جواب بعض الاجلاء (في جواب ۸ مسائل)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب بعض الاجلاء (في جواب ۸ مسائل)

رسالة في جواب بعض الاجلاء

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي انه قد التمس مني بعض السادة النبلاء والاجلاء الفضلاء ان اكتب على بعض مسائل له بعض البيان وكان ذلك في حال تفرق البال وتشتت القلب بالحل والارتحال فلم ‌يمكنني الا الاجابة ولو باليسير اذ لا يسقط بتعذر الكثير والى الله المصير

قال سلمه الله : الاول - قوله تعالى انا لله وانا اليه راجعون وقال عز من قائل الا الى الله تصير الامور وفي الخبر حشر الخلائق الى الله تعالى
اقول معنى انا لله اقرار لله تعالى بالملك اي انا ملك لله وهو مالكنا وصدق هذا الكلام من العبد تحقق العبودية واخلاص العبادة والعبودية هي رضا ما يفعل والعبادة فعل ما يرضى واما وانا اليه راجعون وهو المسئول عنه فاعلم ان الله سبحانه خلق الخلق لا من شيء ولا لشيء بل اخترعهم اختراعا وابتدعهم ابتداعا اخترع وجوداتهم لا من شيء بفعله ولم‌ يكونوا قبل الاختراع شيئا وانما كانوا اشياء بالمشية ولهذا قال علي (ع) في خطبته يوم الجمعة والغدير وهو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيته ه‍ وكل موجود انما تتحقق شيئيته بوجوده وماهيته في المشخصات الستة الوقت والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف وقبل ذلك لا شيء وانما كان الشيء بمشيته ومرجع كل شيء الى مبدئه فنحن بدأنا الله بفعله والى ما بدأنا نعود ولم‌ يبدأنا من فعله لنعود الى نفس فعله ولكنا صدرنا من العمق الاكبر وهو ارض فعله والى ما بدأنا منه نعود فعودنا الى فعل الله هو عودنا الى ما بدأنا منه وعودنا الى فعل اللٰه هو عودنا الى الله فمعنى انا لله وانا اليه راجعون اي الى ما بدأنا منه وهو ملكه ويعود ملكه الى ملكه وهذا معنى الا الى الله تصير الامور وكذلك حشر الخلائق الى الله تعالى

قال سلمه الله تعالى : الثاني - من كلمات الاشراقيين بسيط الحقيقة كل الاشياء
اقول هذه العبارة غير صحيحة فان صحت بتأويلها بطل لفظها وان كانت على ظاهرها بطلت ظاهرا وباطنا وبيان ذلك ان اريد بها ان بسيط الحقيقة لا بد وان يكون كاملا مطلقا فتكون جميع الكمالات حاصلة لذاته فلا يفقد شيئا يحتاج اليه شيء وما يدل على هذا المعنى فنقول ما يحتاج اليه المخلوق ان كان هو نفس ذاته تعالى بلا مغايرة لا ذاتا ولا اعتبارا ولا فرضا واحتمالا فهذا حق ولكن الاشياء بحذافيرها من الدرة الى الذرة غيره فاذا قال بسيط الحقيقة كل الاشياء دلت العبارة على انه سبحانه كل الحوادث لان الاشياء حوادث وبطلان هذه العبارة ظاهر لان الحوادث في الامكان والواجب سبحانه ازلي وليس في الامكان ولا الامكانيات منه شيء بكل اعتبار وفرض لا بالوجوب ولا بالامكان وان كان انها تقومت بفعله فحق ولكن ليس فعله ذاته لان فعله في الامكان وان قال ما يحتاج اليه المخلوق ليس هو نفس ذاته وانما هو مغاير لذاته كان ذلك حادثا فيكون ما تقوم به حادثا وهو حق ولكن لا يكون حينئذ بسيط الحقيقة كل الاشياء اذ لا يجوز ان يقال بسيط الحقيقة كل الحوادث وان قيل نريد ان الحادث هو الله بدون هو كما قالوا في امثلة ذلك كالموج في البحر وكالحروف في الصوت وذلك ما يقوله اهل التصوف انا الله بلا انا فالبطلان اظهر لان ذلك هو وحدة الوجود المجمع على تكفير معتقدها وامثال ذلك من الاعتقادات المخالفة للحق وان قيل المراد انه هو شيئية الاشياء اذ لا شيئية للاشياء غير شيئية ذاته التي هي ذاته فهو بهذا المعنى كل الاشياء فهو ايضا باطل لان تلك الشيئية التي هي شيئية ذاته ان كانت شيئية للاشياء لم‌ تكن شيئية لذاته وان كانت شيئية لذاته لم ‌تكن شيئية الاشياء اذ الاشياء غيره وان لم‌ تعتبر للاشياء شيئية فلا معنيى لكون بسيط الحقيقة كل ما ليس بشيء والا فهو كل شيء فلا يصح من هذا شيء وان اريد ان كل ما سيكون فهو اصله وان المراد من العبارة ذلك فلا يصح ايضا اذ ما سيكون اصله من الامكان لان اصله الوجود المخترع وهو من الامكان خلقه تعالى لا من شيء لا من ذاته والا لامتنع ذلك اذ لا تتغير حال الواجب ولا تجري فيه الخلق ولا يخرج من ازليته شيء ولا يدخلها شيء ولا من فعله لان فعله شيء فلا يصدق انه لا من شيء وانما اخترعه بفعله لا من شيء ولا شيئية للمحدث الا الوجود والماهية المحدثين لا من شيء ولو قيل انه من فعله كما يقوله ضرار واصحابه لم ‌يصح ان يكون البسيط كل فعله وما من فعله كما مر وبالجملة فقول كل الاشياء باطل من جهة المعنى والعبارة شرعا وعقلا وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم وما يفترون

