
حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد كتب لي السيد السند الولي الوفي العلي الميرزا محمد علي بن السيد محمد احسن الله احواله وبلغه آماله في مبدئه ومأله بعض المسائل وكتبت جوابها
ومنها هذا الحديث فكتب هكذا في ثواب الاعمال : ابي (ره) قال حدثنا سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن ابراهيم بن هاشم والحسن بن علي الكوفي عن الحسن بن يوسف عن ابي حازم المزني عن سهل بن سعد الانصاري قال سألت رسول الله (ص) عن قول الله عز وجل وما كنت بجانب الغربي اذ نادينا قال كتب الله عز وجل كتابا قبل ان يخلق الخلق بالفي عام في ورق آس انبته ثم وضعها على العرش ثم نادي يا امة محمد (ص) ان رحمتي سبقت غضبي اعطيتكم قبل ان تسألوني وغفرت لكم قبل ان تستغفروني فمن لقيني منكم يشهد الا اله الا انا وان محمدا عبدي ورسولي ادخلته الجنة برحمتي ه
قال ايده الله بمدده : ما المراد بكتابته تعالى وتقدمها على الخلق بالفي عام وبالاس وبورقه وانباته ووضعها على العرش وكيف نادى من لم يخلق بعد وكيف خص بهم الاعطاء قبل السؤال قولا وقد عم به غيرهم فعلا ولم فرع ادخال الجنة على الشهادتين معا مع دلالة نوع من الاخبار بظاهرها على كفاية الاولى فيه ودلالة نوع آخر على عدم كفايتهما معا
اقول المراد بكتابة الله تعالى هي كتابة اجل الشخص ورزقه وكونه وما يجري له وعليه وجميع الحدود التي يقال لها الهندسة الايجادية وجميع تلك الاسطر والكلمات والحروف والنقط والحركات على هيئة ورقة الاس مثال ذلك في الهامشة فانظر اليها لتعرف الهيئة وانما كانت بهذه الهيئة لان اصل ذلك كله يدور على الروح الكلية فلما جمعت الكتابة اقتضى المجموع الارتباط والتعلق بالجسم من اسفل تلك تلك الكلمات والحروف والنقط والحركات ووجوهها متعلقة بالروح ووجوهها باقية على ما هي عليه قبل الاجتماع من البساطة الاضافية فدق رأس الورقة لتعلقها بالاعلى واسفلها لما ارتبط بالجسم كثف وغلظ واتسع فلم يدق لغلظه فلما كانت بين رابطتين جاذبتين عليا لطيفة وسفلى كثيفة امتدت من جهة الاعلى اكثر للطافتها وعرضت من جهة الاسفل لكثافتها فصارت بين اللطافة المقتضية للطول للانجذاب العلوي وبين الكثافة المقتضية للعرض للانجذاب السفلي كهيئة ورقة الا س كما صورنا لك في الهامشة وانما كانت خضراء كورقة الا س لان تلك المكتوبة كثرة والكثرة سواد وهي متقومة بنور الروح الكلية وعليها تدور وهي النور الاصفر الذي اصفرت منه الصفرة فلما امتزج السواد بالصفرة كالنيل بالزعفران حصلت الخضرة وانما خص الا س لطول اغصانه واعتداله لان تلك الورق انما هي متعلقة بتلك الاغصان وتلك الاغصان هي اغصان شجرة الرقائق وهي البرزخ الحائل بين المعاني والصور فكانت اغصان الرقائق تحت اغصان المعاني في اللطافة والاعتدال هذا باعتبار صدور تلك المكتوبة وفعلها واما باعتبار ذاتها وخلقها الثاني في صورة الدعوة والاجابة فهي بصورته في دار الدنيا وهذا حالها في اللوح المحفوظ واما وجه تقدمه بالفي عام فلان ذلك في عالم الذر وهو قبل الما دة والطبيعة لانه في رتبة النفس وهما رتبتان يعبر عن كل منهما بالف سنة كناية عن اطواره في الافراد وتكثرها في هاتين الرتبتين والسنة عبارة عن دور الثلثمائة والستين الاسم ثلاثمائة وستين دورة وذلك تمام مظهر من مظاهر الوجود وذلك لان الوجود يدور على الخلق والرزق والحيوة والممات ولكل واحد من هذه الاربعة ثلاثة اركان ركن الجبروت وهو العقول وركن الملكوت وهو النفوس وركن الملك وهو الاجسام فلجبريل منها ثلاثة اركان موكل بها وهي اركان الايجاد في العقول وفي النفوس وفي الاجسام ولميكائيل منها ثلاثة اركان موكل بها وهي اركان الرزق في العقول وفي النفوس وفي الاجسام ولاسرافيل منها ثلاثة اركان موكل بها وهي اركان الحيوة في العقول وفي النفوس وفي الاجسام ولعزرائيل منها ثلاثة اركان موكل بها وهي اركان الموت في العقول وفي النفوس وفي الاجسام فلجبرئل الحمل والاسد والقوس ولمكائيل السرطان والعقرب والحوت ولاسرافيل الجوزاء والميزان والدلو ولعزرائيل الثور والسنبلة والجدي ويجري كل ملك في كل برج بثلاثين اسما كل اسم فعل لله يظهر بواسطة جبرئل مثلا في الملائكة الخا صة به وذلك لان جبرئل تحته من الملائكة جنود لا يحصي عددهم الا الله وجبرئل صاحب الهيمنة عليهم فهم باسم الله الخاص