أَيَا نَفَحَاتِ اللّهِ هِبِّيْ مُعَطِّرَةً وَأَيَا نَسْمَةَ اللّهِ مُرِّيْ مُطَيِّبَةً وَاقْصِدِيْ وَادِيَ الرَّحْمَانِ نَادِيَ العِرْفَانِ بَادِيَةَ خُرَاسَانَ، وَاعْبِقِي أمام وجوه أحبّاء اللّه وأمنائه وطيّبي مشام أولياء اللّه وأصفيائه الّذين أضاءت وجوههم واكفهرّت نجومهم ورسخت أقدامهم ونشرت أعلامهم وثبتت قلوبهم ونبتت أصولهم وفروعهم وانتعشت نفوسهم وانشرحت صدورهم في يوم اللّقاء ووفوا بعهد اللّه وميثاقه في ذرّ البقاء، ثمّ بلّغي نزلاء تلك المعاهد والرُّبى تحيّة ربّكِ الأعلى وبشّريهم بأيّام اللّه، لعمر ربّي هذه موهبة ابتغاها مطالع النّور ومواقع النّجوم ومهابط وحي ربّك العزيز القيّوم في القرون الأولى، وفاضت جفونهم وذرفت عيونهم وعلت زفراتهم وسالت عبراتهم شوقا وتوقا إليها، فهنيئا ومريئا لكم من هذه المائدة النّازلة من سماء فضل ربّكم الرّحمن الرّحيم، ويا ريح الصّبا وشميم عرار الوفاء امتثلي بساحة أحبّة اهتزّت رياض قلوبهم بفيض سحائب محبّة اللّه، وأشرقت وجوههم بنور معرفة اللّه وبلّغي شوقي إليهم وتشوّقي لهم وولعي بهم وصرّحي وبثّي بولهي وشغفي وهيامي بذكرهم، وقولي عليكم بهاء اللّه وسلامه وتحيّته وثنائه، وفي وجوهكم نوره وضيائه وفي قلوبكم روحه ووفائه وفي صدوركم حبّه وشفائه، أيا أولياء الرّحمن رطّبوا ألسنتكم بشكره وثنائه بما أيّدكم بأمر يهتف بذكره الملأ الأعلى ونادى به مبشّر الفلاح في الزّبر والألواح طوبى لكم من هذه الموهبة العظمى بشرى لكم من هذه المنحة الكبرى الّتي هي فيض اللّه الطّافح ونور اللّه اللّائح، جعلكم اللّه مشاعل ذكره ومواقع أسراره ومشارق أنواره ومطالع آثاره، عميت أعين لم تشاهد أنوار بهائه وما قرّت بمشاهدة آياته الكبرى يوم ظهوره وسنائه، وصمّت آذان لم تسمع نداءه ولم تتمتّع بلذيذ خطابه، وخرست ألسن لم تنطلق بذكره وثنائه، وخسرت أفئدة لم يكن لها نصيب من حبّه وولائه، وخابت نفس لم تسلك في سبيل رضائه ولم ترتو من سلسبيل عرفانه، ويا حمامة الوفاء خاطبي الضّعفاء أنّه إذا وجدتم الضّرّاء اشتدّت والبأساء امتدّت والأرض ارتجفت والجبال ارتعدت وزوابع الشّدائد أحاطت وبحور البلايا ماجت وأرياح الرّزايا هاجت وطوفان الامتحان أحاط الإمكان عليكم بالصّبر الجميل في سبيل ربّكم الجليل، وإيّاكم يا عباد الرّحمن أن يعلو منكم الضّجيج إذا اشتدّ أجيج نيران الافتتان وارتفع زفيرها وإيّاكم الصّريخ والعويل في سبيل ربّكم الجليل عند ما يتلاطم بحر البلاء ويتفاقم أمره من ظلم أهل الطّغيان، ولا تحسبوهم بمفازة من العذاب ولا تخشوا بأسهم وجمعهم وقد مضت قبلهم المثلات وقصّ عليهم الكتاب: ﴿جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ﴾ ولقد كانوا القرون الأولى أشدّ قوّة من هؤلاء وأعظم أثاثا وأقوى جندا، ولو أنّكم يا أغنام اللّه بين براثن الضّواري من السّباع ومخالب جوارح البقاع لا تيأسوا من روح اللّه سينكشف القناع بإذن اللّه عن وجه الأمر ويسطع هذا الشّعاع في آفاق البلاد وتعلو معالم التّوحيد وتخفق أعلام آيات ربّكم المجيد على الصّرح المشيد ويتزلزل بنيان الشّبهات وينشقّ حجاب الظّلمات وينفلق صبح البيّنات ويشرق بأنوار الآيات ملكوت الأرض والسّموات، وترون أعلام الأحزاب منكوسة وراياتهم معكوسة والوجوه ممسوحة ممسوخة والأعين شاخصة غائرة والقلوب خافقة خاسرة والبيوت خالية خاوية والجسوم واهية بالية والأرواح هاوية في الهاوية، لعمر اللّه إنّ في قوم نوح وهود وقوم لوط وثمود وأصحاب الحجر واليهود وتبابعة سَبَا وجبابرة البطحاء وقياصرة الفيحاء وأكاسرة الزّوراء والمؤتفكاة في القرون الأولى لعبرة لأولي النُّهَى وذوي البصيرة الكاشفة لخواتم الأمور بفواتح الآثار قد انتثرت كواكبهم وانعدمت مواكبهم واغبرّت وجوههم وانطمست نجومهم واستأصل أَرُوْمُهُم واقتلع جُرْثُوْمُهُم وانثلّت عروشهم وانهزمت جيوشهم وتزلزلت أركانهم وانهدم بنيانهم وأقفرت قصورهم وانكسرت ظهورهم وخسفت قبورهم وشاهت وجوههم واقشعرّت جلودهم واندرست دثارهم وانمحت آثارهم، فانظر إلى مدائنهم وقراهم بالبادية لمّا أتى بأس ربّك جعلها خامدة هامدة مؤتفكة بائدة لا تسمع لها صوتا ولا همسا، وأمّا الّذين اتّخذوا جوار رحمة ربّك الأبهى ملجأ وملاذا ومأوى ومعاذا هم طيور اتّخذوا أفنان سدرة المنتهى مطارا وأوكارا فمكّنهم اللّه في الأرض وجعلهم أئمّة أخيارا وأشهر لهم آثارا وأضاء لهم منارا وأتى بهم من أفق التّوحيد يلوح وجوههم أنوارا. (عبدالبهاء عبّاس)