جواب الملا محمد مهدي بن الملا شفيع الاسترابادي - ۲ (عن عشر مسائل)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الملا محمد مهدي بن الملا شفيع الاسترابادي - ۲ (عن عشر مسائل)

رسالة في جواب الشيخ محمد مهدي بن الملا شفيع الاسترابادي – 2

عن عشر مسائل منها ما سأل عن طهارة طين الطريق

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي انه قد ارسل الي جناب الشيخ المهدي الشيخ محمد مهدي مسائل اراد كشف النقاب عن وجوهها وكنت في شغل عنها وعن غيرها لموانع من الاعراض والامراض تصدني عن التوجه الى شيء ولكن لما التزمت اجابته فيها الزمت على نفسي ما يتسهل من الجواب اذ لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله ترجع الامور

قال سلمه الله : قد اشتهر بين اصحابنا الحكم بطهارة طين الطريق اذا غلب على الظن نجاسته لان الاصل يقتضي الطهارة مع ان الظاهر يشهد بالنجاسة وذهب العلامة في النهاية الى العمل بالظن الغالب عملا بالظاهر والحال انهم يحكمون في غسالة الحمام بالنجاسة عملا بالظاهر ما وجه الفرق بين الصورتين
اقول اختلف الاصحاب رضوان الله عليهم في ثبوت النجاسة باي شيء يحصل بعد اصالة الطهارة فالمفهوم من المنقول عن ابن‌ البراج من عدم اعتبار الظن مطلقا في اثبات النجاسة هو اليقين وظاهر كلام العلامة في المنتهى الاكتفاء بالظن المستند الى سبب شرعي فالعلم المذكور في خبر حماد عن الصادق عليه السلام في قوله الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر وفي خبر عمار كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر ه‍ عنده اعم من اليقين والظاهر من كلامه ان السبب المعتبر هنا شهادة العدلين لا العدل الواحد قال في المنتهى لو اخبر عدل بنجاسة الاناء لم يجب القبول اما لو شهد عدلان فالاولى القبول وقوله في التذكرة ان استند الى سبب كقول العدل فهو كالمتيقن والا فلا والظاهر انه اراد به اذا كان مالكا له كما قاله في المنتهى لو اخبر العدل بنجاسة انائه فالوجه القبول واستبعد البهائي ما فهمه العلامة من التعميم بناء على ان العلم لا يفهم منه عرفا الا اليقين وجزم المحقق بعدم القبول بالعدل الواحد وجعل القبول بالعدلين اظهر وقال بعضهم شرط قبول العدلين اخبارهما بذلك لاختلاف العلماء في المقتضى للتنجيس وقال بعضهم شرط قبول خبر العدل بنجاسة انائه ان يكون قبل الاستعمال اذ بعد الاستعمال لم يكن مالكا ح للماء لذهابه بالاستعمال فيكون اخبارا بنجاسة مال الغير واكتفي ابو الصلاح في الحكم بالنجاسة بمطلق الظن سواء استند الى سبب شرعي ام لا والظاهر من هذه الاقوال هو ما ذهب اليه العلامة في المنتهي من قبول الظن المستند الى سبب شرعي وهو شهادة العدلين واخبار المالك واما غير ذلك فلا ينقل الشيء عن حكم الاصل فانه قد ثبت بيقين ولا ينقض الا بيقين مثله لكن هذا حكم اقتضائي من الشارع واذا اطلقه في جميع افراد الصور وكان فيها بعض الافراد خارجا عن حكم الاقتضاء بحكم وضعي بان يكون لها مانع والمانع غالبا اقوى من المقتضي استثناه منها كما استثني في حكم الاقتضاء الكلي من قوله لا تنقض اليقين بالشك ابدا ثلاثة اشياء غسالة الحمام وغيبة الحيوان والبلل المشتبه بالمني فان المانع للاقتضاء في الاول ما تجد من نفسك ومن غيرك في الحمام من القاء النجاسات وعدم التحرز منها اعتمادا على التطهير في الكثير فانه يحصل للمتنبه المتفقد القطع بالنجاسة لكنك مع عدم التفقد عن بصيرة وعن غفلة لا يظهر لك الا ان الطهارة ثابتة بيقين الاصل وان النجاسة مشكوك فيها والشارع عليه السلم في التكليف بما يشتمل المكلفين يجري الاحكام عن الله تعالى على ما تعرفه العامة فيكون ذلك عدلا في العوام لعدم احتمالهم اكثر من هذا ورأفة بالخواص وتوسعة لهم فضلا منه عليهم ومنه ليشكروا آلائه على ارادته اليسر بهم دون العسر والمانع للاقتضاء في الثاني ارادة الوسع بهم والتخفيف عليهم ولم يجعل عليهم في الدين من حرج لعلمه تعالى بايمانهم واجابتهم له حين حملهم على المشاق فلما قبلوا خفف عنهم وانزل لهم الايات لا يكلف نفسا الا وسعها الخ والمانع للاقتضاء في الثالث ان ما يشتبه به لا يكاد يشتبه على احد اذا تنبه لذلك ولكنه لما جوز المنافي حكم بالاشتباه وانما جوز المنافي لعدم الانتباه والتفقد او عدم البصيرة في معرفة الموضوع فلاجل ذلك جعل الشك يقينا لان هذا الشك لم يحصل عن تساوي الطرفين وتعادلهما وانما نشأ مما قلنا ومن مثله ومن هذا النوع السبب الشرعي فانه لولا قبول شهادة العدلين لامتنع الحكم بين اثنين لعدم الاطلاع من الحاكم على الغيب وعلى الامور الواقعية فتتعطل الاحكام ويختل النظام وهو اعظم مفسدة من نقل الحكم باخبار العدلين عن يقين الاصالة وقد اتفقت كلمتهم على انه لو كان الماء مبيعا لازما وشهد العدلان بنجاسته جاز رده بشهادتهما وان كان الحاصل منها هو الظن ومثله اخبار المالك حال كونه مالكا فان ما اقامه الشارع الموصل للقاعدة مخرجا من حكمها مخصصا لو لم يعتبر لانه مفيد للظن لم يعتبر المفيد لليقين لان الافادة منهما من حاكم واحد فيجب القبول منه والمحكم من القرءان ناطق بمثل ذلك فيما لو شهد ثلاثة بالزنا على شخص فانهم كما قال تعالى فاذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون فانه يجوز انهم صادقون في نفس الامر وحكم عليهم انهم عنده كاذبون لانهم ليسوا باربعة فاذا عرفت ما اشرنا به ظهر لك ضعف ما ذهب اليه القاضي ودل عليه كلام الخلاف وظهر لك ان المراد بالعلم في الاخبار هنا ما هو اعم منه ومن الظن الشرعي واما اخبار العدل عن غير ملكه وان افاد الظن كما ذهب اليه الحلبي فلا ينقل عن الاصل المتيقن لان افادته الظن من قرائن لم يرد عن الشارع عليه السلام اعتبارها والا لجرى في جميع الاحكام كالعدلين فان قلت انما لم يجر في الجميع كالعدلين لعدم اطراد افادته فاذا حصلت اعتبر قلت انما منعنا منه لعدم الاطراد لو كان الاطراد معتبرا فاما اذا لم نعتبره ولم يعتبره الشارع عليه السلام فاي فائدة فيه لان الشارع نصب لليقين نظيرا يقوم مقامه وهو اخبار العدلين وان لم يفد ظنا فان اعتبر القائل بخبر الواحد الافادة قلنا هي لم يعتبرها الشارع في العدلين ولم يجعلها مناط القبول فكيف تكون مناطا له من غير جعل الشارع عليه السلم وان لم يعتبرها في الواحد فالواحد لم يعتبره الشارع عليه السلم فافهم فاذا فهمت هذا فطين المطر طاهر لان المطر مطهر فما اصابه المطر فقد طهر وفي رواية الكاهلي عن ابي ‌عبد الله عليه السلم في اخرها قال كل شيء يراه المطر فقد طهر وفي الكافي والتهذيب والفقيه عن ابي ‌الحسن عليه السلام في طين المطر انه لا بأس به ان يصيب الثوب ثلاثة ايام الا ان يعلم انه قد نجسه شيء بعد المطر فان اصابه بعد ثلاثة ايام فاغسله وان كان الطريق نظيفا فلا تغسله ه‍ اقول هذه الرواية صحيحة المعنى وبيان ذلك ان قوله عليه السلام الا ان تعلم انه قد نجسه شيء بعد المطر ان اراد به اليقين فظاهر لان الظن على هذه الارادة حكمه ساقط فيكون الطين طاهرا وان غلب على الظن النجاسة كما اشتهر ولا عيب فيه وان اريد به الاعم فقد بينا ان الظن المستند الى سبب شرعي كالعلم والاصح ثبوت النجاسة به وهو شهادة العدلين واخبار المالك حال التملك وان اريد به مطلق الظن فقد بينا ان الشارع لم يعتبره خصوصا في مقام معارضة اليقين بل ينقلب شكا حينئذ كما في صحيحة زرارة فلا يكون مخرجا وناقلا عن اصل يقين الطهارة وقوله فان اصابه بعد ثلاثة ايام فاغسله يحتمل ارادة الاستحباب وارادة الوجوب وهذا الاحتمال يفهم من عبارة الحديث لا انه منصوص عليه بارادة احدهما ليجب المصير اليه فان احتملنا الوجوب لم يكن احتمالنا الا من لفظ الامر مع قطع النظر عن كونه واقعا بعد ما هو نص على نفي الغسل وان احتملنا الاستحباب اعتضد بكونه واقعا بعد نفي الغسل وبفهم العقل اذ ليس يفهم ان الداعي الى الغسل الا كونه بعد ثلاثة ايام ولا يفهم من ذلك الا انه مظنة لابواب ( لابوال ظ ) الدواب وارواثها واحتمال ملاقاة النجاسات وهي مؤيدات الاستحباب فاحتماله ارجح ولا سيما ما يفهم من قوله الا ان يعلم انه قد نجسه شيء بعد المطر لانه عليه السلم حصر الوجوب الغسل في العلم بالتنجيس بعد المطر خاصة واما بعد الثلاثة الايام فليس داخلا في التنجيس اذ هو طور آخر فيحمل على الاستحباب لاحتمال النجاسة او الكراهة والاحتمال وان كان مساويا او راجحا هنا لا يكون موجبا للنجاسة الا عن السبب الشرعي لاعتبار الشارع عليه السلم له فهو بحكم امره بذلك وكذلك قوله عليه السلام وان كان الطريق نظيفا فانه مرجح لكون الامر بالغسل للاستحباب لان النظافة يتبادر الى افهام اهل العرف منها النزاهة التي يقصد منها الاستحباب والكمال وهي مقابلة لخصوص ذلك الامر بالغسل والمعنى ان لم تكن نظيفة فاغسله وان كانت نظيفة فلا تغسله فافهم لان مرد ذلك كله الى ان طين المطر لا ينجس الا بالعلم بالتنجيس بعد المطر والا فهو طاهر مطلقا ويكره بعد ثلاثة ايام للاحتمال المذكور وهذا هو الذي فهمه العلماء ويدل على الطهارة مطلقا الى ان تعلم النجاسة باليقين او الظن الشرعي ما رواه في الفقيه قال وسئل عليه السلام عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول والعذرة والدم فقال طين المطر لا ينجس ه‍ وقوله سلمه الله مع ان الظاهر يشهد بالنجاسة قد قلنا فيه ان الظاهر هو المعتضد بالقرائن التي اعتبرها الشارع عليه السلام خاصة وتثبت بها النجاسة وهي مختلفة بحسب مقامات الاصل فهنا شاهدا عدل او يقين مستند الى الحس او ما يقوم مقامه او بعد ثلاثة ايام في الكراهة حيث اعتبرها الشارع عليه السلام لانه حصر التنجيس هنا بعد الطهارة في العلم واقل مراتبه الظن الشرعي لانه عليه السلام اقامه مقامه في مثل ما نحن فيه ففي الكافي والتهذيب عن الصادق عليه السلام في الجبن قال كل شيء لك حلال حتى يحكيك شاهدان يشهدان عندك ان فيه ميتة وفيهما عنه عليه السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة الى ان قال عليه السلام والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة ه‍ اقول ولا شك ان الحكم واحد في المسئلتين بل وفي غيرهما لصريح قوله عليه السلام والاشياء كلها على هذا فافهم واما الفرق بين هذه وبين غسالة الحمام فقد تقدمت الاشارة اليه لان الظاهر ان الظاهر لا يعارض الاصل الا بمرجحات يحصل منها ظن متاخم للعلم والظن الغالب الذي ذكره العلامة (ره) في النهاية يراد منه هذا المتاخم للعلم لاجل قوة القرينة كما اذا اتاك الفقير العريان واتيته ثوبا عتيقا فان الظاهر انه صدقة وتمليك لقوة القرينة من كونه فقيرا عريانا وكون الثوب عتيقا قليل القيمة وهذا الظاهر بهذه القرينة مرجح على اصل ملكك للثوب بخلاف ما لو كان من اعطيته ليس محتاجا والثوب ذا قيمة عالية فان الظاهر هنا لا يرجح على اصل الملك او يراد منه الظن الذي اعتبره الشارع عليه السلام من اخبار المالك ومن شهادة العدلين وانما صرنا في توجيه كلامه على هذا لما علم من مذهبه في كتبه كما سمعت سابقا وان فرضت انه اراد هنا من الظن ما هو اعم من الشرعي كما ذهب اليه ابوالصلاح قلنا قد مضي ما يدل على نفيه وان الحق ما اختاره في المنتهي هذا حكم الفتوى وان اردت الاحتياط بغسله عند حصول هذا الظن وقصدت الاحتياط الاستحبابي فلا بأس بل لا ينبغي حينئذ تركه لكثير من الناس ولهذا امر الشارع بالغسل على جهة الاستحباب بعد ثلاثة ايام والسر فيه والله سبحانه ورسوله واله صلى الله عليه واله اعلم ان الندب الى غسله بعد ثلاثة ايام لانه بعد الثلاثة ايام مظنة لحصول الابوال والارواث وبعض النجاسات او كثرة حصولها فقد يحصل لبعض المكلفين هذا الظن فتضطرب نيته في العبادات ويحصل له التردد فيما يعتبر فيه الجزم حتى يغسل ما اصابه بل قد يحصل التردد لبعض من يعلم عدم وجوب الغسل هنا والشارع عليه السلام مريد لاطمئنان نفوس المكلفين كما في نظائره من الاحكام كقوله عليه السلام في اثر الدم من الحيض بعد الغسل اصبغيه بمشق واما قبل الثلاثة فحصول هذا الظن لبعض المكلفين قليل بالنسبة الى ما بعدها لقلة مظنة حصول الابوال والارواث والنجاسات فالحمل عليه منه عليه السلام ربما يكون هادما لما بني من طهارته بالمطر اذ ليس كل المكلفين يفهمون فيلزم من ذلك مع مخالفته لما في الواقع الوجودي او التشريعي الحرج المنفي في هذه الشريعة السمحة

