جواب الميرزا محمد علي بن محمد نبي خان (٦ مسائل)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب الميرزا محمد علي بن محمد نبي خان (٦ مسائل)

رسالة في جواب الميرزا محمد علي بن محمد نبي خان

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي الهجري انه قد عرض عليّ الاكرم العارف الصفي الميرزا محمد علي بن المرحوم محمد نبي خان اصلح الله احواله وبلغه آماله كلاما عرض له في بعض المسائل وطلب مني الجواب فجعلت كلامه متنا وجوابي له شرحا كما هي عادتي ليتبين الصواب لدى اولي الالباب والى الله سبحانه المرجع والمأب

قال سلمه الله تعالى : ان المقرر من الاحاديث ومن بيانكم ان الذات سبحانه جل عن المشابهة بالفعل والمفاعيل وتنزه عن الارتباط بل تجلى لها بها واوجدها بنفسها وفي رتبتها وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وقد قال سبحانه سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اي لا شبه له ولا ارتباط بينه وبين خلقه ولا كذا ولا ولا وان صفاته الذاتية اعلى الكمالات مما لا تدركه الخلائق ومن معلوم الايات ان الصورة في المرءاة مثلا يوجدها الانسان منا بفعله اي بظهوره لها بنفسها ولا ربط بينها وبين ذات الشاخص ولا مشابهة لها به في شيء من الاشياء
اقول ان المشابهة يلزم منها المشاركة في الذات او الصفات او الافعال ويلزم من ذلك المساواة والمساواة نقص امكاني لان التفرد وعدم المساواة اكمل ولهذا لم ‌يفرض عز وجل للاله المساواة لاستلزامها النقص وانما فرض التفرد والعلو فانه هو مقتضى الالوهية فقال عز من قائل بالحق مرشد للخلق اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض وتنزه عن الارتباط كان يرتبط القديم بغيره او يرتبط به غيره لما في الارتباط من نوع المساواة الممتنعة على الالوهية الحق تعالى الله عما سواه علوا كبيرا بل تجلي للاشياء بها مأخوذ من قول امير المؤمنين عليه السلم لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها يعني انه عز وجل لا يتجلى بذاته لان ذلك يستلزم تغير حالاته واختلافها وتجليه بذاته من غير ان تختلف حاله ولا تتغير مخالف لمقتضى الحكمة اذ مقتضى الحكمة ان يكون من يتجلى بذاته تعرضه حالة لم ‌تكن له قبل التجلي ويلزمه منها التغير الممتنع من الازل الممتنع من الحدث لكنه جلت عظمته لو شاء تجلى بذاته ولكن هذا لا يكون ومقتضى الحكمة ان يتجلى لها بها من غير تحول ولا انتقال فلما تجلى سبحانه لها بها اي بان اوجدها عرفته بها لانها في نفس الامر هي وصف تعريفه لنفسه وذلك لانه عز وجل كما قال تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لاعرف ه‍ وانما كانت معرفة النفس عين معرفة الله لان المراد من النفس هو الوجود المعبر عنه بنور الله وبالفؤاد وهو الانموذج الفهواني وهو حجاب الجلال الذي امر عليه السلم كميلا بكشف سبحاته من غير اشارة وهو السر وهو المعلوم وهو حجاب الاحدية وهو النور المشرق من صبح الازل وحقيقته وصف معرفته اردفه ما خلق من لوازم ميولاته وافعاله ما اقتضته من السبحات التي هي حدود ماهية ذلك الشيء وصورته التي هي بها انيته التي بها احتجب عنه كما قال عليه السلم لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها ه‍ فالتي تجلى لها بها هي الوجود والمادة والفؤاد والتي بها امتنع منها هي الماهية والصورة والظلمة وقوله سلمه الله واوجدها بنفسها يعني انه