جواب الملا محمد الدامغاني (بطلان فكرة بسيط الحقيقة)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الملا محمد الدامغاني (بطلان فكرة بسيط الحقيقة)

رسالة في جواب الملا محمد الدامغاني

في بطلان عبارة "بسيط الحقيقة كل الاشياء"

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني – الصفحة 382
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

شيخنا الأعظم ومطاعنا الأفخم أقل الخليقة محمد دامغاني العمرواني يلتمس من جنابك ويستدعي من خدام بابك
• الإستكشاف عن كيفية معنى بسيط الحقيقة كل الأشياء وما هو الحق فيه عندكم؟ فإن أقاويل العلماء فيه مختلفة والإشكالات الواردة على كل قول منها متكثرة

مولانا أنا مسافر ولكل مسافر زاد وراحلة فاجعل زادي وراحلتي تحقيق هذه المسألة وكتابتها بخطك الشريف في هذه الوريقة وأكرم ان الله يحب المكرمين
• مولانا هل يجوز أن يكون هذا الكلام من قبيل الوحدة في الكثرة؟ أو الكثرة في الوحدة بنحو الأشرف أو من قبيل زيد كل الرجال أم لا؟
• وهل يكون اعتقاد هذا الكلام سببا لدخول النيران أم لا؟
• وهل يجوز توجيهه بتوجيهات البعيدة أم لم‌ يكن قابلا للتوجيه؟
• وهل تكون هذه القضية موجبة كلية أم جزئية؟ أم تكون مهملة؟

بينوا لنا - أجركم على الله تعالى - مقتدانا جنابكم كتبتم في هذه المسألة ولكن على نحو الإجمال والخصم لا يرضى به كما هو ظاهر الحال برهنوا عليها حقيقة الحال كما هو دأب أرباب العقل والكمال وإن كانت كثرة العلايق والعوايق مانعة عن بيان حقيقتها مولانا عبدكم ما يرضي بالجواب القولي لأن لخطكم حسن ولقولكم حسن آخر والجمع أكمل والأمر منكم والسلام على من اتبع الهدى

بسم الله الرحمن الرحيم

ألحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

أما بعد فيقول العبد المسكين أحمد بن زين ‌الدين الهجري الإحسائي : أنه قد سألني الأكرم الممجد جناب الأخوند الملا محمد الدامغاني - بلغه الله جميع الأماني- عن مسألة اشتهرت في هذا الزمان بين العلماء الأعيان والحكماء أولي الأفهام والأذهان حتى كان القول بها عندهم رأس الاعتقاد وفهمها لديهم غاية المطلوب والمراد وهي على طريقة أهل البيت - عليهم السلام - ظاهرة الفساد عادلة عن طريق الحق والسداد وهي قولهم بسيط الحقيقة كل الأشياء فسألني عن دليلهم عليها وعن دليل بطلانها وما حال المعتقد لها بين البيان وما مفاد هذه القضية فأجبته على تشتت البال وكثرة الاشتغال بتقلب الأحوال وإلى الله سبحانه المرجع والمآل

[ معنى "بسيط الحقيقة كل الاشياء" عندكم ]
قال – سلمه الله تعالى – في كلامه عن كيفية معنى بسيط الحقيقة كل الأشياء : وما هو الحق فيه عندكم؟ فإن أقاويل العلماء فيه مختلفة والإشكالات الواردة على كل قول منها متكثرة الخ
أقول : اعلم أن هذه المسألة أصلها باطل لأن مبناه على الأوهام والتخيلات بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ولقد سألت بعض الفضلاء القائلين بها فقلت له : من بسيط الحقيقة؟

قال : هو ذات الله تعالى

واعلم أن الملا صدرا الشيرازي من القائلين بها وقد ذكر في المشاعر أصل دليل هذه المسألة وأنا أورده بلفظه بتمامه :

