
حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان المكرم المحترم والاخوند المعظم الملا محمد مهدي ابن الملا شفيع ( محمد شفيع خل ) الاسترابادي وفقه الله لرضاه قد عرض عليّ مسائل جليلة اراد جوابها واستنظرته ليكون الجواب كاشفا لجميع ما يحول على الناظر فيها من كل حجاب فلم يكن له مهلة على الانظار فكتبت الجواب على غاية الاختصار والاقتصار فان وقع ( وقع فيه خل ) خلل من جهة عدم استقصاء الجواب فليس مني بل لضيق الوقت والله الموفق للصواب
قال سلمه الله : قد اشتهر بين علمائنا ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لطف واللطف واجب على الله تعالى وهذا خفي على ما ادري ما مرادهم ( مرادهم من هذا الكلام خل ) ان ارادوا بالوجوب ما يذم تاركه او يعاقب او يستحق العقاب فمعاذ الله اي عقل يجترئ على مذمة الله سبحانه فضلا عن العقاب والعقول متحيرة عند مصالح رب الارباب وان ارادوا به الوجوب العقلي يعني ممتنع الانفكاك عن الذات فهو جيد على زعم السيد ولكن ماوجدت ذلك المعنى منهم ( منه خل )
اقول المراد بالوجوب على الله سبحانه في كل ما ينسب اليه ( له خل ) هو الثبوت في الحكمة وهو سبحانه من مقتضى رحمته وعدله انه لا يترك اللطف ولو شاء لتركه قال تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك ليفتري علينا غيره وتعالى الله في رحمته وفضله ان يذهب بما اوحى الى رسوله صلى الله عليه وآله مع انه قادر عليه ولو فعله لم يكن منافيا للازل ( للاول خل ) وانما ينافي الرحمة التي تحتاج اليها العباد الضعفاء واما المعنى الاصطلاحي فلا تصح ارادته هنا واما المعنى العقلي الذي اشرتم اليه فباطل لانه يلزم منه التشبيه لان كل شيء يلزمه غيره فهو حادث وهذا المعنى ايضا باطل
قال سلمه الله تعالى : قد ورد عن المعصوم عليه السلام في تفسير بعض الايات ان تلك الآية قد وردت بغير هذا اللفظ وانما نزلت كذا وكذا كما في قوله انما انت منذر ولكل قوم هاد وعلى لكل قوم هاد ويا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في على واذا كان الامر على ذلك فلا يبقى وجه بحجية ( لحجية خل ) الكتاب لانه ح محرف ومصحف ومع التغيير لا يمكن الاستدلال بالايات على الاحكام
اقول نعم القران قد حرف وحذف منه كثير فقد روي ان الذي نزل سبعة عشر الف آية وفي رواية ثمانية عشر الف آية وهو الان ستة الاف وستمائة وستة وستين آية وقال السيد نعمة الله الجزايري في صلاتيته ان الروايات الدالة على تغيير القران تزيد على الفين ه وانت خبير بان الحكم يثبت برواية او روايتين فكيف لا يثبت حكم بالفين وهي معمول بها عند المتقدمين كالكليني والصدوقين وغيرهم على انه اي ضرر فيه لان المحذوف ان كان له تعلق بتصحيح الاخبار ذكر الائمة عليهم السلام احاديثا ( احاديث خل ) تصححها فكل موضوع فيه ( فقد فيه خل ) قران وهو محتاج اليه فقد اكملوه ونحن نقول ان الموجود من القران لا زيادة فيه واما النقيصة فلا تضر فانه لو حصل لك اية واحدة جاز العرض عليها لانها ( لانه خل ) قران وليس شرط العرض عليها وجود كل القران بل موضع الحاجة منه ولو كان في الموجود غير القران لجاز ان تقول مانعرف القران من غيره فلا نعرض عليه ولكن الموجود كله قران فنعرض عليه واما المحذوف فلو وجد لم تسمع من احد من العلماء احتمالا ولا شكا ولا ترددا ( تردد خل ) في الحكم ( الحكم به خل ) لان الدين القطعي ( القطعية خل ) كله عند اهل البيت وهو في القران كله فتردد العلماء واختلافهم دليل على التغيير ( التغير خل ) وادلة القائلين بعدم التغيير ( التغير خل ) كلها ضعيفة وكل من يفهم لا يعول ( لا يقول خل ) عليها ودعويهم الاجماع ليست جارية على الطريقة المعرفة ( المعروفة خل ) لان القائلين بالتغيير في كل زمان ما انقرضوا ولا نقصوا ومع ذلك فالائمة عليهم السلام على ذلك ماعلم ولا عرف عنهم ما ينافيه والقران صريح في ذلك لان قوله تعالى يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب صريح في ان اليهود قد غير ( غيروا خل ) التورية والنصارى غيروا الانجيل لقوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا وذلك حين حرفوا ما في التورية والانجيل من حكم الرجم وحذفوا ذكر النبي صلى الله عليه واله وذكر الاخرة والجنة والنار والله يقول وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء وهو ظاهر في تغييرهم وحذفهم وقد روي عن النبي صلى الله عليه واله من الفريقين الشيعة والسنة متواترا في المعنى ان ( اذ خل ) كل ما كان في بني اسرائيل يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه فاذا ثبت التغيير هناك ثبت هنا
قال سلمه الله تعالى : قد اشتهر الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله وافضل الاعمال احمزها والتنافي بينهما غني عن البيان على انه ورد لا مؤاخذة على النيات وبقصد الخير يكتب له خير وبقصد الشر لا يكتب فكيف تكون نية الكافر شرا من عمله وايضا ورد افضل الاعمال الصلوة وهي الجهاد الاكبر المستصغر وحج البيت حج الاكبر ( حج اكبر خل ) والصلوة ليست اشق من الحج والجهاد
اقول اطالة البحث ليس لي فيها وقت ( وقف خل ) فلا اقدر عليه الا ان جوابي على جهة الاختصار فاقول ان قوله صلى الله عليه وآله نية المؤمن خير من عمله فيه ( فله خل ) وجوه احسنها وجها احدهما ان العمل لا يقدر عليه في كل شيء واما النية فالمؤمن نيته انه لو بقي ابد الدهر انه يطيع الله ونية الكافر انه ابدا يعصي الله فخلد المؤمن في الجنة بنيته لان عمله لايسع البقاء الدائم بلا انقطاع وكذلك الكافر وثانيهما ان النية روح العمل وهي اعظمه والروح افضل من الجسد واما ان افضل الاعمال احمزها اي اشقها فحق والنية الصحيحة اشق من الف عمل بل لا تكاد تقع الا من الاقلين واما انه لا مؤاخذة على النيات اي نيات الاعمال لا نيات الاعتقادات فانها هي نفس الاعتقادات وهي الاعمال القلبية وفيها مؤاخذة ان كانت فاسدة واما نيات الاعمال فان نوى الصلوة كتبت له لان الانسان خلق من عشر قبضات قبضة من المحدد وهي قلبه ومن المكوكب هي نفسه ومن فلك زحل هي عقله ومن فلك المشتري هي علمه ومن فلك المريخ هي وهمه ومن فلك الشمس هي وجوده الثاني ومن فلك الزهرة هي خياله ومن فلك عطارد هي فكره ومن فلك القمر هي حيوته ومن الارض هي جسده فهذه عشر ( عشرة خل ) قبضات كلها من الوجود فان نوى الطاعة كانت حسنة واحدة ( واحدة بمرورها خل ) في قلبه فان عمل الطاعة مرت على العشرة فانتقشت في كل ( كل طاعة خل ) واحدة صورة حسنة فكتبت عشرا واما المعصية فليست العشرة مخلوقة لها فاذا نوى المعصية لم تكتب لانها غريبة من العشرة فاذا عملها مرت على نفسه وهمه ووهمه و( وهمه اي خل ) وجوده الثاني وخياله وفكره وحيوته وجسده فينتظر سبع ساعات فان تاب انمحت ( وان تاب لمحت خل ) لانها اجنبية لاتثبت الا بالتكرار وان لم يتب استقرت في الجسد لانها مناسبة له فتكتب واحدة فافهم واما ان الصلوة فهي الجهاد الاكبر لانها عمود الدين وهي اشق من الجهاد والحج لانك لو كلفت ان تصليها تامة مقبولة بان لا تغفل عنها لعلمت ان كل شيء هي اشق منه ولكن سهل الامر فيها الرجاء في رحمة الله
