إن حضرة الكليم يعني جناب آقا ميرزا موسى عليه بهاءالله هو الأخ الشقيق للجمال المبارك نشأ من سن الطفولة ونما في حضن تربية جمال القدم – الاسم الأعظم – وامتزجت المحبة الإلهية بلبن الرضاع فكان متعلّقًا تعلّقًا شديدًا بالجمال المبارك وكان دائمًا مورد عناية حضرة الأحدية ومظهر الألطاف الربانية. تربّى بعد وفاة المرحوم والده في كنف الحضرة المباركة وترعرع، وما أن وصل درجة البلوغ حتى ازدادت طاعته وعبوديته للجمال المبارك. كان يمتثل للأوامر في جميع الموارد بعيدًا كل البعد عن التفكير في الدنيا وكان بين أفراد الأسرة المباركة كالسراج الوهاج لم يمل إلى الرتب والمناصب ولم يشغل قلبه بشتى المقاصد. خدمته للجمال المبارك كانت منتهى آماله وغاية مقصده ورجائه مما جعله لا ينفك عن الحضور المبارك آنًا بأية حال. وكلما أظهر بعض أفراد الأسرة جفاءً كان هو مظهر الوفاء، ثملاً من خمر الصفاء إلى أن ارتفع النداء من شيراز فاستنار قلبه بمجرد سماع بعض البيانات من الفم المطهر، وتعطرت مشامّه بنفحة من بستان أوراد الهداية وقام للتو على خدمة الأحباء والتفاني في محبتهم. وكان متعلّقًا بي (يعني بحضرة عبدالبهاء) تعلّقًا غريبًا بمعنى أنه كان لا يفارق عبدالبهاء لحظة، واشتغل بترويج الأمر في طهران ليل نهار حتى اشتهر بذلك بين العموم ولا يأتلف في جميع الأحوال إلا مع النفوس المباركة. ولم يرافق جمال القدم أحد من إخوته في رحلة حضرته من طهران إلى العراق إلا حضرة الكليم وأخوه المدعو آقا ميرزا محمد قلي فتركا إيران وأهلها وأغمض عينيهما عن التمتع براحة نفسه وفضّلا البلايا في سبيل محبوب الأرواح دون تردد حتى وصل الركب المبارك أرض العراق. وفي أيام غياب الجمال المبارك في سفره (دون علم أحد) إلى كردستان هال ذلك حضرة الكليم واستولى عليه الخوف والاضطراب إذ أصبح في خطر عظيم وحياته مهددة وكان هذا الحال يتنقل من سيئ إلى أسوأ يومًا بعد يوم ولكنه لبس لكل حالٍ لبوسها ومارس الصبر والتحمل وطرح عوامل الخوف والفزع والهلع وراء ظهره إلى أن عاد جمال القدم من كردستان ولم تتغير أحوال ميرزا موسى وداوم على خدمته للعتبة المقدّسة بكل قواه واشتهر بذلك في الآفاق وذهب في معيّة جمال القدم أيضًا من دار السلام إلى اسلامبول فإلى أدرنه قائمًا بخدمة الجمال المبارك ما استطاع. ولما استشمّ رائحة الخلاف، وهو في أدرنه، من ميرزا يحي (الأزل) أخذ يمحضه النصح ليل نهار ويدله على طريق الصواب لعله يرعوِ، دون جدوى لأن وساوس المدعو السيد محمد قد أثّرت في ميرزا يحي تأثيرًا عجيبًا كتأثير السمّ في الجسد. وفي النهاية يئس حضرة الكليم ومع ذلك لم يهدأ وعمل ما في وسعه لعل ثائرة ذلك الغبار تهدأ ويتخلص ذلك الشخص المعهود (ميرزا يحي) من هذه الورطة المهلكة وتنقشع ضبابة الغمّ الشديد والهمّ الداهم وتنطفئ نار الأسف والأسى واستعمل جميع الوسائل في هذا الصدد ولكنه كان كالضارب في حديد بارد.