بهم عن امر جبرئل (ع) يفعلون فلجبرئل تسعون اسما يجري بثلاثين الجبروتية في الجبروت وتخدمه فيه الجنود الاعوان الجبروتية على حسب التقدير الذي يصل اليه من الملك الاعظم الذي هو على ملائكة الحجب الاحمر والاخضر بنصف قوته ومن الاصفر بنصف قوته ويجري بثلاثين الملكوتية في الملكوت وتخدمه فيه الجنود الاعوان الملكوتية على حسب التقدير الواصل اليه من الملك المذكور ومن الاخضر بنصف قوته ومن الاصفر بنصف قوته ويجري بثلاثين الملكية في الملك وتخدمه الجنود الاعوان الملكية على حسب التقدير الواصل اليه من الملك الاحمر ومن الاخضر والاصفر بنصف قوتهما ولكل اسم من هذه الثلاثين حكم خاص في عالمه يوم واحد وله اطوار كثيرة لا تحصى قال تعالى وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون لان اليوم اثنتاعشرة ساعة كل ساعة ستون دقيقة كل دقيقة ستون ثانية كل ثانية ستون ثالثة كل ثالثة ستون رابعة وهكذا حتى تطلع الشمس ويذهب جميع سواد الليل وميكائل له تسعون اسما له في الجبروت ثلاثون وفي الملكوت ثلاثون وفي الملك ثلاثون والجنود الاعوان له ثلاثة اقسام كل قسم منها موكل بثلاثين يجري ميكائل الذي هو صاحب الهيمنة على الجميع من الاعوان في كل عالم بما يخصه من الاسماء واعوانه فيها على حسب التقدير الواصل اليه من الملك الذي هو من امر الله وهو الابيض ويعينه الاخضر والاصفر بنصف قوتهما في العوالم الثلاثة كما اشير اليه في مجرى جبرئل واسرافيل له تسعون اسما له في الجبروت ثلاثون وفي الملكوت ثلاثون وفي الملك ثلاثون واعوانه من الملائكة ثلاثة اقسام كل قسم لثلاثين وهو صاحب الهيمنة على الجميع فيجري في كل عالم بالثلاثين الاسم المختصة به مع اعوانه فيها على حسب التقدير الواصل اليه من الملك الذي هو من امر الله الاصفر ويعينه الاحمر والابيض بنصف قوتهما وعزرائيل له تسعون اسما له في الجبروت ثلاثون وفي الملكوت ثلاثون وفي الملك ثلاثون واعوانه ثلاثة اقسام كل قسم لثلاثين وهو صاحب الهيمنة على الجميع فيجري في كل عالم بالثلاثين الاسم المختصة به مع اعوانه فيها على حسب التقدير الواصل اليه من النور الاخضر وهو الملك الذي على ملائكة الحجب ويعينه الاحمر والابيض بنصف قوتهما وحكم الايام والدقائق والثواني وما تحتها عند كل ملك حكم ما اشير اليه في جبرئل فيكون لجبرئل على هذا التقدير الحمل في الجبروت ويعينه الثور والجوزاء بنصف قوتهما وفي الملكوت الاسد ويعينه السنبلة والميزان بنصف قوتهما وفي الملك القوس ويعينه الجدي والدلو بنصف قوتهما ولميكائيل السرطان في الجبروت ويعينه الثور والجوزاء بنصف قوتهما وفي الملكوت العقرب ويعينه السنبلة والميزان بنصف قوتهما وفي الملك الحوت ويعينه الجدي والدلو بنصف قوتهما ولاسرافيل الجوزاء في الجبروت ويعينه الحمل والسرطان بنصف قوتهما وفي الملكوت الميزان ويعينه الاسد والعقرب بنصف قوتهما وفي الملك الدلو ويعينه القوس والحوت بنصف قوتهما ولعزرائيل الثور في الجبروت ويعينه الحمل والسرطان بنصف قوتهما وفي الملكوت السنبلة ويعينه الاسد والعقرب بنصف قوتهما وفي الملك الجدي ويعينه القوس والحوت بنصف قوتهما وايضا لجبرئل كرة النار في ذات الملك وفي تعلق الملكوت وفي ظهور الجبروت ويعينه الهواء والتراب بنصف قوتهما ولميكائل الماء في ذات الملك وفي تعلق الملكوت وفي ظهور الجبروت ويعينه الهواء والتراب بنصف قوتهما ولاسرافيل الهواء في ذات الملك وفي تعلق الملكوت وفي ظهور الجبروت ويعينه النار والماء بنصف قوتهما ولعزرائيل التراب في ذات الملك وفي تعلق الملكوت وفي ظهور الجبروت ويعينه النار والماء بنصف قوتهما ولجبرئل الدبور ويعينه الجنوب والشمال والصفراء ويعينه الكبد والطحال ولميكائيل الصبا ويعينه الشمال والجنوب والرية ويعينه الطحال والكبد ولاسرافيل الجنوب ويعينه الصبا والدبور والكبد ويعينه الرية والمرة الصفراء ولعزرائيل الشمال ويعينه الدبور والصبا والطحال المرة الصفراء والرية وبالجملة فما يجري لملك من الاربعة يجري بنسبة واحدة فاذا دارت الاسماء الثلاثمائة والستون ثلاثمائة وستين دورة كل اسم دورة بما ذكر من الجنود والاعوان والاعانات على نحو ما اشير اليه سابقا تمت السنة والسنة هي العام ومعنى الف عام الف نوع من انواع الطبيعة والف نوع من انواع الما دة ولكل نوع تطور مخصوص ولاجل تكثر