قال سلمه الله : قد فسر الاصوليون الحكم الشرعي بخطاب الله المتعلق بافعال المكلفين او ما يقوم مقامه كالسنة مع انهما دليل شرعي للاحكام فيكون الفقه على هذا هو العلم بخطاب الله الحاصل عن خطابه المستفاد من تعريفه وهو العلم بالاحكام الشرعية عن ادلتها فيتحد الدليل والمدلول وهو فاسد
اقول الفقه هو العلم بالاحكام الشرعية والاحكام اوامر الله ونواهيه وهي خطابات على حدة تتعلق بافعال المكلفين من حيث اتصافها لذاتها بحسن او قبح وهذا العلم الذي هو العلم بها ليس ناشيا عنها انما هو ناش عن خطابات اخر ليست احكاما ولم تتعلق بافعال المكلفين من تلك الحيثية وانما هي ادلة ترشد المستوضح المستنبط الى تلك الخطابات التي هي الاحكام وتبينها وهي غيرها فان هذه هي الادلة التي نشا العلم بالاحكام عنها فان الامر للوجوب مثلا كقوله فليحذر الذين يخالفون عن امره ليس هو قوله تعالى اقيموا الصلوة ولا قوله صلى الله عليه واله صلوا كما رأيتموني اصلي فلم يتحد الدليل والمدلول على ما في السؤال وليس الخطاب المستفاد من تعريفه هو الخطاب الذي هو الدليل بل هما متغايران فلا يلزم الاتحاد ثم اذا عرفت هذا فنقول ليس كلما اتحد الدليل والمدلول كان فاسدا وانما يكون فاسدا اذا كانا في نفس الامر متغايرين وحكم بالاتحاد في المتغايرين او لزم من فرض الاتحاد توقف كل من المتغايرين على الاخر لا مطلقا ولذا قالوا ان الحد عين المحدود مفصلا يعني ان الشيء من حيث الاجمال محدود ومن حيث التفصيل حد لا انهما متغايران وقد قال الشيخ جواد في شرح الزبدة بعد ذكر ان الحد عين المحدود لا يقال ان الحد ليس عين المحدود وانما هو مغاير له كيف والمحدود مجمل والحد مفصل فاين تحصيل الحاصل لانا نقول المغايرة هنا انما هي في الملاحظة فقط واما الملحوظ فهو شيء واحد انتهي والحد دليل والمحدود مدلول هذا على ما يظهر والحاصل ان اتحاد الدليل والمدلول ليس فاسدا مطلقا فافهم وهنا كلام دقيق ليس هذا محله ولا يحسن ذكره

قال سلمه الله : ما معنى قول العلماء ان كلمة لا اله الا الله منطبقة على جميع مراتب التوحيد وما كيفية تركيب كلمة الشهادة على طريقة النحاة التي لا يتجه عليها شيء من المفاسد اصلا
اقول اعلم ان مراتب التوحيد اربعة توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد العبادة فاذا قلت لا اله الا الله يعني ليس هو الهين كما قال الله تعالى وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد اي ليس له ضد وهذا توحيد الذات ويعني انه لا يشابهه شيء في صفاته قال الله تعالى ليس كمثله شيء اي ليس له ند وهذا توحيد الصفات ويعني انه ليس له مثيل في افعاله ولا شرك لاحد في مخلوقاته قال تعالى اروني ما ذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وقال هذا خلق الله فاروني ما ذا خلق الذين من دونه اي ليس له مثل في افعاله وهذا توحيد الافعال ويعني انه ليس له شريك في عبادته قال تعالى ولا يشرك بعبادة ربه احدا اي انه متفرد بالعبادة وما سواه كلهم عباده فاشراك احد منهم في عبادته تعالى اتخاذ له انه اله وهذه الكلمة الشريفة نافية لكل اله الا الله لان اله نكرة في سياق النفي متضمنة لمن والاصل لا من اله فكانت للعموم المؤكد لوقوعها بعد لاء البترية وتضمنها لمن ففي الركن الاول يعني توحيد الذات من جعل ان الازل شيء غير الله كما يتوهمه كثيرون انه فضاء قديم والله تعالى فيه فليس بموحد للذات وكذلك من قال بسيط الحقيقة كل الاشياء وكذلك من قال بان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته بخلاف ما لو قال ليس فاقدا في ملكه فانه حق وكذلك من قال ان الاشياء حاصلة له تعالى حاضرة لديه في الازل حصولا جمعيا وحدانيا غير متكثر ولا متغير وكذلك من قال انه مبدء الفيض وهو ظاهر على ذاته بذاته فله الكل من حيث لا كثرة فيه فهو من حيث هو ظاهر يقال الكل من ذاته فعلمه بالكل بعد ذاته وعلمه بذاته ويتحد الكل بالنسبة الى ذاته فهو الكل في وحدة كما نقلوه عن الفارابي وامثال هذه المقالات الفاسدة فكل من قال بشيء منها فليس بموحد للذات وفي الركن الثاني يعني توحيد الصفات من جعل ان الاشياء من ذاته تعالى كالشعاع من المنير فليس بموحد في الصفات وخالف قوله تعالى ليس كمثله شيء لانه جعل السراج مثلا له تعالى الله وكذلك كل من وصف علمه بوصف علمنا فقال ان علمه الذاتي مطابق لمعلوماته كعلمنا ومقترن بها كعلمنا لان علمنا مطابق للمعلوم والا لم يكن علما به ومقترن به كذلك او وصف قدرته باوصاف قدرتنا كما قال الصادق عليه السلام في دعاء ركعتي الوتيرة بعد العشاء : بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك واتخذوا بعض اياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك وكذلك حياته وسمعه وبصره وسائر الصفات الذاتية لانها عين ذاته فلا توصف باوصاف خلقه تعالى فكل من وصف صفاته الذاتية بصفات خلقه فليس بموحد في الصفات وفي الركن الثالث يعني توحيد الافعال من زعم ان احدا من جميع خلقه يفعل شيئا بالاستقلال بان يحدث مادة مصنوعه من غير ما خلق الله فهو مشرك يعني ليس بموحد في الافعال وذلك لان جميع الفاعلين من خلقه انما يفعلون بما خلق فيما خلق كالنجار فانه يعمل بالحديد الذي خلقه الله في الخشب الذي خلقه الله بالقوي التي خلقها الله والتمييز الذي خلقه الله ولهذا قال تعالى هل من خالق غير الله وفي الركن الرابع يعني توحيد العبادة ان كل من عبد غير الله او مع الله او توكل عليه او اعتمد عليه او رجاه او خافه الا لله او انقاد له لا لله فليس بموحد في عبادة ربه تعالى ومنه قوله تعالى أرأيت من اتخذ الهه هويه فسمي اتباع هويه الها فكل من فعل شيئا مما ذكرنا في الاركان الاربعة فانه لم يصدق عليه في الحقيقة انه قام بمعنى لا اله الا الله وان صدق ظاهرا الا انه في الحقيقة لم يقلها مخلصا وهو قوله تعالى ومايؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون والحاصل ان المراد بجميع مراتب التوحيد في قولهم هذه المراتب الاربع والفروع المترتب عليها جميع العلوم والتكاليف ومثلت بشيء من ذلك للبيان