قال : مشعر في أن واجب الوجود مرجع كل الأمور

اعلم أن الواجب بسيط الحقيقة وكل بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الأمور لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحاط بها إلا ما هو من باب الأعدام والنقائص فإنك إذا فرضت بسيطا هو "ج" وقلت : "ج" ليس "ب" فحيثية أنه "ج" إن كانت بعينها حيثية أنه ليس "ب" حتى تكون ذاته بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الإيجاب والسلب شيئا واحدا ولزم أن يكون من عقل الإنسان مثلا ليس بفرس أن يكون نفس عقله الإنسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك

فظهر وتحقق ان موضع الجيمية مغاير لموضع أنه ليس "ب" ولو بحسب الذهن

فعلم أن كل موجود سلب عنه أمر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا وجهة هو بها ليس كذا فبعكس النقيض كل بسيط الحقيقة هو كل الأشياء فاحتفظ بهذا إذا كنت من أهله" انتهى

وقال في أول الكتاب في ذكر ما يتوقف عليه أي : على معرفة الوجود - إلى أن قال : "ومسألة أن البسيط كالعقل وما فوقه كل الموجودات الخ"

والحاصل أن مذهبه ومذهب كثير منهم متفق على أن البسيط يكون هو كل من دونه وكل من معه ونحن نتكلم على دليلهم على هذه الدعوى

قوله : "إذا فرضت بسيطا هو "ج" مثلا وقلت : "ج" ليس "ب" فحيثية أنه "ج" إن كانت بعينها حيثية أنه ليس "ب" فيه أن حيثية "ج" ليست حيثية أنه ليس "ب"

أما أولا : فلأن المفروض أن هذا البسيط بسيط مطلق من كل جهة واعتبار حيثية تنسب إليه باطل لأن الحيثية جهة التمييز وهي غير الذات في نفس الأمر وفي الفهوم ومطلق التغاير والاختلاف لا يجري على البسيط المطلق ولا على ما ينسب إليه ويوصف به

وأما ثانيا : فلأن حيثية أنه "ج" إثبات وحيثية أنه ليس "ب" نفي ولا يجتمعان في أنفسهما ولا في غيرهما إلا مع فرض تجزئته واختلاف جهته على أن مسمى الإثبات موجود ومسمى النفي مفقود فلا يسمى بهما واحد

وما ورد في ذكر الصفات السلبية فليست في الحقيقة صفات له تعالى وإنما هي صفات تنزيه يؤتى بها لنفي الغير لا لإثبات صفة له فإن كل ما ليس ذاته فهو محدود بالنفي والتشبيه كما قال الرضا - عليه السلام : كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه

فكلامه في الظاهر مطابق لما قلنا لأنه أبطل أن يكون البسيط مركبا من الموافق والمنافي ولهذا قال : "فيكون الإيجاب والسلب شيئا واحدا ولزم أن يكون من عقل الإنسان ليس بفرس أن يكون نفس عقله الإنسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل والملزوم كذلك فظهر وتحقق أن موضع الجيمية مغاير لموضع أنه ليس "ب" ولو بحسب الذهن" وهذا الكلام موافق بحسب الظاهر لكن في الحقيقة هذا غير موافق لأنه يفرض حصول البسيط مع الغير في صقع واحد

والحاصل مع الغير لا يكون بسيطا مطلقا بل إضافيا والإضافي إنما يسلب عنه المغاير الذي لم ‌يتقوم به وأما ما يتقوم به فلا يسلب عنه لأنه سلب لكنهه ومرادنا أن البسيط الذي يفرض معه ما يصح سلبه عنه هو الإضافي بمعنى أنه محصور في غير ما يسلب عنه فيتحدد بسلب الغير

وأما البسيط المطلق فلا يمكن فيه ذلك الفرض وليس امتناع ذلك الفرض لئلا تتركب ذاته بل ليس معه في صقعه غيره لا في الخارج ولا في الذهن ولا يصح الفرض والإمكان والاحتمال والتجويز لأنها كلها في الإمكان ليس في الأزل منها شي‌ء ولو كان الغير والسوي حصصا من البسيط ميزت بالحدود لكانت إذا أزيلت الحدود اتحدت بكلها أو كليها كما هو مبنى اعتقاد القوم في هذه المسألة على هذا ولهذا يقولون كل الأشياء يعني أن البسيط إذا أزيلت حدود الأشياء المنسوبة إليه أي أزيلت عنها حين النسبة حدودها كان هو كلها فالأشياء أشياء بحدودها والبسيط كل بلا حدود وذلك كالمداد الذي كتبت منه هذه الحروف إذا أزيل عنها حدودها اجتمعت مدادا بسيطا كما هو شأن المواد الكلية وهذا مذهب الصوفية القائلين بأن الوجود شي‌ء واحد بسيط لا كثرة فيه والأشياء المتكثرة كلها مركبة من وجود هو الواجب تعالى ومن ماهية هي الحدود الموهومة