تلك الانواع والمراتب قال الباقر (ع) ان الله خلق الف الف عالم والف الف آدم انتم في آخر العوالم وآخر الادميين الحديث ومعنى انبات ورق الاس ان النور الاخضر هو نهايات الارض لقوله تعالى افلا يرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال (ع) بموت العلماء والاشارة الى ان العلم هو نهايات الارض فالارض تتناهى في تلطفها الى الصور العلمية وهي اللوح المحفوظ في العالم الصغير الخيال وتلك الصور المعبر عنها بورق الاس انبتها الله في تلك الارض قال الله تعالى والله انبتكم من الارض نباتا وذلك باعتبار صدورها وفعلها واما باعتبار خلقها الثاني فهي صور الانسان وعالم الذر ومعنى وضعها على العرش ان تلك الورق النابتة في تلك الارض والصور الانسانية في اللوح المحفوظ انما قامت وتقومت بالنور الاخضر فهي نابتة فيه ومنقوشة عليه وهو الركن الايسر الاعلى من العرش فهي حروف ذلك الكتاب فهي موضوعة فيه وهو ركن العرش فهذا معنى وضعها على العرش ومعنى انه ناداهم ولم يخلقوا انه اخذهم من ظهور آبائهم قال الله تعالى واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وذلك كأن تتصور ابنك وتتصور ابنه وتتصور ابن ابنه وهكذا حتى يخرج من صلبك الف ولد مثلا فالله سبحانه اخرجهم هكذا ولكن انت اخرجتهم في الخيال والله اخرجهم بحقائقهم في عالم الذر فنادى موجودين وخاطبهم مشافهة ورأوا المخاطب عيانا ولهذا لما قالوا بلى قال يا ملائكتي اشهدوا على اقرارهم قالت الملائكة شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين وانما خص الاعطاء بهم قبل السؤال قولا لوجوه احدها انهم لما فاض الوجود ترتب في نفسه فتقدم بعض اجزائه وذلك لقوة القابلية فكانوا اول فائض فلقرب اتصالهم بالمبدأ تأهلوا للاعطاء قبل السؤال قولا لان ايجاد من بعدهم يتوقف مدده على توسطهم فيمر عليهم قبل من بعدهم ومثاله لو كانت لك ارضان احديهما متصلة بمجرى الماء والاخرى انما تشرب من تلك الارض فاذا حملت الماء على الارض المتصلة وسقيتها لا يلزم منه سقى الاخرى واذا اردت سقي الاخرى لزم منه سقي المتصلة وان لم تطلب الماء فلما كانوا واسطة وجب ذلك لهم قبل السؤال وفي الحقيقة لما احبوا الله احبهم وذلك اعطا ؤهم قبل السؤال لان محبته لهم قبل ايجادهم وقبل ان يكونوا سائلين وكذا بعد ايجادهم لا يسبقونه بالقول فان قلت لم خلقهم الله قبل غيرهم فان هذا تقديم منه لهم وتأخير لغيرهم فلا يكون لهم فضل على غيرهم لان الله هو الذي قدمهم واخر غيرهم قلت هذا حق الله سبحانه هو المقدم وهو المؤخر ولكنه قدم من تقدم واخر من تأخر وذلك لانه اذا افاض الوجود لم يمكن فيه ان تتساوي اجزا ؤه في القرب من المبدأ بل يجب ان يتقدم بعض على بعض وذلك هو ما يمكن في ذواتهم لان البعض الذي تأخر انما تأخر لان من تمام قابليته للايجاد وجود المتقدم فتلك الاجزاء المتقدمة هي من عنينا والله قدمهم واخر غيرهم وتقديمه لمن تقدم نفس تقدمه في الظهور بمعنى تساوقهما وكذلك تأخير الله مساوق لتأخر من تأخر في الظهور واما تقدم تقديم الله على تقدم المتقدم وتقدم تأخير الله على تأخر المتأخر بالذات وفي العلة فهو مما ابى الله ان يطلع عليه الاوصياء عليهم السلام الا انفسهم واما قوله ايده الله قولا فاعلم ان الخطاب انما يخص من حضر مجلس الخطاب وهم اهل المشافهة وهم المقربون واما غيرهم وان كان مرضيا عنهم فانما يصل اليهم اثر ذلك القول وهو الفعل او قول الواسطة وهو فعل الفاعل عز وجل فافهم واما تفريع دخول الجنة على الملاقاة بالشهادتين ففيه نكتة وهي انكم يا عبادي المطيعين لي ان لم تخافون نزعت عنكم ما اعطيتكم لان ما اعطيتكم لا يخرج عن قبضتي وهذه نعم شوارد فقيدوها بالخوف مني والثبات على اجابتي التي عاهدتموني بها حين قلت لكم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم وامامكم والائمة من ولده ائمتكم فقلتم بلى فان ثبتم عليها حتى تلقوني على ذلك ادخلتكم الجنة برحمتي وللنكتة لازم وهو يا عبادي العاصين لي الذين حين دعوتهم لم يجيبوني لا تقنطوا من رحمتي ما دام التكليف لكم باقيا فان اجبتموني في دار الدنيا اقلتكم وقبلت منكم وادخلتكم جنتي برحمتي واما الاكتفاء بالشهادة بالتوحيد وحدها وعدمه فاعلم ان الاخبار بحسب ظاهرها مختلفة جدا ولكنها متفقة في القصد والمعنى فما ورد من ان من قال لا اله