تعالى لم ‌يوجدها من مادة كانت عنده خلق ما خلق منها وانما اخترع الاسباب وابتدع من الاسباب المسببات لا من شيء مثل ما خلق آلات النطق والهواء وليس في شيء منها صوت فخلق بها الصوت لا من شيء اي لا من صوت واول شيء احدثه هو الفعل خلقه لا من فعل قبله وانما احدثه بنفسه اي بنفس الفعل وبيان هذا ان الفعل حركة ايجادية ولا تحتاج في ايجادها الا الى حركة ايجادية وهي حركة ايجادية فلا تحتاج الى غيرها فاحدثها بها وهو قوله عليه السلم خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية واول محدث بالمشية نور محمد صلى الله عليه واله وحقيقته وهو تأكيد الفعل والمشية هي الفعل وهي سبب ذلك النور صلى الله عليه واله فالنور خلقه لا من شيء بفعله وهكذا كل الاشياء وقوله وفي رتبتها معناه ان كل محدث فمن جملة شرائط وجوده التي هي مقومات صورته وماهيته الرتبة بان يكون في رتبته من الوجود من قربه من المبدأ وبعده وقد اشار الى هذا المعني قوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم وقوله وسبحان ربك رب العزة عما يصفون يشير به الى انه تعالى كما وصفه ابو الحسن الرضا عليه السلم في قوله كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه ويشير الى انه تعالى منزه عن الرتبة وعما يترتب عليها فلا يكون تعالى في رتبة ولا يكون شيء مما سواه في رتبة منه تعالى بحيث تقصر بينه تعالى وبينه المسافة او تطول بقرب او بعد بل حاله تعالى واحدة طاعة ومعصية ووجودا وعدما ولا يرتبط بشيء ولا يرتبط به شيء فلا فصل بينه تعالى وبين شيء من خلقه ولا وصل كذلك وقوله وقد قال سبحانه سنريهم اياتنا الاية يريد ان الذي اخبر تعالى انه سيريه عباده في الافاق وفي انفسهم انما هو آياته الدالة عليه دلالة اثبات ومعرفة يستدل بها على اثباته ووجوده لا دلالة ادراك يكشف عن كنهه ولم ‌يقل عز وجل سنريهم ذاتنا كما زعمه الصوفية ان المدرك من الافاق والانفس هو ذات الله القديمة ولهذا تريهم لعنهم الله يقولون انه مع خلقه كالبحر والامواج ويقول احدهم انا الله بلا انا لان الوجود هو المعبود الحق اذ لا موجود سواه وانما الخلق حدود موهومة ولاجل ذلك يقول شاعرهم في فيه التراب:

وما الناس في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع
وقال آخر :
كلما في عوالمي من جماد ونبات وذات روح معار
صور لي ازلتها فاذا مازلتها لاازول وهي جواري
انا كالثوب ان تلونت يوما باحمرار وتارة باصفرار

وقال آخر :
انا ذلك القدوس في قدس العماء محجب
انا قطب دائرة الرحا وانا العلي المستوعب
انا ذلك الفرد الذي فيه الكمال الاعجب
وبكل لحن طائري في كل غصن يطرب

الى ان قال : انا غافر والمذنب وامثال ذلك من اشعارهم لا تكاد تحصر ووجه قولهم انهم يقولون انه تعالى يقول في الاية حتى يتبين لهم انه الحق والحق هو المعبود عز وجل واخبر انه يتبين لهم في انفسهم بعد تجريدها عن جميع السبحات ويجحدون قول الله تعالى سنريهم اياتنا وقوله سلمه الله اي لا شبه له ولا ارتباط بينه وبين خلقه يعني انك اذا نظرت الى ما في الافاق والانفس وجدت كل اثر لا يقوم بمؤثره قيام عروض وانما يقوم به قيام صدور وذلك كالشعاع من المنير والكلام من المتكلم والصورة في المرءاة من الشاخص وقوله ولا كذا ولا ولا يعني ولا يكون بينه وبين شيء من خلقه نسبة ولا حكم وضع ولا فصل ولا وصل ولايحد بتحديدها وما نسب اليه من علمه الاشراقي بها فهو ما