
مراتب التوحيد
مقامات الائمة
العلل الاربعة
في المعاد هل هو جسماني أم روحاني؟
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
الحمد لله رب العالمين والصلوة على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان الدر الفاخر والنور الزاهر والبحر الزاخر والعلم الباهر قدوة اولي المعالي والمفاخر الميرزا محمد باقر الطبيب البهبهاني حرسه الله عن شر كل غاشم غادر قد واجهني في مشهد مولينا وسيدنا الحسين عليه الصلوة والسلام وسئلني عن مسئلتين عظيمتين جليلتين في يوم مسافرته عن تلك الارض المقدسة والبقعة المنورة على من حل فيها آلاف الثناء والتحية وكان ذلك في زمان قد تراكمت على امواج الهموم وافواج الغموم ولما كان سلمه الله اهلا للاجابة كتبت له مختصر الجواب واشرت الى مراده اشارة اجمالية في كل باب فلما رجع الى موطنه ما رضي بالاختصار أَلَحَ عَلَيَّ بالبسط في المقال واردفهما بسؤال آخر اعظمهما في الاغلاق والاشكال واتى كتابه ايده الله حين خروجي عن ذلك المشهد وعزمي الى مشهد الرضا عليه السلام وكان مستعجلا لارسال الجواب فوعدته ان املي على تلك المسائل في بعض المنازل على ما اراد حسبما اراد الله سبحانه ومكنني مع كمال اشتغال البال بمعاناة الحل والارتحال وجمود القريحة بتوفر الكلال والملال ومع ذلك لا يسعني ان اكتب كلما اعلم اذ ما كلما يعلم يقال لان من الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل ومن العلوم ما تحمل ومنها لا تحمل سيما علم هذه المسائل بل اكتب ما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وجعلت كلامه سلمه الله متنا وجوابي كالشرح له ليطابق كل جواب بسؤاله كما هو عادتي في اجوبة المسائل
قال سلمه الله تعالى : مولينا وسيدنا وفقكم الله تعالى وفضلكم نستدعي ونلتمس من جنابك العالي ان تبين لنا مراتب التوحيد ومقام الوحدة والتفريد ليكون تذكرها سببا لزيادة الخضوع والخشوع والتذلل والعبودية على الوجه الاكمل سيما في اوقات الصلوة
اقول التوحيد له مراتب بحسب ذاته ومراتب بحسب الموحد بالكسر وقولي بحسب ذاته يعني بحسب المتعلق والا فالتوحيد مع تعدد المراتب مما يتناقض وهذه المراتب انما تحصل في حال كون الشخص في عالم التفصيل وتمايز المراتب والا فعند توجهه الى كل مرتبة لا يجد هناك تعددا الا باختلاف النظر في الذوات المتأصلة فالتوحيد توجهك الى الواحد وهذا المعنى المصدري ليس كغيره امرا اعتباريا كما زعمه القوم وانما هو ذات متأصلة اشتق منها الموحد والموحد اسم الفاعل و( واسم خل ) المفعول لا كاشتقاق الفرع من الاصل الا في التعبير كما هو الاصل في الاشتقاق لانه اقتطاع فرع من اصل وذلك لضيق دائرة الالفاظ بل لضيق عالم التفصيل فضلا عن دائرة الالفاظ بل هذا الاشتقاق كما قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها واذا دققت النظر وامعنت الفكر وجدت الحال هكذا في كل المشتقات لانها كلها تحصلت من التوحيد وهو الاصل في كل قريب وبعيد وضعيف وشديد فلنقبض العنان فللحيطان آذان فمراتب التوحيد اربعة :
الاولى: توحيد الذات بان لا تجعل مع الله الها آخر شريكا له في ذاته وقدمه وازليته والا لم يكن الها فان الاشتراك يستلزم المغايرة والتمايز وهما يستلزمان التركيب والقول ان ( بان خل ) ما به الاشتراك عين ما به الامتياز ينفي الاشتراك اذ لا يعقل ان يكون شيء واحد من حيث ما هو مشترك متميز لان الامتياز لا يكون الا في محل صلوح الاشتراك فاذا امتنع صلوح الاشتراك امتنع الامتياز واذا امتنع الامتياز امتنع التعدد في تلك الرتبة ( المرتبة خل ) لان الاثنينية انما تحقق بعد امتيازهما فاذا صح الاشتراك وذكر الغير امتنع ان يكون ما به الامتياز عين ذلك والا لم يذكر الغير وذلك واضح لمن اغمض عن الجدال والقول بان الاشتراك في مفهوم العرض فهما متباينان ومتمايزان في الذات لا يصدق احدهما على الآخر وصدق الوجوب والوجود عليهما بالعرض كما هو مقتضى شبهة ابن كمونة ينفي الالهية للاثنين او يزيدان ( ازيد خل ) اذ الوجوب والوجود ان كان صدقهما عليهما بالعرض فليسا بواجبين في الذات ولا موجودين فيها والا لم يكونا عرضين فالذات التي ليست بواجبة ولا موجودة لا تكون الها وعلى ما ذكرنا ينطبق مثالهم من ذكر صدق الماشي على الانسان وغيره فان المشي ليس ذاتيا للانسان ولا لغيره ولذا اذا نظرت اليهما في حد ذاتهما تنسى المشي وغيره والقول بانه كصدق الانسان الكلي على زيد وعمرو فاسد فان صدقه عليهما ذاتي لا عرضي وقد اقمنا براهين عقلية ونقلية على ذلك في ساير رسائلنا ومباحثاتنا واجوبتنا للمسائل وبينا ان الكلي الطبيعي والعقلي والمنطقي موجودة في الخارج وان المفاهيم مرايا للاعيان الخارجية صفة استدلال عليها لا فرق بينها وبينها الا انها صفتها واثرها ولا يقتضي المقام لتحقيق هذا المرام وهذا التوحيد لا يحتاج الى الاستدلال اذ لا يتصور الشريك حتى يجوز فيحتاج الى دليل للنفي لان التوجه الى المبدء لا يكون الا بعينه لا بعينك اعرفوا الله بالله وعينه لك لتعرفه بها هو ذاتك وفؤادك وحقيقتك وليست ( ليس خل ) هناك جهة وجهة وكيف وكيف وامتياز واقتران واتصال وانفصال واشتراك ومغايرة حتى يتصور ملاحظة الغير فاين تجويز الشريك واين فرضه واين ذكره وما فرضوا من توهم الشريك بالتصور فانما هو في مقام النفس وهو مقام الاحتجاب عن الحق فلا يعرف بها الله وانما يعرف بها سواها في الوجه الاسفل الا ان اهل الرسوم من اهل المجادلة لما كان مقامهم عالم النفوس ورتبتهم الكثرة والاختلاف وقعوا فيما وقعوا من المناقضات والاختلافات والمكاثرات ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
الثانية: توحيد الصفات بان لا تجعل معه تعالى شريكا في صفاته ولا تقول ان الصفات تصدق عليه تعالى وعلى غيره بالاشتراك معنويا كان ام لفظيا فان الاشتراك المعنوي يورث التركيب في الصفة الخاصة ( الخاصة به خل ) تعالى ولا يصح ذلك لانها عين ذاته المقدسة والقول بان الاشتراك في المفهوم لا في المصداق فكلام فاسد لا يعبؤ به لان المفهوم لا يخالف المصداق لانه كالوجه المنطبع في المرآة عن زيد الخارجي فالوجه دليل زيد فمن حيث الدلالة لا فرق بينه وبينه ومن حيث الذات والحقيقة اثره لا يوصف زيد به كما حققنا ذلك في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل فاذا كان المفهوم دليلا للمصداق فالاحكام الجارية عليه بعينها احكام المصداق كذلك فان كان الاشتراك فالاشتراك والا فلا فلا يصح حينئذ ان تقول ان العالم مثلا موضوع لمن له العلم فيصدق على الله تعالى لانه كذلك وعلى غيره لانه كذلك الا ان الصدق بالتشكيك فان صدقه على الله تعالى اقدم واشرف واولى وكذا قولهم في الوجود وغيره لكنهم لا يستشكلون ولا يختلفون في الصدق المعنوي في غير الوجود من ساير الصفات والمعاني التي تطلق عليه تعالى ( على غيره تعالى خل ) كالعلم والقدرة والسمع والبصر وامثالها الا ان اختلافهم في الوجود هل يكون صدقه عليه تعالى وعلى غيره بالاشتراك اللفظي ام الاشتراك المعنوي فالاغلب على المعنوي زاعمين بان القول باللفظي يورث الكفر فان فيه يشترط تباين المعنيين فلما كان الوجود الصادق على الممكن هو المعنى المعبر عنه بالفارسي بهستي فلو كان ما يصدق عليه تعالى غيره لكان مباينا له ومباين الوجود ليس الا العدم فيلزم ان يكون الله تعالى معدوما وذلك كفر اقول وكلامهم هذا يعطى ان يكون الوجود الذي يثبتونه لله تعالى له مقابل ومباين ويلزمهم ان يكون له ضد واثبات المقابل والمباين والمضاد لله تعالى كفر آخر ولا ريب ان وجود الممكن له مقابل ومباين كما اعترفوا به فلا يكون ذلك المعنى ثابتا له تعالى لاتفاق المسلمين على نفي المقابل والمباين له تعالى لاستلزامهما النسبة المستلزمة للاقتران المستلزم للحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث لان النسبة هي علة اقتران المنتسبين واتصالهما وارتباطهما والا لبطل الاقتران كما قرر في المنطق والتقابل والتضاد والتناقض كلها من اقسام التباين وهو احدى النسب الاربع التي لا يخلو الممكن منها فاذا بطلت النسبة في حقه سبحانه لاستلزامها الاقتران بطل اثبات الوجود الذي يصح ويصدق على الممكن لله تعالى وشاذ منهم قالوا بالاشتراك اللفظي حيث منعوا اتحاد الرتبة بين الممكن والواجب مطلقا مفهوما ومصداقا وهذا ايضا باطل لا لما ذكروا بل لان الاشتراك اللفظي شرطه وضع اللفظ للمعنى المباين ووضع اللفظ لذاته الاقدس مما ثبت امتناعه وقد بسطنا القول في جواب المسائل التي اتانا من مشهد الكاظمين عليهما السلام لعبدالله بيك وحققنا هذه المسئلة هناك بما لا مزيد عليه فمن اراد فليرجع اليه فان القلب الآن مشغول والادراك مخمول لمشاق السفر وكذلك القول في اثبات المباين له تعالى كما سبق وبعضهم كالسيد قطبالدين الشيرازي وغيره قال بالحقيقة والمجاز ونفي الاشتراك مطلقا في الوجود والظاهر في غيره ايضا من الصفات وهذا ايضا باطل لان الحقيقة والمجاز من احكام اللفظ الموضوع وصفاته فحيث بطل اصل الوضع في الذات سبحانه وتعالى بطل القول في ان تلك الصفات وضعت حقيقة لله تعالى واستعملت في غيره مجازا ولان المجاز لا بد ان يكون بينه وبين الحقيقة علاقة واي علاقة بين امرين احدهما ممتنع عند الآخر ولعمري ان السيد اقر واثبت بالادلة القطعية من العقلية والنقلية بان الله كان ولا شيء معه والآن على ما هو عليه كان فاين ذكر الغير فضلا عن الارتباط والعلاقة وقد ذكرت فساد هذا القول في اللوامع الحسينية (ع) على احسن الوجه الا ان يريد بهما المعنويين وهذا مع انه فاسد ايضا غير ما نحن فيه فافهم فاذا نفيت هذه المعاني عن صفاته تعالى ونزهته عن مشاركة الغير معنى ولفظا وعلاقة وارتباطا وجعلت صفاته تعالى عين ذاته تعالى من غير فرض مغايرة لا في المفهوم ولا في المصداق الا عند اختلاف الآثار وجعلت هذه الالفاظ تعبيرات عنه تعالى في مقام قول امير المؤمنين عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط وهجم الفحص عن العجز والبلاغ على الفقد والجهد على اليأس انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته الحديث بابي هو وامي فقد جمع في هذه الكلمات جميع مقامات التوحيد والموحدين فاذا كان كذلك فانت الموحد لله تعالى في صفاته الذاتية في مقام ذاتك كما وحدت ذاته تعالى فيها ويثبت لك التوحيد الصفاتي والا فلا واما الصفات الفعلية فكذلك لا اشتراك بينها وبين الخلايق اي الآثار الصادرة بها اشتراك في مقام الاطلاق لا من باب الاشتراك اللفظي ولا المعنوي بقسميه من التواطي والتشكيك ولا اللفظي لعدم اتحادهما في الوضع ولعدم المباينة لحدوثها بها لان المسبب لا يكون مباينا لسببه والا لم يكن كذلك بل الاثر دليل لمؤثره فاين التباين ولا الحقيقة والمجاز الا المعنويين لان علامات الحقيقة واماراتها في الاحكام اللفظية في كلا المقامين موجودة فلم يبق الا الحقيقة بعد الحقيقة وهذا باب عظيم في الالفاظ لم يعثر عليه اهل اللغة الظاهرة وانما هو عند اهل اللغة العربية الحقيقية مما عند اهل العصمة عليهم السلام وبهذا ينفتح باب صحة القول بخصوص الوضع وعموم الموضوع له كما اتفقوا على بطلانه وقد شرحت بعض احوال هذا الباب ومفتاحه في شرح الخطبة الطتنجية في مقام الخطاب الشفاهي وهذا الذي ذكرنا هو الوجه الظاهري في معنى التوحيد الصفاتي واما الوجه الحقيقي فهو ان عالم الامكان العمق الاكبر بما فيه من حيث صدوره وحدوثه كله اسم وصفة دالة على كماله تعالى وجلاله وجماله فان الاسم على ما قال امير المؤمنين عليه السلام ما انبأ عن المسمى وكل الخلق بفقرهم وحدوثهم منبئون عن توحيده تعالى وقد قال مولينا الرضا عليه السلام في الاسم انه صفة لموصوف ولهذه الجهة قال عليه السلام في حديث عمران الصابي ليس ( ليس شيء خل ) الا الله واسماؤه وصفاته بعد ما قال هناك حق وخلق لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فافهم لحن المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال فاذن ليس الا ذاتا واحدة هي الازل عز وجل وما سواها كلها صفات افعاله وشؤنات آثاره واسماء ظهوراته ( اسمائه وظهوراته خل ) كما في الدعاء لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيه صوت غير ( الا خل ) صوتك فاين الاشتراك في الصفة اذا كان العالم كله صفة ولما كان الشيء يعرف بصفاته لا بذاته الا للعالي لا بغيره ( لغيره خل ) قال عز وجل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الاية وقال سيد الساجدين عليه السلام في دعاء سحر بك عرفتك وانت دللتني عليك طبقا لما قال جده امير المؤمنين عليه السلام في دعاء الصباح يا من دل على ذاته بذاته وقال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه ومولينا الحسين عليه السلام شرح هذا المقام بين كلام في قوله عليه السلام في دعاء عرفة الهي امرت ( امرتني خل ) بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير انتهى ومعاني هذه الاحاديث كلها متحدة وانما خالفوا بين الالفاظ لينبهوا شيعتهم على الاسرار ويصونوها عن الاشرار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار ومرجع ما قالوا عليهم السلام في هذه المقامات كلها الى التوحيد الصفاتي