الا الله دخل الجنة اي بجميع شروطها وما يراد منها وورد ان من قال لا اله الا الله مخلصا دخل الجنة ومعنى مخلصا ان يحجزه لا اله الا الله عما حرم الله وهذا معنى الحديث الاول وورد من قال لا اله الا الله دخل الجنة بشروطها وانا من شروطها قاله الرضا (ع) وورد من قال لا اله الا الله محمد رسول الله (ص) دخل الجنة والمعنى واحد وورد ان شروط لا اله الا الله منها شهادة ان محمدا رسول الله (ص) وان عليا ولي الله وان الائمة الاثني عشر حجج الله وان محبهم محب الله وان اعداءهم اعداء الله وان محبهم اعداؤ الله واقامة الصلوة وايتاء الزكوة وصيام شهر رمضان وحج البيت مع الاستطاعة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع شروطهما وجميع ما امر الله واجب وورد ذلك مع الايمان به
قال سلمه الله تعالى : ما الفرق بين المبدء والمشتق في اصل الوضع
اقول ان ما يعرف بمطلق توسط اللفظ اقسام : معنى ومدلول ومصداق ومنطوق ومفهوم ولازم وملزوم فالمعنى ما يقصد من اللفظ باصل الوضع وما يصدق عليه اللفظ وان لم يكن من الافراد الشائعة التي تحضر عند الاطلاق بل وكانت غير معروف في العرف وانما هي مهجورة او كان من افراد العام التي كثيرا ما يخرجها العرف فهو مصداق وما يكون في محل النطق صريحا كدلالة المطابقة او كالتضمن على الاصح او غير صريح وهو اللازم المقصود من اللفظ كدلالة الاقتضاء ودلالة التنبيه او لازما غير مقصود كدلالة الاشارة فهو المنطوق وما يكون خارج محل النطق وهو المفهوم وهو قسمان مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة فمفهوم الموافقة ما يكون الخارج اولى بالحكم مما في محل النطق كفحوى الخطاب اي معناه ولحن الخطاب اي مفهومه ومفهوم المخالفة هو المخالف لما يراد من ظاهر اللفظ كالمفاهيم العشرة ويسمى دليل الخطاب وما يدل عليه اسم اللازم وما يدل عليه اسم الملزوم واما المدلول وهو ما يدل عليه اللفظ فان كان مقصودا باصل الوضع فهو معنى وما يدل عليه بالصدق فمصداق والحاصل يدخل في كل قسم باعتباره والكلام انما هو في المعنى وهو الذي يقصد من اللفظ باصل الوضع لان غيره اما مثله او دونه فيكون المعنى اعلي ما يتناوله اللفظ فنقول المبدء هو المعنى والاسم في الاصل يوضع بازائه وليس المراد ان الاسم يوضع على نفس الذات انما يوضع على جهة المدركية لان الواضع يتصور تلك الذات على ما هي عليه في مبلغ علمه المحصل من الرؤية او الاخبار او اشراف النفس فتنتقش صورته في خياله فيؤلف حروفا مخصوصة بهيئة مخصوصة تناسب تلك المادة وتلك الصورة مادة تلك الصورة التي في خياله وهيئتها وهي نفس جهة مدركية المعنى الخارجي فالوضع في الحقيقة للمعنى الخارجي لان الاسم كالظاهر للذات وكالجسم للروح فاذا قلت زيد قائم فقد اسندت لفظ قائم الى لفظ زيد كاسناد معنى قائم الى معنى زيد ومعنى قائم ليس هو معنى زيد لان زيدا ذات بحت وقائم صفة لا ذات ولا مركبة من ذات وصفة كما قد يظنه بعضهم والصفة غير الموصوف ولم تتقوم بذات الموصوف وانما تقومت بجهة فاعليته اي ظهوره بالفعل فان زيدا فاعل القيام ومعنى فاعل محدث والاحداث ظهور الذات للفعل بنفسه وفي الحقيقة الظهور هو نفس الفعل وهو جهة الفاعل فقائم تقوم بالاحداث من زيد وهو جهته وبيانه يظهر لك في اعرابه وقد اختلفوا في الرافع للمبتدأ والخبر والحق انهما ترافعا لان كل واحد عامل في الاخر من جهة المعنى فكان كذلك من جهة اللفظ ومعنى ان كل واحد عامل في الاخر ان العامل هو ما به يتقوم المعنى المقتضي للاعراب فالقيام باسناده الى جهة زيد تقومت به فاعلية القيام وفاعلية القيام هو المقتضي لرفع زيد واستناد قائم الى جهة زيد ايضا تقوم في نفسه فتلك الجهة هي التي تقوم بها القيام باستناده اليها وذلك الاستناد هو المقتضي لرفع قائم والمراد من جهة زيد جهة فاعليته وهو وجهه فاذا قلت جاء زيد القائم كان القائم صفة لزيد لا بدلا فلو كان القائم هو زيدا لكان بدلا ولو كان هو زيدا وصفة لوجب ان يكون رفعه بجاء على الاصالة ولكان قولك جاء زيد القائم هو معنى جاء زيد زيد القائم لكنه ليس هو اياه ولا يقصد منه ما يقصد من زيد فاذا عرفت ذلك فاعلم ان المبدأ بالتزييل الحقيقي هو جهة فاعلية الفاعل وتلك الجهة هي مبدأ الاشتقاق والمشتق هو اسم للصفة فقولنا سابقا ان اسناد لفظ قائم الى لفظ زيد كاسناد معنى قائم