لقد أعلن حضرة بهاءالله بأنه قد حان للبشرية وقت نضوجها، وأصبحت تمتلك القدرة، وعليها أن تنطلق بإرادة فردية وجماعية حتى تدرك بعين البصيرة مشاهد نموها الروحي عبر التفكُّر في تعاقب أديان الله السماوية على وجه البسيطة منذ الأزل وهي تترى ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ
(۱) عبْر نسقٍ إلهي موحّد. وهذا ما وضّحه حضرة بهاءالله بقوله عن رسالته هذا دين الله من قبل ومن بعد.
(٢) وفي ألواحه دعا الناس أن يميّزوا بين دين الله الواحد، الذي يوحّد البشرية في مفهومه الحقيقي، وبين الشرائع المتعددة التي تأتي تلبية لمتطلبات مجتمع إنساني دائم التقدم والتطور. لذلك أكّد على ضرورة تحرير عقل الإنسان من رَبقة التقاليد والأوهام الموروثة، دينية كانت أم دنيوية، وعندها فقط يدرك ما تُحدثه كلمة الله في كل زمان من وحدة واتحاد وأُلفة ومحبة. ففي كتاباته ما يجيب عن كل تساؤل ويوضح كلّ مبهم ويشفي غليل كلّ باحثٍ مستفسر.
يمكن القول بأن حضرة بهاءالله قد ترك للبشرية ذخرًا من الآيات المنزلة تعادل في مجموعها مائة مجلد اكتنزت جواهر ما أُوحِيَ إليه. وكما يخبرنا حضرة شوقي أفندي بقوله: هذه المجلدات المائة زخرت بما لا حصر له ولا عدّ من النداءات والدعوات والمناشدات والمبادئ الثورية المطوّرة والشرائع والأحكام التي يُراد بها إعادة تشكيل العالم، والنبوءات والإنذارات الخطيرة والبشارات، علاوة على الصلوات والمناجاة التي تسمو بالروح، والشروح والتفاسير الواضحة الجليّة، والمواعظ الحارة، مبثوثة منثورة في النداءات الموجهة إلى الملوك والأباطرة والوزراء في الشرق والغرب، وإلى رجال الدين في كل ملّة ونِحلة، وإلى القادة في عوالم الفكر والسياسة والأدب والتصوّف والتجارة والبِرِّ والإحسان ...
(۳)
إن الأبرز بين آثار حضرة بهاءالله هو "الكتاب الأقدس" أم الكتاب في دورته، وهو المخزن الرئيس لشريعته. فبالإضافة إلى نصوص شرائعه وأحكامه الواضحة للأجيال القادمة التي سيقوم عليها صرح النظام العالمي المقبل، فقد نص صراحة على خليفة حضرة بهاءالله من بعده واختصّه بمهمة التفسير والتبيين لآياته، ووضع أساس الهيئات والمؤسسات الدينية التي ستضمن للدين صلابته وسلامته ونقاءه وللأتباع تماسكهم واتحادهم. ولا عجب إن وصفَه حضرة شوقي أفندي بأنه دستور الحضارة العالمية القادمة
. وكما تفضّل أيضًا: "بعد أن صاغ حضرة بهاءالله شرائع دورته الأساسية في كتابه "الأقدس"، أعلن بعض المبادئ والتعاليم التي تشكِّل جوهر دينه ... وهذا ما حملته ألواح تجلّ عن الحصر والعدّ ظلّ ينزلها حتى أواخر أيامه على هذه الأرض. من أهمها "الإشراقات" و "البشارات" و "الطرازات" و "التجليات" و "الكلمات الفردوسية" و "اللوح الأقدس" و "لوح الدنيا" و "لوح مقصود" ... وأهم المبادئ المودعة في تلك الألواح على الإطلاق مبدأ وحدة الجنس البشري وكلّيته
. وهو المبدأ الذي يعتبر بحق علامة ظهور حضرة بهاءالله الفارقة وقطب تعاليمه البارزة. وقد بلغ من أهمية هذا المبدأ أن نصّ عليه في "كتاب عهده"، كما أعلن – بلا تحفّظ - أنه هو جوهر دينه فهو يقول: قد جئنا لاتحاد مَن على الأرض واتفاقهم
... ويقرّر أن الاتحاد هو غاية الغايات وسلطان الآمال مؤكدًا أن العالم في الحقيقة وطن واحد ومَن على الأرض أهله
. وينبّه إلى أن توحيد الجنس البشري أمر لا مفرّ منه ... ويبيّن حضرته قصور النُّظُم السائدة، ويكشف عن عدم كفاية حبّ الوطن كقوة مرشدة ضابطة للمجتمع البشري، ويعتبر أن حبّ العالم
