
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على محمد المبعوث على كافة الخلايق من الجن والانس والاولين والآخرين وآله خلفائه المعصومين وامنائه الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم وظالميهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم من الجن والانس اجمعين ابد الآبدين
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض الديانين الذين ميزوا الغث من السمين وفرقوا بين السراب والماء المعين قد سئلني عن مسئلة عويصة صعبة قد تاهت فيها افهام الحكماء وضلت في حقيقتها احلام العلماء وان كانت بحسب الظاهر جلية بينة ولكنها على حسب ما يريد السايل خفية مستجنة قد اتتني في حال تقسيم البال وتشويش الاحوال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال واشتغالي باجوبة مسائل قد اتت قبلها فاخرت رسم جوابها الى ان فرغت منها فبادرت الى ذكر كلمات تكشف النقاب وترفع الحجاب عن وجوه حقيقة الجواب الصواب مع تبلبل البال وتعارض الاحوال واتيت بما هو الميسور واكتفيت بالاشارة بمختصر العبارة لعدم اقبال القلب الى بسط المقال وشرح الدقايق وتبيين الحقايق بواضح الاستدلال فان الفطن النبيه يدرك بالاشارة ما لا يدركه الغبي بالف عبارة وجعلت كلامه بالفاظه متنا وجوابي كالشرح له حرصا لكمال التوافق وصونا عن احتمال عدم التطابق
قال سلمه الله تعالى بعد الحمد لله والصلوة على رسول الله صلى الله عليه وآله والسلام على خلفاء الله ما لفظه : لما كان وجود الجن مما نطق به القرآن وشهد عليه الوجدان والبيان كان التجسس والسؤال عن حقيقته مما يرغب اليه الانسان وبمعرفته يستكمل ويسلم عن مضرته في الاسرار والاعلان
اقول اما نطق القرآن بوجود الجن مما لا اشكال فيه ولا ارتياب والآيات المحكمة في اثباته ظاهرة الدلالة واضحة المقالة وكذلك الاحاديث النبوية والآثار المعصومية بل وجود الجن مما انعقد عليه اجماع اهل المذاهب والاديان التي اتت به الانبياء عليهم السلام عن الله سبحانه وهذا لا اشكال فيه واما قوله سلمه الله وشهد عليه الوجدان فما ادري ما الذي اراد به فان كان المراد به ظهور وجود الجن بصحة البرهان وادراك العقل بضرورة البيان او ( وخ ) المنتهي الى الضروري كما هو شأن اهل هذا الشأن فدون تحقق هذا الوجدان خرط القتاد على ان جماعة من العلماء الاعيان صرحوا بانه لا سبيل للعقل الى اثبات الجن وممن صرح بذلك الفاضل المجلسي (ره) في البحار قال (ره) في الرد على النافين لوجود الجن ان القول بوجودهم مما انعقد عليه اجماع الآراء ونطق به كلام الله تعالى وكلام الانبياء عليهم السلام وحكى مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء وارباب المكاشفات من الاولياء فلا وجه لنفيها كما لا سبيل الى اثباتها بالادلة العقلية انظر الى تصريحه (ره) بالنفي الكلي لاثباتهم بالدليل العقلي على ان ما ذكروا في اثبات الجن من دون النقل كلها تقريبات واستحسانات لا تسمن ولا تغني من جوع وقد قال الرازي في تفسيره الكبير على ما نقل عنه المجلسي (ره) في البحار نقلا عن النافين لوجود الجن ان اثبات هذه الاشياء اي الملئكة والجن بواسطة