جواب الملا محمد حسين البافقي (في بيان ۹ احاديث)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الملا محمد حسين البافقي (في بيان ۹ احاديث)

رسالة في جواب الآخوند الملا محمد حسين البافقي

في بيان 9 احاديث

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

به ثقتي

بسم الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى

وبعد فيقول الخاطئ الجاني ابو جعفر محمد المدعو بحسين البافقي السراياني اني كنت مدة مديدة راغبا في تفسير احاديث مشكلة وتبيين اخبار معضلة طالبا لعالم رباني وفاضل صمداني ينظر بنور الله ويقول بكلمات الله ويسير في آيات الله يبصر ببصره ويسمع بسمعه ليفسرها بتفسير واف ويبينها ببيان شاف فاذا فزت بحصول المراد وتشرفت بخدمة الاستاد ومن عليه من جميع علماء البلاد وفضلاء العباد اعتماد واستناد المولى المعظم والشيخ المكرم خاتم الحكماء والمتألهين زين العرفاء والمتكلمين رئيس الفقهاء والمجتهدين جليس الفقراء والمساكين شيخنا الشيخ احمد بن الشيخ زين ‌الدين حشرهما الله مع ساداتهما الطيبين فالتمست منه المطلب وبلغت المنى بتوفيق الرب

الحديث الاول : روى الصدوق قدس سره في الفقيه عن عمار الساباطي انه قال سئل ابو عبد الله (ع) عن الميت هل يبلى جسده قال نعم حتى لا يبقى لحم ولا عظم الا طينته التي خلق منها فانها لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق اول مرة
الجواب : ومن الله الهام الصواب اعلم ان الانسان الموجود الان له جسمان وجسدان فالجسم الاول هو الحامل للعقل والروح وهو اشد الاربعة قوة وتحققا ورزانة وخفة ولطافة وعظما وهو الذي وقع عليه التكليف في عالم الذر وبه يدخل الجنة ان كان مؤمنا ويدخل به النار ان كان كافرا وهو موجود الآن في غيب الانسان وهو الباقي الذي لا يجري عليه الفناء والدثور وله النعيم او العذاب الاليم والجسم الثاني هو الذي يعبر عنه في الروايات بانه هيكل كهيكل الدنيا فاذا رايته قلت هذا فلان وربما يعبر عنه بقولهم (ع) في حواصل طيور خضر وهذا هو الذي اذا قبض ملك الموت الروح قبضها فيه واخذها معه وتبقى ان كانت من الاخيار في الجنان تتنعم وتأتي وادي السلام وتزور اهلها وحفرة قبرها وتبقى الى نفخة الصور الاولى باقية وكذلك ان كانت من الاشرار فانها تعذب بنار الدنيا عند مطلع الشمس وتأوى الى وادي برهوت عند غروبها الى نفخة الصور الاولى وهو قول الصادق (ع) في تأويل قوله تعالى فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة قال تبقى الارواح ساهرة لا تنام الحديث وهذا الجسم الثاني هو ظاهر الجسم الاول ومركبه وذلك باطنه ولبه وان كان الميت من المستضعفين وامثالهم بقيت روحه في قبره مع هذين الجسمين مجاورين للجسد الباقي الى يوم القيمة واما الجسد الاول فهو مخلوق من عناصر هورقليا وهو من جنس محدب محدد الجهات الا انه الطف من المحدد لان اسفل مراتبه فوق محدب محدد الجهات في الاقليم الثامن الحاوي للعجائب والغرائب وهذا الجسد يبقى في القبر مستديرا متغيبا في هذه الارض كسحالة الذهب في دكان الصائغ وهذا هو الطينة التي خلق منها الانسان كما قال (ع) انها تبقي في قبره مستديرة فاذا نفخ في الصور نفخة النشور نزلت الروح مصاحبة لذلك الجسم الاول ودخلت معه في هذا الجسد فخرج من قبره للحساب واما الجسد الثاني فهو مخلوق من هذه العناصر المعروفة تكون منها من لطائف الاغذية فاذا تفكك في القبر رجع ما فيه من النار الى عنصر النار وامتزج بها وما فيه من الهواء الى الهواء كذلك وكذلك الماء والتراب وذهب فلا يعود اذ لا حساب عليه ولا عقاب ولا نعيم له ولا ثواب ولا شعور فيه ولا احساس ولا تكليف عليه ولا مدخل له في الحقيقة وانما هو بمنزلة ثوب لبسته ثم تركته ولبست غيره فافهم وكتب العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين الاحسائي والحمد لله رب العالمين