وخدمة مصالحه وترقيتها أكرم هدف للجهود الإنسانية وأحقها بالمدح والثناء. .. ويعلن حضرته بأن الدّين هو النور المبيّن والحصن الحصين لحفظ أهل العالم وراحتهم
وأنه السبب الأتمّ لنَظْم العالم
. ويعود فيؤكّد أن الغاية الأساسية من الدين هي ترويج الاتحاد ونشر الوئام بين الناس، ويحذّر الناس من أن يجعلوه سببًا للفُرقة والخلاف، ويوصي أيضًا بأنْ تُعلَّم مبادئه للأطفال في المدارس على نحوٍ لا يغرس فيهم روح التعصّب ولا التحيّز في البشر ... أما العَدل فيَثني عليه ويصفه بأنه نور البشر
و مربّي العالم
وأن عليه أن يعتمد نَظْم العالم وأمن البشر
، ويصف رُكنَي هذا العدل – وهما المجازاة
و المكافأة
- بأنهما ينبوع الحياة
للجنس البشري ... أما الشورَى فيعتبرها حضرة بهاءالله مبدأ أساسيًا من مبادئ دينه واصفًا إيّاها بـ "مصباح الهدى"
و واهبة الإدراك
وينعتها بأنها أحد نيّري سماء الحكمة الإلهية
، ويقرّر بأن العلم هو بمثابة الجناح للإنسان والمِرقاة لصُعوده
ويعتبر تحصيله أمرًا مفروضًا على كلّ فَرد... وفضلاً عن ذلك يؤكّد حضرة بهاءالله الدعوة بقوله: عاشِروا يا قَوم مع الأديانِ كلّها بالرَّوْح والريحان
فمثل هذه المعاشرة تُفضي إلى الاتحاد والوئام
اللذَيْن هما أساس النظام في العالَم والرَّشاد للأمم. ويكرّر التنبيه إلى ضرورة إيجاد لغة عالمية، ويَرثي الوقت المُضيّع في تعلُّم اللغات المختلفة، ويؤكّد أنه باتخاذ هذه اللغة وهذا الخط ستصبح الأرض كلها مدينة واحدة وصعيدًا واحدًا
... ويشير إشارة خاصة إلى الصحف السريعة الانتشار
ويصفها بأنّها "مرآة العالم" وأنّها ظاهرة مُدهشة فعّالة
ويَعهد إلى القائمين على إصدارها بواجب اجتناب الحِقد والضغينة والتعصّب والتحيُّز، ويوصِيهم بالتحلّي بالعدل ورجاحة العقل والتدقيق في تحقيقاتِهم والتأكّد من صحة الوقائع في كلّ حالة. .. واختصّ بالمدح والثناء رجال العِلم والحِكمة ويصفهم بأنّهم مثل البصَر
للبشر وأنهم أعظم عطيّة للعالم.
"(٤)
من الآثار القيّمة الأخرى لحضرته كتاب "الايقان" وهو الأهم بعد الكتاب الأقدس. ويذكر فيه الصفات التي يجب أن يتحلّى بها الباحث عن الحقيقة وشروط السالك سبيل الايمان، ويوضّح تلك المفاهيم الكلّية لجميع الأديان السماوية، ويكشف عن معاني الرموز الواردة في الآيات المُتشابهات في الكُتب المقدّسة السالفة والتي وعد الله بتِبيانها. ثم "الكلمات المكنونة" التي تعتبر دستورًا عظيمًا لخلاص النّفس البشرية، ومنارة الهُدى للضالّين الهائمين في بَيداء الظلام والمادّية... ويمكن اعتبار هذا السِفر الرائع من النصائح والتحذيرات الإلهية دليلاً شاملاً للإنسان في رحلتِه إلى عوالمِ الله الروحانية.
(٥)
وهناك رسائله وألواحه إلى الملوك والرؤساء والعلماء ورجال الدين والحكماء في العالم. في هذه الألواح يشرح حضرته الهدف الأساسي لدعوته وهو وحدة الجنس البشري والسّلام العالمي ويطلب من الجميع أن ينظروا بعين الانصاف لدعوته حتى يصلوا إلى الغاية القصوى لخلق الانسان وعلّة الوجود وهو عرفان الحق تبارك وتعالى وعبادته، وهذا يعني محبة الله ومحبة مخلوقاته وخدمتهم دون استثناء لوجه الله تعالى.
نُزّلت آثار حضرة بهاءالله بعضها بالعربية والأخرى بالفارسية، ولتسهيل مهمة القارئ في الاطلاع عليها تمّ ترجمة بعض ما جاء بالفارسية إلى اللغة العربية وبالعكس، كما تُرجم الكمّ الكبير منها إلى اللغة الإنكليزية.