جواب بعض الاخوان (ما يرام في النوم ليلا)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب بعض الاخوان (ما يرام في النوم ليلا)

رسالة في جواب بعض الاخوان

في الرؤيا

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد التاسع
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي انه قد ارسل الي بعض الاخوان في الدين بعض المسائل طلب من محبه جوابها على جهة الحقيقة وكان الخاطر ممتلئا بالملال متوزعا بالاشغال فكتبت ما يحضرني اذ لا يسقط الميسور بالمعسور ولله عاقبة الامور

قال سلمه الله تعالى : منها ان من العباد من كان ما يراه في النوم ليلا او نهارا يكون رؤيا صادقة مطابقة سريعا بدون تعبير او تكون كذلك بادنى تعبير ومن العباد من لا يظهر صدق رؤياه ولو ظهر كان مخالفا كثير التغيير
اقول ان الرؤيا قد ورد فيها ان ما يراه الشخص في السماء فهو حق وما يراه في الارض فهو اضغاث احلام وورد انها تكون في بعض الليالي صادقة وبعضها كاذبة وورد ان الرؤيا اول الليل كاذبة وآخر الليل صادقة وربما فسر الاول بان السماء الظاهرة محروسة بالشهب عن الشياطين قال تعالى الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين وهو يدل على ان ما يراه النائم في ذلك السماء سماء هورقليا حق لان الشياطين لا تصل هناك فلا تتصور فيها بصور الباطل وانما تسكنها الملائكة فتتصور فيها بصور ما وكلت به من الاشياء المنتقشة في الخيال فاذا رأى الشخص شيئا فهو حق مطابق للواقع وان كان ما يراه في الارض فهو من تصور الشياطين وهي لا تتصور الا بما قيضت له من صور الباطل وذلك لا يطابق الواقع وفسر الثاني بان احوال الليالي تختلف في الشهر وفي الاسبوع وعند قرانات الكواكب واختلاف الافاق واختلاف اعمال الرائي فتكون في الشهر الليلة الاولى من كل شهر متشابهة وكذلك كل ليلة وفي الاسبوع مثلا ليلة كل سبت من كل اسبوع متشابهة وكذلك كل ليلة يحصل فيها قران كواكب مخصوصة لها حكم خاص فاذا وجد ذلك القران بعينه بغير زيادة من الكواكب السيارة او غيرها ولا نقصان كذلك ولا تغيير ولا تبديل كذلك وكان ما كان من ذلك الشخص من الاعمال مثل ما كان في تلك الليلة الاولى يكون حكمها حكم الليلة الاولى وهكذا وكذلك اتفاق اوضاع الافاق من الغيم والصحو والريح والمطر وكثرة الابخرة وقلتها وغير ذلك في ليلتين يوجب تساوي حكمهما وكذلك اتفاق عمله في ليلتين وهذا كله حكم مقتضى تلك الاسباب اذا لم‌ يعرض لها موانع تبطل ذلك المقتضى او بعضه او صفته او مدته او مكانه وكما تجري احكام تلك المقتضيات في الاجسام تجري في الخيال والنفس وما ينطبع فيهما على نحو يطول شرحه ويأتي بعض الاشارة الى بعض ذلك وفسر الثالث بان اول الليل كان البدن ممتلئا بابخرة الطعام فاذا تصعدت الى الدماغ تلوى بها فتحدث فيه اشكال من الابخرة على هيئة بعض الاعيان والصفات فيراها الشخص في خياله فيتوهم انها صور انطبعت من المعاني الخارجة عنه فاذا استيقظ اخبر بها وليست شيئا لانها في خياله من الابخرة وانما تكون هذه الابخرة في الخيال على هيئة بعض الاعيان لان جميع ذرات الوجود من ذات وصفة واثر يجري كل اسفل منه في كونه بمقتضى طبيعته من الوجود على هيكل الاعلى لان كل اثر يشبه صفة مؤثره كما قرر في محله واما آخر الليل فلان البدن خال قد خفت عنه الرطوبات من المطعم والمشرب وصفي الدماغ فلا ينطبع فيه الا ما كان متحققا خارجا عنه فاذا رأى الشخص شيئا في السماء ولم‌ يحصل له مانع مما اشرنا من خصوص الاوقات والقرانات والافعال والابخرة او في الارض وحصل له مقتض للحق من خصوص الاوقات والقرانات والاعمال والخفة من فضولات الطعام والشراب او كانت رؤياه في الليالي المقتضية لظهور الاثار المسعودة من ذاتها لادوار اوضاع الافلاك او بالقرانات او الاعمال الصالحة مع عدم الموانع المشار اليها كان ذلك حقا فان تمت الاسباب المقتضية بلا مانع فان كانت موجبات وقعت الرؤيا بعينها بلا مهلة لان الرائي رءاها خارجة بعينها من باب القضاء وان تمت المقتضيات الغيبية كذلك خاصة بدون الشهادة خرج تأويلها بلا مهلة وان كان في بعض تلك الاسباب ضعف ونقص من جهة القابلية التي هي مرءاة الشخص التي هي خياله وحصل لها تعبير وقعت لذلك لان التعبير يفتح على مرءاة خيال الرائي باب القدر الذي تنزل منه تلك الاسباب فاذا عبر المعبر انطبع به في خيال الرائي صورها هنالك على هيئة التعبير فيكون الطيف المرئي في المنام متلبسا بهيئة التعبير فيقوى به ما كان ضعيفا من تلك المقتضيات ولهذا تراه اذا عبر له المعبر التفت خياله الى ما رأى في المنام فتصور فيه صورة التعبير وانصرف ما في قلبه من معنى رؤياه الى المعنى الذي يظهر له من المعبر وان كان كذبا فتتغير الرؤيا بهيئة اخرى غير الاولى فيجري الحكم والمطابقة على الثانية وان رأى الشخص في منامه شيئا وهو متلبس بخلاف ما اشرنا اليه من شرائط الصدق ومقتضياته كان ما رءاه مخالفا للواقع فيكون كذبا

