القصيدة الورقائية

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

قصيده عز ورقائيه – حضرت بهاءالله – آثار قلم اعلى، جلد ٢، ١٥٩ بديع، الصفحات ٣٢١ - ٣٣٩

في مدح المحبوب سرّا دون الجهر قصيدة عزّ ورقائيّة في جوهر روح قدسيّة

﴿ هو العليّ الأبهى ﴾

أجذبتني بوارق أنوار طلعته

لظهورها كلّ الشّموس تخفّت

كأنّ بروق الشّمس من نور حسنها

ظهرت في العالمين وغرّت

لبهجتها مسك العماء تهيّجت

لرفعتها روح العلاء تعلّت

بنفختها صور القيام تنفّخت

بنفحتها ظلّ الغمام تمرّت

بلمعتها طور البقاء تظهّرت

لغرّتها نور البهاء تجلّت

عن ‌مغربها ‌شمس ‌الظّهور ‌تظهّرت

عن مشرقها بدر الشّهور تكرّت

و‌عن ‌شعرها ‌طيب الشّمال تنفّحت

وعن‌طرفها ‌عين الجمال‌ تقرّت

بنور وجهها وجه الهدى قد اهتدى

بنار طلعتها نفس الكليم تزكت

لسهم شفره صدر ‌الصّدور‌ تقبّلت

لوهق جعدها رأس الوجود تمدّت

وغايتي القصوى مواقع رجلها

وعرش العماء أرض عليها تمشّت

وفي كلّ عين قد بكيت لوصلها

وفي كلّ نار قد حرقت لفرقتي

بسطت بكلّ البسط لالقاء رجلها

على‌ قلبي ‌وهذا من‌ أوّل منيتي

طلبت حضور الوصل في كلّ وجهة

رقمت‌ حروف ‌القرب ‌فوق ‌كلّ ‌تربة

ولو كنت سارعا في وصل نورها

رميت برمي البعد من بعد ‌قربتي

وإن رفعت أيداي في مدّ وصلها

بالسّيف ‌جابتني ‌فذاك‌ جزاء أحبّتي

وهمّي لم يك إلّا لوثق عروة

وقصده ‌لم يك إلّا لقظع‌نسبتي

قلت‌ لها ‌روحي ‌فداك ‌و‌ما بي ‌لقاك

أرحمي ‌فلا ‌تكشف ‌عنّي‌ ‌فضيحتي

ومنّي بفرط الحبّ عنك بوصلة

إبقائه باقيا في زمان القديمة

وسرّ ظهور لاح من ظهورها

كلّ ‌الورى و‌بالأصل‌ قامت ‌قيامتي

وحزن حسين قد احملت لحزنها

كور‌ الوجود في كون قدوتي

لأنت رجا قلبي ومحبوب سرّتي

و‌مالك روحي و‌نوري و‌‌مهجتي

و‌منّي ‌بفوز ‌الوصل من بعد هجرة

و‌هبني ‌بروح ‌الانس‌من بعد ‌كربتي

و‌من‌ حرقتي‌ نار ‌الوقود ‌توقّدت

و‌من‌ زفرتي ‌نور ‌الشّهود ‌تذوّت

بحر العماء من حرّ ظمأي يابس

ونهر‌ السّنا لن‌ يسقني ‌بعض ‌عطشتي

بكلّ تراب كلّ ثأر شهدته

ها إنّها عن دم عيني تحكت

و‌عن دمعتي ‌بحر ‌المحيط ‌كقطرة

و‌من حرقتي نار الخليل كجذوة

و‌من‌ حزني بحر السّرور تجمّدت

وعن همّي عين الهموم تجرّت

سنائي اغمى ضيائي اغشى

ونوري ‌اطفى‌ من ‌غر مشمتي

عظامي أبرى ‌و‌جسمي أبلى

وقلبي أحرى من حرّ حرقتي

هواك هباني وحبّك حكّني

