جواب بعض الاخوان من اصفهان (معنى بعض الاحاديث)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب بعض الاخوان من اصفهان (معنى بعض الاحاديث)

رسالة في جواب بعض الاخوان من اصفهان

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي انه قد اتت الي بعض المسائل من بلد الامان والايمان اصفهان حرسها الله من طوارق الحدثان من بعض الاخوان حفظه الله من نوائب الزمان باحاديث مشكلة يريد فيها البيان وكان القلب غير مجتمع والبال متشتتا ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله سبحانه ترجع الامور

فمنها : صحيح عاصم بن حميد عن ابي ‌عبد الله (ع) قال ذاكرت ابا عبد الله (ع) فيما يروون من الرؤية فقال (ع) الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش والعرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب والحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر فان كانوا صادقين فليملئوا اعينهم من الشمس ليس دونها سحاب
اقول المقام يقتضي في بيان هذا الحديث الشريف اوجها ثلاثة الاول ما هذه الانوار الثاني كيف كانت خمسة الثالث لم كانت نسبة الانوار بعضها الى بعض سبعين

فالاول اعلم وفقك الله تعالى ان المراد بالكرسي نفس فلك البروج وهو العلم الظاهر الذي احاط بكل شيء قال الله تعالى وسع كرسيه السموات والارض والمراد بالعرش نفس فلك محدد الجهات وهو العلم الباطن وهو علم الكيفوفة وعلل الاشياء ومصدر البداء والمراد بالحجاب منازل الكروبيين وهم هياكل التوحيد التي اشار اليها اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد واشار الصادق (ع) اليهم كما رواه الصفار في البصائر بسنده عنه وقد سئل عن الكروبيين فقال قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى (ع) ربه ما سئل امر رجلا من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكا والمراد بالستر نور العظمة والجمال وهو اول مقام من الوجود المقيد وهو الذي قال الله تعالى ذكره فكان قاب قوسين وفي الدعاء اسئلك باسمك الذي اشرقت به السموات والارضون

واما الوجه الثاني فاعلم انه عليه السلام انما ذكر هذه الخمسة لان ادنى الانوار التي لا يقدرون على النظر اليها هو الشمس واعلاها مما لا تسارع العقول الى انكاره هو الستر والمراد بها الانوار المتناسبة كل واحد الى ما فوقه واحد من سبعين والا فلو كان المراد مجرد التناسب لكان تحت ذلك مثله فقد روى ان السكينة جزء من سبعين جزءا من نور الزهرة والزهرة جزء من سبعين جزءا من نور القمر والقمر جزء من سبعين جزءا من نور الشمس وكذلك فوق الستر ولا خصوصية في هذا العدد ولا فائدة هنا فيه

واما الوجه الثالث فاعلم ان عدد السبعين في الحديث يراد منه امر ظاهري وامر حقيقي فاما الظاهري فاعلم انه قد يطلقون العدد ولا يكون مرادا بخصوصه وانما يراد به مجرد الكثرة وهذا كثير في الروايات وفي القرءان مثل انهم كعدة بني ‌اسرائيل سبعين الفا او يزيدون وهذا يراد به مجرد الكثرة يدل عليه ما ذكر في قصة موسى (ع) وحيلة بلعم ابن باعورا لما طلب منه الجبارون الدعاء على موسى وقومه فانسلخ الاسم من لسانه فاحتال لهم وقال زينوا نساءكم وبناتكم وأمروهن يمضين الى عسكر موسى واوصوهن الا تمنع جارية احدا يريدها وانا ارجو انهم يزنون بهن وما فشى الزنا في قوم الا حل بهم الطاعون ففعلوا فحل فيهم الطاعون وكان سياف موسى (ع) تلك الساعة غائبا واسمه الفنحاص بن العيزار فاتى فلما رأى ذلك عمد الى شلوم بن زمرير وهو معانق لكشتا بنت صور من القوم الجبارين فانتظمهما بحربة معه فرفعهما في الهواء وقال يا رب هذا يرضيك فرفع الطاعون فحسب المفقود من الطاعون من قوم موسى في ساعة واحدة سبعين الفا وكذلك في قوله تعالى فما امن لموسى الا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم اي آبائهم لان الطائفة المؤمنة الاولاد الصغار من بني ‌اسرائيل وكانوا ستمائة الف كذا قيل وقيل الكل ستمائة الف فاذا كانت الاولاد ستمائة الف فكيف يكون الجميع سبعين الفا وانما يراد منه مجرد الكثرة وكذلك في قوم يونس (ع) والمراد بالسبعين هنا هذا المعنى لان السبعين على المعنى الباطن صحيح ولكن هذه النسبة باعتبار التشكيك في الشدة والضعف واما في الكم فلا يدخل عده تحت علمنا وستسمعه ان شاء الله تعالى