اقامه بامره الفعلي وامره المفعولي قيام صدور وقيام تحقق فاذا ثبتت ثبتت عنده في ملكه وعند ملكه واذا انتفت انتفت عند انفسها ولم تنتف عنده اذ معنى ربوبيته لها انه هو بلا كيف على اي حد حدها نفيا واثباتا وقوله سلمه الله وان صفاته الذاتية اعلى الكمالات مما لا تدركه الخلائق يعني انها نهاية الكمال وفوق الكمال بلا نهاية وقوله سلمه الله ومن معلوم الايات الخ اي مما علم من اياته في الافاق وفي الانفس ان الصورة في المرءاة مثلا يوجدها الانسان بان يكون سببا لايجادها فانه اذا اراد ان توجد بقدر الله وقضائه قابلها بدون حائل كثيف بينهما بفعله اي بظهوره لها بنفسها عن قدر الله وقضائه وهي ليست منفصلة عنه وانما هي قائمة بمقابلته قيام صدور وبهيئته اللازمة له قيام تحقق ولا ربط بينها وبين ذات الشاخص لانها ليست جزءا منه ولا كانت كامنة فيه ثم برزت وليست منفصلة من الصورة اللازمة له كانفصال الثمرة من الشجرة بل هي اشراق هيئة الشاخص بأن تنطبع الهيئة مجردة عن المادة ولا مشابهة لها به من حيث الذات في شيء من الاشياء الا في حدود الهيئة لان هذه الهيئة التي القت صورتها وشعاعها في المرءاة صفة لذات الشاخص فلذلك تكون في المرءاة كهيئتها ولاجل انها لا تشابهها في الذات كانت على حسب المرءاة فتكون سوداء ان كانت المرءاة سوداء وعوجاء ان كانت عوجاء وطويلة ان كانت طويلة وبالعكس فهي على هيئة صفة المقابل كما ان الكتابة لا تدل على سعادة الكاتب ولا على شقاوته وانما غاية ما تدل على حركة يده لانها انما تنتهي اليها

قال سلمه الله تعالى : بلحاظنا لانا لا ندرك الفؤاد منا الا شيئا بسيطا منقطع الاشارات وشتان بينهما في كل النسب فاما اذا نظر الاعلى منا رتبة في الوجود كالانبياء عليهم السلام يرى المشاكلة لكن كل في رتبته
اقول يعني انا انما نحكم بعد تمام النظر وكشف سبحات الجلال من غير اشارة بانا قد بلغنا في التجريد بحسب وجداننا الى شيء لا يشابهه شيء انما هو بحسب ادراكنا ولحاظنا واما اذا كان الناظر فيما نشير اليه ممن هم اعلى منا رتبة كالانبياء عليهم السلم فانه يرى ان توحيدنا اشراك وتجريدنا تركيب وايضا انا لا ندرك من فؤادنا بعد تجريدنا التام الا انه شيء بسيط لايقبل القسمة ولا بينه وبين غيره ربط ولا نسبة ولا اشارة حسية او نفسية او عقلية ولكن مع هذا كله انه ليس بينه وبين المعبود عز وجل شيء مما يصلح للاستدلال به عليه وشتان بين الفؤاد المخلوق المدبر وبين بديع السموات والارض عز وجل نسبة من اي نسبة كانت فكيف يكون دليلا وآية لمن ليس ضد فيعرف بعكس شكله ولا ند فيعرف بمثله والجواب ان الفؤاد بعد ان يجرد عنه كل ما يتعقل من السبحات يكون آلة يعرف بها المعبود سبحانه بحسب رتبة تجريده ويتفاوت المراتب بحسب تفاوت مراتب المجردين وكل مكلف بنسبة تحققه في الوجود ولا شك ان كل مكلف يقبل منه ما اتى به مما لايكون مقصرا في طلبه ولهذا قبل عز وجل معرفة النملة ووصفها لمعبودها بأن له تعالى زبانين اي قرنين لانها ترى انه كمال في حقها وان من لم ‌تكونا فيه فهو ناقص فتصف صانعها بما فيه الكمال فرجع حاصل الامر ان فؤادك انما يصف ربه بما خلقه عليه واودعه فيه وفؤاد زيد الذي هو من نوعك يصف ربه بما صوره عليه واودعه فيه وربما يكون على خلاف ما وصفت بفؤادك ومنه قوله عليه السلم لو علم ابو ذر ما في قلب سلمن لقتله الحديث وقوله صلى الله عليه واله يا سلمن لو عمل عملك مقداد لكفر يا