وقوله سلمه الله وما كيفية تركيب كلمة الشهادة الخ فالواجب اولا بيان معنى اللفظ فاعلم انه سبحانه لا شريك له لا في نفس الامر ولا في الامكان والفرض ولكن لما احتال ابليس لعنه الله على الجهال من بني‌ادم عليه السلام وامرهم ان يصوروا صور الصالحين من آبائهم ليتبركوا بصورهم فصوروهم ووضعوهم في بيوتهم فلما ماتوا وكانت اولادهم من بعدهم قال لهم ابليس ان هذه التي في بيوتكم هي آلهتكم وكانت اباؤكم يعبدونها فاعبدوها فانهم شركاء لله ويشفعون لكم عبدوها وسموها الهة وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر واللات والعزى وامثال ذلك فقالوا مثلا لهبل هذا اله وود اله وسواع اله وهكذا والله سبحانه اله فجعلوا الالهة متعددة ولهذا انكروا على محمد صلى الله عليه واله لما نفاهم ودعاهم الى الله وحده فقالوا أجعل الالهة الها واحدا ان هذا لشيء عجاب بل الله واحد من جملة الالهة فقال لا اله الا الله فكان معناها لا اله من هذه الالهة التي سميتموها باسم الله سبحانه وجعلتموه واحدا منها في دعواكم الا الله فبهذا المعنى سقط اعتراض من قال لا يخلو ان يكون المستثني منه الذي هو المنفي الالهة الحق او الالهة الباطلة فان كان المنفي هو الالهة الحق لزم تعدد الالهة ولم يجز نفي ما هو الحق وان كان المنفي هو الالهة الباطلة لم يجز الاستثناء للحق تعالى منها والجواب ما ذكرنا من انها الهة باطلة ولكنهم اعتقدوا انها الهة حق وان الله سبحانه اله حق داخل في جملة ما ادعوا حقيتها فاتت كلمة الشهادة نافية لبعض ما ادعوا ومثبتة لبعض نافية لتلك الالهة بمعنى انكم كذبتم فيما ادعيتم فيها وصدقتم فيما قلتم في الله سبحانه فلذا اثبته بالا فالاستثناء من دعويهم التي هي عندهم حق وفي نفس الامر فيها باطل وحق والنفي وارد بلا على الباطل والاثبات بالا للحق فاذا عرفت معناها في اللفظ فاعلم ان علماء النحو ذكروا في اعرابها وجوها اشهرها وجهان احدهما ان الاسم الكريم مرفوع على البدلية وثانيهما انه مرفوع على الخبرية والاول اشهر واكثر جريانا على السنة المعربين مع اختلافهم في اسم لا فقال الاكثر انه مبني لتضمنه معنى الحرف وهو من والتقدير لا من اله فان افادة النكرة للعموم من هذا التضمن فبنيت لمشابهتها لمن وذلك لمن حصر علة البناء في مشابهة الحرف فهي بمعنى كل اله وقيل بني الاسم معها على التركيب فهو كجزء كلمة اي كحرف من كلمة لمن لم يحصر علة البناء في مشابهة الحرف الا انه في الحقيقة راجع الى مشابهة الحرف لان المراد من الحرف ما جاء لمعنى او لا وهو الظاهر وذهب الزجاج الى ان اسم لا معرب والاول اقرب وفائدة ذكر الاختلاف يبني عليه بعض المقصود فمن قال بان الاسم الكريم مرفوع على البدلية اختلفوا فمنهم من قال هو بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف المقدر بتستحق العبادة او بموجود او في الوجود وما اشبه هذا والتقدير لا اله يستحق العبادة الا الله فالله بدل من ضمير يستحق لانه اقرب والابدال من الاقرب اولى ولانه تابع في الاعراب للمبدل منه وتبعية اللفظ في الاعراب للفظ اولى من تبعيته لمحل اللفظ وهذا بناء على ان لا اله مبني وهو وان حل محل المبتدأ الا انه الأن في محل نصب بلا او منصوب بها على قول الزجاج وخبرها المحذوف مرفوع بها لا بالمبتدأ فيكون محلها الاقرب هو النصب فلا يكون الاسم الكريم المرفوع بدلا من اسم بعيد محله النصب ومحله في الرفع محل المحل فهو ابعد فالابدال من الضمير مع قربه وكونه بحكم اللفظ اولي فان قيل ان الضمير نفسه ليس مرفوعا وانما محله الرفع فلا بد لكم من الابدال من المحل قيل له ان المرفوع لا يبدل من المنصوب والضمير محله الرفع فالابدال منه مع قربه اولي من الابدال مما محله النصب وانما الرفع محل المحل مع بعده فلو ابدل من محل محله الذي هو المبتدأ المرفوع لزم بعدان بعد باعتبار اللفظ فان الخبر اقرب وبعد باعتبار المحل فان المحل اقرب من محل المحل ونظير الابدال من الضمير ماقام احد الا زيد ونظير الابدال من المحل لا احد فيها الا زيد وهذا مذهب الاكثر وربما استشكل بعضهم في الاحتمالين في الابدال من الضمير وفي الابدال من محل المبتدأ اما في الاول فلان البدل فيه بدل البعض وشرطه اشتماله على ضمير المبدل منه وليس في هذا ضمير المبدل منه واما في الثاني فلانهما هنا متخالفان في النفي والاثبات والجواب عن الاول بان البدل من تمام المبدل منه فلا يحتاج الى ضمير يربطه به لان فائدة ضمير الربط لئلا يدل انه كلام جديد فلا يفهم البدلية من اصلها بخلاف ما هنا وعن الثاني فلان البدلية فيهما من حيث الاشتراك في العامل فان قولك ماقام احد الا زيد قد اشترك فيه في قام احد والا زيد لانهما معمولان لقام فلا ضرر في البدلية ونظير الابدال من المحل لا احد فيها الا زيد وربما استشكل بعضهم وقالوا ان شرط البدل ان يحل محل المبدل منه وهنا لا يمكن فيه والجواب اولا انا لا نسلم ان البدل شرط صحته ان يحل محل المبدل منه لفظا وانما شرطه ان يحل محله في المعنى الذي يدل عليه اللفظ وان لم يصح ان يحل لفظه محل لفظ البدل كما قرره الشيخ الرضي رحمه الله في انا ابن التارك البكري بشر ولان من يذهب الى البدلية فيما نحن فيه يجعل المبدل منه كأن لم يكن فيكون البدل مكانه وقيل ان البدل ليس هو زيد وحده بل البدل الا زيد لانه بيان لاحد الذي عنيت بعد احد الذي نفيت لانك حين قلت ماقام احد نفيت القيام عن بعض ما يتناوله احد وبقي منه شخص لا يعلمه المخاطب بعينه ولا يعلم هل نفيت عن الكل او عن البعض وانت عند نفسك انما نفيت عما سوي زيد فبينت للمخاطب من لم تنف عنه الخطاب فقلت الا زيد وقيل ان هذا بدل على حدة ليس من الابدال يعني انه بدل لغوي لا اصطلاحي والظاهر انه اصطلاحي ولا منافاة كما ذكرنا وقيل ان الابدال فيه على فرض ما فيها احد الا زيد لان المعنى لا يختلف ويصح ان يقع ح البدل موقع المبدل منه ومن قال بان الاسم الشريف مرفوع على الخبرية وهو سيبويه واتباعه اراد بانه خبر عن المبتدأ لا انه خبر للا فلا يرد عليه ان الاسم الكريم معرفة ولا لا تعمل الا في النكرات وذلك لان محل اله الابتدا والمبتدأ قبل دخول لا مرفوع والاسم الكريم خبره والتقدير الاله المعبود بالحق الله فلما سموا الهتهم بهذا الاسم الذي هو الاله وجعلوه سبحانه واحدا منها وجب نفي تلك الالهة عن المشاركة في هذا الاسم فاتوا بلا البترية التي تنفي جنس ما دخلت عليه فقالوا لا اله فلما علم انهم ادخلوا الاله الحق في جملة هذا الجنس على زعمهم وتناوله النفي بالنظر الى تسميتهم وجعلهم ذلك جنسا يشمله تعالى عن ذلك وجب استثناؤه فقالوا الا الله تعالى فانه اله ثابت بالحق لا يجوز نفيه وقيل القول بالخبرية ارجح من القول بالبدلية لعدم الاحتياج الى تقدير ما الاصل عدمه وما قيل ان فيه تكلفات بمعنى ان المبتدأ انما يتمحض لكونه مبتدأ باعتبار المحل فلا يلزم منه ترجيح الوجه الاول عليه اذ لا مناص عن هذا التأويل على البدلية والخبرية وربما ضعف بعضهم القول بالخبرية بثلاثة امور : الاول انه يلزم منه كون خبر لا معرفة ولا لا تعمل الا في النكرات الثاني ان الاسم الكريم مستثنى والمستثنى لا يصح ان يكون غير المستثنى منه لانه لبيان ما قصد بالمستثنى منه الثالث ان اسم لا عام والاسم الكريم خاص والخاص لا يكون خبرا عن العام فلا تقول الحيوان انسان واجيب عنها اما عن الاول فبما تقدم من ان الاسم الكريم خبر للمبتدأ لا خبر للا واذا كان خبرا للمبتدأ كان مرفوعا به قبل دخول لا وقبل دخولها هو معرفة وانما نكر لاجل لا ليفيد العموم وذلك كما قال سيبويه ان حال تركيب الاسم مع لا لا عمل لها في الخبر وانه حينئذ مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول لا وعلل ذلك بان شبهها بان ضعف حين ركبت وصارت كجزء كلمة لا تعمل ومقتضي هذا ان يبطل عملها في الاسم ايضا لكن ابقوا عملها في اقرب المعمولين وجعلت هي مع معمولها بمنزلة المبتدأ والخبر بعدهما على ما كان عليه من التجرد واذا كان كذلك لم يثبت عمل لا في المعرفة انتهي اقول واغلب هذه اصول غير صحيحة والاصح ان التركيب لا يمنع عملها كيف وهو يصحح عملها في الاسم وفي الاسم والخبر في قولك لا غلام سفر حاضر مع وجود التركيب بل الاصح انها لما كانت لنفي الجنس وجب الا تدخل على المعارف لان نفي المعرفة لا يستلزم نفي الجنس الا ان ينكر واذا اريد دخولها على معرفة نكر وادخل معه من جنسه ليحسن دخولها عليه لنفي الجنس هذا اذا كان اسما لها فلو وقع بعده المعرفة انكفت عنه لمنافاة خصوصه بالتعريف لعمومها فيقع مرفوعا باصل اسمها قبل دخولها وكان معرفة وانما نكر لاجل دخولها فقولك لا اله الا الله اصله الاله الله ولا احد فيها الا زيد اصله الاحد فيها زيد فلما سمي المشركون الهتهم باسم الاله وجعلوا الله سبحانه واحدا من جملة من يشمله اسم الاله وكان الاله قبل تسميتهم مختصا بالمعبود الحق متعينا له فنكر ليشمل الحق والباطل وادخلت عليه لا النافية للجنس والمقصود منها نفي الباطل عمم النفي كل باطل واستثنى من عموم النفي الحق لان النفي لا يشمله ولكن استثنى لئلا يتوهم عموم النفي المستلزم للكفر ولهذا يقال اي كلمة اولها كفر واخرها ايمان وهي لا اله الا الله والاصل قبل ان يسموا الهتهم بذلك الاله الله ومن ثم قال بعض العرفاء كالغزالي وغيره انما اتي بلا مع ان لا اله الا الله معناها الاله الله لانها مكنسة لغبار الاوهام وللتوصل لاثبات وجود الحق الفرد في الافهام فالاسم الكريم مرفوع على الخبرية والعامل فيه على الاصح هو المبتدأ وهو الاله قبل ان ينكر لاجل دخول لا كما قلنا فافهم والجواب عن الثاني قيل لا نسلم ان اسم لا هو المستثنى منه وذلك ان الاسم المعظم اذا كان خبرا كان الاستثناء مفرغا والمفرغ هو الذي لا يكون المستثنى منه فيه مذكورا نعم الاستثناء فيه انما هو من شيء مقدر لصحة المعنى والاعتداد بذلك المقدر لفظا ولا خلاف يعلم في نحو ما زيد الا قائم ان قائما خبر عن زيد ولا شك ان زيدا فاعل في نحو ماقام الا زيد الخ اقول وهذا المفرغ لا فرق فيه بين ما لم يذكر المستثنى منه او يذكر ولا يعتد به فان المستثنى منه في ما زيد الا قائم هو احوال زيد ومعاني افعاله من قيام وقعود واكل وشرب وما اشبه ذلك من صفاته الفعلية والتقدير ما حال زيد الا قائم فنفيت جميع احواله الا قائم فوقع قائم في ما زيد الا قائم خبرا عن زيد اذ لم تخبر عنه بغيره وليس زيد مستثني منه وانما المستثنى منه هو المقدر وهو حاله فالله في كلمة التوحيد ليس مغايرا في الاصل لاله و انما اتي بلا لنفي ما توهم دخوله فيه كما تقدم فراجع وعن الثالث بان اسم لا وان كان في الصورة اللفظية عاما لكنه لم يكن والحال هذه مبتدأ للاسم الكريم لانه انما كان عاما لاجل تحقق فائدة دخول لا عليه والا فهو خاص كما ذكرنا قبل والاسم الكريم ليس خبرا لاسم لا وحده حال التركيب بل له مع لا لانهما حينئذ بمنزلة الاله الله وذلك لانه لما جعلوه عاما بزعمهم وهو خاص في الواقع اتى الشارع لاجل تخصيص هذا العموم المدعي بلا لنفي ما زعموه ويبقى الفرد الخاص الحقيقي سبحانه واتى بالا لبيان بقاء الخاص وارادة التخصيص كراهة توهم عموم النفي فوقع الاسم الكريم في الحقيقة خبرا عن الخاص لا عن العام فافهم واعلم ان هذين الوجهين اصح ما قيل في تركيب كلمة التوحيد بقي الترجيح بينهما والذي انا عليه ضميري وارادتي وترجيحي هو انك ان اعربت الكلمة على ما يطابق معتقد عامة الناس فالوجه الاول ارجح واوفق وان اعربتها على ما يطابق توحيد الخواص واهل المعرفة الذين قال صلى الله عليه واله فيهم اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فالوجه الثاني ارجح واوفق وان اردت الترجيح من جهة الاصول العربية التي بني النحويون عليها اصولهم فالثاني اولى ايضا لقلة التقدير وخفة التغيير هذا عندي مجملا وبيان هذه الترجيحات الثلاثة يحتاج الى تطويل طويل واما قولكم على طريقة النحاة التي لا يتجه عليها شيء من المفاسد فهذا شيء ما يمكنني عليه لاني اذا قررت انما اقرر على ما عندي ومن لم يوافقني يورد علي اعتراضات صحيحة كانت ام فاسدة هي عنده صحيحة وكذلك الاخر والمسئلة فيها خمسة وجوه كل قوم يقررون مذهبهم على ما يفهمون ويعترضون على غيرهم والله سبحانه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم

قال سلمه الله : قال الله تعالى والليل اذا يسر لم حذفت الياء بغير جازم
اقول ان القرءان وعلم العروض طريقة كتابتهما غير كتابة سائر الكتب والعلوم فان علماء العروض يكتبون مثلا التنوين نونا والكلمة المتصلة يفصلونها على حسب الوزن واما القرءان فيكتب منه بعض الكلمات على وجه يوافق القراءتين او على احتمال ان يقرأ به كما كتبوا وكل انسان الزمناه طئره في عنقه مع انهم لا يحذفون الف المد ولو كانت في الجمع كالضالين ولكن حذفوها هنا لاحتمال ان يقرأ الزمناه طيره على الجنس وكذلك كتبوا وجائ يومئذ بجهنم وجائ بالنبيين خاصة في هذين الموضعين على هذه الصورة كصورة جائي لاحتمال ان يقرأ وجاء على المعلوم ويكتبون امرأت نوح وامرأت لوط وكل امرأة اضيفت الى زوجها في القرءان بصورة التاء الممدودة لا بصورة الهاء كما هو المعروف واذا وقفوا عليها وقفوا بالتاء لا بالهاء فيجعلون اللفظ تابعا للنقش كما جعلوا الخط في مواضع النقش تابعا للفظ في مثل سندع الزبانية وقالوا تحذف الواو في الخط تبعا لحذفها في اللفظ وقد تحذف اعتباطا نحو يوم يات لا تكلم نفس الا باذنه وقد تحذف لمراعاة سجع الاي مثل فكيف كان نكير ومنه والليل اذا يسر لكن هنا لطيفة دقيقة عجز عن حلها الاكثرون وهي ان رجلا سأل الاخفش فقال لم حذفت الياء من والليل اذا يسر بغير جازم فقال اخدمني سنة فخدمه سنة ثم قال له اعطني اجرتي بان يجيبني عن مسئلتي فقال الاخفش الليل يسرى فيه لا انه يسري هذا جوابه لذلك السائل فتحير العلماء واولوا الافهام الذكية في حل هذا الرمز والذي يظهر لي ان السري يستعمل في السير في الليل وعن ابي‌زيد السري اول الليل ووسطه وآخره وهذا معروف في اللغة وكانت عادتهم يسرون الليل فاذا بقي من آخره قدر ربع الليل اناخوا وتركوا السري فلما سأله لم حذفت الياء من والليل اذا يسر بغير جازم قال له الليل يسرى فيه ويحذفون اخره السرى فيه فالذي يسرى فيه يحذف اخره للاستراحة اشارة الى انهم حذفوا الياء التي هي اخر يسري لمراعاة سجع الاية وللاستراحة عند التلفظ بقطع النفس والوقف على الراء فافهم