واما وجه الحقيقي في عدد السبعين فاعلم ان اول فرد من الاعداد هو الثلاثة وهو عدد كل فرد من معدن ونبات وحيوان وذلك عدد الكيان اذ كل فرد فله عقل ونفس وجسد واعلم ايضا ان اول زوج الاربعة وكل فرد مما ذكر فهو مربع الكيفية حرارة ورطوبة وبرودة ويبوسة فكل فرد فهو ذو سبعة مثلث الكيان مربع الكيفية فكانت السبعة هي العدد الكامل فجرى في الاصول لقوله تعالى ان ربي على صراط مستقيم يجري صنعه بامر محكم وقضاء مبرم وعلم متقن فلذلك كانت السموات سبعا والارضون سبعا والايام سبعة والانبياء اولوا الشرائع سبعة الى غير ذلك والسبعة في مرتبة الاصول والعلل ثم لما كانت المعلولات في الوجود الثاني بالنسبة الى عللها فكانت الفاعلية في المرتبة الاولى وهي مرتبة الاحاد وكانت المفعولية في مرتبة العشرات فكان اعتبار السبعة في الاولى سبعين في الثانية فكانت العلة في الشدة سبعين والمعلول في الضعف واحدا فان قيل فاذا كانت السبعة في المرتبة الثانية سبعين وهي نسبة رتبة المعلول من العلة ينبغي ان يكون واحدا من عشرة لا واحدا من سبعين قلنا لما كان المعلول لا يتكون من سنخ العلة وانما يتكون من فعلها في رتبته لا في رتبة العلة لان رتبة الفعل في رتبة المفعول فاذا قلت زيد ضرب ضربا كان ضرب في رتبة ضربا لان الفعل انما قام بزيد قيام صدور لا قيام عروض ولا يستند الى زيد وانما يستند الى جهة ظهور زيد بالضرب وذلك هو حقيقة ضرب وهو نفسه ففي الحقيقة كان ضرب يدور على تلك الجهة على خلاف التوالي وتلك تدور على ضرب على التوالي فالفعل ظاهره وحقيقته لا يحل بزيد ولا يستند اليه وانما احدثه زيد بنفسه وهو في رتبة مفعوله الذي هو ضربا من الوجود وان كان ضرب متقدما عليه بالعلية فلما كان ما تقوم به النور من المنير انما هو تلك الجهة وهي ظهوره بالنور للنور لم يكن عشير السبعين والا لكان من سنخه فيكون فيه من كل واحد من السبعة الثلاث الكيان والاربع الكيفيات عشره ولو كان كذلك لكان من ذاته غاية الامر انه اقل منه كما وليس كذلك بل هو واحد من السبعين لان السبعة لما ظهرت في المرتبة الثانية كانت سبعين وهي مراتب ظهورات السبعة مرتبة اعلاها الاصول واسفلها جهة الظهور وهو نفس نور الشمس مثلا بالنسبة الى نور الكرسي ونور الكرسي بالنسبة الى نور العرش فلهذا كان النور الذي هو نفس ظهور المنير واحدا من سبعين من ضياء المنير لا من ذات المنير فافهم وفقك الله تعالى

وقولنا هنا ان المراد به مجرد الكثرة نريد به انه في حقيقة واحد اي اشراق من سبعين وجها من المنير دائم الاشراق يعني ذلك الوجه فكأن للمنير سبعين وجها مشرقا ابدا فالنور اشراق من وجه فاذا نظرت الى العدد المخصوص فهو صحيح كما قررنا وان لحظت دوام الاشراقات من المبادي فهي لا تحصى فيكون ذلك النور نهرا يجري على هيئة الاستدارة الصحيحة اوله في آخره فالوجه ابدا يمده منه فلا يستغني ابدا عن المد ولا يقف على حد فهو نهر يجري مستديرا قطبه ذلك الوجه من ذلك المنير فهذا حقيقة ما طلبت وما لم‌تطلب فان ظهر لك فاحمد الله على جزيل نعمه وان خفي عليك فاسئل الله الفتاح يفتح لك باب المعرفة

واعلم وفقك الله ان الله سبحانه بلطيف صنعه لم يخرج شيئا من خزائنه الا مبينا مشروحا على اكمل وجه ولكنه خلق الاشياء كما علمها فجرت في مراتب تكوينه مختارة لما يسرها له لا يخالف شيء منها محبته وذلك كمال اختيارها فكان مما اجرى بجميل تدبيره ان جعل ما ظهر ظهر بيانه وما بطن خفي برهانه ولو اني حاولت في اظهار هذه التي اشرت اليها بالعبارة الظاهرة المعلومة عند العوام لعميت الطريق وصعب المسلك لان الاشياء انما تحاول بما يسهل فيها وهو العبارة الظاهرة للمعني الظاهر والاشارة للباطن فافهم

ومنها : فقال امير المؤمنين (ع) ان العرش خلقه الله تبارك وتعالى من انوار اربعة نور احمر منه احمرت الحمرة ونور اخضر منه اخضرت الخضرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة ونور ابيض منه البياض وهو العلم الذي حمله الله الحملة
اقول اعلم ان العرش يطلق ويراد به معان مختلفة يعرف احدها بالمقامات فهذا العرش هنا المراد به مظهر الرحمانية ومجمع صفات الاضافة وصفات الخلق قال الله تعالى الرحمن على العرش استوى يعني استوى برحمانيته الى كل شيء فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه ومجموع هذه الانوار الاربعة هي العرش بتمامه فالنور الابيض هو الاعلى وهو عن يمين العرش اي ركنه الايمن والنور الاصفر تحته والنور الاخضر عن يسار العرش وهو ركنه الايسر والنور الاحمر تحته فالنور الاصفر ركن ايمن تحت الابيض والنور الاحمر ركن ايسر تحت الاخضر وهذه الانوار الاربعة هي سبحان الله وهو الابيض والحمد لله هو الاصفر ولا اله الا الله وهو الاخضر والله اكبر هو الاحمر فهذه الاركان الاربعة هي جميع الوجود المقيد الذي اوله العقل الاول وآخره الثرى وقد جعل سبحانه لكل ركن ملكا يحمله وهي جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل ومعنى يحمله ان شؤنه منحصرة في هذا الملك ولكل ملك جنود من الملائكة لا يحصي عددهم الا الله فدار الوجود المقيد كله على هذه الاربعة المراتب وهو قوله تعالى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم فالموكل باثار الخلق جبرئل من جهة النور الاحمر واليه الاشارة بقول النبي (ص) الورد الاحمر من عرق جبرئيل والموكل باثار الرزق ميكائيل من جهة النور الابيض وهو قوله (ص) الورد الابيض من عرقي والموكل بالموت عزرائل من جهة النور الاخضر والموكل بالحيوة اسرافيل من جهة النور الاصفر قال (ص) الورد الاصفر من عرق البراق وكل ملك من هذه الاربعة يعينه على ما وكل به ملكان بنصف قوتهما

