تذكرة الوفاء - جناب حرم سلطان الشهداء

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

حرم حضرة سلطان الشهداء – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

كانت في عداد المهاجرات أمةالله – فاطمة بيگم – حرم حضرة سلطان الشهداء. وقعت هذه الورقة المقدّسة، ورقة الشجرة الإلهية، من أول شبابها في غمار البلايا اللامتناهية وذلك في سبيل الله وكان أول ما انصبّ عليها من المصائب وفاة والدها ذلك الجوهرة النقية بعد أن أضناه التعب ووهن العظم منه في الغربة مما قاساه في طي الصحاري وعظيم المشاق والكروب التي لا حد لها ووافاه الأجل المحتوم في إحدى النزل الريفية في ضواحي بدشت. فتيتّمت هذه المخدّرة من بعده إلى أن ساقتها العناية الإلهية ودخلت في عصمة حضرة سلطان الشهداء.

ولما كان سلطان الشهداء مشهورًا بين الجميع ببهائيته وبانقطاعه الكلي للجمال الرحماني حتى أصبح حيرانا هائما في ذلك الميدان، وحيث إن ناصر الدين شاه كان مولعًا بسفك الدماء والأعداء يقفون بالمرصاد للأحباء ويقومون ضدهم بالسعاية وإثارة كوامن الفتن والاضطرابات. لهذا كله، كانت أسرة سلطان الشهداء غير مطمئنة عليه وتترقب استشهاده في كل لحظة، فاستولى عليهم الاضطراب الشديد لأن الأسرة كلها كانت مشهورة بالبهائية، وكان الأعداء يناوئون أفرادها ظلما وعدوانا، وكانت الحكومة تتعرض لهم باستمرار وكذلك شاه إيران كما ذكرنا.

ومن هذا يتبين حال هذه الأسرة وكيف كانت تعيش والشعب يُظهر لأفرادها كل الكراهية، وتقوم عليهم الغوغاء في كل حين ويشهّرون بهم حتى وقع حادث استشهاد حضرة سلطان الشهداء وحدّث ولا حرج عما أظهرته الحكومة من الوحشية المتناهية التي فزع وجزع لهولها البشر. وما اكتفت بذلك بل نهبت أمواله وبددت ممتلكاته الأمر الذي جعل كامل أفراد الأسرة في حاجة إلى القوت الضروري. أما فاطمة بيكم فقد أخذت في البكاء والنحيب والتحسر ليل نهار وكانت تخفي ذلك على أطفالها رأفة بهم وعليهم رغم التهاب نار الحسرة والأسى بين ضلوعها غير أنها كانت تتلو على الدوام آيات الشكر لله الواحد الأحد لأنها اعتبرت أن كل هذه المصائب والنوائب كانت، والحمد لله، في سبيل نيّر الآفاق وفي محبة كوكب الإشراق. وكل هذا جعل أفراد أسرة سلطان الشهداء ممتازين بين أهل الإيمان، وكانت أمةالله المذكورة كلما حلّت بهم مصيبة قالت بكل إخلاص: "الحمد لله الذي ساوى هذه الأسرة بالأسرة النبوية".

ولما كان التضييق على هذه الأسرة من قبل الحكومة والأعداء على أشده، أمر الجمال المبارك بإحضار جميع أفرادها إلى السجن الأعظم (عكاء) ليعيشوا مطمئنين بجوار الموهبة الكبرى. فأمضوا زمنا هانئين في الجوار الرحماني ورغم كل هذا فقد أصيبت هذه العائلة بوفاة نجل سلطان الشهداء المدعو آقا ميرزا عبدالحسين، فما كان من والدته فاطمة بيگم إلا التسليم والرضاء ولم تجنح إلى النحيب والعويل حتى إنها لم تقِم له عزاء ولم تفه بشيء يدل على التأثر أو التحسر.

كانت هذه السيدة (فاطمة بيگم) متردية برداء الصبر الجميل والوقار شاكرة لله بدرجة تفوق الحدّ، ومع وقوع المصيبة الكبرى والرزية العظمى بصعود سراج الملأ الأعلى (حضرة بهاءالله) عيل صبرها ونفد استقرارها وزاد اضطرابها وحرقة قلبها حتى أصبحت كالحوت المتبلبل على التراب من شدة العطش ولم تهدأ لها حال ولم تقوَ على تحمل الفراق، فودعت أطفالها وعاجلها الأجل المحتوم وصعدت في جوار الرحمة الكبرى منتقلة إلى ظل عناية حضرة الأحدية واستغرقت في بحر الأنوار.

عليها التحية والثناء، وعليها الرحمة والبهاء، وطيب الله ثراها بصيّب الرحمة من السماء، وأكرم الله مثواها في ظل سدرة المنتهى.

المصادر
المحتوى
OV