قال سلمه الله : قال الله تعالى واذا الوحوش حشرت لاي شيء تحشر الوحوش مع انها ليست ذات شعور ولا مكلفة في الدنيا حتى جزاها الله بالثواب والعقاب في الاخرة ويوم القيمة يوم جزاء المكلفين بالطاعات ومحاسبة العباد المطيعين والعصاة
اقول الذي دلت عليه الشريعة الغراء ونطق به القرءان ودل عليه العقل المصفى بملازمة اداب الكتاب والسنة ان جميع الحيوانات من الذرة فما دونها الى الحيتان فما فوقها وما بينهما مكلفة بل جميع النباتات والجمادات في كل شيء بحسبه وانها كلها محشورة ومحاسبة ومثابة ومعاقبة وان كان في بعضها يكون ثوابه وعقابه في الدنيا كما روي ان زمزم افتخرت على شط الفرات فاجرى الله فيها عينا من صبر ومنها ما يكون في البرزخ ومنها في الآخرة ومما يدل على تكليف الحيوانات قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون ومن السنة ما اشتهر بروايته من الفريقين ان الله تعالى يقتص للجماء من القرناء حتى ان بعض العلماء قال ان كل نوع من الحيوانات ارسل الله اليهم نبيا من نوعهم ويخاطبهم بلغتهم عن الله تعالى وذلك من قوله تعالى الا امم امثالكم قال فاذا كان كل نوع من الحيوانات امة مثل بني‌ادم بنص القرءان وقد قال تعالى وان من امة الا خلا فيها نذير فقد دل ان كل امة خلا فيها نذير وقال تعالى وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فمثلا النمل امة كبني‌ادم وقد خلا فيها نذير من نوعها ارسله اليها وما روي في تكليف الجمادات مثل ما روي ان ارضا كانت في بني ‌اسرائيل مزبلة وفيها قذرات وجيف فشكت الى الله تعالى يا رب جعلت في البقاع مساجد ومواضع للذكر وانا جعلتني في هذه الحال فاوحى اليها وعزتي وجلالي لئن لم ترضى بقضائي لاجعلنك مرقدا للعزاب وروي ان بعض التمر يوجد فيها مثل الرماد فسئل عليه السلام عن ذلك فقال انها تركت الذكر ذلك اليوم فارسل الله عليها ملكا فضربها بمنقاره فكانت هكذا وما روي عن الصادق عليه السلام انه قال ماذهب مال في بر او بحر الا ولله فيه حق ولاصيد صيد في بر او بحر الا بترك الذكر ذلك اليوم ومثل ما روي في علة الأرض السبخة والماء المالح والنبات المر كالبطيخ وغيره انها عرضت عليها ولاية امير المؤمنين عليه السلام فلم تقبلها فكانت مرة او مالحة او حامضة او مدودة وامثال هذا مما لا يكاد يحصى نقلت هذه الاخبار بالمعنى مختصرا وفي القرءان ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين وفيه وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وفيه أولم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون وبالجملة القرءان والسنة مشحونان بان جميع الحيوانات والنباتات والجمادات مكلفون ومخاطبون بخطاب العقلاء للاشعار بانهم يعقلون التكليف وما كلفوا به مثل قالتا اتينا طائعين وعلى قاعدة ظاهر العربية ان يقول طائعات ومثل سجدا لله وهم داخرون لا داخرات او داخرة ومثل والشمس والقمر كل في فلك يسبحون والحاصل لا مناص عن قبول هذه الادلة ولا يمكن ان يردها من يؤمن بقدرة الله سبحانه وعلمه ويصدق بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه واما دعوى انا مانفهم ذلك فلا ترد النص فانه تعالى اخبر عنهم فقال ولكن لا تفقهون تسبيحهم والذي ينبغي للمسلم والمؤمن ان يقبل هذا اما عن فهم والا فعن تسليم اذ ليس كل شيء تفهمه الناس مع انه قال وما اوتيتم من العلم الا قليلا وايضا كيف من لم يقرأ الا علم النحو يستنكف ان يقول ما افهم بل عليه ان يسلم والا يدخل في قوله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولماياتهم تأويله وما ورد في تفسير قوله تعالى ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ما معناه ان الحيوانات تشكو الى الله تعالى ما فعل بها بنوادم من الضرب والذبح فيخلق الله في ارض المحشر رياضا كاحسن ما وجد في الدنيا وكانت الحيوانات في غاية الشدة من الجوع فتقبل على تلك الرياض فيأمر الله الملائكة ان تمنعها حتى تعفو عن بني‌ ادم فتعفو عن بني‌ادم فيؤذن لها فترتع في تلك الرياض ما شاء الله ثم يقول الله لها وللرياض كوني ترابا فتكون ترابا فيقول الكافر حين يراها يا ليتني كنت ترابا وامثال هذا في الكتاب والسنة كثير واما الدليل العقلي فاعلم ان الادلة ثلاثة دليل الحكمة ودليل الموعظة الحسنة ودليل المجادلة بالتي هي احسن فاما المجادلة بالتي هي احسن فهو المعروف المتداول على الالسنة وهو المركب من المقدمات القطعية او المسلمة او المشهورة او غيرها وهذا الدليل لا يكشف عن حقيقة هذه المسئلة وكذلك دليل الموعظة الحسنة وانما يكشف عن حقيقتها دليل الحكمة وهو لا يعرفه كل احد وانما يتكلم به محمد واهل بيته صلى الله عليه واله فقد امره الله تعالى فقال ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن والمراد انه صلى الله عليه واله يدعو الى سبيل الله بكل دليل لان دليل كل معنى من نوعه فما ظهر ظهر برهانه وما بطن خفي بيانه وعسر برهانه واما دليل الحكمة فهو ليس بدليل عند الناس لانهم انما يعرفون دليل المجادلة بالتي هي احسن فلو اتيت به لكان مضحكة لمن جهله وانما هو من مكنون العلم وكلام الائمة عليهم السلام مشحون به ولولا ان يقال انها دعوى لا اصل لها لماذكرت من ذلك شيئا ولكن لا بد من ذكره على جهة الاشارة والاختصار لعلمي بعدم الانتفاع به الا اني اذكر حديثا ذكر عليه السلام فيه هذا الدليل على مطالب جليلة وان كان يستلزم التطويل

روى الشيخ عبدالله بن نور الله البحراني في كتابه العوالم : محمد بن حرب الهلالي امير المدينة قال سألت جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت يا ابن رسول الله في نفسي مسئلة اريد ان اسألك عنها فقال ان شئت اخبرتك بمسئلتك قبل ان تسألني وان شئت فاسئل قال قلت له يا ابن رسول الله باي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي فقال بالتوسم والتفرس اماسمعت قول الله عز وجل ان في ذلك لآيات للمتوسمين وقول رسول الله صلى الله عليه واله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال فقلت له يا ابن رسول الله فاخبرني بمسئلتي قال (ع) اردت ان تسئلني عن رسول الله صلى الله عليه واله لم لم يطق حمله علي عند حطه الاصنام عن سطح الكعبة مع قوته وشدته وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي به الى ورائه اربعين ذراعا وكان لا يطيق حمله اربعون رجلا وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يركب الناقة والفرس والحمار وركب البراق ليلة المعراج وكل ذلك دون علي عليه السلام في القوة والشدة قال فقلت عن هذا والله اردت ان اسألك يا ابن رسول الله (ص) فاخبرني فقال عليه السلام ان عليا برسول الله صلى الله عليه واله تشرف وبه ارتفع وبه وصل الى اطفاء نار الشرك وابطل كل معبود من دون الله عز وجل ولو علاه النبي صلى الله عليه واله لكان (ص) بعلي مرتفعا وواصلا الى حط الاصنام ولو كان ذلك كذلك لكان افضل منه الا ترى ان عليا عليه السلام قال لما علوت ظهر رسول الله صلى الله عليه واله شرفت وارتفعت حتى لو شئت ان انال السماء لنلتها اما علمت ان المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة وانبعاث فرعه من اصله وقد قال علي عليه السلم انا من احمد كالضوء من الضوء اماعلمت ان محمدا وعليا صلوات الله عليهما كانا نورا بين يدي الله عز وجل قبل خلق الخلق بالفي عام وان الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له اصلا قد تشعب منه شعاع لامع فقالت الهنا وسيدنا ما هذا النور فاوحى الله تبارك وتعالى اليهم هذا نور من نوري اصله نبوة وفرعه امامة اما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي واما الامامة فلعلي حجتي ووليي ولولاهما ماخلقت خلقي اماعلمت ان رسول الله صلى الله عليه واله رفع يد علي (ع) بغدير خم حتى نظر الناس الى بياض ابطيهما فجعله مولى المسلمين وامامهم وقد احتمل الحسن والحسين عليهما السلم يوم حظيرة بني‌النجار فلما قال له بعض اصحابه ناولني احدهما يا رسول الله قال نعم الراكبان وابوهما خير منهما وانه صلى الله عليه واله كان يصلي باصحابه فاطال سجدة من سجداته فلما سلم قيل له يا رسول الله لقد اطلت هذه السجدة فقال ابني ارتحلني فكرهت ان اعاجله حتى ينزل وانما اراد بذلك رفعهم وتشريفهم فالنبي صلى الله عليه واله امام نبي وعلي امام ليس بنبي ولا رسول فهو غير مطيق لحمل اثقال النبوة قال محمد بن حرب الهلالي فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال انك لاهل للزيادة ان رسول الله صلى الله عليه واله حمل عليا على ظهره يريد بذلك انه ابو ولده وامامة الائمة من صلبه كما حول رداءه في صلوة الاستسقاء واراد ان يعلم اصحابه بذلك انه قد تحول الجدب خصبا قال قلت زدني يا ابن رسول الله فقال احتمل رسول الله صلى الله عليه واله عليا يريد بذلك ان يعلم قومه انه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله صلى الله عليه واله ما عليه من الدين والعدات والاداء عنه من بعده قال فقلت يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله زدني فقال احتمله ليعلم بذلك انه احتمله وماحمل الا لانه معصوم لا يحمل وزرا فتكون افعاله عند الناس حكمة وصوابا وقد قال النبي صلى الله عليه واله لعلي عليه السلم يا علي ان الله تبارك وتعالى حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي وذلك قول الله عز وجل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ولما انزل الله عز وجل عليه عليكم انفسكم قال النبي صلى الله عليه واله ايها الناس عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم وعلي نفسي واخي اطيعوا عليا فانه مطهر معصوم لا يضل ولا يشقى ثم تلا هذه الاية اطيعوا الله واطيعوا الرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وان تطيعوه تهتدوا وما على الرسول الا البلاغ المبين قال محمد بن حرب الهلالي ثم قال جعفر بن محمد عليه السلام ايها الامير لو اخبرتك بما في حمل النبي صلى الله عليه واله عليا عليه السلم عند حط الاصنام من سطح الكعبة من المعاني التي ارادها به لقلت ان جعفر بن محمد لمجنون فحسبك من ذلك ما سمعت فقمت وقبلت يديه ورأسه وقلت الله اعلم حيث يجعل رسالته ه‍

اقول اذا نظرت الى بيانه عليه السلم واستدلاله على ما اراد من المعاني لم تجد فيها دليلا صحيحا على طريق دليل المجادلة بالتي هي احسن واكثر احاديثهم عليهم السلام وما يستدلون به من هذا القبيل مثل قوله عليه السلام في الاستدلال على ان رسول الله صلى الله عليه واله اراد بحمل علي عليه السلم على ظهره لتكسيره الاصنام الاشارة الى انه يراد منه هداية نفسه وهداية علي لانه هو الذي حمل به في قوله عليه ما حمل وعليكم ما حملتم فهذا النمط ومثله من الاستدلال هو دليل الحكمة الذي امره الله ان يدعو الى سبيله به فقال ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن

فاذا عرفت هذا فانا اذكر لك دليلا من هذا على ان كل شيء مكلف ومحاسب بنسبة حاله وهو بضرب المثل كما علم الله عباده في كتابه بقوله تعالى وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون فنقول اولا اعلم انه تعالى ابتدع نورا لا من شيء فكونه ولم يكن قبل تكوينه شيئا وهذا هو وجود الاشياء كلها فخلق من صفوته الانبياء والرسل والائمة والاوصياء عليهم السلام وخلق من فاضله يعني من شعاعه المؤمنين والملائكة ثم خلق من فاضل الفضلة الحيوانات كما قال تعالى امم امثالكم وخلق من فاضل هذا الفاضل النباتات واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه واله اكرموا عماتكم النخل وعن امير المؤمنين عليه السلم انما سميت النخلة نخلة لانها من نخالة طينة آدم ه‍ ولهذا قال صلى الله عليه واله اكرموا عماتكم النخل وخلق من فاضل النباتات المعادن والجمادات كذلك وكل هذه المذكورات خلقت من الوجود الذي خلقه الله لا من شيء وهذا الوجود شعور وتمييز وفهم وذكاء وخير وعقل وفطنة فكل ما كان قريبا من المبدأ كان اصفي والطف وانور كالانسان وكل ما بعد من المبدء كان اكثف واغلظ واشد ظلمة كالتراب وما بينهما بالنسبة ففي كل شيء شعور وتمييز وفهم وذكاء وخير وعقل وفطنة بنسبة رتبته من المبدأ ومن الوجود فما كان قويا قويت فيه هذه القوي وتكليفه شديد وثوابه عظيم وعذابه اليم وما كان ضعيفا ضعفت فيه هذه القوى بنسبة وجوده وكان تكليفه ضعيفا وثوابه وعذابه بنسبة تكليفه وتكليفه بنسبة ما اوتي والله سبحانه احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها ومثال الوجود المذكور كنور السراج هو نور واحد ولكن مراتبه متفاوتة كل ما قرب من السراج كان اشد نورا وحرارة ويبوسة وكل ما بعد من السراج كان اضعف نورا وحرارة ويبوسة بنسبة رتبته من السراج وما بين الطرفين بالنسبة فلا يوجد جزؤ من النور وان ضعف الا وفيه نور وحرارة ويبوسة بنسبة نوره فلا توجد حرارة في جزء من ذلك النور بدون يبوسة ولا نور او يبوسة بدون حرارة ولا نور او نور بدون واحد منهما او بدونهما كذلك مراتب الوجود لا يوجد شيء بدون هذه الامور التي هي القوى وان كانت فيه ضعيفة بنسبة وجوده ونحن لضعف بصائرنا لا ندرك شيئا من ذلك والله الذي خلقها يعلمها وهو الذي اخبر بذلك واولياؤه الذين اطلعهم على ذلك اخبروا به فان وجدت ما اشرنا اليه فذلك المطلوب والا فعليك القبول من الذي خلق ذلك واخبر به في كتابه الحق وعلى السنة اوليائه الصادقين فافهم ما اشرنا واشرب صافيا ولا تركن الى ما تتوهم في نفسك بان العلماء ماذكروه فلو ذكروه اتقبل منهم وان لم تفهم ذلك فالائمة عليهم السلام هم العلماء الراسخون المعصومون عن الغفلة والخطأ والسهو والنسيان المؤيدون من الله سبحانه بالعلم والفهم والتوفيق والتسديد فينبغي ان تقبل منهم فانهم اولى من غيرهم بالقبول منهم فان قلت ما صح لي النقل عنهم لاقبل قلت هذا المعنى المشار اليه في اخبارهم المتواترة معنى فكيف لا يصح الا عند من سبقت له الشبهة ولكن اذا ما صح النقل في شيء من تلك الاخبار المتكثرة فالقرءان الشريف نطقت محكمات آياته بذلك فاين المناص عن الاقرار لمن لم يسلك الانكار