فالنور الابيض هو القلم وهو اسم الله الذي اشرقت به السموات والارضون وهو ملك له رؤس بعدد الخلائق من خلق ومن لم يخلق الى يوم القيمة ولكل رأس وجه ولكل آدمي رأس من رؤس العقل واسم ذلك الانسان على وجه ذلك الرأس مكتوب وعلى كل وجه ستر ملقي لا يكشف ذلك الستر حتى يولد هذا المولود ويبلغ حد الرجال او حد النساء فاذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الانسان نور فيفهم الفريضة والسنة والجيد والردي الا ومثل القلب كمثل السراج في وسط البيت رواه في العلل عن علي (ع) وهو الركن الايمن الاعلى من العرش الذي هو مظهر الرحمانية وهو الالف القائم وهو المعاني المجردة عن المدة والمادة والصورة وهو اول صوغ للموجودات وهو القلم المذكور في الروايات عند مقام قاب قوسين وهو روح القدس الاكبر وهو اول مخلوق ظهر باول خلق وهو اول الوجود المقيد وهو العقل الاول الذي قال الله له ادبر فادبر بالمعاني فقال له اقبل فاقبل بالاسماء الثمانية والعشرين التي اولها البديع وآخرها رفيع الدرجات واركان الوجود الاربعة المخصوصة به تحمل آثارها عنه الملائكة الاربعة فجبرئل يحمل عنه آثار ركن الخلق وميكائل يحمل عنه آثار ركن الرزق واسرافيل يحمل عنه آثار ركن الحيوة وعزرائيل يحمل عنه آثار ركن الممات وظرفه اعالي الدهر القريبة من السرمد فنهاية اعلاه نهاية اعلي الدهر فهو في عالم الدهر كمحدد الجهات في عالم الزمان وقد اشار العسكري عليه السلام اليه في قوله وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة والصاقورة هو العرش المشار اليه وحدائقهم عليهم السلام غرسوها بايد في الارض الجرز التي هي الدواة الاولي قال الله تعالى ن وهي الدواة الاولى والقلم وما يسطرون فالقلم هو هذا وما يسطرون هو النور الاخضر ويأتي فافهم راشدا

والنور الاصفر هو الروح قال (ص) اول ما خلق الله روحي وهو الركن الايمن الاسفل من العرش المذكور وهو الروح الكلية قال الله تعالى انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين وفي الحديث ما معناه ان البراق جناحها بين فخذيها وعينها في رجلها واذناها تتحرك ابدا وهو ثاني مخلوق باول خلق وهو البراق في الاشارة وهو الرقائق المجردة عن المادة والمدة وهو برزخ بين معاني العقل وصور النفس وصورته بين صورة العقل وهي وبين صورة النفس وهي فصورته هكذا ومثال الرقائق المشار اليها كالمضغة قبلها النطفة كالمعاني وبعدها الخلق الاخر كالصور واركان الوجود الاربعة المختصة به تحمل آثارها عنه الملائكة الاربعة فجبرئل يحمل عنه آثار ركن الخلق وميكائيل يحمل عنه آثار ركن الرزق واسرافيل يحمل عنه اثار ركن الحيوة وعزرائيل يحمل عنه آثار ركن الموت وظرفه الدهر ونسبته من الدهر نسبة فلك الثوابت المعبر عنه بالكرسي من الزمان فافهم راشدا

والنور الاخضر هو الكتاب المسطور في رق منشور وهو ملك رواه سفين الثوري عن الصادق (ع) وهو اللوح المحفوظ وهو الروح الذي هو على ملائكة الحجب كما ذكره علي بن الحسين عليه السلام في دعائه في الصلوة على حملة العرش وهو النفس الكلية وهو ثالث مخلوق باول خلق وهو الصور المجردة عن المادة والمدة وهو شجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى وفي تفسير التأويل هي النفس التي لا يعلم ما فيها عيسى (ع) واركان الوجود المختصة به تحملها الملائكة الاربعة فجبرئل يحمل آثار ركن الخلق وميكائيل يحمل آثار ركن الرزق واسرافيل يحمل آثار ركن الحيوة وعزرائيل يحمل آثار ركن الموت ونسبته من الدهر كنسبة فلك البروج من الزمان او كنسبة الكرسي في الصور وهو كمال الصوغ الاول للموجودات وعند علماء الصناعة يقولون هو التزويج الاول وتحت هذا العالم نثر الخلق بين يديه كالذر يدبون فخاطبهم باعيانهم فسعد من سعد باجابته وشقي من شقي بمعصيته واليه الاشارة بقوله (ع) السعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه ويأتي بيان هذا ان شاء الله مشروحا واضحا في بيان حديث الطينة