الحديث الثاني : قال روى الصدوق (ره) في العلل عن الحسين بن احمد عن ابيه عن احمد بن محمد بن عيسلا عن الحسين بن خالد قال قلت للرضا (ع) انا روينا عن النبي (ص) ان من شرب الخمر لم ‌تحسب صلوته اربعين صباحا فقال صدقوا فقلت وكيف لا تحسب صلوته اربعين صباحا لا اقل من ذلك ولا اكثر قال لان الله تبارك وتعالى قدر خلق الانسان فصير النطفة اربعين يوما ثم نقلها فصيرها علقة اربعين يوما ثم نقلها فصيرها مضغة اربعين يوما وهذا اذا شرب الخمر بقيت في مشاشته على قدر ما خلق منه وكذلك يجتمع غذائه واكله وشربه تبقى في اربعين يوما
الجواب : انما علل ذلك بمدة بقاء النطفة والعلقة والمضغة الى ان يكمل انقلابها الى الطور الثاني لان النطفة اذا وقعت في الرحم وامتزجت بها نطفة المرأة وماث الملك فيهما ( بينهما خ‌ل ) التربة التي من قبره المقدر له في اللوح المحفوظ بقيت النطفتان تستمد من الحيض وتتعفن بتلك الرطوبة وبحرارة الرحم وتعين هذه حمي تعرض للمرءة ولا تزال تتنقل تنقلا سيالا وتترقى الى العلقة فيكمل استحالتها الى العلقة في اربعين يوما وكذلك العلقة تكمل استحالتها الى المضغة في اربعين يوما بعدة ميقات موسي (ع) لان ذلك هو عدد مراتب الوجود وانما كان ذلك اربعين لان الانسان خلق من عشر قبضات من التسعة الافلاك من كل واحد قبضة ومن الارض قبضة وكل قبضة من العشر تكمل في اربعة ادوار فهذه اربعون دورا وجميع ما في الوجود جرى على صنع واحد بتدبير واحد من مدبر واحد سبحانه فكل شيء ينقلب كمال الانقلاب في اربعين فاذا انقلب كمال الانقلاب تغيرت حقيقته وتغير حكمه فلما كانت الخمر نجسة كان شاربها حامل نجاسة فلا تحسب ( فلا تقبل خ‌ل ) له صلوة حتى ينقلب جميع ما فيه من الخمر الى مزاج آخر من دم ولحم وعظم فيتغير ذلك فتقبل صلوته والى هذا المعنى المذكور المفصل اشار (ع) بقوله بقيت في مشاشته على قدر ما خلق منه ولهذا قال (ع) وكذلك يجتمع غذائه واكله وشربه يبقى في مشاشته اربعين يوما والمراد بالمشاشة رؤس العظام التي يمكن مضغها وانما ذكرها لانها اخر ما يبقى من الغذاء في ( عن خ‌ل ) الاستحالة الى العظم لان العظم اخر ما يغتذى من ساير الجسد من الغذاء لصلابته وفي بعض نسخ الحديث مثانته وهي مجمع البول ووجهه ان الخمر اذا طبختها المعدة اول طبخ جذبت كيلوسها الى الكبد وقذفت ثفلها من الماء الى المثانة من الكليتين على التدريج الى مدة الاربعين اليوم وان دخل عليه غذاء غير الخمر وخالطها في الكيلوس وفي ثفله لكنها لا تنقطع مادتها بتحلل او انقلاب الا بعد الاربعين للقاعدة المذكورة ولهذا قرروا عليهم السلام ان النطفة تمكث اربعين يوما ثم تكون علقة وتمكث اربعين وتكون مضغة وتمكث اربعين فتلجه الروح مع ان التفصيل ان ولوج الروح انما يحصل عند تمام الاربعة الاشهر وهي مفرقة على المراتب الست اعني النطفة والعلقة والمضغة والعظام ويكسى لحما وينشئ خلقا اخر وكل مرتبة له عشرون يوما تمكث النطفة عشرين فتكون علقة والعلقة عشرين والمضغة عشرين والعظام عشرين ويكسى العظام في عشرين وتلجه الروح في عشرين فهذه هي الاربعة الاشهر فكيف تكون كل رتبة في اربعين كما هو ظاهر الاحاديث والجواب ان النطفة تبقي خالصة من شوب العلقة عشرين يوما ثم يشوبها نمو العلقة مع بقاء خلط النطفة فاذا تمت الاربعون ارتفع شوب النطفة وظهر ابتداء المضغة مصاحبا لبقايا العلقة الى عشرين وترتفع بقايا العلقة ويظهر ابتداء العظام مع بقاء بقايا المضغة وهكذا فصدق ان النطفة تبقى اربعين يوما لما بين في القاعدة وان بقائها خالصة عشرون فصح تقسيم المراتب والحمد لله رب العالمين وكتب احمد بن زين‌الدين