قال سلمه الله : قد ورد في الخبر بنا عرف الله ولولا الله ما عرفنا ما المراد من هذا الكلام
اقول هذا لم اقف على هذا الخبر والذي وقفت عليه بنا عرف الله ولولانا ما عرف الله وذلك في روايتين ولكن على ما تروى لا منافاة فيه ونتكلم على ما ترويه فقوله بنا عرف الله له معان : احدها بما وصفنا الله تعالى بصفاته وذكرنا مما يجوز عليه ويمتنع عليه وكل وصف وصف به من غيرنا فانه لا يجوز عليه تعالى ولا يجوز عليه الا ما وصفناه به لانا لا نقول عليه الا ما وصف به نفسه وثانيها انا شرط التوحيد فمن لم يعرفنا لم يعرف الله لان الله تعالى جعلنا اركانا لتوحيده والمراد بالشرط هنا الشرط الركني وذلك لانهم معانيه فهم عينه ولسانه ويده وامره وحكمه وحملة علمه ومعنى كونهم معانيه انهم معاني افعاله كالقيام والقعود والحركة والسكون فانها اركان قائم وقاعد ومتحرك وساكن التي هي اسماء زيد وصفاته فقائم صفة زيد وبه يعرف وركن هذه الصفة القيام وهو مثل حقيقتهم فزيد بالقيام يعرف لانه ركن القائم الذي هو صفته وهذا على اعتبار كونهم المعاني وثالثها انا شرط التوحيد بمعنى ان التوحيد لا يتحقق الا بالاقرار بولايتهم الحق وفيه تعريض بغيرهم والمراد ان من عرف الها اتخذ لخلقه دعاة مهتدين هادين فقد عرف ربه بالغنى المطلق الذي هو عبارة عن التوحيد الكامل بخلاف من عرف الها اتخذ لخلقه دعاة ضالين مضلين فانه ماعرف ربه لان الاله الذي اتخذ لخلقه دعاة ضالين مضلين انما دعاه الى ذلك الحاجة او عدم القدرة على تحصيل هادين مهتدين او عدم علمه بهم والمحتاج وفاقد القدرة والعلم ليس باله حق فبهم يعرف الله ورابعها انا ايات الله التي تدل عليه والمراد انهم هم الايات التي قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق يعني سنريهم آياتنا التي يعرفون الله بها وهو قول الصادق عليه السلام في حديث عبدالله بن بكر الارجاني من كامل‌الزيارة وهو طويل وفيه قال عليه السلام والحجة من بعد النبي صلى الله عليه واله يقوم مقام النبي صلى الله عليه واله وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الامة والاخذ بحقوق الناس والقائم بامر الله والمنصف لبعضهم من بعض فان لم يكن معهم من ينفذ قوله وهو يقول سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم فاي آية في الافاق غيرنا اراها الله اهل الافاق وقال ما نريهم من اية الا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا الحديث والاية هي الدليل عليه ولهذا قالوا عليهم السلام نحن صفات الله العليا ولا شك ان الشيء انما يعرف بصفته وهي كما قال امير المؤمنين عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له وخامسها لما ظهرت عليهم آثار الربوبية حتى انهم يحيون الموتى ويبرئون الاكمه والابرص ويفعلون كلما ارادوا باذن الله سبحانه لانه تعالى اخذ على جميع ما خلق الطاعة لهم ومع هذا ظهروا بكمال العبودية بشدة العبادة وكمال الخوف من مقام الله تعالى فعرف الخلائق ربهم بذلك كما ورد في حق الملائكة انهم لما رأوا انوارهم عليهم السلام تحيروا فسبحوا عليهم السلام فسبحت الملائكة وهللوا فهللت الملائكة وكبروا فكبرت الملائكة وذلك لان الملائكة لما رأوا نورهم صلوات الله عليهم ظنوا ان هذا نور معبودهم فلما سبحوا عرفت الملائكة ان هذا نور مخلوق فقالوا عليهم السلام بنا عرف الله وفيه ايضا وجوه وهذه اظهرها واما قولهم ولولا الله ماعرفنا بالمعلوم يعني نحن لا نعرف الا ما عرفنا الله وهذا متحقق ظاهر وبالمجهول يعني لولا الله لم يعرفهم شيء من الخلق لانه تعالى هو الذي نوه باسمائهم وعرف جميع خلقه جلالة قدرهم وعلو شانهم ومكانهم كما قال الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه وقرب منزلتكم منه ولا اشكال في هنا اذ كل فضل منه وبه قال تعالى وما بكم من نعمة فمن الله

قال سلمه الله : قد روي عن الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد من الربوبية وجد في العبودية وما ليس في العبودية فهو في الربوبية ما سر هذا الكلام
اقول الرواية ليست كما ذكرتم ولو قيل انها منقولة بالمعنى فليس هذا معناها ولفظها : العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك ه‍ وهذا مذكور في مصباح الشريعة وراويه قيل مجهول والذي ذكر السيد عبد الله بن السيد نور الدين الشوشتري في شرح‌النخبة انه لشقيق البلخي رواه عن الصادق عليه السلام وظاهر شقيق انه من علماء العامة من الصوفية الا ان السيد المذكور ذكر انه قتل لشبهة الترفض ودفن بالطالقان والله اعلم بحاله وذكره صاحب البحار عنه واعتمد عليه ونقل منه واكثر الفقهاء لا يعتمدون على شيء من روايته ونحن نشير الى المراد من الكلام ومعناه صحيح على بواطن التفسير والمراد بالعبودية الاثر وبالربوبية المؤثر لذلك مثاله مثل صورتك في المرءاة فانها هي العبودية وصورتك التي فيك هي الربوبية يعني ربوبية صورة المرءاة ومعنى الكلام ان الاثر يشابه صفة المؤثر التي بها التاثير وذلك لانك اذا رأيت اثرا في الأرض فله مؤثر فان كان المؤثر قدم زيد عرفت انه اثر انسان لان العبودية جوهرة كنهها الربوبية فهيئة الاثر من هيئة المؤثر فتعرف ان هذا اثر قدم انسان لا اثر حيوان وليس المراد بالربوبية الربوبية القديمة بل المراد ان هيئة الاثر من هيئة فعل المؤثر القريب مثل هيئة الكتابة من هيئة حركة يد الكاتب والكتابة تدل على حركة يد الكاتب فاذا رأينا الكتابة حسنة عرفنا ان حركة يد الكاتب مستقيمة وبالعكس لان حركة اليد هي ربوبية الكتابة يعني المؤثر القريب ولا تدل على المؤثر البعيد كالكاتب الذي هذه الربوبية صفته فاذا رأينا الكتابة حسنة لم تدل على ان الكاتب حسن او قبيح او ابيض او اسود وانما تدل على حركة يده التي حدثت عنها الكتابة لا حركة الاكل والبطش وهذا مثال وآية يعرف الانبياء والمرسلون والاولياء ما يراد منهم من المعارف فقال صلى الله عليه واله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقال امير المؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه ولهذا استدل الصادق عليه السلم في الحديث المذكور بقوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم الاية فقوله عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه دال على ان معرفة النفس معرفة الله بمعنى ان الله سبحانه جعل النفس آية تدل عليه ولذا قال تعالى سنريهم آياتنا وهذه الاية تدل عليه على نحو ما قال امير المؤمنين عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ه‍ وذلك لانها اثر فعله والاثر يدل على المؤثر كما تدل الكتابة على ان لها صانعا ولا تدل على كيفيته وهيئته نعم تدل بهيئتها على صفة حركة اليد كذلك النفس تدل على صفة فعله تعالى كما تدل الكتابة على صفة حركة اليد وقوله فما فقد في العبودية وجد في الربوبية يراد منه ان صورتك في المرءاة فقد منها الغني والاستقلال بمعنى انها لا تستغني عن صورتك التي هي فيك ولا تستقل بنفسها وصورتك التي هي فيك مستغنية مستقلة بنفسها لانها ذات وتلك صفة فما فقد من الصفة من الاستقلال وجد في الموصوف وقوله وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية يراد منه ان ما خفي على طالب المعرفة من الربوبية اصابه اي وجده في العبودية مثلا لو طلبت معرفة صورتك التي فيك لم تقدر على الاطلاع عليها فيخفي عليك فتجده في صورتك التي في المرءاة التي هي العبودية وهنا ابحاث جليلة يظهر منها جميع معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته واسمائه ومعرفة اوامره ونواهيه ومعرفة خلقه ولكن تستلزم تطويلا طويلا فلذا اعرضنا عنه

قال سلمه الله : اذا حشر الانس والجن يوم القيمة فبعد الحساب اين جنة الجن وجهنمهم هل هم مع الانس في الجنة او في النار ام لهم جنة ونار مخلوقتان على حدة
اقول قوله صلى الله عليه واله ليس وراء دنياكم بمستعتب ولا دار الا جنة او نار ه‍ يدل مع امثاله وظاهر الكتاب العزيز واجماع المسلمين على انه ليس يوم القيمة الا جنة او نار وهذا لا شك فيه والعلماء لم اقف لهم على كلام شاف في هذه المسئلة والمفسرون يظهر منهم الاختلاف لانهم قالوا في قوله تعالى لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان بقولين فقال بعضهم لم يمس الحوريات قبل ازواجهن انس ولا جان بل هن ابكار كأنهن بيض مكنون اي بيض نعام في احكامهن وقال بعض لم يمس الانسيات انس قبلهم ولا الجنيات جان وهو يشعر بعيدا بعدم مناكحتهم للانس المستلزم لعدم مجاورتهم في الجنة واما انهم ذكروا ذلك صريحا فلم اقف عليه هذا ما اعرف من قولهم هذا ومن اختلافهم في جواز المناكحة بينهم واما ما فهمت من الاخبار وهو الذي عندي فهو ان الدور يوم القيمة تسعة وعشرون دارا ثمان جنان اعلاها جنة عدن والسبع مساكن المؤمنين على حسب منازلهم في الايمان والثامنة جنة عدن لمحمد وآله صلى الله عليه واله ولمن لحق بهم بالمجاورة وسبع جنان حظائر وهي اظلة للجنان الاصلية السبع كل واحدة من الحظائر من جنة من الاصلية على الترتيب والاصلية افضل من الحظيرة بسبعين ضعفا وان كان فيها كل ما في اصلها فهي فرع عنها فهذه خمس‌عشرة دارا للسعداء وسبع نيران اصلية وسبع نيران حظائر نسبتها من الاصلية كنسبة حظائر الجنة من الاصلية فهذه اربع‌عشرة دارا فكانت الدور تسعا وعشرين دارا والذي فهمت من اخبارهم عليهم السلام ان من اتباع المؤمنين ثلاث طوائف لا يدخلون جنان المؤمنين وهم اولاد الزنا المؤمنون ومؤمنوا الجن والمجانين الذين ما جرى عليهم التكليف وهم عقلاء ولم يكن لهم شفعاء من ابائهم وهؤلاء الثلاث الطوائف يسكنون جنان الحظائر السبع كل فيها على حسب ايمانه اما مؤمنوا الجن فيسكنون في الحظائر على حسب ايمانهم في مراتبها لانهم خلقوا منها واليها يعودون ولانهم خلقوا من النار التي من الشجر الاخضر كما روي عن الصادق عليه السلام والشجر من فاضل طينة الانسان فهم في الحقيقة كالصور بالنسبة الى الذوات فلذا كانت حقيقتهم من الحظائر التي هي من ظاهر جنة المؤمنين فافهم واما المجانين المذكورون فليس لهم عمل يستحقون به الجنة الا باعمال الشرع الوجودي وهو ظاهر للوجود الشرعي ولهذا انما دخلوا الجنة بمحض التفضل الذي هو من مكملات الوجود الشرعي وهو من الظواهر فكانوا من اهل الحظائر واما اولاد الزنا فورد انه لا ينجب الا بعد سبعة ابطن فبعد السبعة الابطن يلحق بجنان المؤمنين واما قبل ذلك فله سبع مراتب : مرتبة العقل والثانية مرتبة النفس والثالثة مرتبة يكسى لحما والرابعة مرتبة العظام والخامسة مرتبة المضغة والسادسة مرتبة العلقة والسابعة مرتبة النطفة والحظائر للجنان سبع فولد الزنا اذا كان عاملا بالاعمال الصالحات يكون في اسفل جنان الحظائر لعدم طهارته فكانت اعماله قاصرة ناقصة وان قبلت لكنها في جميع مراتبها ليست زاكية وابنه بالعقد الحلال يزكو عقله فيكون في الحظيرة الثانية التي هي فوق السفلي هذا مع فرض تساوي الاعمال وابن الابن بالعقد تزكو عقله ونفسه فيكون في الحظيرة الثالثة وابنه كك يزكو عقله ونفسه ولحمه فيكون في الحظيرة الرابعة وابنه كذلك يزكو عقله ونفسه ولحمه وعظمه فيكون في الخامسة وابنه كذلك يزكو عقله ونفسه ولحمه وعظمه ومضغته فيكون في السادسة وابنه كذلك يزكو عقله ونفسه ولحمه وعظمه ومضغته وعلقته فيكون في السابعة العليا وابنه كذلك يزكو عقله ونفسه ولحمه وعظمه ومضغته وعلقته ونطفته فينجب ويلحق بجنان المؤمنين وانما ينحط عن جنان المؤمنين قبل طهارة نطفته لان طهارتها هي مبدأ الوجود التشريعي وقبل ذلك ملحق بالظواهر مستوجب لسكنى الحظائر هذا ما تشير اليه الاخبار في تلويحاتها في جنان الحظائر وان سكانها هذه الطوائف الثلاث فالمؤمنون من الجان في جنان الحظائر وهذا يؤيد القول الثاني للمفسرين وجنان الحظائر سبع كما تقدم غير جنان المؤمنين لانها تحتها لكل جنة حظيرة كالظل منها فحظيرة الجنة الثانية فوق حظيرة الجنة الاولى كما ان الجنتين كذلك وحظيرة الجنة الثالثة فوق حظيرة الجنة الثانية وحظيرة الجنة الرابعة فوق حظيرة الجنة الثالثة وهكذا وهي متفاوتة في الشرف كتفاوت الجنان الاصلية والسابعة من الحظائر هي اعلاها وهي تحت الجنة السفلى من جنان المؤمنين واما حظائر النيران فهي ايضا كما تقدم سبع مترتبة فاولها حظيرة الجحيم وهي اعلاها واهونها عذابا واسفلها حظيرة جهنم وهي اشدها وحظيرة جهنم فوق الجحيم كما ان اعلا حظائر الجنان تحت اسفل الجنان الاصلية وهذه النيران السبع نيران الحظائر تعذب فيها عصاة الشيعة ممن لم تدركه شفاعة ولم تمحص ذنوبه بالبلايا في الدنيا او عند الموت او في البرزخ او باهوال يوم القيمة لان المفهوم من اخبار الائمة الاطهار عليهم السلم ان محبيهم لا يدخلون النيران ولو كان على العاصي منهم ذنوب ليس لها مكفر الا النار وضع في حظائر النار حتى يطهر من نجاسة الذنوب ثم يدخل الجنة ولهذا يقولون اعداؤهم وهم في النار الاصلية كما حكي الله عنهم وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار اتخذناهم سخريا ام زاغت عنهم الابصار ثم قال تعالى ان ذلك لحق تخاصم اهل النار وفي الكافي عن الصادق عليه السلام لقد ذكركم الله اذ حكى عن عدوكم في النار بقوله وقالوا ما لنا لا نرى الآية قال والله ما عنى الله ولا اراد بهذا غيركم صرتم عند اهل هذا العالم من اشرار الناس وانتم والله في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون وفي رواية اما والله لا يدخل النار منكم اثنان لا والله ولا واحد والله انكم الذين قال الله تعالى وقالوا ما لنا لا نرى الآية ثم قال طلبوكم والله في النار فماوجدوا منكم احدا وفي رواية اخرى اذا استقر اهل النار في النار يتفقدونكم فلا يرون منكم احدا فيقول بعضهم لبعض ما لنا الآية قال وذلك قول الله عز وجل ان ذلك لحق تخاصم اهل النار يتخاصمون فيكم كما كانوا يقولون في الدنيا ه‍ وانما لم يروا احدا من عصاة الشيعة مع ان منهم من يدخل النار لانهم في نار الحظائر وهي غير نار الكفار والمنافقين فلا يرون منهم احدا وهذا المعنى موجود في ظاهر الاخبار اما ان نيران الحظائر هي نيران الجان فلم اقف على خبر في ظاهر لفظه ما يدل على ذلك ولا على كلام لاحد من العلماء في ذلك نعم الذي استفدت من بواطن الاحاديث لا من ظواهرها ان نيران الجان نيران الحظائر والاشارة الى جهة مأخذ الدليل من دليل الحكمة وهو ان الانسان اشرف من الجان واعلى فيجب ان يكون ثوابهم وجنانهم اشرف واعلى وسمعت ما ذكرنا في جنان الجان انها جنان الحظائر كما صرحت به الرواية عنهم عليهم السلام ويجب ان يكون عقابهم ونيرانهم اشد من عقاب الجان ونيرانهم لان الجان انزل رتبة من الانس فيجب ان يكونوا اسهل منهم في النيران وفي العقاب وهذا معقول لمن كان له قلب او القي السمع وهو شهيد فللجان اذ اطاعوا جنان اسفل من جنان المؤمنين وهي جنان الحظائر ولهم اذا عصوا نيران اسهل واخف من نيران بني‌ادم اذا عصوا لان نسبة الصعود كنسبة النزول فافهم