والنور الاحمر هو ملك كان من النور الابيض والنور الاصفر قالوا ان الحمرة تتولد منهما واستدلوا على ذلك بحمرة الزنجفر وهو من الزيبق والكبريت الاصفر هذا على اعتبار وباعتبار آخر تولد من الابيض والاخضر ان الابيض واحد والاخضر في الحروف الكونية اثنان وقالوا ان الالف انعطف على الباء فكانت منهما الجيم وهو حرف النور الاحمر هكذا وهذه صورة الجيم وهو الركن الايسر الاسفل من العرش المذكور وهو رابع مخلوق باول خلق وهو الكسر الاول للموجودات بعد كمال الصوغ الاول في النور الاخضر وذلك بعد ان قال تعالى للمطيعين للجنة ولا ابالي وقال للعاصين للنار ولا ابالي واركان الوجود المختصة به تحمل آثارها الملائكة الاربعة فجبرئل يحمل آثار ركن الخلق وميكائيل يحمل آثار ركن الرزق واسرافيل يحمل آثار ركن الحيوة وعزرائيل يحمل آثار ركن الموت ونسبته من الدهر كنسبة فلك المنازل من الزمان او كنسبة الكرسي في حركته الواحدة فكان كل واحد من الملائكة الاربعة المذكورة يحمل اربعة اركان من الانوار الاربعة من كل واحد ركن فجبريل يحمل آثار اركان الخلق من الابيض ومن الاصفر ومن الاخضر ومن الاحمر وميكائل يحمل آثار اركان الرزق من الابيض ومن الاصفر ومن الاخضر ومن الاحمر واسرافيل يحمل آثار اركان الحيوة من الابيض ومن الاصفر ومن الاخضر ومن الاحمر وعزرائيل يحمل آثار اركان الموت من الابيض ومن الاصفر ومن الاخضر ومن الاحمر فيعملون في عالم الدهر وعالم الزمان وما بينهما وتحت كل واحد من الملائكة ما لا يحصي عدهم الا الله تعالى قال تعالى وهم بامره يعملون فمجموع ما سمعت هو العرش وقوله (ع) منه احمرت الحمرة معناه ان ذلك النور يظهر على الملائكة الاربعة وتؤدي آثاره الى جنودهم الجزئية من الملائكة ثم اعلم ان فلك الشمس اول الافلاك السبعة خلقا وهي مظهر الوجود الثاني فتستمد من نفس الطبيعة الكلية وتفيضه على المريخ وتستمد من صفتها وتفيضه على الزهرة فتستدير الافلاك وتلقي الكواكب اشعتها خصوصا المريخ والزهرة بواسطة الجنود الجزئية على السحاب ويقع على الارض ويختلط به نبات الارض وفيه مبادي الحمرة هذا والشمس تمد السفليات بالوان الحمرة في قبسات الاشعة وبواسطة الكوكبين فتظهر الحمرة في قابلياتها وهي من الطبيعة التي هي النور الاحمر ولهذا قال (ع) منه احمرت الحمرة وكذلك الخضرة فان الشمس تستمد من نفس النفس الكلية وتفيضه على المشتري وتستمد من صفة النفس وتفيضه على عطارد تجري في تدبير الوان الخضرة ما ذكر في الحمرة وتستمد من الروح من ذاتها وصفتها وتفيضه على باطن زحل وظاهر المريخ وتجري باذن الله في تدبير الوان الصفرة كما ذكر وكذلك البياض من نفس العقل على زحل ومن صفته على القمر وهكذا وفي بعض الروايات منه ابيض البياض وفي بعضها كهذه الرواية منه البياض وفي بعضها ومنه ضوء النهار وفي هذا سر اختلف العلماء فيه هل البياض صبغ ام هو لون هو الوجود والالوان تطرء عليه فمن قال بالاول استدل بحديث منه ابيض البياض وحمل حديث منه البياض على ان البياض لما كان اول ظاهر على الشيء بعد وجوده شابه الذاتي فاطلق عليه عبارته ولان الموجود مركب والاصل في المركب اللون ومن قال بالثاني استدل بهذا الحديث وحمل حديث ابيض البياض على بياض الوجود يعني ان الاصل فيه البساطة التي هي البياض وعندي ان الثاني اجود وبالجملة فالانوار الاربعة هي العرش وهو ينقسم اليها وهي واشعتها هي مجموع الوجود المقيد الذي اوله الدرة وآخره الذرة واعني باشعتها كل ما في الزمان من الاجسام والالوان من متحرك وساكن وجماد ونام والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ومنها : ما رواه في الكافي بسنده عن ربعي بن عبد الله عن رجل عن علي بن الحسين (ع) قال ان الله عز وجل خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وابدانهم وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة وجعل ابدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وابدانهم فخلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ومن هيهنا يصيب المؤمن السيئة ومن هيهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحن الى ما خلقوا منه وقلوب الكافرين تحن الى ما خلقوا منه
اعلم ان الله سبحانه لم يخلق شيئا فردا قائما لذاته للدلالة عليه بل كل مخلوق لا بد وان يكون مركبا بسائطها ومركباتها فلا يكون شيء الا من وجود وماهية وبيانه ان الوجود لما خلقه الله تعالى انخلق او لم ينخلق فاذا قلت انخلق قلت لك ضمير انخلق يعود الى المخلوق والمخلوق لم يكن قبل انخلق فكيف يعود عليه ذكر ولم يك شيئا وان قلت لما خلقه لم ينخلق قلت اذا ماكان والجواب انه خلقه فانخلق فخلقه هذا وجوده وماهيته انخلق فالشيء انما هو شيء بالوجود والماهية وهي الفعل والانفعال وهما متساوقان في الظهور لا يوجد احدهما الا بالاخر وحقيقة هذا الوجود هو اثر المشية التي هي فعل الله وابداعه فالابداع بالله اخذ من هواء العمق الاكبر ثم اخرجه الى ذلك الهواء لفظا مركبا من حروف وذلك اللفظ هو السحاب فامطر من السحاب ماء على الارض الجرز فخرج النبات فالسحاب هو اللفظ والماء هو الدلالة من خصوص المادة والهيئة والارض الجرز هي ارض القابليات التي هي ارض الانفعالات كما ذكرنا فظهر المعنى من اللفظ كالثمرة من الشجرة ثم اعلم ان الشيء لا يكون الا على ما يمكن لذاته من المشية فالبسته المشية الحيوة والعلم والقدرة وجميع صفات الكمال كل بحسبه وكانت جميع الخلائق في عالم البرائية سواء بالنسبة الى الامكان والاختيار فلما نثرهم بين يديه يد الرحمة ويد العدل قال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلى وليكم وامامكم قالوا بلى فمنهم من قالها بلسانه وقلبه مؤمنا معتقدا فذلك المطيع فخلقه الله خلقا ثانيا من طينة الطاعة التي هي طينة عليين ومنهم من قال بلى منكرا مستهزئا فذلك العاصي فخلقه الله خلقا ثانيا من طينة المعصية التي هي طينة سجين ومنهم قال بلى غير منكر ولا معتقد فخلقه الله عز وجل خلقا ثانيا من طينة البرزخ وهي طينة من الطينتين ثم اعلم ان قولنا ان المخلوق اول مرة مركب من الوجود والماهية الذي هو الفعل والانفعال ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون نريد به الهيولي الاولي وهذا بعد التركيب هو الهيولي الثانية باصطلاحنا لانه في التمثيل مركب من المادة والصورة النوعية مثلا كالخشب الذي هو صالح للباب والسرير والمداد الذي يصلح ان تكتب به الاسم الشريف والاسم الوضيع فهذا هو الخلق الاول ولما قال لهم الست بربكم فمن اطاع خلقه من طينة الطاعة التي خلقها الله من رحمته وهي الصورة الانسانية التي مقتضاها الطاعة والمعرفة بالاختيار وهي طينة عليين اي اعلى الجنة وهي ارض الولاية العلوية المخمرة بماء المحبة الفاطمية ومن عصى خلقه من طينة المعصية التي خلقها الله تعالى بعدله وهي صور الحيوانات والحشرات