مقداد لو عمل عملك سلمن لكفر ه‍ وفؤاد نبي من انبياء الله عليهم السلم يصف معبوده بما صوره عليه واودعه فيه وهو وراء فؤادك وفؤاد زيد وكل يعرف ربه بما ركبه عليه وفطره عليه وان كان وحدتك ووحدة زيد كثرة اذا نسبت الى ذلك النبي وكذلك هو وحدته كثرة اذا نسبت الى وحدة محمد واله الطيبين صلى الله عليهم اجمعين والعلة في ذلك ان كل فؤاد ظهور خالقه باسمه الخاص به في الرتبة التي لا يتقوم ذلك الفؤاد الا فيها ورتب المعارف الامكانية متفاوتة في القرب الى المبدأ وقد دلت الايات الافاقية والانفسية كاشعة السراج فان كل جزء منها مشوب بظلمة وكلما قرب من السراج ضعفت الظلمة وقوي النور وكلما بعد قويت الظلمة وضعف النور مع ان كل واحد من القريب والبعيد مشوب مركب من نور وظلمة تختلف باختلاف مراتبها حتى ان منهم من لا يبقى لخلطه حكم وانما الحكم للركن الغالب فيكون تجريده ابسط من تجريد الاخر الذي بقي لخلطه حكم وعلى كل فرض فان العالي والداني من صقع واحد وكلهم مشتركون في عدم مناسبة الواجب لهم وعدم مناسبتهم له ويصدق على كل واحد منها ان يقال فيه وشتان ما بين الواجب والممكن والمشاكلة المذكورة التي يراها النبيون في تجريد من هو دونهم هي حدود افئدة من هو دونهم لانها وان كانت مجردة في لحاظهم مركبة في لحاظ من هو فوقهم والبساطة الحقية الطاهرة من كل من سواها لا توجد الا في الازل عز وجل وما في الامكان لا يتجاوزه ولا يصل الى الازل عز وجل الا هو اذ الامكان محل الفقر والحاجة والاحتياج لطلب الاستغناء وما يكون فيه شيء الا وهو مركب من داعي الفقر وداعي الاستغناء فلا بسيط بالحق الا الله سبحانه فتكون البساطة باعتبار والتركيب باعتبار حكما لاينفك منه شيء من الممكنات

قال سلمه الله : فان ذات الانسان الشاخص اي فؤاده على هيكل التوحيد وهو الصورة الانسانية لانه من فاضل اجسام الانبياء عليهم السلم والتي في المرءاة على تلك الصورة الا انها عبده وخلقه فبهذا الاعتبار لو اعترض احد ان الحقيقة المحمدية التي هي محل المشية يجب ان تكون مشابهة للفعل والفعل للذات تعالى الله عن ذلك سبحانه سبحانه سبحانه كيف الجواب عنه والبيان لذلك
اقول كون ذات الانسان الشاخص اي فؤاده على هيكل التوحيد لم‌ يلزم منه ان تكون المعرفة كاشفة عن الكنه وان كانت هيكل التوحيد والهيكل هو الصورة اي صورة الشيء لان هيكل التوحيد مركب من اربعة حدود : الحد الاول وحدة الذات كما قال تعالى وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد والحد الثاني وحدة الصفات كما قال تعالى ليس كمثله شيء والحد الثالث وحدة الافعال كما قال تعالى من حيث اتحاد الفعل قال تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ومن حيث اتحاد المفعول قال تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ومن حيث اختصاص الفعل به قال تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء والحد الرابع وحدة العبادة بأن لا يستحضر عند الشروع في عبادته ذكر شيء غير المعبود الحق سبحانه والا يخاف الا الله والايرجو الا الله ولا يعتمد الا على الله ولا يتوكل الا على الله قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وان يوالي اولياء الله ويعادي اعداء الله ويحب في الله ويبغض في الله ويتأدب باداب الله فمن قام بهذه من متابعة من امر الله باتباعه فقد ظهر فيه هيكل التوحيد بحدوده وقوله سلمه الله وهو الصورة