جواب في الرؤيا (تمثيل الشيطان نفسه بصورة الانبياء والاولياء)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - جواب في الرؤيا (تمثيل الشيطان نفسه بصورة الانبياء والاولياء)

رسالة في جواب بعض العارفين في الرؤيا

تمثيل الشيطان نفسه بصورة الانبياء والاولياء

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌ الدين الاحسائي انه قد سألني بعض السادة الاجلاء العارفين الطالبين للحق واليقين عن مسئلة جليلة لم ‌يتنبه لها احد ولم‌ تذكر في سؤال ولا جواب فيما وقفت عليه او سمعت به وحيث وجبت علي اجابته لانه من اهل الحكمة ولا يجوز ان يمنع منها فيكون مظلوما جعلت سؤاله متنا والجواب شرحا كما هي عادتي في سائر الاجوبة قصدا لكمال البيان فاقول وبالله المستعان :

قال سلمه الله تعالى : في الحديث ان الشيطان لم‌ يمكن له في الرؤيا ان يمثل نفسه بصورة الانبياء والاولياء عليهم السلام والصلوة ما لمه وسببه مع ان الاولياء يجيئون في اي صورة شاءوا وعلى انه يمكن لشياطين الجن والانس في اليقظة ان يدعوا النبوة والولاية كما وقع غير مرة ولم لا يمكن ان يدعوا ذلك في الرؤيا ورؤيا جناب فاطمة الزهراء صلوات الله عليها مشهورة وهي بظاهرها منافية لهذه الرواية فكيف التوفيق والجمع والالتماس من جنابكم ان تشرحوه حق شرحها وما اجركم الا على رب العالمين
اقول ان الروايات الدالة على هذا المعنى متواترة معنى من الفريقين ولا ينبغي التوقف في هذا المعنى وهو ان الشيطان لا يتصور بصورة النبي (ص) ولا بصورة احد من اوصيائه عليه وعليهم السلام ولا بصورة احد من شيعتهم كالانبياء والرسل والاوصياء والشهداء والصالحين من المؤمنين من الاولين والاخرين ولكن لهذا المعنى شرط وهو الذي خفى على الاكثر والاصل في الرؤيا ان النفس تلتفت بوجهها وهو الخيال الى جهة المرئي فتنطبع فيه صورته والصورة هيئتها على نسبة هيئة المرءاة وكمها وكيفها من الطول والعرض والاستقامة والاعوجاج ومن الكبر والصغر ومن لونها من بياض وسواد وغير ذلك والاخبار لها او عنها انما هو باعتبار ما هي عليه في حقيقة ما هي منطبعة فيه لان المواد لا تناط بها الاحكام الا باعتبار صورها لانها هي منشأ الحقيقة الثانية التي يناط بها الحكم والحقيقة المحكوم عليها من المرئي انما هي ما عند الرائي لانه هو صاحب الصورة التي تكون بها الحقيقة المحكوم عليها فالمحكوم عليه بالاخبار عنه او له ليس خارجا عن الرائي فعلى هذا يظهر لك وجه الشرط المذكور وهو ان تعتقد في المرئي كما هو عليه فلو اعتقد في زيد المؤمن الصالح انه خبيث تصور الشيطان له بصورته لانه لم ‌يقابل خياله الا جهة ما توهمه وهو احد مظاهر الشيطان ولم ‌يقابل خياله جهة الخير الذي هو حقيقة زيد المؤمن فانه من مظاهر الوجود الذي هو احد مظاهر الله ولو تصور الشيطان في احد مظاهر الله احترق فقد نقل ان ابليس اللعين لما تجلى لموسى ربه بقدر خرق الابرة من نور الستر هرب ابليس الى اسفل السافلين والا لاحترق فاذا ذكر الانسان زيدا من حيث انه صالح اي مطيع لله وعبد ظهرت عليه آثار ربوبية الله في عبوديته من الطاعة واعمال الخير فقد ذكر الله وهل يكون للشيطان مدخل في ذكر الله فاذا جرى ذكر النبي (ص) على قلب المؤمن او الامام (ع) او احد من الشيعة من حيث هم شيعة ومطيعون للٰه فقد ذكر الله والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين يعني ان الغاوين الذين اتبعوا الشيطان له عليهم سلطان وذلك لو ان رجلا ظن في النبي (ص) او احد الائمة (ع) او شيعتهم او تصور ذلك سوءا تصور له الشيطان في صورتهم له لان معنى قولهم (ع) في صورتهم في الصورة التي عنده التي تصورها من صورتهم التي تخيلها من وهمه وما يظن فهي في الحقيقة صورة ظنه لما قلنا ان الصورة حالها على هيئة المرءاة وكمها وكيفها ونسبت الصورة اليهم لنسبة المتصور لها اليهم فافهم