الى معنى زيد ليس المعنى ان لفظ قائم اسند في الحقيقة الى لفظ زيد وانما اسند الى لفظ زيد من حيث اتصافه بفاعلية القيام اي من حيث نسبة فاعلية القيام اليه كذلك معنى قائم اسند الى فاعلية ذات زيد وتلك الفاعلية هي جهته فهي في المثال كمثل الشعلة من السراج فانها في الظاهر هي النار والاشعة التي هي بمنزلة قائم مستندة الى الشعلة والشعلة هي مبدأ الاشتقاق والمشتق هي الاشعة ففي الظاهر هي مستندة الى النار التي هي العنصر المركب من الحرارة واليبوسة كما تقول ظاهرا ان قائما مستند الى زيد واما في الحقيقة فان الاشعة مستندة الى الشعلة والشعلة ليست قائمة بالنار وانما هي حا لة بالكثافة وهي الاجزاء الدهنية التي حرقتها النار وكلستها حتى جعلتها اجزاء دخانية انفعلت بالضوء عن النار فاذا طفيت النار انفصلت تلك الاجزاء دخانا فاذا عرفت المثل والممثل به ظهر لك ان مبدأ الاشتقاق ليس هو الذات البحت وانما تقوم بها تقوم تحقق لا تقوم عروض ولا تقوم الكل باجزائه والشبه العظيمة والحيرات الفادحة انما هي لظنهم ان مبدأ الاشتقاق هو الذات البحت وان المشتق صادق عليها وحا ل بها ويلزمهم فساد توحيدهم وبطلان دينهم وانما اطلت الكلام ورددت العبارات لصعوبة هذه المسالك وعدم الانس بها فاذا اردت ان تبني اعتقادك في امر الوجود فعليك بهذا الاصل فابن عليه ما عملت صوابا
قال سلمه الله تعالى : ما الذي عني من قال بان الوجود هو الموجود بعينه مع ان المعهود بيننا مباينتهما
اقول ان العقلاء قد اختلفوا في الموجود ما هو على اقوال شتى ولكن يرجع حاصل اختلافهم الى خمسة اقوال الاول قول اهل الاشراق وهو ان الشيء هو الوجود والماهية انما وجدت بتبعية الوجود فليست في نفسها موجودة وماشمت رائحة الوجود ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآبا ؤكم ما انزل الله بها من سلطان الثاني قول اهل التصوف وهو ان الوجود هو الشيء والماهية عرض حال بالوجود الثالث قول اهل الكلام وهو ان الشيء هو الماهية والوجود عرض حال بالماهية والرابع قول الاشاعرة ان الوجود نفس الماهية في المخلوق والخامس هو المعروف من مذهب اهل العصمة (ع) بما تشير اليه اخبارهم وهو ان الشيء هو الوجود والماهية فالشيء مركب منهما وهو الحق والاول قريب من هذا وفيه اقوال اخر
واما الماهية ففيها اقوال كثيرة وقفت على خمسةعشر قولا الاول ان الماهيات مجعولة مطلقا الثاني انها ليست مجعولة مطلقا الثالث انها مجعولة في مرتبة العين دون مرتبتها في الاعيان الرابع ان الجعل متعلق بها اولا وبالذات وبالوجود ثانيا وبالعرض فجعل الوجود تابعا لجعل الماهية على معنى انه لا يحتاج لجعل جديد الخامس بعكس الرابع السادس انها في مرتبة الاعيان فائضة من الله سبحانه دون العين السابع قال بعضهم الجعل متعلق بها واطلق الثامن قال بعضهم انها فائضة منه سبحانه بتجلياته الذاتية بصور شؤنه المستجنة في غيب هوية ذاته بلا تخلل ارادة واختيار بل بالايجاب المحض التاسع قال بعضهم انها ليست مجعولة بل هي صور علمية للاسماء الالهية التي لا تأخر لها عن الحق الا بالذات لا بالزمان فهي ازلية ابدية غير متغيرة ولا متبدلة العاشر قال بعضهم المراد بالافاضة التأخر بحسب الذات لا غير الحادي عشر قال بعضهم ان استعداداتها مجعولة ايضا واطلق الثاني عشر قال بعضهم انها فائضة منه من غير طلب منها اليه الثالثعشر قال بعضهم بطلب منها بلسان حالها اليها الرابع عشر قال بعضهم ليست بفائضة منه الخامس عشر قال بعضهم انها من مقتضيات الذات ومقتضياتها لا تتخلف عنها وفيها اقوال غير ذلك والحق انها مجعولة بتبعية جعل الوجود جعلا ثانيا وبالعرض لا جعلا ابتدائيا بل هي موجودة بلزوم الوجود والوجود فعل والماهية انفعال كالكسر والانكسار لانه لما اوجده موجده انوجد فالفعل من فعل الله سبحانه والانفعال من نفس الفعل والشيء مركب من الاثنين ولو كان الشيء هو الوجود خاصة لم يكن له داعيان متضادان وهو مخالف الوجدان لان الانسان يجد من نفسه ان له ميلا ذاتيا الى الطاعة وميلا ذاتيا الى المعصية ولما كان مركبا من شيئين متضادين وكانا على سبيل التمازج اي التداخل مع بقاء كل واحد منهما على انفراده في ذاته بمعنى عدم انقلابه من جنس الاخر وعدم انقلابهما شيئا واحدا بالاستحالة وعدم استهلاكه في الاخر وبقاء الاخر وفي فعله بان يكون فعل كل واحد