و‌هجرك‌ ذابني ‌و‌وصلك‌ منيّتي

وعن‌ سرّ‌ حزني‌ كاد ‌السّماء ‌تفطّرت

ومن ‌همّ ‌قلبي‌ أرض‌الفؤاد تشقّت

وعن حرّ قلبي دمع عيني حاكيا

ومن زفر سرّي ‌صفر‌ وجهي‌تدلّت

أحنّ بكلّ ‌اللّيل‌من ‌شمت معذلي

الحّ ‌بكلّ‌ يوم ‌من فقد‌ ‌نصرتي

وصلت إلى غاية الذّلّ رتبة

عن ذكرها ‌كلّ اللّسان تكلّت

حور ‌القصور ‌من‌ حزن ‌سرّي ‌تقمّصت

قميص السّود في كلّ غرفة

وردت بكلّ الحزن في كلّ قلبة

قبضت‌ بكلّ ‌القبض‌ في ‌كلّ بسطة

ونادتني ‌من ‌ورائي ‌و‌قالت‌ أن‌ اصمت

فخذ ‌لسالك‌ عن ‌كلّ ‌ما قد‌ تحكّت‌

فكم من حسين بمثلك قد أرادني

فكم من عليّ كشبهك ‌من ‌أحبّتي

فكم من حبيب فوقك قد أحبّني

فكم‌ من ‌صفيّ ‌كفوك من ‌أهل ‌صفوتي

فقد ‌ضجّ في‌كلّ الآوان و‌لن يفز

بنور ‌‌الوصل لحضا إليّ بنظرتي

ومن ‌مشرقي ‌شمس‌ الظّهور ‌كنجمة

وعن مظهري نور البسيط كلمعة

ومن نور سرّي سرّ الوجود كنملة

ومن ‌نار حبّي ‌نار ‌الوقود ‌كقبسة

وعن فطرتي فطر الاله تديّنت

وعن ‌كفّتي كف‌ السّناء تضمّت

وقد جاء أمر الأمر من أمر ظاهر

وقد جاء عدل الحكم من عدل حكمتي

وموج البحر قد كفّ من موج باطني

وروح القدس قد هاج من نور بهجتي

وعن ‌نظرتي موسى ‌البقاء ‌تصعّقت

ومن لمعتي طور الجبال تدكّت

عن نشر أمري روح النّفوس تحشّرت

من نفخ روحي‌ عظم الرّميم ‌تهزّت

وقد طاف نفس الأمر في ‌حول بيتها

وروح البيت قد قام من نور طلعتي

و‌ملك معالي العلم في الباء سرّة

وباء الجهر بالسّرّ خرّت لنقطتي

كلّ الهدى من فجر أمري قد بدا

وكلّ‌ العلى قد‌ أوفدت‌ من ‌وفدتي

وعن نعمتي غنّ الطّيور كلحنة

ومن غنّيتي لحن النّحول كرّنة

شرعت بسوء‌ الظّنّ عنك شريعة

شربت‌ بحبّ ‌الغير ‌عن ‌دون ‌شرعتي

وجئت بأوصاف اتيت بنسبة

و‌رمت‌ بأسماء ‌عن ‌سواء ‌محجّتي

وصفت بنفس ونسبتها بنفسي

ها هو ‌حدّ فال ‌حدّ أعظم خطيئة

رجوت بظنّك وصلي هيهات

لم ‌يكن ‌بذاك ‌جرى ‌شرط ‌ان وفيّت

توفّت فشرب بلاء الدّهر عن كلّ كاسة

و‌سقى دماء ‌القهر ‌عن دم ‌مهجّة

وقطع الرّجاء عن مسّ كلّ راحة

وقمع القضاء ‌عن طمع كلّ حاجة

سفك‌ الدّماء ‌في ‌مذهب ‌‌العشق ‌واجب

و‌حرق ‌الحش في ‌الحبّ ‌من ‌أوّل ‌بيعتي

يقظ اللّيالي‌ من‌ لذع كلّ ‌ملذع

وشتم ‌التّوالي ‌في ‌كلّ يومة

وعن ‌سنّتي‌ سمّ‌ ‌الرّدى‌ كشربة

وعن ملّتي قهر القضاء كشفقة

خلّ دعوى الحبّ أو فارض بما‌ جرى

كذاك جرى الأمر في فرض سنّتي