قال سلمه الله تعالى : ومنها ان من الصالحين من كان بعض رؤياه صادقا ومنه كاذبا ومن الطالحين ايضا كذلك بعضه كان صادقا ومنه كان كاذبا ما العلة فيها واستدعائي ان يبين الشيخ اصل الرؤيا ومنشأه وحقيقته ومن اي عالم ظهر
اقول لما كان كل شخص له جهتان وجه من جهة وجوده وهو العقل وشأنه الصدق والحق لان العقل لا ينطق عن الهوى وليس للشيطان فيه نصيب ووجه من جهة ماهيته وهي النفس الامارة بالسوء وشأنها الكذب والباطل لانها لا تلتفت الا الى هوي الماهية وهي وقومها يسجدون للشمس من دون الله طلعها كأنه رؤس الشياطين كان الرجل الصالح اذا كان الوارد عليه في المنام من جهة العقل اي التفاته الى ذلك الشيء وذكره كان رؤياه صادقة لان الشيطان لا يتصور بصور الحق والنور والا احترق وان كان بعض رؤياه من جهة التفات العقل وبعضها من جهة التفات النفس كان ما كان من جهة العقل والتفاته صدقا وما كان من جهة النفس والتفاتها كذبا وهذا حكم يشمل الصالح والطالح ولو ان رجلا لا يكون له التفات من جهة النفس ابدا كانت رؤياه صادقة ابدا كما في المعصومين عليهم السلام ولو كان رجلا لا يكون له التفات من جهة العقل ابدا لم ‌تصدق رؤياه ابدا وابن هنا على ما فصلنا سابقا