والمقادير الشيطانية التي مقتضاها المعصية والانكار بالاختيار وهي طينة سجين وهي الصخرة تحت الارض وهي طينة الجحود والطغيان المخمرة بماء الحميم وهي منبت شجرة الزقوم فالطينة هي طينة الطاعة والمعصية لان الطينة هي الصورة الفعلية وهي متعلق الاحكام والمادة الواحدة تختلف باختلاف الصورة اختلافا ضديا لان السامري لما صنع العجل من الذهب ووضع فيه من تراب الحيوة خار لانه صورة عجل فاذا حيى كان عجلا ولو صنع ذلك الذهب كلبا ووضع فيه ذلك التراب نبح وكان نجس العين ولو صنعه انسانا ووضع فيه ذلك التراب تكلم وكان طاهر العين مثلا فالاحكام والحقائق والطاعة والمعصية كلها من الصورة وهي التي اشرنا اليها في الحديث في التأويل السعيد من سعد في بطن امه وهي الصورة كما يدل عليه كلام الصادق (ع) حيث قال ان الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة فتأمل هذا الحديث الشريف ما اصرحه في المدعي الا ترى ما حكم به اهل الشرع فيما اذا نزا كلب على شاة فاولدها ان حكم ذلك المولود في الحل والتحريم والطهارة والنجاسة تابع لصورته فان كان شاة فحلال طاهر وان كان كلبا فحرام نجس والمادة واحدة وانما اختلفت الاحكام باختلاف الصورة فصور الطاعة في فلك البروج كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون وهم الكروبيون والابرار هم خواص الشيعة وقد يطلق على خصيصي الشيعة بالنسبة الى ائمتهم (ع) وصور المعصية في الصخرة التي تحت الملك الحامل للارض كلا ان كتاب الفجار لفي سجين وما ادريك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين وهم خواص اصحاب الشمال وقوله (ع) قلوبهم وابدانهم فيه اجمال وتفصيل ذلك ان الله خلقهم من عليين يعني من غيب عليين خلق طينة ابدانهم وذلك الغيب هو غيب الكرسي والعرش وجسم الكل والمثال والهيولي والطبيعة الكلية والنفس الكلية والروح الكلية فهذه ثمان مراتب ومن سر ذلك الغيب خلق قلوبهم وخلق من فاضل طينة ابدانهم قلوب شيعتهم ومعنى قولنا فاضل نريد به الشعاع كما تقول نور الشمس الواقع ظاهرا على وجه الارض هو من فاضل نورها القائم بجرمها وهو قوله (ع) وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة اي من فاضلها اي من شعاعها وانما سمي الشيعة شيعة لانهم من شعاع ائمتهم (ع) او من المشايعة وهي المتابعة والمعنى واحد وقوله (ع) وجعل ابدان المؤمنين من دون ذلك اي جعل ابدانهم من ظاهر عليين فان المؤمنين كل واحد خلق من عشر قبضات تسع من الافلاك التسعة وقبضة من ارض الدنيا ويأتي ان شاء الله تعالى تفصيل ذلك وقوله (ع) وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وابدانهم كما تقدم خلق قلوبهم من اسفل من سجين وهو غيبها وهو غيب الثور والحوت والبحر والريح العقيم وجهنم والطمطام والثرى وما تحته فهذه ثمان مراتب وخلق ابدانهم من عشر قبضات من سجين والملك والارضين السبع وسماء الدنيا وقوله (ع) وخلط بين الطينتين اي طينة المؤمن وطينة خواص المكذبين وذلك بعد ان كلفهم في عالم الذر كلف المؤمنين تحت النور الاخضر وكلف المنافقين فوق الثرى فلما حكم على اهل طاعته بمقتضاها وهو قوله للجنة ولا ابالي وعلى اهل معصيته بمقتضاها وهو قوله للنار ولا ابالي وذلك بعد ان صاغ المؤمنين في النور الاخضر والمنافقين في الثرى كسرهم جميعا فجعلهم ترابا كسر المؤمنين في النور الاحمر وكسر المنافقين في الطمطام ثم خلط الطينتين في هذه الدنيا فكرت عليه العناصر الاربعة والافلاك فنعمت الطينتان فصعدت في النباتات ثمارا جنية وحنطة وارزا وتمرا وعنبا وغير ذلك ثم اعلم ان الله بلطيف صنعه قد خلق شجرة تحت العرش اسمها المزن ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون هو المنزل وهو العلي الحكيم وهو قوله تعالى واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون وانما ذكرت هذه الاشارات المغلقة استدعاء لقرع الباب فان من قرع الباب اوشك ان يفتح له والحاصل وكانت شجرة المزن تقع منها النطف كقطر المطر اللطيف على الشجر والثمار المذكورة والبقول فمااكل تلك التي وقعت عليها تلك القطرة من شجرة المزن مؤمن او كافر الا خرج من صلبه مؤمن وان الله بلطيف صنعه انبت شجرة الزقوم في اصل الجحيم طلعها كانه رؤس الشياطين وتلك الشجرة منكوسة عروقها في طينة خبال وهي سجين وثمارها في الجحيم وقوله كأنه رؤس الشياطين اي هو رؤس الشياطين وتلك الشجرة تصعد منها ابخرة الى ارض الدنيا فتقع النطف وهي القطر منها على الشجر والثمار المذكورة والبقول فمااكل تلك التي وقعت عليها تلك القطرة من شجرة الزقوم مؤمن او كافر الا خرج من صلبه كافر والمعنى في ذلك ان قطر شجرة المزن تسري فيما لها من الطين الطيبة بفتح ياء الطين حتى يكون المؤمن من الجميع وان قطر شجرة الزقوم تسري فيما لها من الطين الخبيثة بفتح ياء الطين حتى يكون المنافق من الجميع فهذا معنى قوله (ع) فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ولما كانت الطينتان قد امتزجتا في الارض والماء والهواء والنار والمطاعم كلها والملابس والامكنة والازمنة والصور كان المؤمن من جهة لطخ طينة الكافر يصيب السيئة وكان الكافر من جهة لطخ طينة المؤمن يصيب الحسنة ومعنى قولنا امتزجتا في الصور انه سبحانه لما قال لهم الست بربكم قالوا باجمعهم بلى فمن قال بلسانه وقلبه عارفا بما قال خلقه من طينة الطاعة وهي الانسانية التي هي جوهرة كنهها الربوبية ومن قال بلسانه خاصة خلق صورته صورة انسان لاقراره باللسان وقلبه وصورة حقيقته صورة شيطان وهي صورة المعصية فامتزاجهم في الصورة الانسانية ظاهرا فبالصورة الانسانية الظاهرة اصاب الكافر الحسنة وقوله (ع) فقلوب المؤمنين تحن الى ما خلقوا منه وقلوب الكافرين تحن الى ما خلقوا منه معناه ان قلوب المؤمنين خلقوا من فاضل طينة ائمتهم (ع) ولما مزجت الطينتان انما امتزجت طينتا الجسمين واما طين القلوب فهي باقية على بساطتها ووحدتها لم‌تمزج بطين قلوب الكفار فلهذا اذا اصاب المؤمن السيئة كان قلبه منكرا عليه ماقتا له نادما على فعله لانه لا لطخ فيه واذا ذكرت ائمتهم (ع) طارت قلوبهم اليهم بالاشتياق والوفاق لا ملاحظة رجاء ثواب ولا ملاحظة دفع عقاب قال تعالى فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وكذلك قلب الكافر لم يمزج بطينة المؤمن فكان اذا فعل بعض الطاعة كان قلبه كارها لها لانها ليست من شجرته ولا من ثمرها واذا فعل المعصية مالت نفسه وقلبه اليها لانه منها واذا ذكر اولياء الله استوحشوا واذا ذكر اعداء الله انسوا وهو قوله تعالى واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون واخبرك وفقك الله اني لم‌ اترك شيئا من البيان فيما سألت عنه نعم قد يكون خفيا لعدم الانس بالاصطلاح وقد يكون غفلت عنه ولا ريب ان الكتابة ليست كالمشافهة فان المشافهة تطرد العصافير بقطع الشجرة لا بالتنفير والحمد لله رب العالمين