الحديث الثالث : قال وروى في الانوار النعمانية عن الصدوق باسناده الى رسول الله (ص) قال انه صلى ذات يوم باصحابه الفجر ثم قام باصحابه حتى اتى الى باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت اليه امرءة فقالت ما تريد يا ابا القاسم قال رسول الله يا ام عبد الله استاذني لي على عبد الله فقالت يا ابا القاسم ( يا رسول الله خ‌ل ) وما تصنع بعبد الله فوالله انه لمجهود في عقله يحدث في اثوابه وانه ليراودني على الامر العظيم ( امر عظيم خ‌ل ) فقال استاذني لي عليه قالت افلي ( افي خ‌ل ) ذمتك قال نعم قالت ادخل فدخل فاذا هو في قطيعة له يهيم فيها فقالت له امه اسكت واجلس هذا محمد (ص) قد اتاك فسكت وجلس فقال النبي (ص) ما لها لعنها الله لو تركتني لاخبرتكم اهو هو ثم قال النبي (ص) ما ترى قال ارى حقا وباطلا وارى عرشا على الماء فقال اشهد الا ( ان لا ) اله الا الله واني رسول الله (ص) فقال بل تشهد الا ( ان لا ) اله الا الله واني رسول الله فما جعلك الله بذلك احق مني فلما كان في اليوم الثاني صلى (ص) باصحابه الفجر ثم نهض ونهضوا معه حتى طرق الباب فقالت امه ادخل فدخل فاذا هو في نخلة يغرد فيها فقالت له امه اسكت وانزل هذا محمد (ص) قد اتاك فسكت قال النبي (ص) لعنها الله لو تركتني لاخبرتكم اهو هو فلما كان في اليوم الثالث صلى (ص) باصحابه الفجر ثم نهض ونهض القوم معه حتى اتى ذلك المكان فاذا هو في غنم له ينعق بها قالت له امه اسكت واجلس هذا محمد قد اتاك فسكت وكان قد نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان فقرأها بهم النبي (ص) في صلوة الغداة قال اتشهد الا ( ان لا ) اله الا الله واني رسول الله (ص) فقال بل تشهد الا ( ان لا ) اله الا الله واني رسول الله وما جعلك الله بذلك احق مني فقال النبي (ص) اني قد خبأت لك خبأ فما هو قال الدح الدح فقال النبي (ص) اخسأ انك لن‌ تعدو اجلك ولن ‌تبلغ املك ولن‌تنال الا ما قدر لك ثم قال لاصحابه ايها الناس ما بعث الله نبيا الا انذر قومه الدجال وان الله تعالى اخره الى يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من امره فان ربكم ليس باعور انه يخرج على حمار عرض ما بين اذنيه ميل يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء اكثر اتباعه اليهود والنساء والاعراب يدخل آفاق الارض كلها الا مكة ولابيتها ( لابتيها خ‌ل ) والمدينة ولابيتها ( لابتيها خ‌ل )
اقول روى هذا الحديث في اكمال الدين واتمام النعمة وهو في الدجال وهو الذي يخرج عند قيام صاحب الامر (ع) في السنة التي يخرج فيها والذي يظهر لي من بعض الاخبار انه يظهر في العاشر من جمادي ‌الاولى والصاحب (ع) يخرج ( يظهر خ‌ل ) في العاشر من المحرم فبين خروجه وخروج الحجة (ع) ثمانية اشهر كما صرح به في الرواية وانما مضي اليه النبي (ص) ليقيم عليه الحجة بان يدعوه الى الاسلام والايمان به واحب ان يدخل عليه على الحالة التي يقتضيها طبعه كما هو مذكور في هذا الحديث وغيره قبل ان تخبره امه بدخول النبي (ص) عليه ليعرفه اصحابه بصفته وفعله ليكفروا ( ليكفروا به وخ‌ل ) بدعوته فانه الآن كما في هذه الرواية يدعي النبوة ثم ادعى ( يدعي خ‌ل ) الربوبية وانه يخرج عند قيام القائم (ع) ويدعي الربوبية ويتبعه على دعوته ست عشرة مائة الف ويسير في الارض كما في آخر هذا الحديث الى ان يخرج حجة الله القائم (ع) ويقتله ويقتل جنوده فقول النبي (ص) في حق امه ما لها لعنها الله لو تركتني لاخبرتكم اهو هو لبيان صفته وفعله لهم كما قلنا ثم قال النبي (ص) ما ترى قال اري حقا وباطلا وارى عرشا على الماء وكلامه لعنه الله هذا يكذب ما ادعته امه لعنها الله في حقه انه لمجهود في عقله يحدث في اثوابه يعني مجنون لانه لم يفعل ذلك لعدم التمييز ولكنه قاذورة لا يستنجس نجسا وقولها انه ليراودني على الامر العظيم لا يدل على جنونه لانه يريد ان يفجر بامه لعدم انفته وتحريمه لشيء من المحرمات ولعل قوله ارى حقا وباطلا الخ مشعر بقوة شعوره وحيلته فانه بفطرته يرى حقا عند محمد (ص) وباطلا عند من خالفه ولكنه ابهمه ليدعي ان ما رءاه من الحق انه هو المستحق له وان الباطل عند من خالفه ايهاما منه وتدليسا ولهذا سمي الدجال من دجل تدجيلا غطى وطلى الذهب لتمويهه بالباطل ويقال للنفس الامارة ( الامارة بالسوء خ‌ل ) المدجلة لاجل ذلك ومن اجل ذلك قال للنبي (ص) بل تشهد الا ( ان لا ) اله الا الله واني رسول الله فماجعلك الله بذلك احق مني وانما ذكر شهادة الا اله الا الله واجاب باني ارى عرشا على الماء ليخدع النبي (ص) كما هو مقتضي طبيعته من التلبيس كما ان امه الملعونة انما قالت انه لمجهود في عقله ليكف عنه محمد (ص) دعوته وقول الراوي وهو ابن عمر في حكاية المرة الثالثة وكان قد نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان فقرأها اي سورة الدخان لاجل الآيات المذكورة المناسبة لبيان احوال هذا الخبيث بهم اي باصحابه الذين سار معهم الى الخبيث الدجال فقوله بهم اي حين صلى بهم صلوة الفجر او ان الباء بمعنى مع او المصاحبة