وقول هؤلاء هو قول أولئك بلا اختلاف لا في اللفظ ولا في المعنى

فقوله : "فعلم أن كل موجود سلب عنه أمر وجودي فليس هو بسيط الحقيقة" فيه ما قلنا فإن قوله "سلب عنه" إذا فرض كونه بإزائه في صقعه وناحيته بل أقول سلب عنه أمر وجودي أو عدمي لأن السلب فرع الإيجاب والثبوت ولو لم ‌يفرض شي‌ء مطلقا لما جاز فرض السلب ولا إمكانه واحتماله وتجويزه وكل شي‌ء فرض عنه السلب أو جوز أو احتمل ذهنا أو خارجا فهو حادث مركب من جهة هي وجهه من فعل صانعه ومن جهة هي إنيته وقابليته لا يمكن أن يكون حادث بدون هاتين الجهتين

فقوله : "فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا وجهة هو بها ليس كذا" وأنا أقول بل ذاته مركبة من أربع جهات جهة من ربه وجهة من نفسه وجهة هي أنه وحده وهي جهة بها هو كذا كما قال وجهة هو أنه ليس غيره وهي جهة هو بها ليس كذا فهو مركب من أربع : جهة أنه أثر فعل الله وجهة أنه هو وجهة أنه وحده وجهة أنه ليس غيره

فهذه العبارة بيان الأولى فقوله : فبعكس النقيض وهو عكس نقيض كل موجود سلب عنه أمر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة وهو على طريقة القدماء وهي أن تجعل نقيض التالي أولا ونقيض الأول ثانيا فنقيض التالي بسيط الحقيقة مصدرا بكلمة كل لأنها سور الموجبة الكلية ونقيض الأول موجود لا يسلب عنه أمر وجودي

فعكس النقيض هكذا كل بسيط الحقيقة موجود لا يسلب عنه أمر وجودي فلما كان في عكس النقيض يكون عكس السالبة الجزئية مثل ليس بسيط الحقيقة موجبة كلية كان عكسها كل بسيط الحقيقة وعكس الموجبة الكلية مثل كل موجود سلب عنه أمر وجودي سالبة جزئية كان عكسها موجود لا يسلب عنه أمر وجودي والمعقودة منهما كل بسيط الحقيقة موجود لا يسلب عنه أمر وجودي

فحكموا بأن كل شي‌ء هو بسيط الحقيقة كالعقل الكلي وما فوقه كالواجب تعالى موجود لا يسلب عنه أمر وجودي

فهذا وجه دليلهم وقد ذكرنا في كثير من رسائلنا وفي كثير من مباحثاتنا بأن دليل المجادلة بالتي هي أحسن مثل هذا الاستدلال لا يعرف به الله سبحانه لأنه مبني على دلالات الألفاظ بما يفهمونه بأفهامهم القاصرة وعلى المفاهيم الاصطلاحية بما أدركته عقولهم الحاسرة والاعتماد في معرفة المعارف الإلهية والحقائق الربانية على أمثال هذه تجارة خاسرة وإنما الاعتماد في معرفة تلك الأسرار الخفية والحقائق الغيبية على دليل الحكمة الذي بصره بنور الفؤاد الذي هو نور الله في العباد وهو التوسم الكاشف للحجب الشداد