قال ايده الله تعالى : الثالث - عن النبي صلى الله عليه وآله اللهم ارنا الاشياء كما هي
اقول ان الاشياء قد ذكرنا في كثير من اجوبتنا انها بجميع ما لها مما تتحقق به في كل اعتبار انما تقومت بفعل الله قيام صدور ابدا اذ لو كانت قائمة في آن لا كذلك لزم استغناؤها في آن ولو جاز ذلك جاز استغناؤها ابدا فلا تكون مخلوقة فاذا رأى الاشياء على ما هي عليه كما ذكرنا من قيامها بالفعل قيام صدور ابدا عرف الله سبحانه كما اشار سبحانه له صلى الله عليه وآله في قوله تعالى وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا فافهم الاشارة

قال سلمه الله تعالى : الرابع - رؤية الحق تعالى شأنه للسالك العارف هل هو منحصر بتجلياته سبحانه في مجالي الاثار ومرايا الافعال وكلام قبلة العارفين سيد الشهداء والصديقين عليه صلوات الله وملائكته اجمعين في دعاء عرفة عميت عين لا تراك ( ولا تزال ظ ) عليها رقيبا وكلام سيد الوصيين امير المؤمنين عليه وعلى ابنائه صلوات المصلين ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله محمول على هذا المعنى ام حصل الانكشاف الذاتي
اقول اعلم ان حقيقة رؤية الحق رؤية القلوب له سبحانه رؤية الايمان به في افعاله وآثاره واوامره ونواهيه الا انه اذا انكشف للعارف الغطاء والحجاب رأى ظهور الله سبحانه له في آثاره وافعاله واوامره ونواهيه مغيبا لها في ظهوره بحيث لا يرى سوى ظهوره له واليه الاشارة بقول سيدالشهداء (ع) ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الاشارة هي التي توصل اليك فافهم

قال سلمه الله تعالى : الخامس - ما المراد من هذا الخبر ان شر الثلاثة ولد الزنا
اقول هذا الخبر له معنيان ظاهر وباطن اما الظاهر فيراد منه الكلب والكافر وولد الزنا وذلك في حكم النجاسة على احتمال بعض او انه شر من ابيه الزاني وامه الزانية لانهما قد يتوبان فيدخلان الجنة وولدهما وان عمل صالحا لا يدخل جنة المؤمنين وانما يدخل اسفل جنان الحظائر فهو شر الثلاثة واما الباطن فالمراد به الاعرابية الثلاثة لان الثاني ولد زنا وهو شرهم بمعنى اغلظهم واشدهم نكرا