مبائنا لفعل الاخر واقتضائه مخالف لاقتضاء الاخر وجهة ميله مخالفة لجهة ميل الاخر كان جامعا مملكا وثبت له الاختيار ولولا امتزاجهما لتعددت مشاعر الانسان فكان لزيد قلبان ورأسان وعقلان واربع اعين واربع ايد واربع ارجل وهكذا لانهما اثنان ويجب ان يكون لهما روحان ويجب ان يكون الوجود مجبولا على الطاعة فلاتقع منه معصية الا مجبورا عليها وان تكون الماهية مجبولة على المعصية فلاتقع منها الطاعة الا مجبورة عليها ولولا بقاء كل واحد منهما مع الامتزاج على انفراده لكان المجموع شيئا ثالثا له طبيعة واحدة مغايرة للطبيعتين فاما ان تبقى آثار الطبيعتين او لا تبقى فان بقيت وجب الا يفعل طاعة الا ويفعل ضدها العام من المعصية وبالعكس لا غير ذلك فتستوي حسنات الخلق وسيئاتهم ابدا وان لم تبق وجب ان يصدر عنهما شيء واحد لا طاعة ولا معصية لعدم الترجيح ولان المقتضى ثالث مغاير للاولين فيجب ان يكون اثره مغايرا لاثرهما ولولا مباينة فعل كل واحد منهما لفعل الاخر لوجب ان يفعلا بمقتضاهما فعلا واحدا غيرهما وغير احدهما او يتفقا على فعل احدهما فلا يكون ما بالاقتضاء بالاقتضاء ولما كانا شيئا واحدا تحققت الوحدة لينسب كل فعل من مقتضى جزء منهما الى الكل لاجل الشيوع والامتزاج وبقي كل واحد مع الامتزاج على ما هو عليه في حد ذاته ليختص بما يقتضيه فيكونان جناحين للانسان ولا يكون التعدد في الاجزاء وبقا ؤها في حد ذاتها على الانفراد مع بقاء الامتزاج الذي لا يتحقق الوحدة في الذات الا به ولا اقتضاء كل جزء غير ما يقتضيه الاخر مانعا من نسبة آثارهما الى المجموع المركب منهما لان الموجود شيء واحد له اعتباران اعتبار من ربه وهو الوجود لانه نور الله وهو صفة المشية واثرها واعتبار من نفسه وهو الماهية وهو وراء الوجود وخلفه وعكسه وهذان الاعتباران جهتان لشيء واحد اذ لا تذوت له الا بهما معا متمازجين مع بقائهما على حكم الانفراد في حد ذاتهما كما مر مكررا ولا تستبعد هذا فان ذلك انما يكون في الاجسام المائعة الرطبة اما المائعة اليابسة كالهواء والاضواء فانه يكون في اثنين والاكثر ما ذكرنا اذ لا تزاحم بينهما كما لو اشعلت سراجا في نور الشمس او القمر فانه يحصل بين النورين كمال التداخل حتى لا يعقل جزء من الهواء الا وقد دخلاه معا ودخل كل واحد منهما في الاخر مع بقاء كل منهما على انفراده في حد ذاته وفي خصوص فعله واثره مع ان الشخص الكائن فيهما انما هو مستنير بنور واحد مركب منهما على سبيل التمازج وهذا المثال تقريبي والا فالمثال المضروب لذلك هو شعاع السراج وبيانه ان الاشعة من المنير الى ان تضمحل متفاوتة كلما قرب من السراج كان اضوء مما بعد عنه والعلة ان الشعاع البعيد مازجته ظلمة نفسه لضعف وجوده بالنسبة الى ما قبله لوساطته بينه وبين المنير وانما يصل النور الى البعيد بواسطة القريب وكلما ضعف الوجود قويت الماهية وكلما قوي الوجود ضعفت الماهية وكيفية هيئة انبعاثهما من المنير وصورته على هيئة مخروطين احداهما نور منبعث من المنير قاعدته بالمنير ويستدق ذاهبا الى نقطة حتى يضمحل او قطب قاعدة هذا المخروط الشعاعي نقطة رأس مخروط الظلمة الذي هو الماهية ويمتد ذاهبا مساوقا لمخروط لا يخرج عن ظاهر حيزه وجهته وكلما بعد قوي واتسع بعكس ضده حتى تنتهي قاعدته الى نقطة رأس المخروط النوري فتكون نقطة مخروط النور قطبا لقاعدة مخروط الظلمة فيكون اول جزء من النوري قاعدة واسعة اقوى ما في النور تدور على المنير لا يمازجها من الظلماني الا نقطة لا تكاد تقبل القسمة لصغرها بل تكاد تفني واليه الاشارة بقول الصادق (ع) كما رواه في الكافي حديث المعراج قال فكان بينهما حجاب من نور يتلألأ بخفق ولااعلمه الا وقد قال زبرجد الحديث والمخروطان باعتبار امتزاجهما متساويان في الحجم التمثيلي فكلما قرب من السراج كان اكثر نورا واقل ظلمة وكلما بعد ضعف النور وقويت الظلمة وفي وسط المخروطين يتساوي النور والظلمة ثم بعده تزيد الظلمة حتى ينقطع النور على اقوى مراتب الظلمة ولاتتوهم من مثالنا ان نقطة مخروط الظلمة في وسط قاعدة مخروط النور قطب لها وباقي القاعدة لا شيء فيه من الظلمة وكذلك نقطة النور في قطب قاعدة الظلمة فيكون باقي قاعدة الظلمة لا نور فيها اصلا بل النقطة الظلمانية منبثة في جميع اجزاء قاعدة النور والنقطة النورانية منبثة في جميع اجزاء قاعدة