والظاهر ان الآيات المشار اليها هي المناسبة لبيان حال الدجال ومآل امره وهي قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب اليم ربنا اكشف عنا العذاب يعني بتعجيل الفرج انا مؤمنون وهي علامات قيام القائم (ع) وهو الذي خبأه رسول الله (ص) لهلاك هذا الدجال المدلول عليه بهذه الآيات حين عارض هذا الملعون رسول الله (ص) بدعوى النبوة فقال (ص) له اني خبأت لك خبأ اي دفنت لك دفينا وسترت لك ( لك سترا خ‌ل ) مستورا وخبأ بمعنى ستر فما هو يعني ان كنت تدعي انك رسول الله فاخبرني ما الذي ادخرت لك مما يسوءك ويبطل دعواك فاجابه اللعين بالكلام الفحش ليخجل النبي (ص) فينقطع عن جوابه فقال الدح الدح والدح بالمهملتين الدس و( الدس في خ‌ل ) النكاح والدع ( الدح خ‌ل ) في القفا كناية عن اللواط فقال النبي (ص) اخسأ انك لن ‌تعدو اجلك ولن‌تبلغ املك ولن‌تنال الا ما قدر لك فاخبره (ص) ان اجلك على يد قائمنا اهل البيت حين تدعي الربوبية ولن‌تبلغ املك من البقاء والاستعلاء على العباد ولن‌تنال من مطلوبك من ذلك الا ما قدر لك وكتب في ام الكتاب انك تدعي الربوبية وتتسلط على رقاب الجهال الذين اجابوا دعوتك ثم لا تتمتع بذلك الا قليلا حتى يقتلك قائمنا (ع) شر قتلة وقد ذكرنا على ما في الحديث ان ليس بين ظهوره وظهور القائم (ع) الا ثمانية اشهر ثم قال (ص) لاصحابه ما بعث الله نبيا الا انذر قومه الدجال يعني اني انذركم فتنة هذا كما فعل الانبياء (ع) قبلي وقوله وان الله عز وجل اخره الى يومكم هذا يريد به لأريكم صورته وصفته ثم قال (ص) فما تشابه عليكم من امره فان ربكم ليس باعور كما رأيتم من قبح صورته ثم قال (ص) انه يخرج على حمار عرض ما بين اذنيه ميل وفي رواية ابي الصدوق عن النزال بن سبرة ( سيرة خ‌ل ) في خطبة امير المؤمنين (ع) فقام اليه الاصبغ بن نباتة فقال يا امير المؤمنين (ع) من الدجال فقال الا ان الدجال صائد ابن الصيد فالشقي من صدقه والسعيد من كذبه يخرج من بلدة يقال لها اصبهان من قرية تعرف باليهودية عينه اليمنى ممسوحة والعين الاخرى في جبهته تضيئ كانها كوكب الصبح فيها علقة كانها ممزوجة بالدم بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب وامي يخوض البحار وتسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان وخلفه جبل ابيض يري الناس انه طعام يخرج في قحط شديد تحته حمار اقمر خطوة حماره ميل تطوى له الارض منهلا منهلا لا يمر بماء الا غار الى يوم القيمة ينادي باعلي صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والانس والشياطين يقول الى اوليائي انا الذي خلق فسوى وقدر فهدى انا ربكم الاعلى وكتب ( كذب خ‌ل ) عدو الله انه اعور يطعم الطعام ويمشي في الاسواق وان ربكم عز وجل ليس باعور ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول الا وان اكثر اتباعه يومئذ اولاد الزنا واصحاب الطيالسة الخضر يقتله الله عز وجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة افيق لثلث ساعات من يوم الجمعة على يدي من يصلي المسيح عيسى بن مريم خلفه انتهى كلامه (ع) هنا في وصف الدجال لعنه الله وانما نقلته لما فيه من الفوايد وبيان ما اشير اليه في التأويل طويل اعرضنا عما نعرف منه لطوله وعدم اجتماع القلب وما ذكرنا جامع لبيان باقي الحديث المسئول عنه وقوله (ص) الا مكة ولابيتها ( لابتيها خ‌ل ) والمدينة ولابيتها ( لابتيها خ‌ل ) فيه اشارة الى ان مكة يخرج فيها القائم (ع) وهو قاتله ولا يقدر على الوصول اليها خوفا منه (ع) لعلمه انه (ع) يخرج في مكة والمدينة لقربها منه ( منها خ‌ل ) (ع) ظاهرا وباطنا واللابة هي الحرة ذات الحجارة السود قد البتها لكثرتها ولابتا مكة الحرات التي تكتنفها والمراد بها حدود الحرم وهو اثناعشر ميلا طولا وعرضا فمن المشرق الى الكعبة المشرفة احد عشر ميلا ومن المغرب ميل واحد ومن الشمال اربعة اميال ومن الجنوب ثمانية اميال ولابتا المدينة حرم المدينة وهو حرم رسول الله (ص) وهو ما بين حرتين عظيمتين يكتنفانها وفي خبر ما معنى لابيتها ( لابتيها خ‌ل ) قال ما احاطت به الحرار وفي خبر آخر ما بين ظل عائر الى ظل وعير وهما جبلان معروفان وفي خبر اخر قال ما بين الصورين الى الثنية يريد جبلي المدينة اعني عايرا ووعيرا ثم لما كان خروج الدجال انما كان من اشراط الساعة ويخرج بعد الدنيا وان كان في آخرها لان احكامه من نوع احكام الاولى التي هي قيام القائم (ع) والرجعة فيجري التقدير له وعليه على مقتضى نظام الوجود وجب ان يكون في جميع احواله مطابقة الظاهر للباطن ( والباطن خ‌ل ) ولما كان حرم مكة وحرم المدينة لا يصاد صيدهما لان من دخلهما كان آمنا والدجال هو الصائد فلا يدخل الصائد حرمهما والا لما امن من دخلهما الذي هو صيدهما والى هذا المعنى اشار صلى الله عليه وآله بقوله يدخل آفاق الارض كلها الا مكة ولابتيها والمدينة ولابتيها و ذلك لان نظام الوجود يقتضي مطابقة الظاهر للباطن وفي هذا الحديث لطائف كثيرة وكتب العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين

الحديث الرابع : روى الثقة الجليل بن طاووس (ره) في كتاب الاقبال حديثا منه قوله (ع) لو علم الناس ما في زيارة نصف شعبان من الثواب لقامت ذكور رجال على الخشب
الجواب : ان في معنى ذلك وجوها واقربها الى الصحة والطبيعة وابعدها عن التكلف ما قيل ان المعنى لتبادر فحول من الرجال الى زيارة الحسين (ع) شوقا الى ما في زيارته من الثواب وان صلبوهم ائمة الجور على الخشب كما علم السحرة بنبوة موسى (ع) ولم يبالوا بفعل فرعون بهم فلو علموا لزاروه ولو في حال منع حكام الجور من زيارته ولو فعلوه حينئذ لصلبوا على الاخشاب فيكون قد قامت ذكور رجال اي فحول رجال على الخشب وكتب احمد بن زين ‌الدين

الحديث الخامس : روي عن امير المؤمنين (ع) انه قال لو كان الموت يشترى لاشتراه اثنان كريم ابلج وحريص ملهوف
الجواب : الابلج طلق الوجه والبلج الوضوح والظاهر ان المراد بالكريم الابلج الذي لا ينقبض وجهه عند كثرة سؤال المحتاجين له والحاحهم عليه حتى يبلغ به الحال انه يحب الموت لشدة الاقلال وحزنا الا يجد ما ينفق كما قال تعالى ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا والحريص الملهوف شديد التحسر والتلهف في طلب الدنيا حيث لا ينال منها ما يكفيه لشدة حرصه اذ كل ما فيها لا يكفيه فهو عند نفسه ابدا فاقد مطلوبه وان وجد لشدة حرصه حتى تبلغ به الحال انه يتمنى الموت لانه لم ينل مناه فلو كان الموت يشترى لاشتراه هذان الاثنان او ان المعنى لو كان الموت يشترى لكان ينبغي لهذين الاثنين ان يشترياه لان راحتهما فيه لو كانا عاقلين لرأيا ان الراحة لهما لا توجد الا في الموت فينبغي لو كان يشترى ان يشترياه والله اعلم بمراد وليه (ع) وكتب احمد بن زين ‌الدين

الحديث السادس : روي عنه انه قال ان الله يكره البخيل في حيوته والكريم في مماته
اقول : معناه والله اعلم ان الله يحب الكرم في الدنيا فاذا كان الرجل بخيلا في الدنيا كره ذلك لانه سبحانه يحب الكرم والكريم يحبه في الحيوة فاذا مات كره موته لما يترتب على حياته من منافع المحتاجين لا انه يكره الكريم لان الكريم حبيب الله في الحيوة وفي الممات وانما كراهته له كراهة موته واما البخيل فالله يكرهه في الحيات وفي الممات وان كان مؤمنا كانت ( كان خ‌ل ) كراهة الله له عبارة عن قلة ثوابه بالنسبة الى الكريم فانه اذا اثابه لم يبسط له في الفضل واذا حاسبه لم يتجازف ( لم يتجاوز خ‌ل ) عنه فهو يكرهه واما الكريم فانه اذا اثابه بسط له في الفضل وان حاسبه لم يعامله بالعدل بل يجازفه ( يجازيه خ‌ل ) لانه يحبه والله اعلم وكتب احمد بن زين ‌الدين