واما انهم (ع) يجيئون في اي صورة شاؤا فهو حق لان جميع الصور لهم فيلبسون منها ما شاؤا لكنهم لا يلبسون صور الشياطين والكلاب والخنازير لان هذه ليست لهم ولا من سنخهم وان كانت بهم وانما يلبسون احسن الصور واطيبها والشيطان لا يلبس احسن الصور لانها ليست له ولا من سنخه فاذا ظهر الشيطان في صورة حسنة فهو كظهور بعض الكفار في الصورة الحسنة وليست في اصل خلقتهم فان الصور الحسنة من الوجود وتنزع منهم فلا يدخلون النار بها وانما يدخلون بصورهم الحقيقية كلابا وخنازير فكما ان المؤمن لا تعجبه صورة الكافرة الجميلة لانه يراها قبيحة في نظره كذلك لو ظهر له ابليس في صورة حسنة رءاه قبيحا لانه ينظر بنور الله فلا يظهر له في الرؤيا بصورة اهل الحق لانه لا يراه الا بصورة اهل الباطل كما قررنا فاذا ادعى شيطان في اليقظة انه نبي او امام لا يظهر بصورة من ادعى رتبته فيعرفه المؤمن البتة فيظهر له القبح في الاعمال والصفات ولا يمكنه ان يظهر الحسن حينئذ في الاعمال والصفات لانه ان اظهر ذلك بحيث تخفى على المؤمن وجب على الله في الحكمة ان يكشف ستره والا لكان مغريا بالباطل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا نعم ذلك يخفى على اوليائه لانهم لا يعرفون الفرق بين الحق والباطل ولا يعرفون صفة النبي والامام فيكتفون بمجرد الدعوى انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون على ان الله سبحانه يبين لاوليائه بطلان دعواه لتقوم عليهم الحجة البالغة على ان الدعوى في اليقظة يرجع التعلق فيها الى نفس المدعي لا الى صورة الرائي كما في الرؤيا ولهذا تراه في امر الطيف بالعكس يقول رأيت في المنام رسول الله (ص) وفي امر اليقظة يقول رأيت رجلا يدعي انه رسول الله (ص) ولابد ان ينكشف ستره كما ذكرنا وذلك كما نقل في تفسير قوله تعالى ولقد فتنا سليمن والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب ان صخرا الجني تصور في صورة سليمان (ع) فاتى جاريته فاخذ الخاتم منها وكان سليمن (ع) اذا اراد الجماع نزع الخاتم واعطاه الجارية حتى يغتسل فلما اخذ الخاتم قعد على كرسي سليمن (ع) فانقادت له الجن والانس واتى سليمن (ع) وقال انا نبي الله سليمن فضربوه وطردوه وقالوا نبي الله على تخت الملك وبقي يدور في مملكته لا يجد من يطعمه قرصا وذلك الخبيث قاعد وكان يأتي نساء سليمن (ع) في الحيض فقلن يا سبحان الله ما كانت عادة نبي الله يفعل هكذا وكان يضرب ام سليمن وهي تقول كان ابني ابر الخلق بي فكيف يضربني وهكذا من الامور التي كشف الله بها ستره لئلا تكون للناس على الله حجة وبقي اربعين يوما ثم لما كاد يخفى امره امر الله ملكا فزجره فهرب ورمى الخاتم في البحر فالتقمه حوت صغير وكان سليمن (ع) يدور على ساحل البحر فرأى صيادا فسأله شيئا فاعطاه سمكة فأخذها سليمن (ع) فشقها فاذا الخاتم فيها الخبر فاعتبر بمن تشبه في اليقظة بالانبياء (ع) كيف فضحه الله بافعاله ثم لم‌يمهله وقد تقدم الفرق بين الرؤيا واليقظة في اصل اسناد الاخبار عنه او له

