وقد صدر في صباح يوم الثّلاثاء الحادي عشر من نيسان ۱۹۱٦ في البهجة في غرفة الهيكل المبارك بإعزاز الأحباء وإماء الرّحمن في الولايات المتّحدة وكندا:
أيّها البهائيّون الحقيقيّون في أمريكا الشّكر لله على ما وفّقكم لنشر التّعاليم الإلهيّة في ذلك الإقليم الواسع وعلى ما أيّدكم في رفع نداء ملكوت الله في تلك الدّيار وفي إعلانكم بشارة ظهور ربّ الجنود والمظهر الموعود فقد وفّقتم ولله الحمد في هذا الهدف وليس ذلك إلا من تأييدات ربّ الجنود ونفثات روح القدس لكن نجاحكم هذا ظلّ مجهولاً لم يدركه النّاس حتّى الآن وسترون عمّا قريب كيف أنّ كلّ واحد منكم نشرتم أنوار الهدى من ذلك الأفق كنجم درّيّ ساطع وكنتم سببًا في نوال أهل أمريكا الحياة الأبديّة، لاحظوا أنّ نجاح الحواريّين في زمان السّيّد المسيح كان مجهولاً ولم يعتنِ به أحد بل كانوا هدفًا للاستهزاء والعدوان، وبعد مرور زمن اتّضح أيّ تاج مرصّع بجواهر الهداية الزّواهر قد وضعه على رؤوسهم أولئك الحواريّون والمؤمنات من النّساء أمثال مريم المجدليّة ومريم أمّ يعقوب. وكذلك ما نلتموه من نجاح ليس الآن معروفًا وأرجو أن تهتزّ منه الآفاق قريبًا، وإنّ أمنية عبد البهاء هي أن تتوفّقوا في بقيّة قارّات العالم إلى مثل ما توفّقتم إليه في القارّة الأمريكيّة، وأعني بذلك أن توصلوا صيت أمر الله إلى الشّرق والغرب وتبشّروا قارّات العالم الخمس بظهور ملكوت ربّ الجنود. وحينما يصل هذا النّداء الإلهيّ من قارّة أمريكا إلى قارّات أوروبّا وآسيا وأفريقيا وأستراليا وجزر المحيط الهادي يجلس أحبّاء أمريكا على عرش السّلطنة الأبديّة ويطبق صيت نورانيّتهم وهدايتهم كلّ الآفاق ويحيط صدى عظمتهم جميع العالمين.
إذن يجب أن تتوجّه منكم جماعة تعرف اللّغات ومنقطعة ومنزّهة ومقدّسة وممتلئة قلوبها بمحبّة الله إلى المجموعات الكبيرة الثّلاث من جزر المحيط الهادي أمثال بولينيزيا، مايكرونيزيا، ميلانيزيا، غينيا الجديدة، بورنيو، جاوا، سومطرا، جزر الفلبّين، جزر سليمان، جزر فيجي، جزر هبرديز الجديدة، جزر لويالتي، كالدونيا الجديدة، أرخبيل بسمارك، سيرام، سيليبس، جزر فريندلي، جزر ساموا، جزر سوسايتي، جزر كارولين، أرخبيل لو، جزر ماركيز، جزر الهاواي، جزر جلبرت، جزر مولوكاس، جزر مارشال، جزر تيمور وسائر الجزر، فيسافروا إليها ويبشّروا النّاس فيها بظهور ربّ الجنود بقلوب طافحة بمحبّة الله وألسنة ناطقة بذكر الله وعيون متوجّهة إلى ملكوت الله وأيقنوا بأنّكم في أي مجمع تدخلونه يتموّج روح القدس في أوج ذلك المجمع وتحيط به تأييدات الجمال المبارك السّماويّة.
لاحظوا ابنة الملكوت أجنس ألكساندر أمة الجمال المبارك كيف سافرت لوحدها إلى جزيرة هونولولو إحدى جزر الهاواي وهي الآن مشغولة بالفتوحات الرّوحانيّة في اليابان، وانظروا مدى نجاح هذه البنت في جزر الهاواي، فقد أصبحت سببًا في هداية جمهور من النّاس، وما أعظم ما توفّقت إليه مس نوبلاك التي سافرت لوحدها إلى ألمانيا، فأيقنوا أنّ كلّ نفس تقوم اليوم على نشر نفحات الله تؤيّدها جنود ملكوت الله وتحيط بها ألطاف الجمال المبارك وعناياته. ليت السّفر إلى هذه الجهات كان متيسّرًا لي حتّى أقوم به حافي القدمين ولو في أشدّ الفقر صارخًا في المدن والقرى والجبال والصّحارى والبحار بأعلى صوتي صرخة "يا بهاء الأبهى" ومروّجًا التّعاليم الإلهيّة ولكن هذا ليس متيسّرًا لي الآن ولذا فأنا في حسرة عظيمة عسى أن يوفّقكم الله بذلك.