قال سلمه الله : قال تعالى الذين يأكلون الربا الى قوله ذلك بانهم قالوا انما البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا يختلج بالبال عكس ذلك التشبيه لان حلية البيع مسلمة عند الفريقين دال بأنه كان حلالا عندهم وشبهوه بالبيع في الحلية والظاهر ان يقول انما الربا مثل البيع في الحلية وعدم الحرج والمؤاخذة
اقول ليس المراد هكذا وانما مرادهم تشبيه البيع بالربا لان الربا عندهم حلال فقال لهم هو حرام والحلال انما هو البيع فقالوا له لا نجد فرقا فلا يكون البيع احسن من الربا انما هو مثل الربا فلا زيادة حسن فيه وانما هو مثل الربا ومقتضى هذا تقديم البيع لانه هو المشبه عندهم بالربا لا العكس
قال سلمه الله : قد اشتهر ان ايوب عليه السلم كان صابرا على البلايا والمحن وقد قال الله تعالى في قصته انا وجدناه صابرا نعم العبد والصبر على ما وجدت في كتب الله عدم الجزع على المصائب مع انه عليه السلم قال رب اني مسني الضر وذلك يدل على الشكاية فكيف يكون مع ذلك صابرا شاكرا صامتا
اقول اعلم ان ايوب على نبينا وآله وعليه السلم كان صابرا كما قال الله تعالى ولم يجزع ولم يشك بليته حتى اتى ابليس الى بعض امته الذين امنوا به وصدقوه وقال لهم ما معناه ان الله سبحانه عدل لا يجور ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم وكان ايوب مرائيا في جميع اعماله فابتلاه الله بهذه البلايا لسوء سريرته لان الله تعالى لا يظلم العباد فدخل عليهم الشك في نبوته حتى شافهوه وقالوا ( قال خل ) له ذلك مواجهة فلما رأى ان امرهم آل الى فساد اعتقادهم ودينهم حرم عليه الصبر على البلاء لئلا يرتدوا عن دين الله بالطعن في نبوة نبي الله فوجب عليه ان يسأل الله ليرفع عنه البلاء حفظا لدين الله وليس فعله شكاية ومعاذ الله ان يكون منه ذلك
قال سلمه الله تعالى : ما الدليل على حدوث العالم مطلقا مع عزل النظر عن الاجماع والحديث المشهور والحال ان المقروع عند الاسماع ان الارادة علة للايجاد وهي عين الذات وتخلف المعلول عن العلة التامة وهو المفروض غير معقول عند ارباب العقول
اقول الارادة علة للايجاد علة فاعلية والشيء لا يوجد الا باربع علل اذا فقدت واحدة لم يوجد وبقي في حيز الامكان شيئا ممكنا لا مكونا : العلة الفاعلية وهي المشية والارادة والعلة المادية وهي اما نورية جبروتية او جوهرية ( جبروتية ونفسانية خل ) ملكوتية او جسمانية عنصرية والعلة الصورية وهي كذلك معنوية جبروتية ونفسانية ملكوتية ومثالية برزخية ( وبرزخية خل ) والرابعة الغائية ( والعلة الغائية خل ) فالاشياء انما تأخرت لعدم حصول عللها واما المشية والارادة فهي علة تامة في الفاعلية اذا وجدت المادة والصورة تعلقت بالشيء كالشمس نورها فيها وهي مشرقة ولو لم توجد الارض بكثافتها لم يظهر نورها فاذا وجدت كثافة الارض ظهر النور وكمثل صورتك في المرءاة انت لم تفقدها ولكنها لا تظهر حتى توجد المرءاة وتقابلها واما قولكم فهي عين الذات فنقول اذا كانت الارادة هي عين الذات تعالى كان الذات الذي هو الله هو الارادة فاذا كان تعالى هو الارادة فمن الذي يكون تعالى ارادة له ومن المريد وانت تقول ان الارادة تتعلق بالمراد فذات الله اذا كانت هي الارادة تتعلق بالمراد وانت المراد فذات الله تتعلق بك عند ايجادك تعالى عن ذلك علوا كبيرا ان الارادة هي الابداع وهي محدثة وقد قال الرضا عليه السلم في توحيد الصدوق قال عليه السلم المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد ه فقد كان الله وحده ولا شيء معه وهو كنز مخفي فلما اراد واحب ان يعرف خلق المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية والمشية والارادة مثالهما ولله المثل الاعلى كحركة يدك انت تكون ولا تحرك يدك للكتابة فاذا بدا لك ان تكتب احدثت حركة يدك بنفسها ثم احدثت الكتابة بحركة يدك وهذا مثال ذلك ودليله فان الله يقول سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فاية الله في نفسك فيما نحن فيه حركة يدك وكتابتك فافهم