واما امر رؤيا فاطمة (ع) ومختصر معناه انها رأت ان اباها (ص) وبعلها وابنيها عليهم السلام خرجوا الى حديقة بعض الانصار فذبح لهم عناقا وطبخ واجتمعوا عليه فاخذ رسول الله (ص) منه لقمة فوقع ميتا واخذ علي لقمة فوقع ميتا واخذ الحسن لقمة فوقع ميتا واخذ الحسين لقمة فوقع ميتا فانتبهت محزونة كاتمة امرها فاتى رسول الله (ص) وخرج بهم اجمعين الى الحديقة المعلومة فذبح لهم عناق وطبخ ووضع بين ايديهم وفاطمة (ع) معهم فلما اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله منه لقمة بكت فاطمة (ع) فقال لها ما يبكيك فاخبرته برؤياها فاغتم لذلك فنزل جبريل (ع) واتى بذلك الشيطان وقال يا محمد هذا موكل بالرؤيا واسمه الرها فان شئت ان تذبحه فافعل فاعطي النبي (ص) العهد والميثاق انه لا يتصور في صورته ولا في صورة احد من خلفائه المعصومين (ع) ولا في صورة احد من شيعتهم فاعلم ان الله سبحانه لما كان فعله للاشياء انما هو على ما هي عليه اقتضت الحكمة ان يكون ذلك على الاختيار ومقتضى الاختيار والقدر ان يجري الصنع على الاسباب فاقتضت الحكمة ان يجري حكم ان الشيطان لا يتصور في صورهم الذي هو شأن الامضاء وشرح العلل والبيان في قوله تعالى ليبين لكم على تقدم هذه الرؤيا لتكون سببا لامضاء ان الشيطان لا يتصور بصورهم كما في نظائره مثل صمت الحسين (ع) ولم ‌يتكلم حتى خيف عليه الخرس فلما كبر جده (ص) في الصلوة كبر فكبر رسول الله (ص) فكبر الحسين (ع) حتى فعل سبعا ليكون ذلك علة وشرحا لاستحباب التكبيرات الست في الافتتاح للصلوة فاذا عرفت الاشارة ظهر لك ان هذه الرواية لا تنافي الروايات لانها وجدت للبيان والشرح الذي هو سر الامضاء للاشياء فجرى الوجود على النظام التام والامر المتقن اذ ليس ما جرى على فاطمة (ع) من اغواء الشيطان وانما اجرى الله تلك النجوى بامر الملك الذي هو موكل على الرها ولهذا روي ان الرها ملك لانه فعل ذلك لفاطمة (ع) بامر الملك فهو امر بطاعة وجرى ذلك عليها عليها السلام طاعة كما روي الفقهاء ان المرأة الاجنبية اذا كان عندها ميت اجنبي ولم ‌يكن مماثل الا ذمي انها اذا امرته بالاغتسال ثم يغسل الميت فانه يطهر لامتثال الذمي امر المسلمة في الاغتسال والتغسيل فذلك في الحقيقة فعل المسلمة فكذلك فعل الرها بامر الملك فهو في الحقيقة فعل الملك الذي هو باب لوجود هذه المسئلة من الباب الاعظم للوجود فافهم

بقي سؤال وهو ان الشيطان اذا لم ‌يتصور بصورهم وذلك للعلة السابقة اذ الوجود لا يكون الا على اكمل نظام وانما تصور بامر الملك فذلك الشيطان بحكم الالة كما مر في تغسيل الذمي للميت المسلم بامر المسلمة لزم ان تكون رؤيا فاطمة عليها السلام صادقة مطابقة للواقع ويلزم من ذلك ان يموتوا اذا اكلوا مع انهم لم‌ يموتوا
والجواب ان رؤياها صادقة لما قلنا من التعليل ولانها قد طابقت الواقع فانهم اتوا المكان واجتمعوا وصار كلما رأت الا انهم لم‌ يموتوا وانما لم‌ يموتوا ظاهرا لنقض الرؤيا ظاهرا لانها بصورة صاحب التصور الباطل وانما نقضت ليكون ذلك باخذ العهد عليه صالحا لتأسيس سبب هذه القاعدة ولما كانت الرؤيا صادقة للعلة المذكورة وجب ان يكون الموت باطنا لانه هو الذي رأته عليها السلام في عالم الخيال ولما كان ذلك جاريا على اهل العصمة عليهم السلام وكان الموت الباطن يطلق على موت هلاك الدين وعلى موت الانقطاع الى الله والفناء في بقائه تعين ان يكون ذلك الثاني لامتناع الاول عليهم بالدليل القطعي فتكون الرؤيا صادقة مطابقة للواقع فقد اشرت لك الى جميع ما تحتاج اليه من شقوق اجوبة المسئلة فيما يحضرني من الاعتراضات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

المصادر
المحتوى