الدليل والنظر متعذر لانا لا نعرف دليلا عقليا يدل على وجود الجن والشياطين وان كان مراده سلمه الله بالوجدان المشاهدة والعيان كما يشعر به ارداف الوجدان بالعيان فذلك قد منعوه اشد المنع وحملوه على بعض التخيلات عند هيجان بعض الاخلاط كما في البحار نقلا عن بعضهم اما الحس فلم يدل دليل على وجود الجن واذا كنا لا نرى صورة ولا سمعنا حسا كيف يمكننا ان ندعي الاحساس والذين يقولون انا ابصرنا الجن فهم طايفتان اما مجانين قد هاجت عليهم الاخلاط الردية فيتخيل لهم اشياء في الخارج ولا اصل لها كما نشاهد في المرضى واصحاب الاخلاط الفاسدة يتراءى لهم اشياء لا اصل لها ولا حقيقة وانما هي صور نشأت وحدثت من ذلك الخيال الفاسد الا ترى الاحول او انهم كاذبون يتحرون الكذب وقول الزور انتهى ما نقلته بالمعنى فاذا كان كذلك فدعوى ثبوت الجن بالوجدان والعيان دعوى لا شاهد عليها من البرهان بل هي اصعب ما يرد على الانسان من اهل هذا الشأن من اصحاب دليل المجادلة وان كانت بالتي هي احسن نعم لما ان الله سبحانه ابى الا ان يظهر حكمته ويعلن دعوته ويبين امره ليكون الخلق على بصيرة وبينة ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وجب ان يكون لكل ما بين الله سبحانه لخلقه في كتابه وفرقانه بيان واضح وعليه برهان ودليل لايح لئلا تكون لهم الحجة عليه ويكون ذلك سببا ووسيلة الى انكارهم متمسكين بعدم جواز التصديق والاذعان بغير بيان ظاهر وعلم زاهر وفهم ثاقب ولما كان ثبوت الجن مما يتعسر بل يتعذر بدليل المجادلة لاقرار ( لاعتراف خل ) هؤلاء الفحول الذين هم اهل هذا الدليل بالعجز عن اقامة البرهان ومشاهدة الوجدان وجب ان يكون ذلك بدليل الحكمة ومشاهدة الآيات الآفاقية والانفسية من قوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن وقوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فوجبت الاشارة الى نوع هذا الدليل لايضاح السبيل لقلة سالكي هذا السبيل وندرة حاملي هذا الدليل فنقول ان الله سبحانه لما كان كاملا مطلقا من جميع الوجوه وجب ان يكون فعله ومفعوله على احسن ما يمكن ان يكون في الامكان حتى لا يقال لو كان كذلك لكان احسن وحيث ان الله سبحانه انما خلق الخلق لاظهار قدرته واعلاء كلمته كان كلما يكون فيه ظهور هذا المعنى اكثر كان هو الاولى بالاختيار واجراء فعله سبحانه عليه ولا شك ان امره سبحانه ومجعوله الاول لما كان اول ما يتعلق به الجعل وجب ان يكون في اعلى المراتب من الكمال ولا يكون الكامل كاملا الا ان يكون له نور وجمال ولنوره وجماله نور وجمال ولنور نوره وجمال جماله نور وجمال وهكذا الى آخر المراتب والمقامات بل الى ما لا نهاية له من الدرجات والدركات لعدم التعطيل في الفيض وعدم الانقطاع في المدد وعدم المانع في الافاضة ووجوب الكمال في كل مرتبة الحاكية لكمال الصنع ( الصانع خل ) والمؤثر الظاهر بكمال القدرة ولا يكون الكمال في الشيء الا باظهار اثره اما من جهة تعينه في مقام تحديده كالقيام والقعود بالنسبة اليك او في مقام كينونته وتحققه كالصور الظاهرة منك في المرآة ففي الصورة الاولى انت الفاعل بالامر ( بامر خل ) بين الامرين وفي الثانية