في عداد المهاجرين والمجاورين، كان جناب آقا شيخ علي أكبر المازگاني، وهذا الشخص يعتبر في مقدمة الأحرار وقائد عصبة العاشقين الهائمين. رضع لبن الأمر من ثدي العناية منذ نعومة أظفاره وهو نجل حضرة الفاضل الجليل الشيخ المازگاني الرجل الطاهر النزيه الذي هو من مشاهير مقاطعة كاشان ولا نظير له في الزهد والتقوى، جامع لمحاسن الأخلاق والأطوار المألوفة وخير الطباع ويشهد بذلك العموم واشتهر بحلاوة مشربه بين الناس. خلع العذار في محبة الله وكشف الأسرار فتحفّز عديمو الوفاء من معارفه وغيرهم على قتله. أما هو فقد اشتغل مدة بترويج الدين المبين وجذب قلوب العالم ولم يلقَ زائروه غير الحفاوة والكرم، وما زال ينسج على هذا المنوال حتى طرق صيت إيمانه وإيقانه أسماع أهل الحلّ والعقد فقام أعوانهم بالتطاول عليه حتى أسقوه كأس الشهادة ظلمًا وعدوانًا، فمات ذلك الرجل الجليل في سبيل الرب الجميل.
أما ابنه العزيز المحبوب لم يطق الآقامة في تلك الديار مخافة أن يصبح، بعد استشهاد والده المبرور، طعمة لسيوف الأعداء، فرحل إلى العراق حيث فاز بشرف اللقاء حينًا من الدهر ثم قفل راجعًا إلى إيران. وما لبث أن عاوده الشوق واشتعلت فيه النار لمشاهدة المحبوب، فتأبّط جعبته واصطحب زوجته وطوى هو وحرمه الهضاب والوهاد، طورًا راكبين وطورًا سيرًا على الأقدام، حتى أكلت أقدامهما الرمضاء في الوعور والسهول والسواحل حتى ألقيا عصاهما في البقعة المباركة وحلاّ مكان الأمن والأمان في رحاب الحق في هناء وروح وريحان. وقد استمر ذلك الحبيب ثابتًا راسخًا على العهد والميثاق بعد صعود طلعة المقصود، روحي لأحبائه الفداء، مغمورًا بفيض رحمة الرحمن وكان من سجاياه نظم القريض فنظم من شدة اشتياقه وهيامه بالمحبوب عدة قصائد غراء ومقطّعات غزلية في حبه لمحبوب القلوب وكان لسان حاله يقول:
ولو أني عارٍ عن السجع والقوافي غير أن فكري دائمًا في حبيبي
واشتياقي لطلعة المحبوب عين زخري بل ومسكي وطيبي
وعلى الجملة، فقد صعد هذا الشيخ إلى عالم الرب الغفور، فرحًا مسرورًا محترقًا بنار الشوق، ونصب خيمته الأبدية في العالم العلوي. أمطر الله على جدثه الوابل الهطال من ملكوت الغفران، ومتّعه بالفوز العظيم في فردوس الجنان، وأفاض عليه سجال الرحمة في جنة الرضوان.