والآن في جزر الهاواي وردت جماعة من النّفوس إلى شواطئ بحر الإيمان بهمّة أمة الله ألكساندر، فانظروا ما أعظم هذا السّرور وما أشدّ هذا الابتهاج، قسمًا بربّ الجنود لو أنّ هذه البنت المحترمة أسّست سلطنة لما كانت عظمة تلك السّلطنة بمثل هذه العظمة، فهذه السّلطنة سلطنة أبديّة وهذه العزّة عزّة سرمديّة، وكذلك الأمر لو يسافر بعض المبلّغين إلى الجزر والأقطار الأخرى أمثال قارّة أستراليا، وجزر نيوزيلندة، وجزيرة تسمانيا، وكذلك لو يذهب مبلّغون إلى اليابان وإلى آسيا الرّوسيّة وإلى كوريا وإلى الصّين وإلى الهند وسيلان وأفغانستان فسوف تكون لسفرهم نتائج عظيمة، وما أحسن لو أمكن أن تسافر جماعة من الرّجال والنّساء سويّة إلى الصّين واليابان حتّى تتوثّق أواصر المحبّة ويؤسّسون بعبورهم ومرورهم وحدة العالم الإنسانيّ ويدعون النّاس إلى ملكوت الله وينشرون التّعاليم الإلهيّة. وكذلك لو أمكن أن يسافروا إلى القارّة الأفريقيّة ويقوموا في جزر كناري، وجزر الرأس الأخضر وجزر ماديرا وجزر ريونيون وجزر سانت هلينا، وزنجبار وموريشوس وغيرها بدعوة النّاس إلى ملكوت الله ويرفعوا صيحة يا بهاء الأبهى وأن يرفعوا راية وحدة العالم الإنساني في جزيرة مدغشقر ويترجموا كتبًا ورسائل إلى لغات أهالي تلك الأقطار أو يؤلّفوها بتلك اللّغات وينشروها في تلك الجزر والبلدان، ويقال إنّ معدن الماس قد اكتشف في جنوبي أفريقيا ولكنّ هذا المعدن مهما كان ثمينًا فهو حجر وعسى أن توجد بمشيئة الله في أفريقيا معادن بشريّة فتعثروا فيها على جواهر الملكوت الزّواهر.
وصفوة القول إنّ هذه الحرب المحرقة أوقدت في القلوب نارًا لا توصف، وأماني السّلام موجودة الآن في ضمائر النّاس في شتّى أقطار العالم، فلم يبقَ إنسان لم يتمنَّ السّلام، وثمّة استعداد عجيب موجود الآن، وهذا من الحكمة الإلهيّة البالغة التي تهدف إلى إيجاد الاستعداد في النّاس للقيام برفع راية وحدة العالم الإنسانيّ وترويج السّلام العام والتّعاليم الإلهيّة في الشّرق والغرب.
إذن يا أحبّاء الله! ابذلوا الهمّة وانشروا خلاصة التّعاليم الإلهيّة بعد هذه الحرب في الجزر البريطانيّة وفرنسا وألمانيا والنّمسا والمجر وروسيا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وسويسرا والسّويد والنّرويج والدّنمارك وهولندا والبرتغال ورومانيا والصّرب والجبل الأسود وبلغاريا واليونان وأندورا ولنختنشتاين ولكسمبورغ وموناكو وسان مارينو وجزر باتريك وكورسيكا وسردينيا وصقلية وكريت ومالطة وآيسلندة، وجزر فارو، وجزر جتلند، وجزر هبرديس، وأوركني، واسطعوا في جميع هذه الأقطار من أفق الهدى سطوع نجمة الصّباح. ولقد بذلتم حتّى الآن جهدًا كبيرًا ولكنّكم بعد الآن ضاعفوا الجهود ألف مرّة ونادوا بالملكوت الأبهى في هذه الأقطار والعواصم والجزر والمحافل والكنائس، إذ يجب أن تتّسع دائرة جهودكم وكلّما اتّسعت جهودكم زاد نجاحكم، لقد لاحظتم كيف أنّ عبد البهاء وهو في منتهى الضّعف وانحلال القوى ومريض لا يطيق حراكًا ومع ذلك توجّه إلى أكثر أقطار أوروبّا وأمريكا وقام على ترويج التّعاليم الإلهيّة في الكنائس والمحافل والمجامع مناديًا بظهور الملكوت الأبهى، ولاحظتم كيف أحاطت تأييدات الجمال المبارك. ثمّ انظروا ماذا ينتج عن راحة الجسد ورخائه وترفيه الجسم وعن التلوّث بهذه الدّنيا الفانية؟ لا شكّ أنّ عاقبة ذلك خسران الإنسان وخيبته، إذن يجب إغماض النّظر عن هذ الأفكار كلّها والتماس الحياة الأبديّة، ورجاء السّموّ للعالم الإنسانيّ والرّقيّ الرّبّانيّ، والفيض السّماويّ الكلّيّ ونفثات روح القدس وإعلاء كلمة الله وهداية من على الأرض وترويج السّلام العام وإعلان وحدة العالم الإنسانيّ، هذا هو العمل العظيم وبغير ذلك ينهمك الإنسان مثل سائر الحيوانات الوحشيّة والطّيور في متطلّبات الحياة الجسمانيّة وإرضائها، وهو منتهى آمال المملكة الحيوانيّة فيعيش الإنسان على سطح الأرض عيشة البهائم.