الحديث السابع : روى ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني (ره) عن المفضل بن عمر عن الصادق (ع) انه قال بين المرء والحكمة نعمة العالم والجاهل شقي بينهما
اقول : اعلم ان التنعم بطيب المآكل والملابس والمناكح هو النعيم في الدنيا لاهل الدنيا وهذا في الشهادة مثال لما في الغيب في الدنيا والآخرة فاما ما في الغيب في الدنيا فهو ان طيب مأكل النفس هي العلوم النافعة التي هي علم الحقيقة وعلم الطريقة وعلم الشريعة على ما ينبغي بان يعلم ويعمل واما باقي العلم فما طلب منها ليتوصل به الى هذه الثلثة كان علما وكان نافعا والا فهو جهل ضار في الدنيا والآخرة اما ضرره في الدنيا فلانه يكون ظلمة ( كلالة خ‌ل ) في قلب طالبه ويكون بذلك محجوبا عن الطريق الموصلة الى رضوان الله كما اشير اليه في الحديث القدسي قال الله تعالى يا داود لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا اولئك قطاع طريق عبادي المريدين الى ان ادنى ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم فقوله سبحانه ان ادنى يراد به معنيان احدهما ان ادنى بمعنى اقل والثاني انه بمعنى اقرب يعني اقل ما اجازيهم بما عملوا واستعملوا لغيري ان انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم فيكرهون خدمتي فيكون ذلك سبب حرمانهم من خيرات الدنيا بعدم استجابة الدعاء وعدم معرفتهم بي وحجبهم عن الترقي الى عالم النور ومن خيرات الآخرة بانهم لا يجاورون اوليائي في دار كرامتي ولا ينالون نعيم جنتي وذلك اول ما انا صانع بهم هل يجزون الا ما كانوا يعملون واما العلوم الثلثة النافعة وما تتوقف عليه اذا اجابها العمل حين تهتف به وهي طعام النفس التي بها تحيى من موتها كما اشير اليه في قوله تعالى اومن كان ميتا فاحييناه مضافا الى قوله تعالى فلينظر الانسان الى طعامه الى آخر الآيات فهذه العلوم النافعة هي طيب مأكل النفوس التي امرتم بالاكل منها في قوله تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم واما طيب الملابس فهو الزهد والتقوى قال تعالى ولباس التقوي ذلك خير فان كل لباس غير التقوى لا يستر صاحبه بل تنكشف معه عورته وما احسن ما قال الشاعر :

ثوب الرياء يشف عما تحته فاذا التحفت به فانك عاري

وكمال الزهد الا تأس على ما فاتك ولا تفرح بما آتيك وبيانه ان الزهد ليس هو تحريم الحلال ولا تضييع المال وانما هو الا تكون بما عندك اوثق منك بما عند الله وكمال التقوى ان تترك المباح بل المندوب اذا علمت انه يجوز ان يكون في الواقع حراما او يجر الى الحرام ولو بلوازم العادات كما قال (ص) ما معناه لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به ( فيه خ‌ل ) خوفا مما فيه بأس ومن الملابس الطيبة الزوجة المؤمنة الصالحة تعينه على دنياه ودينه واليه الاشارة بقوله (ص) اذا اراد الله بعبد خيرا جعل له قلبا ذاكرا ولسانا شاكرا وبدنا على البلاء صابرا وزوجة تسره اذا نظر اليها وتطيعه اذا امرها وتحفظه اذا غاب عنها في نفسها وماله فجعلها مما هو الخير بالعبد واشار سبحانه الى كونها لباسا بقوله هن لباس لكم ( وانتم لباس لهن خ‌ل ) فافهم التلويح فانه ابلغ من التصريح لذي الحس اللطيف الصحيح واما طيب المناكح فمنه ظاهر وباطن فالظاهر هذه الزوجة المشار اليها فان مثلها من افضل الاعمال او من المعين على الصالحات والى هذا اشار (ع) حبب الى من دنياكم ثلاث النساء الخ ومعلوم انه (ص) انما يميل الى الاعمال الصالحات وفي هذا كثرة الطروقة من سنن النبيين وكسر شهوة النفس عن الطموح الى المحارم وطلب النسل الذي يثقل الارض بشهادة الا ( ان لا ) اله الا الله فتستريح النفس فتتوجه الى عالم النور ( الانوار خ‌ل ) وفي الحديث من طرق الخاصة ما معناه عن الصادق (ع) ما ازداد احد حبا في الولاية الا ازداد حبا في النساء ومن طرق العامة عنه (ص) ماازداد احد حبا في الايمان الا ازداد حبا في النساء وانما جعل (ص) ذلك محببا ( محبوبا خ‌ل ) اليه لأن الركعة من المتزوج تعدل سبعين ركعة من عزب وكذا الطيب والباطن من النكاح هو نكاح العقل للنفس بعد تأديبه لها بآداب الله حتى تنقاد لأمر الله فاذا انقادت كانت اخت العقل فلا تخالفه بل لا يدرك اكثر الأعمال الصالحة الا بها والى ذلك الاشارة بتأويل قوله تعالى اتوكؤ عليها واهش بها على غنمي ( ولي فيها مآرب اخرى خ‌ل ) لأنه انما يؤدب رعيته ويعلمهم احكام دينهم بها لأجل مناسبة النفس ومقارنتها لهم فاذا وافقته فيما يقتضيه ويطلبه من مراد الله كان ذلك هو النكاح الطيب لأن ما يتولد منها من الأعمال الصالحة انما هو من العقل ومنها فكان ذلك النكاح الطيب على كتاب الله وسنة نبيه (ص) وبالجملة فهذه المآكل والملابس ( الملابس والمشارب خ‌ل ) والمناكح الطيبة هي النعيم الطيب لأن هذه تثمر العلوم الحقة والمعارف الالهية فيكون المرء بين ما فهم رشده وبلغ اشده الى ان يكون حكيما ربانيا يتنعم بثمرات العلوم وصالحات الأعمال حتى اذا كان كذلك استغنى بتعليم الله عن تعليم الناس كما اشار اليه سبحانه بقوله تعالى ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين يعني ان من احسن آتيناه حكما وعلما ولن ‌يخلف الله وعده وحسن العمل هو ما اشرنا اليه من اعمال الدنيا التي تدعو الى الله والى رضاه من المآكل والملابس والمناكح فاذا امتثل اوامر الله واجتنب نواهيه في كل ما ورد به الشرع الشريف وتأدب بآداب الله وجد للعلوم والأعمال لذة ونعيما لا يوجد له نظير في العالم لان ذلك مع حسن النظر ودوام الذكر وصحة الفكر يورث محبة الله فهو ما بين ابتدائه الى ان يبلغ الحكمة يتقلب في رياض الأنس من حظائر القدس فهو في تنعم الأفكار وتلذذ الأذكار تأوب معه الجبال والأطيار في اعالي اغصان اشجار الأنوار ويقتطف من ازهار الأسرار فلهذا قال (ع) بين المرء والحكمة نعمة العالم بفتح النون اي تنعم العالم الرباني الذي مر ذكر عمله وصفة تعلمه فان من كان بخلاف تلك الأوصاف فهو الجاهل وان كان يشق بدقيق علمه الشعر وهو الشقي بين تعلمه ( فعله خ‌ل ) وبين الحكمة لأنه اتى البيوت من غير ابوابها فهو محجوب مبعد كما قال تعالى صم وبكم في الظلمات وفي بعض نسخ الحديث نعمة العالم بكسر النون والمعنى انه بين حالتيه هاتين نعمة العالم اي نعمة الولاية من الولي على العالم المتابع لامامه لأنه (ع) يسقيه فيما بين ذلك من الكوثر شربة لا يظمأ بعدها ابدا والجاهل المشار اليه مطرود عن تلك الشربة ( الشريعة خ‌ل ) مذود عنها فهو بذلك شقي بينهما هذا اشارة مجملة الى معنى الحديث وان كان الكلام كثيرا لأن هذا ( الا ان هذا خ‌ل ) بمنزلة المقدمة لتلك المعاني المبهمة وقد ذكر الملا محسن في الوافي لهذا الحديث كلاما له وكلاما لأستاده صدر الدين الشيرازي ولا بأس بذكرهما تتميما للفائدة قال الملا النعمة بفتح النون يعني ان الموصل للمرء الى الحكمة تنعم العالم بعلمه فانه اذا رآه المرء انبعثت نفسه الى تحصيل الحكمة او اضافة النعمة بالكسر بيانية اي العالم الذي هو نعمة من الله سبحانه يوصل المرء الى الحكمة بتعليمه له اياها والجاهل شقي بينهما اي له شقاوة حاصلة من بين المرء والحكمة او المتعلم والعالم وذلك لانه لا يزال يتعب نفسه اما بالحسد او الحسرة على الفوت او السعي في التحصيل مع عدم القابلية للفهم وقال استادنا صدر المحققين طاب ثراه لعل المراد به ان الرجل الحكيم من لدن عقله وتمييزه الى بلوغه حد الحكمة يتنعم بنعمة العلم ونعيم العلماء فانه لا يزال في نعمة من اغذية العلوم وفواكه المعارف فان معرفة الحضرة الالهية لروضة فيها عين جارية واشجار مثمرة قطوفها دانية بل جنة عرضها كعرض السماء والأرض والجاهل بين مبدء امره ومنتهى عمره في شقاوة عريضة وامل طويل ومعيشة ضنك وضيق صدر وظلمة قلب الى قيام ساعته وكشف غطائه وفي الآخرة عذاب شديد انتهى ( انتهى كلامه خ‌ل ) وكلام الملا صدر الدين كلام دقيق متين الا انه اشار الى الغايات ولم يشر الى المبادي اما بناء على طريقته لأنه لا يجري في حكمته على مطابقة الشرع الظاهر للشرع الباطن او غفلة عن المبادي ولا شك ان تلك الغايات على ما يحب الله سبحانه لا يحصل الا بالشرع الظاهر والملازمة للفرض والنفل ( للفرايض والنوافل خ‌ل ) والتأدب بآداب الله الواردة في النقل والعقل والله اعلم وكتب احمد بن زين‌الدين