الانسانية يعني الفؤاد وهذا صحيح اذا اريد الصورة الانسانية الاولى لان الصورة الانسانية تطلق على مراتب اعلاها الفؤاد وقوله لانه من فاضل اجساد الانبياء عليهم السلم يعني من شعاع اجسامهم وهذا صحيح اذا اريد بالفؤاد القلب او اريد بذي الشعاع اجسام محمد واله صلى الله عليه واله واما اذا اريد به محل المعرفة الحقيقية واريد بذي الشعاع اجسام الانبياء عليهم السلم فقد بعدت عليهم الشقة وطالت المسافة والمقايسة لان محل المعرفة لا يقرن بنسبة وقوله والتي في المرءاة يعني الصورة التي في المرءاة كذلك يعني نسبتها الى الشاخص كنسبته الى علته ومراده من هذه التمثيلات ان نسبتها الى علتها كنسبة علتها الى فعل الله واذا فرضت ان هذه ايات وجب ان تكون النسب متشابهة فتكون نسبة الاثر الى الفعل كنسبة الفعل الى الفاعل فثبت الربط والمقارنة

قال سلمه الله : تفريعا والزاما على ما ذكر فبهذا الاعتبار لو اعترض احد ان الحقيقة المحمدية التي هي محل المشية يجب ان تكون مشابهة للفعل والفعل للذات تعالى الله عن ذلك سبحانه سبحانه سبحانه كيف الجواب عنه والبيان عن ذلك
اقول ان الاعتبار المذكور انما يصح لو كان التناسب جاريا على متناسبات تجمعها رتبة واحدة اما اذا كان جاريا على افراد تقتضي ان تكون جهة الموافقة فيها هي بعينها جهة المخالفة ويقتضي التناسب فيها الا تناسب يعني ان الموافقة هنا مقتضاها الا توافق فان الاعتبار لا يصح لان التناسب انما يصح بين اشياء تجمعها عرصة واحدة اما اذا كان بين الافراد التي يفرض فيها التناسب كمال اللاتناسب بالذات فلايكون التناسب مقتضيا ما يقتضي لذاته عدم التناسب على ان التناسب شأن ما يصح فيه الموافقة والتشبيه والملايمة كما هو شأن الممكنات اذ لا يكون ممكن الا وبينه وبين ممكن آخر موافقة او مخالفة او مباينة كلية او جزئية او جهة او حيث او غير ذلك ولو ضد الضد فبهذا اللحاظ يرتفع الربط وعدمه والمناسبة وعدمها لان عدم الربط وعدم المناسبة من الممكنات

قال ايده الله : ولو توهم هذا الفساد من لا قريحة له في وضوح الدين وثبات اليقين من الحديث القدسي فضلك يا محمد على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على سائر الخلق ه‍ ما طريق البيان له والرد عليه بينوا بيانا جليا غير خفي يكشف عن الحق شبهات الشيطان ويوضح البرهان والله المشتكى والمستعان وهو حسبي ونعم الوكيل
اقول يريد ان الاعتراض بهذا انما يكون من اهل الجهل فان قلت انه انما سئل عنه لعدم علمه فيلزمه ما الزم به من لا قريحة له في الدين قلت انما قال ذلك لبيان ان من اعترض بذلك مع عروض الشبهة له مع اطمئنانه بها كان ممن لا قريحة له في الدين واما من كان قلبه مطمئنا بالايمان بعدم تناول النسب بجميع انواعها للذات المقدسة وان لم ‌يقدر على تفصيل البرهان فانه لا يدخل في زمرة من لا قريحة له في الدين ولا بصيرة لاطمئنان قلبه وثبات ايمانه وهو كما قال وانما يسئل ليطلع على البرهان الذوقي العياني وبيان ما طلب من الدليل التفصيلي والجواب ان الاثر يشابه صفة المؤثر كالكتابة فانها تشابه صفة حركة يد الكاتب وتدل عليها لانها المؤثر القريب ولاتدل الكتابة على الكاتب لا بحسن ولا بقبح ولا بشقاوة ولا بسعادة ولا بقوة ولا بضعف لانه المؤثر البعيد لان الاثر صفة ينبئ عن مبدء اشتقاقه فقوله في الحديث القدسي فضلك يا محمد على سائر الانبياء كفضلي وانا رب العزة على سائر الخلق ه‍ لبيان