الثالثة: توحيد الافعال وهذا هو الداء العضال ومزال اقدام الرجال وانكر هذا التوحيد طائفة زعما منهم بانه ينافي الاختيار في افعال العباد مع ان ذلك يحقق الاختيار في المبدء والمعاد وبيانه على ما يقرب الى الافهام في رتبة العوام هو ان توحيد ( توحد خل ) الله في افعاله بان لا يشاركه احد في فعله ولا يستعين باحد في انشاء خلقه ولا يستشير احدا في ايجاد بريته ولا يستشهد احدا حين فطر اجناس خليقته بل هو سبحانه المستقل في فعله المستبد برايه لا يشارك في امره ولا يضاد في حكمه ولا يعترض عليه احد في تدبيره وهذا في افعاله الخاصة به تعالى وان كان لغيره تعالى ايضا فعل باعانته تعالى واقداره اياه للفعل كما في الافعال الاختيارية للعباد وهذا على مذاق العلماء الذين يفرقون بين الذوات والصفات الذاتية واللوازم الخارجية والاسباب الموجبة والشرايط المتحققة وبين الافعال الصادرة الاختيارية لا ما هي بغيره كحركة يد المرتعش ووقوع المتردي عن السطح وفعل النائم والناسي والساهي وامثالها من الافعال فانها كلها لا مدخلية للاختيار فيها ويختص بها الله سبحانه فاثبتوا الاضطرار في ما سوي الافعال الصادرة على نحو الشعور الذي يفهمون ويفهمه العوام ظاهر واضح لا اشكال فيه واما على مذاق من صدق الله سبحانه في قوله تعالى وما امرنا الا واحدة وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة الاية وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت قل الله خالق كل شيء واروني ماذا خلقوا من الارض وامثالها من الايات وصدقوا اوليائه المعصومين عليهم السلام في قولهم ليس لنا من الامر الا ما قضيت ولا من الخير الا ما حكمت ولا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن قدر على نقض واحدة منها فقد كفر وفي رواية فقد اشرك وفي الحديث القدسي انا الله الذي لا اله الا انا خلقت الخير فطوبى لمن اجريته على يديه وانا الله الذي لا اله الا انا خلقت الشر فويل لمن اجريته على يديه وامثالها من الروايات فلم يفرقوا بين الافعال والذوات والصفات والكينونات مع مقاماتها من ساير اللوازم والشرايط وساير المتممات والمكملات وكلها انما اجرى بفعله سبحانه على امر محكم ووضع ( وصنع خل ) متقن بما لا يؤدي الى الاضطرار فاعطى سبحانه الاشياء ما طلبوا منه بالسنة الاستعدادات وتلك الاستعدادات انما تقومت بنور فيضه وفعله عند خلق الكاينات فلا قدم للقابليات ولا حدوث للاشياء الا بها فالاشياء انما تكونت على جهة الاطلاق من امره كن واختياراتها وقابلياتها انما نشأت عند فيكون قال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وقال تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله فاختلاف الاشياء بمشياتها الاختيارية وهي القابليات وهي انما تقومت بالمقبولات وهي متقومة بفعله تعالى فالافعال كلها منتسبة اليه تعالى بكن فيكون وذلك سر الامر بين الامرين وبيان حقيقة هذه المسئلة على ما يكشف القناع عن وجه المرام مما ابى الله الا كتمانه لعدم تحمله العقول ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام لما سئل عن ذلك بحر عميق فلا تلجه وسئل ثانية قال عليه السلام طريق مظلم فلا تسلكه وسئل ثالثة قال عليه السلام سر الله فلا تهتكه وقال الصادق عليه السلام لا جبر ولا قدر بل منزلة بينهما اوسع ما بين السماء والارض لا يعلمها الا العالم او من علمه العالم انتهى فلو قدر الله المشافهة والملاقاة لالقيت اليك من هذا الامر ( الدر خل ) المكنون والسر المصون ما تطمئن به القلوب وتقر به العيون نعم ربما يحصل ذلك بالكتابة لكنه يحتاج الى بسط مقدمات كثيرة وذكر اشياء ربما يؤدي الى ذكر ما لا ينبغي سيما في السفر واثناء المنازل مع كمال اختلال البال واغتشاش الاحوال ولو نظرت في الاخبار وتأملت في الآثار المروية عن الائمة الاطهار عليهم سلام الله ( الله المختار خل ) في آناء الليل واطراف النهار رأيت انهم عليهم السلام ما عظموا امر مسئلة من المسائل في دقتها وخفائها وغموضها مثل ما عظموا امر هذه المسئلة حتى قال امير المؤمنين عليه السلام ان القدر سر من سر الله وستر من ستر الله وحرز من حرز الله وامر من امر الله مختوم بخاتم موضوع من العباد علمه رفعه الله فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لانهم لا ينالونه بحقيقة الصمدانية ولا بعزة الفردانية بحر عميق مظلم كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير انتهى انظر كيف صرح بالامر وقوله لا يعلمها الا الله ليس المراد انه لا يمكن لاحد الوصول اليها بل المراد انه لا يمكن لاحد الوصول اليها الا بتعليم خاص وعناية خاصة زايدة عما هي عامة للخلق لاتنال الا بالاخلاص في طاعته والاقبال الكلي عليه كما قال عز ذكره واتقوا الله ويعلمكم الله وقال ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين فاذا قلت ان الماهية ليست بمجعولة وانما هي اعيان ثابتة في الازل اقتضت ذاتياتها من النور والظلمة والخير والشر والسعادة والشقاوة والذاتي لا يعلل وان الله لم يجعل المشمش مشمشا بل جعله موجودا وان الشرور اعدام لا وجود لها وان الامكان لا وجود له ولا تعلق به جعل وامثالها من الامور الواهية ما وحدت الله في افعاله وما صدقته في اقواله بل انسب الذوات والصفات والقابليات كلها الى فعله تعالى وايجاده بسر الامر بين الامرين كما اشرت الى نوع الامر فيه فافهم وانظر الى الشمس واشراقاتها والرجل وكلماته والفاظه وساير آثاره من الآثار القلبية والصدرية والجسدية ترى الامر واضحا ظاهرا مشروحا وتلك من الامثال التي ضربها الله للناس وما يعقلها الا العالمون
الرابعة: توحيد العبادة كما قال عز وجل فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وهذا التوحيد بان لا ترى لشيء تذوتا وتحققا واستقلالا سواه تعالى فلا تخاف من احد ولا ترجو احدا ولا تعدل بالله احدا فانك اذا توجهت الى شيء فهو معبودك كما في الحديث كلما يشغلك عن الله فهو صنمك وقال الصادق عليه السلام من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان انتهى وجامع الامر في هذا المقام هو ان المعبود يجب ان يكون هو المستقل الثابت الدائم الذي كل شيء يستقهر ويضمحل دون جلال عظمته وكبريائه وبهائه اذ لو كان احد اعظم منه تأبى النفس عن التوجه الى الادنى الاسفل مع وجود الاعلى الافضل ولا ريب ان الشيء حين توجهه والتفاته الى الاعلى لا يلتفت الى الاسفل والا ليس بعاقل بل ولا ذي شعور بل لا يمكن ذلك فاذا اعتقد في حق شيء انه الاعلى مع حضوره عنده يستحيل ان يتوجه الى الاسفل فاذا رأيت الرجل يتوجه الى الاسفل مع وجود الاعلى فحينئذ قد جعل الاسفل اعلى حتى محي ظهوره ظهور الاعلى وجعل الاعلى اسفل حتى يرجح الالتفات اليه على الالتفات الى الاعلى وهذا يكون في نظره واعتقاده او عمله والا فلا يكون الاعلى اسفل ولا الاسفل اعلى في الواقع فاذا نظر الى الاسفل جعله مقصودا ومعبودا اذ لو كان عنده من هو اعلى منه لماساغ النظر الى هذا الاسفل بل لمنع ظهور الاعلى من مشاهدة ذلك الاسفل فان كان نظره دائما الى الاسفل فهذا كافر وان كان مرة الى الاعلى ومرة الى الاسفل فهو مشرك فالفقر الذي هو سواد الوجه في الدارين هو من الاول وكاد الفقر ان يكون كفرا من الثاني فالعصاة كلهم مشركون في هذا التوحيد ولان العاصي تابع لهواه ومخالف لامر مولاه وهو قوله تعالى افرأيت من اتخذ اله هويه لانه جعل هواه معادلا معه تعالى بل ربما ارجح حتى اختار وآثر ارادته على ارادة الله نعوذ بالله ونستغفر الله وهذه المعصية لها مراتب بحسب الرقة والغلظة والكبر والصغر حتى يأول الى ما قال صلى الله عليه وآله وان الشرك في هذه الامة له دبيب اخفي من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ومراتب هذا التوحيد وهذا الشرك كثيرة لا نهاية لها ولو اردنا شرح اكثر كلياتها ما وسعنا المقام الا اني ابين لك ما يجمعها كلها بجميع مراتبها في ثلاث مراتب :
المرتبة الاولى: توحيد العوام وهو التوجه الى المعبود الحق تبارك وتعالى بفعل الامر الوجوبي وترك النهي التحريمي في كل الافعال والاقوال والحركات والسكنات كما قال عليه السلام في معنى الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ان الذكر ليس هو قول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر بل الذكر ان تذكر الله حال الطاعة فتفعلها وحال المعصية فتتركها ه ولذا يخرج الشخص حال المعصية عن الايمان كما قال عليه السلام لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن ويدخل في حد الشرك من شرك العبادة على المعنى الخاص لا على المعنى العام كما جعلوا الاصنام الظاهرية والباطنية شركاء لله واوجبوا العبادة لها معه تعالى
المرتبة الثانية: توحيد الخواص وهو التوجه الى المعبود الحق سبحانه وتعالى بفعل الامر التكميلي وترك النهي التنزيهي وهؤلاء اولوا الالباب الذين عرفوا الماء من السراب والمراد بالامر التكميلي المستحبات والنهي التنزيهي المكروهات فان العبد ليس طاعته وعبادته لله عز وجل لاجل طمع في الجنة ولا خوف من النار وانما هي طلبا لرضاه وحذرا عما ينافي محبته ورضاه ولا شك ان المستحبات فيها رضاه تعالى والمكروهات ليس فيها رضاه تعالى فاذا تركها وفعلها مع امر الله عز وجل ورفع الموانع فقد آثر شهوة نفسه وانيته الملعونة على رضاه تعالى ومحبته فقد اتخذ الهه هويه واضله الله على علم وختم على سمعه وبصره وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله اللهم اهدنا بهدايتك وافتح مسامع قلوبنا بنورك يا نور النور ويا مدبر الامور
المرتبة الثالثة: توحيد اخص الخواص وهم الخصيصون وهم اولوا الحقيقة والاقطاب وهو التوجه الى المعبود الحق سبحانه وتعالى بل ما ذكر في المرتبتين المتقدمتين وبترك المباحات التي لم يرد فيها امر ولا نهي وورد انها مباحة لكم كما قال عليه السلام كل شيء لكم مطلق حتى يرد فيه امر او نهي انتهى وهو قوله عليه السلام في حق هؤلاء الابرار يدعون ما لا بأس به حذرا عن الوقوع في ما فيه بأس بل بترك الامور التي فيها محبة للهوى والنفس لانهم قطعوا اعتبار انفسهم ومشاهدة هويتهم وملاحظة انيتهم واندكت شهواتهم وبطلت واضمحلت اراداتهم في ارادته سبحانه ومشيتهم في مشيته تعالى فمنهم من لا ارادة لهم وهم الاعلون ومنهم من ارادتهم تابعة لارادته تعالى وهم المعنيون من قوله عز وجل وما تشاؤن الا ان يشاء الله وبحفظ السر عن النظر الى السوي ومشاهدة غير الله فقد امتثلوا امره تعالى ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون فلا يخطر ببالهم ولا في خاطرهم شيء سوى نور عظمته تعالى وبهاء قدرته فاستظلوا بظل التوحيد واووا الى الكهف التفريد والتنزيه ولهم قال عز وجل في التأويل واذ اعتزلتموهم ومايعبدون الا الله فاووا الى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من امركم مرفقا والشرك في هذه المرتبة مقابلات ما ذكرنا ومانال هذه الدرجة من التوحيد على الحقيقة والواقع باكمل الوجوه واعلاها واشرف الدرجات واقصاها الا محمد واهل بيته الاربعة عشر المعصومون قصبة الياقوت وحجاب اللاهوت وسلاطين الملك والملكوت صلى الله عليهم اجمعين والصراط موضوع على مقتضى هذا التوحيد وهو قوله عليه السلام ان على الصراط عقبات كؤد لا يقطعها بسهولة الا محمد واهل بيته الطاهرون ثم بعدهم عليهم السلام نالوا هذه الدرجة من التوحيد الانبياء المرسلون المعصومون عليهم السلام على تفاوت درجاتهم فلذا اختلفوا باولي العزم وغيرهم وكان يصدر منهم بعض الهفوات من ترك الاولى ثم بعدهم اخص الخواص من الشيعة ( الشيعة المخلصين خل ) وهم القائلون على الحقيقة وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعة السفلى باطل مضمحل ما خلا وجهك الكريم فلا يلتفتون طمعا وخوفا ورغبة ورهبة الا اليه وحده لا شريك له وهم الذين يعمرون مساجد الله والمساجد هم الائمة عليهم السلام وتعميرهم احياء امرهم وذكرهم وارشاد هدايتهم ودلائلهم وقد قال عز وجل انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر واقام الصلوة وآتى الزكوة ولم يخش الا الله فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين وشرح احوال هؤلاء طويل وهذه الاشارة كافية لاولي الدراية وهذه مجمل مراتب توحيد العبادة والموحدين لله تعالى فيها انظر في نفسك هل انت منهم ام لا فاذا كنت منهم فانظر في اي درجة منها فكن طالبا في الناس اعلى المراتب واعلم ان اهل الدرجة الاولى قد خلصوا من الشرك الجلي والثانية من الشرك الخفي والثالثة من الشرك مطلقا من الجلي والخفي والاخفى والممادح القرآنية ومذامها كلها تجري على اهل هذه المراتب على تفاوت درجاتها وتعدد مقاماتها وهذه المقامات التي ذكرناها كلها مراتب اهل الحق الذين ظاهر دعويهم التمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها وليسوا ( ليس خل ) هؤلاء ممن قال عز وجل ان الله لا يغفر ان يشرك به وان كان باب التأويل واسع وحكم التنزيل جامع واما مقامات اهل الباطل من