واما اصل الرؤيا فاعلم ان الروح المدبرة للبدن اذا لحقها ملال باستعمال الاتها في تدبير الغذاء بتصفيته ودفع غرائبه ووزنه وتقديره اجتمعت في القلب فاستراحت فضعف الارتباط بها ورق حجابها فتتذكر عالمها الاعلى الا انها قد علقت بها ثاء الثقيل ولحقها صفات من الاعمال الحميدة والذميمة فاذا التفتت الى العالم الاعلى شاهدت ما هنالك مما تفور به فوارة القدر فتنتقش في مرءاتها صور ما يظهر من هنالك وتكون صحة ذلك الانتقاش وبطلانه وكماله ونقصه على حسب استقامة المرءاة وعدمها في الكم والكيف والوضع وذلك على حسب ما اتصفت به من الصفات المستفادة من الاعمال فان كانت حميدة استقامت وكملت وصلح الانتقاش فكان ما تعاين هو الواقع وان كانت ذميمة فعلى العكس وان كانت ممزوجة كان ما فيها ممزوجا فافهم الاشارة فهذا اصل الرؤيا ثم اعلم ان لذلك واسطة فان كان هو الشيطان المقيض للرؤيا المسمى بالرها وذلك باستقلاله كانت الرؤيا باطلة انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين امنوا وليس بضارهم شيئا الا باذن الله وان كان الواسطة الملك الموكل به باستقلاله كانت الرؤيا صحيحة وان كان من بينهما كانت ممزوجة ثم انا قلنا ان الخيال اذا قابل بمرءاته التي هي ذاته باب القدر انتقش فيه صور ما يفور من فوارة القدر فينتبه من نومه ويقع ما رءا صورته قبل الوقوع وربما يكون بعد الاخبار به لان الاخبار مما يحقق الانتقاش المقتضى للوقوع وربما يكون بمعونة التعبير فهذا منشأوها ولما جرت حكمة الله سبحانه بان المرايا تنتزع صور ما قابلها من ذات او صفة لون او مقدار او بعد او وقت او جهة او غير ذلك وذلك لامر حكيم من صنعه سبحانه وجب ان تنتقش في الخيال صورة كل ما قابلها فيرى الشخص ما في خياله فيري صاحب الشبح لان ما في الخيال طريق المتخيل الى ذلك الشيء وصحته وفساده وكماله ونقصه من الاحوال المذكورة سابقا فراجع فهذه حقيقة الرؤيا واما عالمها فهو عالم البرزخ والمثال الذي هو وراء الاجسام فان كانت صحيحة كان قد شاهد اشباح ما ينزل من عالم الغيب الى الشهادة في عالم البرزخ من هورقليا وان كانت باطلة كان قد شاهد اظلة ما يعرض له في خياله من اوضاع الابخرة واوهام النفس التي تتقدر باشباح الشياطين في ارض العادات والطبع من جابلقا وجابرسا فهذا عالمها فافهم