ولما يئس كل اليأس تنحى عن الميدان وقال لميرزا يحي: يا أخي إذا لم يصل الآخرون إلى الحقيقة فإن الأمر لدى كلينا واضح لا شبهة فيه. فهل نسيت ألطاف الجمال المبارك لما كنت أنا وإياك تحت رعاية تربيته؟ فكم كان حضرته يصرف أوقاته في التدريس لك وتعليمك تحسين الخط والإملاء والإنشاء تعليمًا صحيحًا ليل نهار حتى أنه كان يصحح لك الخط بأنامله المباركة ولا يخفى على أحد درجة ألطافه نحوك على الخصوص وكيف كان يربيك في حضن العناية. فهل فعلك هذا هو الشكر على مثل هذه الألطاف بمعنى أنك أصبحت أنت والسيد محمد يدًا واحدة وخرجتما عن ظل المبارك؟ أهذا شرط الوفاء؟ هل هذا جزاء النعمة اللانهاية؟ فلم يثمر كلام حضرة الكليم مع ميرزا يحي بل إن هذا الأخير أخذ يبرز ما يكنّه ضميره يومًا فيومًا بكل وضوح حتى حصل الانفصال.
ومختصر القول، إن حضرة الكليم سار في الركب المبارك من أرض السر إلى قلعة عكاء وقد حكم عليه، كما جاء في فرمان السلطان، بالسجن المؤبد أما هو فقد كرّس حياته في خدمة حضرة بهاءالله طوال أيام وجوده في السجن فائزًا باللقاء ليل نهار. وكانت تألفه جميع الأحباء إلى أن انتقل من هذا العالم الترابي إلى العالم العلوي الطاهر وهو في حالة التبتل والتضرع والابتهال.
وحدث، إبان وجود الجمال المبارك في بغداد، أن حضر إلى الساحة المقدّسة ذات يوم المدعو إيلخاني المشهور نجل موسى خان القزويني بصحبة جناب الحاج سيد جواد الطباطبائي الذي جاء ليلتمس الشفاعة لإيلخاني المسمى – علي قلي خان – من جمال القدم وقال: "يا مولاي، ولو أن علي قلي خان مذنب وكان طوال أيام حياته أسير الشهوات غير أنه ندم على ما كان منه وجاء الآن إلى المحضر المبارك لإظهار التوبة والإقلاع عن الشهوات النفسانية وأنه بعد اليوم لا يتنفس نفسًا يخالف رضاء المبارك وإني ألتمس من مراحمكم قبول توبته وأن يكون بعد اليوم مشمولاً بألطاف الجمال المبارك". وما كاد يتم حديثه حتى تفضل جمال القدم بقوله: "بما أنك شفيعه لدينا فقد تغاضينا عن زلاّته وسأعمل على رفاهيته وراحته".
أما إيلخاني هذا فقد كان ذا ثروة طائلة غير أنه بددها على مشتهيات نفسه وهواه حتى بلغت به الحال إلى درجة أنه لم يجسر على مبارحة منزله مخافة أن يهجم عليه دائنوه. هذا، وقد أمره الجمال المبارك أن يذهب إلى والي الشام المدعو عمر باشا ويأخذ منه توصية إلى ذوي الشأن في إسلامبول ثم يذهب إليها. فصدع إيلخاني بأمر الجمال المبارك وتخلص من اليأس ودبّ في روعه عامل الأمل بعد القنوط ولقي من الوالي كل الرعاية وقصد الآستانه ولما وصل إلى مدينة دياربكر كتب إلى الجمال المبارك عريضة توصية بحق تاجرين من الأرامنة يقول فيها: "إن حاملَيّ هذه العريضة عازمان على السفر إلى بغداد وأنهما قد بذلا في حقي كل الرعاية وعملا على راحتي في دياربكر وقد طلبا مني توصية بحقهما لحضرتكم. فما رأيت من ملجأ سوى ألطاف المبارك، وإني ألتمس من ساحة الأقدس أن لا يحرما من عنايتكم". وكتب إيلخاني على المغلّف (الظرف) العنوان الآتي: "حضرة بهاءالله قدوة البابيين".
وقد سلّما هذه العريضة إلى الجمال المبارك فاستفسر حضرته عن حالهما، فقالا: "إن إيلخاني قد حدّثنا عن هذا الأمر بالتفصيل أثناء وجوده بدياربكر". ودعاهما حضرته إلى الدار المباركة ولما همّ حضرته بالدخول إلى الحرم رأى جناب الكليم فقال له: "يا كليم، يا كليم، قد وصل صيت أمر الله إلى دياربكر" وكانت تلوح على طلعة المبارك علائم البشر والسرور المتناهي.
وخلاصة القول، إن حضرة الكليم كان الشقيق الصادق للجمال المبارك وكان مستقيمًا في جميع الأحوال. عليه التحية والثناء وعليه الروح والبهاء وعليه الرحمة والألطاف.