حمدا لمن ظهر أمره وبرز سرّه وجعل الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد والصلوة على سر التحميد وحقيقة التفريد والسلام على آله وأوصيائه مقامات الله وعلاماته التي لا تعطيل لهم في كل مكان وهم من الخلق غير بعيد وعلى من اتّبعهم ونهج منهجهم فحجم بهم الإيمان بنور التسديد
أمّا بعد قد وصل إلينا من بعض الذين ينكرون الحق خطوطات مملوة بالمتشابهات ومشحونة بالكدرات هَيْهَاتَ ثُمَّ هَيْهَاتَ لِمَا تُوْعَدُونَ من ظهور كنوز الغيبية والاسرار الربانية وهم من عظمة حكم الله غافلون وعن نعمته معرضون فقد ظهر امر عظيم واشرق حكم جسيم ... وهم لا ينظرون الى الحقيقة ليعرفون الدقيقة لسر الخليقة بل متشبّثون بقواعدهم الباطلة التي لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ كفئة الذين من قبلهم ولا يعلمون قد فتنوا بمثل من سبقهم فبعد ظهور هذا النور من افق البهاء لسر الاشياء واجب على الكل الاعراض عمّا سوى وجه ربه الأعلى فكل ما يعرفون فيشكرون ويحمدون وكل ما لا يعرفون فيطلبون فهمه من الذي عنده مفاتيح الغيب وعليه قصد السبيل وان عليه للهدى فقد جرى سنّة الله لهذا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا ولا تحويلا اسمعوا
يا قوم ندائي واعرفوا حكم ربكم العظيم فبعزّته إنّ الامر عظيم وانتم عنه غافلون واستعدّوا للجواب حين الذي ينادي المناد الله أذن لكم أم على الله تفترون واعلموا أنّ نصب الميزان قد كان بيد العليّ السبحان فقد وجب معرفة من عنده الميزان في كل عصر وزمان بتعليم الله عزّ وجلّ ﴿اتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللهُ﴾ واعلموا أنّ الدهر يدور والسماء يمور والجبال يسير وفي هذا التدوير آيات مخزونة بتدبير العليّ الخبير ﴿سَنُرِيْهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ [لَهُمْ] أَنَّهُ الحَقُّ﴾ ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ﴾ إنّما يخشى من عباده العلماء وهذا العلم هو العلم الغيبي والرمز الإلهي الذي قد كان في حقائق العالمين مستورا ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ فالعالم من اعرض عن سواه واقبل بكله الى مولاه ليظهر منه تلك النور ويجذبه الى دار السرور جنّات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب قد كان وعده مَأْتِيًّا بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنًا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ ﴿الم ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيْهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾
يا قوم اعلموا أنّ الميزان الذي قد نصبه العليّ المنّان في هذا اليوم العظمى والمشهد الكبرى هي شواهد الفطرة فقد اظهر آية من افق الغيب وفتح باب التمحيص والافتتان الامان الامان اسرعوا الى حكم ربكم واعرفوا الميزان ثم اعلموا أنّ كل ما عندكم من العلوم الظاهرية فعندكم وأمّا ربكم قد هيّأ لكم مقاما عظيما وقد اراد ان يصعدكم الى مقام الذي لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فطوفوا حول ارادته ولوزوا بكرامته فقد اصطفاكم واعطاكم ما لم يؤت احدا من قبلكم فاعرفوا قدركم ولا تنسوا حظّكم فإنّ الفوز عظيم واعلموا ان الله قد كان غنيّا عما عندكم وما يريد منكم ان يرزقوه وما يريد ان يطعموه إنّه هو الرزّاق ذو القوّة المتين الله اكبر ان الله عز وجل أي مقام يريد في نزول الآيات من باطن قران العظيم والخلق في أي واد يهيمون الله اكبر فقد نصب موازينهم المجتثّة عند ميزان الله المهيمن على ما سواه وكلهم يصيحون بلسان انكارهم أئت بآية موافقا لما عندنا أو بدله ولم يعلموا ان سلطنة الله لا يختلف ونوره لا يحتجب ولن تجدوا لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا ولا تحويلا اسمعوا ندائي
يا معشر المسلمين إنّ الله عز وجل قد فتنكم بمثل الذين خلوا من قبلكم فقد اظهر حرفا من تفسير باطن القران وانتم به ممتحنون فلا ينفعكم ما تمسّكتم به من تنظيم العبارات وتركيب الاشارات وتصريف الصيغة واثبات النتيجة فقد أتوا بقصائد حين ظهور النور المحمدية عليه صلوات الله وسلامه وقد فرحوا بقصائدهم وتمسّكوا بما عندهم وقنعوا عليها واعرضوا عن فيض ربهم فجائهم ما به يوعدون
يا قوم اعلموا ان القرآن إنّما نزل بعلم الله ولا يعرف حدّ تفسيره وَتَأْوِيْلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ بتعليم الله لا تنفد عجائبه ولا تبدى غرائبه ولا يزال ينزل من سحائب نكاته اسرار عجيبة وما لها من نفاذ والقرآن حجاب الله وصنعته القرآن خطاب الله وحكمته القرآن سر الله ورمزه القرآن نور الذي أنزل بعلمه وفي حرف من تفسيره لَوْ كَانَ بحر الامكان مِدَادًا لَنَفِدَ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ أشهد ان اسراره يتلألأ في استار الغيبيه ولا يعلمه احد فقد اظهر رسول الله - صلّى الله عليه وآله - احكامه لاهل البيان واعلن برهانه لاهل العيان وقد ورد النص من جنابه - صلّى الله عليه وآله - (أنّ له عجائب مخفية وغرائب مطوية وما يعقلها إلّا العالمون) فإنّ في هذا لآوان قد طلع نور البيان من افق التبيان ويدعوكم الى ما به نجاتكم ويعلمكم من تفسير باطن القرآن ما لم تكونوا تعلمون بئس ما اكتسبت ايديكم في سبيل حكم إمامكم وانتم من تجلّيات البديعة غافلون