قال سلمه الله : قد بلغنا اخبار كثيرة تدل على تغيير القرءان وتحريفه وتصحيفه مع ان الله تعالى قال انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وتصديق هذه الاخبار يستلزم تكذيب هذه الاية وبالعكس والعياذ بالله كيف وجه الجمع بين الاية والرواية
اعلم ان هذه المسئلة وقع فيها الاختلاف والذي يظهر لي ان الاختلاف انما هو لعلة قوله عليه السلام انا الذي خالفت بينكم الا انه بما القيه في خيال بعض العلماء حفظا لهذه الفرقة والا فمن نظر الى ادلة القائلين بعدم التغيير رءاها اوهن من بيت العنكبوت وذلك لان الدليل اما ان يكون من الكتاب او السنة او من دليل العقل او الاجماع والاربعة لم يثبت منها شيء اما الكتاب فقد دل بصريحه المؤيد بالحديث المجمع على معناه من المسلمين كافة على انه مغير محذوف منه كثير بمعونة الاحاديث المجمع عليها من المسلمين وهي ما روي عن النبي صلى الله عليه واله لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ه‍ وهذا لا يختلف في معناه اثنان من الشيعة ومن طرق العامة ما رووه عن ابي‌ليث الواقدي قال كنت رديفا للنبي صلى الله عليه واله في غزوة اوطاس فمررنا بشجرة كان المشركون ينوطون عليها اسلحتهم يقال لها ذات انواط فقلت يا رسول الله اجعل لنا ذات انواط كما لهم ذات انواط فقال صلى الله عليه واله قلتم والذي نفس محمد بيده ما قالت بنو اسرائيل لنبيهم اجعل لنا الها كما لهم آلهة لتركبن سنن من قال قبلكم حذو النعل بالنعل الحديث او كما قال وهذا الحديث لا يختلف في معناه اثنان منهم فقد حصل اجماع المسلمين على المعنى وفي صريح القرءان وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء وهذه التورية التي عند اليهود قد غيروا فيها صفة محمد صلى الله عليه واله بالاجماع من المسلمين وقد اخبر القرءان عن كثير من ذلك منه قوله تعالى وقد كان فريق منهم يعني من اسلافهم اليهود يسمعون كلام الله في اصل جبل طور سيناء واوامره ونواهيه ثم يحرفونه عما سمعوه اذا ادوه الى من ورائهم من بني‌ اسرائيل من بعد ما عقلوه فهموه بعقولهم وهم يعلمون انهم في تقولهم كاذبون ثم قال تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم يحرفونه من احكام التورية ثم يقولون هذا من عند الله وذلك انهم كتبوا صفة زعموا انها صفة النبي صلى الله عليه واله وهو خلاف صفته وقالوا للمستضعفين هذه صفة النبي المبعوث في اخر الزمان طويل عظيم البدن والبطن اشهب الشعر وهو صلى الله عليه واله بخلافه وانه يجيء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة ليشتروا به ثمنا قليلا لتبقى لهم على ضعفائهم رياستهم وتدوم لهم منهم اصاباتهم ويكفوا انفسهم مؤنة خدمتهم لرسول الله صلى الله عليه واله وقال تعالى ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب من صفة النبي صلى الله عليه واله وحذفوها من التورية ويشترون به ثمنا قليلا عرضا من الدنيا يسيرا وينالون به في الدنيا عند الجهال رياسة وقال تعالى يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب كنعت محمد صلى الله عليه واله وآية الرجم في التورية وبشارة عيسى باحمد في الانجيل ويعفو عن كثير مما تخفونه لا يخبر به وفي مجمع‌البيان عن الباقر عليه السلام عند تفسير قوله تعالى يا ايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من سورة المائدة ان امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من اشرافهم وهما محصنان فكرهوا رجمهما فارسلوا الى يهود المدينة وكتبوا اليهم ان يسئلوا النبي صلى الله عليه واله عن ذلك طمعا في ان ياتي لهم برخصة فانطلق منهم كعب بن الاشرف وكعب بن اسيد وشعبة بن عمرو ومالك بن الضيف وكنانة بن ابي الحقيق وغيرهم فقالوا يا محمد اخبرنا عن الزاني والزانية اذا احصنا ما حدهما فقال صلى الله عليه واله وهل ترضون بقضائي في ذلك قالوا نعم فنزل جبريل عليه السلام بالرجم فاخبرهم بذلك فابوا ان يأخذوا به فقال له جبرئل اجعل بينك وبينهم ابن‌ صوريا ووصفه له فقال النبي صلى الله عليه واله هل تعرفون شابا امرد ابيض اعور يسكن فدك يقال له ابن ‌صوريا قالوا نعم قال فاي رجل هو فيكم قالوا هو اعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما انزل الله على موسى (ع) قال فارسلوا اليه فبعثوا اليه فاتاهم عبد الله بن صوريا فقال له النبي صلى الله عليه واله اني انشدك الله الذي لا اله الا هو الذي انزل التورية على موسى وفلق البحر فانجيكم واغرق ال فرعون وظلل عليكم الغمام وانزل عليكم المن والسلوى هل تحلون في كتابكم الرجم على من احصن قال ابن ‌صوريا نعم والذي ذكرتني به لولا خشيت ان يحرقني رب التورية ان كذبت او غيرت ما اعترفت لك ولكن اخبرني كيف هو في كتابك يا محمد قال ان شهد اربعة رهط عدول انه قد ادخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم فقال ابن‌ صوريا هكذا انزل الله في التورية على موسى فقال له النبي صلى الله عليه واله فما ذا كان اول ما ترخصتم به امر الله قال كنا اذا زنى الشريف تركناه واذا زنى الضعيف اقمنا عليه الحد فكثر الزنا في اشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل اخر فاراد الملك رجمه فقال له قومه لا حتى ترجم فلانا يعنون ابن عمه فقلنا تعالوا نجتمع فلنصنع شيئا دون الرجم يكون على الشريف والوضيع فوضعنا الجلد والتحميم وهو ان يجلد اربعين جلدة ثم يسود وجوههما ثم يحملان على حمارين وتجعل وجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما فجعلوا هذا مكان الرجم فقالت اليهود لابن‌ صوريا ما اسرع ما اخبرته به فامر بهما النبي صلى الله عليه واله فرجما عند باب مسجده وقال انا اول من احيى امرك اذ اماتوه فانزل الله سبحانه فيه يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير الحديث وفي قوله سماعون لقوم اخرين عن ابن‌ عباس وجابر بن سعيد المسيب ارسلوهم في قصة زان محصن فقالوا لهم ان افتيكم محمد بالدية فخذوه وان افتيكم بالرجم فلا تقبلوا لانهم كانوا حرفوا حكم الرجم الذي في التورية ه‍ ومنها ان حكم الاخرة من الجنة والنار حذفوه من التورية فليس فيها الان شيء من ذلك والله سبحانه يقول وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء الى غير ذلك وكذلك في الانجيل مما حذفته النصارى من اسم محمد وصفته والقرءان مصرح بتغييرهم في التورية والانجيل والاحاديث المجمع عليها قد دلت بنصها على ان كل ما كان في الامم الماضية يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة فاذا ثبت بالدليل القطعي انهم غيروا التورية والانجيل وحذفوا منها وثبت بالدليل القطعي ان ما كان هناك يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ثبت ان القرءان غير وبدل لا ينبغي للعارف بما قلنا ان يرتاب في ذلك واما السنة فقد وردت الاحاديث المتكثرة بالتغيير والتبديل والتقديم والتاخير والزيادة والنقيصة وغير ذلك حتى ان السيد نعمت ‌الله الجزائري رحمه الله ذكر في رسالته الصلاتية ان الاخبار الدالة على ذلك تزيد على الفي حديث ولم نقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك والقرءان الموجود الأن ستة ‌الاف اية وست‌ مائة وست وستون اية تقريبا والمروي في صحيحة هشام بن سالم الجواليقي ان القرءان الذي نزل على محمد صلى الله عليه واله سبعة ‌عشر الف اية وفي رواية ثمانية ‌عشر الف آية اما الزيادة فيه فوردت في روايتين او ثلاث كقوله عليه السلم لولا ما زيد في القرءان ونقص لم يخف حقنا على ذي حجي واجمع المسلمون على عدم الزيادة في هذا الموجود الأن وانما الخلاف في النقيصة وحملوا احاديث الزيادة على زيادة بعض الحروف في بعض القراءة مثل ملك ومالك ومثل مسكنهم ومساكنهم والذي افهم من الزيادة انها هي الحاصلة من التقديم والتأخير كما في قوله تعالى افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة فانها هكذا : ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى فكان الكلام المؤخر زائدا في المكان الثاني ناقصا من الاول والكلام المقدم زائدا في المكان الاول ناقصا من المكان الثاني واما النقيصة فالاحاديث متواترة معنى في ذلك فورد عن امير المؤمنين عليه السلام انه حذف واسقط ما بين « فان خفتم الا تقسطوا في اليتامي » وبين « فانكحوا ما طاب لكم من النساء » الآية اكثر من ثلث القرءان وورد ان سورة الاحزاب بقدر سورة البقرة والحاصل هي كما قال السيد نعمت ‌الله الجزائري انها تزيد على الفين ومن روايات العامة ما رواه الشيخ سعد بن ابراهيم الاردبيلي من علمائهم في كتاب الاربعين الحديث يرويه باسناده الى المقداد بن الاسود الكندي قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه واله وهو متعلق باستار الكعبة ويقول اللهم اعضدني واشدد ازري واشرح صدري وارفع ذكري فنزل جبريل (ع) وقال له اقرأ الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك فقرأ النبي صلى الله عليه واله على ابن ‌مسعود فالحقها في تأليفه واسقطها عثمن ه‍ وبالجملة اذا دلت على مسئلة اخبار قدر الفي حديث ولم يوجد خبر مناف لذلك بل القرءان شاهد بتصديقها لا يحسن اجتهاد في مقابلتها واما الدليل العقلي فتمشيته على التغيير والتبديل والاسقاط اظهر من تمشيته على عدم التغيير لان نافين التغيير قالوا لو صح التغيير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرءان اذ على هذا يحتمل كل آية منه ان يكون محرفا ومغيرا ويكون على خلاف ما انزل الله فلم يبق لنا في القرءان حجة اصلا فتنتفي فائدته وفائدة الامر باتباعه والوصية بالتمسك به وقالوا ان الله سبحانه يقول وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويقول انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون فكيف يتطرق اليه التحريف والتغيير وايضا قد استفاض عن النبي والائمة صلوات الله عليهم حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته له فاذا كان القرءان الذي بايدينا محرفا فما فائدة العرض مع ان خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له فيجب رده والحكم بفساده او تاويله والجواب عن الاول انا لانقول ان التغيير في جميع كلامه او في كل كلمة او في كل اية او بما يختل به نظم القرءان لان التغيير باسقاط ايات وكلمات وليس كلما سقط من شيء انتفت فائدة الباقي بل الباقي باق على كماله وبلاغته مثلا على قولكم انه الأن كما انزل لم يتغير لو ان شخصا اسقط نصف البقرة وثلث ال‌عمران وربع النساء او بالعكس هل يكون في الباقي فائدة وحجة ينتفع به الناس ام لا فان قلتم ان اسقاط نصف السورة لا يبطل حجية باقيها كما قلتم في الحديث ان اشتمال بعضه على المنافي اذا كان صحيحا لا يخل بباقيه الموافق ولا يبطل الاحتجاج به فالقرءان اولى بذلك لانه كلما كان اكمل كان بعضه اولى بالاستقلال من بعض غير الاكمل انظر لو قلنا بان اية الكرسي وجد منها الله لا اله الا هو الحي القيوم واسقط باقيها مابطلت بلاغة الموجود منها والاحتجاج به بل هو باق على ما هو عليه في جميع فوائده الا ما كان مرتبطا بالمحذوف وما كان مرتبطا بالمحذوف فان علم حافظ الشريعة الذي استودعه رسول الله صلى الله عليه واله شريعته ان الرعية تحتاج اليه ذكره لهم ولا يخل به مثل استحقاق الزوجة مع عموم استحقاقها في القرءان من كل ما ترك زوجها وخصصوها عليهم السلام على مقتضي ارادة الله تعالى لانهم يريدون هداية الخلق الى الحق فلو فقد شيء من القرءان مما تحتاج اليه رعيتهم وجب على المستحفظ للشرعية ( للشريعة ظ ) ان يلقيه اليهم في احاديثه كما دلت عليه الاخبار مثل قوله عليه السلام ان الأرض لا تخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم فلا يحصل نقص على الرعية بما اسقط من