المنكرين للاوصياء عليهم الصلوة ( وخل ) السلام او الوصي المطلق امير المؤمنين عليه السلام او انكار منكر حق بعد ثبوته ووضوحه لديه او منكر الانبياء عليهم السلام او منكر البعث والنشور فقد تركنا ذكرها للوضوح والظهور وانما الاشكال في الشرك الموجود عند هؤلاء فقد اشرت اليه لتنبيه الغافل ( الغافلين خل ) ولتيقظ ( تيقيظ خل ) الجاهل وتذكرة للنفس الميالة الى الباطل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل واعلم ان من اعظم الشرك في العبادة ما يأمر الصوفية مريديهم بان يمثلوا صورة المرشد في خيالهم ويقصروا نظرهم عليها ولا يلتفتوا الى غيرها ولا ينظروا الى سواها ليجعل ذلك كل الهموم هما واحدا ويقربهم الى عالم الوحدة ثم بعد ذلك يصرفون نظرهم عن تلك الصورة ويتوجهون الى الله عز وجل فان تلك الصورة التي يقصرون نظرهم عليها هل هي دليلهم الى الله عز وجل يعني يتوجهون الى الله تعالى بتلك الصورة المحدودة فان ذلك كفر فان وجه الله لا كيف له ولا حد والا كان لله حد وكيف تعالى عن ذلك علوا كبيرا وقد قال في الدعاء ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء فاذا كان هذا حال الوجه وآية المعرفة فكيف تكون تلك الصورة وجها فاذا لم تكن وجها كانت شاغلة فكانت صنمك لقوله عليه السلام كل شيء يشغلك عن الله فهو صنمك وهي وان كانت تجعل الهموم هما واحدا الا ان ذلك اغلظ الحجب واكثفها قد يحصل للشخص ان يقطع عن تلك الهموم لعدم ثباتها بدليل اختلافها ولا يمكنه قطع تلك الصورة لثباتها ورسوخها فكان الرجل في مدة عمره يعبد الوثن وهو يريد التوجه الى الله بواسطته كما قالوا ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ولقد كذبهم الله في دعويهم وابان عن غيهم وافترائهم بقوله الحق وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ما كان لبشر ان يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين الى ان قال تعالى ايامركم بالكفر بعد اذ انتم مسلمون انظر الى هذه الكلمات كيف صرح بكفر هؤلاء في اتخاذهم تلك الصورة معبودا من دون الله وقد بين الامام الصادق عليه السلام كفرهم بعد تسليم اقصي ما عندهم من الحجة من انها الطريق والسبيل الى الله تعالى قال عليه السلام من عبد الاسم دون المسمى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد المسمى والاسم معا فقد اشرك ومن عبد المسمى دون الاسم فذاك التوحيد الحديث يعني هب ان تلك الصورة سبيل لا تكون اقرب من الاسم فتكون اسما اذ هو المتمحض في الدلالة وحالة الاسم كما ذكر عليه السلام وقد شرحنا هذا الحديث في اجوبة مسائل اتانا من جبل عامل وبالجملة فالكلام في ذكر مخازي هذه الطائفة الملعونة كثير والاعراض عنه اولى والاشارة كافية لمن طلب الهداية وهذه المراتب الاربع هي مراتب التوحيد المشهورة والقسم الآخر اي مراتبه بحسب الموحد بكسر الحاء وان كانت لا حد لها لان الطرق الى الله بعدد انفاس الخلايق الا ان كلياتها تجمعها مرتبتان : الاولى التوحيد الذاتي الثانية التوحيد الصفاتي والمراد بالاولى توحيده تعالى على ما هو عليه في عز جلاله وقدسه وذاته وهذا هو قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو وهذا التوحيد مختص بذاته المقدسة سبحانه وتعالى لا يشاركه فيه احد ولا يصل اليه مخلوق وكل الخلق عاجزون عن الوصول اليه بل معدومون وممتنعون عند ( عند ظهور خل ) جلال تلك العظمة والى تلك الرتبة يشير ما قال سيدنا ونبينا صلى الله عليه وآله ماعرفناك حق معرفتك فاذا عجز عن نيلها اشرف الخلق فساير الخلق عن نيلها وادراكها اعجز فلا يصل اليها احد سواءا بقي الحدود والتعيين ( التعين خل ) او نزعها فان بنزع الحدود يلوح الرسم والاسم لا الحقيقة والعين وما قالوا في هذا المقام من الامور المبنية على مذهب القائلين بوحدة الوجود فساقط عن درجة الاعتبار ولا يلتفت اليها اهل الاعتبار من الاخيار الابرار فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون والمراد بالتوحيد الصفاتي هو ما وصف الله تعالى نفسه لعباده وتوجه الخلق اليه تعالى بذلك الوجه الذي كل شيء هالك سواه وهو النقش الفهوائي والخطاب الشفاهي وهو قوله تعالى لعباده اني انا الله لا اله الا انا كما قال لموسى عليه السلام ولكل شيء فكل الخلق صدا ذلك الصوت وتوجههم الى ذلك الرسم ونداءهم بذلك الاسم ولما كان الخلق في نزولهم حصلت لهم مقامات سفلية وعلوية ظهر سر ذلك التوحيد الاسمي الرسمي الوصفي في كل مقام على حسب ذلك المقام ولما كان كليات مقاماتهم تنحصر بظهور القبضات العشر التي خلق منها كونه ووجوده مشروح العلل مبين الاسباب كانت مراتب ظهورات التوحيد ايضا تختلف بعشر مراتب عند وقوف العبد في كل مقام ومرتبة :
الاولى: ظهور التوحيد في مقام القلب وهو المعبر عنه بانا وفي هذا المقام تجلى له نور الكبرىاء والعظمة تحت حجاب القدس وهو مقام ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ومقام تعرفت الى في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء ومقام وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضيك السابعة السفلى باطل مضمحل ما عدا وجهك الكريم وهو في هذا المقام يسبح مع حملة العرش في مقام هو معهم فوق العرش وفي مقام هو معهم في العرش وفي الثالث هو معهم تحت العرش
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
الثانية: ظهور التوحيد في مقام الصدر وهو مقام النفس وفي هذا المقام تجلى له نور العظمة تحت حجاب القدرة وهو حينئذ يسبح مع الملئكة الواقفين في الكرسي فاصحاب النفس الكاملة والمرضية هم الواقفون فوق الكرسي في مقام مارأيت شيئا الا ورأيت الله قبله واصحاب النفس الراضية هم الواقفون في الكرسي في مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله معه واصحاب النفس المطمئنة هم الواقفون تحت الكرسي في مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله بعده
الثالثة: ظهوره في مقام العقل وفي هذا المقام تجلى له نور العظمة تحت حجاب العزة وهو حينئذ يسبح مع الملئكة الواقفين في فلك العقل اي افرودوس فاصحاب العقل المرتفع فوق افرودوس في مقام لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيها ( فيه خل ) صوت الا صوتك واصحاب العقل المستوي فيه في مقام من عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة ومن عرف نفسه بالفقر عرف نفسه بالغنى ومن عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء وهكذا واصحاب العقل المنخفض تحت افرودوس في مقام اثبات التوحيد ومعرفة الصفات بدليل الموعظة الحسنة الواقفون مقام اليقين اي عين اليقين في مقام المستوي وطرفيه في طرفيه كما سبق
الرابعة: ظهور التوحيد في مقام العلم وفي هذا المقام تجلى له نور العظمة تحت حجاب العظمة وهو حينئذ يسبح الله مع الملئكة الواقفين في السماء السادسة فاصحاب علوم لب اللب وهم اصحاب الوبر في مقام القشر وهو ظاهر الجلد فوقها في مقام اثبات التوحيد بالبرهان المركب عن ( من خل ) المقدمات اليقينية التي تنتهي الى البديهيات بحيث لا يختلف صاحبها ولا يزول عما هو عليه بوجه ابدا وهو كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف واصحاب علوم اللب في مقام ( مقام القشر فيها في مقام خل ) البرهان القطعي ( القطع خل ) لكن يزول عنه صاحبه ( صاحبه احيانا خل ) واصحاب ( اصحاب علوم خل ) القشر في مقام ( مقام القشر خل ) وهم اصحاب الشعر تحتها في مقام البرهان القطعي لكن يزول عنه صاحبه دائما وهو كرائي الشبح عن بعيد
الخامسة: ظهور التوحيد في مقام الهمة وفي هذا المقام تجلى له الجبار تحت حجاب القهر والغلبة وهو حينئذ يسبح الله سبحانه مع الملئكة الواقفين في السماء الخامسة فاصحاب الهمة العليا فوقها يستمدون من نور العقل المرتفع من فاضل ما ظهر له من تجلي الاسماء عند ظهور التوحيد حرفا بحرف الا ان له الاصل ولهؤلاء الفرع واصحاب الهمة الوسطى في السماء يستمدون من نور العقل المستوي واصحاب الهمة الادنى يستمدون من نور العقل المنخفض كما سبق على ما سبق
السادسة: ظهور التوحيد في عالم الوجود ومقام الشهود واول ظهور اسم المعبود وفي هذا المقام تجلى له نور العظمة تحت حجاب الجمال وهو حينئذ يسبح مع الملئكة الطائفين حول البيت المعمور فاصحاب الوجود الشريف اللطيف يستمدون من نور القلب فوق العرش وفوق سطح البيت المعمور واصحاب الوسط يستمدون من نوره في العرش في البيت المعمور واصحاب الاكثف الاسفل يستمدون من نوره في اسفل البيت المعمور وظهور التوحيد لهؤلاء كما لاولئك الا ان لهم الاصل ولهؤلاء الفرع على ما قلنا
السابعة: ظهور التوحيد في عالم الخيال ورتبة المثال ومقام الوصال والاتصال وفي هذا المقام تجلى له نور العظمة تحت حجاب الجلال وهو ح يسبح الله مع الملئكة الواقفين في السماء الثالثة فاصحاب المثال الاعلى فوقها يستمدون من نور علم لب اللب في كلما له وبه ومنه وعليه واليه فوقها وعلى هذا القياس ساير المراتب والمقامات كما تقدم مجملا
الثامنة: ظهور التوحيد في مقام الفكرة وفي هذا المقام تجلى له نور العظمة تحت حجاب الفخر وهو حينئذ يسبح الله مع الملئكة الواقفين في السماء الثانية واصحاب هذا العالم لهم ميولات واهواء ومناسبات مع كل العوالم المذكورة المتقدمة بمراتبهم الثلاثة فمرة تظهر لهم اسرار التوحيد من نور القلب ومرة من نور الصدر بمراتبهما الثلثة ومرة من نور العلم كذلك ومرة من المختلط من المجموع فيحصل لهم ظهور آخر وشرح تلك الاحوال يقتضي بسطا في المقال وليس لي الآن ذلك الاقبال والاشارة كافية للفطن المفضال والله خليفتي عليك في كل حال
التاسعة: ظهور التوحيد في عالم الحيوة وفي هذا المقام تجلى له نور العظمة تحت حجاب المجد وهو حينئذ يسبح الله مع الملئكة الواقفين في السماء الاولى سماء الدنيا واستمداد اهل هذا العالم بمراتبهم الثلثة من اصحاب الحيوة الصرفة التي هي فوقها في جوزهرها واصحاب الحيوة المتوسطة في حاملها واصحاب الحيوة المستوية ( المشوبة خل ) بالممات تحتها انما هو من الكرسي بمراتبه الثلثة عند ظهور التوحيد له فيها فيظهر لهؤلاء منها على التفصيل والفرق في الاصالة والتبعية
العاشرة: ظهور التوحيد في عالم الجسد وفي هذا المقام تجلى له نور العظمة تحت حجاب الكبرىاء وهو حينئذ يسبح الله مع الملئكة الواقفين في عالم الملك فاصحاب الجسد الاخروي فوق هذا العالم في مقام الهي امرت ( امرتني خل ) بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها واصحاب الجسد البرزخي في ذلك العالم في مقام عليكم بدين العجايز واصحاب الجسد الدنيوي في مقام قولوا لا اله الا الله تفلحوا وهذه المراتب عشرة ( عشر خل ) مراتب يظهر التوحيد في كل مقام غير ما يظهر في المقام الآخر والكل يوحدونه تبارك وتعالى في الذات والصفات والافعال والعبادة وهنا مرتبة اخرى في التوحيد وهي اصلها ومنشأها ومبدؤها وهي منها تحققت وتأصلت واليها تعود بالكمال وهي ( ذلك خل ) ظهور التوحيد في مقام الفؤاد واول المداد ووجه الاستمداد واصل الاستعداد وذلك احد عشر مقاما بعدد قوى هو وهي ميادين التوحيد وفي مقام الفؤاد مقامات عديدة ومراتب كثيرة وللكلام فيها مجال اقلها كغيرها ثلثة والا فهي تزيد على العشرة فمجموع هذه المراتب ثلثة وثلاثون وهي مقامات التوحيد وفي كل مرتبة اربع مراتب من التوحيد كتوحيد الذات والصفات والافعال والعبادة والمجموع مأة واثنان وثلثون مرتبة وهذه مراتب التوحيد لكل احد ثم في السلسلة الطولية في كل مقام تتحقق هذه المراتب وهي ثمانية الحقيقية المحمدية صلى الله عليه وآله وحجاب الكروبيين الذي تحته الانبياء والمرسلون والاوصياء المرضيون والصفوة المنتجبون واصحاب النفوس الناطقة القدسية دون الملكوتية الالهية والجان الذين خلقوا من مارج من نار وهم القوى النيرانية الصافية المنبعثة ( المنشعبة خل ) من المرة الصفراء في الحضرة الانسانية ولهم النفس الناطقة الظلية لا القدسية وان كانت فهي من باب الحقيقة بعد الحقيقة والملائكة الملأ الاعلى الجزئية صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وهم حملة ظهورات الاختراع الى القوابل والاستعدادات من الظهورات الخاصة في الاحكام الجزئية الشخصية وهم في هذا المقام ينقسمون الى كلي وجزئي والكلي هم الاربعة حملة العرش اي جبرئيل الحامل لركن الايسر الاسفل وعزرائيل الحامل للركن الايسر الاعلى وميكائيل الحامل للركن الاسفل الايمن واسرافيل الحامل للركن الايمن الاعلى من العرش وغيرهم من اعوانهم وخدامهم ومواليهم وهم بين كلي وجزئي فمن الملئكة من اذا صبت مياه بحور السموات والارضين في نقرة ابهامه وسعتها ومنهم من بين كتفيه الى شحمة اذنيه مسيرة خمسمأة عام ومنهم من رأسه فوق السماء السابعة ورجليه ( رجلاه خل ) تحت الارض السابعة السفلى وله جناحان احديهما ملأت المشرق والاخرى ملأت المغرب ومنهم من لو اجتمعوا الف منهم ما قدروا على حمل باقة بقل وفيهم تفاصيل واحكام كثيرة لا يسعني الآن ذكرها والاشارة كافية لاهلها واصحاب النفوس الحاسة الفلكية فهم بين قوى مجردة او ظاهرة في الاجسام البسيطة المجردة