
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد عرض عليّ ( المحترم الحليم ظ ) العالم الحكيم المطيع الملا محمد مهدي بن الحاجي الملا محمد شفيع الاسترابادي مسائل اراد بيان ما اشكل منها او ما يلزم منها الاشكال وانا على حال لا يحسن وصفه من كثرة الامراض ودواعي الاعراض ولقد استقلت من الجواب والتمست منه ادام الله بقاءه ان يعرضها على المحب مشافهة ويكون الجواب مشافهة لانه اسهل من الكتابة فلم يقبل وهو يريد بسط الكلام وذلك متعسر بالنسبة الى حالي من جهة الاشتغال وضعف الحال من كثرة الامراض فعزمت على ان اكتب على مسائله اسعده الله بالصواب بعض الكلمات على جهة الاختصار والاقتصار وذلك اعتمادا على فهمه وتسهيلا على نفسي لضيق وقتي والله الموفق للصواب واليه المرجع والمأب
قال ايده الله : السؤال الاول - قال رئيس المشائين في شفائه ان للمعلول في نفسه ان يكون ليس وله عن علته ان يكون ايس
اقول : اعلم ان كلامه هذا مبني على ما يذهبون اليه من ان الممكن ممكن لذاته وان الامكان امر اعتباري ليس شيئا مخلوقا وايضا التفريع عليه في نفسه لا يصح فالوجهان باطلان اما الاول فلان الممكن اذا كان ممكنا لذاته فهو قديم وانما سمى ممكنا تسمية لفظية وقد دلت الادلة القطعية الضرورية العقلية والنقلية ان الله عز وجل كان ولم يكن معه غيره وهو الأن على ما كان ثم احدث ما سواه فكل ما يصدق عليه السواء فهو مخلوق له تعالى وقد قال جعفر بن محمد عليه السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم وقال الرضا عليه السلم على ما رواه الصدوق (ره) في اول عللالشرائع تقريبا من نحو اربع ورقات قال ما معناه انه ما يقع في وهم احد من الخلق شيء الا وقد خلقه الله قبل ذلك لئلا يقال لم لا يخلق الله ذلك ه وجعفر بن محمد وعلي بن موسى عليهم السلم ان كان المؤمن يصدق بانهم علماء اعلم من ابن سيناء ونحوه وحكماء احكم من سائر الحكماء وانهما معصومان لا يغفلان ولا يسهوان ولا يجهلان ولا يكذبان مسددان من الله تعالى مؤيدان بروح القدس فيجب عليه ان يقبل قولهما فيما يعلم فكيف فيما لا يعلم وان دخل في قلب المؤمن ريب او توقف فليقبل قول الله تعالى في كتابه وان من شيء الا عندنا خزائنه وماننزله الا بقدر معلوم فان قال ان الممكن قبل التكوين ليس شيئا والامكان ليس شيئا فاقول هل وضعتم اللفظ بازاء شيء فيلزمكم انها اشياء وان قلتم لا بازاء شيء فيلزمكم ان هذه الالفاظ مهملة ليست موضوعة وانكم تتكلمون فيما ليس له محل للكلام لانه ليس بشيء واما الثاني فلان الامكان هو ظرف فعل الله المكاني والسرمد ظرفه الوقتي وهو الوجود الراجح يعني فعل الله الذي هو مشيته وارادته وظرفاه الامكان محله والسرمد وقته وقد كان الله تعالى ولا شيء ثم احدث الفعل بنفس الفعل فلزم ظهوره امكانات الاشياء على وجه لا يتناهى في السرمد فكان امكان زيد مثلا جزئيا بالنسبة الى الفعل الامكاني كليا في نفسه بمعنى انه يمكن ان يخلق زيدا وان يخلق ارضا او سماء او برا او بحرا او جبلا او حيوانا او ذبابا او نبيا او شيطانا الى غير النهاية فاذا خلق من ذلك الامكان زيدا بقي امكانه صالحا لكل شيء فافهم وليس للممكن ان يكون في نفسه ليسا لان الليس ان اريد به الامكان فلا يزيد الممكن قبل التكوين على ما هو عليه من الامكان لما قلنا انه انما كان الممكن ممكنا بامكان الله تعالى له بفعله اي بجعل الممكن ممكنا حين الجعل لا قبله اذ ليس قبل الجعل شيئا اصلا وانما امكنه الله ولم يكن قبل امكانه تعالى ممكنا ولا واجبا ولا ممتنعا فهو ممكن لغيره لا لذاته وان اريد بالليس الامتناع فهو ايضا باطل وليس للممكن عن علته ان يكون ايسا ولكنه بعلته يكون ايسا اذ كونه ايسا انما هو بقابليته لتأثير فعل الله فيه والقابلية انما تحدث من نفس اثر الفعل لان اثر الفعل هو الوجود والقابلية هي الماهية كالكسر والانكسار فان الكسر حدث من فعل الكاسر والانكسار الذي هو الماهية احدثه الكاسر من نفس الكسر الذي هو اثر الفعل فلذا نسب الى المكسور كما تحدث الشمس الظل من نفس اثرها وهو النور من حيث هو هو لا من حيث الشمس والا لكان نورا ولذا نسب الى الجدار فلا يتجه الترجح من غير مرجح على انا نقول اما الترجح الذي يكون علة الترجيح فلا بد وان يكون من المعلول حين الايجاد لا قبله ولا بعده وليس من الفاعل واما الترجح اذا اريد به الكون اي لباس حلة الوجود فان المعلول لا يكون من نفسه احداث نفسه نعم يكون منه انه يقارب ان يستغني عن المؤثر وان كان لا يمكن استغناؤه وهو معنى قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار لكنه لا يضيء الا بمس النار فافهم
قال ايده الله : ومثل هذا الكلام يعطي بظاهر الفكر والافهام ان للممكن البات والمنفي الصرف اقتضاء العدم الذي هو شقيق الوجود في نفسه مع عزل النظر عن العلة قضاء لحق المقابلة ولازم ذلك استغناء الممكن بالذات عن السبب في اتصافه باحد طرفي الامكان فيتجه ح الترجح بلا مرجح المسلم بطلانه عند العقلاء الاعيان مع ان فاقة الممكن في كلا طرفي الوجود والعدم الى المقتضي من البديهيات الاولية فان المعلول ليس له في نفسه ان يكون معدوما كما ليس له في نفسه ان يكون موجودا لامكانه بذاته وهو يرادف القوة القابلة في حد ذاته للايس والليس المستدعية في فعليته الى العلة الفاعلية فقد استبان بعين العيان ان ما عليه الرئيس خلاف شاكلة الممكن وشفاء ما استمرضه عندكم هين
اقول : لو سلم قول ابي علي لكان ما ذكرتم واردا عليه وكلامكم على فرض صحة قوله صحيح الا ان في تعليكم (كذا) شيئا اعني قولكم لامكانه في ذاته وقد اشرنا الى بطلان كون الممكن ممكنا لذاته وفيما ذكرنا جواب الذي احترز منه القائل بانه ممكن لذاته وهو قوله والا لزم ان يكون الممكن بالغير اما انه قبل فعل الخير واجبا او ممتنعا وكلا الفرضين باطل لامتناع انقلاب الحقائق فان من كلامنا المتقدم يظهر جواب هذا الوهم وهو اذ ليس قبل الجعل شيئا يعني لا واجبا ولا ممتنعا ولا ممكنا وقوله سلمه الله ان ما عليه الرئيس خلاف شاكلة الممكن الخ صحيح وكذلك قول انه ممكن لذاته فانه خلاف شاكلة الممكن لان ما لذاته لا يجري عليه ما من الغير لاستغنائه لذاته الموجب للاستقلال في جميع الاحوال اذ كل ما يستغني في حال فهو قائم بنفسه على الاستقلال وهذا اعلى معاني الصمد الذي نصف بها ذا الجلال عز وجل
قال سلمه الله : السؤال الثاني - حكم الحكماء بان كل ممكن فهو زوج تركيبي فانه وان كان بسيط الذات في الاعيان لكنه مزدوج من الجنس والفصل في الاذهان وذلك على خلاف ما عليه شاكلة الحق الواجب الوجود اذ لا ماهية له بل هو نفس الوجود بشرط سلب الزوائد والقيود ومنه افاضة ذوات الماهيات المكتسية لخلقه الوجودات اللاشرطية وقد يعبر عن وجود الحق بالوجود المطلق وتارة بالوجود بشرط لا كما اشار اليه ابو علي ابن سيناء لكنهم قد يفسرون الوجود المطلق بالمعنى العام بمعنى الوجود لا بشرط شيء ويحكمون بانه عين الحق تعالى فيرد ح الاشكال كما بينه بعض اهل الحال بان الحكم بوحدة معنى الوجود وحمله على ذات الواجب وعلى غيره لكن في الواجب هو نفسه وفي غيره غيره وزائد عليه عارض له غير منقح المناط اذ غنا الوجود عن الماهية المضاف اليها ان كان لنفس الوجود فليكن الجميع كذلك لوجود الوجود فيها وان كان لشيء زائد في الواجب تعالى قدسه فهو مخالف للقواعد المبرهنة ومستلزم لتكثر ذات الحق الفرد المطلق ومن المستبين استحالته ومنكم نرجو بيانا تندفع به مقالته
اقول : الحق ان كل ممكن زوج تركيبي في المحال الثلاثة في الذهن وفي نفس الامر وفي الخارج وليس في الاعيان ولا في الاذهان ولا في نفس الامر اعني ما قام عليه البرهان ما هو بسيط الذات الا الواجب السبحان مع ان الواجب لا يدخل في قولهم كل ممكن وان اريد به الامكان العام لان كلامهم منصوص عليه كما ارادوا في الممكن المحدث والواجب تعالى له ماهية لكنها نفس وجوده بلا مغايرة في المحال الثلاثة وليس هو نفس الوجود بشرط سلب الزوائد والقيود فان القول بهذا هو حقيقة الجحود للواجب المعبود اذ المقيد بشرط سلب او اثبات سواء كان في احد الامكنة الثلاثة ام في الفرض والاعتبار والتقدير مركب وهذا قول اهل التصوف فان شاعرهم يقول :
وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
وهذا القول لا ينطبق على قواعد المسلمين فان قلت ما تقول في المجردات كعقل الكل وما اشبهه قلت العقل وغيره من الحوادث كلها مركبة فان الحكماء نصوا على ان كل محدث فله اعتباران اعتبار من ربه واعتبار من نفسه فالاعتبار من ربه هو الوجود والاعتبار من نفسه هو الماهية وهذا مما لا يرتاب فيه احد ممن له علم ومعرفة واما معنى انه مجرد فان المراد انه مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية واما مطلقا فلا وقد قال سيدنا وامامنا علي بن موسى الرضى عليهما السلم ان الله لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه ه
وقوله سلمه الله ومنه افاضة ذوات الماهيات المكتسية لخلقه الوجودات اللاشرطية
ليس بصحيح لان ضمير منه يريد به العود على الوجود الحق وتعالى في عز جلاله ان يفيض منه شيء او يفيض من شيء بل ذوات الماهيات احدثها بعد وجوداتها بسبعين سنة وان ظهورهما مساوق لم يسبق ظهور احدهما ظهور الاخر كالكسر والانكسار لا انها كانت في علمه الذي هو ذاته ثم كساها في عالم الاكوان حلة الوجود كما ذهب اليه مقلدوا الصوفية والوجودات اللاشرطية وجودات مشروطة فالحق المنجي من العذاب ان التسمية في تقسيم ما يسمى بالوجود على ثلاثة اقسام : الاول الوجود الحق وهو الواجب تعالى والثاني الوجود المطلق وهو الوجود الراجح وهو الفعل بجميع اقسامه كالمشية والارادة والابداع والاختراع والقدر والقضاء وما اشبه ذلك ومكانه الامكان المسمى بالعمق الاكبر ووقته السرمد فهذا الوجود المطلق وهو راجح الوجود والثالث الوجود المقيد واوله العقل وآخره الثرى ومنه الوجود بشرط لا ولا بشرط ما لم يرد بلا بشرط عدم التقييد فيدخل في الثاني وما اصطلحوا عليه ليس بصحيح ومن اطلق على الوجود الحق الوجود المطلق وفسر المطلق بالمعنى العام بمعنى الوجود لا بشرط شيء فهم اصحاب الثلجة كما تقدم في الشعر ومع هذا فالاشكال المذكور وارد على هذا القول والتعليل للاشكال فيه اشكال ولكن لا فائدة في الكلام عليه
قال ايده الله : السؤال الثالث - الظاهر من تقسيم ابن سيناء في كتاب الشفاء الجوهر الى العقل والنفس ان حقيقة العقل هو الجوهر المتبرئ عن المواد ذاتا وفعلا وحقيقة النفس هو هو الجوهر المفارق عنها ذاتا لا فعلا وعندي فيه اشكال لانه ان اريد عدم الاحتياج في الذات ومطلق الافعال فينتقض الجميع بالعقل الفعال اذ تأثيره في الحوادث اليومية مسبوق بالمادة على كل حال وان اريد الغناء في الذات والفعل في الجملة وبعض الاحوال لزم كون بعض النفوس عقلا كما في خوارق العادات والمعجزات المثبتة للنبوات والامامات فيبطل المنع
اقول : معنى قولهم ان العقل هو المتبرئ عن المواد ذاتا ان العقل لا يدرك بنفسه الا المعاني المجردة عن المادة والمدة والصورة فيكون تعلقه منوطا بالاعتقادات ومثاله اذا قلت لك الظلم قبيح والحسن حسن ام لا اجبتني بقولك بلى ولم يكن لك حالة منتظرة في جوابي وليس لي ايضا حالة منتظرة في خطابي وجوابك بل حين قلت لك لم تنتظر غير الجواب وانا كذلك فلم يبق لنا حالة يتوقف الخطاب والجواب عليها فكان العقل وما اجاب عنه منجزا في الغيب ولم يكن له انتظار الى شيء يتوقف الخطاب او الجواب عليه لان العقل لا يتعلق بذاته ولا بفعله بشيء من الاجسام واما في النفس فذاتها مثل ذات العقل في نفس الذات وفي نفس الادراك لا في تعلقه فاني اذا قلت لك اريد ان تكتب لي غدا خطا فيه كذا وكذا وقلت نعم بقي مرادي وحاصل جوابك موقوفين على وقوع الكتابة غدا لاني مااردت منك ما اتصوره انا او ما تتصوره انت وانما اردت الكتابة منك وجوابك لي انما هو بفعلها غدا فكانت نفسي ونفسك في تخيلهما مقترنين بحصول الكتابة غدا وهي من الاجسام فهذا نوع كون النفس مقترنة بفعلها بالاجسام بخلاف العقل ولم يريدوا بقولهم في العقل والنفس شيئا غير نوع ما ذكرت لك وليس مرادهم احتياج النفس في فعلها يعني في تعلقه الى الاجسام الا ما ذكرت لك وكذلك العقل فيما ذكرنا واما في ذات العقل والنفس فهما من عالم الجبروت ومن عالم الملكوت لا تعلق لها بالاجسام فلا يرد نقض بالعقل الفعال لان العقل الفعال لا يتعلق بنفسه ولا بفعله بالمواد الا بواسطة النفوس الفلكية على انا نقول ان القول بعقول عشرة غلط لانه قد دل الدليل القطعي السمعي والعقلي ان الانسان الصغير طبق العالم الكبير فكل ما فيه يوجد في العالم الصغير وما جهل منه يطلب في الصغير وقد اجمع المسلمون والعقلاء اجمعون على انه ليس في الانسان الصغير ازيد من عقل واحد فكيف يكون في الانسان الكبير عقول عشرة نعم في الصغير عقل واحد ونفوس ثمانية وجسم نفس كلية وقلب هو العقل وعقل اي نفس متعقلة وهي من فلك زحل ونفس العلم ونفس الوهم ونفس الوجود الثاني ونفس الخيال ونفس الفكر ونفس الحيوة وجسم مركب من العناصر فهو مطابق للكبير فالعقل الفعال على معنى ما قالوا لا اصل له ولو قلنا بقولهم كان فعله متعلقا بنفوس العناصر وهي متعلقة بافعالها بالمواد العنصرية واما قوله لزم كون بعض النفوس عقلا الخ ففيه انه لا يلزم والاشتباه نشأ من اشتباه العقول او الارواح بالنفوس فيظن من اشتبه عليه ان النفس قد تستغني عن الاقتران في فعلها بالمادة الجسمانية والغلط نشأ من عدم معرفة المستغنى ما هو فيظن انه النفس وليس هو بنفس وانما هو روح او عقل لان النفس لا يحصل فيها الا الصور ذوات التخطيط وهي اشباح منتزعة من الاجسام المصورة اذ غير الاجسام لا صورة لها فلا تنتزع النفس صورة مما لا صورة له فافهم
قال ايده الله تعالى : السؤال الرابع - من المقروع عند الاسماع ازلية العدم واستمراره ولم يتصد احد من اهل العلم لانكاره ولا يصح على ذلك بطلانه بطروء الوجود عن مفيض الخير والجود لما برهن عليه من القاعدة التامة في الامور العامة وهي ما ثبت قدمه امتنع عدمه
اقول : القول بازلية العدم جهل محض لان العدم ان كان شيئا فهو اما واجب واما ممكن وان لم يكن شيئا فلا معنى لوصف لا شيء بالازل الذي هو الشيء ومن لم ينكر ازلية العدم فهو منكر لازلية الواجب ولو قلنا بانه شيء ممكن او هو الامكان لم يبطل بطروء الوجود واما القاعدة المذكورة فيعني بها ما ثبت قدمه اي شيء ثبت قدمه ولا شيء قديم الا الله سبحانه
قال سلمه الله تعالى : السؤال الخامس - ومن الاقوال المسلمة عند اهل الحال القول بان الماهية من حيث هي ليست الا هي فلا تكون موجودة ولا معدومة ولا واحدة ولا كثيرة ولا كلية ولا جزئية وعلى هذا يتجه اشكالان احدهما ان مقتضى ذلك هو الحكم بجواز ان يرتفع النقيضان وهو مما حكم بامتناعه بالبرهان بل الضرورة والوجدان كاجتماعهما في الوجود والاعيان وثانيهما ان الحكم بان تلك الماهية ليست الا هي بمعني انها ليست شيئا من الامور المزبورة فرع تصورها وتعلق الادراك بها وليس ذلك الا نحو وجودها فلا يصح منهم الحكم المذكور كما لا يخفى