ومنها : عن ابراهيم عن ابي ‌عبد الله عليه السلام قال ان الله عز وجل لما اراد ان يخلق آدم عليه السلام بعث جبرئيل (ع) في اول ساعة من يوم الجمعة
اقول يريد باول ساعة من يوم الجمعة اول آخر مراتب العوالم وذلك لان الله سبحانه خلق الف الف عالم والف الف آدم نحن في آخر العوالم وآخر الادميين فيوم الجمعة هو يوم تم فيه مراتب الوجود الكلية ابتدأ من يوم الاحد وهو النور الابيض ويوم الاثنين هو النور الاخضر واما النور الاصفر فمتردد بين اليومين ويوم الثلاثا هو النور الاحمر ويوم الاربعاء هو جوهر الهباء في العمق الأكبر ويوم الخميس هو المثال ويوم الجمعة يوم الجسم فهذه هي الستة الايام التي خلق الله السموات والارض فيها وهي فصل الربيع والصيف والخريف والشتا والمادة والصورة فكمال مراتب الوجود الكلية وتمامها وجود ابينا وذريته وزمانه وكان ابونا اول من وجد منا فكان اول ساعة من يوم الجمعة

قال (ع) : فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماء السابعة الى السماء الدنيا واخذ من كل سماء تربة وقبض قبضة اخرى من الارض السابعة العليا الى الارض السابعة القصوى
اقول اعلم ان الله خلق الانسان من عشر قبضات ومثل (ع) بسبع قبضات اشارة الى قوله ذكوان في قول الباقر (ع) ان حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان ثقيل مقنع الحديث والا فهي عشر قبضة من محدد الجهات خلق منها قلبه وقبضة من الكرسي خلق منها صدره وقبضة من فلك زحل خلق منها عقله وقبضة من فلك المشتري خلق منها علمه وقبضة من فلك المريخ خلق منها وهمه وقبضة من فلك الشمس خلق منها وجوده الثاني وقبضة من فلك الزهرة خلق منها خياله وقبضة من فلك عطارد خلق منها فكره وقبضة من فلك القمر خلق منها حياته وقبضة من ارض الدنيا خلق منها جسده هذا خلق المؤمن ثم لما اراد ان يخلق الكافر امر الملك فقبض قبضة من الحوت الذي على البحر تحت الارضين فخلق منها قلبه وقبضة من الثور فخلق منها صدره وقبضة من الارض السابعة القصوى ارض الشقاوة فخلق منها دماغه وقبض قبضة من الارض السادسة خلق منها علمه وهي ارض الالحاد وقبضة من الارض الخامسة ارض الطغيان خلق منها وهمه وقبضة من الارض الرابعة ارض الشهوة خلق بها وجوده الثاني وقبضة من الارض الثالثة ارض الطبع خلق منها خياله وقبضة من الارض الثانية ارض العادة خلق منها فكره وقبضة من الارض الاولى ارض النفوس خلق منها جسده وقبضة من سماء الدنيا خلق منها حياته فهذا تفصيل القبضات وفي الحديث ذكرها مجملة