الحديث الثامن : روى ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني (ره) مسندا الى ابي‌ عبد الله (ع) قال ذكرت التقية يوما عند ابي ‌عبد الله (ع) فقال لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله
اقول : انما قال (ع) ذلك في جواب ذكر التقية يعني انها واجبة على كل عالم بما لا يقبل وبما لا يحتمل وكما تكون من اعداء الدين كذلك تكون من المؤمنين وناهيك بذلك ذكرها في حق ابي ‌ذر عند سلمان وقد آخا بينهما رسول الله صلى الله عليه وآله بل قد تكون في اثنين كل واحد منهما من الآخر روى ابو بصير قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا سلمان لو عرض عملك ( علمك خ‌ل ) على مقداد لكفر يا مقداد لو عرض عملك ( علمك خ‌ل ) على سلمان لكفر واعلم ان سلمان لا يجهل عمل ( علم خ‌ل ) مقداد ولكن الذي افهم من الحديث ان المقداد لو عرض عليه عمل سلمان وعلم ما اراد سلمان بعبادته ومن يعبد والى من يتوجه وما يريد من الفاظ عبادته وما يدل بها عليه وما الأسماء التي يدعو بها ربه من الأسماء والأفعال والحروف وما اشبه ذلك فانه يريد منها غير ما يعرف المقداد ولو اخبره بمراده منها لكفر بذلك وانكره وهذا ظاهر من الحديث ويحتمل انه لو كلف به المقداد لما قبله ولجحده او رأى انه خلاف الحق والانكار هو الكفر واما الحرف الثاني وهو لو عرض عملك ( علمك خ‌ل ) على سلمان لكفر فالذي افهم ان المعنى لو كلف سلمان بعمل المقداد لكفر به لأنه يعلم انه في حقه كفر لا انه لا يعلم مراد المقداد ولا ان المقداد اخطأ بعمله طريق الحق بل يعلم ان المقداد اصاب بعمله ( بعلمه خ‌ل ) طريق الحق والنجاة في حقه وفي حق مثله وان كان في حق سلمان انه خطأ وجهل وفي الحديث ما معناه وان الذرة لتزعم ان لله زبانين ( زبانتين خ‌ل ) يعني قرنين وهذا في حقها لا ينافي التوحيد ولا التنزيه لأن عدمهما نقص عندها ووجودهما كمال عندها فهي تصف ربها بما هو كمال ( كمال عندها خ‌ل ) فلو عرض عليك عملها ( علمها خ‌ل ) لكفرت به وجحدته لأنك تنزه الله تعالى عن القرنين وعن صفات جميع الخلق ولو عرض عملك ( علمك خ‌ل ) على الذرة بانك تعبد الذات المنزهة عن القرنين لكفرت به لأن ذلك عندها نقص في حق خالقها ولكنك تعرف ان ذلك يقبل منها ولا يقبل منك فيكون قوله (ص) يا مقداد لو عرض عملك ( علمك خ‌ل ) على سلمان لكفر من هذا القبيل فافهم فقد صدق من الحديث ان التقية تكون في اثنين مؤمنين صالحين من المتقين كل واحد يتقي الآخر ولا تختص التقية بالمخالفين كما توهمه بعض من لا قريحة له في الدين واما امر ابي‌ذر مع سلمان فقد كان من هذا القبيل لأن سلمان كان عالما بالله فوق ما يعرف ابو ذر ولهذا في بعض الأحاديث ما يشعر بان سلمان في حال من احواله ( الاحوال خ‌ل ) ليس من الشيعة بالنسبة الى مطلق الشيعة بل هو من الائمة المتبوعين على نحو ما قال عليه السلام نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء وبيان ذلك ما روي عنه عليه السلام انه قال ما معناه لو يعلم ( علم خ‌ل ) ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله لأن حديث العلماء صعب مستصعب وانما قلت العلماء لان سلمان منا اهل البيت والى هذا المعنى الاشارة بما رواه زرارة قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام ( يقول خ‌ل ) ادرك سلمان العلم الأول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزح وهو منا اهل البيت عليهم السلام بلغ من علمه انه مر برجل في رهط فقال له يا عبد الله تب الى الله عز وجل من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة قال ثم مضى فقال له القوم لقد رماك سلمان بامر فما دفعته عن نفسك فقال انه اخبرني عن امر مااطلع عليه الا الله وانا وفي خبر آخر مثله وزاد في آخره ان الرجل كان ابا بكر بن ابي ‌قحافة وفي رواية الفضيل بن يسار عن ابي ‌جعفر عليه السلام قال قال لي تروي ما يروي الناس ان عليا عليه السلام قال في سلمان ادرك علم الأول والآخر قلت نعم قال فهل تدري ما عنى قال قلت يعني علم بني ‌اسرائيل وعلم النبي صلى الله عليه وآله قال ليس هكذا يعني ولكن علم النبي (ص) وعلم علي عليه السلام وامر النبي وامر علي صلوات الله عليهما فاذا كان هذا حاله فقد ادخلوه في جملتهم بالنسبة الى عامة الشيعة الذين نقصوا عن العصمة الذين من جملتهم ابو ذر لانه ليس من المتعلمين بالنسبة الى هؤلاء الشيعة بل هو من العلماء فاذا كان هذا حاله لا يحتمل ابو ذر ما اضمر عليه قلب سلمان ومثل هذا ما روي عن عبد الرحمن بن اعين قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول كان سلمان من المتوسمين ومعلوم ان المتوسمين آل ‌محمد الطيبون صلى الله عليه وعليهم كما روي عنهم عليهم السلام والمتوسم من ينظر بنور الله والتوسم هو الفراسة المذكورة في الحديث وعن ابي ‌بصير قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول سلمان علم الاسم الاعظم وقول امير المؤمنين عليه السلام يا ابا ذر سلمان باب الله في الأرض من عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا وان سلمان منا اهل البيت وعن ابي ‌بصير عن ابي ‌عبد الله (ع) ( قال خ‌ل ) كان والله علي محدثا وكان سلمان محدثا قلت اشرح لي قال يبعث الله اليه ملكا ينقر في اذنه يقول كيت وكيت وهذا الملك روح القدس لما روي حين بعث النبي (ص) عليا في سنة حجة الوداع الى اليمن ليقبض الحلل التي عاهد عليها نصارى نجران وقد سئل بما معناه بم يحكم علي وهو غائب عنك وقد ينزل الوحي بخلاف الحكم السابق فاجاب (ص) كان روح القدس يلقي عليا ويلقي سلمان ولا ينافي ما اردناه من هذه الروايات ما روي عن الصادق (ع) انه قال في الخبر الذي روي فيه ان سلمان كان محدثا عن امامه لا عن ربه لأنه لا يحدث عن الله عز وجل الا الحجة لان الملك الذي يحدثه انما يكون ببعث الحجة المطلق لأنه صاحب الولاية المطلقة ولو كان محدثا بغير واسطة الامام عليه السلام لكان مساويا له ولا يقول به احد لانه من شيعته ( الشيعة خ‌ل ) الا ان الشيعة على اقسام ثلثة الأول السابقون من الخصيصين وهم الأنبياء عليهم السلام كابراهيم قال تعالى وان من شيعته لابراهيم والثاني المقتصدون من الخصيصين كسلمان والثالث الخواص كابي‌ ذر لكن لما كان سلمان في الدرجة العاشرة من الايمان وابو ذر في الدرجة التاسعة من الايمان لم يحتمل ما يحتمله سلمان ولما كان سلمان من الخصيصين كان الملك يحدثه عن امامه ولم يكن ابوذر محدثا لأنه من الخواص ولا يبلغ رتبة الخصيص وقولنا قبل ان سلمان من العلماء في بعض الأحوال نشير به الى انه من اهل البيت (ع) بالنسبة الى سائر الشيعة الذين يدخل فيهم ابو ذر لا في كل حال واين سلمان من قول الله عز وجل والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله ( من قول الله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا خ‌ل ) وفي ما ذكرنا من الأحاديث ابحاث وتوجيهات يطول بها الكلام ويخرج عن المقام والحاصل ان المراد ان ابا ذر لا يحتمل معتقدات سلمان في معرفة الله عز وجل ومعرفة نبيه صلى الله عليه وآله ومعرفة ائمته عليهم السلام ومعرفة اسرار الدين والتكاليف والمراد من اوامر الله ونواهيه وخطاباته ومواعظه وامثاله وسريان افعاله في مصنوعاته واسرار كتابه وغير ذلك بحيث لو اطلع على بعض ما عند سلمان فيها انكر وجحد وربما قتل سلمان كما روي ايضا وبعض العلماء جعل ما ينكره ابو ذر من معاجز سلمان ويستدل على ذلك بما رواه جابر عن ابي‌ جعفر عليه السلام قال دخل ابوذر على سلمان وهو يطبخ قدرا له فبينا هما يتحدثان اذا انكبت القدر على وجهها على الأرض فلم يسقط من مرقها ولا من ودكها شيء فعجب من ذلك ابو ذر عجبا شديدا واخذ سلمان القدر فوضعها على حالها الأول على النار ثانية واقبلا يتحدثان فبينا هما يتحدثان اذا انكبت القدر على وجهها فلم يسقط منها شيء من مرقها قال فخرج ابو ذر وهو مذعور من عند سلمان فبينما هو متفكر اذ لقي امير المؤمنين عليه السلام على الباب فلما ان بصر به امير المؤمنين عليه السلام قال له يا ابا ذر ما الذي اخرجك من عند سلمان وما الذي ذعرك فقال ابو ذر يا امير المؤمنين رأيت سلمان صنع كذا وكذا فعجبت من ذلك فقال امير المؤمنين عليه السلام يا ابا ذر ان سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان يا ابا ذر ان سلمان باب الله في الأرض من عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا وان سلمان منا اهل البيت ه‍ ومثل ما روي انه رءاه قد وضع رجله تحت القدر مكان الحطب والنار تشتعل فيها ويطبخ بها القدر وامثال ذلك ولا يخفى ان هذا مما يتعجب منه ويذعر منه بل يمكن توجيه التكفير او القتل بهذا كأن يظن فيها السحر ولكن مع التأمل للأحاديث ( في الاحاديث خ‌ل ) يظهر لك ان المراد به ما اشرنا اليه لا هذا وبعض من العلماء حمل الأحاديث على ان معناها ان اباذر لو علم ما في قلب سلمان من المعرفة والتقوى والايمان لمات من حب سلمان ويجعل الضمير في قتله الى ابي ‌ذر وهو مع ما فيه من التكلف والبعد عن ظاهر الحديث وباطنه لو سلم في لقتله ( قتله خ‌ل ) لم يسلم في لكفره وبالجملة فالمعنى الذي اشرنا اليه ان شاء الله تعالى ظاهر لمن فهم كلامنا وكتب احمد بن زين ‌الدين الأحسائي