اقول : اكثر الاقوال المسلمة على نحو ما قال امير المؤمنين عليه السلم ذهب من ذهب الى غيرنا الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب الينا الى عيون صافية تجري بامر الله لا نفاد لها ه وهذه الاقوال المسلمة انما هي عند من ذهب الى غيرهم ولا شك في فساده لان كل شيء لا يخلو من وجود او عدم ولا واسطة الا باعتبارين وما كان كذلك فهو جهتان جهة وجود وجهة عدم وكذا باقي الاوصاف ثم على فرض تسليم قولهم الباطل لا عيب في ارتفاع النقيضين واجتماعهما في بعض الاشياء فلا ينبغي احالتهما مطلقا ومن ذلك الواجب سبحانه فانه يجتمع في وصفه النقيضان ويرتفعان واجتماعهما نفس ارتفاعهما فهو اول اخر بجهة واحدة ولحاظ واحد وهو ظاهر باطن وهو عال دان وهكذا وارتفاعهما لا اول ولا اخر ولا ظاهر ولا باطن ولا قريب ولا بعيد وهكذا والاجتماع عين الارتفاع في وصفه تعالى لان ما يمتنع على خلقه يجب له وما يجوز على خلقه لا يجوز عليه ومن ذلك فعله ليس اولا ولا اخرا لانه محدث والاولية المحدثة والاخرية محدثان به فلا يجريان عليه وكذلك الحركة والسكون والظهور والبطون الحادثان لانها كلها صادرة عنه واما ما كان منها صفة للقديم تعالى فلا يتصف الفعل بها وانما حكموا بالامتناعين في الاجسام فافهم واما الاشكال الثاني فصحيح وارد لا مرد له من الله
قال ايده الله تعالى : السؤال السادس - من الصفات العينية لواجب الوجود القدرة وتفسيرها على ما يظهر من الكتب الكلامية ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل او وان شاء لم يفعل ولا ريب ان هذا المعنى مساوق لمعنى الامكان لتساوي الطرفين والحكم باتصافه تعالى بمثل هذه الصفة مستلزم لاتصاف الشيء بضده بل لاتحاد الوجوب والامكان على الحق من عينية الصفات وهو اجماعي الاستحالة لافضائه الى اجتماع الوجوب الذاتي والامكان الذاتي وهم قد صرحوا بقضهم وقضيضهم بان المواد الثلاث اعني الوجوب والامكان والامتناع غير ممكنة الاجتماع اذا كانت ذاتية نعم قد يمكن اجتماع الامكان الذاتي مع الوجوب الغيري بوجود العلة ومع الامتناع الغيري بعدمها ولا يمكن اعتبار الغيرية في الامكان حتى يجتمع مع الوجوب الذاتي
اقول : تفسير القدرة بان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل غلط لان هذا تفسير الاختيار عند غير الاشراقيين ولكن لعله من سهو القلم وبالجملة المراد معلوم وهذا الوصف ثابت لفعله تعالى لان ان شاء فعل وان شاء لم (كذا) او وان لم يشأ لم يفعل وصف فعلي والتضاد في الافعال كالرحمة والغضب والسخط والرضى واتصاف الشيء من حيث هو فاعل بضدين من اثار افعاله لا عيب فيه بل هو الواقع ولا يكون وصفا لان الذات لم تكن فاعلة بذاتها اذ الشيء انما يفعل بفعله فتقول زيد قائم وقاعد وهما وصفان للافعال نسبت اليه من حيث انهما اثر فعليه فافهم وباقي الكلام تقدم بيانه وابطال باطله
قال ايده الله تعالى : السؤال السابع - ومما عليه ابواب الشكوك مسدودة هو الحكم بعدم جواز حدوث الوجود للماهية المعدومة او الموجودة لاستلزام الاول اجتماع النقيضين والثاني تحصيل الحاصل ولا تأمل في ان كلا منهما باطل فوجب القول بعروض الوجود للماهية المرسلة وهذا مستلزم لمفاسد مضافا الى انه مقتض لبطلان بعض القواعد مثل قولهم باستحالة ارتفاع النقيضين وان ثبوت الشيء فرع ثبوت المثبت له فكيف يعرض الوجود للماهية المرسلة فمن المفاسد انحصار الممكن في الموجود والمعدوم في الممتنع فان الممكن المعدوم والمعدوم الممكن غير ممكن الثبوت لثبوت التنافي اذ العدم للوجود طارد ومانع ومنها هدم اساس المعاد والتزام بقاء العالم ابد الاباد اذ الوجود ايضا للعدم غير جامع في كل مواد ولا شبهة ان ذلك خلاف الرشد والسداد بحكم العقل المصفى بملازمة الكتاب والسنة وقد شهد به الضرورة الاسلامية ومنها القول بازلية الموجودات وتسرمد العالم من المجردات والماديات وهو مع انه كفر وتزندق مردود ببحوث علمت في دلائل الحدوث
اقول : ان الحكم بعدم جواز حدوث الوجود للماهية المعدومة او الموجودة مما يتناوله قول امير المؤمنين عليه السلم العلم نقطة كثرها الجاهلون او الجهال على اختلاف الروايتين فان الوجود لم يحدث للماهية وانما حدثت الماهية له لانها قابليته وانفعاله ومن سلم ان الماهية موجودة قبل الوجود لزمه تحصيل الحاصل الا اذا جعل وجودها السابق علميا او امكانيا واللاحق كونيا ومن سلم انها معدومة فان اراد الامتناع لزمه اجتماع النقيضين سواء كان الامتناع بالذات كما يذهب اليه من يدعي امكان تصوره ام في رتبة الذات الواجب اذا اراد بحدوثه لها في تلك الرتبة واما اذا اراد بحدوثه لها فيما دون ذلك فلا بأس بل هو الحق لو قلنا بعروض الوجود للماهية واما على ما نذهب اليه من انها انما يكون لها ذكر بعد ذكر الوجود لانها قابليته تابعة في التكون بمعني ان تكونها مترتب على تكونه لا كما يذهب اليه من قال من الاشراقيين من ان وجودها عند من يقول به منهم تابع لوجوده فهي موجودة بايجاده لا بايجاد آخر ولا كما يذهب اهل التصوف من انها عارضة له بل يكون وجودها بايجاد آخر مترتب على ايجاد الوجود نسبته اليه نسبة الواحد الى السبعين فاول ما خلق الله بفعله المادة وهي الوجود الذي نريده فلم يقدر على الظهور بدون الماهية فخلق الماهية دعامة تقيمه فظهرا معا فهو مراد اولا وبالذات وهي مرادة ثانيا وبالعرض وقوله فوجب القول بعروض الوجود للماهية المرسلة فليس الواجب ولا منه كون الوجود عارضا ولم يسبق كونه كون لا في العلم ولا في الامكان ولا في الاكوان اذ ليس شيء الا الله وحده ثم احدث الفعل بنفسه ثم احدث الوجود بفعله لا من شيء وكان من حيث الفيض انما هو نور الله اي النور الذي احدثه بفعله ثم كان من حيث نفسه اياه وهذا هو ماهيته فمنهما تركب الشيء لان الوجود هو المادة في كل شيء بحسبه والماهية هي الصورة فخلقها سبحانه من نفس الوجود من حيث هو كما خلق الظل من نفس نور الشمس من حيث هو لا من حيث الشمس فان اريد بارسالها بعد الكون في الذات مساوقة له في الظهور فهو حق والا فلا فانتفت المفاسد ولو قلنا بذلك اتجهت المفاسد ولزمت ثم نقول ان انحصار الممكن في الموجود صحيح اذا اريد به الموجود الامكاني والكوني اذ ليس شيئا غيرهما واما انحصار المعدوم في الممتنع فباطل اذ المعدوم شيء نزع منه الوجود الكوني او التركيب التأليفي والممتنع ليس شيئا وانما يعبرون به عن شيء متصور محدث وتريدون به ما ليس شيئا فاذا عبر عن الايس بالليس حصل التنافي وهو غلط والممكن المعدوم هو المعدوم الممكن اذ ليس معدوم ممتنعا والعدم يطرد الوجود الكوني والتأليفي لا الامكاني والعلمي فلا ينهدم اساس المعاد والحق بقاء العالم ابد الاباد ولكنه مع الانتقال من بلاد الى بلاد الى ان يخلص (ظ) من عالم الاعراض والاغراض والفساد كما اخبر به رب العباد واخبر به محمد واله الامجاد صلى الله عليه وعليهم ما هدي بنور هداهم هاد والوجود الامكاني وبعض الكوني جامعان للعدم في كل المواد ولا شبهة ان هذا هو الرشد والسداد بحكم العقل المصفي المطابق للاستعداد المطابق للايجاد والضرورة الاسلامية تنادي بهذا في كل ناد واما لزوم القول بازلية الموجودات الخ فلازم على جل اقوالهم
قال سلمه الله تعالى : السؤال الثامن - ومن المحقق عند رهط من اساطين الفلسفة ان وحدة الحقيقة القيومية من لوازم سلب الكثرة والظاهر ان هذا الحكم غير ملائم لما ورد في كلام ائمة الحكمة في وصفه تعالى مجده بانه مع الظهور خفي ومع الكثرة واحد بينوا سر المسألة للعبد حماكم الله من المكائد
اقول : الامر الواقع كما قلتم وقولهم ليس بسديد لان سلب الكثرة تحديد لنفسها لا لوحدته تعالى اذ لو كان الازل مكانا او وقتا واسعا والواجب في بعض منه وفي الباقي من الازل اشياء كثيرة يتميز منها بسلبها عنه اتجه كلامهم لكن الازل هو ذاته وليس معه غيره وسلب الكثرة انما هو في الامكان لان المتوهم ان القديم شيء ما بين اشياء لا يتميز منها الا بسلبها يقول ان الكثرة موجودة واذا سلبت عن ما سوى واحد كانت وحدته لازمة لذلك السلب وهذا باطل واما قولنا ان السلب تحديد للكثرة فمرادنا ان الاشياء المتعددة اذا جرى عليها السلب كان تحديدا وتمييزا لمخلوقيتها وذلك كما قال الرضا عليه السلم كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه واما قولهم عليهم السلم بانه مع الظهور خفي ومع الكثرة واحد فمعناه انه انما هو بما خلق لا بذاته وكان ظهوره بهم تعرفا منه تعالى لهم ليعرفوه بما اودع في خلقه من الايات والدلالات وكان وجودهم هو الحاجب لهم عن معرفته ولذا امر سيد الوصيين عليه السلم كميل بن زياد لما سئله عن الحقيقة بان ينفي عن وجدانه الوجودات وجميع الاعتبارات فقال له كشف سبحات الجلال من غير اشارة وذلك لان السبحات التي هي الاشعة كثرة فتمحا حتى الاشارة وهو مثل قوله عليه السلم من عرف نفسه عرف فقد عرف ربه حرفا بحرف فكيف يظهر من لم تتحول ذاته وكيف يخفي من ظهر باياته وهو تعالى ايضا مع الكثرة واحد لانه تعالى كان وحده وهو الأن على ما كان ودليله الذي هو عنوان معرفته في الكثرة واحد لانه ليس فيها ما يشابهه او يشتبه به فلا يحتاج في اثباته الى نفي ما سواه الا من يشتبه بالسواء فافهم