قال (ع) : فامر الله كلمته فامسك القبضة الاولى بيمينه والقبضة الاخرى بشماله ففلق الطين فلقتين فذرء من الارض ذروا ومن السموات ذروا فقال للذي بيمينه منك الرسل والانبياء والاوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن اريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال وقال للذي بشماله منك الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن اريد هوانه وشقوته فوجب لهم ما قال كما قال
اقول قوله (ع) فامر الله كلمته يريد بالكلمة كلمة كن فالكاف اشارة الى الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وهي الكاف المستديرة على نفسها وهي الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره والنون اشارة الى الارض الجرز والدواة الاولى وبينهما حرف وهو ولان كن اصله كون وانما حذفت الواو للالتقاء ( لالتقاء ظ ) الساكنين اشارة الى انها موجودة في الكون مفقودة في العين والواو هي الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي وهي في اللفظ الظاهر هي دلالة اللفظ على معناه فالماء هو الذي ساقه الله الى الارض الجرز فانبت فيها ما شاء كما شاء فالكلمة في الحديث هي عالم الامر وهي المشية والابداع فامسك القبضة الاولى التي من السموات وهي الطينة الطيبة بيمينه واليمين هي يد الرحمة وهي باطن الولي يعني باطن الباب فاليمين هو الولي عليه السلام وهو يمين المشية وعدده بالجمل الكبير مائة وعشرة والمراد من القبضة هو التكليف الاول حين قال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم فالتكليف من الله سبحانه بالكلمة المذكورة ويمين الكلمة يد الرحمة وهو الولي (ع) فلما قال الاولياء بلى معتقدين دخلوا في الباب الذي باطنه فيه الرحمة فهذا معنى الامساك لان الطاعة هي الدخول في الولاية فمعنى قولنا خلق من طينة الطاعة كقول امير المؤمنين عليه السلام لكميل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره فظهور الاثار كهياكل التوحيد انهم لما قبلوا التوحيد خلقهم كهياكل التوحيد ومثاله لما ان شعاع الشمس اطاعها وامتثل امرها اظهرته كهيكلها منيرا حارا يابسا كهيكلها فانها منيرة حارة يابسة وهذا معنى قولنا سابقا خلقهم لما اجابوا من طينة الطاعة وهي الصورة الانسانية ثم ان الكلمة امسكت القبضة الاخرى وهي الطينة الخبيثة بشماله وهي يد العدل وهو قوله تعالى وظاهره اي ظاهر الباب من قبله العذاب وذلك حين انكروا فخلقهم من طينة المعصية اي انكارهم الولاية وهي ظاهره من قبله العذاب وذلك معنى قوله (ص) حين سئل لم كان علي قسيم الجنة والنار قال لان الله خلق الجنة من حبه وخلق النار من بغضه وقوله (ع) ففلق الطين فلقتين معناه انهم قبل التكليف الاول باعتبار امكان الطاعة والمعصية بالنسبة الى الفريقين شيء واحد وانما افترقا بالطاعة والمعصية فمن اطاع خلق بصورة المطيع ومن عصى خلق بصورة العاصي فهذا معنى فلق فلقتين وهو معنى ذرأ من السموات ذروا ومن الارض ذروا وهو معنى فقال للذي بيمينه منك الرسل الخ لان كل هذه المعاني هي حكم الست بربكم وقوله (ع) فوجب لهم ما قال كما قال معناه انه خلق ما خلق على ما هو عليه وهو العليم الخبير لا يبخس مستحقا ولا يظلم احدا

