والتشبه بهم والتسمي باسمائهم لغير تقية وتأويل كلامهم وورد من البراءة ممن مال اليهم واول كلامهم فكيف يصحح قولهم مع مخالفته لدين الاسلام ولمذهب النبي واله صلى الله عليه واله فافهم
قال سلمه الله : ومنها ان كل صفة من حيث هي تابعة لموصوفها في جميع ما فيه وله وعليه من القوة والضعف والكمال والنقص والظهور والخفاء الا انهما فيها على نحو التبعية فكل موصوف اقوى من غيره تكون صفته كذلك وهذا من دليل الحكمة كما استفدنا من افاداتكم مرارا كثيرة وفيه انه لا ريب ان الموجودات الذهنية في غير علة الموجودات كلها من عكوسات الموجودات الخارجية او الامكانية وتوابعها ولواحقها فكلها ترجع الى ما منه بدئ ومن المعلوم ان الوجودات الخارجية الكونية اقوى ظهورا واجلي انكشافا من الوجودات الامكانية فبمقتضى دليل الحكمة يجب ان تكون صفة كل واحد منهما مثله في الظهور والخفاء والقوة والضعف وغير ذلك مع انا لانجد الفرق بين الوجودات الذهنية الناشية النازلة من الاكوان الى الاذهان او من الامكان اليها فان قلتم بان الوجودات الامكانية من الوجودات الكونية على حسبها فلا يقدح فيما ذكرنا لان خفاءها وضعفها بالنسبة الى المكونات والمشاءات مما لا ريب فيه بينوا جزاكم الله خيرا
اقول ظاهر هذه المسئلة ليس له محصل ولا فائدة ويمكن ان نتكلف اثبات فائدة له فنقول اولا فرض هذه المسئلة ينبغي ان يكون في خصوص اتحاد صفتي الشيئين المفروضين كما نقول الشجاعة في السبع بالنسبة اليه والشجاعة في السنور بالنسبة اليه لا مطلق كل صفة بالنسبة الى موصوفها وان اختلفا فان كل عقار من العقاقير له صفة من الطبائع فقد يتساويان في الذات ويختلفان في الصفة مثل الترياق فانه وان كان باردا يابسا اشد من برودة الحامض ويبوسته كالليمو لكنه لا يقمع الصفراء والحامض يقمع الصفراء لان برودة الحامض يضعف حرارة الصفراء فتسكن ولا كذلك برودة الترياق وكذلك القمر والزهرة نورهما من الشمس على قول بعضهم وهو مروي عن الائمة عليهم السلام مع ان نور الزهرة جزء من سبعين جزءا من نور القمر فعلى احتمال ان نوريهما من الشمس بغير واسطة القمر للزهرة وعلى احتمال توسطه بينها وبين الشمس ونوره اقوى من نورها لا ريب ان نورها حار والحرارة اقوى من البرودة كما هو مقرر في العلم الطبيعي والنار اقوى من الماء وصفته التي هي البرودة والرطوبة ليطفي النار ولهذا روي انه اقوى منها والحاصل انه لا بد في تشييد تصحيح هذه المسئلة من اعتبار خصوص اتحاد صفتي الشيئين ثم على كل تقدير اذا قلنا بان الخارجية الكونية اقوى من الامكانية يجب وجود الفرق بين الصفتين فانه اذا كان عندك عشرة الاف تومان موجودة يكون تأثيرها في استغنائك بها اقوى من مائة الف تومان ممكنة قبل ان توجد فانها قبل ان توجد يكون تأثير فلس واحد اقوى من تأثيرها قبل وجودها بل لا تأثير لها اصلا فقد حصل الفرق بين الموجودة والممكنة ولا ريب في هذا واما ما تفرضه من جهة تصورهما فانهما في التصور متساويان في الحصول الذهني فلا فرق بينهما ح فلا معنى لجعل تصور الموجود موجودا يعني بنسبته وتصور الممكن ليس بموجود يعني بنسبته اذ لا فرق في التصور فان من اثبت الوجود الذهني اثبته فيهما ومن نفاه نفاه فيهما ومن جعله من صنع الله فكذلك ومن جعله من صنع النفس فكذلك والحاصل انه لا محصل لهذه المسئلة الا ان لكل سؤال جوابا