وناديتها سرّا بأن يا حبيبتي

وغاية آمالي ومقصود سرّتي

فها أنا حاضر بين يديّ قدرتك

فها أنا آمل بما قد تعدت

فها أنا طالب بكلّ ما أنت تحبّ

فها ‌أنا ‌راكن ‌بما قد تقضّت

صدري هذا راجي لأرماح سطوتك

وجسمي هذا شايق لأسياف قهرة

نارك نوري وقهرك بغيتي

وبطشك‌ راحتي ‌وحكمك‌ منيتي

فانظر إلى دمع عيني كيف تجرّيت

فاشهد بسرّ قلبي كيف اضمحلت

رميت رماح الكلّ في كلّ يومة

قتلت بسيف الرّد في كلّ ليلة

قرأت كتاب الكفر في كلّ سطرة

وفزت بسبّ الكلّ في كلّ لحظة

طعنت بطعن الشّرك في كلّ آنة

رمحت برمح الطّرد في كلّ وقتة

كأنّ بلاء الدّهر لنفسي قد نزل

كأنّ ‌سيوف‌ القهر ‌حدّت لجيدتي

حزنة يعقوب و‌سجنة ‌يوسف

وضرّة أيّوب ونار خليلة

تأسف آدم وهجرة يونس

وضجّة داود و نوحة نوحة

وفرقة حوّاء وحرقة مريم

ومحنة شعياء وكرب زكرّية

من‌ رشح‌ حزني ‌قد ‌قضى ‌لكلّ ‌ما ‌قضى

وعن طفح همّي قد بدا كلّ بليّة

فانظر بسيري في البلاد بلا مونس

فاشهد ‌بآنسي في ‌العراء‌ ‌بوحشة

و‌عن فتح عيني عين السّماء تهمرّت

و‌من فجر‌ ‌قلبي فجر الأرض تلقت

ومن روح حزني روح البقاء تقطّعت

و‌عن‌ نور ‌همّي ‌عرش ‌العلاء ‌تهدّت

حمر الوجود من دم قلبي تحمّرت

غصن ‌الشّهود ‌عن ‌دمع ‌عيني ‌تنبّت

مرّ البلا في سبيل حبّك حلوة

و‌شهد ‌البقاء ‌من ‌عند ‌غيرك مرّة

و‌عن‌ عنق ‌رسم ‌الحديد تعيّنت

و‌من رجلي أثر الوثيق تبقّت

ما ‌مضى يوما إلّا وقد ‌حرقت فيه

من تلويح نظم أو تصريح نثرة

روحي قد راح وقلبي قد ذاب

وسرّي قد فار من شدّ شدّتي

بقيت بلا روح وقلب ومهجّة

و‌ابقاء‌ نفسىي كان‌ من ‌أعظم حيرتي

من ‌علوّ سرّي ‌قد قضى‌عليّ ما ‌جرى

فيا‌ليت بالأصل ما علت فطرتي

كذاك ‌أحاطتني ‌البلا عن ‌كلّ ‌شطرة

بذاك ‌أبادتني القض في‌كلّ‌حينة

عرجت إلى غاية الوحد وحدة

وصلت‌ إلى‌ عين ‌اللّقاء في ‌سريرتي

وصفك في وصف عيني شهدته

عن ‌عينك‌ في‌كلّ ‌طرف‌ حديدة

إن كنت بالحدّ فالحدّ منك ظاهر

و‌لو‌ بالوصف‌ فالوصف ‌منك‌ تبدت

وعن كدرتي ظلم اللّيال تحقّقت

وعن سرّتي نور النّهار تصفّت

فلا بأس إن صرت مطرودا لأن

فزت بالنّور العلي يوم بعثتي

وآنست بالقدس من نور آنسه

وهاجرت بالطّاء في عهد غربتي

وآمنت بالنّور من نور باطني

وعارجت بالرّوح في سرّ سرّتي

أناديك يا روح الحيوة أن ارتحل

من ‌نفس ‌ما ‌بقى فيه من بقيّة

فيا روح العماء ‌من العرش أنزلي

فما لك قدر بمقدار ذلّتي