قال : ثم ان الطينتين خلطتا جميعا وذلك قول الله عز وجل فالق الحب والنوى فالحب طينة المؤمنين التي القى الله عليها محبته والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير
اقول قد تقدم بيان خلط الطينتين بعد ان كسرت طينة المؤمن في النور الاحمر وطينة الكافر في الطمطام فلا فائدة في اعادتها ولقد اوضحت لك في الطينة ما يرتفع به الجبر اذ ليس في الوجود جبر بل الله سبحانه مختار وفعله مختار ومفعوله مختار فليس جبر ابدا فافهم

ومنها : حديث خمرت طينة آدم بيدي اربعين صباحا
اقول الاشكال المسئول عنه في لفظ خمرت وفي بيدي وفي اربعين صباحا لا تزيد ولا تنقص فالجواب عن الاول ان التخمير المراد به تنعيم اجزاء المخمر وتكليسه بالحرارة والرطوبة المصلحين وهما في كل شيء بحسبه وقد مر ذكر ذلك في الجملة وهو تخمير طينة آدم في عالم الجبروت في العقول وفي الارواح وفي النفوس وحلها في الطبيعة والمادة وعقدها في المثال وحلها في الاجسام العلوية وفي الملائكة وفي الريح وفي السحاب والارض وطينة ذريته في كل المراتب المتقدمة وفي اغذية النبات وفي الثمار وفي الطبخ بالماء والنار وعند الأكل بالتنعيم بالاضراس وفي المعدة حتى كان كيلوسا ثم كان كيموسا ثم غذاءا مشاكلا مشابها ثم يكون نطفة في الاصلاب ثم في البيضة اليسرى حتى يبيض ثم في اليمنى حتى يصفو ثم في الرحم برطوبة الحيض وحرارة الحمى وهكذا حتى يخرج الى فضاء الدنيا وعن الثاني انه قد تقدم ذكر اليدين والمراد بهما يدا الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وهما يد الفضل ويد العدل والكلمة هي الربوبية اذ مربوب ومعنى انه سبحانه رب زيد انه مالكه يعني ان جميع ذرات وجوده التكويني والتشريعي كلها بيده سبحانه حين هي واصلة اليك كما هي قبل ان تظهر عليك فهي ابدا قائمة به قيام صدور لا قيام عروض وهو قول الرضا (ع) هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه ومعنى انه ربه اي مربيه وهو المقدر في التأليف ومقوي الضعيف بحسن التقدير ولطيف التدبير ومعنى انه ربه انه سايق رزقه الوجودي والتشريعي ومعنى انه ربه اي صاحبه فهو معه في كل حال بمعني انه شيء بمشيته وهو معنى القيومية في كل شيء واما الكلام في الربوبية اذ لا مربوب من حيث مبلغ الحادث فهو طويل عريض يفني الايام واما من حيث الذات فقد سدت دونه الابواب وليس للسائل عنه جواب ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب وعن الثالث اعلم ان الله سبحانه خلق الحرارة من حركة الفعل الكونية وخلق البرودة من سكون المكون فنكحت الحرارة البرودة فاولدت الرطوبة ونكحت البرودة الحرارة فاولدت اليبوسة فكانت الطبائع الاربع فادار بعضها على بعض فتولدت العناصر وهو الدور الاول فادار العناصر بعضها على بعض فتولدت المعادن وهو الدور الثاني وادار الجميع بعضه على بعض فتولدت النباتات وهو الدور الثالث وادار الجميع بعضه على بعض فتولدت الحيوانات فهذه هي الادوار الاربعة الرابع منها هو تمامها وقد قلنا سابقا ان الانسان خلق من عشر قبضات وقد مر ذكر ذلك وكل قبضة انما وجدت على هذا الترتيب بان كورت اربع كورات ورابع كل قبضة هو تمامها فالعشر بغير التمام ثلاثين وبالتمام اربعين وهو قوله تعالى وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة فكان الفاعل واحدا والفعل واحدا والمفعول واحدا فمعنى انه خمر طينة آدم اربعين صباحا مثلا القبضة التي من محدد الجهات خمر في اول يوم العناصر عناصرها وفي اول ثاني يوم معدنها وفي اول ثالث يوم نباتها وفي اول رابع يوم حيوانها فالعشر القبضات كل قبضة ادارها اربعة ادوار فهذه اربعين وهي مراتب الوجود وقوله صباحا يشير به الى اول اليوم ثم اعلم ان هذا التدوير ان كان في الغيب فهو في اصطلاحنا كور وان كان في الشهادة فهو دور والحمد لله وحده

تمت بقلم المجيب احمد بن زين ‌الدين الاحسائي يوم الثلاثين من جميدي الاولي سنة ١٢٢٣ حامدا مصليا مستغفرا

المصادر
المحتوى