قال سلمه الله تعالى : السؤال التاسع - قد وجدنا في كلمات بعض محققي العرفاء تفسير قوله تعالى عزه لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي بحمل الكلمات على الذوات الكائنة والبحر على الهيولي الاستقصية وربما يختلج بالقلب ان الافاضة المتعلقة بتلك الذوات انما هي بحسب اختلاف الاستعدادات فيكون كل افاضة وتأثير وفعل بازاء استفاضة وتأثر وقبول فلا يتصور نفاد البحر قبل نفاد الكلمات والا لكانت الحوادث الكائنة حاصلة الوجود بلا اعانة من المواد وهو مستلزم لكونها مجردات صرفة وعقليات محضة كما يظهر بعين السداد
اقول : الاولى اذا عدلنا عن باطن الاية ان المراد بالكلمات ما في الخزائن الاولى الامكانية والخزائن الثانية الاكوانية والبحر الاكواني والكلمات الذوات والصفات او صفات الذوات كما في التفسير الباطن وقولكم والبحر على الهيولي الاستقصية فيه ان اصطلاحهم جرى على تسمية المادة باسماء تابعة للاحوال فالهيولي للمادة النوعية القابلة للصور قبل تعلقها والاستقص للمادة التي تعود اليها الحصص المأخوذة منها فاطلاق الهيولي على الاستقص خلاف ما اصطلحوا عليه ولكن المراد معلوم وتفسيرهم له وجه في الجملة واما ما اختلج بضميركم فله وجه ايضا الا ان فيه شيئا وهو انه انما يتم لو قلت بان الذوات لا وجود لها ولا ذكر قبل الافاظة ( الافاضة ظ ) واما اذا جعلت لها حصولا ما في الذات او في العلم كما يقولون فلا على انا نقول ان البحر انما يحصي نفسه اي ما فيه من اوصاف الكلمات واذا جيء بمثله مددا كان المدد انما يحصي ما فيه وقولكم مستلزم لكونها مجردات صرفة وعقليات محضة ظاهر في ان بعض الحوادث كالعقول والنفوس مجردات لا مواد لها اصلا وهذا لا يصح لا اصلا ولا فرعا لان كل ممكن زوج تركيبي وهذا لا يخص بالعنصريات بل يعم كل محدث وكلام المتقدمين من الحكماء ارادوا بهذا الكلام ان العقول والنفوس مجردات عن المواد العنصرية والمدد الزمانية لا انه لا مادة لها اصلا فاتى المشاؤن فأخذوا ظواهر كلام المتقدمين فقالوا ما قالوا ولم يفهموا مرادهم ولهذا سموا بالمشائين تشبيها لهم بالماشين مع الراكب لانهم سموا بذلك لكونهم يمشون تحت ركاب افلاطون كناية عن اقتصارهم على ظواهر كلماته والاشراقيون من اشرقت على الواح نفوسهم نفس افلاطون كناية عن فهمهم لمراده والرواقيون سموا بالقاعدين في رواق بيته كما هو حال الخدام وكيف يراد بالمجردات المتجردات عن مطلق المواد مع قولهم كل ممكن زوج تركيبي
قال سلمه الله : السؤال العاشر - حكي عن المعلم الثاني انه قال ان الهيولي تصورت فوجدت ووجدت فتصورت اوضح لنا المرام من هذا الكلام حفظكم الله من الالام بمحمد واله الكرام
اقول : قد تقدم ما يشير الى معنى هذا الكلام والاشارة اليه انا قد ذكرنا مرارا ان المراد من الوجود الذي هو اول صادر عن فعل المعبود هو المادة ووجود كل شيء اذا اردت به الذي هو حقيقة الشيء هو المادة والمادة اذا لحظ فيها صلوحها لقبول الصور المتعددة تسمى هيولي وهي الوجود الاولي والوجود لا يمكن حصوله الا بقابليته للايجاد وقابليته للايجاد هي صورته وعندنا ان الصورة توجد بعد المادة وليس لها اسم ولا رسم بحال من الاحوال قبل المادة واما عندهم فالامكان الاصلي اعتباري لا تحقق له واما الامكان الاستعدادي هو وان كان لا يكون الا بعد الوجود لكنه له تهيؤ قريب وهو علة حدوث الحادث يعني به القابلية فعلي قولهم ان الهيولي تصورت اي تهيئت للايجاد فوجدت اي فحدث وجودها فحصل منها ح المادة والصورة النوعيان ووجدت فتصورت اي بعد ان وجدت في النوع تصورت بالصور الشخصية فيكون معنى كلامه تصورت في الاستعداد فوجدت اي لبست الوجود بالايجاد ووجدت اي وبعد ان وجدت في الخلق الاول تصورت في الخلق الثاني
قال ايده الله تعالى : الحادي عشر - اوضحوا رحمكم الله للعبد التفرقة بين الهوية والاحدية والواحدية والالوهية واللاهوتية والرحمانية والرحيمية واطلاقاتها والعنوانات الدالة عليها بعبارات مفصلة واضحة بحيث يظهر السر المحجوب ويكشف النقاب عن وجه المحبوب
اقول : ان الكلام على مثل هذه الامور ان كان يبين فيه اصطلاحات القوم على كثرة اختلافهم ثم يبين طريق الحق طال الكلام وضاق وقتي مع ما انا فيه ولكن لا بد من الاشارة الى المراد والاعتماد على فهم من له قلب وفؤاد اعلم ان الهوية هي ما يراد بهو عند الاشارة الى الذات فان الهاء اشارة الى تثبت الثابت والواو الى الغائب كما (ظ) قاله الباقر عليه السلم او كما قال والمركب من الحرفين يراد به الاشارة الى الذات الغائبة مع قطع النظر عن كل صفة غير الغيبة والاحدية صفة الاحد وهو الواحد في ذاته وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد والواحد في صفاته قال تعالى ليس كمثله شيء والواحد في صنعه قال تعالى اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وقال هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه والواحد في عبادته قال تعالى ولا يشرك بعبادة ربه احدا فالمتفرد في الاربع المراتب احد وفي واحدة واحد وهو صفة احد والواحدية صفة واحد وهي صفة الاحدية والالوهية صفة الله وهو الذات الجامعة لصفات القدس كالعزيز والعلي والقدوس ولصفات الاضافة كالعليم والسميع والبصير والقدير ولصفات الخلق كالمشية والارادة والكلام والخالق والرازق واللاهوتية مبالغة في الالوهية كالملكوت مبالغة في الملك يعني غيب الالوهية والرحمانية صفة الرحمن اي الذات الجامعة لصفات الاضافة وصفات الخلق كما مر وهي الرحمة الواسعة لكل شيء منها فضل ومنها عدل فالتنعيم للمؤمنين في الاخرة من الفضل والتعذيب للكافرين في الاخرة من العدل وكلاهما من الرحمة الواسعة وهي صفة الرحمن والرحيمية صفة الرحيم وهي الرحمة المكتوبة للمؤمنين وكان بالمؤمنين رحيما وقال بعد قوله ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون الاية وقد اشرت الى العنوانات اذ هي الادلة على ما ذكر فهذا معنى ما ورد في الاخبار وذكره العلماء الاخيار
قال سلمه الله تعالى : السؤال الثاني عشر - بينوا حماكم الله الفرق بين التوحيد الالوهي والوجودي
اقول : التوحيد الالوهي توحيد الجملة بان تثبت ذاتا واجبة الوجود متصفة بصفات كمال لا تشارك فيها هي عين تلك بلا مغايرة الا من حيث اللفظ باعتبار متعلقاتها من الاثار والتوحيد الوجودي ان تثبت وجودا واحدا لا تشهد معه شيئا حتى ذاتك وشهودك وانما تراه به كما قال الشاعر :
اذا رام عاشقها نظرة ولم يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفا رءاها به فكان البصير بها طرفها
واليه الاشارة بقول سيد الوصيين عليه السلم وكمال توحيده نفي الصفات عنه
قال سلمه الله تعالى : السؤال الثالث عشر - المرجو من جنابكم تحقيق مسألة النسخ والبداء والفرق بينهما وبيان مجراهما من الاحكام التكليفية والافعال التكوينية بحيث يرفع الحجاب ويكشف النقاب