الظلمة بحيث لا يخلص شيء من ضده الا ان القاعدة فيهما خلطها ضعيف جدا وكلما بعد عن القاعدة قوى الضد فالمخروطان يجمعهما شكل واحد متوازي السطح الا انه كلما قرب من المنير كان اشد نورا وكلما بعد كان اشد ظلمة فافهم والعلة في هذا التعاكس التدريجي ان النور كلما قرب من المنير ضعفت انيته لان قوة النور انما هي بفنائه في المنير وذلك هو عدم الانية التي هي الظلمة فاذا نظرت الى النور البعيد رأيت نورا ضعيفا بالنسبة الى ما قبله لا غير ولا ترى نورا وظلمة وذلك لقوة التمازج ومع هذا ففعل كل منهما وحده على حسب اقتضاء ذاته فما تبصر به من النور لا من المجموع وما لا تبصر به ويحجبك عن الابصار فمن الظلمة لا من المجموع فافهم
وقولنا سابقا كان جامعا مملكا وثبت له الاختيار نشير به الى ان الانسان لما كان مركبا من شيئين متضا دين كل واحد يكون منشأ لفعل غير ما يقتضيه الاخر جاز منه ان يفعل الافعال المتضا دة ولا يعني بالجامع الا هذا لجمعه بين صفتي الملك والشيطان وصح للجامع ان يكون مملكا والمملك يتصرف في ملكه كيف شاء وثبت له الاختيار لانه في شيء واحد ان شاء فعل بمقتضي احد جزءيه وان شاء ترك بمقتضى الجزء الاخر اذ كل منهما عكس الاخر وهما له بل عبارة عنه فكان للانسان ميل ذاتي الى جهة اليمين من الوجود والى جهة الشمال من الماهية لان كل جزء يطلب حاجته فيميل الى ما من جنسه وذلك لانهما مخلوقتان والمخلوق لا يستغني في بقائه عن المدد ومدد كل شيء من جنسه ثم ان الله وله الحمد على صراط مستقيم جعل للانسان مرءاتين مرءاة عن يمينه تنطبع فيها صورة وجه رأسه الخا ص به من العقل الكلي بواسطة وجوده وهو العقل وهو وزير الوجود ولا يميل الا الى الطاعة ومرءاة عن يساره تنطبع فيها صورة وجه رأسه الخاص به من جهل الكل بواسطة الماهية وهي النفس الامارة بالسوء ولا يميل الا الى المعصية وجعل بلطفه على مرءاة العقل ملكا يسدده ويعينه وتحت حيطة ذلك الملك ملائكة اعوان للملك على جنود الشيطان وجعل على مرءاة النفس الامارة شيطانا مقيضا يعينها على المعاصي وقيضت له جنود من الشياطين بعدد جنود ملك العقل وجعل الالة التي ركبها في الانسان صالحة لخدمة العقل ولخدمة النفس وجعل ما على الارض وكلما يرتبط بالانسان في الدنيا صالحا لمقتضى العقل تاما في جميع مطالبه بحيث لا يميل العقل الى شيء ما لا يجده الا من جهة النفس وجعل كلما يصلح لمقتضى العقل يصلح لمقتضى النفس تاما في جميع مطالبها بحيث لا يميل الى شيء ما لا تجده الا من جهة العقل بل كل ذلك صالح لكل منهما والانسان له شهوة مركبة لانه مركب من الجزئين واي فعلين الايمن او الايسر حصله كفاه في حاجته للمجموع لامتزاجه واتحاده وصلوح المطلوب لكل من الجزئين ولاتحاده لا يمكنه ان يميل الى فعل بالشهوتين معا لانه واحد بالحقيقة ولو فرض انه يميل بكل منهما دفعة لا على التعاقب تحلل تركيبه واضمحل فلا يكون شيئا ولكن اذا عرض له الفعل تحركت الشهوة المركبة فاعان اليمنى الملك وجنوده واعان اليسرى الشيطان وجنوده فان مال الانسان الجامع لهما الى اليمين اعانه الله بمدده من الالطاف وقويت الملائكة على الشياطين فقتلوا الشيطان المرابط على ثغر ذلك الفعل الخاص وهكذا وكلما مال الى اليمين قتل الشيطان الخاص بذلك الفعل حتى تقتل تلك الشياطين وتذل النفس الامارة فتكون لوامة اذا قتل اكثر شياطينها واذا قتل الجميع كانت مطمئنة فهي حينئذ اخت العقل تحب الطاعة كالعقل وتبغض المعصية وتأمر بالخير وتكره الشر وهو تأويل قوله تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين الاية وان مال الانسان الجامع لهما الى اليسار خلاه الله تعالى وتركه وهو مدد النفس الامارة بالخذلان وقويت الشياطين على الملائكة وطردوا الملك المرابط على ثغر ذلك الفعل الخاص ولحق بمركزه يعبد الله وهكذا كلما مال الى الشمال طرد الملك الخاص بذلك الفعل من جنود الملك المسدد فيلحق بمركزه حتى تطرد تلك الملائكة ويطبع على القلب وتغطيه المعاصي فيدخل في قوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فهذا جواب ما سألت عنه من ان الموجود ما هو بانه هو المركب من الوجود والماهية وما لم تسأل عنه من جهة تركيبه وما يترتب على ذلك من بيان المنزلة بين المنزلتين في القدر بحيث لا يكون على من عرفه غطاء ولا كدر والحمد لله رب العالمين