الله الفاعل بك وحيث ان الله سبحانه يجري فعله بالاسباب فانت في التفاتك وتوجهك الى المرآة فكالصورة الاولى فانه منسوب اليك وفي تحقق الصورة في المرآة وتكونها فكالثانية فانت فيها يد لغيرك ليس لك من الامر شيء في تكون نقش الصورة وان كان لك الامر بالالتفات والتوجه الى نفس المرآة فافهم فقد اوقفتك على سر غامض ما اسعدك لو وفقت لفهمه وادراكه فانه نقطة العلم وهي التي كثرها الجاهلون فاذا ثبت ان فعله تعالى يجب ان يكون اكمل ما يكون من حيث الفعل والايجاد وان كانت حكمة الانوجاد ربما ينافيها وهي ليست باصلية اولية وانما هي ثانوية عرضية تكون منشاء لتعدد المشية فكانت مشيتان مشية عزم وهي مقتضى الفيض الالهي الاولي ومشية حتم وهي مقتضى الحكمة الثانية ولولاها كان الحتم عزما ولم يكن لله سبحانه الا اليمين وبالثانية حصلت الشمال وكلتا يديه يمين وبالجملة فمقتضى الجعل الاول الذاتي هو الكمال ولا يكون الشيء كاملا الا ان يكون له لطيفة زايدة على ذاته ولا نعني بالاثر الا هذا وهو الجمال الذي اشرنا اليه سابقا فاذا تحقق هذا فاعلم ان اول مخترع بالاختراع الاول واول مبتدع بالابتداع الاول واول ظاهر باول ظهور واول نور مشرق من صبح الازل هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليها وقد دل على ذلك اجماع المسلمين والعقل المستنير وقد ملأنا مصنفاتنا من اثبات هذا المعنى ولا سيما شرح الخطبة المباركة الطتنجية فتشعشع نورها وتلألأ ظهورها فخلق الله سبحانه عنها حقيقة الانبياء فتلك الحقيقة اشراق نور الحقيقة الاولى العليا وحيث كانت الحقيقة المحمدية صلى الله عليها اقرب الخلق الى المبدء كان في اكمل مراتب الامكان فقلت جهات الكثرة فيها فظهرت في مقام الكثرة على اربعة عشر هيكلا قصبة الياقوت وحجاب الله في الملك والملكوت منزهون عن ( عن كل نقصان خ ) جميع النقايص قد طهرهم الله سبحانه عن الواث لوازم الامكان فلا يفعلون الا الراجح عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وهم الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فلا يتركون الاولى ابدا والا لفتروا واما اول الاشراق عن تلك الحقيقة المقدسة فحيث انه قد بعد عن المبدء ولو بواسطة واحدة كانت الظلمة قد ظهرت بعض آثارها في الجملة ولذا كثرت الافراد المنشعبة من ذلك الاشراق وحيث انه اول ما اشرقت حقيقته من الحقيقة العليا كانت اكمل الموجودات واشرفها بعد الحقيقة العليا فتناهت كثراتها وكانت مأة الف واربعة وعشرين الفا وقد ذكرنا الوجه في ذلك في اجوبة مسائل جناب العالم الكامل الفاضل الملا عليّ البرغاني ومن جهة بعدها لمرتبة واحدة يحصل من افراد هذه الحقيقة ترك الاولى دون المعصية واقتراف الحرام لكمال قربها وقلة بعدها فالبعد بمرتبة واحدة اقتضى ترك الاولى واقتضى عدم ارتكاب الحرام فافهم ثم لكمال هذه المرتبة ووقوعها في اعلى الدرجة تشعشع نورها ولمع ظهورها فكان ذلك الاشراق كالاول مبدء تحقق درجة اخرى ولما كان هذا الاشراق قد بعد بمرتبتين تمكنت فيه الظلمة وظهرت آثارها فيه كان الافراد الحاصلة من تشعب ذلك الاشراق لا نهاية لها ولا غاية بل ظهرت افرادها غير متناهية