اقول : اعلم ان الله سبحانه خلق كل شيء بقابليته وقابليته بمشخصاتها ومتمماتها واصولها الكم والكيف والوقت والمكان والجهة والرتبة وفروعها كثيرة ولا يكون شيء عن فعل الله سبحانه الا بعد استكمال شرايط ايجاده وفي الحديث بطرق متعددة لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة مشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وفي رواية فقد اشرك وفي رواية على نقض واحدة بالضاد المعجمة فكل شيء فله اجل ولكل اجل كتاب يعني ان الموجود لوجوده وقت يظهر فيه ووقت ينعدم وجوده فيه او يتغير ولبقائه وقت فاذا استكمل الشرائط بقي واقفا بالباب حتى يؤذن له بالخروج والذهاب والذوات عالم مستقل والصفات عالم برأسه والافعال عالم برأسه والاقوال عالم برأسه والحروف عالم برأسه والحركات عالم براسه والطبائع عالم برأسه والالوان عالم براسه والطعوم عالم براسه والروائح عالم براسه والاشعة عالم برأسه وهكذا فكل نوع عالم مستقل فاذا عرفت ما اشرنا اليه ظهر لك ان النسخ والبداء شيء واحد بمعنى واحد وانما فرق بينهما باعتبار متعلقيهما فوجود الحكم له مدة يجرى على المكلفين به فيها فاذا انتهت رفع وهو معنى نسخ الحكم ووجود الشيء له مدة يجري على كونه في الاعيان بما لبس من حلة الاكوان في تلك المدة فاذا انتهت رفع ذلك الوجود او تغير وهو معنى البداء ولهذا قال السيد الداماد البداء نسخ وجودي كما ان النسخ بداء تشريعي ونعم ما قال هذا ذكر الاشارة الى علة البداء والنسخ واما ذكر الاشارة الى وصف كونهما فاعلم ان البداء هو محو ما كان ثابتا واثبات ما لم يكن مثاله ان الله سبحانه جعل على زيد ملائكة موكلين به في جميع قواه وطبائعه في تدبير جميع انحائها فاذا نظروا مثلا الى آلات نفسه التي تخرج باختلالها عرفوا بان تلك البنية تقتضي انه يعيش عشرين سنة بمعنى ان تلك الالات لم تتحلل قبل العشرين سنة انتقش في اذهانهم انه يعيش عشرين سنة فاذا فعل ما ينقص العمر من الاعمال المنهى عنها كالزنا ضعفت تلك البنية لان الزنا يحبس كثيرا من المدد الذي به قوام تلك الطبائع حتى كانت البنية لا تقتضي البقاء اكثر من خمس سنين فاذا نظر اليها الملائكة الموكلون به وجدوا بنيته لا تقتضي اكثر من خمس سنين انمحى ما كان في اذهانهم من ان بنيته تقتضي عشرين سنة وانتقش فيها ان بنيته تقتضي البقاء خمس سنين فقد محا سبحانه ما كان ثابتا وهو العشرون السنة من الواح المحو والاثبات التي هي اذهان الملائكة الموكلين به واثبت فيها خمس سنين فقد محا من الالواح الجزئية واثبت كل واحد بمشيته وكذلك لو عمل زيد اعمالا صالحة كالاحسان والبر خصوصا بوالديه واقاربه قوي مجري المدد من فعله تعالى الى قوابل بنيته فتقوى بنيته بحيث تقتضي البقاء خمسين سنة فاذا نظر اليها الملائكة انمحى ما كان انتقش في نفوسهم من مدة العشرين وانتقش في نفوسهم بقاؤه خمسين فقد محا سبحانه من الالواح الجزئية الواح المحو واثبت في الالواح الجزئية الواح الاثبات وكل ذلك بمشيته وكذلك الكلام في النسخ الحكم كان مثبتا في بعض الالواح التي تحت اللوح المحفوظ ما دام الوقت والمكان والموضوع فلما تغير احدها ارتفع حكمه فهو كالانسان حرفا بحرف فما دام شيء من رزقه المكتوب له ومن عمره فهو حي فاذا انقضى احدهما مات
قال سلمه الله تعالى : الرابع عشر - بينوا تقرير الشبهة المشهورة المنسوبة الى ابن كمونة ودفعها وابطالها على القول بقدم العالم وعلى القول بحدوثه
اقول : قال الملا صدرا في الاسفار ان مما تشوشت به طبائع الاكثرين وتبلدت اذهانهم ما ينسب الى ابن كمونة وقد سماه بعضهم بافتخار الشياطين لاشتهاره بابداء هذه الشبهة العويصة والعقدة العسرة الحل فاني قد وجدت هذه الشبهة في كلام غيره ممن تقدمه زمانا وهي انه لم لا يجوز ان يكون هناك هويتان بسيطتان مجهولتا الكنه مختلفتان بتمام الماهية يكون كل واحد منهما واجب الوجود بذاته ويكون مفهوم واجب الوجود منتزعا منهما مقولا عليهما قولا عرضيا فيكون الاشتراك بينهما في هذا المفهوم العرضي المنتزع عن نفس ذات كل منهما والافتراق بصرف حقيقة كل منهما انتهى كلامه لنقل شبهة ابن كمونة وانا اقول هذه الشبهة انما تكون شبهة عند من لا يعرف الله الا بمفاهيم العبارات واما من عرف الله بما وصف به نفسه فلا تكون هذه شبهة عنده وانما هي كلمات متناقضة لا يحدث منها توهم ولا اشكال بحال من الاحوال ونحن قد ذكرنا ما ينفيها ولكن اجدد ما يدل على معرفته تعالى كما وصف به نفسه اعلم ان قول ابن كمونة هناك يشير به الى الازل وقد بينا مرارا ان الازل ليس مكانا او وقتا مغايرا للذات المقدسة تعالى شأنه بان يكون مكانا واسعا والواجب في موضع منه او وقتا ممتدا والواجب في مدة منه تعالى عن ذلك علوا كبيرا بل هو ذاته البحت بكل اعتبار من مواضع الاعتبارات في الذهن وفي نفس الامر وفي الخارج وبكل احتمال وفرض فكيف يمكن فرض هويتين بسيطتين مجهولتي الكنه مختلفتين بتمام الماهية يكون كل واحد منهما واجب الوجود لذاته في هوية واحدة بسيطة واجب الوجود بذاته لا اختلاف فيها بذات ولا صفة ولا حيثية ولا كم ولا كيف لا في التصور ولا في نفس الامر ولا في الخارج بكل اعتبار او فرض او احتمال وتجويز هذا مستحيل الفرض وممتنع التجويز الا ان يعتقد بان الازل مغاير للذات وانه فضاء واسع او وقت ممتد فانه للجاهل ان يفرض هويتين وانما قلت للجاهل لان العارف يمتنع عنده الفرض مع الوجوب لان اية ذلك التي اراكم الله اياها في الافاق منها السراج واشعته فان نفس السراج اية الواجب وليس للسراج مكان او وقت غير نفسه وما خرج عن نفسه فهو اشعته واثاره كذلك الواجب هو الازل نفسه ذات بحت وما سوي تلك الذات فهو الامكان فكما لا يمكن فرض سراج او سراجين في السراج للتنافي ولا في اشعته لانه مكان الاثار لا مكان المؤثر كذلك لا يمكن فرض ذاتين في ذات واحدة ولا في خارج الذات لانه امكان وهو محل الاثار لا يصلح ان يكون محل المؤثر وقوله ويكون مفهوم واجب الوجود منتزعا منهما يناقض قوله والافتراق بصرف حقيقة كل منهما وقوله مختلفتان بتمام الماهية لان الانتزاع ان كان من جهة جامعة بينهما ناقض قوله بسيطتان للزوم التركيب مما به الاجتماع ومما به الافتراق فتكونان مركبتين سواء كانا من ذاتيين ام عرضيين ام من مختلفين لا بسيطتين وان لم يكن الانتزاع من جهة جامعة بينهما مع اختلافهما كان المفهوم المنتزع مركبا وهو يناقض مفهوم واجب الوجود اذ لا يجوز ان يكون مركبا ويناقض ايضا قوله مقولا عليهما قولا عرضيا لان المفهوم البسيط لا يقال على هويتين مختلفتين بسيطتين نعم ان كانا مركبتين مما به الاختلاف ومما به الاتحاد امكن ان يقال المفهوم البسيط مقول على ما به الاتحاد وايضا يناقض قوله قولا عرضيا لان المنتزع من الذات يكون مقولا بالذات لان المنتزع من الذاتين البسيطتين وليس منتزعا من صفتيهما العارضتين عليهما لا يكون المنتزع مقولا على الذاتين بالعرض وان بني الانتزاع على ما هو الحق عندنا من ان المنتزع سواء كان من نفس الذات ام من صفتها العارضة او اللازمة لا يكون الا عرضيا لان الذهن لا يحله الا الصور والاشباح المنفصلة التي هي اظلة المنتزع منه واشعته صح كون المنتزع مقولا بالعرض مطلقا اي سواء انتزع من الذات ام لا ولكنه يناقض كون الهويتين بسيطتين مختلفين لان المفهوم ان كان منتزعا من كل منهما من جهة جامعة كما لو كانتا مشتركتين في الصفة لزم تركبهما مما به الاشتراك ومما به الاختلاف كما تقدم فلا يكونان واجبين وان كان منتزعا مما به الاختلاف او من حيث هما مختلفتان كان المنتزع مركبا فلا يصلح ان يكون مفهوما لواجب الوجود فظهر مما ذكرنا مكررا مرددا ان هذه الشبهة ليست شبهة الا عند من يرى ان المعرفة طريقها القضايا الحملية والمفاهيم اللفظية ويعتقد ان الازل ظرف ممتد واسع والواجب في زاوية منه ويعتقد صحة الفرض بالنسبة الى الواجب نظرا الى ان الذهن يتعلق بشيء هو القديم وفي ذلك المحل منه يتعلق بغيره وان الذهن يسع تعدد القدماء لانه لا يعرف من معنى القديم والواجب الا انه شيء والشيء يجامع غيره في حكم الذهن فاذا تعذر الخارج عن التعدد لم يتعذر الذهن عن تعدد جهاته ومفهوماته لانه دائر مدار القضايا وانا اقول الحمل لا يجدي في معرفة الله سبحانه نفعا بل اقول الحمل سقط واقول قضية ولا اباحسن لها واقول ان اردت ابطالها فاسمع ما كتبت فيها وتفهمه راشدا واما قولكم على القول بقدم العالم وعلى القول بحدوثه فاعلم ان القول بقدم العالم وحدوثه لا ربط له بهذه الشبهة ولا بابطالها لان القائلين بقدم العالم مع اثباتهم الصانع كالمنقول عن ثاليس المطلي يدعون تأخر العالم عن الصانع رتبة وان كان وجوده لازما لوجود الصانع تعالى كقوله ان علة وجوده التامة كرمه والمعلول لا يتخلف عن علته التامة ونحن نقول لو سلمنا قوله كان قولا بحدوث العالم لان العالم معلول مسبوق بعلته وان كان لا يتخلف عنها فانا لا نريد بالحادث الا المسبوق بالغير ويلزم من كونه مسبوقا بالغير انه عدم في رتبة السابق فيصدق عليه انه مسبوق بالعدم كما هو رأي آخرين ومن فرض تعدد القدماء لم يجوز كون شيء منها سابقا او مسبوقا بل هي كلها سواء فلا فائدة في ذكر حدوث العالم او قدمه في حل هذه الشبهة وذكر الادلة والالزامات وامثالهما لا يقتضيه المقام