[ بيان فساد ما قالوا في معنى بسيط الحقيقة ]
وبيان فساد ما قالوا وحل ما عقدوا من هذه المقدمة بدليل الحكمة الذي يوصل إلى نور العلم بالعيان لا بالخبر هو أن نقول أن حكمهم بهذه الكلية هل هو صناعي أم عياني؟ فإن كان صناعيا وهو ينطبق على الأمر الواقعي القطعي العياني فهو حق وإلا فلا فإن قولك فيه لو سألتك عنه أنا أقطع بثبوت مدلوله الذي هو المدعي فأنا أقول لك العقل الكلي بسيط مطلق أم إضافي؟

فإن قلت إضافي لم‌ تصح فيه دعواك لأنه مركب بالنسبة إلى ما فوقه

وإن قلت إنه بسيط حقيقي

قلت لك فهو إذا ليس بمخلوق لأن المخلوق قد قام على تركيبه الدليل نقلا وعقلا

أما النقل فما في آية النور وقد ذكر لكثير من المفسرين بأن قوله تعالى : مثل نوره هو العقل الكلي وظنى أن ممن ذكر هذا الملا صدرا في رسالته في تفسير هذه الآية الشريفة وفيها : يوقد من شجرة مباركة إلى أن قال : يكاد زيتها يضي‌ء ولو لم‌ تمسسه نار فأخبر بأنه من دهن ونار

وقول الرضا – عليه السلام – أن الله سبحانه : لم ‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي أراد من الدلالة عليه والأخبار مشحونة بما يدل على ذلك

وأما العقل فقد اتفقت كلمة الحكماء على أن كل مخلوق لا بد وأن يكون له إعتبار من ربه وإعتبار من نفسه فإذا لم‌ يكن بسيطا في حقيقته فما معنى كونه كل الأشياء مما دونه لأني إنما قلت بأن دليل المجادلة بالتي هي أحسن لا يعلم منه المعرفة الحقيقية لمثل هذا بأن بنوا على أنه بسيط وهو مركب وأخذوا الحكم ببساطته من الأوهام وظواهر الحمليات والمفاهيم الوهمية مثل هذا فلما نظروا بأنه ليس له صورة كصورة النفس حكموا ببساطته من غير تدبر ومشوا حكم البساطة باعتبار مدلولها اللفظي بأن ساووا به ذات الحق تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا كما ساووا في حقيقة الوجود بين الحق تعالى وبين الخلق لأنه تعالى موجود بالمعنى البسيط المعبر عنه بالفارسية "بهست" والموجودات كلها موجودة بهذا المعنى فصح في الكل الاشتراك المعنوي ومفاده التساوي في حقيقة الذات وفرعوا على هذا كلمات الكفر والجحود نعوذ بالله من سخط الله

وأما ذات الله عز وجل وله المثل الأعلى فهو بسيط الحقيقة بكل معنى أما نحن فنقول هكذا ونحن صادقون وأما أولئك إذا قالوا بأنه تعالى بسيط الحقيقة فالله يعلم أنه عز وجل بسيط الحقيقة والله يشهد أنهم لكاذبون كيف يكونون عند الله صادقين وهم يقولون بأن حقائق الأشياء فيه وأن العالم كامن في ذاته متأهل للكون ولقبوله عند ورود "كن" عليه من الله تعالى فهو كامن معدوم العين موجود بالقوة فإذا ورد عليه الأمر من الله سبحانه كان كائنا موجودا بالفعل وما بالقوة هو المكون لما بالفعل إلا إنه بالله تعالى وهم أيضا يقولون بأنه كل الأشياء والكل للأشياء إنما تنسب إليه بتحققها فلو لم‌ تكن متحققة هناك لما كان كلها وهي لا شي‌ء لأنه لو كان كذلك للزمهم ما نفوه سابقا لأنهم إن كانوا هناك وهو يعلم أنه عنده غيره فما أكثر القدماء عند هؤلاء الجماعة وإن لم ‌يكونوا عنده بل كانوا لا شي‌ء بمعنى أنه تعالى يعلم أنه لا شي‌ء غيره وليس معه غيره كان قولهم بسيط الحقيقة كل الأشياء مفاده بسيط الحقيقة كل لا شي‌ء فيكون قد اثبتوا ما نفوا فيكون مركبا من شي‌ء ولا شي‌ء وهم أيضا يقولون أن حقائق الأشياء صور علمية غير مجعولة فإن كانت في الأزل فليس بسيط الحقيقة وإن كانت خارجة عن الأزل فهي حادثة والخيار لهم إن شاؤا أن يقولوا هو خلقها أو هي خلقت نفسها أو لها رب غيره خلقها سبحانه سبحانه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا

[ شرح معنى بسيط الحقيقة كل الاشياء بدليل الحكمة ]
وهذا معنى جوابنا بدليل الحكمة وشرحه أن نقول إما أنه بسيط الحقيقة فحق لا شك فيه أنه أحدي المعنى أحدي الذات في نفس الأمر وفي الخارج وفي الذهن لا يمكن أن يتصور خلاف ذلك ولا يحتمل ولا يمكن بفرض ولا وهم ولا توهم لا إله إلا هو

وأما أنه كل الأشياء فهذا باطل حيث لا شي‌ء فإذا كان في الأزل الذي هو ذاته الحق واحدا أحدا صمدا لا شي‌ء غيره ولا شي‌ء معه والأشياء التي جعلتموها ابعاضه وقلتم هو كلها لا ذكر لها ولا وجود ولا تحقق إلا في الإمكان وهو خارج الذات فكيف يكون كلها وليست معه وليس هو في الإمكان معها بذاته فهي في رتبة ذاته بكل اعتبار لا شي‌ء فهو إذا كل لا شي‌ء ذلك ما كنت منه تحيد

وإنما يجوز أن يقال أنه كل الأشياء لو اجتمعت معه في صقع واحد وجاز أن لا تسلبها من حقيقته وأنها غيره ليصح قول كل

فمعنى قولنا أن كلامهم مبني على الأوهام إنهم لما فهموا بأن النفي عن الشي‌ء لو اعتبر في مفهومه لزم التركيب وإذا كان التركيب لازما للحدوث كان بسيط الحقيقة فإذا كان إعتبار نفيها عنه يستلزم تركيب مفهومه كان عدم اعتبار النفي مستلزما للبساطة ويلزمه الاتحاد به ولم‌ يفهموا أن مقدمتهم تستلزم عدم البساطة هكذا بسيط الحقيقة موجود لا يسلب عنه أمر وجودي

فبسيط الحقيقة موجود مقيد بعدم السلب فليس بسيطا بل مركب لأنها مثل الأخرى المنفية فهذه موجود لا يسلب عنه غيره وتلك موجود سلب عنه غيره

فنفي السلب إن لوحظ فيه نفس النفي كان سلبا بحكم السلب وإن لوحظ فيه نفي النفي كان إيجابا وهذا الإيجاب ضد ذلك النفي فهو خارج عن حقيقة الذات كخروج ضده الذي هو النفي عنها

وإن أردت بنفي السلب عدم التقييد كان المعنى بسيط الحقيقة موجود وهذا حكم صحيح وقضية صادقة ولكنهم يريدون بنفي السلب في قولهم موجود لا يسلب عنه أنه مقيد بذلك ليثبت لهم دخول الأشياء فيه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا

فيكون هكذا بسيط الحقيقة موجود موصوف بعدم نفي الأشياء الموجودة عنه لا مطلقا فلا يكون موجودا بسيطا بل موجود مركب من وجود ومن عدم سلب كل شي‌ء عنه

فالقضية التي نفوا في المثال هي كون حقيقة مفهوم "ج" مركبا من مفهوم "ج" وسلب "ب" عنه لاستلزامه التركيب والتي اثبتوا هي كون مفهوم "ج" مثلا مركبا من مفهوم "ج" وسلب "ب" وسلب "د" وسلب "هـ"‍ وسلب وإلى آخر الحروف

ما أدري كيف حال هذا البسيط وأظنه مشتقا من البسط والتكسير

والحاصل أن مختصر ما يقال عليهم أن كون الشي‌ء كل الأشياء لا يكون إلا مع حضور الأشياء في رتبة كل إن كان معناه كل الأشياء بذاته فالأشياء في ذاته وإن كان بعلمه فالأشياء في علمه وإن كان بتسلطه فالأشياء في تسلطه