عن المواد الجسمية كالافلاك وقواها وكواكبها وقراناتها واوضاعها والذوات المتأصلة المتحققة منها وبين قوى ظاهرة في الاجسام الفلكية المتنزلة في الاجسام والاجساد العنصرية وهؤلاء ما ظهروا وما وجدوا في هذه الدنيا الا منكسة الرؤس لادبارهم عن مبدئهم ووقوفهم تحت حجاب الكثرة التي ثقلتهم ومالت بهم الى الارض وهو قوله تعالى ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فافهم الاشارة باخصر العبارة وهؤلاء بين من غلبت عليهم القوى النارية كالطيور النارية كسمندر والطاوس والصقار وامثالها وبين من غلبت عليهم القوى الهوائية كساير الطيور وبين من غلبت عليهم القوى المائية كالحيوانات البحرية وبين من غلبت عليهم القوى الترابية كالحيوانات البرية ولهم تفاصيل اخر لا يناسب المقام لذكرها واصحاب النفوس النامية النباتية القوى الظاهرة من ايتلاف القوى العنصرية وهؤلاء بين صاعد الجو لقوة الحرارة النارية وبين واقع على الارض لقوة اليبوسة والبرودة الترابية وبين عال شامخ وهابط سافل والمتوسط بينهما وبين ما لا يثمر ( لا يتم خل ) لقلة النضج البالغ وقوة القوى في الاعتدال فاظهر ( فما ظهر خل ) فيه سر الربوبية المناسبة لمقامه وبين ما يثمر لتحقق النضج بقوة الحرارة الغريزية حتى حكت مظاهر الالهية والربوبية بسر الولاية فاظهر كل ما اودع الولي فيه من سر الاسماء الالهية والسمات الغيبية فاختلفت الثمار لاختلاف الاسماء وذلك الاختلاف لاختلاف ميولات تلك القوى الى صاحب الولاية الكلية فافهم فان البيان بعثر اللسان ولا يجوز كشف الحقيقة لمن ليس له عينان والجمادات وهم الاموات ومعدوموا الاسماء والصفات اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون ولما كان الموت ضد الحيوة وكل شيء مركب من الضدين فصار فيهم من الحيوة الضعيفة مقدار ما يمسكهم ويؤدوا بها تكليفهم ولما كان كل موت لا بد ( بد له خل ) ان يرجع الى الحيوة ويختم بها فلا بد ان يكون لهم بعث اما في هذه الدنيا وذلك بعلاجات اهل الصناعة الفلسفية من انحاء التقطير والتعفين كما قال تعالى حكاية عن ابرهيم عليه السلام رب ارني كيف تحيي الموتى قال اولم تؤمن قال بليى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا وهذا هو ذلك العلاج او بالعلاج الاكبر الذي يقع في العالم عند تبدل الارض غير الارض والسموات من انحاء الكسر والصوغ وقوة الحرارة المذهبة للاعراض المزيلة للاوساخ فيرجع كل شيء الى اصله بكمال الصفاء من الحيوة وهو قوله عز وجل وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون وهذه ثماني مراتب في السلسلة الطولية وفي كل مرتبة خمس مراتب وهي ميادين التوحيد من مقامات الكلمة والدلالة فالاولى مقام الباطن والثانية مقام الباطن من حيث هو باطن في الالف والثالثة مقام الظاهر في الحروف العاليات والرابعة مقام الظاهر من حيث هو ظاهر في الكلمة التامة والخامسة الظهور في الدلالة وهذه المقامات الخمسة لكل من وجد بكن فيكون وكلمة كن ظهر ( ظهرت خل ) باثرها ونورها وظلها في الكل ففي الكل هذه المراتب وهي المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان بالاضافة الى كل مذروء ومخلوق فبملاحظة هذه الخمسة في الثمانية يتحقق اربعون مقاما وهي مراتب التوحيد في السلسلة الطولية ولكل من هذه المقامات حسب ملاحظة السلسلة العرضية مأة واثنان وثلاثون مقاما فيكون مجموع المقامات والمراتب في السلسلتين خمسة آلاف ومأتين وثمانين مرتبة ولكل مقام اهل يوحدون ويسبحونه ويمجدونه ويثنون عليه بسبعين الف لغة
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
هذا جواب ما سئلت من ( عن خل ) مراتب التوحيد
واما ما يحصل لك به الخضوع فكما ذكرنا واشرنا في توحيد العبادة لانه اقصى ما يقال في هذا المقام واعلم ان الموحد هو الانسان والمشرك هو الشيطان وصورة الانسان هيئة الاستقامة وهيئة النور والكرامة وهي طينة عليين وصورة الشيطان هيئة الاعوجاج وهيئة الدواب والبهائم والحشرات وساير الحيوانات من السباع الضاريات وهي صورة النار ومن النار واليها لانها طينة سجين وورقة شجرة الزقوم التي طلعها كأنه رؤس الشياطين وهو ( هي خل ) طعام الاثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم استجير بالله من النار وصورة الانسان هي هيئة الصلوة لان الصلوة المعروفة هي هيئة الولاية والولاية هي مجمع كل الخضوع والخشوع ( الخشوع والتذلل فكانت الصلوة جامعة لجميع مراتب الخضوع والخشوع خل ) بحذافيرها ولذا ( لما خل ) كانت عمود الدين ان قبلت قبلت ما سواها وان ردت ردت ما سواها فالنية هي عقد القلب بالرقية والعبودية وطلب التقرب الى الله سبحانه في كل غدوة ( غداة خل ) وعشية وهي اول ظهور المراتب الانسانية والتكبير استشعار كبرياء الله وعظمته والدخول في حصن رعايته ومنع نفسه عن كلما يخالف محبته وينافي ارادته ولذا سمي بتكبيرة الاحرام لان المصلي يحرم على نفسه بالتكبير فعل جميع المنافيات والقيام هو القيام بخدمة الله سبحانه واظهار مقتضى عبوديته فان العبد ما يقوم بخدمة مولاه ولا يعدل عنه الى سواه لان العبودية هي فعل ما يرضي الله ولذا وجب الانتصاب فانه اقرب الى الخدمة من القعود وانه لا بد ان يقوم ثم يذهب الى الخدمة والقائم اسرع فيه من القاعد وهو معلوم والقراءة هي لوح الثناء على الله سبحانه والاقرار بذلة عبوديته والقيام بخدمته وانما وجبت ان تكون قرآنا لبيان ان لا علم لنا الا ما علمتنا وان الثنا على الله لا يكون الا بثنائه على نفسه فان غيره جاهل به فلا يعلمونه والثناء عليه وكيفية القيام بخدمته الا به كما قال النبي صلى الله عليه وآله انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك وقال الصادق عليه السلام ان الله اجل ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به وانما وجبت فاتحة الكتاب في الاولتين دون غيرهما لكونها على هيئة الصلوة على ترتيب الاشرف فالاشرف فقوله تعالى الحمد لله رب العالمين الى مالك يوم الدين مقام السجود واياك نعبد واياك نستعين مقام الركوع وباقي السورة مقام القيام ولان فيها مبدء التوحيد في العالم التفصيلي ومبدء الوسايط وظهور الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله ومبدء الاعمال والافعال والاحكام الالهية في الاية المحكمة والفريضة العادلة والسنة القائمة ومبدء الحشر والنشر والثواب والعقاب والجنة والنار وهي الهيئة التي بني عليها الهيكل الانسان وهي سبع آيات لان الانسان له سبع مراتب وهي العقل والروح والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم وانما تثنى الفاتحة في كل صلوة لاثبات العدد الذي عليه ظهرت هياكل التوحيد وهو الاربعة عشر قصبة الياقوت ومظهر الجواد والوهاب ووجه الله ويد الله ذو الملك والملكوت وانما وجبت السورة لانها تفصيل لذلك المجمل وتبيين لذلك المفصل ونسبة الفاتحة الى السورة كنسبة القلب الى الاعضاء والجوارح وبها يتم الكينونة الظاهرة في الحضرة الانسانية فافهم والركوع خضوع وخشوع وذلة وانكسار وبيان ان الاشياء كلها باطلة مضمحلة ما خلا وجهه الكريم ولذا يميل الى التراب الذي هو محل الخضوع والخشوع ووجب الذكر لان به يضمحل الغير وبذكره تبطل الاشياء وبنسيانه تستقل السوي وتدعو اني انا الله قال تعالى نسوا الله فانسيهم انفسهم وانما كان الذكر التسبيح لانه مقام تنزيه الله سبحانه ومقام القلم الاعلى والروح القدس الذي يقول سبوح قدوس ربنا ورب الملئكة والروح وانما استحب التكرار ثلاث مرات لاثبات ان ذلك الخضوع انما حصل باستشعار كلمة لا اله الا الله في التدوين والتكوين لاهل التمرين والتمكين والسجود مقام الفناء ورتبة موتوا قبل ان تموتوا والمحو في ظهور علو الحق سبحانه وتعالى وانما كان السجود في الاعضاء السبعة للاشارة الى فناء المراتب السبعة التكوينية والذهول عن مقام ( مقامات خل ) الانية ولان هذا الفناء والاضمحلال انما كان بدلالة السبع الشداد وادلاء الرشاد ولذا يثنى السجود لاتمام الاربعة عشر توضيحا للاثر وتأكيدا للسر ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وثنيت ركعات الصلوة لاستشعار التذلل والخضوع في العالمين عالم الدنيا والآخرة وزاد رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين لبيان عالم الرجعة وعالم البرزخ فالاول الى الدنيا اقرب والثاني الى الآخرة وزاد في المغرب ركعة واحدة للاشارة الى انهما من عالم واحد في رتبة واحدة يتحدان في مقام ويختلفان في مقام آخر فجعل الامرين دلالة على الحكمين وانما لم يزد في الفجر لان قرآن الفجر كان مشهودا تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فيكتب مرتين فيكون اربعة وانما كان التشهد لانه صورة اداء الحساب وقرائة الكتاب بين يدي كتاب الله الناطق حين كونه حاملا للواء الحمد وواقفا على منبر الوسيلة والخلايق قعود جاثية كهيئة المتشهد وهو قوله تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وكتاب الله الناطق في قوله تعالى هذا كتابنا هو سيدنا ومولينا امير المؤمنين عليه السلام وانما وجب التسليم لانه مقام الاستسلام والانقياد وتفويض الامر الى رب العباد وتمام مقام ظهور المبدء والمعاد وانما كان الاذان لاعلام اهل عالم الشهادة عالم الاجسام او عالم النقش والارتسام ولذا كان التكبير فيه اربع مرات ( مراتب خل ) وفيه اجهار الصوت والتأني للرسوخ لكون عالم الشهادة مقام الكثافة ولا بد فيه من اعلاء الصوت الظاهري والباطني والحقيقي والمجازي وهذا بعينه من السر في الجهر في الصلوة الليلية والصبح لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعلن فيها لان الليل اشارة الى عالم الاجسام وعالم الشهادة فافهم الاشارة بصريح العبارة وانما كانت الاقامة لاعلام اهل عالم الغيب وان كان عوالم نفسه من الغيب والشهادة وانما ذكر فيها قد قامت الصلوة لان بعد عالم الغيب مقام الوصل والوصال ومناجاة الرب الكريم المتعال وهو قوله عليه السلام الصلوة معراج المؤمن وقوله تعالى في المعراج يا محمد ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر وانما وجبت الطهارة في المقدمات اما ( اما ازالة خل ) الاخباث الظاهرة فهي اشارة الى تطهير الجسد عن مباشرة اهل الدنيا والحدث الاكبر والاصغر اشارة الى تطهير القلب عن الخيالات الفاسدة الشاغلة عن ذكر الله عز وجل وستر العورتين عن النظر عن الشهوات الجسدانية والنفسانية والقبلة توجهك الى حرم الله وكبريائه والالتفات الى وجهه فاينما تولوا فثم وجه الله وتحصيل لباس التقوى ذلك خير والاجتناب عن لباس العجب والفخر والغرور وموقع العبادة ومكانها و محلها القلب مع اليقين الخالص لا بدونه فافهم واصرف ما سمعت الى ما لم تسمع واذا اتقنت النظر وامعنت الفكر مع التدبر في ما ذكرنا لك يحصل لك جميع ما طلبت وزيادة للذين احسنوا الحسنى
قال سلمه الله تعالى : وايضا نستدعي من جنابك ان تبين لنا مراتب الائمة عليهم السلام ومقاماتهم وولايتهم حتى يكون تذكرها سببا لزيادة الخضوع والخشوع والتذلل والانقياد لهم والاخلاص في محبتهم وولايتهم وزيادة الوجد والبكاء في مصايبهم ورزاياهم صلى الله عليهم