قال ايده الله تعالى : الخامس عشر - قال الرئيس فان قيل ما علة الانسان في انه انسان قلنا لا علة لكونه ذاتا فان العلة لوجوده لا لماهيته وكونه انسانا ه وهو يرشد الى نفي جعل الذات وتعلق الجعل بالوجود المنتزع عنها وليت شعري كيف يجوز استغناء الماهية الحقيقية عن الجاعل وافتقار الامر الاعتباري القائم بها قياما انتزاعيا الى الفاعل ام كيف يمكن القول بكون الوجود هو المجعول مع انه لا موجود ولا معدوم وافادة الفاعل مثله غير معقولة
اقول : ان كان كونه ذاتا شيئا فلا يخلو اما ان يكون قديما او حادثا فان كان قديما اتجه كلام الرئيس لكنه ليس بقديم قطعا وان كان حادثا فله علة قطعا وان لم يكن كونه ذاتا شيئا فلا معنى لنفي العلة عنه لان النفي فرع الثبوت وثبوت شيء لشيء فرع ثبوت الشيء الذي ثبت له وقوله فان العلة لوجوده لا لماهيته وكونه انسانا غلط بل الحق ان اول معلول من الانسان كونه وهو وجوده وثاني معلول من الانسان ماهيته وانه هو وكل معلول فله علة الا ان كلامه مبني على القول بقدم الماهيات لانها هي الاعيان الثابتة في علمه الذي هو ذاته تعالى او انها معلقة بعلمه وذاته كتعلق الظل بالشاخص وليست مجعولة وهذا مرض مهلك نعوذ بالله من سخط الله واعتراضاتك على كلامه واردة عليه متجهة وكلها حق
قال سلمه الله تعالى : السادسعشر - منوا علينا ببيان ما هو الحق في تحقيق الاوعية الثلاثة من الزمان الذي هو نسبة المتغيرات الى مثلها و الدهر الذي هو نسبة المتغيرات الى الثابتات والسرمد الذي هو نسبة الثابتات الابديات الى مثلها وان ايها يأبى عن المسبوقية بالعدم حفظكم الله
اقول : ان الظروف الثلاثة في الحقيقة هي مدد لوجودات مظروفاتها وماهياتها ولوجودات حركاتها وسكناتها وقد يمكن تعقلها بحركات المظروفات اي يمكن تعقل كل ظرف بنسبة حركة مظروفه السريعة الى البطيئة لا ان تلك الظروف هي تلك الحركات كما قالوا ان الزمان عبارة عن مقدار حركة الفلك وعلة قولهم ما وجدوا في عبارات الحكماء المتقدمين في بيان تعقل الزمان بان مثلوا انه لو ابتدأ سائران في مسافة مقدرة احدهما يسير بحركة سريعة يقطع المسافة في ساعة والآخر بحركة بطيئة يقطعها في ساعتين الى اخر ما مثلوا ويريدون به تعقل المدد وربما توهم من تأخر عنهم انهم ارادوا بذلك التمثيل ذكر حقيقة الزمان فقالوا ان الزمان عبارة عن حركة الفلك وليس كذلك وانما مثلوا بذلك لتعقل الزمان لا لبيان حقيقته لان حقيقته هي مدة مكث الجسم او انتقاله في افعال الجسم وفي الجسم نفسه مدة نموه وذبوله وترقيه في الرتب العالية كالصفاء والنورانية وهبوطه في الدركات السافلة كالكدورة والظلمة وقول من قال الزمان نسبة المتغيرات الى مثلها يصلح لارادة بيان الحقيقة وارادة بيان التعقل فالاول ان المتغير له تنقل ومكث ومدة بقاء كل واحد منهما في كونه او فنائه اذا نسب الى مثله في تنقله او مكثه مع اختلافهما في المدة او اتفاقهما في التقضي هو الزمان والثاني اذا نسب المتغير الذي هو المتحرك السريع الى المتغير الذي هو المتحرك البطيء في قطع المسافة المقدرة كانت تلك النسبة هي تعقل الزمان فنسبة انقضاء تنقل المنتقل الذي هو المتغير لاختلاف احواله وانقضاء مكثه الى مثله اي الى انقضاء تنقل منتقل اخر ومكثه هو الزمان وهو ظاهر والدهر هو نسبة المتغيرات الى الثابتات اي نسبة تجدد المتجدد وتقضيه وتبدله الى المتعين الباقي القار فتجد ثباتا قارا متعينا ليس فيه تجدد ولا استعداد ولا تبدل ولا ما بالقوة فيحصل من ذلك تعقل الدهر لا معرفته في نفسه بل كما قالوا ان الزمان عبارة عن حركة الفلك وهذا لا يكون تعريفا لحقيقة الزمان وانما هو لتعقله كذلك هذا في الدهر الا ترى انهم يقولون الدهر نسبة المتغير الى الثابت فاذا حملوا نسبة المتغير عليه كان المعنى ان الدهر هو المتغير اذا نسب الى الثابت الذي هو مظروفه فيكون الظرف مخالفا لمظروفه في التغير والثبات ولو كان كذلك لماقيل في الزمان انه نسبة المتغير الى المتغير لان هذا يدل على تساويهما فيكون المعنى في قولهم ان الدهر نسبة المتغير الى الثابت يعني اذا نسبت المتغير الى الثابت وعرفت تقضي المتغير وتبدله الذي كان صفة للزمان عرفت ان الدهر هو الوقت القار الثابت الذي لا تغير فيه لانه روح الزمان كما ان مظروفه الذي هو المجردات روح مظروف الزمان الذي هو الاجسام والدهر في تعقله هكذا بخلاف الزمان في تقضيه وتجدده وهذا بالنسبة الى الزمان والا فالدهر ايضا متقض ومتجدد ايضا كالزمان الا انه لسعته اذا طوبق بالزمان كان الزمان من اوله الى اخره لحظة في الدهر فيتقضي الزمان ويتجدد في آن من الدهر بحيث يفني الزمان ويتجدد في آن من الدهر لم يعقل فيه تجدد ولا تقض فلذا قال الحكماء الاولون الذين اخذوا الحكمة من الوحي بواسطة الانبياء عليهم السلم ان الزمان قار ثابت ولا يريدون بهذا ما فهمه المتأخرون من كلامهم بل يريدون ان ثباته بالنسبة الى الزمان المتغير والا فهو في نفسه متغير بتقض وتجدد كيف لا يكون كذلك وهم قد نصوا بان جميع الحادثات تحتاج في بقائها الى المدد وانها قائمة بفعل الله ابدا قيام صدور واما تعريفه في نفسه فكما قيل في الزمان لان الظاهر طبق الباطن فقد قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فيكون المعنى في طلب معرفته ان الثابت اعني عالم العقول والنفوس والارواح والطبائع الكلية والمواد المحصصة قبل تعلق الصور بها في ثباته وعدم تنقله وفي دوام مكثه ومدة دوامه وفعليته فيما له وعدم ما بالقوة فيه له استمرار غير منقطع بدون تقديم او تأخير او تجدد او تقض فذلك الوقت القار الذي هو وعاء هذه المذكورات وامثالها المطابق لها في فعليتها وعدم التقضي والتجدد والتقدم والتأخر وعدم الانقطاع هو الدهر ولهذا تري الزمان والمكان وما وقع فيهما غير زائل ولا متغير ولا متبدل ولا فان وان كانت فانية في الزمان مثاله اذا رأيت زيدا يصلي يوم الجمعة في المسجد ثم غبت عنه او هو غاب بقي مثاله يصلي في غيب المسجد وغيب يوم الجمعة الى يوم القيمة فكلما التفت ذهنك رأيت المثال يصلي في ذلك المكان وذلك الوقت ابدا سواء كان زيد حيا ام ميتا وهذا المثال والمكان والوقت تراهما بخيالك في الدهر لان الزمان تقضى والدهر ثابت فكان ذلك المثال في مكان من امكنة المجردات وغيب يوم الجمعة آن من الدهر قار الى يوم القيمة فافهم واما قولهم السرمد نسبة الثابتات الابديات الى مثلها فبمعنى ما عبروا به في الزمان بانه نسبة المتغير الى المتغير وهنا السرمد نسبة الثابت الى الثابت الا ان مقتضى تعبيرهم في الدهر بانه نسبة المتغير اي الزمان او الجسم الى الثابت اي المجردات يدل على انهم يريدون من الثابت المنسوب هو الدهري والثابت المنسوب اليه هو السرمدي ليجري الكلام على نسق واحد وفي كلامهم مفاسد كثيرة ترد عليهم فيها الزامات قبيحة يطول بذكرها الكلام بلا فائدة لان الغرض بيان معنى السرمد عندهم فليت شعري ما يريدون بالسرمد هل يريدون منه ما يريد المتكلمون من انه ظرف للواجب اذ الاول هو الازل والاخر هو الابد وما بينهما الجامع لهما هو السرمد فان ارادوا به هذا فنعوذ بالله من سخط الله آمنت بما كفروا واعترفت بما انكروا واجبت الى ما دعوا لا اله الا الله ربي ورب ابائي الاولين وان ارادوا به ظرف فعل الله كما نقول نحن فحسن ولكن كيف يعرف او يتعقل بامثال هذه العبارة نعم يمكن معرفته بمعرفة اثاره كما نعرف حركة يد الكاتب بالكتابة وعلى هذا فكما تقرب في الزمان وفي الدهر اللذين هما اثاره فقرب في المؤثر من جهة تأثيره لان كل اثر يشابه صفة مؤثره من جهة تأثيره فيه فافهم