القرءان والمسدد المكمل عليه السلام معهم بقوله وفعله وتسديده وان قلتم ان اسقاط البعض يسقط حجية الباقي لاحتمال التغيير في كل آية قلنا هذا انما يتم لو لم يعلم مواضع الاسقاط واما اذا علم مواضع التغيير والاسقاط ببيان العالم عليه السلام فلا يتم هذا لكم لانه عليه السلام قد بين مواضع التغيير مثل واجعلنا للمتقين اماما لما قرئت عند الصادق عليه السلم فقال قد سئلوا الله عظيما ان يجعلهم للمتقين ائمة فقيل له كيف هذا يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله قال انما انزل الله واجعل لنا من المتقين اماما ومثل يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك فان لم تفعل فما بلغت رسالته اي من ربك في علي الاية فان قلتم هذه اخبار آحاد لا يعول عليها قلنا ما الموجب لردها وجعلها اخبار آحاد وهي تزيد على الالفين والقرءان كما سمعت يؤيدها فان كان لان العمل بها ينافي الاحتجاج به والتمسك به قلنا على قولكم انه لم يغير بحال يجوز التمسك بكل شيء منه او لا يجوز لان فيه ما يحتاج الى صرفه عن ظاهره مثل يد الله فوق ايديهم والى ربها ناظرة فان قلتم لا يجوز لان فيه المتشابه ويحتج به الدهري والمرجئ وغيرهما وانما نحتج بمحكمه قلنا في المحكم عام فلا يكون محكما الا بعد التخصيص وفيه المنسوخ وغير ذلك والمقرر للمحكم منه هو الامام عليه السلام وهو المقرر للعمل به في بعض دون بعض ومنها بيان مواضع التغيير لان القرءان فيه تفصيل كل شيء واكثر الاحكام التي عندكم ليس فيها دليل من القرءان وانما ادلتها من السنة وفي السنة ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة وقد اخبروا في الاحاديث الصحيحة عنهم عليهم السلم ان جميع ما عندهم من القرءان فالذي يخبرونكم به وليس مذكورا في هذا القرءان ولا شك انه منه كما قالوا فاما ان يكون في التأويل او في لفظه والاصل عدم التأويل لان من قال انه من القرءان ولم يوجد في هذا القرءان الموجود عندنا لابد له ان يقول انه مذكور في القرءان في لفظه واحتمال التأويل مرجوح لمخالفته الاصل وكون امير المؤمنين عليه السلم جمع القرءان وعرضه على القوم ولم يقبلوه ورجع به مما يؤيد انه غير هذا والا لما كان لرجوعه به ولا لعدم قبولهم له مزية اذا كان هو هذا الموجود ودعوى ان هذا لم يثبت مباهتة لشهرته بين المسلمين من المؤالف والمخالف ودعوى ان ما اتى به عليه السلم انما هو من قبيل التفسير ينافيها قوله عليه السلم هذا كتاب الله كما انزل فان قبلتموه فاقبلوني معه لاحكم بما انزل الله فيه ومخاطبته عليه السلام لطلحة ومحاجته وجوابه للزنديق مشهورة فان قيل كل هذه اخبار آحاد لا يعول عليها قلنا فأتوا بخبر واحد يوافق قولكم مسند او غير مسند مع انا قلنا لكم ان احاديث لتركبن سنن من كان قبلكم الخ مما اتفق على صحة معناها جميع المسلمين واللازم من ذلك نص القرءان الموجود على تغييره باسقاط وتبديل وتقديم وتأخير وتأويل على غير مراد الله وغير ذلك خرج منه الزيادة فيه من غيره من الايات والكلمات باجماع المسلمين وان الموجود قرءان لا شك فيه وبقي ما سوي هذين داخلا فيما نص عليه هذا القرءان من وقوع ذلك في كتب الامم الذين قبلنا وراجع ما مضي واما قولهم ان الله سبحانه يقول وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فليس فيه دلالة على مدعاهم لان اسقاط بعضه لا يلزم منه تطرق الباطل على الباقي منه لانه حق ولو قيل يتطرق الباطل على المجموع من حيث هو مجموع قلنا انما يتطرق على المجموع لو قلنا بان ما اسقطوه ذهب واما اذا كان محفوظا عند اهله فلا يلزم منه ذلك فانه مثل ما لو اتخذت من هذا الموجود انت وحدك بعض سورة وتركت الباقي فانه لا يضر الباقي وهو موجود عند غيرك على ان المراد من معنى هذه الاية ان القرءان لا يكون فيما اخبر به عما مضي وعما يأتي شيء مخالف للحق ففي التفسير لا ياتيه الباطل من قبل التورية ولا من قبل الانجيل والزبور ولا من خلفه اي لا يأتيه من بعده كتاب يبطله وفي مجمع‌البيان عنهما عليهما السلم ليس في اخباره عما مضي باطل ولا في اخباره عما يكون في المستقبل باطل بل اخباره كلها موافقة لمخبراتها ه‍ وكذلك قوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون فان اسقاط بعضه عند اناس لا ينافي كونه محفوظا عند آخرين وليس المراد انه لا يجوز ان يقال بانه سقط منه شيء لانه يخالف الاية ويلزم منه تكذيبها كما في متن السؤال لانك يمكنك انت ان تسقط منه شيئا ولا يلزم منه ذلك لان المراد من الاية مثل المراد من الاولى وان اريد تأويلها على هذا المعنى فهو الأن محفوظ عندهم عليهم السلم ولم يذهب المحذوف منه من الوجود ليكون غير محفوظ واما عرض الخبر المروي على كتاب الله الخ فنقول ليس المراد به العرض على جميع آياته بل على ما يصلح عليه العرض والذي امر بالعرض عليه هو الذي اخبر باسقاط بعضه فلم لا تقول لعله انما امر بالعرض لعلمه بان ما يحتاج الى العرض على الكتاب من الخبرين المختلفين يبينه الموجود من القرءان بالعرض عليه وما لا يبينه الموجود من القرءان امر بعرضه على السنة او على ما عليه العامة او لعل المعروض عليه من هذا القرءان الموجود لم يكن مغيرا ومجرد الاسقاط لا يوجب عدم جواز العرض لجواز ان يكون ما اسقط لا يتعلق به عرض شيء عليه او ما يتعلق به من العرض تقوم السنة مقامه فيه او العرض على ما عليه العامة بل ربما يكون هذا راجحا من جهة ان القرءان فيه ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء فلما اخبر سبحانه بان القرءان فيه تفصيل كل شيء ورأينا اكثر الروايات المختلفة لا يمكن عرضها عليه ولا يوجد فيه تفصيلها حصل لنا قطع بمعونة تلك الاخبار المتكثرة انه لو وجد كله لاغني في عرض جميع الاخبار المختلفة عليه عن السنة وعن العرض على مذاهب العامة لانه تفصيل كل شيء والا لماكان فيه تفصيل كل شيء لان ما لا يغني عن غيره كان خاص النفع وما كان خاصا لا يخبر عنه في القول الحق انه عام فاخبار التحريف موافقة للكتاب ومصدقة له عند اولي الالباب واما الاجماع فهو دائر بين ان يكون منقولا او محصلا خاصا لوجود المخالف في كل آن من زمن الائمة عليهم السلام الى هذا الان وان اختلفت الشهرة باختلاف الازمنة والمنقول يجوز ان يكون منقولا عن اجماع محقق وهذا على فرضه ووقوعه في الظاهر يكون حجة ومصادما للمخالف وفي الحقيقة قد يكون وجود المخالف بعده وكثرته وقوة دليله ناقضا لذلك الاجماع لاحتمال ان يكون اصل منشأ القول المخالف من اتمام الامام عليه السلام لما نقص المؤمنون او ردهم عما زادوا بقرينة قوة الدليل ولما ثبت عند المحققين من جواز تعاكس الاجماعين في بعض صور الاجماع المركب ومن جواز انقلاب الاجماع الظاهر وان كان نادر الوقوع كما اشرنا الى ذلك في رسالتنا الموضوعة في الاجماع وقولي في الظاهر لاحتمال ان تكون قطعيته حصلت من التسامح (ظ) لا من قطعية الدليل بنفسه فانها اذا حصلت من قطعية الدليل بنفسه اضمحل الخلاف لان قطعية الدليل بنفسه لا يجتمع مع ضده الا نادرا لتغير القطع بقوة الاحتمال المتجدد ولا يكون الا في وقت متباعد عن وقت الاول او صقع ناء عن مكان الاول بحيث لا يكلف المستنبط الاطلاع عليهما ويجوز ان يكون منقولا عن اجماع محصل خاص وهذا مع ثقة الناقل وسلامته من الاحتمال الاول لا يزيد على خبر الثقة وان كان لو انفرد الخبر الصحيح معه كان ارجح من الخبر كما هو الظاهر لكنه لا يقاوم الفي حديث معتضدة بلزوم نص القرءان كما تقدم مع ان اكثرها صحيحة يشهد العقل السليم من الشبه لها والمراد بالشبه ما بينا كثيرا ما في اجوبتنا ومباحثاتنا ان العلماء اذا كان المباحث لهم مخالفا لهم على اربعة اقسام : قسم يسلك طريق المكابرة والعناد ومثل هذا لا يوفق للصواب والسداد وقسم ليس كذلك ولكنه ربما اعتادت نفسه بشيء وانست به فاذا حصل له ما ينافيه مالت نفسه وربما يكون من حيث لا يشعر بالاعتياد الى صرف ما يخالف ما انس به وتاويله وهذا كذلك وان كان اخف تقصيرا من الاول وقسم ليس كالاولين ولكنه مطمئن الى قواعد عنده يعتمد عليها فيقبل ما يوافقها وينكر ما يخالفها وهذا ايضا كثير الخطأ ولا يكاد يهتدي الى سواء السبيل لانه ربما كان الغلط والخطأ في قواعده الا اذا كانت قواعده واقعية اما من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه واله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول ه‍ يعني ان العقول متفقة على قبوله كما رواه في الاختصاص عن محمد بن الزبرقان الدامغاني عن موسى بن جعفر عليهما السلم ولا شك في صوابه حينئذ وقسم ليس كالاولين بل هو بعد ما مارس العلوم وتأدب باداب الروحانيين حصل له عقل اكتسابي وفهم طبعاني فاذا القي اليه الكلام نظر فيه بفهمه وتدبر معنى المراد منه غير ملتفت الى ما اعتادت به نفسه ولا الى قاعدة عنده بل ينظر نظر المتدبر ويستمع استماع المتفهم المتعلم فهذا هو الذي يصدق عليه قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين فالعقل السالم من الشبه الثلاث يشهد بما قلنا بل يجوز ان يكون منقولا عن الاجماع السكوتي وما اشبه ذلك ولاجل هذا اشترط بعضهم الاطلاع الابتدائي ليرتفع الاحتمال ويتبين الاجمال والمحصل الخاص لا يرفع الاختلاف بل يجوز لمن لم يحصله معارضته كما دل عليه خبر الاختصاص عن الكاظم عليه السلام حيث قال فيه فما ثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه واله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق على من انتحل تلك ردها ووجب عليه قبولها والديانة والاقرار بها وما لم يثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه واله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والانكار له الحديث الا انه اذا حصل له دليل معارض له حيث تعتبر المعارضة نظر فيهما بعين الترجيح وقد شاع في كتب الاصحاب في مواضع كثيرة الحكم في مقابلة الاجماع المنقول لقوة الدليل المعارض له وترجيحه بل ربما يكون بعضهم يحصل له ترجيح في مقابلة الاجماع المنقول باحتمال يجري على خاطره يرجح به دليله عليه لانه عندهم دليل مرجح للدليل او دليل يترجح بدليل لا انه دليل مستقل وحده بدون شيء يعضده غالبا لقيام الاحتمال كما مر وان كان هو بحكم الخبر الواحد واصرح من الخبر لعدم الاحتمالات المنافية لدلالته المتطرقة الى الخبر الا انه غالبا لا يستعملونه دليلا تاما مستقلا والا لم يكن خاصا بل كان محققا ولهذا لا تكاد تجد حكما من احكامهم ليس له دليل الا خصوص الاجماع المنقول بل لا بد معه من رواية او اعتبار شرعي وليس لانه غير حجة بل لما يتطرق اليه من الاحتمالات في النقل بم يثبت به وما المنقول هل هو المحقق ام المحصل الخاص ام عام ام غير ذلك حتى انه قد يكون اجماعان في زمن واحد متقابلان ولا يكونان محققين قطعا كما نقل عن الشيخ ظاهر الاجماع على جواز الصلوة في فرو السنجاب وعن ابن زهرة في الغنية ظاهر الاجماع على المنع من الصلوة فيه وهما متعاصران وبالجملة ليس حيث نقل الاجماع تعين به الحكم كما سمعت من مثل اجماعات ابن‌ادريس والسيد المرتضي حتى انه نقل عنه تسعة اجماعات في تسع مسائل لم يعلم بها قائل بل مذهب الفرقة المحقة على خلافها والاصل انه اجماع حصله هو مستنبطا لم يجده غيره فاذا وقفت على ما في الادلة الاربعة التي اشرنا اليها فيما نحن فيه تبين لك صحة ما قلنا وما نصره الشيخ ابو علي الطبرسي رحمه الله من عدم التغيير منتقض بما ذكرناه وبما قرره هو في مجمع‌البيان في مواضع كثيرة من تغيير الكتب السابقة وحذف كثير منها كما في التورية والانجيل المستلزم لصحة تغيير كتابنا بنص الاخبار المجمع على العمل بها من جميع المسلمين فاذا تفهمت ما اشرنا اليه ظهر لك مطابقة الرواية للاية وعدم المنافاة بينهما والله سبحانه يقول الحق وهو يهدي السبيل