ظهور الاثار من مؤثراتها يعني ان الانبياء عليهم السلم اشتقت انوارهم من نورك لانهم اشعة من نورك لا انهم من ذاتك كما ان حقيقتك اشتقت من حقيقة اسمي وفعلي وكما ان نورك قائم بحقيقة امري كذلك حقائقهم قائمة بحقيقة نورك فالتنظير والتشبيه لبيان ان انوارهم عليهم السلم شعاع من انوار محمد واله صلى الله عليه واله ولا يجوز ان تدخل الذات البحت في احكام الحوادث من التشبيه والتنظير التي هي من صفات الحوادث بل اذا ذكر الذات المقدسة مع شيء من الحوادث حمل ما ينسب اليها على ما يلائم القدم من الصفات سواء كان من شيء وصف به نفسه ام من شيء لا يجوز على غيره ولهذا قلنا ان التناسب المذكور يصح الى ان يصل الى الفعل ثم ينقطع ولا يتعدى الى الذات البحت والا لكانت حادثة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

قال ايده الله : ومن ذلك السؤال عن علة الوجود وسبب الاسباب هل هي صنع الله فيتحد الفاعل والفعل والمفعول فكيف انتم تبطلون ذلك ام هي الذات في مقام الفاعلية سبحانه ولا ينعقد على ذلك ضميري لكن يتوهم هذا من بعض العبارات في بعض المناجاة والدعوات وكيف عدم الربط والمشهود في الايات المضروبة وجود الربط بين الافعال والذوات فكما ان النار ذاتها الحرارة واليبوسة كذلك فعلها اي الاحراق حار يابس في رتبته لا محالة لا فرق بينهما الا انه عبدها وخلقها ولولا الربط والحكاية في التجلي لجاز وامكن ان يكون الفعل على خلاف الذات ولايكاد يوجد ذلك في شيء ابدا فبينوا الحقيقة وارشدونا الى الصواب واسطروا الجواب الكاشف عن حقائق السؤالات بهم الحجاب
اقول يريد بكلامه السؤال عن علة الحادث التي يصدر عنها او منها او بها او لها ما هي فاعلم ان العلة لها اطلاقات احدها انها تطلق على واحدة من العلل الاربع التي هي العلة الفاعلية والمادية والصورية والغائية او على مجموعها فالاول العلة الفاعلية وهي الفعل المعبر عنه بالحركة الايجادية في اثرها الحامل لها وهي مجموع الحركة الايجادية وحاملها وذلك كمعني الضارب من زيد والعلة المادية كالخشب للسرير والعلة الصورية كالهيئة المقدرة للسرير من الطول والعرض والعلة الغائية اي التي لاجلها عمل السرير كالنوم عليه فالاولى والرابعة علة الوجود والثانية والثالثة علة الماهية فالاولى علة الصدور والرابعة علة الباعث والثانية علة التحقق والثالثة علة الظهور والمجموع علة الكل وهذا هو المراد بقوله هنا علة الوجود وسبب الاسباب وقوله هل هي صنع الله فيتحد الفاعل والفعل والمفعول يريد ان الفاعل اذا صار حادثا يكون من نوع الفعل والمفعول وهو معنى الاتحاد عنده فيلزم الربط بين الفاعل والمفعول فكيف يقال الا ربط بين الفاعل والمفعول والجواب ان الفاعل هو مثال الذات والمثال حادث والحادث يكون بينه وبين اثره ربط بخلاف الذات القديم فانه لا يصدر عنه اثر وانما يصدر عن فعله وفعله صدر عن نفسه اي نفس ذلك الفعل فالاشياء ترتبط به وهو لا يرتبط بغيره وانما يرتبط بنفسه اذ ليس قبله مثل ولا معه غيره ليرتبط به فلاجل هذا ابطلنا القول بالارتباط وقوله ام هي الذات في مقام الفاعلية سبحانه ولا ينعقد على ذلك ضميري صحيح على معنى ان العلة يعني الفاعل لا العلة القريبة المباشرة واما اذا اريد بالعلة القريبة المباشرة فلا يطلق على الله تعالى ويصح حينئذ تنزيهه والحاصل ان الذات البحت لا يجوز ان يكون علة لشيء الا على المعنى الذي قررنا من ان الاشياء كلها