قال سلمه الله تعالى : ومنها قولكم الوجود بالنسبة الى الواجب والممكن ليس مشتركا معنويا ولا لفظيا لان الاشتراك وكذا العموم والخصوص وغيرها من العنوانات كلها من صفات الممكنات وما ليس فيها لا يصح اتصافه بصفاتها فالوجود المدرك في حق الواجب هو الاثبات لا غير كما قال علي عليه السلام وجوده اثباته ودليله آياته اقول وان كنت اعرف ليس فوق كلامكم كلام لانه المستنبط اما من كلام الملك العلام او ائمة الانام عليهم السلام الا ان لي فيه شبهة هي ان الاثبات فعل للمثبت واثر من آثار فعله الذي هو الحركة الايجادية ومن المعلوم ان هذا النحو من الوجود بالنسبة الى الواجب والممكن على نحو واحد فاذا قلنا الواجب موجود والممكن موجود فهما على هذا النحو من الوجود اي الاثبات متشاركان فيكون الاشتراك بهذا المعنى معنويا والقائلون بالاشتراك المعنوي لا يريدون الا هذا المعنى
اقول ان مرادنا بقولنا الوجود بالنسبة الى الواجب والممكن ليس مشتركا معنويا ولا لفظيا الخ هو المعنى والمسمى لا العنوانات الانتزاعية ليتوجه الاعتراض لفظا وانما نعني بوجود الواجب ذاته وبوجود الممكن ذاته من فعل صانعه واذا لحظت هذا المراد علمت بانه لا يصح الاشتراك المعنوي لانه يلزم من ذلك ان يجمع الواجب والممكن حقيقة واحدة ولا الاشتراك اللفظي لان اقله ان يكون الممكن سميا للواجب فيما يراد منه الذات والعقل يمنع منه والقرءان ناطق بنفيه قال تعالى هل تعلم له سميا وهذا ظاهر ومن توهم ان المراد بذلك الوجود الامر الانتزاعي اعترض بما شاء ولو عرف الامر الواقع على احتمال ارادة الامر الانتزاعي ايضا لم يتوجه له اعتراض لان المتخيل ان اريد به مطلق التسمية بمعنى مطلق الثبوت فلا محذور في اطلاق الاشتراك معنى لان مطلق ذلك انه غير عدم وهذا شيء واحد بالنسبة في النسبة الى الواجب والممكن فهو اشتراك معنوي يدل عليه لفظ الوجود بوضع واحد وهذا معنى محدث مدرك لان التكليف انما جرى على ما يعرف المكلف ويفهم ولا يجوز ان يجري على غير ما لا يفهم ويراد منه من ذلك ما يفهم وهو لا يفهم الا ما كان من نظائره وان اريد به مطلق ما يفهم من اللفظ مع قطع الالتفات الى المصداق فكذلك وان اريد به العنوان الذي هو الدليل على المعنون والاية على معرفته اختلف المفهومان اختلافا هو عدم المشابهة اعني عدم المطابقة وعدم المفارقة لان ما يقال لله سبحانه يعرف به وما يقال للعبد يعرف به وما يعرف به الرب عز وجل لا يقال للعبد بوجه وذلك كالذي يظهر من معرفة النفس المرادة في الحديث فانه لا يشابهه شيء من احوال الخلق والا لماعرف الله به فلا يصح هنا ان يقال بالاشراك الا من باب التسمية كما مر لان الاشتراك ان كان هو المعنوي امتنع لان ما لعنوان الواجب عز وجل هو الجلال والنور بعد كشف جميع السبحات حتى الاشارة والكيف ولم يبق الا نور الله واثر الله وآية الله واما ما للممكن فهي الحدود والمشخصات والمميزات وهي محدودة مقهورة بقيودها فاذا استعمل اللفظ للاول فعلى ما هو الصحيح من ان بين الالفاظ وبين معانيها مناسبة ذاتية بمعنى ان مادة اللفظ تدل على مادة معناه بما بينهما من المشابهة في الصفات الذاتية لما تقرر في محله ان الحروف فيها ما في الاكوان من التوالد والتناكح والتساوي والتواخي والتعادي والمنافرة والمخالفة والمصادقة والتباغض والتحابب والقوة والضعف واستخدام بعضها لبعض وغير ذلك من جميع ما يوجد في العالم التكويني فانه يوجد في التدويني وان هيئة اللفظ تدل على هيئة معناه بما بينهما من المشابهة من الشخصية او النوعية لم يكن ما يوضع لاية الواجب تعالى التي بها يعرف يصلح لغيره والا لشاركه في النوع او الشخص ولو شارك ما للواجب من العنوان الذي به يعرف ما للخلق في النوع او الشخص لكان تعالى يعرف بخلقه ومن عرف بشيء من الخلق فهو من الخلق وهذا ظاهر كما بيناه في بعض رسائلنا ومباحثاتنا وعلى قول المشهور من انه ليس بين الالفاظ وبين المعاني مناسبة وانما المخصص ارادة