قال سلمه الله تعالى : السابع عشر - اريد منكم تحقيق مسألتي الخير والشر والقضاء والقدر بتقرير واف وبيان شاف
اقول : اما هذا السؤال فهو مذكور في رسائلنا مكررا واما اني اقرره على مقتضى السؤال فاني لا يسعني الحال نعم لا يسقط الميسور بالمعسور مما هو اقل المقدور وانا عند الله ان شاء الله تعالى معذور لضعف حالي وضيق وقتي فاقول الخير والشر من افعال العباد خلق الله الخير من النور بفعل المكلف للمأمور به وخلق الله الشر من الظلمة بفعل المكلف للمنهى عنه بعد علمه وهما راجعان الى افعال العباد الاختيارية ليس لله فيما يفعلون منهما الا المعونة بالمدد لفعل الطاعة اذا ائتمر المكلف بها فان الله تعالى ح يمده بمدده بضم الياء وكسر الميم من امد والمعونة بالخذلان والترك لفعل المعصية اذا ائتمر المكلف بها فان الله سبحانه يمده بمدد خذلانه وتركه وهوي نفسه بفتح الياء وضم الميم من مد وذلك اذا لم يقبل امره وترك ما هداه اليه مما فيه نجاته بعد التقدم بالوعيد والتلطف في الترغيب وضرب الامثال واطالة الامهال ومعنى قولي ان الله سبحانه يخلق الخير والشر انه اذا فعل العبد باختياره ما امره به خلق الله من فعل العبد وامره تعالى ثواب عمله من انارة قلبه واعانته على الخير وبناء قصور له في الجنة وحور عين وغير ذلك من اطالة عمره وادرار رزقه ودفع البلايا والامراض عنه وغير ذلك واذا فعل العبد باختياره خلاف ما امره به خلق الله من فعل العبد ومن ترك امره سبحانه عقوبة عمله من ظلمة قلبه ومنعه الخير ونقص عمره وامتحانه بالبلايا وعقوبات الاخرة فهذا معنى قولنا ان الله خلق الخير والشر واما القضاء فهو اتمام الشيء بعد تقديره فهو مؤخر في الرتبة وفي الذكر عن القدر عند اهل البيت عليهم السلم لان القدر هو تقدير الشيء قبل قضائه مثل ما اذا اراد النجار عمل السرير قدر الخشب من طوله وعرضه وهذا هو القدر ثم ركبه وهذا هو القضاء بخلاف ما يذهب اليه الجماعة وانت اختر لنفسك من في متابعتهم النجاة هؤلاء الحكماء المتأخرون والصوفية الجاهلون يقدمون القضاء على القدر وهذا محمد واله اجمعون صلى الله عليه وعليهم اجمعين يقدمون القدر ويؤخرون القضاء واختر لنفسك ما يحلو واما التعبير الكافي الشافي على جهة الاختصار فاقول خلق الله عز وجل الانسان من ركنين وجود هو مادته وماهية هي صورته والركنان محدثان لا بقاء لهما الا بالمدد والمدد لكل واحد من جنسه فمدد الوجود من النور لانه نور ومدد الماهية من الظلمة لانها ظلمة فلا محالة يكون كل واحد منهما له ميل الى نوعه لاجل الاستمداد فلما حصصهم اي جعلهم حصصا متمايزة جعل فيهم الاختيار لاجل مقتضى الركنين النور والظلمة فان شاءت تلك الحصة قبلت بميل الوجود وان شاءت انكرت بميل الماهية ثم كشف لهم عن عليين كتاب الابرار فاراهم صور الطاعات وقال هذه صور طاعاتي فمن اجابني اذا دعوته البسته صورة ما اجابني به من صور طاعاتي ثم كشف لهم عن سجين كتاب الفجار فاراهم صور المعاصي وقال هذه صور معاصي فمن عصاني اذا دعوته البسته صورة ما عصاني فيه من صور معاصي ثم دعاهم فقال لهم ألست بربكم قالوا بلى فخلق من اجابتهم صورتهم الانسانية الجسمية ثم قال لهم ألست بربكم ومحمد نبيكم فسكتوا لانهم اول الامر انما اجابوا لظنهم انه يقتصر على ذلك وانه لا يريد منا ما نتنافس عليه لانه ليس من نوعنا فلما دعاهم الى النبوة قالوا انه تجاوز عن حكم نفسه الى من هو من نوعنا لكنه اخذ له العهد ليس لنفسه بل لذاته تعالى فيحتمل ان محمدا لا ينافسنا اذ لم يؤخذ له عهد يرجع اليه بل الى الله لكنا لانجيب حتى ننظر فان اقتصر على هذا امكن تلافي الاجابة والا بقينا على سكوتنا حتى يتجاوز عن هذا فلانقبل فلما دعاهم الى الولاية وقال لهم ألست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم قالوا نعم يعني لست بربنا الذي يأمرنا بطاعة مثلنا ويولي علينا بشرا مثلنا فقال بعضهم لبعض ولئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون هذا حكم المنكرين من الكافرين والمنافقين والمشركين واما المؤمنون فاجابوا في الدعوات الثلاث بقلوبهم والسنتهم فمن اجابه باختياره البسه صورة اجابته ومن عصاه باختياره البسه صورة معصيته فبلغت حجته وتمت كلمته وما ربك بظلام للعبيد
قال ايده الله تعالى : الثامن عشر - ما معنى قول بعضهم ان العبد مجبور بصورة المختار ولا بد من الاتمام بتحقيق مسئلة الجبر والاختيار
اقول : قال المحقق الطوسي نصير الدين انا مجبورون في اختيارنا ويريد انا لا نقدر على الا نختار احد الطرفين بل لا بد لنا من ان نختار الطاعة او المعصية فنحن مجبورون في اختيارنا ليس لنا الا نختار واعلم ان من قال بالمنزلة بين المنزلتين باعتبار احوالهم على ثلاثة اقسام القسم الاول من يقتصر على مفاهيم الالفاظ وهؤلاء اقوالهم صحيحة والفاظهم موافقة ولكنهم لا يعرفون المنزلة بين المنزلتين بقلوبهم وانما يدركون مدلولات الالفاظ بخيالاتهم ويقولون المكلفون مختارون في افعالهم على طبق اراداتهم ان شاؤا فعلوا الخير وان شاؤا فعلوا الشر وهؤلاء لفظهم صحيح واكثر اعتقادهم او اعتقاد اكثرهم قبيح والقسم الثاني من ينظر الى اصل تركيب الانسان وانه لا ينفك عن الميل وذلك لازم لوجوده كالمحقق الطوسي واتباعه فيظهر لهم انهم مجبورون في الاختيار وبهذا المعنى عندهم يتحقق القول بالمنزلة بين المنزلتين ويقرب من قول هؤلاء قول من يقول بمثل ما في السؤال ان العبد مجبور بصورة المختار وكلا القولين راجع الى القول بالجبر اما الاول فلان العبد اذا كان مجبورا على الاختيار كان مجبورا على ما يختار لانه قد لا يحب واحدا منهما وان كان لا ينفك عن احدهما اذ لا يلزم من عدم انفكاكه عن احدهما جبره على اختيار احدهما واما الثاني وهو ما في السؤال فلان العبد اذا كان مجبورا كان كونه في صورة المختار ليس موجبا للاختيار بل تكون افعاله ونفسه في افعاله ايضا مع كونها جارية على الجبر كأنها جارية على الاختيار كأن يكون راضيا بما يقع منه والرضا اعم من الاختيار وهذا سماه كثير بالاختيار فقد قالوا ان الله سبحانه مختار بهذا المعنى اي بمعنى انه راض بفعله وقاصد له لا انه لو شاء لم يفعل اذ ليس له ذلك وهو قول بان الله عز وجل موجب لا مختار والذي حداهم الى هذا القول الشنيع توهمهم بانه لو جاز الا يفعل لوقع علمه جهلا فوجب من القول بان علمه لا يتغير ولا ينقلب جهلا انه ليس له ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وانما معنى الاختيار في حقه تعالى هو انه راض بما يفعل قاصد له حتى دعاهم هذا الجهل الى ان جعلوا علم الله الذي هو ذاته مستفادا من المعلوم قال الملا محسن في الوافي في باب الشقاوة والسعادة ان احدية المشية تنافي الاختيار لانها نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك انتهى وقد ذكر هذا الكلام الشنيع عبد الرزاق الكاشي في شرح الفصوص لمميت الدين ابن عربي الى ان قال في الوافي بعد ذلك الكلام فليس له تعالى الا وجه واحد وهذا هو الذي يليق بجناب الحق ه والحاصل ان كلامهم هذا وامثاله