اقول ان بيان تلك المراتب والمقامات مما لا يمكن استقصاؤها لاحد من المخلوقين سواهم صلى الله عليهم مما حضر عندهم وظهر لديهم عليهم السلام مما جرى من فوارة القدر والفيض الاقدس بهم اليهم دون ما يتجدد لهم ابد الابد ودائم السرمد المصحح لهم بالاستزادة في العلم في ذكر فضايلهم ومقاماتهم روحي فدائهم كما قال عز وجل وقل رب زدني علما وقال تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء والدليل على عدم الاستقصاء قوله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها والنعمة هي الامام عليه السلام وبه انعم الله على الخلق في جميع ذرات كينوناتهم كما ورد التصريح بذلك عنهم عليهم السلام والمخاطب هو كل المكلفين مما يصلح ان يقع عليه التكليف من الاولين والآخرين وكل الخلايق اجمعين على ما صح عندنا من عموم الخطابات الشفاهية وان كلما برز في الوجود من الغيبة والشهود و الذوات والصفات والاعراض والاعمال كلها ذات شعور واختيار وتكليف قد وقع عليهم التكليف من اللطيف الخبير وادلة ما ذكرنا موجودة في القرآن واحاديث الائمة عليهم السلام والعقل المستنير وقد ذكرناها مفصلة في ساير اجوبتنا للمسائل وساير المباحثات ولا يسعني الآن بيانها لانها خلاف المقصود والمرام فكل الموجودات يشملهم خطاب ان تعدوا فيدخل فيهم الانبياء والمرسلون والملئكة المقربون وكل الخلق اجمعون فلا يمكنهم احصاء فضايلهم وبيان مقاماتهم ومراتبهم عليهم السلام وقال تعالى لو كان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وعن الكاظم عليه السلام عن الابحر السبعة انها عين اليمين وعين الكبرىت وعين ابرهوت وعين الطبرية وعين افريقية وجمة ماسيدان وجمة ماجروان ونحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى وهذه العيون والجمتان كناية وعبارة عن كل الموجودات بمراتبها من الطيب والخبيث واللطيف والكثيف والصافي والممتزج والمايع والجامد وساير الاحوال وكلما في ارض القابليات من الاشجار النابتة بسقي ماء المزن وحرارة الكلمة التامة الالهية المعبر عنها بكن لو كانت اقلاما مستمدة من تلك الابحر من الامدادات الواردة عليهم من ذلك البحر الاعظم الذي لا نهاية لها ولا غاية تنتهي اليها وجرت تلك الاقلام على الواح الكاينات من حيث انبساطها وتحملها المتشان ( للتشأن خل ) بالشؤن المتكثرة المختلفة الغير المتناهية والكاتب هو كاتب الابتداع بسر الاختراع في حقايق تلك النسمات وكينونات تلك الذرات ومدة الكتابة الى ان ينتهي الزمان وينفد الدهر ويسير في بيداء السرمد ابد الابد بلا امد لا احصي جزء من مأة الف الف جزء من مثقال الذر مما لهم عليهم السلام من الفضايل والمناقب والاسرار كفاك لذلك شاهدا ودليلا قول النبي صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام يا عليّ ما يعرفني الا الله وانت ولا يعرفك الا الله وانا وعن الصادق عليه السلام والله ما وصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة فاذا كان كذلك فاستحال معرفتهم ومعرفة فضايلهم واسرار ولايتهم الا الله سبحانه ولهم في ما حضر لديهم دون ما يتجدد من قعر بحر القدر بامر مستقر الا ان الله سبحانه لما ابى ان يجري على الخلق الفيض من مخزن الرحمة الواسعة او الرحمة المكتوبة في علو درجاتهم او تسافل دركاتهم الا بما عندهم من الاقرار بفضايل آل محمد صلى الله عليهم اجمعين بالدليل والبرهان والانكار لها بعد الحجة عليهم والبيان وتعالى الدرجات وتفاوتها في العلو والرفعة انما كان بزيادة حبهم عليهم السلام المقتضية لزيادة معرفتهم وتسافل الدركات وتفاوتها في السفل انما هو بالتقصير في واجب حقوقهم عليهم السلام وحرمان درك معرفتهم كما ينبغي لجلال قدسهم عليهم السلام فكتب الله سبحانه في حقايق الخلق وذواتهم واسرار كينوناتهم شرح فضائل آل محمد صلى الله عليه وآله مما تتحمل تلك الحقايق من اطوار الدقايق فعرفهم اياها واكرمهم بها وجعل ذواتهم تلك المعرفة وحقايقهم تلك المنقبة فاقامهم في العالم الاول في القدم والازل الثاني في محشر واحد وشرح الله سبحانه لهم تلك الفضايل بحيث لا يخفى على احد فضلهم وبعض خفايا اسرارهم وهو قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فايق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وجاهكم لديه وقرب منزلتكم منه بابي انتم وامي ونفسي واهلي ومالي الزيارة وهذا التعريف بسر التحقيق انما كان في ذلك العالم وجرى القلم على اللوح المحفوظ ولوح المحو والاثبات باثبات التقدير والقضاء والاجل والاذن والكتاب في المحتومات والمشروطات من الخيرات والشرور واحكام المحو والاثبات والبقاء والفناء والرزق والحرمان وكلما نطق به صامتات الامكان والاكوان وساير الاحوال والاوضاع والاقتضاءات كلها على مقتضى ذلك التعريف فهناك ( فهنالك خل ) ظهرت هيمنة آل محمد صلى الله عليهم واستيلاؤهم على كل مذروء ومبروء وهو قوله عليه السلام في الزيارة طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم واشرقت الارض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم فبكم يسلك الى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن بابي انتم وامي ونفسي واهلي ومالي الزيارة ولما ان الله سبحانه انزل الخلق من العالم الاول الاعلى الى العالم الاسفل الادنى وابتلى الخلق بالمحن وشملتهم العوارض والفتن فنسوا ذلك العهد والميثاق وخمدت لذلك نيران الاذواق والاشواق وها انا اذكرك ببعض ذلك العهد اي بجزء من مأة الف جزء من ذلك العهد الذي اخذ منا في اسفل المراتب لا ما هو المأخوذ منا في اعلى المراتب فان القلوب لا تتحمل لادراكه والصدور تضيق عن حمله فيفسد على الضعفاء ما عندهم من الدين وقد قال الامام سيد الساجدين عليه السلام لا تتكلم بما تسارع العقول في انكاره وان كان عندك اعتذاره وليس كلما تسمعه نكرا اوسعته عذرا وقال الصادق عليه السلام ما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله واعلم ان الحادث قائم بالعلل الاربع العلة الفاعلية والعلة المادية والعلة الصورية والعلة الغائية ولا يخلو حادث منها ( عنها خل ) وهي اما بنفسها كما في المخلوق الاول مطلقا او بغيرها كما في ساير المخلوقات في الظاهر والائمة اي الاربعة عشر المعصومون سلام الله عليهم هم العلل الاربع لوجود الكاينات والحوادث المكونات
اما العلة الفاعلية فقد اقمنا براهين قطعية من العقلية والنقلية في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل ان الله سبحانه وتعالى من حيث ذاته المقدسة لا توصف بالفاعلية ولا بالخالقية لصحة السلب لصحة قولك ان الله لم يفعل القبيح وليس بفاعل له وانه تعالى لم يخلق ابا جهل مؤمنا في الخلق الثاني مثلا وليس بخالق له ابدا والا للزم الجبر بل خلقه بحيث يصلح للايمان والكفر معا فلو كان الخالق والفاعل صفة ذاتية كانا عين الذات بلا فرق وسلبهما يستلزم نفي الذات وسلبها بل عين سلب الذات اذ لا معنى للصفة الذاتية الا الذات لا غير وصح السلب ولمتنتف الذات فذلك دليل انهما غير الذات ولان المشتق يتبع المبدء وفرع له يدور معه حيثما دار فان كان المبدء عين الذات كان المشتق كذلك وان كان غيرها كان غيرها ولذا كان العالم عين الذات كالقادر لان العلم والقدرة هي الذات وكان الخالق والفاعل غير الذات لان الخلق والفعل غيرها فذانك برهانان من ربك على ان الفاعل صفة لله لكنها لا في مقام الذات وانما هي في مقام الفعل والآثار وقائمة بالذات قيام صدور فان الذات سبحانه وتعالى في ذاته منزهة عن جميع القرانات والنسب والاضافات ولا شك ان الفاعل له اقتران وارتباط بالمفعول فالصفات انما هي ظهورات الذات بآثار فعلها فالفاعل هو ظهور الذات بالفعل والخالق ظهوره بالخلق كما ان القائم ظهور زيد بالقيام والقاعد ظهور زيد ( ظهوره خل ) بالقعود وذلك الظهور امر حادث لكنه وجه للقديم فهو يعرف به فاذا كان الظهور هو الحادث والخلق فقد دلت الاخبار المتواترة بالطرق المتكثرة من العامة والخاصة ان محمدا وآله عليهم السلام هم اول الخلق واول الحوادث ما سبقهم في الكون والوجود خلق من المخلوقات ولا ظهور من الظهورات فكانوا عليهم السلام هم تلك الظهورات التي تنتهي اليها الاسماء والصفات وانحاء التعلقات وهم سلام الله عليهم آيات الله اي ظهوراته المرئية في الآفاق وفي انفس الخلايق وقد قال مولينا الصادق عليه السلام واي آية اراها الله سبحانه الخلق في الآفاق وفي انفسهم غيرنا وقال امير المؤمنين عليه السلام واي آية اعظم مني واي نبأ اكبر مني وهو قوله تعالى واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون فاذا كانوا هم الظهورات والايات فكانوا هم الاسماء كما قال مولينا الصادق عليه السلام نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وفي زيارة امير المؤمنين عليه السلام عن السجاد عليه السلام السلام على اسم الله الرضي ونور وجهه المضيء وقال الحجة عليه السلام في دعاء رجب وباسمك الذي وضعته على النهار فاضاء وعلى الليل فاظلم قال امير المؤمنين عليه السلام انا الذي وضع اسمي على البرق فلمع وعلى الودق فهمع وعلى الليل فاظلم وعلى النهار فاضاء وتبسم فاذا كانوا عليهم السلام هم الاسماء فقد دلت الاخبار المتظافرة والادعية المتكثرة ( الكثيرة خل ) مضافا على دلالة العقول الصحيحة ان الله سبحانه خلق الخلق باسمائه وهم عليهم السلام تلك الاسماء فالخالق اسم لله تعالى به خلق الخلق والفاعل اسم لله تعالى به فعل الاشياء والقيوم اسم لله تعالى به اقام الاشياء واحاط بها والحي اسم لله تعالى به احيي الخلق والوجود وتلك الاسماء هي تلك الحقايق المقدسة بعينها من غير فرق فالله هو الخالق لا غير فالعلة الفاعلية هي الاسماء الا ترى ان علة الضرب ( الضرب مثلا خل ) هو الضارب والكلام هو المتكلم وهما جهتا الظهور بالضرب والكلام والاسماء هي حقيقتهم المقدسة والله من ورائهم محيط ولذا قال مولانا الصادق عليه السلام من قال نحن خالقون بامر الله فقد كفر فحينئذ ان قلت ان الله فاعل وخالق بهم صدقت وان قلت ان الله هو الخالق وحده صدقت ومعاني هذه العبارات واحدة غير مختلفة ولاحظ في كل تلك الاحوال قوله عليه السلام نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وايضا لما بسط الله بساط الكرم واجرى الماء الصافي لامداد النعم كانوا عليهم السلام اول من جلس على ذلك البساط وشرب من ذلك الشراب فسبقوا الكل في الوجود وخضعوا لبارئهم بالركوع والسجود فبلغوا الغاية في القرب والزلفى فتحملوا جميع اسرار الربوبية والاحكام التكوينية الوجودية لتقدمهم في التلبية وسبقهم الى الاجابة فتوجهت اليهم اسرار القدس وتوجوا بتاج الانس فحكوا جلال الله وجماله وظهوره وكبريائه فتشعشعت انوارهم وتفرقت هياكلهم وامثالهم فمن ذلك الشعاع خلق الله سبحانه الخلق فالعلة الفاعلية للشعاع هو المنير وان كان المنير متقوما بالغير الا ترى الاشعة فانها منتسبة الى الشمس ومستديرة معها موجودة بوجودها معدومة بعدمها وانتهاؤها اليها وابتداؤها منها وفي الحديث عن امير المؤمنين عليه السلام نحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايع لنا وعنهم عليهم السلام انما سموا الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا انتهى وخصوا الشيعة لان الكافر خلق من ظل انوارهم كالشعاع والظل المنبعثان من الشمس والسراج وفي الزيارة بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث ه وفيها ايضا واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم لان البدء ( المبدء خل ) منهم والعود اليهم كما عن امير المؤمنين عليه السلام على ما في خطبة البيان انا ابدء واعيد وهو قوله عليه السلام انا النقطة تحت الباء ويريد بالبسملة البسملة التكوينية ويريد بالباء عالم الابتداع ويريد بالنقطة سر الاختراع فافهم ولو لماخف الناس ولم يمنعني الكسالة والضعف لاسمعتك من غرايب الكلام وعجايب البيان ولكن في ما ذكرته عبرة لمن اعتبر وتبصرة لمن نظر فابصر
اما العلة المادية فاعلم ان الله عز وجل حيث جعلهم سراجا وهاجا كما قال تعالى في قوله مثل نوره هو محمد صلى الله عليه وآله كمشكوة هي صدره الشريف فيها مصباح هو العقل الكلي الذي هو عقله المبارك المصباح في زجاجة الزجاجة قلبه العرش المركب من الانوار الاربعة الزجاجة كأنها كوكب دري الكوكب مظهر اسم من اسماء الله تعالى في التكوين بمراتبه الى ان ينتهي الى عالم الاجسام فظهر ذلك الاسم على صفة ذلك الرسم والدري احسن الكواكب واشرفها وهو اشارة الى انه اعظم الاسماء واشرفها يوقد من شجرة مباركة زيتونة هي شجرة المشية مباركة لان الله عز وجل جعل فيها النمو والزيادة حتى ملأ العالم باثمارها واغصانها واوراقها وظهورات تلك الاثمار والاوراق والاغصان زيتونة لقوة الحرارة المعتدلة التي هي طبع الفاعل لا شرقية ولا غربية لا قديمة ولا حادثة كساير الحوادث المختلفة المتغيرة والمتبدلة يكاد زيتها يضيء يكاد قابليتها لشدة صفائها واعتدالها يظهر في الوجود ولو لمتمسسه نار اي نار المشية فلما مست النار ذلك الزيت الذي هو حقيقتهم المقدسة ظهر العقل الذي هو السراج الوهاج فاضاء العالم وبرز نوره وتشعشع شعاعه فجعل الله سبحانه ذلك النور والشعاع مادة لخلق الموجودات فاولهم الانبياء عليهم السلام حيث خلقهم الله من ذلك النور وهو قول مولينا الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره ونورهم نور الله صلى الله عليهم اذ ليس لله سبحانه نور حادث سواهم وسوى نورهم صلى الله عليهم الا ترى الى ما قال تعالى في القرآن واشرقت الارض بنور ربها وفي الزيارة واشرقت الارض بنوركم فثبت ان نورهم عليهم السلام نور الله سبحانه وفي الدعاء لا يسمع فيه صوت الا صوتك ولا يرى فيه نور الا نورك والنور هو مادة الكاينات وذلك منهم عليهم السلام كشعاع الشمس من الشمس فاذا قلنا انهم عليهم السلام هم العلة المادية نريد ان نورهم مادة الاشياء والموجودات لا ذاتهم حاشاهم عن ذلك