أصاحي يا فؤادي أن أخرجي

فما لك من عزّ في بلاد ذليلة

فيا ‌صبري ‌اصبر ‌في ‌كلّ ما ‌شهدته

في رضا ‌حبيبك‌ من ‌شد ورخوة

بالرّوح نادتني وقالت أن اصبر

فقد ‌عرفت بكلّ ما ‌أنت استدّلت

دع عنك ما عرفت وبه قد

عكفت فالشّرك عندي كوحدة

أبهى بهاء الطّور عندي كحشوة

و‌أسنى ضياء ‌النّور ‌عندي ‌كظلمة

آيات وصفك حقّ و‌لكن لفتية

آثا‌ر نعتك‌ صدق ولكن لرعيّتي

وإنّي ‌لم يزل قد كنت في ‌قدسة

و‌إنّى ‌لن‌ يحد قد ‌كنت في نزهة

فكم ‌من ‌عادل ‌قد كان ‌عندي ‌ظالما

فكم‌ من‌ عالم ‌قد كان ‌عندي ‌كجهلة

فكم ‌من ‌باقي ‌قد ‌كان ‌عندي ‌فانيا

فكم ‌من ‌عارف ‌لن يعرف بحرفة

فكم ‌من ‌عابد ‌قد كان ‌عندي ‌طاغيا

فكم‌ من‌ ساجد لن‌ يفرّ وقتا بسجدتي

زبر ‌السّماء في ‌كون نفسي ثابت

صحف السّنا ‌قد أنزلت ‌من ‌صحيفتي

ومن ذرّتي شمس المحيط تكوّرت

و‌عن‌ قطرتي بحر ‌الوجود ‌تسبّحت

كلّ الغنا من أهل الورى ظهر

عندي كغنّة نمل أو كرنّة نحلة

كلّ ‌العقول ‌من ‌جذب ‌سرّي ‌تولّهت

كلّ ‌النّفوس ‌عن ‌غنّ ‌روحي ‌تحيّت

كلّ ‌الالوه من‌ رشح أمري تألّهت

و‌كلّ ‌الرّبوب عن ‌طفح‌ حكمي ‌تربّت

أرض الرّوح بالأمر بي قد مشى

و‌عرش‌الطّور قد ‌كان موضع وظأتي

لنوري نجم الظّهور تجلّيت

لروحي شمس السّرور تجلّت

جوامع آيات لوامع نزلة

مواقع آثار مطالع قدسة

جواهر أفكار سواذج فكرة

طرائز أنوار برائز حكمة

من ‌كاف ‌أمري قد‌ قضى‌ لكلّ ‌حكمها

وعن لطف سرّي قد بدا كلّ بديعة

أعرضت عن وجهي وبظنّك اقبلتها

و‌أجريت ماء الزّعم في ‌شريعة وهمة

ما استقمت بنور ‌الغيب فيما صنعة

في نفسك وكذا ضيّعت صنعتي

تمسّك بحبل الأمر في ظاهر صورة

تعرّف بوجه النّور في باطن غيبة

فاخرق حجاب القرب عنك بلا رمزة

فاشهد جمال القدس فيك بلا كشفة

فاسكن فإنّ قواة العرش اضطرب

فاصبر لأنّ عيون الغيب قد تبكت

ومعنى وراء العلم فيك حجبته

عاجز عن دركها كلّ عقل منيرة

لذذ وآنس بسرّ القدس سرّه

فلا تفش عنها إن تكون أمينة

لو ‌تكشف الغطاء‌عن وجه ما‌ شهدته

ليفنى الوجود في طرف قريبة

كذاك جرى الأمر عن عرش عزّة

بذاك جرى الحكم من سرّ قدرة

فطوبى للفائزين عن حسن وفائهم

فطوبى للواردين في شرع بديعة

فطوبى للعاشقين في سفك دمائهم

فطوبى للواثقين عن حبل عطوفتي

فطوبى للمخلصين في ما سرعوا

عن كلّ الجهات في ظلّ ربوبتي

المصادر
المحتوى
المرفقات
Tablet notes
OV