رساله استدلاليه – ۲

المؤمنين الاوائل
أصلي عربي

رسالة استدلالية - ۲ – السيد يحيى الدارابي (جناب وحيد) - كتاب ظهور الحق، جلد ۳، ۱٦٥ بديع، الصفحة ۳٦۹ - ۳۷۲

﴿ بسم اللّه العلي العظيم ﴾

الحمد للّه الّذي أضاء الضّياء وتجلّى للعماء بالبهاء وأظهر الثّناء بالسّناء وأحاط الكلّ تحت ظلال الكبرياء فأوّل ما برزت من كتاب الكون في ديباجة الإنشاء البسملة والتّسبيحات الأربعة العليا أحرف الإسم الأعظم من الأسماء الحسنى وجعلها مجلى ذاته الظّاهرة لها بها في سائر عوالمه في الأداء إذ كان ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِير﴾ وعظيم العظماء وأمرها بالإدبار بالتّجلّي والنّزول والطّلوع والأفول بعد أن أجرى من آخر أركانها ماء الايجاد بحر المداد ونون الصّاد الذّاخر الموّاج المتلاطم الرّجراج وجعل منه البحرين ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجُ﴾ وخلق من الأوّل طينة أهل الإجابة الحسنى من الأنبياء إلى الصّلحاء الأزكياء وأسكنها في علّيين من حول عرش الكبرياء وخلق من الثّاني طينة أصحاب الإجابة السوءى من عين اليمن والكبريت والطّبريّة والآفريقيّة أجمة ما سيدان وجمة ناجروان وعين أبرهوت إلى أقصى إنبساط النّقطة الظّلماء فأمكثها في سجين وأسفل السّافلين إلى ما تحت الثّرى ثمّ أمر الفريقين من أهل المقامين بالإدبار والإقبال لما أراد من إظهار الجلال واسفار الجمال لربّ النّور والظّلال وشاء من بروز اتقان الصّنع من الحكيم الفعال فنزّل المدبّرين المقبلين وصعد المقبلين المدبّرين حتّى التقى الفلكان واتّصل التّطنجان في هذه النّشأة منتهى مراتب النّزول ومبدء عوالم الصّعود تداخلت الشّجرتان وتشاكلت الفرقتان ودخل إبليس الّلعين بواسطة طاوس العناصر وحيّة الجوزهر إلى جنّة الإنسان أكبر حجّة اللّه على الخلق وأعظم ما بناه بيده الرّحمن وأخرج آدم بديع الكلّ عن مقام الرّضوان وأفسد ما علّمه الرّحمن من علم البيان وأنزله إلى تلك الأرض المغبرّة معدن الأحزان قال تحسرا على ما فات منه من الألحان من تغرّد طيور العماء على الأفنان تغيّرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبرّ قبيح وجعل يبكي بكاء ويجري دموعًا ولم ينقطع إلى أن تلقّى من ربّه كلمات فتاب إلى السّبحان فأجابه بارئه وأمره إلى حِجِّ البيت ذي الأربعة الأركان المحاذية للبيت المعمور المربّع والسّقف المرفوع البنيان المحاذية للأذكار الأربعة من التّكبير والتّهليل والتّحميد والسّبحان بعد تعميره على شكل بيت الأحديّة وهيكل الإيمان فهو أوّل بيت وضع للنّاس في وجه الأرض للحكاية والتّبيان بالأمثلة الملقاة في هويّات الإمكان وذاتيّات الأكوان من الآية اللّاهوتيّة والوجه الجبروتيّة والوصف الملكوتيّة والرّسم النّاسوتيّة في السّرّ والإعلان وبعثه لإظهار سرّ واحد من هذه الأركان فهو التّوحيد وآية المنان ونصر في التّبليغ باقي الأنبياء من أولي العزم وغيرهم إلى طلوع شمس العرفان من مشرق الإيقان خاتم الأنبياء وسيّد الإنس والجان وأمره بإظهار سرّ ركن الثّاني وهو النّبوة مبدء المعان إلى يوم الغدير خير الأيّام وقطب الزّمان بلّغ فيه بنفسه الشّريف ووصّى إلى أوصيائه بإظهار ركن الثّالث وهو ركن الولاية وتأويل آية القرآن ﴿وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه يَسْتَكْبِرُونَ﴾ إلى يوم طلوع شمس الأزل في أحدى وستّين قبلها الألف والماتان [۱۲٦۱] ونفث آل اللّه وحروف كلمة ‌البيان في روع عبدهم الّذي وسع قلبه لجميع الظّهورات من تلألوء جسم سيّدة النّسوان بل من في ملكوت الأمر والخلق من الأكوان بإظهار سرّ ركن الرّابع من الكلم الجامع آخر شروط الإيمان إلى هنا تمّت الأدوار وكملت الأكوار وتألّف "بسم" الّذي بالحروف غير مصوّت، وبالتّشبيه غير مجسّد، الباء بهاء اللّه، والسّين سناء اللّه، والميم ملك اللّه، أو مجد اللّه، كلاهما واحد في الاداء ووجدت الكينونة وحصلت البينونة بين الشّريف والوضيع والبصير والأعمى ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم فَاسْتَحَبُّوا العَمَى﴾ قال (ع): ثمود طائفة من الشّيعة ثمّ الايجاد والتّكوين أي العوالم الأربع من الجسم والنّفس والعقل والفؤاد عالم العماء فشرع بالتّشريع الّذي هو روح التّكوين وهو ظهور الرّبوبيّة الممكنة في الإنشاء فالمربّي في النّزول أي التّكوين هو الإسم المشتق من اسم اللّه الأعلى، وهو العليّ المتعال، ﴿وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيْرُ﴾، ﴿وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيْمُ﴾ [عليّ] وفي الصّعود أي التّشريع هو الإسم المشتق من اسم اللّه المحمود [محمّد] وعسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا أوّلنا محمّد وآخرنا محمّد وأوسطنا محمّد فاجتمع الإسمان الأعليان واقترن الشّكلان الأصلان في هذا المقام [عليّ محمّد] فهم من كان ذا فهم سديد ﴿وَأَلْقَى السَّمَعَ وَهُوَ شَهِيْدٌ﴾ و ﴿سُبْحَانَ اللّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ﴿وَالحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾

وبعد يقول العبد الرّاجي بالحيّ القيّوم والدّاعي يا دائم يا ديموم ١٠، ٨، ١٠، ٨، ٢، هذه خطبة جليلة من المولى المؤتمن الجليل والعبد الممتحن الخليل القائل للقول السّديد والدّال على الأمر الّرشيد في ﴿ق وَالقُرْآنِ المَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُم مُنْذِرٌ مِنْهُم فَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا شَيءٌ عَجِيبٌ﴾ جعلتها تقدمة لهذا الخطاب وتذكرة لأولي الألباب من أهل المبدء والمآب فمن كان دعواه ﴿الحَمْدُ للّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتَ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ ومن ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ ومن ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذيِنَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ﴾

فيا أيّها الأخوان من الحاضر والبادي مقامكم ومكانكم انصتوا واستمعوا الصّيحة بالحقّ وندآء المنادي فهذا هو الميزان والصّراط والطّور والكتاب المسطور والبيت المعمور فإنّ السّيّد العليّ والنّور البهي والكوكب الدّرّيّ برز من البلد المقام واستقر على أرض الصّاد وطلعت الشّمس من برجها وقرّت على نقطة الزّوال وغشت ضيائها جملة الآفاق وظهر تأويل قول اللّه سبحانه وتعالى ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالشَّمْسِ وَضُحَيَها وَالقَمَرِ إِذَا تَلَيهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّيهَا ... وَلَا يَخَافُ عُقْبَيهَا﴾ فأمرني بالحضور في أرض الطّاء فلمّا نزلت بأمر مولاي عليها في أوّل شهر الثّاني من السّنة الثّالث بعد (غ) (ر) (س) [۱۲٦۳] وحضرت عند أهلها من ﴿أَصْحَابُ الأَخْدُوْدِ﴾ في السّلاسل والأغلال والقيود إذ ما كان لهم شأن إلّا ذكر الحدود الّتي ﴿هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُم إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ العَزِيزِ الحَمِيْدِ﴾ قد غلبني الأحزان وتركني الأخوان الّذين كانوا يساعدونني لرضى الرّحمن حتّى صرت بحيث أشير إلى مولاي بطرف قلبي وأرى نفسي مفارقًا من حبيبي وأتمنّى الرّحيل إلى سبيله والتّوصّل إلى مقيله

فَهَلْ إِلَيْكَ يَا بن أَحْمَدَ سَبِيْلٌ فَنَلْقَى، وَهَلْ يَتَّصِلَ يَوْمُنَا مِنْكَ بِغَدِهِ فَنَخْطَى، مَتَى نَرِدُ مَنَاهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوَى، مَتَى نَنْتَفِعُ‏ مِنْ عَذْبِ مَائِكَ فَقَدْ طَالَ النَّدَى، مَتَى نُغَادِيكَ وَ نُرَاوِحُكَ فَنُقِرَّ مِنْهَا عَيْنًا

وصرت كما قال الأمير - عليه السّلام - طفقت ارتأى بين أن أصول بيد جزاء أو اصبر على طخية عميآء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه فرأيت أنّ الصّبر على هاتي احجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى مع طول المدّة وشدّة المحنة

فلمّا علمت أنّ السّبيل مقطوع والدّليل ممنوع اشتغلت بذكر مقاماته وجمع خطاباته الّتي برزت في أوّل مستقر من الهجرة وهو الشّهر الحرام ذي القعدة من السّنة المذكورة لعلّ اللّه يسكنني بذلك فإنّه منزل السّكينة على قلب من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين

۱) وكان أوّل ما شرق في تلك الأرض من فوّارة النّور الّذي هو بالرّعب منصور ولمع من العلم المشهور وظهر في تلك الطّخيآء الدّيجور شرح سورة والعصر

۲) ثمّ رسالة في النّبوّة الخاصّة بالعقل اللّامع

۳) ثمّ أجوبة لمسائل شتّى من السّائلين الواقفين حول الباب

مستعينًا باللّه إنّه هو الولي في المبدء والمآب وهو حسبي نِعم المولى ونِعم النّصير

المصادر
المحتوى
OV