الحديث التاسع : روي شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ره) بسند صحيح عن الصادق (ع) انه قال لا ينقض الوضوء الا حدث والنوم حدث
اقول : هذا الحديث دال على ان النوم ينقض الوضوء لأنه حدث والحدث ينقض الوضوء اما انه حدث فلنص الصادق عليه السلام في هذا الحديث على ذلك والأصل في الاستعمال الحقيقة لا يقال ان العرب لا تعرف ذلك لانا نقول ان العرب انما يعرفون من العربية القليل وهو ما يحتاجون اليه في محاوراتهم واكثر المعاني لا يعرفونها مع انها موجودة عند اهلها وانما وصلت اليهم بتعليم الله سبحانه الذي خلق اللغة وانما التعليم بواسطة الالفاظ الموضوعة لها فالله سبحانه اخبر نبيه (ص) بان النوم حدث كما اخبره بان البول والغائط حدث فهو في الحقيقة حدث شرعا ولغة اما في الظاهر فكما سمعت واما في الحقيقة فلأن النوم عبارة عن الوفاة الحادثة عن اجتماع النفس الحيوانية الحسية المتعلقة بالأبخرة المتقومة بها الحرارة الغريزية في القلب وصرف وجهها الى جهتها العليا ويبقى شعاعها الذي هو الحرارة الغريزية متعلقا باقطار البدن وهو الرابط للحيوة بالبدن حال النوم فاذا انصرف نظرها عن اقطار البدن واجتمع في القلب وتوجه الى العالم المثالي اظلمت تلك الأقطار وذبلت وبردت وهو الحدث الأصغر لخروج نظر النفس الذي هو ظاهرها عن اقطار البدن واجتماعها في القلب وهو الموت الأصغر واذا خرجت مع الأبخرة بجميع الحرارة الغريزية عن تلك الأقطار وعن القلب حصل البرد الكلي والذبول التام والظلمة الغاسقة وهو الحدث الأكبر لخروجها مع الحرارة الغريزية الكامنة في النطفة وتلك الأبخرة المتقومة بها الحرارة الغريزية هي المعبر عنها بالنطفة التي خلق منها كما في حديث العلل وهو الموت الأكبر فكما ان خروج المني ودم الحيض مثلا اللذين هما صفو الغذاء ومركب الحرارة الغريزية موجب للحدث الأكبر وخروج البول والغائط اللذين هما ثفل الكيلوس موجب للحدث الأصغر لأنهما ظاهر ذلك الصفو صفو الغذاء الذي هو الكيموس كذلك خروج الأبخرة مع الحرارة الغريزية جميعها باصلها موجب للحدث الأكبر وخروج نظرها بوجه الحرارة الذي هو ظاهرها موجب للحدث الأصغر فالنوم حدث في نفسه مثل حدث البول والغائط فتفهم ما اشرنا اليه تفهم واورد على هذا الحديث اشكال لأنه من ثاني الأشكال وشرطه اختلاف المقدمتين كيفا وكلية كبراه والاولى على ما يظهر منها مركبة من سالبة وهي لا ينقض الوضوء غير الحدث ومن موجبة وهي ينقض الوضوء حدث فلما تضمنت الصغرى المقدمتين المذكورتين تعذر على ظاهر ذلك الانتاج اما على الأولى فلعدم تكرر الوسط لأن غير الحدث ليس بحدث واما على الثانية فلعدم شرط الانتاج وهو الاختلاف كيفا والجواب انه ليس المراد بالحدث حدثا معينا ولا حدثا ما بل المراد به كل حدث كما هو ظاهر فتكون في قوة كل حدث ناقض للوضوء فيصير من الشكل الرابع فحصل شرطه وهو ايجاب المقدمتين وكلية الصغرى فينتج او يعكس فيكون من الشكل الاول فينتج على انه اذا اريد بمحمول الصغري العموم كما هو المراد من كلامه عليه السلام كان محمول الكبري احد افراده ويكون الوسط متكررا فلا حاجة الى رده الى الرابع او الاول لأن النوم حدث في الحقيقة بحكم الكلية لاستغراق حرف التعريف والنوم في الحقيقة حدث كما تقدم بيانه ثم ان النوم الغالب على الحاستين ناقض للطهارة باجماع الفرقة المحقة بعد الصدوقين كما نقله اكثر العلماء عن الصدوقين والموجود في الفقيه في باب ما ينقض الوضوء من رواية زرارة عنهما عليهما السلام الى ان قال من غائط او بول او مني او ريح والنوم حتى يذهب العقل ( بالعقل خ‌ل ) ولا ينقض الوضوء ما سوى ذلك وهذا صريح بان النوم ناقض عنده لا سيما مع ذكره في هذا الكتاب الذي اعتماده على ما يورده فيه نعم اورد بعد ذلك رواية سماعة وهي دالة على ما نقل عنه ظاهرا ولعله اراد منها ما لم يذهب عقله فانه اذا ذهب عقله في الغالب انفرج ولا يكاد يستمسك بدليل ما ذكره في المقنع فانه قال فيه وان نمت وانت جالس في الصلوة فان العين قد تنام من العبد والأذن تسمع فاذا سمعت الأذن فلا بأس وهو شاهد لما قلنا له نعم بعد هذا الكلام ظاهر كلامه انما الوضوء مما وجدت ريحه او سمعت صوته يدل باداة الحصر على ان النوم عنده ليس بناقض في نفسه وانما ينقض لأنه مظنة للناقض فلو قيل انه انما خالف الأصحاب في كونه ناقضا بنفسه لم يكن بعيدا كما في المقنع واما انه عنده ليس بناقض مطلقا فلا كما نقلنا عنه ونقل بعض عنه انه ادعى في الخصال الاجماع على النقض به وبالجملة فهو ناقض بالاجماع وكتب احمد بن زين ‌الدين الاحسائي

المصادر
المحتوى