الواضع فلا بد ان يتصور الواضع الموضوع له في ذهنه ثم يؤلف بازائه لفظا سواء كان الموضوع له كليا او جزئيا وتصور ما للواجب من العنوان الذي هو دليل معرفته وآيته التي يستدل بها عليه غير ممكن والا لعرف تعالى بالتصور فاذا لم يمكن تصوره لم يمكن وضع لفظ بازائه فلا يصح الاشتراك لا لفظا ولا معنى لان ذلك فرع التصور على الوجه المشهور وفرع المناسبة على الوجه الصحيح وهو سبحانه وتعالى لا يعرف بالتصور ولا بالمناسبة فلا يصح شيء من ذلك الا على جهة مطلق التسمية للتفهم والتفهيم على نحو ما اشرنا اليه سابقا وان اختلفت جهتا التسمية مثل لفظ واحد يوصف به الواجب تعالى من جهة انه واحدي المعنى لا كثرة فيه في حال من الاحوال ويوصف به الانسان من جهة انه ليس باثنين مع تكثر ذاته واختلاف احواله وتعدد صفاته واختلافها فاذا تفهمت ما ذكرنا ظهر لك ان القائلين بالاشتراك لا يريدون ما اشرنا اليه وانما يريدون ما استنبطوه من القضايا الحمليات التي لا تفيد شيئا من الحق فيما نحن بصدده فيقولون الله موجود وزيد موجود فصناعتهم في اللفظ ولو رجعوا الى المعنى بطل رأيهم اصلا وصار حملهم سقطا وقول امير المؤمنين صلوات الله عليه وجوده اثباته يريد ان جميع الخلائق لا يجدون من وجوده الا اثباتهم وجوده في قلوبهم بان يعتقدوا ان لهم الها موجودا وهذا الوجود الذي حصلوه ليس هو وجوده الحق لان وجوده الحق هو ذاته وهم ماحصلوا ذاته وانما حصلوا ما يعرفون من ان الوجود الذي وجدوه هو المعبر عنه باللغة الفارسية بهستي وهو المسمى عند القوم بالكون في الاعيان والوجود المفقهود (كذا) هو ما به الكون في الاعيان ووجود الحوادث تحيرت في معرفته افهام العلماء وتاهت في تعقله احلام الحكماء مع انه اظهر من كل شيء بل لم يكن شيء ظاهرا فيها غيره الا بالتبع لانه في الحقيقة هو مادة الاشياء فوجود كل شيء مادته وماهيته صورته مثلا السرير شيء موجود له وجود وماهية فوجوده الخشب وماهيته الهيئة المخصوصة وهذا المعنى لا يعرفه الا من نور الله قلبه بانوار كلمات اهل العصمة عليهم السلام فانه صريح في كلامهم وهم يقرؤنه ولا يفهمونه قال الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ثم استشهد بقول جده امير المؤمنين عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ثم فسره عليه السلام فقال يعني من نوره الذي خلق منه ه وهذا صريح بان الوجود هو الذي خلق منه وهو نور الله والذي خلق منه هو مادته كما تقول خلق الانسان من تراب وهو مادته وهو الوجود وهو الذي به الكون في الاعيان فاعمي ابصارهم ظهوره عن ادراكه فلا يتوهم ان الوجود هو المادة كالتراب بل هو هو فلما تنزل ولبس الصور الجنسية والنوعية والشخصية تجسد فلما تجسد لطيفه وجمد مايعه خفي عليهم حتى ان بعضهم جعله من المفاهيم وبعضهم جعله اعتباريا لا تحقق له
ولو قلدوا الموصى اليه امورهم لزمت بمأمون عن العثرات
قال سلمه الله : ضرورة ان المفهوم من الوجود امر انتزاعي عقلي كيف يكون عينا في الواجب او في الممكن قال الفاضل الشيرازي في شرحه لاصول الكافي في باب حدوث الاسماء الموجود الصرف هو الذي لا يتعلق وجوده بغيره ولا يتقيد بقيد وهو المسمى عند العرفاء بالهوية الغيبية والغيب المطلق والذات الاحدية وهو الذي لا اسم له ولا نعت ولا تصل اليه معرفة ولا عقل ولا وهم اذ كل ما له اسم ورسم فهو مفهوم من المفهومات الموجودة في العقل او الوهم وكل ما يتعلق به معرفة وادراك فله اشتراك وارتباط بغيره والاول ليس كذلك لكونه قبل جميع الاشياء ولا يقبل الاشتراك فهو الغيب المحض والمجهول المطلق الا من قبيل اثاره ولوازمه انتهى