وأما بطلان دليلهم بأنه لو لم‌ يكن كذلك لزم التركيب فتأمل في ما قلنا فإنه إذا قالوا بهذا لزم تركيب متكرر متكثر لأن قولهم موجود لا يسلب عنه ان أرادوا به تقييد موجود بلا يسلب عنه لزم التركيب الكثير وإن أرادوا عدم التقييد بطل عكس نقيضهم وبطلت دعواهم وإن أرادوا به الإثبات فهو تقييد أفحش من النفي على أن النفي والإثبات إنما يصح ذلك إذا كان المنفي والمثبت موجودين في موضع النفي والإثبات خارجا أو ذهنا فرضا أو إمكانا وتجويزا وتوهما بكل إعتبار

وإنما كررت العبارة للتفهيم والتقرير لكل ذي قلب سليم

[ هل بسيط الحقيقة داخل تحت الوحدة أم الكثرة ؟ ]
قال سلمه الله تعالى : مولانا هل يجوز أن يكون هذا الكلام من قبيل الوحدة في الكثرة أو الكثرة في الوحدة بنحو الأشرف أو من قبيل زيد كل الرجال أم لا؟
أقول : نعم هذا الكلام أصل لدعوى مشاهدة الوحدة في الكثرة أي مشاهدة الحق في الخلق أو الذات في الأسماء والصفات والكثرة في الوحدة أي مشاهدة الخلق أو الأسماء والصفات في الحق مع اضمحلال الكثرات في العين الواحدة كما يقول هؤلاء بنحو أشرف يعني أن الأشياء عندهم في ذاته تعالى بحقائقها بنحو أشرف مثل كمون النار في الحجر فإنها إذا حكت بالزناد ظهر مثال ذلك الكامن وذلك الكامن هو الوجه الباقي للأشياء فإنه لا يفارق الحجر وهو بنحو أشرف وهذا بعينه هوى الذي نفاه محمد بن علي الباقر – عليهما السلام – في تفسير : لم ‌يلد وذكر منها ظهور النار من الحجر بحك الزناد تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا

وليس ذلك من قبيل زيد كل الرجال لأنك إذا قلت زيد كل الرجال تريد أنه محتو على كمالاتهم بمعنى أن عنده من الكمالات وحده بقدر ما عندهم وليس المعنى أن كل كمالاتهم مكتسبة من كمالاته أفاضها عليهم وابرزها إليهم ليكون كما يقولون هؤلاء في حق الله تعالى لأن هؤلاء يقولون كل شي‌ء في ذات الله تعالى ويبرز منه مثاله في الإمكان وهو المخلوق

ومثاله كالنار التي في الحجر فإن البارز بالحك مثلها والكامن في الحجر نار بنحو أشرف

[ هل كل من اعتقد بأن بسيط الحقيقة كل الاشياء يدخل النار ؟ ]
قال : وهل يكون هذا الاعتقاد سببا لدخول النيران أم لا؟
أقول : المستفاد من أخبار أهل البيت – عليهم السلام – ومن كلام العلماء أنه يكون سببا لدخول النار والخلود فيها لإجماعهم على كفر القائل بوحدة الوجود ولا شك أنهم لا يعنون غير هذا القول فإنه قطعا قول بوحدة الوجود بل وبوحدة الموجود

وأما عندي فلا أشك في أنهم أخطأوا طريق الحق واتبعوا سبل الباطل وأما تكفيرهم فذلك شي‌ء عند الله وأنا لا أعلم حكمهم عند الله سبحانه وذلك لأمور :

الأول ما روي عن الباقر – عليه السلام – ما معناه : لو أن الرجل سمع الحديث يروى عنا ولم‌ يعقله عقله وأنكره وكان من شأنه الرد إلينا فإن ذلك لا يكفره وأنا أعلم بأن كثيرا من القائلين بهذا أناس لهم إيمان وديانة وصلاح واعتقاد عظيم في أهل البيت – عليهم السلام – ولو علموا بأن هذا القول مناف لمذهب أئمتهم – عليهم السلام – وأنه مذهب أعدائهم لتركوه وأنكروه ولكن شبه لهم فلأجل هذا سكت عنهم