قال سلمه الله : ما الدليل على وحدة الوجود او الموجود مع ان الحس قد يكذب ذينك المذهبين ويبطلهما اذ لا دليل على ذلك بل القول به باطل واعتقاده كفر مع ادخال واجب الوجود في هذا الفرض
اقول اعلم ان الله سبحانه واحد لا شريك له كان وحده وهو الان على ما كان ثم اخترع بفعله المحدث فخلق كل مخلوق من ذات وصفة جوهر ( وجوهر خل ) وعرض معنى وعين معلوم وموهوم اخترع له تارة ( مادة خل ) نورية او جوهرية او جسمانية عنصرية واخترع من نفس المادة صورتها على حسب قبولها الفعل ( قبولها لفعله خل ) فالوجود وحده هو المادة والوجود مع الصورة اي الماهية هو الموجود لان كل شيء مخلوق فله مادة وصورة كل بحسبه ومن كل شيء خلقنا زوجين فبعض الصوفية من يقول بوحدة الوجود ويريد ان الوجود واحد بسيط في الحادث والقديم ويتميز الحادث بالمشخصات وهي حدود الماهية وهي موهومة ووجوده عين وجود الحق مثل اليخ المجمود وهو الوا ( وجود الحق ويمثل بالجمد والماء ويقول مثلا الجمد الجمود هو خل ) الحادث والماء هو الواجب فاذا ذاب الثلج ( الجمد خل ) لم يوجد الا الماء وهو القول بوحدة الوجود ولا شك ان هذا باطل والقول به كفر لا يرتاب فيه الا كافر وبعضهم يقولون ( يقول خل ) ان الحادث مركب من وجود هو مشية الله وهي ( ومن مشخصات وهي خل ) الحادثة الموهومة فاذا زالت بقي فعل الله تعالى ومشيته وهذا القول اخو ( اخ خل ) ذلك في البطلان وابنه في الكفر وبعضهم يذهب الى ان الاتحاد انما هو في الواجب والموجود الذي قلنا بتركيبه من وجود هو الله ( الله عند الاولين خل ) ومن ماهية هي الحدوث لان الموجود نفس الواجب فهما شيئان في الاسم وواحد في الرسم وهذا القول باطل كالاول والقول به كفر كالقول الاول ولكنه اشنع من الاول فالقول بمطلق وحدة الوجود كفر بالاله المعبود عز وجل والحق في المسئلة انه سبحانه واحد لا شيء معه ولايخرج منه شيء ولا يدخله شيء ولا يمازج شيئا ولا يشابه شيئا ( لا يشابهه شيء خل ) وليس بينه وبين واحد ( احد خل ) نسب ولا قرابة ولا يقترن به شيء ولا يرتبط بشيء ولا يرتبط به شيء كان هكذا وهو هكذا بلا تغير ولا تحول ولا زوال ثم احدث بفعله خلقا من مادة اخترعها ولم يكن قبل اختراعه لها شيء بدأها بفعله لا من فعله واقامها بفعله فهي من اثر فعله بدت والى مبدئها تعود مدبرة مصنوعة ليست منه تعالى ولا هو منها ولا معها ولا فيها وهي كذلك هو في الازل والازل ذاته وهي في الحدوث محتاجة في كل طرفة عين الى مدد من اثر فعله به اقامها واليه اسندها لا اله الا هو اليه ( واليه خل ) المصير وتلك مذاهب الصوفية لعنهم الله لعنا وبيلا وعذبهم عذابا اليما وضعوها في مقابلة ائمة الهدى صلوات الله عليهم وهذا الذي تسمع من كلام الفقير الحقير المقر بالقصور والتقصير هو المذهب الحق وهو المذهب الذي نزل به جبرئيل (ع) عن الله تعالى الى سفيره ونبيه صلى الله عليه واله واستخلفه صلى الله عليه واله في اله الطاهرين عليهم السلام فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ويوفقه للائتمام بامامه الحق عليّ بن ابي طالب