لاحظوا الإنسان في هذه الدّنيا تروا أنّه مهما أصبح غنيًّا واستقرّ وجمع ثروة طائلة فإنّه لن يبلغ ما تبلغه البقر، لأنّ البقر السّمان مراتعها جميع الأراضي الخضراء في هذه السّهول الواسعة، ومشربها جميع الينابيع والأنهار وهي ملك لها لا ينفد مهما أكلت وشربت وهي تنال هذه النّعمة الجسمانيّة بكلّ سهولة ويسر، وأحسن من ذلك عيشة الطّيور، فهي في أعالي الغصون فوق الجبال لها أوكار خير من قصور الملوك، ولديها الهواء في منتهى النّقاء، والمياه في منتهى العذوبة، والمناظر في منتهى الجمال، وهي تقضي أيّامها وجميع بيادر تلك المروج ملكها دون عناء أو شقاء. أمّا الإنسان فإنّه مهما ارتقى في هذه الدّنيا فلن يبلغ ما تبلغه هذه الطّيور.
إذن اتّضح أنّ الإنسان مهما بذل من الجهود في الشّؤون الدّنيويّة إلى حدود الإعياء والهلاك فإنّه لن يحصل على رخاء طير صغير ووفرة معيشته، فاتّضح كلّ الوضوح أنّ الإنسان لم يخلق من أجل العيش في هذه الدّنيا الفانية بل خلق من أجل اكتساب الفضائل التي لا حدود لها والبلوغ إلى سموّ العالم الإنسانيّ والتّقرّب إلى العتبة الإلهيّة والجلوس على سرير السّلطنة الأبديّة وعليكم وعليهنّ البهاء الأبهى.
كلّ نفس تسافر من أجل التّبليغ تتلو هذه المناجاة ليلاً ونهارًا في دار الغربة:
إلهي إلهي تراني والهاً مُنجذبًا إلی ملكوتك الأبهی ومُشتعلاً بنارِ محبّتِكَ بينَ الوری ومُناديًا بملكوتكَ في هذه الدّيار الشّاسعةِ الأَرجاءِ، مُنقطعاً عمّا سِواكَ مُتوَكِّلاً عليكَ تاركًا الرَّاحةَ والرَّخاءَ بعيدًا عنِ الأوطانِ هائمًا في هذه البُلدانِ غريبًا طريحًا علی التّرابِ خاضعًا إِلی عَتبتِكَ العُليا خاشِعًا إِلی جبروتِكَ العُظمی مُناجيًا في جُنْحِ اللّيالي وبطون الأَسْحار مُتضرِّعًا مُبتهِلاً في الْغُدُوِّ والآصالِ، حتّى تُؤَيِّدَني علی خدمةِ أمرِكَ ونشرِ تعاليمِكَ وإعلاءِ كلمتِكَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها. رَبِّ اشدُدْ أَزْرِي وَوَفِّقْني علی عبوديّتِكَ بكُلِّ القوی ولا تتركْنِي فريدًا وحيدًا في هذه الدّيار. رَبِّ آنِسْني في وَحْشتي وجالِسْني في غُربتي إنّكَ أنتَ المُؤَيِّدُ لِمَنْ تشاء علی ما تشاء وإنّكَ أنتَ القويُّ القديرُ. ع ع