واما العلة الصورية فاعلم ان الخلق على قسمين مؤمن وكافر فالمؤمن خلقه الله سبحانه من هيكل التوحيد والكافر خلقه من ظل تلك الهيئة وهيكل التوحيد هو الصنع ( الصبغ خل ) في الرحمة وهو الصورة الانسانية وهي صورة الرضا والتسليم والخضوع والخشوع والركوع والسجود والقيام بخدمة المحبوب وهي لما تجسدت صارت على هذه الهيئة المشخصة وهي هيئة الصلوة وهي هيئة الولاية قال عليّ عليه السلام الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غايب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار ه وهذه الصورة هي صورتهم قد البسهم الله سبحانه اياها في القديم الاول بمقتضى طلباتهم الذاتية فهم الانسان حقيقة لا سواهم ولما كان ما سواهم من آثارهم وشؤنات اطوارهم ظهر المثال والاثر على هيئة صفة المؤثر كالصورة الحاكية في المرآة عن المقابل الخارجي فلما حكت مرآة الانبياء وطبقات الرعية اما ظاهرا وباطنا معا او ظاهرا فقط تلك الصورة الطيبة الالهية على ما هو عليه من غير تغيير لاستقامة تلك المرآة وصفائها وعدم اعوجاجها حقيقة ( حقيقية خل ) ام اضافية ظهرت على الصورة الانسانية وسموا انسانا وما لم تحك المرآة اياها على ما هي عليه ظهرت تلك الصورة الانسانية على مقتضى المرآة فتغيرت الصورة المرئية في المرآة على حسبها فظهرت على صور مختلفة وهيئات متفاوتة من صور الملئكة والجن والوحوش والطيور وساير الحيوانات والنباتات والجمادات والمعادن وساير المخلوقات وظل هيكل التوحيد هيكل النفاق والكفر وكلاهما متقومان بهم الا ان الاول منهم واليهم وبهم والثاني بهم وعنهم لا منهم واليهم فهم العلة الصورية لجميع الموجودات من اهل الارضين والسماوات وايضا ان الله سبحانه وتعالى خلق الصور والهيئات بالاجابة والانكار لولايتهم حين قال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ والائمة من ولده وفاطمة الصديقة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين اولياؤكم فمن اجاب واقر مصدقا معترفا خلقه الله سبحانه على الصور الطيبة ومن انكر وجحد معاندا مبغضا خلقه سبحانه على الصور الخبيثة الباطلة القبيحة فكانوا عليهم السلام باب سور مدينة العلم باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وهم الماء النازل من قرآن النور المحمدي صلى الله عليه وآله شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وشرح الحال في مثل هذا المقام موكول الى شرح الخطبة الطتنجية فان فيها من الاسرار ما لاتحتمله القلوب والانظار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار
واما العلة الغائية فاعلم ان الله سبحانه خلق الخلق لهم لتشييد سلطانهم ولتبيين برهانهم واظهار انوارهم واعلان اسرارهم وقد قال سبحانه كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وقال عز وجل في القرآن ما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ومعرفة الخلق لله تعالى وعبادتهم له تعالى انما هي لاظهار معرفة آل محمد عليه وعليهم السلام بل هي عين معرفتهم وعبادتهم بيان ذلك بالمثال الاجمالي لاولي الافئدة من المؤمنين الممتحنين هو ان الله سبحانه خلق القلب لب الانسان وحقيقته مجمعا للانوار الالهية ومهبطا للاسرار القدسية واودع فيه العلوم الحقيقية ولكن لتنزه القلب عن تعلقات الاجسام وتعاليه عن التكدر بكدورات عالم النقش والارتسام كان امره لم يزل مخفيا عن كل المراتب للواقفين مقامات العوالم السفلية فخلق الله سبحانه القوى والمشاعر والاعضاء والجوارح والحواس الظاهرية والباطنية لتظهر ادراكات القلب وتتبين انواره وتشاهد اسراره فما رأته العيون وادركته الاسماع وشمته المناخر وذاقته الاذواق ولمسته الجوارح وادركته وعلمته ساير الحواس الباطنية كل ذلك ادراك القلب وحده في هذه المرايا وهي لاظهار نور القلب فالمدرك الحقيقي انما هو القلب لا غير فهو العلة الغائية لخلق تلك الآلات والعضلات والاعصاب والعروق والقوى والمشاعر وساير المراتب وهو المتحرك وحده في تلك الكثرات وهي شؤنات القلب ومنه نشأت وعنه نطقت وعليه دلت واليه عادت وله تأصلت وتشيأت وبه برزت وبنوره قامت وكذلك نسبة الخلق الى الائمة عليهم السلام فانهم قلب العالم في اسفل المراتب فالخلق كلهم السنتهم عليهم السلام ناطقون بها بثناء الله سبحانه وكلها جوارح لهم عبدوا الله سبحانه فهم العابدون لا سواهم وهم العارفون لا غيرهم وما سواهم لاظهار عبادتهم وانتشار معرفتهم قوامهم بهم لانهم شؤنات آثارهم واقتضاءات اطوارهم الا ترى الشمس فان كلما تجد في الشعاع من النور والبهاء والسناء فانما هو من الشمس واليها وما تجد في الشعاع من الكدورة والتغيير والاختلاف فانما هو من الارض ومن المرآة والجدار وهو بالشمس لا الى الشمس ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام في الخطبة انا الآمل والمأمول فافهم فقد اسمعتك تغريد الورقاء على الافنان بفنون الالحان فاذا عرفت انهم عليهم السلام العلل الاربع ( الاربعة خل ) للوجود وبهم قام كل مشهود ومفقود فاعلم انهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم وكذلك نجزي الظالمين فاذن اخضع لهم واخشع وذلل نفسك بالتسليم لامرهم عليهم السلام كما تذللت السموات والارض والعرش والكرسي واللوح والقلم لهم عليهم السلام كما قال عليه السلام في الزيارة وذل كل شيء لكم واشرقت الارض بنوركم وفي الحديث ان الله عز وجل خلق العرش والكرسي من نور محمد صلى الله عليه وآله وخلق الملائكة كلهم من نور عليّ عليه السلام وخلق السموات والارض من نور فاطمة عليها السلام وخلق الشمس والقمر من نور مولينا الحسن عليه السلام وخلق الجنة وحورالعين من نور سيدنا الحسين عليه السلام وكل الخيرات يفاض على الخلايق من المتولدات بالعرش والكرسي والشمس والقمر والسموات والارضين فافهم واستبن بما ذكرنا امرك واسئل الله ربك ان يفتح عليك باب الفهم والمعرفة لاني ما يمكنني ان اصرح ما الوح ولا ان الوح ما احاطه قلبي واستكن في ضميري والله خليفتي عليك واما ما جرى عليهم من المصايب والرزايا روحي فداؤهم فاعلم ان لهم عليهم السلام مقامات عديدة نقتصر هنا بذكر اربعة منها بالاجمال
الاول مقام البيان وهم في هذا المقام سر التوحيد وعين التفريد وحقيقة التنزيه وهذا مقامهم الذي لا يقع عليهم اسم ولا صفة وهو مقامهم الذي غيب لا يدرك قال امير المؤمنين عليه السلام انا الذي لا يقع على اسم ولا صفة وقال عليه السلام ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك وهو المقام الذي لا يسعهم فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل وهو مقام من عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله وهو مقام المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك وهذا المقام يشتمل على مقامات كثيرة مثل مقام الهوية الظاهرة لادراك الخلق بالخلق ومقام الالوهية كذلك ومقام الاحدية كذلك ومقام الواحدية ومقام الرحمانية ومقام ساير الاسماء المتقابلة والسمات المتماثلة فهم في هذا المقام الاسماء الحسنى والامثال العليا وقد قال عليه السلام في تفسير لفظ الجلالة على ما رواه الصدوق في التوحيد الالف آلاء الله على الخلق من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا انتهى فلنقبض العنان فللحيطان آذان
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن مكانك والزمان
فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
الثاني مقام المعاني وهم في هذا المقام معاني اسماء الله ومبادي الاشتقاقات في الاسماء المشتقة وقد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان اسماء الله تعالى كلها مشتقة فهم العلم للعالم والقدرة للقادر والحكمة للحكيم والجلال للجليل والجمال للجميل والرحمة للرحمن الرحيم والكرم للكريم والنور للمنير وهكذا باقي المبادي لاسمائه تعالى وقد شرح بعضها مفصلا وكلها مجملا في دعاء السحر لشهر رمضان المبارك في قوله عليه السلام اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهي الى ان قال عليه السلام في آخر الدعاء اللهم اني اسألك بما انت فيه من الشأن والجبروت واسألك بكل شأن وحده وجبروت وحدها الدعاء وهذا اجمال ما فصل في اول الدعاء الى هذا المقام وفي هذا التفصيل سر قد خفي على اكثر الافهام وقال الباقر عليه السلام لجابر يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال وما البيان والمعاني قال عليه السلام قال عليّ عليه السلام اما البيان فهو ان تعرف ان الله واحد ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا واما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حكمه ونحن امره ونحن عينه اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امر عباده ان الينا اياب الخلق ثم ان علينا حسابهم
الثالث مقام الابواب وهم في هذا المقام الواسطة في الصدور وايجاد الخلايق وايصال ما لهم اليهم مما يجري من فوارة القدر المستودع عندهم من جميع احكامهم اي الخلايق من جميع احكام الذوات والصفات والشرعيات والوجوديات وساير ما اقتضته النسمات من خالق البريات وكذا واسطة الخلق في الانصدار والانوجاد وما اقتضت تلك الكينونات وطلبت فلا يقع اقتضاءاتهم الا اليهم عليهم السلام وهم من الله يمدونهم بالمدد الوجودي كالشرعي وهو قوله عليه السلام في الدعاء الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك وهم عليهم السلام الباب والجناب وقال عليه السلام في الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر ( تصدر خل ) من بيوتكم الصادر لما فصل من احكام العباد انتهى والمصدر المضاف يفيد العموم والجمع المضاف كذلك والجمع المحلى باللام كذلك فافهم فهم في هذا المقام اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم
الرابع مقام الامامة وهم في هذا المقام حجة الله على الخلق اجمعين وولي الله على الاولين والآخرين وحبل الله القوي المتين ونور الله في السموات والارضين وهم في هذا المقام امام الهدى والعروة الوثقى والحجة على الورى والسبيل الذي من سلكه نجى ومن سلك غيره هوى معدن العلوم النبوية جامع الفضايل الالهية المعصوم من كل زلل والمطهر من كل خلل مؤيد بالروح مسدد بالملك الاعظم ناظر الى اعمال الخلايق وشاهد من الله عليهم ( عليهم عالم خل ) بسرايرهم وضمايرهم من كلما كان في الوجود من اهل السموات والارض واهل المشرق والمغرب وما فوق السموات وما في جو الهواء وما في لجج البحار واودية القفار وما تحت الارضين من الاخبار وما يحدث بالليل والنهار ولا يخفى عليهم حال من تلك الاحوال ظاهر بالعبودية المحضة خالص لله العبودية وارد عليه جميع احكام العبودية بما هو فوق النهاية قائم بالعبادة في ظلمة الليل صائم في النهار ولما كان الله سبحانه سبقت كلمته ونفذت مشيته على انه لا يلجأ احدا في التكليف والايمان وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ما اجبروا العباد على طاعتهم والانقياد لامرهم والاتباع لحكمهم والانزجار عن مناهيهم ولا امسكوا عن اظهار الحق والا تعالت كلمة الحق ولا ظهر امر الله وما بلغت حجة الله ولما كان اغلب الخلق واكثرهم قد تمكنت فيهم النفس الامارة بالسوء واجابوا داعي الشيطان ونفروا عن طاعة الرحمن ( الله خل ) كانوا لا يطيعونهم عليهم السلام ويدعون لانفسهم الملعونة الرياسة عليهم ولا يحبون ان يطاعوا فبذلوا مجهودهم لاطفاء نورهم وخمود ذكرهم وشمروا عن ساق الجد في ايذائهم واذيتهم وقتلهم ونهبهم والاهانة اليهم وهم عليهم السلام لو ارادوا دفعهم عن نفسهم الشريفة لفعلوا باحسن الوجوه واسهلها ولكنهم ارادوا واحبوا امضاء حكم الله من عدم الجاء الخلق على التكليف والايمان ولو لم يقبل من المنافقين الذين كانوا يظهرون الايمان ويبطنون النفاق وقتلهم لقطع الفيض عن النطف الطيبة التي في اصلاب اولئك الكفار والمنافقين وهذا لا يصح في الحكمة فسكتوا وصبروا ودعوا الخلق الى الايمان واوضحوا الحجة ودعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة الجميلة فلم يطع لهم امر ولمتصغ اليهم اذن فسكتوا عنهم فلما رأت الاشرار سكوتهم وعدم سلهم السيف تجرأوا عليهم وهتكوا حرمتهم واوصلوا اليهم انحاء الاذيات والاهانات حتى قتلوا رجالهم وذبحوا اطفالهم وسفكوا دمائهم وسبوا ذراريهم ونسائهم ونهبوا اموالهم وشهروا رؤسهم في الاقطار والبلدان كل ذلك اتماما للحجة على الخلق وما ربك بغافل عما يعملون ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيرا لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب عظيم ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه القلوب والابصار مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد اليهم طرفهم وافئدتهم هواء فعلى الاطايب من اهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام فليبك الباكون واياهم فليندب النادبون ولمثلهم فلتذرف الدموع من العيون ويضج الضاجون ويعج العاجون فصبروا على هذه البليات واحتسبوا الاجر من بارئ السموات وداحي المدحوات مع كمال قدرتهم عليهم السلام على دفع شر اولئك الاشرار عنهم ومع ذلك تحملوا المشاق وصبروا على الفراق قد غرقت سهام الامة في اكبادهم ورماحهم مشرعة في نحورهم وسيوفهم مولعة في دمائهم يشفى ابناء العواهر غليل الفسق من ورعهم وغيض الكفر من ايمانهم وهم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته وشهيد فوق الجنازة قد شبكت بالسهام اكفانه وقتيل بالعراء قد رفع فوق القناة رأسه ومكبل في السجن قد رضت بالحديد اعضاؤه ومسموم قد قطعت بنجوع السم امعاؤه فهل المصايب الا التي لزمتهم والمصايب الا التي عمتهم والفجايع الا التي خصتهم والقوارع الا التي طرقتهم صلوات الله عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم فلما رأى خاتمهم وقائمهم صلى الله عليه وعليهم ان الامة الملعونة ارادوا قتله وخلو الارض من خليفة الله والداعي اليه بالحق وفي ذلك فساد العالم وخراب الخلق لان الارض اذا خلت من الامام لساخت باهله وفي ذلك هدم النظام وفساد الحكمة اخفى صلوات الله عليه شخصه عن اعين الظالمين ليسلم من شر اولئك المنافقين ويحفظ رقاب شيعته المقرين به عن ظلم اولئك الظلمة الفاسقين الى ان تصفو الاصلاب الخبيثة من النطف الطيبة وتصفو الاصلاب الطيبة من النطف الخبيثة فهناك يقوم بالامر ويسل السيف ويطهر الارض من تلك الاشرار ولا يقبل الايمان من المنافقين الفجار وهو قول شيخنا واستادنا جعلني الله فداه في قصيدته يرثي بها الحسين عليه السلام :