الثاني إن العلماء من الفقهاء وقع منهم أمور عظيمة في المعتقدات نقطع بمخالفتها لمذهب الأئمة – عليهم السلام – ولم ‌يحكم أحد من العلماء بكفرهم مثل قول السيد المرتضى في رسالته "بأن الله سبحانه ليس إلها للعرض ولا للجوهر الفرد لأن الإله هو المنعم وهذان لا يحتاجان إلى النعم والمدد فلا يكون إلها لهما" نقلته بالمعنى

ومن ذلك ما وجدته في رسالة للشيخ الطوسي صاحب التهذيب والاستبصار ما معناه أنه قال : "إن الله سبحانه ليس في مكان وإلا لمازج القذورات" ومن ذلك ذلك اختلاف العلماء في قدم المشية وحدوثها حتى قال الأكثر بقدمها مع أنه روى الصدوق في التوحيد عن الرضا – عليه السلام – أنه قال : أن المشية والإرادة من صفات الأفعال فمن زعم أن الله لم‌ يزل شائيا مريدا فليس بموحد

وقد ذكر الشهيد (ره‌) في الذكرى بعد أن ذكر أنه لا يجوز أن يقتدي الرجل بمن يخالفه في شي‌ء من الواجب المبطل للصلوة بالاخلال به كما لو كان المأموم يرى وجوب السورة والإمام يرى الاستحباب

أما لو كان الخلاف في مسائل الأصول التي يدق مأخذها كالقول بقدم المشية وحدوثها فإن ذلك لا يضر بالائتمام وهو شهادة منه بالتسامح فيما يدق مأخذه مع انه لم‌ ينقل في ذلك خلافا ومن ذلك وقوع كثير من الاختلافات الشنيعة في الأصول والفروع في زمان الائمة – عليهم السلام – بما يطول نقله وربما أنكروا بعضه مثل ما قيل للإمام – عليه السلام – فيما ذهب إليه هشام بن الحكم بأن لله جسما وهشام بن سالم الجواليقي بأن لله صورة وأنكر ذلك وتعوذ منه ولم ‌يحكم بكفرهما وأمثال هذا كثير فلهذا وقفت عن القول بالتكفير وجاهرت بالقول بالتخطئة لعله يتذكر أو يخشى

[ هل يصح تأويل أقوال الصوفية أم لا ؟ ]
قال سلمه الله : وهل يجوز توجيهه بالتوجيهات البعيدة أم لم ‌يكن قابلا للتوجيه؟
أقول : ظاهر الأخبار المروية عن الأئمة - عليهم السلام - المنع من توجيه كلام الصوفية وأن المأول لكلامهم فهو منهم وروى الأردبيلي في كتابه حديقة الشيعة بسنده قال : قال رجل للصادق - عليه السلام - قد خرج في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية فما تقول فيهم؟

فقال : إنهم أعداؤنا فمن مال إليهم فهو منهم ويحشر معهم وسيكون أقوام يدعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبهون بهم ويلقبون أنفسهم بلقبهم ويأولون أقوالهم ألا فمن مال إليهم فليس منا وإنا منه برءاء ومن أنكرهم ورد عليهم كان كمن جاهد الكفار مع رسول الله - صلى الله عليه وآله

ومن الكتاب المذكور بسند صحيح عن الرضا - عليه السلام : من ذكر عنده الصوفية ولم ‌ينكر عليهم بلسانه أو بقلبه فليس منا ومن أنكرهم فكأنما جاهد الكفار بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله

ومنه بسنده عن محمد بن أبي‌ الخطاب الزيات قال كنت مع الهادي علي بن محمد - عليه السلام - في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله - فاتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري وكان رجلا بليغا وكانت له منزلة عنده ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا في ناحية مستديرا وأخذوا بالتهليل فقال - عليه السلام : لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين فإنهم حلفاء الشياطين ومخربوا قواعد الدين يتنزهون لاراحة الأجسام ويتهجدون لتصييد الأنام يتجوعون عمرا حتى يذبحوا للاكاف حمرا لا يهللون إلا لغرور الناس ولا يقللون الغذاء إلا لملأ الغساس واختلاس قلوب الدنفاس بأحلائهم في الحب ويطرحون بأدلائهم في الجب اورادهم الرقص والتصدية وأذكارهم الترنم والتغنية فلا يتبعهم إلا السفهاء ولا يعتقدهم إلا الحمقاء فمن ذهب إلى زيارة أحدهم فكأنما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان

فقال له رجل من أصحابه وإن كان معترفا بحقوقكم قال

فنظر إليه شبه المغضب وقال دع ذا عنك من اعترف بحقوقنا لم ‌يذهب في عقوقنا أما تدري إن أخس الطوائف الصوفية والصوفية كلهم مخالفونا وطريقتهم مخالفة لطريقتنا وإن هم إلا نصارى أو مجوس هذه الأمة أولئك الذين يجهدون في إطفاء نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون

والأكاف ككتاب وغراب هو الحمار والغساس كغراب داء في الإبل والدنفاس بالكسر والدنفس بالكسر الحمقاء والأحمق الدني والأحلاء من الحلي أو من الحلاوة والأدلاء جمع دلاء جمع دلو

فإن قلت أن هولاء لا يميلون إلى الصوفية ولا يقولون بقولهم ولا يعملون بعملهم

قلت : بلى إنهم يميلون إلى ابن ‌عربي والغزالي وابن ‌عطاء الله وعبد الكريم الجيلاني وأمثالهم ويأخذون أقوالهم ويستدلون بأدلتهم ويعتقدون فيهم ويثبتون لهم فضائل وكرامات ويأولون كلام الأئمة - عليهم السلام - إلى كلامهم ويعتقدون اعتقادهم وينكرون على من خالفهم فأي اتباع وراء هذا

وبالجملة لا يجوز توجيه كلامهم لا ببعيد ولا بقريب ولا صرفه عن ظاهره وإن كان لكلامهم وجه كما روي ما معناه : أن ابليس قال لعيسى - عليه السلام - أنت لا تطيعني

قال : لا أطيعك

قال : قل لا إله إلا الله قال - عليه السلام - كلمة حق لا أقولها بقولك

فالمؤمن لا يدين الله بشي‌ء من اعتقاداتهم ولا بقول من أقوالهم ولا بعمل من أعمالهم فإذا وجد شيئا من ذلك قد فعلوه وهو حق فلا يفعله لأنه من فعالهم وشعارهم وإن كان مرادا منه شرعا فعله إمتثالا لأمر الله واتباعا لحججه الذين أمر الله باتباعهم

[ بسيط الحقيقة ودخوله تحت القضية الموجبة الكلية أم الجزئية أم المهملة ؟ ]
قال - سلمه الله تعالى - : وهل تكون هذه القضية موجبة كلية أم جزئية أم تكون مهملة؟
أقول : أراد بالقضية قولهم : بسيط الحقيقة كل الأشياء وهذه على ظاهر حالها مهملة لأنها غير مسورة بكل ولا ببعض والمتحقق منها الجزئية

وإن أريد منها الكلية كهذه القضية لأن الاسم الاصطلاحي لم‌ يكن مستعملا على مراد المتكلم وإنما يستعمل على ما يفهم المخاطب وهذه القضية يريدون منها الكلية كما تقدم في صورة الدليل في قولهم : كل بسيط الحقيقة موجود لا يسلب عنه أمر وجودي فادخلوا في مدلول كل الباري تعالى الباري تعالى مفعول ادخلوا

والعقل الكلي بظن أنه عندهم بسيط الحقيقة وقد تقدم بيان غلطهم فإن العقل ليس بسيطا في حقيقته والباري عز وجل ليس معه ما يخلط به فالقضية مهملة بالمعنى اللغوي من جهة المعنى والفائدة وبالمعنى الاصطلاحي من جهة الصورة والله سبحانه اعلم بالصواب وإليه المرجع والمأب

وكتب العبد المسكين أحمد بن زين‌ الدين في الليلة التاسعة ‌عشرة من شهر ربيع المولود - صلى الله عليه وآله - سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف [1232 هــ] من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله أفضل الصلوة وأزكى السلام حامدا شاكرا مصليا مسلما مستغفرا



المصادر
المحتوى