قال ايده الله : ثم ما الحق في كيفية اشتراك الوجود حيث انهم اختلفوا فيه فهم بين قائل باشتراكه معنى بين جميع الاشياء حتى الواجب وقائل به بين الممكنات فقط وناف للشركة المعنوية رأسا بادعاء ان المعنى في قولنا زيد موجود مثلا غيره في قولنا عمرو موجود
اقول ان اللفظ قد بينا في كثير من رسائلنا انه يدل على المعنى بمادته وهيئته وان الدلالة اللفظية الوضعية هي تلك وهذه المناسبة انما تكون بعد تصور المعنى وحصول هيئته في الذهن فاذا حصلت الف الواضع حروفا من مادة مخصوصة توافق صفات تلك الحروف من الهمس والجهر والشدة والرخاوة والقلقلة والاطباق والاستعلاء وغير ذلك صفات المعنى الذاتية ويؤلفها على هيئة مخصوصة توافق هيئة المعنى العرضية فيضعه على معنى ثم يتصور المعنى ويرى اللفظ الاول صالحا له بذلك النحو او يطلب حروفا مناسبة فتوافق حروف الاسم الاول ويؤلفها على طبق هيئة المعنى الثاني فتوافق هيئة الاول وهكذا فان كانت بين المعنيين صفة جامعة ذاتية كالعين الجارية والعين الباصرة او صفة عرضية كالقرء للحيض والطهر كان الاشتراك معنويا وان لم يكن بينهما صفة جامعة بها المناسبة لا ذاتية ولا عرضية وانما اشتركا في الهست خاصة والهستية لا تتخصص بالكون في الاعيان فان تخصصت ووضع اللفظ بازائها كان معنويا ولا تخصص بالعلية او المعلولية وما اشبه ذلك وكان الوضع بازاء ذلك التخصيص فكذلك كان معنويا وان اشتركا في الهست المطلق لا لجهة جامعة كان لفظيا اذا كانت الهستية متساوية في المشتركات والا فلا يطلق على المختلفين في الهستية الاشتراك اللفظي فان كان ذلك المعنى لا يحتاج الى معرفته لذاته كذات الواجب لان الاحتياج جهة الامكان من جهة المحتاج والمحتاج اليه لاستلزام الربط والاقتران فاذا انتفت الحاجة هجرت جهة تسميته وان كان يحتاج الى معرفته بصفات افعاله اطلق الوجود على جهة المعرفة وهي نوع من الاشتراك اللفظي لان المفهوم والمقصود من اطلاق الوجود عليه ما تصدق به الهستية المشاركة لغيره فيكون المقصود من التسمية واطلاق الوجود جهة معرفته وهي مشاركة لغيرها في الهست وهذا المعنى غير ما اصطلح عليه الاكثر من كون المعنوي اطلاق لفظ على كثيرين بوضع واللفظي على كثيرين كل واحد بوضع جديد
فاذا عرفت هذا فاعلم ان ما يصدق عليه التقسيم اللفظي للوجود ثلاثة : الاول الوجود الحق سبحانه وهو الذي لا يحتاج الخلق الى معرفة ذاته لان جهة الحاجة فقر الى ما تحتاج اليه وهو اضافة وربط بين المحتاج والمحتاج اليه وليس بين ذات الواجب من حيث هي وبين ذات المخلوق ربط او اضافة بحال ما وانما الربط بين الخلق وبين فعله وابداعه فكما لا تسع الحاجة ذاته لغنائه عما سواه كذلك لا تسع الحاجة الخلق الى معرفة ذاته بالكنه لاستلزامها الحاجة بالادراك والاضافة والاقتران والربط والشبه وغير ذلك فهذه الجهة يجب ان تهجر تسميتها الثاني الوجود المطلق وهو فعل الله ومشيته وهذا الذي يحتاج اليه الخلق فيحتاجون الى تسميته وهذا هو الذي تطلق عليه تسمية الوجود اللفظي وهو جهة معرفة الله سبحانه فيكون جانبه الايسر مشاركا لغيره في مطلق الهستية فتعرف جهة الوجوب التي هي جانبه الايمن بمعرفته اي بجانبه الايسر الثالث الوجود المقيد وافراده مختلفة اي تنزلاته وافراد مظاهره وللعارف ان يطلق على جميعها الوجود بالاشتراك المعنوي بطريق خاص واما باعتبارها في انفسها من اختلافها وتباينها في الحقائق فلا يطلق عليها الا الاشتراك اللفظي اما قولك زيد موجود وعمرو موجود وما اشبه ذلك مما هو في كون واحد لاشتراكهما في العلية والمعلولية المتساويين في القرب والبعد فان اعتبرت الوجود لهما من حيث هو قبل اعتبار المشخصات فهو وجود واحد فاذا نسبته اليهما كان باعتبار ظاهرهما كلا وهما جزءاه وباعتبار الباطن هو كلي هما جزئياه باعتبار او مظهراه باعتبار وان اعتبرته مع مشخصاتهما فيطلق الوجود عليهما بالاشتراك المعنوي لان الوجود فيهما واحد والمشخصات هي موجودة بتبعية الوجود فهي داخلة فيه من حيث التبع فيطلق عليهما المعنوي وان قلنا ان المشخصات ما شمت رائحة الوجود وانما الموجود هو المشخص بفتح الخاء فاظهر وان قلنا ان المشخصات موجودة بالذات كما زعمه بعضهم فلا محذور من اطلاق الاشتراك المعنوي اذ يكفي فيه ادنى مشاركة وهنا المشاركة في الاغلب حاصلة فمن نفى الاشتراك هنا فقد اخطأ الصواب