تنتهي الى فعله وفعله ينتهي الى نفسه اي نفس الفعل واليه الاشارة بقول امير المؤمنين عليه السلم انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطلب مردود والطريق مسدود ولو فرض ان ذاته تعالى علة لشيء لوجب ان تكون هيئته مشابهة لهيئة ذاته لان المعلول اثر والاثر يشابه صفة مؤثره وذلك كما ترى من مشابهة هيئة الكتابة فانها تشابه صفة حركة يد الكاتب ولاتشابه شيئا من صفات الكاتب فلا تدل على قوته او ضعفه ولا على بياضه او سواده ولا على سعادته او شقاوته ولا على طوله او قصره وهكذا ولو كان بين الكتابة وبين ذات الكاتب مناسبة لدلت الكتابة بهيئتها على شيء من صفات ذات الكاتب فلما لم يكن بينهما مناسبة بوجه من الوجوه دل على عدم الربط مطلقا لانها هي علة الربط فافهم

قوله وكيف عدم الربط والمشهود في الايات المضروبة وجود الربط بين الافعال والذوات
والجواب انا قد ذكرنا في كثير من اجوبتنا ورسائلنا ومباحثاتنا ان الامثال التي ضربها الله آية لشيء لا يمكن فيما يطابق الحكمة اكمل منه ولا اشد مطابقة لما ضرب آية له فلو وجد في شيء منها ربط بين الذات وبين اثرها في حال لما تخلف الربط في شيء منها ولكنه لم ‌يوجد الربط بين الاثار والذوات في شيء منها ابدا ولكن معرفة ذلك يحتاج الى توفيق من الله الا تسمع قول الله تعالى وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون ولكني في كثير من رسائلنا بينت ذلك فمن عرف ما قلت لحصل له القطع بعدم الربط بين الاثر والذات وبيانه ان السراج ضربه الله مثلا تاما فيما نحن فيه فالنار آية الواجب عز وجل وحرارة النار آية المشية التي هي فعل الله تعالى وآية نور محمد صلى الله عليه واله الدهن المتكلس بحرارة النار حتى صار دخانا واستنار ذلك الدهن بتلك الحرارة لان نور محمد صلى الله عليه واله تكون بفعل الله كما استنار الدخان بحرارة النار في السراج والاشعة المنبثة منه آية للاشياء الموجودة من نور محمد صلى الله عليه واله فكما ان الاشعة لا ربط بينها وبين النار التي هي الحرارة واليبوسة الجوهريان اذ لا نور فيها وانما الربط بين الاشعة وبين الشعلة التي هي الدخان المنفعل بالاستضاءة عن حرارة النار كذلك لا ربط بين الحوادث باسرها وبين المعبود بالحق عز وجل وانما الربط بين الحوادث وبين فعل الله الذي آيته حرارة النار والمتعلق به الذي هو نور محمد صلى الله عليه واله آيته الدهن المتكلس حتى صار دخانا واستضاء بحرارة النار فخلق الله سبحانه من شعاعه حقائق الاشياء التي آيتها شعاع السراج الواقع على الارض والجدر فان الله خلقه من شعاع الشعلة المرئية من السراج ومن المعلوم المقطوع به ان الربط متحقق بين الاشعة الواقعة على الارض والجدر وبين الشعلة المرئية التي هي الدخان المتكلس من الدهن بحرارة النار المستنير بحرارتها وبين الاشعة بعضها بالنسبة الى بعض لا غير ذلك وليس بينها او بعضها وبين النار ربط في حال من الاحوال ولا نسبة ولا تعلق وهذا آية ما نحن فيه فتفهم وقوله فكما ان النار ذاتها الحرارة واليبوسة كذلك فعلها اي الاحراق حار يابس في رتبته لا محالة يعني به ان النار في ذاتها لو لم ‌تكن حارة يابسة لماكان فعلها كذلك والمشابهة بين الفاعل والفعل تدل على الربط بينهما واقول اذا جازت المشابهة جاز الربط ولا تجوز المشابهة بين القديم والحادث في حال من الاحوال فلا يجوز الربط بين ما لا تجوز فيها المشابهة ولا حالة جامعة