نظار يا معشر الفجار غاشية يقوم بالامر حيث السيف مسلول
القصيدة واليه الاشارة بقوله عز وجل لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما فاذن افجع في مصايبهم وابك على رزاياهم لان الامام عليه السلام قلب الانام فاذا تكدر القلب وتألم تظهر الكدورة والالم في جميع اقطار البدن من الحواس والقوى والمشاعر والمدارك بخلاف ما لم تحله الحيوة من الشعر والظفر وامثالهما فانت ان كنت حيا في ولايتهم ومحبتهم لا بد ان تتألم وتتكدر وتجري الدموع حتى يأتي فرجهم وظهور دولتهم ويطهر الارض بسيف قائمهم روحي فداه فبعد ذلك يرجعون الى الدنيا فاول من يرجع منهم هو الحسين عليه السلام ابن عليّ بن ابي طالب بعد خروج القائم عليه السلام بتسع وخمسين سنة ثم يرجع مولينا وسيدنا عليّ عليه السلام لنصرة ابنه الحسين عليه السلام ويبقى في الدنيا ثلثمأة سنة ثم يقتل عليه السلام فيكر مرة ثانية وهو هناك دابة الارض ثم يقاتل مع ابليس بجنوده عند شاطئ الفرات ثم ينزل رسول الله صلى الله عليه وآله من السماء وبيده حربة من النار فيقتل ابليس ثم يظهر الائمة جميعا ويجتمعون في مسجد الكوفة كل واحد منهم يشكو عند جده صلى الله عليه وآله ما لقي من فرعون وقته ثم يقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الاية الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ثم يقسم الارض عليهم صلى الله عليه وآله وعليهم فيظهر الجنتان المدهامتان من ظهر مسجد الكوفة وما ورائها الى ما شاء الله فيأتون بالاعداء والمنافقين الذين ظلموا آل محمد عليهم السلام حقهم سيما الرؤساء الكبار فيقتص منهم ويقتل كل واحد منهم لكل واحد من المؤمنين لتشفى قلوبهم سبعين الف مرة ويعيش المؤمنون عيشا رغدا ولا يموت احدهم حتى يرى الف ذكر من صلبه الى ان تنتهي مدة ثمانين الف سنة من بدو خروج الحسين عليه السلام فتصعد فاطمة الصديقة روحي فداها الى السماء ثم بعد ذلك الائمة الثمانية سلام الله عليهم يصعدون الى السماء ثم بعد ( بعد ذلك خل ) يصعد القائم عجل الله فرجه ثم بعد ذلك يصعد مولينا الحسين عليه السلام ثم بعد ذلك يصعد سيدنا الحسن عليه السلام ثم بعد ذلك يصعد سيدنا ومولينا امير المؤمنين صلوات الله عليه ثم بعد ذلك يصعد رسول الله صلى الله عليه وآله فيبقى الخلق في هرج ومرج اربعين يوما لا يفرقون بين الليل والنهار والرأس والرجلين والسماء والارض لان نور المعرفة والفهم والادراك كان معهم صلى الله عليهم فاذا صعدوا ذهب ذلك كالشمس اذا غابت غابت الاشعة فبعد الاربعين ينفخ اسرافيل في الصور فيموت الخلق كلهم اجمعون سوى الاربعة عشر المعصومين صلى الله عليهم اجمعين فيبقى العالم لا حس ولا محسوس ولا حركة ولا متحرك ثم ينادي الحق سبحانه وتعالى بلسان آل محمد صلى الله عليهم كما نادى موسى بالشجرة اين الجبارون واين المتكبرون واين الذين اكلوا رزقي وعبدوا غيري لمن الملك اليوم فلا احد يجيب ثم هو سبحانه يجيب نفسه بلسانهم لله الواحد القهار وفي الحديث عن الصادق عليه السلام انه قال نحن السائلون ونحن المجيبون انتهى اخبرني به شيخي وثقتي ومعتمدي عنه عليه السلام بالسند المتصل ويبقى الخلق امواتا اربعمأة عام ثم ينفخ في الصور نفخة اخرى فاذا هم قيام ينظرون واشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب فيحشر الخلايق كلهم اجمعون من الاولين والآخرين والانبياء والمرسلين والملئكة والكروبيين وساير الخلق اجمعين فينصبون منبرا للنبي صلى الله عليه وآله اسمه الوسيلة له الف مرقاة من مرقاة الى اخرى عدو الفرس الجواد الف سنة او خمسمأةالف سنة كل مرقاة من جوهرة من در وياقوت والماس وذهب وفضة وامثالها فيصعد عليه النبي صلى الله عليه وآله حتى يستقر على اعلى المراقي والخلايق كلهم قيام صفوف ثم يأتي مولينا امير المؤمنين عليه السلام فيصعد المراقي الى ان ينتهي الى الاعلى ويقف دون النبي صلى الله عليه وآله بمرقاة ثم يأتي الائمة عليهم السلام فيقفون على المراقي على حسب مقاماتهم ودرجاتهم ثم يأتون بلواء الحمد وهو علم الولاية الكبرى والسلطنة العظمى والرياسة العظمى للنبي صلى الله عليه وآله فيسلمها الى عليّ عليه السلام وهو حامل اللواء ثم يأتون بمفاتيح الجنة والنار فيسلمونها لعليّ عليه السلام ثم يرد اليه حساب الخلايق فيحاسب الخلق على حسب اعمالهم الذاتية والعرضية ويبلغهم مقاماتهم التي اعدها لهم بامر الله سبحانه اما في الجنة او في النار فهم سلام الله عليهم هم السلاطين في الآخرة لا يرد امرها الى سواهم وكل الخلايق دونهم ينظرون لحكمهم ونفاذ امرهم وكل احد محتاجون اليهم فطوبي لمن احبهم واقر واعترف بولايتهم وتذلل لفضايلهم ومناقبهم وامات نفسه في طاعتهم وضرب صفحا وطوى كشحا عن اعدائهم في ذلك اليوم فانه في نعيم وسرور وجنة وحبور وويل لمن عصاهم وابغضهم واعرض عنهم وادبر عن نور هدايتهم ووالي اعدائهم وعادي اوليائهم في ذلك اليوم فانه في عذاب اليم جعلنا الله من اوليائهم التابعين لهديهم المقتفين لآثارهم السالكين لمسلكهم الخاشعين الخاضعين لهم المجاورين لقبورهم الظاهرية والباطنية الواقفين ببابهم اللائذين بجنابهم صلى الله عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم وظاهرهم وباطنهم ولعنة الله على اعدائهم وظالميهم ومخالفيهم ومبغضيهم اجمعين الى يوم الدين وابد الآبدين ودهر الداهرين هذا مجمل الامر في الكشف عن مراتبهم الظاهرية واذا طلبت ازيد من ذلك فارجع الى ما ذكرنا في شرح الخطبة الطتنجية فان فيه امورا غريبة لا تكاد تحملها القلوب والافكار
قال سلمه الله تعالى وسلك به مسلك رضاه : وايضا نستدعي من جنابك العالي ان تبين لنا المختار من اعتقادكم في المعاد هل هو جسماني او روحاني والذي اخترتموه بينوا لنا برهانه ودليله
اقول هذا آخر مسائله وفقه الله لمراضيه اعلم ان المختار عندنا في ذلك ما اجمع عليه المسلمون بل المليون ممن انتحل مذهبا من المذاهب التي اتت به الانبياء والمرسلون من القول بالمعاد الجسماني والروحاني معا ومن انكر المعاد الجسماني فقد خالف الضرورة من الدين وهو كافر اجماعا من المسلمين ويجب قتله على اليقين نعم قد استصعب العلماء اقامة البرهان على ذلك والدليل القاطع على حشر الاجساد واكتفوا في اثباته بما ثبت بالضرورة والاجماع واخبار المعصومين على نهج القطع واليقين ولكنا بحول الله وحسن توفيقه قد اقمنا على العود الجسماني براهين قطعية عقلية الهية بالادلة الثلثة من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل سيما في جواب الشاهزادة ( الشاهزادة عن السؤال خل ) عن شبهة الآكل والمأكول التي صارت معركة للآراء وساير الرسايل ونقتصر هنا بشيء يسير من ذلك لتوفر الكلال والملال وعدم اجتماع الحواس وتبلبل البال فنقول لا شك ولا ريب ان الله عز وجل كامل مطلق وعالم مطلق وكماله المطلق مع علمه وقدرته المطلقين يقتضي ان يجري فعله بدوا على احسن طور واشرف وجه على اكمل ما يقتضي ان يكون عليه الممكن واعظم طور تظهر به صفاته الجلالية والجمالية والكمالية ولا شك ان العلم اشرف من الجهل والعالم اشرف من الجاهل لان سعة العلم تنبئ عن سعة قدرة الله سبحانه حيث ان الله سبحانه لا يعلم من حيث ذاته وانما يعرف من حيث آثاره وافعاله فكلما يكون العلم بالخلق اكثر يكون العلم بالله اكثر وكلما يكون العلم بالله اكثر يكون نوره وقدرته واستنارته من الشمس المضيئة تحت قعر بحر القدر اكثر وكلما يكون نوره اكثر يكون مقامه و مرتبته ودرجته اكثر في الجنة ومقامات القرب والزلفى ارفع واعلى فاذا كان كذلك فاعلم انه تعالى قد سبقت كلمته بتعدد العوالم واختلاف مراتب الاشياء اظهارا لصفاته الغير المتناهية ورحمته الواسعة وقدرته الجامعة لتعظم بذلك الفيوضات الواردة على المخلوقين وتحصل بذلك الترقيات الغير المتناهية وتنال به لطايف اللذات برفع طرايف الدرجات ونزول انحاء الواردات على اختلاف الطبايع والالوان فخلق الخلق وله الحمد والشكر في عوالم مختلفة ومراتب متفاوتة ومقامات متعددة فلو كان المكلفين من مخلوقاته تعالى حصل له العلم بجميع تلك الدرجات والمقامات والمراتب حتى يشاهدوا في كل مقام تجليا من تجلياته سبحانه وظهورا من ظهوراته ويعظموه تعالى ويسبحونه ( يسبحوه خل ) حسب ذلك التجلي بنور العظمة لترفع لهم بذلك درجة وينالوا به مرتبة لمتكن لهم قبل ذلك حيث اجرى الله سبحانه تعالى عادته باجراء الاشياء على الاسباب اتماما لبالغي الحجة واكمالا لعظيم النعمة كان احسن واولى وابين لظهور العظمة واتم للمعرفة واقرب الى التصديق واوضح للحجة واقطع لعذر لجاج المخالفين وادحض لحجة المعاندين وابعد لا يراد الشبهة على المؤمنين الموحدين واظهر لعموم القدرة ولما كان العلم على ما هو التحقيق عين المعلوم في عالم الامكان اذ لا بد ان يكون بينه وبين المعلوم مناسبة ومرابطة ليكون احدهما من سنخ الآخر اذا لم نقل بعينية العلم للمعلوم كما هو المشهور عند القوم وجب ان يكون للعالم من سنخ كل عالم حتى يعرفه بما عنده من وصف ذلك العالم فوجب ان يكون في كل مكلف انموذجا من كل عالم ليعرفه به ولينال بتلك المعرفة والعلم اعلى الدرجات واسنى المقامات ففعل سبحانه وتعالى وخلق الخلق المكلفين كل واحد منهم جامعا لجميع ما في العالم حتى تكون عناية الله في الكل على السواء وان اختلف المكلفون بالاعمال في اظهار تلك العوالم بتلك العناية وعدمه الا ان الوجود لئلا يكون في ما من الله نقص ولا يكون للناس على الله حجة فمما لا بد منه ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام مخاطبا للمكلف :
أتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
ولما كان كليات العوالم الف الف والمكلف جامع للعوالم يجب ان يكون هذه العوالم كلها فيه لقوله عليه السلام : وفيك انطوى العالم الاكبر ولما ثبت بالدليل القطعي ان كل شيء مكلف مختار ذو شعور وادراك ويجب ان لا يكون ما من الله ناقصا وجب ان يكون كل شيء حاويا وجامعا لكل شيء حتى يصح ما قال الشاعر :
كل شيء فيه معنى كل شيء فتفطن واصرف الذهن الي
كثرة لا تتناهى عددا قد طوتها وحدة الواحد طي
ولما كان هذه المراتب مختلفة في الصفاء والكدورة واللطافة والكثافة والنورانية والظلمانية والتجرد والمادية والطفرة في الوجود باطلة فوجب ان يكون هذه المراتب متنزلة الاعلى فالاعلى ولما كانت المرتبة السفلى مقام الكثافة بالنسبة الى الاعلى فتلك اللطيفة الالهية التي هي حقيقة الشيء متنزل من الاعلى الى الاسفل فعند النزول الى كل عالم يلبس لباس ذلك العالم ويتصف بصفته ويجري عليه حكمه وهو قوله عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وها انا اذكر لك بعض مقامات عالم النزول البدوي لتستبين منه حال الصعود العودي فان الصعود عين النزول والبدو عين العود فنقول ان الله سبحانه لما خلق ذلك النور الرباني والسر الصمداني والنقش ( النفس خل ) الفهواني والخطاب الشفاهي وهي الحقيقة الانسانية وحقيقة كل شيء فامره الله سبحانه بالادبار لتحقق المراتب لاثبات ما حكم الله وقدر فادبر ذلك النور ودخل بلد الهوية ومنه سافر الى بلد الالوهية ومنه سافر ونزل الى مأوى الاسماء الكلية ومنه الى مسكن الصفات النوعية والشخصية ومنه الى معدن المعاني اي معاني الصفات كالجلال والجمال والكبرىاء ومنه الى مقر اهل المحبة واصحاب الذوق والمودة ومنه الى مقام اهل دليل الحكمة وينبوع الاسرار الذوقية ومنه الى مقام قاب قوسين ومنه الى رتبة العقل المرتفع ثم منه الى المستوي ثم منه الى المنخفض ثم منه الى مقام السدرة المنتهى وتفرد على اغصانها باوراقها اذ يغشى السدرة ما يغشى ثم منه الى مقام الروح ارض الزعفران ثم منه الى شجرة طوبى ثم منه الى الجنة العليا ثم الى الرفرف الاخضر ومنه الى مقام ومحل الانس ورتبة الايتلاف وهيهنا مبدء الذر الاول او الثاني او الثالث وهناك محل الاختلاف ومنه الى مقام الكثيب الاحمر ثم الى مقام الطبيعة النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة ثم الى رتبة الهيولي ومقام الهباء والمواد الجسمانية وهذا هو البحر الذي حصل من ذوبان الياقوتة الحمراء لما نظر اليها الحق سبحانه وتعالى بنظر الهيبة وتلك الياقوتة هي الطبيعة والبحر هو المادة الجسمانية دخان ذلك البحر لطايف تلك المادة فصارت منها السموات بطبقاتها حسب ما لها من اللطافة وزبد ذلك البحر كثافة تلك المادة من جهة صلوح لحوق الاعراض والغرايب فصارت منها الارضون بطبقاتها ومراتبها ثم منه الى عالم الصور والاشباح والمثال وجنة هورقليا وجابلصا وجابلقا ثم الى العرش محدد الجهات اي محدبه ثم الى مقعره ثم الى فلك الكرسي ثم الى فلك البروج ثم الى فلك المنازل ثم الى الشمس ثم من الشمس الى فلك زحل والقمر ثم منها الى فلك المشتري وعطارد ثم منها الى فلك المريخ والزهرة ثم نزل