قال سلمه الله : قال الله كل شيء هالك الا وجهه وفي الحديث القدسي يا بني ادم خلقتم للبقاء لا للفناء بم يجمع بين الكلامين المتنافيين
اقول اما الاية فللهالك ثلاثة معان وللوجه ثلاثة معان وللضمير في وجهه معودان اما الهلاك فيطلق على الموت الذي هو مفارقة الروح للجسد والمعنى كل شيء ذي روح فهو ميت كما قال تعالى أفأن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت والثاني يطلق على تفرق الاجزاء وبطلان التركيب فتفرق الاجزاء كما في الاجساد فان اجزاءها تتفرق في التراب وتبقى في القبر محفوظة مستديرة كما تبقى سحالة الذهب في دكان الصائغ غير مشاهدة ولا محسوسة حتى يصفيها وتخرج تامة فهي باقية غير فانية ولا ترجع الى العدم كما توهمه بعضهم بل تبقى في قبره مستديرة يعني مترتبة على ترتيبه في حال الحيوة فاجزاء الراس فوق اجزاء الرقبة واجزاؤها فوق اجزاء الصدر واجزاؤه فوق اجزاء البطن وهكذا وبطلان التركيب يكون في الارواح فانها حين قبضها الملك من الجسد خرجت حية الى نفخة الصور الاولى نفخة الصعق وهي في الحقيقة مركبة من ستة اشياء كما هي الأن فاذا نفخ اسرافيل في الصور انجذبت الى ثقبها الخاص بها وفيه ستة مخازن فاذا دخلت في ثقبها خلعت شبحها ومثالها الذي هو القالب في المخزن الاول والمادة في الثاني والطبيعة في الثالث والنفس في الرابع والروح في الخامس والعقل في السادس وبطل فعلها وحركتها وذلك بين النفختين وهي اربعمائة سنة فاذا نفخ اسرافيل عليه السلام نفخة البعث والحيوة للحشر دفعت النفخة العقل فاتصل بالروح وهما بالنفس وهي بالطبيعة وهي بالمادة والجميع بالقالب فحييت ونزلت الى جسدها وولجته وخرج الشخص الى المحشر فهذا التفرق والبطلان هو الهلاك الثالث هلاك الدين والمعنى كل شيء هالك وباطل الا وجهه اي كل دين باطل الا دينه او كل شيء هالك الا دينه وباطل او هالك في الدين وباطل فيه الا دين اوليائه واتباعهم الذي هو دينه او الا اولياؤه واتباعهم فانهم ناجون في الدين ووجهه اولياؤه واما الوجه فيطلق على الذات المقدسة من باب تسمية الكل باسم الجزء والمعنى كل شيء فان الا الله تعالى الثاني يراد بالوجه اولياؤه عليهم السلام اي كل شيء هالك الا اولياؤه عليهم السلام الثالث يراد بالوجه الاصل اي كل شيء هالك الا اصله الذي خلق منه ليخلق منه كما خلق اول مرة واما الضمير فيعود الى الله او الى الشيء وبيان ما اجملنا وتفصيله على الاول من الهلاك ان كل ذي روح تفارق روحه جسده الا ذاته سبحانه لانه احدي المعنى ليس بمركب فيتغير بل ذات بسيطة بحت لا كثرة فيها لا في الواقع ولا في الفرض والاعتبار هذا على ان الوجه هو الذات تعالى وعلى ان الوجه هم اولياؤه عليهم السلام يكون المعنى كل ذي روح تفارق روحه جسده مفارقة بطلان بحيث لا يبقى لهم شعور في حال الا محمد واله صلى الله عليه واله فانهم اذا ماتوا لم يموتوا بهذا المعنى واذا قتلوا لم يقتلوا بهذا المعنى بل اذا ماتوا او قتلوا فارقت ارواحهم اجسادهم مع الادراك والشعور لهم ولهذا روي ان رأس الحسين عليه السلام وهو على سنان سنان النخعي لعنه الله كان يقرأ القرءان وكذلك ارواحهم وكما هو معروف بين ارباب الحديث والعلماء ان عليا عليه السلام يحضر جميع الاموات عند الموت وعند الحساب في القبر وهو مقتول لعن الله عبدالرحمن بن ملجم وذلك في حياتهم التي عند ربهم وانك الأن تزورهم فاذا سلمت عليهم صلى الله عليهم سمعوا كلامك وردوا عليك سلامك ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام ان ميتنا اذا مات لم يمت وان مقتولنا اذا قتل لم يقتل يعني به ان ميتنا ومقتولنا ليس كسائر الناس اذا مات احدهم او قتل كان كالحجرة لا يشعر بشيء بل نحن اذا متنا او قتلنا ندرك في حال الموت ما ندرك في حال الحيوة الا اشياء لمصالح المكلفين ولذلك لما مات النبي صلى الله عليه واله واخذ علي عليه السلام في تغسيله كان صلى الله عليه واله يقلب نفسه على المغتسل لا يحتاج الى من يقلبه وهذا معنى ظاهر لا يحتاج الى زيادة البيان وعلى ان الوجه هو الاصل يكون المعنى كل شيء ذي روح تفارق روحه جسده الا اصله الذي خلق منه اول مرة فانه باق من غير مفارقة وهو في اللوح المحفوظ حتى يخلق منه كما خلق اول مرة واليه الاشارة بقوله تعالى كما بدءكم تعودون وقوله تعالى قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ يعني ان علمنا بما تنقص الأرض منهم في كتاب حفيظ مثل قوله قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وعلى المعنى الثاني من الهلاك ان كل شيء تتفرق اجزاؤه ويبطل تركيبه الا ذاته سبحانه لعدم تجزئه وعدم تركيبه بكل اعتبار وعلى ان الوجه اولياؤه عليهم السلام ان كل شيء تتفرق اجزاؤه ويبطل تركيبه الا محمد واله صلى الله عليه واله فانهم باقون بالله سبحانه فان اجسادهم لا تأكلها الأرض لان الله تعالى حرم لحومهم على الأرض بل على كمال تركيبها باقية في قبورهم وانما لم يرها البشر في الدنيا لانهم خلعوا البشرية الكثيفة التي رأوهم بها في الدنيا لان تلك البشرية تحدث من هذه العناصر من الطعام والشراب فاذا خلعوها لم تدركها ابصار اهل الدنيا وهو المعبر عنه في اخبارهم عليهم السلم برفعهم الى السماء الى ثلاثة ايام من دفنهم او اربعين يوما على اختلاف الروايات لا انهم يرفعون وتكون القبور خالية وكيف ذلك وهم انما يحشرون منها وان نوحا عليه السلام اخرج عظام ادم عليه السلام او جسده على اختلاف الروايتين وكان بين اخراجه وبين موته على ما نقله المسعودي في مروج‌ الذهب الف سنة وخمس ‌مائة سنة واربع ‌عشرة سنة وموسى عليه السلام نقل عظام يوسف عليه السلام وبينهما تقريبا نحو من اربعمائة سنة وكذلك ارواحهم عليهم السلام روي انها لا تبطل بين النفختين كما تبطل ارواحنا بل روي انهم عليهم السلام باقون على حالهم الأن بعد موتهم الى يوم القيمة لا يجري عليهم عليهم السلام من البطلان ما يجري على الخلق وعلى ان الوجه هو الاصل ان كل شيء يعني في عالم الخلق تتفرق اجزاؤه الا اصله الذي في اللوح المحفوظ فان تركيبه باق الى ان يخلق منه وعلى المعنى الثالث من ان المراد بالهلاك هلاك الدين فعلى ان المراد بالوجه الذات المقدسة عز وجل يكون المعنى كل دين او كل شيء في دينه هالك الا دين الله تعالى ودين اوليائه الذين قاموا بدينه وامتثلوا اوامره واجتنبوا نواهيه وعلى ان المراد بالوجه اولياؤه فالمعنى قريب مما قبله لان دينهم دين الله ودين الله دينهم وعلى ان المراد بالوجه وجه الشيء واصله يكون المعنى كل شيء هالك دينه الا اصله الثابت في اللوح المحفوظ ومعلوم ان الاصل ان كان ثابت الدين في الاصل كان هو ثابتا فيكون المعنى كل شيء هالك في دينه الا الشيء الذي اصله ناج في دينه فانه ناج وبقي للهلاك معنى وهو الفناء والتناهي وعليه يتعين ان يكون المراد بالوجه الذات المقدسة اذ كل شيء متناه غيره تعالى واليه المنتهى فهو قبل كل شيء وبعد كل شيء ولكن لا يلزم من تناهي الاشياء فناؤها ليقال تبطل الجنة والنار واهلهما لان الامكان خلقه الله تعالى غير متناه في نفسه وان كان عند الله متناهيا لان عدم تناهي الممكن لا ينافي عدم تناهي الواجب فيقال انه مشارك له بل هو تعالى لا يتناهى وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى فالاشياء باقية ببقائه سبحانه ولا نهاية لاخرها في الامكان لان الامكان غير متناه في الحدوث وهو سبحانه غير متناه في الازل ومحيط بالحوادث التي تتناهى فمعنى فناء الاشياء تناهيها في حكم الازل واما في انفسها فهي باقية في اماكنها فقوله وانما خلقتم للبقاء يراد منه انكم خلقتم للبقاء باسبابه وهو انكم لما كنتم في هذه الدنيا مخلوقين للتكليف لا للبقاء فيها لانها فانية خلق فيكم اسباب التغيير والانتقال عنها الى دار البقاء وهي ممازجة العناصر المركبة لاجسامكم لانها اسباب التلاشي والفناء لتنتقلوا من دار الفناء الى دار البقاء ففناؤكم في هذه الدار كسركم فيها لتتخلصوا من اسباب الفناء ليحصل لكم البقاء بالتصفية كما قال ارسطو للدهري الذي سأله فقال لم خلق ربكم هذا العالم فقال ارسطو لا يسعه اللم وانما خلقه كرما فقال اذا كان علة ايجاد هذا العالم كرمه اذا ابطله فقد ابطل كرمه فقال ارسطو انما كسره ليصوغه الصيغة التي لا تحتمل الفساد ه‍ ويريد ان هذا التركيب الذي ظهر به ابن‌ادم في هذه الدار لا يصلح للبقاء لممازجة العناصر والاعراض له في تركيبه المقتضية للتغيير والامراض لان هذا التركيب هو المناسب للتكليف في الدار الفانية فلما اراد ان ينقله الى دار البقاء المستمر والثبات الدائم كسره بان اماته فاقبره في الأرض حتى تأكل الأرض جميع ما فيه من الاعراض والتراكيب الفاسدة ويتخلص من جميع اسباب الفناء كما ان الصائغ اذا كان عنده ذهب ممتزج بالنحاس وضعه في الكور او في المياه الحلالة حتى يتخلص من جميع الاجزاء النحاسية ثم يعمل به ما شاء من الحلي وليس وضعه في الكور وكسره واذابته افناء له بل تطهير له من اسباب الفناء ليصلح للبقاء فكذلك الانسان خلقه الله للبقاء الابدي ولكنه لا يكون الا بالاعمال فانزله في دار التكليف وهي دار فانية متلاشية فلو ابقاه على صفاء اصل خلقته لكان باقيا في دار لا تبقى فيختلف المقتضيان فجعل فيه تركيب العناصر والاعراض الفانية لتكون سببا لانتقاله من دار الفناء الى دار البقاء وهو حينئذ لا يحصل لدار البقاء الا بالتصفية من تلك التراكيب المقتضية للتغيير فهذا الفناء والهلاك غير مناف لخلقهم للبقاء بل هو من اسباب البقاء لانه لتصفيته منها ولو اريد انهم خلقوا للفناء لكان يخلعون لباس الكون فيرجعون الى الامكان ولما كان الفناء الطاري عليهم بحكم الله سبحانه انما هو نقض التركيب وتفرق الاجزاء وهي محفوظة في الكتاب وكان المراد بالفناء انما هو التصفية من اسباب الفناء الموجبة لعدم البقاء كانت التصفية من مقدمات البقاء فلم يكن بين الاية والرواية منافاة والله سبحانه ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد واله الطاهرين

وكتب العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين بن ابراهيم الاحسائي المطيرفي في غرة جميدي ‌الاولى سنة الثلاثين بعد المائتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها واله افضل الصلوة والسلام حامدا مصليا مسلما مستغفرا

المصادر
المحتوى