
حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد ورد عليّ من بعض السادة الاجلاء العارفين الطالبين للحق واليقين مسئلتان مضمون احديهما ان الله كان ولم يكن معه شيء فلما خلق الخلق كان في مكان غير مكان المخلوق لانه لو كان معه لكان في الازل الا الله سبحانه ويلزم من هذا التحديد لانه اوجد الخلق خارج ذاته والا لزم التخويف ( التجويف ظ ) فاين الخلق قال وقولي في مكان المخلوق اردت العبارة والا فمعلوم ان لا مكان له تعالى والمطلب لا تحيط به العبارة بتمامه والمراد محض التعبير (ظ) فلا يناقش في العبارة وثانيهما ان قلنا بوحدة الوجود فاي طريق صحيح وما مثلوا به العرفاء والصوفية في كل منها نقص من وجه وله مثل فاين المثل الاعلى الذي لا نقص فيه مثل البراه (كذا) ومثل العدد ومثل البحر ومثل الشمس ومثل المصدر ومثل الوجه والخيال ومثل المداد ومثل الحروف ومثل الثلج وغيره ايها اصح بحيث لا يوجد النقص فكتبت له على استعجال :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي اعلم ان الوجود الواجب سبحانه وحده لا شريك له فهو متفرد بالازل والازل ليس بمحدود لان الشيء انما يتحدد في نفسه عما هو معه في وجوده فلا يتعدد شيء من العقول بوجود شيء من الاجسام لان وقت العقول ومكانها الدهر والاجسام وقتها الزمان نعم يتحد بعض العقول ببعضها لانها في وقت واحد وهو الدهر فالواجب وقته الازل وهو الازل وليس شيء غيره واما الخلق فهو في الامكان وليس شيء من المخلوق في الوجوب ولا في السرمد وفي السرمد المشية وليس شيء منها في الوجوب ولا في الجبروت ولا في الملكوت ولا الملك فالله خلق الخلق في الجبروت والامكان فالوجوب ليس بمتناه فيكون طرفاه او احدهما متصل بالامكان بل هو بلا نهاية ولا غاية والامكان ليس محدودا متناه وانما هو محدود بغير متناه وهو الوجوب بمعنى احتياج اكوانه واعيانه وجميع مراتبه الى المحدث والدهر ليس محدودا بالزمان والزمان ليس محدودا بالدهر لما قلنا من ان الشيء انما يحد بما يقع معه في طرفه فلم يلتق طرف احدهما بالآخر وليس بين احد منهما وبين الآخر وصل ولا فصل ليقع التحديد فافهم واما وحدة الوجود فلها معنيان احدهما ايمان لا غير والآخر كفر لا غير اما الاول فالمراد بوحدة الوجود التي هي الايمان ان تعتقد ان الواجب واحد ولا شيء معه غيره والحادث ليس له وجود بالذات وانما وجوده من وجود الواجب بمعنى اختراع وجود له قائم بوجوده تعالى ابدا قيام صدور لا قيام عروض فاذا قلنا الحادث وجوده وهم نريد به ان وجوده من الحق تعالى قائم به قيام صدور لا قيام عروض ولا نريد به انه لا وجود له اصلا بل له وجود متحقق في رتبة الحدوث بحسبه والمثل الصحيح له الشمس وضوءها والسراج وضوءه والصورة في المرءاة والشاخص فان الضوء والصورة قائمان بالشمس والشاخص قيام صدور لا قيام عروض فهما موجودان حقيقة في رتبتهما لا في رتبة الشمس والشاخص
واما الثاني فالمراد بوحدة الوجود التي هي الكفر احد معنيين احدهما ان يقال ان الحوادث لها وجودات حادثة مستغنية بعد الاحداث عن المحدث في بقائها فهي ليست قائمة به الا حال الاحداث لا غير ومعنى الوحدة هنا اثبات وجودين مستقلين مختلفين اذ معنى ذلك اتحاد الاستقلال الذي هو نفس المستقل فهما شيء واحد وثانيهما ان يقال انها قائمة به قيام عروض فهي ليست موجودة بنفسها ولا مستقلة ولكنها عارضة فيه والمثل فيه ما قالوا كالبحر وموجه وكالحروف من النفس وكالاعداد من الواحد على تسامح هنا وكالمصدر من الفعل وكالثلج في الماء وكالصورة في الخيال وكالمعنى في العقل وكنار القدح من الزناد على تسامح هنا ايضا وكالحروف النقشية من المداد او النقطة فهي في هذه الامثلة قائمة به قيام عروض ويلزم منه حدوث العارض والمعروض فالقول بهذين القولين قول بوحدة الوجود التي هي الكفر واما الاول فهو ايمان محض بل لا تتحقق المعرفة الكاملة الا به لانا نقول انه سبحانه واحد ليس في الوجوب غيره ولا وجود بالذات لسواه فخلق ما خلق في الامكان والاحداث اختراعا اي احدث وجودات مخترعة من فعله بفعله كالمصدر من الفعل في الاشتقاق الذي هو الحركات والسكنات لا في الاشتقاق الذي هو التقديم والتأخير والمادة كالنار عند القدح من الحجر وكالاعداد من الواحد لا كباقي الامثلة فتلك الوجودات قائمة بالله قيام صدوره (كذا) اي قائمة بفعله قيام صدور لا قيام عروض الا انها متحققة الوجود في مرتبة الحدوث على ما هو عليه بمعنى ان حقيقة انه انما (كذا) قام بغيره قيام صدور فحقيقة تحققه في مرتبة الحدوث قيامه بفعل الله قيام صدور ومعنى ذلك لان تحققه كك انه نهر يجري على هيئة الاستدارة بفعل الله سبحانه فاوله في آخره وينبوعه من الفعل كوجود الكلام من فعل المتكلم من الهواء في الهواء بمعنى ان المتكلم يأخذ الهواء الى جوفه فيقطعه حروفا لا تقوم الا في الهواء فهو نهر مستدير اوله في آخره وهو هواء مقدر من الهواء في الهواء فهواء الوجود الحادث الامكان فافهم ما اشرنا اليك واقبل ما نسخناك (كذا) وخذ ما آتيناك بقوة وكن من الشاكرين