الى كرة النار ثم الى كرة الهواء بمراتبها الثلثة بل الاربعة ثم الى كرة الماء كله ثم الى التراب مظهر اسم الله المميت وذلك نهاية الادبار ولما كان مقام الادبار هو الادبار عن النور فلا شك ان مقام التنزل يورث الظلمة وهي تحدث البرودة واليبوسة وضعفت الحرارة والرطوبة حينئذ شيئا فشيئا الى ان تغلب البرودة واليبوسة فتخفى المراتب كلها في التراب وتموت فيه ولهذا السر كان التراب باردا يابسا في الطبيعة طبع الموت ولما كان سر التنزل كما ذكرنا كون الشيء جامعا مملكا ويتحقق العلم والمعرفة اللذان هما الغاية في خلق العالم فوجب اثبات هذه المراتب وعدم افنائها واعدامها والا لزم ان لا يكون الصانع حكيما او لا يكون عالما او لا يكون قادرا والشقوق كلها باطلة بالضرورة الاولية ولما تحققت المراتب وغلبت الكثرات وظهرت طبيعة الموت وخفي ذلك النور وتمكن الغيور وخفيت المراتب العالية ايضا اراد الله سبحانه امضاء ما اراد واظهار ما احكم وابرام ما اتقن امره بالاقبال بعد ما امره بالادبار ولما بينا ان المراتب يجب اثباتها والمقامات المتحققة في عالم النزول بالنزول يجب عدم محوها وافنائها وجب ان يكون الصعود على خلاف طريق النزول والا لكان النزول خاليا عن الثمرة والفائدة والله سبحانه اجل من ذلك فوجب ان يصعد بحيث تكون المراتب كلها محفوظة ويعود كل مرتبة الى صفائها الاصلية فاخذ في الصعود بما يحفظ به المقامات فاول صعوده كان في مقام الجماد والمراتب كلها مجتمعة فيه غير متميزة بل متهيئة ( متعينة خل ) للظهور بالقوة البعيدة ثم ترقى الى مقام النبات باسباب حركات الافلاك وتعاقب الليل والنهار ووقوع اشعة الكواكب ونضجه بالحرارة المعتدلة والرطوبة السائلة والبرودة الحافظة ولو اردنا نشرح كيفيتها لطال بنا الكلام ففي هذه المرتبة ظهرت العناصر الاربعة التي كانت كامنة مستجنة فيه بآثارها فالحرارة والرطوبة التي هي الهواء مالت به الى النضج والهضم والتعفين والتقطير فالماء يدفع الفضلات الغريبة والنار تلطف الاجزاء وتصعد بها الى الاعلى والهواء يدبر الاجزاء ويناسب بين احوالها لا ان يجعلها صالحة للغذاء وان يكون جزء للبدن والارض تحفظ الاجزاء وتمسكها عن الاضمحلال والدثور وبهذا الاسباب وجد النبات وظهرت العناصر معلنة بآثارها وبقيت المراتب الاخر في مقام الخفاء والاستجنان ثم بعد النضج الآخر صعد الى مقام الحيوان واعتدلت الطبايع ونضج البدن حتى شابه جوهر جوزهر القمر ظهر فيه سر الحيوة وظهرت فيه ما كان كامنا ومستجنا فيه من قوى الافلاك والكواكب والسيارات والثوابت والعرش والكرسي ثم صلح البدن بكثرة النضج والطبخ في بطن الام الى ان خرج منها وقوى التأثير بتدبير الشمس والقمر بمعونة الحرارة الغريزية وعمل الملئكة المدبرات كل ذلك باذن الله تبارك وتعالى الى ان كمل وظهر العقل في الجملة فخرجت النسمات معلنة بالثناء على خالق السموات وتميزت المراتب والدرجات الا ان ظهور تلك المراتب صارت بالسنة الطلبات والقابليات ولذا اختلفت في الظهور في الاعتدال وعدمه وغلبة طبيعة من الطبايع على حسب تلقيها لتلك الاسباب لكن هذه النسمات لما خرجت من الكثافات والظلمات الادبارية جهلت ما يقتضي كينوناتهم من التمسك بالاسباب الموصلة الى مقاماتهم الاصلية من الدرجات والنكبات حسب قبولهم وانكارهم في الذوات فكلفها الله سبحانه بالتكاليف التي هي الاسباب الموصلة كالشمس والقمر وساير الكواكب في الوصول الظاهري وتلك الاسباب هي الشريعة المعروفة والاخذ بها سبب الوصول كالاعراض عنها فلما نالوا نصيبهم من الكتاب وتمت هياكلهم بتلك الاسباب اراد الله سبحانه كشف الغطاء عن بصايرهم وابصارهم ليرون مقامهم واطوارهم واحوالهم ودرجاتهم وما خلقوا لاجله وما بلغوا اليه بالاسباب التي اعد الله سبحانه لهم ولما كان تلك الحجب والاغشية والكثافات الخارجية تمكنت لاجل ادبارهم في كل مراتبهم من اجسادهم واجسامهم وارواحهم ونفوسهم وعقولهم ورسخت في كل ذرة من ذرات وجودهم واخراج تلك الكدورات والحجب لا يمكن حسب الاسباب الا بذوبان ( بذوبان كل خل ) الاجزاء ليحترق الفاسد ويبقى الاصل الثابت كما قال عز وجل واما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض فالخلق بعد بلوغهم رتبة التكليف اما الى الجنة او الى النار الا ان بينه وبين ادراك ملاذها وآلامها حجاب يمنعه عن الالتفات وذلك الحجاب هو تلك الاوساخ الراسخة في مراتبه وذاتياته فالله سبحانه يكشف ذلك الغطاء فيجد نفسه حينئذ في القيمة قبل التصفية البالغة عن الخلط واللطخ فيجد حينئذ الصراط والميزان وتطاير الكتب فاذا خلص عن ذلك كله يجد نفسه اما الى الجنة او الى النار نستجير بالله من النار وهو قوله تعالى فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد وقوله تعالى كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين وقوله تعالى يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وقوله تعالى الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وقال الصادق عليه السلام لمن قال ادخلني الجنة لا تقل هكذا انتم في الجنة قل اللهم لا تخرجنا منها فاذا وجب كشف الغطاء وذلك لا يمكن الا بذوبان الاجزاء كالذهب المغشوش وكاللبن اذا ارادوا ان يستخرجوا منه الزبد والدهن وجب كسر الصيغة في كل من فيه خلط وكدورة خارجية وذلك الكسر هو عبارة عن الموت فبه يحصل الكسر ولما كانت المراتب متمايزة فمن تمايزت مراتبه كلها في هذه الدنيا ينكسر اولا جسده وجسمه لانه الادنى وكل ادنى في القوس الصعودي يظهر اولا فتنكسر صيغة هذا الجسد وتنهدم بنيته وتبقى الروح في عالم المثال ساهرة لا تنام اما الى النعيم او الى الجحيم ويبقى الجسد مندكا منهدما لان يطهر من الاوساخ ويعود الى اصله الذي كان قد بدء منه اولا كما كان آدم عليه السلام قد خلق في الجنة بجسمه وجسده وهو في الصفاء واللطافة اصفى والطف واقوى من جسم العرش محدد الجهات واما الروح فتبقى في عالمها منعمة او معذبة وذلك هو عالم البرزخ وشرح احواله يطول به الكلام وهي كذلك الى ان يأتي اوان تصفية الروح وساير المراتب وذلك يكون كليا عند نفخة الصور عند موت عالم الكلي فانه ايضا رجل عبد الله مكلف لا بد له من التصفية وهو لما كان اقوى بنية وانضج طبيعة يكون كسر جسده مع كسر ارواح ساير المخلوقات ممن لم لا يدركوا زمان الرجعة ودولة الكرة فاذا نفخ في الصور فصعق من في السموات والارض ومات الخلق كلهم من النفوس والارواح والعقول فيبقى لا حس ولا محسوس الا من شاء الله وهم الذين لم يتطرق في ذواتهم ولا في مراتبهم الاصلية من اجسادهم ولا ارواحهم وعقولهم خلط ولا لطخ وكدورة واعراض وظلمة فلا موجب حينئذ لكسر صيغتهم واهدام بنيتهم وفعل ذلك يورث العبث والفساد والله سبحانه منزه عن ذلك وهؤلاء هم محمد وآله الاربعة عشر المعصومون صلوات الله عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم واجسامهم وظاهرهم وباطنهم فيبقى الخلق امواتا غير احياء ومايشعرون ايان يبعثون فيأتيهم النداء من الملك الاعلى اين الجبارون اين المتكبرون اين الذين اكلوا رزقي وعبدوا غيري لمن الملك اليوم فيجيب عن نفسه لله الواحد القهار وفي الحديث عن الصادق عليه السلام قال نحن السائلون ونحن المجيبون كما تقدم في المسئلة السابقة وبالجملة فالخلق يبقون امواتا الى اربعمأة سنة ولما كانت الارواح تطرق الخلل والفساد فيها اقل فيكتفي بهذه المدة المعلومة بخلاف الجسم فان تطرق الخلل والفساد فيه اعظم وقولي سابقا فمن تمايزت مراتبه كلها في هذه الدنيا مرادي ان من لم يتميز جميع مراتبه وما حيى الا جسده من ساير المستضعفين فهؤلاء لهم ميتة واحدة فاذا مات جسدهم وكانت ارواحهم ميتة قبل فلا يكون لهم برزخ ولا يحيي هؤلاء الاشخاص الا بعد النفخة الثانية فبعد هذه المدة التي ذكرناها ينزل من البحر الذي تحت العرش واسمه المزن والصاد والنون ماء رائحته رائحة المنى فيمطر اربعين صباحا بحيث يكون وجه الارض كله ماء واحدا فتنبت اللحوم المصفاة والاجزاء المنقاة من كل كثافة ورذالة وهي صافية نقية لطيفة اصفي من محدب محدد الجهات بل اصفى من غيبه لان لبه وصافيه بالنسبة الى ظاهره كلب اجسامنا وصافيها بالنسبة الى ظاهر القشور فتذهب تلك الاعراض عن الجسد بكثرة الحل والدك والبقاء في الارض كما تذهب الاوساخ بكثرة الدلك في الحمام والماء الحار ويبقى الجسم الحقيقي الذي خلقه الله عليه في الجنة ليصح قوله تعالى كما بدءكم تعودون وكذلك الارواح بعد ان تتصفى بذهاب الاوساخ عنها مما لحقها في حال الادبار والتنزل فينفخ في الصور نفخة اخرى فاذا هم قيام ينظرون فيرد كل روح ويتصل ببدنه اتصال المحب بالمحبوب والعاشق بالمعشوق فلا مفارقة بينهما ولا زوال لارتفاع الموانع وكشف الغطاء ووجود المقتضى وكون الترقي الى الاعلى فتحشر هذه الارواح الدنياوية بعينها الا انهما على كمال الصفا واللطافة اما في النورانية او في الظلمانية فلو لم تتلطف لم يكن فرق بين الدنيا والآخرة ولماصح قوله تعالى فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد فافهم فظهر لك ان شاء الله تعالى من هذا البيان التام الواضح العام ان العود لا يكون الا بهذا الجسم لا غير واما ما اوردوا في هذا المقام من شبهة الآكل والمأكول المشهورة فعلى ما قررنا لك لا يبقى لها مجال فان من اكل آدميا وصار غذاءه ونبت لحمه ودمه منه فاذا رجع كل شيء الى اصله رجع ما اكل الى التراب واما الجسم الحقيقي لذلك الآدمي المأكول فليس بمأكول ولا تهضمه ( فلا تهضمه خل ) القوة الهاضمة الدنياوية فانها اعلى من صفو الافلاك فكيف تهضمه القوى المركبة من هذه العناصر الا ترى ان الرجل اذا سمن سمنا زايدا عن الحد لا يخرجه عما هو عليه من كونه ذلك الرجل واذا هزل كذلك كذلك فصار المعلوم ان مدار الشخص الجسماني الذي تدور عليه روحه ليس الا تلك الطبيعة ( اللطيفة خل ) الصافية التي تبقى في القبر مستديرة ولا تغيره الليل والنهار وهو الجسم الحقيقي ولا يلزم ان يكون جسما كثيفا الا ترى الافلاك هي اجسام حقيقية ولا كثافة فيها وهذا جسم النبي صلى الله عليه وآله جسم حقيقي ولكنه الطف من صفو الافلاك فلا يكون له ظل اذا استشرقت به الشمس واما رؤية الخلق لذلك الجسم المطهر فهي انما كانت بارادة منه صلى الله عليه وآله اما بان يرقي الخلق ويقوي ابصارهم حتى يتمكنوا من النظر اليه او بان يتنزل الى مقامهم بحكم وللبسنا عليهم ما يلبسون فالجسم الحقيقي لكل شيء لا يكون غذاء لشيء آخر فاذا اكل احد اجسام كل الناس ما صار جزء بدنه الاصلي شيء من تلك اللحوم وانما صار اعراضها جزء لاعراضها كما اذا تراكمت الاوساخ والتأمت ونضجت تحركت وصار لها روح جزئي عرضي الا ترى الفيران المتكونة من الطين ويتفق ان يكون النصف طينا والنصف الآخر فارة وكذلك العقارب تتكون اذا نديت اللبنتين وجعلت احديهما على الاخرى الا ترى القمل والبراغيث فانها تتولد وتتكون من الاوساخ وبالجملة تلك الاجزاء الاصلية تبقى غيبا في الاجزاء العرضية التي صارت جزء لهذه الاوساخ العرضية كبرادة الذهب في دكان الصايغ ولا يفنى ولا يعدم ولا يكون جزء لشيء الى ان تعود كما كانت وكيف تكون جزء للآخر وانه نزل من سدرة المنتهى بل كان نورا ذائبا كان في حجاب العز يسبح الله سبحانه بالف لسان وفي كل لسان الف لغة فلما استشعر بنفسه وشاهد عظمة ربه استبطن الخوف وغلبت عليه برد الخوف فانجمد فكان الماسا فانغمس في بحر الهيبة وتردى بالخشوع وتأزر بالخضوع فقام منتصبا للقيام بالخدمة فظهر له مقام القدرة والقهر فبكى من هيبة القهار اربعمائةالف عام دما عبيطا بقوة حرارة قلبه ومزجها ببرودة خوفه المتحصل منها الدم العبيط حتى غرق في ذلك البحر ومات من شدة الوجد ثم افاق من غشوته دخل في حوصلة الطير الاخضر من طير القدس فطار به الى عالم الانس فلما استوفي حظه فخرج يطلب مركزه فالتقمه الحوت فسار به في ظلمات ثلاث حتى اتى به الى ساحل البحر الاخضر اطلعه من بطنه فتناثرت اعضاؤه فصادته الطيور ولحقته به الى الطاير الاول الاخضر فترمي به في ارض الزعفران فتقوى واستقام فحكى صنع الملك العلام فظهر يحكي آية الله سبحانه في ملكه وملكوته حتى ظهرت مفصلة في النفوس فظهرت في الافلاك ووجدت على هيكلها وهذا هو حقيقة الشيء من روحه وجسمه فكيف يكون جزء لحقيقة اخرى مثله مع ان تلك الحقيقة ايضا كاملة في نفسها ومكملة لقوسي الاقبال والادبار ولكن لما انجمدت القرايح والطبايع وغلبت البرودة واليبوسة والرطوبة وتولدت منها الامراض المزمنة وظهر المرض في كل جزء من اجزاء الاكوان الارضية السفلية فكانوا لا يبصرون ولا يعقلون ويتوهمون ان الآدمي حقيقة يكون غذاء لآدمي آخر وذلك معلوم هذا البيان التام ان شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين
*******************
قد وقع الفراغ من تسويدها بيد منشيها في الثاني عشر من شهر ربيع المولود في سنة ١٢٣٨ مع كمال اختلال البال واغتشاش الاحوال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال مع ما برز من تهجم امواج الهموم والغموم والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إليه حدّا في كتاب الله لعلّكم تتّقون