والذي مثل به حوادث مع حوادث بخلاف ما نحن بصدده وشتان بين القديم عز وجل وغيره وقوله لا فرق بينهما مقتبس من قول الحجة عجل الله فرجه في دعاء شهر رجب ونفي الفرق هناك انما هو بين صفات الافعال بعضها مع بعض مثل قولك لا فرق بين قيام زيد الذي هو حدث فعله وبين معنى ما صدر من قام زيد فان ما صدر من قام زيد هو قيام زيد فبلحاظ صدوره من فعل زيد له عبارة وبلحاظ انه حدث فعله له عبارة وفي نفس الامر هو شيء واحد لانه هو انتصاب زيد ورأسه الى جهة السماء ورجلاه الى جهة الارض فلا فرق بين انتصاب زيد بالوضع المذكور وبين قيام زيد فيما ينسب الى الاعتدال في هذه الحالة كذلك لا فرق بين النار في الاحراق وبين فعلها في الاحراق لان الاحراق في العبارتين شيء واحد اذ المحرق هو النار بفعلها كذلك لا فرق في الطاعة بين الذات وبين امتثال امر الذات لان طاعة الذات هو امتثال امر الذات فان قول الحجة عليه السلم لا فرق بينك وبينها يعني في الطاعة لانها هي امتثال امر الذات وهو شيء واحد فاذا كان المساواة في شيء واحد هو شيء واحد لا اثنان فاين المساواة واين الربط بين النار في الاحراق وبين فعلها الاحراق والشيء واحد فاين الربط واين المرتبط به نعم اذا اردت ان تفرض الربط بين ذات النار وبين فعلها حصل التعدد وامتنع الربط لان الفعل تنسب اليه الاحراق ولا تنسب الى النار شيئا لان الاحراق ينسب الى فعلها لا اليها ولو نسبت اليها الطبيعة لانها هي الذات لم ‌يكن الفعل شيئا اذ لا طبيعة له فلم‌ يرتبط بالذات شيء ابدا واما الحكاية في التجلي فانما يستلزم الربط اذا فرضت شيئا صدر من الذات ووقع منها على الفعل واما اذا لم ‌يكن شيء يخرج من الذات ويقع على الفعل وانما الاحراق طبيعة الفعل لم‌ يصدر من النار الى الفعل والا كان الاحراق مولودا كما هو شأن الحوادث المصنوعات التي يتولد فيها الشيء من اصله فاذا جاز التوالد تحقق الربط وكان الفعل مطابقا للذات لما بينهما من المشابهة والموافقة واذا لم يجز التوالد لامتناع القديم من ان يخرج منه شيء او يخرج من شيء لعدم المشابهة والمجانسة والمشاكلة من جميع الوجوه لم ‌يجز الربط وامتنعت مطابقة الفعل للذات لعدم المشابهة والموافقة وقوله ولا يوجد ذلك في شيء ابدا يعني به انه لا يوجد ان يكون الفعل على خلاف الذات ابدا لان الفعل مشتق من طبيعة الذات فلا بد ان يكون موافقا لها وهذا غلط لان الفعل مشتق من طبيعة فعل الذات مثلا قام مشتق من ميل طبيعة الذات الفعلية الى اقامة جسمه بالوضع المخصوص الذي يتحقق باقامة فقرات ظهره مع كون راسه الى جهة السماء ورجليه الى جهة الارض وليس مشتقا من طبيعة الذات نفسها ليكون موافقا للذات بل لايوجد الفعل الا مخالفا للذات الا الفعل الذي وقع موافقا لامر الشرع الالهي فانه يكون موافقا للذات لان الشارع عليه السلم انما يأمر بما فيه صلاح الذات وما فيه صلاح الذات لا يكون الا موافقا لطبيعة الذات الذاتية لانه هو منشأ المدد الذاتي الوجودي فافهم موفقا راشدا مسددا والحمد لله رب العالمين وقع الفراغ من تسويد هذه الكلمات ضحى الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وثلثين بعد المائتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله افضل الصلوة والسلام بقلم العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الهجري الاحسائي في بلد الحسين عليه السلم حامدا مصليا مسلما مستغفرا

المصادر
المحتوى