تذكرة الوفاء - حضرة اسم الله الأصدق

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

حضرة اسم الله الأصدق – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

﴿ هو الله ﴾

من جملة أيادي أمر الله الذين صعدوا إلى الرفيق الأعلى عليهم نفحات الرحمن كان جناب اسم الله الأصدق وجناب النبيل الأكبر (آقا محمد القائني) وجناب الملا علي أكبر وجناب الشيخ محمد رضا اليزدي وحضرة الشهيد (الميرزا ورقاء) وغيرهم. وحقًّا إن حضرة اسم الله الأصدق قد خدم الأمر من فجر حياته إلى النَفَسْ الأخير خدمة حقّة. تتلمذ في أيام شبابه على يد المرحوم السيد كاظم الرشتي وعاش في معيّته وكان مشهورًا بكمال التقديس في إيران وكان معروفًا بين القوم بالملاّ صادق المقدّس. كان إنسانًا مباركًا، وعالمًا فاضلاً، يحترمه الجميع وكان أهالي خراسان متعلّقين به تعلّقًا كليًّا لأنّه كان في الحقيقة فاضلاً نحريرًا ومن مشاهير العلماء الذين لا نظير لهم. كان في التبليغ ذا لسان فصيح قويّ الحجّة بدرجة تستوجب الإعجاب، وكان يُقنع مناظريه دون تعقيد أو لَبس.

وبعد أن حضر إلى بغداد وفاز بشرف الحضور واللقاء، كان جالسًا ذات يوم في محلّ الاستقبال على حافة البستان وتصادف أنّني كنت في غرفة مطلّة عليه وإذا بالشاه زاده (حفيد فتح علي شاه) قد حضر وأومأ إلى جناب اسم الله الأصدق وقال: "أراك هنا!" فأجابه اسم الله الأصدق قائلاً: "أنا عبد هذا الرحاب وبستاني هذا البستان". وشرع في تبليغ الشاه زاده وكنت أتسمّع لحديثه من الغرفة المذكورة. وإذا بالشاه زاده قد احتدّ واعترض ولم يلبث جناب اسم الله الأصدق أكثر من ربع ساعة حتى أسكته بعد أن كانت دلائل الإنكار وآثار الحدّة بادية على وجهه بكل وضوح وما أن هدأت تلك الحدّة حتى قال لجناب اسم الله الأصدق: "إنني لمسرور جدًا بلقائك ولقد أصغيت لحديثك بأُذُنٍ واعية".

وبالإجمال، إن اسم الله الأصدق كان دائمًا أثناء التبليغ هشًّا بشًّا، وإذا رأى من مناظره غضاضة وحدّة قابلها باللّين واللّطف بثَغر باسم. أما طريقته في التبليغ فلا نظير لها إذ كان في الحقيقة اسمًا على مسمى يعني اسم الله حقًا.

أما في حفظ الأحاديث فكان خزانة جامعة وعلى الأخص في مطالب المرحوميْن الشيخ الإحسائي والسيد الرشتي. وقد آمن بالأمر من بدايته في شيراز واشتهر بذلك هناك. ولما كان يبلّغ الناس جهرة وبدون مبالاة، ألقت الحكومة عليه القبض وخزموه من أنفه وحاموا به في الطرقات. أما هو فلم ينزعج بل كان دائمًا مسرورًا ضاحك الوجه بشوشًا ولا يسكت عن محادثة رفاقه.

وبعد أن أطلقوا سراحه حكموا عليه بالرحيل إلى خراسان حيث أخذ في التبليغ كعادته ثم رافق جناب باب الباب (الملا حسين البشروئي) إلى قلعة الطبرسي وتحمّل المصائب ودخل في زمرة الفدائيين. وما لبث أن أسروه في القلعة وسلّموه ليد رئيس الحكومة في مازندران فأبعده هذا الأخير إلى جهة أخرى من إقليم مازندران ليسقوه كأس الشهادة. وما أن وصل إلى المحلّ المقصود حتى قَيّضَ له الله شخصًا فكّ ما عليه من السلاسل والأغلال وخلّصه من السجن في منتصف الليل وأوصله إلى محلٍّ آمنٍ وما فتئت الامتحانات تنصبّ عليه وهو يتحمّلها برباطة جأش ورسوخ. وبينما كان محصورًا في القلعة كان لا يبالي بما كانت تَصُبّه الأعداء من القنابل من فُوّهات المدافع على القلعة بلا انقطاع. وقد أمضى هو والأحباب في القلعة ثمانية عشر يومًا بلا طعام حتى أنهم أكلوا جلود أحذيتهم وصبروا على الماء بقيّة أيام محاصرتهم وكان كلّ منهم لا يتناول أكثر من جرعة واحدة من الماء في كل صباح وكنت تراهم مطروحين على الأرض من شدّة ما أصابهم من ضعف. وكانوا كلّما شعروا بهجوم الجنود على القلعة دبّت فيهم، من عند الله، روح القوّة فصدّوا العساكر وأخرجوهم من القلعة.

أما كونهم طووا الضلوع على الجوع مدة ثمانية عشر يومًا فذلك من أشدّ الامتحانات من جهة أنّهم كانوا غرباء محصورين، ومن جهة ثانية الجوع، والذي زاد الطين بِلّة هجوم الجنود وسقوط القنابل والمفرقعات في ساحة القلعة.

حقًّا إنّه لمن الصعب أن يتحمّل الإنسان ذلك ويبقى ثابتًا راسخًا في معتقده ولم يتزلزل. وأيم الحق، إن جناب اسم الله لم يعترِه، رغم هذه المصائب والشدائد، أدنى فتور إذ أخذ في التبليغ بعد أن أُطلق سراحه وأوْقف كل أنفاسه للنداء بملكوت الله وإحياء النفوس، وقد فاز بشرف اللقاء في العراق وفي السجن الأعظم (عكّاء) وكان محطّ العناية العظمى من الجمال المبارك.

أما هو فكان بحرًا زاخرًا في العلوم وبازًّا مرتفعًا في آفاق الفنون المتنوعة ذا قدرة وقوة عجيبة واستقامة لا تجارى في التبليغ، براهينه الدامغة وأدلّته المسكتة تتدفق كالسيل وكان حال تلاوة الأنجية تنهمر الدموع من آماقه كالمطر المدرار وكان نوراني الطلعة رحماني الأخلاق عالمًا ملهمًا، همّته سماوية وانقطاعه وزهده وورعه وتقواه كان ربانيًّا.

جدثه المنوّر في همدان وقد جرى القلم الأعلى في حقّه بألواح شتّى وأيضًا نزل له بعد وفاته لوح للزيارة خاص به، وكان إنسانًا عظيم القَدْر كامل الصفات. وقد تركت أمثال هذه النفوس المباركة هذا العالم والحمد لله ولم تشأ الإرادة الإلهية لهم أن يبقوا حتى لا يشاهدوا ما حلّ من البلايا بعد الصعود المبارك وحتى لا يقعوا بين مخالب الامتحانات الشديدة التي تزلزلت منها الجبال الراسيات والقُلل الشامخة. وفي الحقيقة إنّه اسم الله بكل ما في هذه الكلمة من معنىً. طوبى لنفس طاف حول جدثه واستبرك بتراب رمسه. وعليه التحية والثناء في ملكوت الأبهى.

المصادر
المحتوى
OV