عليه السلام واهل بيته صلوات الله عليهم ومن يرد ان يضله يكله الى نفسه حتى يأخذ دينه عن امامه الباطل مميت الدين بن عربي ( ابن اعرابي خل ) وامثاله من اهل الضلالة القائلين بوحدة الوجود وان الله ليس له ان شاء فعله وان شاء نزل ( ان شاء فعل وان شاء ترك خل ) وان علمه مستفاد من المعلومات ( المعلوم خل ) وان حقايق الاشياء غير مجعول ( غير مجعولة خل ) وانما هي صور علمية للحق تعالى وان اهل النار مآلهم الى النعيم في النار ( مآلهم الى النار بالنعيم خل ) وامثال ذلك من مذاهبهم الفاسدة واعتقاداتهم الباطلة
قال سلمه الله : ما معني قوله تعالى لا اكراه في الدين مع ان النبي صلى الله عليه وآله جاهد الكفار والمنافقين
اقول معنى ذلك في الكلام الذي بعده وهو قد تبين الرشد من الغي والمراد انه تعالى لا يكرهكم على ما لا تعلمون ان الحق في خلافه بل قد بين ( تبين خل ) لكم الرشد حتى لا يخفى على من له ادنى عقل فان لم يعلم المكلف بالرشد لم يكلفه الله تعالى لانه قادر على ان يبين له ذلك في نفسه وقد اخبر بأنه تعالى لا يعذب احدا ولا يضله قبل البيان قال تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون وقال ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى وقال وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا يعني يبين لهم ذلك الرسول وقال صلى الله عليه وآله الناس في سعة ما لم يعلموا وقال عليه السلم ليس على العباد ان يعلموا حتى يعلمهم الله وامثال ذلك فليس لقائل ان يقول ان اكثرهم ما عرفوا الرشد من الغي والحق من الباطل لان الله تعالى اخبر بأنه لايضلهم ولا يكلفهم بالعلم ولا يعذبهم الا بعد البيان وهو اعلم بما خلق فلو قال قائل هذا مخالف للوجدان قل له هل قال الله تعالى بما قلنا عنه بأنه لا يعذب الا بعد البيان وكذا قال رسوله صلى الله عليه وآله فان قال لك ما قال فقد كذب الله وهو منهم وان قال ان الله تعالى قال ذلك لزمه ان الله تعالى ما عذبهم الا بعد البيان فاذا ثبت انهم عرفوا الحق وتركوه عنادا لم يكن في الدين اكراه وانما كان عدل الله سبحانه وهو لا يسئل عما يفعل ( يفعل وهم يسئلون خل ) لانه حكيم عليم واخبر ان الفتنة اكبر من القتل وهي الكفر فاذا اخبر العبد وبين له في نفسه ولم يقبل وجب قتله وليس من الاكراه في الدين مثاله انه لو اضطر المريض الى الكي بالنار بحكم الحكيم الماهر فصبره على النار والتألم بها ليس باكراه بل هو مطلوب بالعرض لاجل طلب الشفاء بالذات فقتل الكافر هو من باب تحمل الضر لدفع الاضر فافهم سر المسئلة واما قول بعضهم بان قوله لا اكراه في الدين منسوخ فهو امر ظاهر والسر ما ذكرت لك وله معنى حقيقي ايضا وهو ان الدين لا يقبله الله الا على جهة الاختيار لا على الاكراه فمن آمن مكرها ليس مؤمنا بل المؤمن من آمن مختارا ويكون المعنى ان الدين لا يدخل فيه الاكراه وما وجه الاكراه والحال ان الرشد قد تبين من الغي يعني لا عذر لمن يؤمن مكرها لانه بعد ان يتبين له ما فيه صلاحه على اكمل بيان فما وجه الاكراه بل يجب قتله دفعا للاضر ولو بضر اخف من الاضر وهذا مقتضى الحكمة
قال سلمه الله تعالى : ما الوجه في ان من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها
اقول - قد ذكرنا فيما تقدم ما يدل على الجواب فراجعه لاني مشتغل وليس له فراغ في بسط الكلام الا اني ذكرت ان الله سبحانه خلق الانسان من عشر قبضات تسع من الافلاك التسعة وواحدة من الارض وهي وجودية توافق الحسنة فاذا فعلها انتقشت في كل رتبة حسنة فكانت عشرا واما السيئة فهي عدمية الاصل اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار فاذا وصلت الى الجسم وبقيت سبع ساعات استقرت في الجسم واحدة بواحدة لكثافة السيئة وكونها اجنبية من الوجودات العشرة المذكورة فافهم