قال ايده الله تعالى : السادس - في الخصال عن احدهما عليهما السلام امر الله تعالى الفلك في دولة السلطان العادل ببطؤ حركته لتطول دولته وبالسرعة في دولة السلطان الجائر لزوال دولته هذا الخبر منقول بالمعنى لمحو الفاظه الرائقة من خاطري الفاتر
اقول الاخبار دالة على ذلك ولا محذور في ذلك المعنى وما توهمه اهل الهيئة من امتناع ذلك لا اصل له ودعوي فساد العالم بذلك باطلة لان حركة الفلك اما طبيعية جبلية او نفسانية حيوانية متحركة بالارادة الاختيارية او بملائكة تديرها فان كانت طبيعية جبلية فاعلم انها انما تحرك الفلك بمن وكل بها من ملك والملك تسبيحه وغذاؤه الطاعة فاذا كان السلطان عادلا وانتشر العدل في الرعية وكثرت طاعتهم وتستريح الملائكة بذلك لان قوتهم انما تحصل لهم بكثرة الطاعات وبها يديرون الفلك وادارتهم الفلك هو نفس طاعتهم وعين عبادتهم التي يقوون بها فان حصل لهم معونة من اهل الارض بالطاعة خفت عليهم ذلك وابطئوا بالحركة للفلك التي هي طاعتهم التي بها حفظ النظام وان كان السلطان جائرا كان الجور مفسدا للنظام السفلي كما ان العدل مصلح له فتسرع الملائكة بالادارة للفلك لئلا يفسد النظام دفعة حفظا لاصل ذلك ويلزم من سرعة الفلك قصر الاعمار وضيق الارزاق وتعسير قضاء الحوائج وكلما اشتد ذلك عليهم ظلموا وجاروا وكلما ظلموا وجاروا اسرعت الملائكة بالحركة وهكذا ولا يلزم من السرعة والبطؤ الفساد المتوهم لان النظام يترتب على ما جرت عليه الحركة المتسقة ولا يفسد الا بالحركة المختلفة اذا لم ‌تتسق كما لو تحرك بسرعة دقيقة وببطء دقيقتين وبسرعة خمس دقائق وهكذا ولم‌ يحصل الاتساق في الادوار فذلك يفسد به النظام اما لو اسرع متسقا او ابطأ متسقا او اختلف متسقا في ادوار لم‌ يبطل به النظام في اصله وان كان احسن ذلك البطؤ المعتدل كالنبض فانه اذا اعتدل بدن الانسان وكان صاحب مرة سوداء صافية كان نبضه بطيئا معتدلا ولو لم‌ تكن صافية كان بطيئا مفرطا او صفراء كان سريعا مفرطا او دما كان سريعا غليظا او بلغما كان بطيئا غليظا وكلها خارجة عن الاستقامة ولو اختلف غير متسق كان علامة الهلاك وان كانت الحركة حيوانية نفسانية فكذلك لان استمدادها من فاعلها بواسطة انفعالات قوابلها فكلما حصل للقوابل مفسدات اسرعت الحركة لذلك كسرعة النبض عند زيادة الصفراء ويحدث من اسراعها سبب اسراعها كالمحرور يتابع التنفس لشدة الحرارة ليبرد بالنفس جوفه ويكون ذلك مجففا لرطوبة جوفه ويلزم منها زيادة الحرارة واذا حصل للقابل مصلحات ابطأت حركتها لاستراحتها من شدة الاصلاح باصلاح القوابل منها كابطاء النبض اذا سكنت الحرارة وان كان مدير الفلك ملائكة فكما سبق فافهم

قال ايده الله تعالى : السابع - اهل النار بعد استقرارهم في سقر وتألمهم بالوان العذاب هل يحصل لهم المحيص مما فيه ام كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها حكم مؤبدي كما هو مؤدي كلما
اقول ان اهل النار يتألمون بلا انقطاع لتألمهم ابدا ولا نهاية لذلك وقد ذكرنا ادلة كثيرة على ذلك لا مرد لها ومن توهم ذلك من علمائنا فالسبب في توهمه الاستيناس بكلمات اهل التصوف والبدع الذين ادخلوا في الدين ما ليس فيه فلما انسوا بكلماتهم تلونت افهامهم بالوان افهامهم ونظروا في ادلتهم بعين الرضا والميل فقبلوها مع انك اذا نظرت بعين الانصاف الى آيات القرءان واخبار اهل العصمة عليهم السلام ظهر لك انهم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ابد الابدين ومن الادلة القاطعة دليل الحكمة لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد هو ان الله سبحانه خلق كل شيء وجعل لكل شيء ضدا وعكسا ليعلم الا ضد له ولا عكس فخلق الجنة ونعيمها وجعلها لا نهاية لها ولا نهاية لنعيمها وخلق ضدها وهو النار ولا نهاية لها لانها ضد ما لا نهاية له وخلق عذابها ضدا لنعيم الجنة ولا نهاية له لانه ضد ما لا نهاية له بل كلما تطاولت الدهور اشتد تألمهم كما ان اهل الجنة كلما تطاولت الدهور اشتد نعيمهم وبالجملة لو جاز انقطاع التألم جاز فناء النار لان النار انما هي نار بالحرق المستلزم للتألم ولو جاز ذلك جاز في الجنة وهو باطل بالضرورة

قال ايده الله تعالى : الثامن - اهل الجنة بعد عروجهم على درجاتهم الحقيقية على حسب اختلاف مداركهم ومراتبهم هل يتمنى الداني مرتبة العالي ام لا وعلى فرض التمني هل يمكن له الارتقاء الى درجته ام لا
اقول ان التمني لا يكون الا فيما لا طمع فيه او ما فيه عسر واهل الجنة لا يتصور ذلك في حقهم بل كلما يشاؤن فهو حاصل بمجرد الارادة من دون طلب وايضا انما يتمنى المرء الشيء اذا كان له اليه حاجة ولا حاجة لاهل الجنة بالقوة بل كل مطالبهم بالفعل وان كانت على التدريج فانما ذلك بتوفيتهم نعم اهل الجنة حكم شهواتهم ومطالبهم على مقتضى الامر المحكم والعلم المتقن فلا يصدر عنهم ما يخالف الحكمة الا انهم يتعارفون بينهم فيعرف الادنى شرف الاعلى من غير ميل الى مرتبته فلا يتألم بفقدها ولا يندم ولا يختلف عليه حال لاستغنائه لانه لا يشتهيها اصلا ويعرف الاعلى قصور الادنى عن رتبته فيتنعم بذلك من غير ازدراء لرتبة الادنى لمثل هذا فليعمل العاملون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين تمت

المصادر
المحتوى