قال سلمه الله تعالى : ومنها انه قد يكون الرجل عبدا زاهدا صالحا طالبا للعلوم حسن الحال فيسمع من العالم ان من الفريضة تعلم اصول الدين بالادلة اليقينية بحيث يتيقن في كل العقائد ولا يشك فيتعلم هذا العبد ادلة العقائد لحصول اليقين فيها ابتغاء مرضات الله فيتسلط عليه الشيطان والنفس فيشككانه ويوسوسان في صدره فيكثر تشكيكه في الاعتقادات وفي اول الحال لم‌ يكن له شك فزاد في هذه الحال تفكره في تحصيل الادلة اليقينية لحصول اليقين وكلما زاد تفكره زاد تشكيكه ويبتلي بالبلاء العظيم ومايعلم كيف مفره ومخلصه منه وهو يخاف ان يموت بلا ايمان ويستدعي من الشيخ ان يبين طريق مخرجه ومخلصه من هذا البلاء العظيم
اقول اليقين نور قائم يشرق على قلب الشخص فتحصل به السكينة والطمأنينة والراحة وهو يحصل من مشاهدة الامور المطابقة للواقع مطابقة للواقع موافقة للاعتقاد ويقابله الشك ولما كانت الحكمة قد جرت بايجاد الاشياء على ما هي عليه وكان ذلك لا يكون الا اذا جرى على اختيارها فيتوافق قدر الله مع اختيارها والا لكان الاشياء على بعض ما هي عليه وبعض ما ليس هي عليه ولا يكون الشيء لذاته على غير ما هو عليه والا لم‌ يكن هو اياه والاختيار يستلزم ان يؤخذ من الحق ضغث ومن الباطل ضغث فيمزجان ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولو خلص الحق لم ‌يخف على ذي حجي ولكان في التكليف في كثير من المواضع الجاء وهو لا يحسن في التكليف وفي اغلب مراتب اليقين يقوم احتمال الشك لان النفس غير مستقرة النظر بل لا يزال الريب والاحتمال والتجويز والفرض يجري عليها فاذا مال الشخص معه حصل الريب فاذا استقر عليه شك واذا شك زال اليقين لان الشك اذا ورد على نفس اليقين انقلب شكا قال (ص) لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا فاذا نظرت في دليل مسئلة وثبت لك به الحق فلا تمل مع احتمال المنافي لانه من القاء الشيطان ليشكك المتيقن فان الالتفات الى خلاف الحق ان استوحش منه القلب فهو محض الايمان لان القلب لما انس بالحق استوحش من الباطل وان لم‌ يستوحش منه القلب فهو الريب فاذا استقر الريب والتفت بعد استقرار الريب وحصل له ميل ما شك فاذا استقر الشك والتفت وحصل له ميل ما كفر فاذا ثبت لك حكم بالدليل فاثبت عليه ولا تلتفت قال الله تعالى فاسر باهلك بقطع من الليل وهو آخر الليل القريب من الصبح لان الاسراء يتعذر عليك باهلك في النهار اذ لا اهل لك في النهار فلا يمكنك ان تقف على يقين لا تمل نفسك فيه الا في اليقين المقارب للضرورة ثم قال تعالى واتبع ادبارهم اي كن سائقا لهم تحثهم على السير والمعنى في هذه الاشارة انك اذا ظهر لك معنى فلا تلتفت فيه الى الاحتمالات بل اشتغل بطلب معنى آخر حتى لا تلتفت في الاول الى خلافه ولو بالفرض والتصور والاحتمال ولا تفرض القول به من غيرك منك فينجر بك الامر الى الريب وهو قوله تعالى ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون وذلك في التأويل خطاب من الله سبحانه للعقل واهله من العلم والخيال والفكر والحيوة الا امرأتك انه مصيبها ما اصابهم وهي النفس الامارة بالسوء فانها تلتفت الى قومها وانت اذا عرفت ان المراد منك انك تطلب المعرفة بشروطها وهي النظر والتفكر في خلق الله وما اودع من الاسرار والحكم وفي اثار القدرة وتتفكر في الموت وهجومه بغتة وانه يراد منك الاستعداد للرحيل وتجعل ذلك همك ليكون مانعا لك من ذلك الالتفات المنهي عنه والطريق القريب المسافة الى الله هو هذا واليه الاشارة بقوله تعالى اولم ‌ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيء وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم فبين بان النظر في الملكوت مع الاستعداد للموت قبل نزوله هو طريق الايمان النافع فاذا اشتغل الشخص بالعمل والنظر في عيوب نفسه والاستعداد للموت حصل له اليقين بالمعارف بلا ميل ولا شك لان النفس بسبب الاستعداد لا تلتفت كما هو شأن كل من اهتم بامر فانه لا يلتفت الى ما سواه فهذه النبذة اليسيرة فيها المخلص من ذلك البلاء العظيم

واما من سرح نظره في الفكر من دون الاشتغال بالعمل واخلاص العبادة فان الشيطان يتوحد به ويأتيه في فكره من عن يمينه ليشغله عن جميع الخيرات بما يلقي عليه من الشبهات وانما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم اللهم حل بيننا وبينه بحولك وقوتك فانه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وفرغ منها مؤلفها عصر الاربعاء التاسع ‌عشر من صفر سنة الرابعة والعشرين بعد المئة ( المئتين ظ ) والالف في يزد المحروسة عن الاسواء والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا

المصادر
المحتوى