قال سلمه الله : ما السر في قوله تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلم واذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين حيث اضاف المرض الى العبد والاماتة الى الرب تعالى
اقول اولا انما اضاف المرض اليه لانه هو السبب فيه كما حقق في الحكمة الطبية وذلك لان الامراض تكون من ( انما تكون في خل ) اختلاف المآكل والمشارب في القلة والكثرة وفي اوقاتها من التقدم والتأخر وبعد ما بين الاكلين والشربين والقرب وحرارة الطعام وبرودته ورطوبته ويبوسته فان الانسان خلق فيه النار وهي المرة الصفراء والهواء وهي الكبد ( وهو الدم في الكبد خل ) والماء وهو الرية ( وهو البلغم في الرية خل ) والارض وهي الطحال ( وهو السوداء في الطحال خل ) فما دامت متقاومة متعادلة فهو صحيح واذا زادت واحدة على ضدها او خلافها حدث المرض فقد تزيد المرة الصفراء مثلا وهي حارة يابسة فيأتي الطبيب فيعالج ( فيعالجها خل ) بالبارد الرطب فان تعادلتا برئ المريض وقد يحتاج في المعادلة الى البارد في الاولى والرطب في الثانية فيعطيه البارد في الاولى والرطب في الثانية فتهيج عليه من الرية البلغم او بالعكس فتهيج عليه السوداء من الطحال وهكذا فلما كانت الامراض اغلبها من فعل الانسان كالمطعم والمشرب وكالحرارة العارضة من القعود والمشي في الشمس او شم بعض العقاقير او معالجة بعض الاعمال فيحدث منه المرض والحاصل ان الغالب منها مما ينسب الى الانسان فلذا قال واذا مرضت ( مرضت فهو يشفين خل ) وثانيا انه صفة غير محبوبة فلم يحب ان ينسبها الى الله تعالى واما نسبة الموت الى الله تعالى وان لم يكن محبوبا عند النفس فيقال اولا ان ذلك من جهة الانقطاع الى الله وثانيا ان الموت لا مناص عنه فليس من العبد بخلاف المرض فيجوز انه لا يمرض كما تشير اليه الاحاديث ان الدواء الفلاني اذا استعمله كان كاشفا من كل داء الا السام وهو الموت واما نسبة الشفاء الى الله مع انه في الظاهر مستند الى الادوية فلأن الادوية وان كانت سببا للشفاء وضعيا الا انه تعالى هو الفاعل لذلك وحده وان كان الانسان هو واضع الدواء لكن الدواء ليس هو الشفاء بل قد يكون سببا وضعيا قبوليا له على قياس ما لو حرثت الارض ونقيتها ورميت البزر وسقيته وحميته من الطيور ان تأكله حتى نبت قد يقال انك زرعت هذا على جهة المجاز لانك لم تزرع وانما رميت البزر واجريت الماء واما انك فلقت الحب وانبته فلا قال تعالى افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون سبحانه ( فانه سبحانه خل ) هو الزارع ولذا اضاف الاماتة والاحياء اليه كما اضاف اليه الشفاء بل هو اولى بالاحياء والاماتة من الشفاء في الظاهر لان الشفاء له سبب من الدواء ولكن في الحقيقة كما قال تعالى قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار وصلى الله على محمد وآله الاطهار وسامح فاني انما اختصرت واقتصرت حيث اني الان خاطري ليس مجتمعا وبدني خصوصا حال الخط ليس معتدلا وفكري منقسم مع ما انا فيه من الشغل ولكن لما تعلق جنابك في الجواب بالحاضر قلت لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله ترجع الامور
وكتب العبد المسكين احمد بن زين الدين سنة ١٢٢٩ ( ليلة الاحد السادس عشر من ذي القعدة سنة تسع وعشرين ومأتين بعد الالف من الهجرة خل )