اقول قد تقدم التنبيه على ان الوجودات الذهنية انتزاعية فهي اظلة للخارجية الا ان ظل كل شيء يشابه صفة مؤثره من جهة الظهور به والتأثير فيه فلا يكون ما انتزعه الذهن من عنوان الواجب الذي هو مقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان موافقا لما انتزعه من غيره والا لعرف بذلك الغير فاذا اختلفا المنتزعان هذا الاختلاف العظيم امتنع الاشتراك بمعنييه وما ذكره عن الملا صدرا من شرح اصول الكافي ففيه ان طريقته ومذهبه انه لا يستشهد بها على ما نقرر ولا يعترض بها لان طريقته طريقة اهل التصوف وهو يقتدي بقولهم واعتقادهم ونحن مذهبنا مذهب ائمتنا اهل العصمة عليهم السلام وهو الدين الذي اقر عليه رسول الله صلى الله عليه واله اهل الاسلام وبيننا بون بعيد على ان الذي ذكره لم يكن منافيا لما قررنا الا في مسئلتين احديهما قوله « اذ كل ما له اسم ورسم فهو مفهوم من المفهومات الموجودة في العقل او الوهم » فانه هو بل جسمه له اسم ورسم وليس من المفهومات الموجودة في العقل او الوهم وانما ذلك مختص بالانتزاعيات الظلية لا غير وتعميمه ليس بشيء وتوجيه كلامه على مقصده باطل ايضا ولا فائدة في ذكره وثانيتهما قوله « الا من قبيل اثاره ولوازمه » فانه يشير الى ان حدوث الاشياء عنه بالظل او بالسنخ وكلا الامرين باطل وقوله « ولوازمه » يشعر بالظل والايجاب وقوله بوحدة الوجود في سائر كتبه يشعر بالسنخ فذرهم وما يفترون
قال ايده الله : فان قلتم السبب في ذلك ان الوجود في الممكنات لما كان له مثل ونظير وشبيه بخلافه في الواجب فلا يكون بمعنى واحد ولو بمعنى الاثبات مشتركا بينهما قلت كل هذه من لواحق الماهيات وتوابعها فالوجود هو نور الله خلقه لا من شيء ولا لشيء عائد اليه وجعله اية لمعرفته فهو بريء من هذه الحدود والتعينات فاذا لا فرق بينهما الا في الوجوب والامكان والفقر والغني وهذا لا يقدح في الاشتراك معنى بالمعنى الذي اشرنا اليه
اقول وجود النظير والشبيه امر ذاتي لانه معنى الجنسية والنوعية و يمكن له الدخول تحت الاحاطة والادراك وعدم النظير والشبيه موجب لعدم الاحاطة به والادراك له وهو الوجوب البحت وهو لا يقبل نسبة ما والقول بالاشتراك مطلقا اثبات نسبة وحال طارية لم تكن في الازل فاثباتها اثبات اختلاف الاحوال الممتنع من الازل وانما النسب والعلوم الاشراقية المتجددة بوجود المنسوب احوال طارئة عن افعاله تعالى منتهية اليها حادثة بها وذاته القدسية عز وجل عن الافعال وعن آثارها فان الاشتراك مثلا انما حصل بعد حصول الوجود المحدث بفعله فكيف يجري عليه ما هو اجراه ولم يرد بالوجوب والغني وبالامكان والفقر مجرد الالفاظ ليقال ان هذا لا يقدح في الاشتراك بل يريد بالوجوب والغني هذا المعنى الذي لا يجامع مطلق الاشتراك معنى ولفظا لان هذه اشياء خلقها واجريها على خلقه ليستدل بذلك على انها لا تجري عليه فافهم
قال سلمه الله تعالى : على انا نقول يجوز ان يكون الاشتراك لفظيا ايضا بمعنى ان الذي نعبر عنه بالوجود بلا عبارة ولا عنوان في الواجب غيره في الممكن ضرورة ان ما لا عبارة له هو الغني المطلق بلا هوية ولا اشارة وهذه الصفات وان كانت جارية في وجودات الممكنات الا انها ذوات محدثة لا من شيء خلقها الله تعالى اية لمعرفته فهما مع كونهما متمايزين بالفقر والغني متشاركان في عنوان الوجود فيصح الاشتراك لفظا كما يصح معنى