قول بالايجاب وبالاجبار في افعال العباد واما القول الثالث فان العبد هو الفاعل لافعاله بالالات والقوى والارادات وغيرها من شرائط الاستطاعة التي خلقها لاجل الطاعة صالحة للمعصية والعبد وما اعطاه الله من الالات والحركات وغيرهما كلها قائمة بامر الله قيام صدور فما دام الله حافظا لها فهي بحفظه شيء وبذلك يفعل ما يختاره من الخير او الشر ففي الحقيقة هو مع كونه مستقلا بالفعل لم يكن شيئا يفعل او يترك الا بحفظ الله له فلا يفعل الا بالله اذ لو لم يحفظه ويحفظ عليه لم يكن شيئا وما يشاؤن الا ان يشاء الله رب العالمين فهو يعمل خيره او شره بقدر الله تعالى ولم يكن فاعلا لفعله ولا مشاركا له فيه وانما ذلك لانه لا يمكن ان يفعل او يترك الا بقدر الله لان القدر في فعل العبد هو حفظ العبد وجميع آلاته وشرائط استطاعته بامره الذي به قام كل شيء وهذا هو الحق وهو الذي يشهد له صحيح الاعتبار ونطقت به الاخبار مثل ما قاله علي بن الحسين عليهما السلم ما معناه او يقرب من لفظه ان القدر والعمل كالروح والجسد فكما ان الروح لا تحس بدون الجسد والجسد لا حراك له بدون الروح كذلك القدر والعمل فلو لم يكن القدر بموافقة من العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان القدر شيئا لا يحس ولو لم يكن العمل بموافقة القدر لم يتم ولم يمض ولله فيه العون لعباده الصالحين وهذا القول الاخير ما اكثر من يدعيه ولم يقفوا على حقيقته حتى ظهرت منهم اقوال متعددة غير ما ذكر وهي مع كثرتها لم يوافق شيء منها هذا القول الاخير وبعضها يوافق القولين الاولين وبعضها يلزم منه التفويض وكلها خارجة عن الطريق المستقيم ما سوي هذا الاخير فمن كان له في فهمه نصيب فقد اخذ بحظه سهم المعلي والرقيب
قال سلمه الله تعالى : التاسععشر - قد وجدت مرضا في الشفاء حيث ذكر ابن سيناء فيه تارة ان العدم لا يتحقق بدون الوجود فاذا لم يكن هناك وجود لم يكن عدم وان كان على سبيل السلب التحصيلي واخرى ان كل عدم فانه يتحقق بالوجود فما يكون له رفع يكون له ثبوت وما يكون له ثبوت كان ثابتا
اقول : ان الشفاء من حيث هو شفاء لا يكون فيه مرض وكلامه هذا كله حق قد نطق به روح القدس على لسانه اذ العدم ليس شيئا ولا عبارة له الا اذا اريد به العدم المفهوم المدرك للاذهان فانه شيء خلقه الله وكل مخلوق فله وجود الا ان الوجود قسمان قسم اثبات لما لم يثبت وهو وجود وقسم هو نفي ما ثبت وهو وجود فان نفي ما ثبت انما حدث على ذلك المنفي بعد ثبوته ولو لم يكن شيئا مخلوقا موجودا لم يحدث ولم ينف ما قد ثبت ولانه ان لم يكن موجودا لم يكن مخلوقا واذا لم يكن مخلوقا كان سابقا للثابت المنفي به فيجب الا يثبت ذلك المنفي لان نفيه قد سبقه ولان لا شيء لا يزيل الشيء ولان النفي لفظ مستعمل فاذا لم يكن النفي الذي هو سماه شيئا كان لفظا مهملا لا مستعملا ولان الموت منه وهو مخلوق قال الله تعالى الذي خلق الموت والحيوة فكيف يكون الموت لا شيء وهو مخلوق ويؤتي به يوم القيمة في صورة كبش املح بعد دخول اهل الجنة الجنة واهل النار النار فيذبح بين الجنة والنار وينادي منادي يا اهل الجنة خلود ولا موت يا اهل النار خلود ولا موت ومعنى هذا وارد مجمع عليه بين المسلمين فكيف يكون الموت نفيا بمعنى لا شيء وليس بموجود ما هذا الا جهل محض وغلط صرف فكأنهم ما يعرفون من الموجود الا الاجسام والذوات المصورة والحاصل ان ما ذكره في هذا الموضع من الشفاء من هذا الكلام شفاء لا مرض
قال ايده الله تعالى : العشرون - اختلف العلماء في ان الكفار مأمورون بفروع الشريعة ام لا والحق الاول عند المشهور وح فتكليفهم مع علمه تعالى بعدم الاتيان هل هو تكليف حقيقي وفساده ظاهر او ابتدائي لازدياد العقاب وهو يستلزم الجبر
اقول : هذه اخر مسائله واعلم ان المشهور بين علمائنا وجوب الفروع على الكفار وكثير منهم نقل الاجماع على ذلك وخالف فيه شاذ منا وجمهور العامة وربما استدل من خالف منا مثل الملا محسن في ذلك بقوله عليه السلم كيف تجب عليه الصلوة وهو لا يشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه واله او كما قال وحمله الاصحاب مع الطعن في السند بالحمل على التقية او على ان الصلوة هنا هي الصلوة على محمد واله لا ذات الاركان او على ان المراد كيف يقبل ويلتزم بوجوب الصلوة وهو لا يشهد بالنبوة او على معنى كيف تجب وجوبا مسقطا للقضاء وموافقا للامر بها وموجبا للثواب وغير ذلك وعلى كل حال فوجوبها على الكفار لا يوجب تركه عقوبة مثل عقوبة تركها من المسلم لكون الوجوب في الحقيقة مشروطا بشرط لا يتعسر تحصيله فهو في الجملة معلق على مقدماته بخلاف ذلك مع وقوع الشرط وحصول المقدمات كما قال عليه السلام في حق القدرية المنكرين للقدر انهم يعذبون بالنار قبل الكفار فيقولون يا ربنا كيف عذبتنا بالنار قبل الكفار فيأتيهم النداء ذوقوا مس سقر انا كل شيء خلقناه بقدر ويقال لهم ان من لا يعلم ليس كمن يعلم وكما قيل لقتلة الحسين عليه السلم فافهم واما تكليفه لهم مع علمه تعالى بعدم الاتيان فهو تكليف حقيقي ولا فساد فيه بوجه والاشارة الى كشف الاشكال صعب المنال على اكثر عقول الرجال ولو بسطنا الكلام فيه لضاق به المجال وبعد فهمه لكثرة الشقوق وفتح باب الاعتراض والسؤال ولكن يكون من باب التلويح لان كل ما ظهر ظهر بيانه وكل ما خفي خفي برهانه فنقول وبالله المستعان وعليه المعول والاتكال اعلم ان العلم قسمان قسم ينسب الى الفعل وهو منشأ التكليف وهو سابق على الايجاد وقسم ينسب الى المكلف وهو عين المعلوم والاول كذلك عين معلومه فمعلوم الاول انه يمكن وقوع ما كلف به وعدمه من المكلف فان نسبة الاتيان بالمأمور به وعدمه عنده على حد سواء في جميع ما يترتب عليه الفعل والترك فيرد من العلم الاول التكليف لانه قبل الفعل والعلم الثاني هو عين الفعل الواقع من المكلف وعدمه في وقته ومكانه وهذا علم اشراقي لم يحصل الا عند حصول معلومه لانه هو هو والشيء لا يحصل قبل حصوله ومنه قوله تعالى وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ والعلمان عند الله في رتبتهما من الامكان يحصلان حين يحصلان ويعدمان حين يعدمان ومتعلق الاول الذي هو نفسه امكان وقوع المأمور به وعدمه من المكلف باختياره واستطاعته للامتثال وتركه قبل الامتثال وتركه فانهما قبل الوقوع ممكنان للمكلف باختياره فيتوجه اليه الامر والنهي حينئذ ومتعلق الثاني الذي هو نفسه وقوع احدهما باختياره حين وقع لا قبله والعلمان اشراقيان يحصلان للعالم حين يحصلان في انفسهما ويفقدان حين يفقدان في انفسهما وهما فعليان والعلم الذاتي هو ذاته تعالى لا ينسب اليه شيء ولا ينسب الى شيء وبيانه الالزامي ان العلم لا بد ان يكون مطابقا للمعلوم وواقعا عليه ومقترنا به وهذا مما لا اشكال فيه عند احد من العقلاء فلو قلت ان العلم المنوط بتكليف المؤمن والكافر بوقوع الفعل وايقاعه وعدمهما هو العلم الذاتي الذي هو الله فما معنى قولك ان ذات الله مطابقة لفعل المكلف او واقعة عليه او مقترنة به فان قلت ليست مطابقة لم يجز ان يكون العلم غير مطابق للمعلوم والا لكان جهلا وكذا الوقوع والاقتران والحاصل التكليف حقيقي لانه امر لمكلف مختار مستطيع للفعل وعدمه قبل ان يفعل شيئا ولم يكن ما فعل فاذا فعل احد الطرفين باختياره وقدرته على تركه وفعل ضده وقع العلم اللاحق حين فعل بما فعل كما اشار اليه جعفر بن محمد عليه السلم في رواية صالح النيلي كما في الكافي وغيره في قوله ولكن حين كفر كان في ارادة الله وعلمه ان يكفر الحديث وبيان هذا لا يرتوي به منه من اراد ازالة الظمأ عنه اصلا الا بالمشافهة او بطول الكلام وهو متعسر علي لضيق وقتي والحمد لله رب العالمين
وكتب احمد بن زين الدين الاحسائي في اواسط جميدي الثانية سنة الثالثة والثلاثين من الهجرة النبوية على مهاجرها واله افضل الصلوة والسلام حامدا مصليا مسلما مستغفرا