جناب آقا علي القزويني هو من زمرة المهاجرين والمجاورين، وهو من ذوي الهمم العالية العلوية، عظيم الثبوت والاستقامة، محكم ومتين في قوة الإيمان، ومن الأحباء الأقدمين، ومن أجلّة الأصحاب. انجذب إلى حضرة الأعلى، روحي له الفداء، من أول طلوع صبح الهدى، وقام على هداية الناس. يشتغل في محله بصناعته، وفي الليل يهيئ الموائد والولائم للأحباء الروحانيين الذين كان يدعوهم مع غيرهم، وبهذه الوسيلة كان يتوصل لهداية الخلق، وكان يترنم بنغمات شجية تدل على انجذابه وعشقه الإلهي، همته لا تضارع، وثبوته ورسوخه حدّث عنهما ولا حرج. ولما انتشرت نفحات بستان الأوراد الإلهية، وعطرت مشامه، أشعل النار الموقدة وحرق أستار الأوهام، وأخذ في نشر الأمر المبارك، وكان في الليالي يرتل الآيات والأنجية في المجامع والمحافل بألحان تطرب القلوب وتسترعي الأسماع بدرجة تغبطه عليها الرياض والأوراد مبشرًا بالظهور الأعظم، مُظهرًا كمال المحبة للأحباء والأغيار، ألِفًا وفيًا للجميع، كريمًا، واسع الصدر، ونسج على هذا المنوال إلى أن ضرب ناقوس الرحيل إلى السجن الأعظم (عكاء) فتوجه إليها ومعه أهل بيته وكابد مشاق وعثاء الطريق، ولم يعبأ بما لآقاه من البلايا لشدّة شوقه للقاء المحبوب، ولم تُثْنِ همته الحوادث عن المسير في الوديان والصحارى حتى ألقى عصاه بعكاء، وآوى في جوار الرحاب المبارك، وعاش في أول الأمر عيشة ناعمة في راحة وهناء، وبعد ردح من الزمن وقع في مخالب الفاقة والإعسار الشديد حتى بلغ به الحال أنه كان في أغلب الأحايين يطوي الضلوع على الجوع حيث لم تصل إلى يده كسرة من الخبز ليسدّ بها رمقه، واستبدل شرب الشاي بالماء القراح.
ورغم كل هذا فكان قانعًا مسرورًا وراضيا بما قسم له، وكان شرف الحضور بالساحة المقدّسة يفيض عليه غيث السرور والحبور، ويعدُّ لقاء المحبوب نعمة موفورة. غذاؤه كان مشاهدة الجمال وشرابه نسمة الوصال، كان دائم البشاشة، قليل الحركة ساكنًا، أما قلبه وروحه ففي نهاية الاشتعال والوله، وكان ألِفًا وفيًا لهذا العبد (عبدالبهاء) بل رفيقًا مسرّا وجليسا محبوبا وأنيسا لا يمل، مقربا لدى الساحة المقدّسة، محترما بين الأحباء والأصحاب، زاهدًا كل الزهد في الدنيا، متوكلاً على حضرة الواحد الأحد، لا يتلوّن ولا يتغير بالمرة ثابتا مستقيما كالجبل الراسخ في الأمر.
إنني كلما تذكّرت صبر هذا الشخص وسكونه وقناعته وثبوته اندفعت، دون تكلّف، إلى طلب الألطاف له من حضرة الأحدية. كان هذا الشخص يشكو باستمرار من الأمراض والعلل والنوازل التي استولت عليه مما كان يكابده من المتاعب والمشاق التي لا تحصى. ولما كان في قزوين وقع فريسة أهل النفاق الذين كانوا يصفعونه على أم رأسه المباركة بالأكف وغيرها، وآثار ذلك ظاهرة حتى الساعة في سمت رأسه ولم تختف حتى لفظ النفس الأخير. ولكم أذاقه الظالمون من العذاب ألوانا، ولكم توالى عليه الأذى من أهل النفاق ولا ذنب له إلا الإيمان والإيقان، ولا جرم اقترفه سوى محبته لله، على حدّ قول الشاعر:
أزالوا الشعر من رأسي جزافًا بصفعاتٍ شدادٍ لا بموسَى
وكل تعرض لاقيت منهم ولم أر بينهم شخصًا أنيسَا
وذنبي كان إيماني بربي وودي أن أكون له جليسَا
وأنشر أمره بين البرايا لأحيي من بريته نفوسَا
فيوسف ما الذي قد كان منه من الإجرام يوم غدا حبيسَا
وهذا مصداق حال جناب آقا علي.
وبالاختصار، إن هذا الشخص الجليل مضى كل أوقاته وهو في السجن الأعظم، مشتغلاً بالتبتل والتضرع والتقرب إلى الله، وكان مورد عناية الرب الغفور مشمولاً بالألطاف بدرجة لا حدّ لها، وكان يفوز بشرف اللقاء في أغلب الأحيان، وفي ذلك كان سروره وانشراح صدره وبهجته وارتياحه، حتى وافاه الأجل المحتوم وصعدت روحه إلى العالم اللامتناهي، وطار إلى ملكوت الأسرار واستظل في ظل الجمال.
عليه التحية والثناء، وعليه الرحمة من رب الآخرة والأولى، نوّر الله مضجعه بأنوار ساطعة من الرفيق الأعلى.