اقول لا يجوز الاشتراك لفظا كما لا يصح معنى لما قلنا من ان الاستعمال فرع الوضع والوضع مسبوق بالتصور اما للوضع بازائه او لاجل انشاء المناسبة بين اللفظ والمعنى كما تقدم واما جعله تعالى للوجودات الحادثة آية لمعرفته فانه جعلها اية استدلال عليه لا اية تكشف له فهي آية لمعرفته من جهة ما يمكن للمخلوق من ذلك وهو في الحدوث ولذا قال الرضا عليه السلام واسماؤه تعبير وصفاته تفهيم يعني انه سمى نفسه لهم ووصفها بما يفهمون ويقدرون على التعبير عنه والكل من صقع الامكان فاين الاشتراك بمالك الملاك ومسخر الافلاك سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا
قال ايده الله تعالى : ولا ادري اي سر في العدول عنه بقسميه في الواجب والممكن واثباته في المطلق والمقيد لفظا وفي المقيدات معنى مع اني لااجد الفرق في ذلك لا بين الواجب والممكن ولا بين المطلق والمقيد ولا بين المقيدات ايضا على ان ما يرد هو مشترك الورود ضرورة انا لا نقدر على ادراك المطلق كما لا نقدر على ادراك الوجود في بعض المقيدات لان ما يدرك من العقل الكل مثلا فهو من حروف ذات المدرك لان الشيء لا يدرك ما وراء مبدئه فعلى هذا لا يصح الاشتراك لا لفظا ولا معنى لا في الواجب والممكن ولا في المطلق والمقيد ولا في المقيدات ايضا فما السر في الاثبات بعد النفي بينوا لنا حقيقة الامر لاني عطشان منتظر والانتظار اشد من الموت
اقول قد بينا ان السر في ذلك امتناع الشركة للواجب بما يرجع الى الذات مع الممكن في جميع الاحوال وهذا منها ومن قال به فانما جوزه لانه توهم الذات عز وجل فاجاز الاشتراك بين المتوهم والممكن المعلوم واما من رفع مقام الازل عن كل شيء لزمه تنزيهه عن ذلك لان الاشتراك من نقائص الصفات تعالى الله عن ذلك وانما قلنا بجواز اللفظي في المطلق مع الممكن لان فعله تعالى وان لم يكن مدركا لنا لكنا نعرف منه جهات تعلقه بالمفعولات مع انه من المحدثات ايضا وان حدثت به الاشياء ولاجل هذه الملايمة الظاهرة جوزنا اللفظي واما في المقيدات فالاشتراك المعنوي فيها صحيح لاشتراكها في حقيقة واحدة فجاز وضع لفظ الوجود عليها بوضع واحد لاتحادها في الحقيقة وان كان اعتبار التشكيك فيها على الصحيح انما هو باعتبار مراتبه لا افراده لانه ليس رتبة واحدة بل خلق الله وجودا لخير خلقه محمد واله صلى الله عليهم اجمعين لم يشاركهم احد من الخلق في ذلك ثم خلق من شعاع ذلك حقيقة لشيعتهم لم يشاركهم احد من الخلق فيها غير الانبياء ثم خلق من شعاع ذلك حقيقة للملائكة ثم خلق من شعاع ذلك حقيقة للحيوان ثم النبات ثم المعدن مثلا فالتشكيك انما هو بين مراتبه لا بين افراد المرتبة وقوله ( مع اني لا اجد الفرق فيه ) ان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود وقوله ( ضرورة انا لا نقدر على ادراك المطلق كما لا نقدر على ادراك الوجود في المقيدات ) ليس بمتجه لانا نقدر على ادراك الوجود المقيد كما اشرنا اليه سابقا والقوم توهموا اشياء بنوا عليه علمهم وهو على غير اساس وهو سلمه الله تبعهم وقوله ( لان ما يدرك من العقل الكل مثلا فهو من حروف ذات المدرك ) لا ربط له بما نحن فيه وعلى فرض انه اراد ان ما يدركه من الوجود هو اجزاء ذات المدرك بناء على ان الوجود غير متحقق في الخارج كما توهمه بعضهم فلا معنى له لان هذه من وساوسهم لان زيدا الذي يذهب ويجيء ويأكل ويشرب وجوده امر ذهني انتزاعي هذا مما ينبغي الاعراض عنه ويجعل في زاوية الخمول واما وجه الاثبات بعد النفي فهو ان نفى الاشتراك مطلقا انما هو في الوجود الذي هو الذات واما الاثبات ففي الاثار والمصنوعات وهذا بحمد الله ظاهر وباقي كلامه اعلى الله مقامه ليس فيه ما يراد منه الجواب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين
وكتب العبد المسكين احمد بن زين الدين في التاسع من شهر رجب سنة ثلاثين ومائتين بعد الالف من الهجرة النبوية على مهاجرها واله افضل الصلوة والسلام حامدا مصليا مستغفرا