لبعدها وتمكن الظلمة الموجبة للكثرة فيها فلا نهاية لعدد افرادها فتحصل منها المعصية واقتراف المحارم من حيث خصوصية الافراد لبعدها عن مبدء النور بواسطتين ولما لم يبعدوا عن المبدء كثيرا ظهروا على صورة الحقيقة العليا الاولى والثانية فظهروا بالصورة الانسانية فهذه الصورة للحقيقة الاولى العليا والثانية حكت مثالها وظهرت على صورتها فالقت في هوية الثانية مثالها فاظهرت عنها افعالها كما قال امير المؤمنين عليه السلام في وصف الملأ الاعلى والحقيقة الثالثة حكت مثال الحقيقة الثانية كالثانية للاولى فظهرت على صورة الثانية التي هي على صورة الاولى لكمال القرب الى المبدء وعدم تكثر التجلي والمجالي كما اذا قابلت المرآة شخصا ثم قابلت تلك المرآة مرآة اخرى فان في الثانية مرآة وصورة ثم قابلت الثانية ثالثة ففيها مرآتان وثلث صور وهذه الصور كلها ظاهرة لقلة الوسايط واذا كثرت المرايا تتكثر الصور وتعوج الصورة الظاهرة كانها ليست هي الاولى وليست هي حكايتها نعم انها هي ولكن الحدود كثرت والمرايا تعددت والصورة الحقيقية الاولية خفيت وبهذا البيان والتقرير التام تعرف اختلاف صور الموجودات وانحرافها عن الصورة الانسانية مع انها كلها حكايات لصورتها وهي العلة لوجودها وتحققها والى ما ذكرنا ( ذكرناه خ ) يشير كلام الشاعر وهو مجنون العامري يخاطب ظبيا لما اراد ذبحه فصرعه ثم اطلقه وانشد :
ايا شبه ليلى لا تراع فانني انا لك من دون الانام صديق
فعينك عيناها وجيدك جيدها ولكن عظم الساق منك دقيق
فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال ولما كان الاشراق الثالث على حسب مقتضى ( مقتضى حسب خل ) حكمة الله سبحانه كاملا وجب ان يكون له اشراق ولا ريب ان هذا الاشراق في الرتبة الرابعة قويت فيه جهة الظلمة فتكثرت شعب تلك الحقيقة وتميزت فلا نهاية لافرادها ولا حد تنتهي اليه اشخاصها وتغيرت فيها الصورة الانسانية وظهرت على صور شتى واطوار كثيرة ليست تشبه الصورة الانسانية والبهيمية وغيرها من الصور في الصور الذاتية وان كانت تظهر بصورها وتتشكل باشكالها بالصورة العرضية كما سنبين لك ان شاء الله تعالى فقد حصل مما بيناه اربع مراتب الاولى الحقيقة العليا الاولى الثانية اشراق نورها الثالثة اشراق الثانية والرابعة اشراق الثالثة فالرتبة الاولى هي المسماة بالحقيقة المحمدية صلى الله عليها والرتبة الثانية هي المسماة بحقيقة الانبياء قد ظهرت في مأة الف واربعة وعشرينالف شخص وفرد تصدق ( يصدق خل ) تلك الحقيقة الكلية عليها من باب التشكيك كما ان الحقيقة الاولى ظهرت في اربعة عشر هيكلا هياكل التوحيد واشباح التفريد والتجريد والمرتبة الثالثة هي المسماة بحقيقة الرعية من الانسان ولا حد لافرادها ولا نهاية لاشخاصها والكل على الصورة الانسانية المعتدلة والمرتبة الرابعة هي المسماة بحقيقة الجن ولا نعني بالجن الا الحقيقة الواقعة في الرتبة الرابعة وهي اشراق اشراق الحقيقة المحمدية صلى الله عليها وهي متشعشعة من نور الانسان مستشرقة منها واقفة تحت احاطتها ولها الهيمنة والاحاطة عليها وهي باب فيضها ووجهة مبدئها وسر حقيقتها فوجب وجودها لاحكام ( لوجوب احكام خل ) صنع مبدئها واتقان حكم باريها وهو سبحانه على كل شيء قدير لا يدع الحكمة ولا يترك الاولى كيف لا وهو سبحانه عاقب الانبياء عليهم السلام وعاتبهم واجرى عليهم العقوبة بتركهم الاولى وكيف يتركه سبحانه وهو الذي عير فاعلي ذلك بقوله عز وجل اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم فافهم وهذا هو ما وعدنا لك من دليل الحكمة على وجود الجن وتحققها وتذوتها في الجملة واما صفاتها واحوالها فسنخبرك ان شاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : ما حقيقة الجن وبدو خلقتهم ومقام مرتبتهم ونسبتهم الى الانسان وكيفية تكليفهم واصنافهم واقسامهم وتشكلهم بالاشكال المختلفة وهل ما جرى على السنة الناس لا سيما عند المنطقيين ان الجن جسم ناري يتشكل بالاشكال المختلفة حتى الكلب والخنزير مقتبس من اي قاعدة هل هو من الشرع او العقل وما الدليل على جميع ما ذكر مفصلا مشروحا
اقول اما حقيقة الجن فهي ما ذكرنا من انها اشراق نور حقيقة الانسان المشرقة من نور حقيقة الانبياء المشرقة من الحقيقة المحمدية صلى الله عليها وهذا الاشراق وان كان عرضيا بالنسبة الى مبدئه قائما به قيام صدور لا عروض كالاعراض المصطلحة عند الحكماء لكنه ذاتي بالنسبة الى رتبة ذاته الا ترى شعاع الشمس فانه عرضي بالنسبة الى الشمس لكنه ذاتي بالنسبة الى مقام نفسه وقولنا عرضي مرادنا انه قائم بالغير لان الحق عند اهل الحق ان كلما قام بالغير عرض وكلما قوم الغير جوهر وذلك في الامكان بحكم الاقتران والله سبحانه ليس بجوهر ولا عرض والقيام على اربعة اقسام قيام صدوري كقيام الشعاع بالشمس وقيام عروضي كقيام البياض بالجسم وقيام تحققي كقيام الجزء من حيث هو بالكل وبالعكس وقيام الصورة بالمادة وقيام ظهوري كقيام ظهور نور الشمس بالارض فاذا اطلقنا العرض نريد به احد هذه الوجوه فحقيقة الجن نور اشرق من حقيقة الانسان فهي من حيث هي نور لكنه بالنسبة الى افراده واشخاصه ينصبغ بصبغها ويجري عليه حكمها فان الحكم على المادة انما هو على حسب ما يلحقها من الصورة وهي من حيث هي لا حكم لها من احكام الصورة الا ترى الماء النازل من السماء فانه طهور في نفسه عذب في ذاته لكنه يجري في الارض وما يقع عليه فيقع عليه احكامها فكان سما في الافعي ومرا في الحنظل وحلوا في السكر ومقويا ومفرحا في اللؤلؤ وكك الجن فان اختلاف مراتبهم واحوالهم في الحسن والقبح لا ينافي كونهم من نور حقيقة الانسان
واما بدو خلقة الجن فهو الذي ذكرناه من ان الله سبحانه خلقهم من ذلك النور اي الاثر كما خلق الانسان الرعية من نور الانبياء وكما خلق الشعاع من السراج وخلق النهار من اشراق الشمس ومعنى ذلك ان الله سبحانه قد خلق من ذلك النور والاشراق بحرا اي مادة يضم صلوح ذلك النور والحقيقة الوحدانية للظهور بالافراد والتشعب بالاشخاص فتلك الصلاحية لتلك الحقيقة عبارة عن البحر الصالح للتموج بالامواج المختلفة الغير المتمايزة قبل التموج والبحر عبارة عند اهل الاسرار عن الشيء الواحد السيال الساري الغير المتمايز الاجزاء وهو المراد من البحر غالبا في اخبار اهل البيت عليهم السلام وذلك البحر قسمه الله سبحانه بلطيف حكمته بملاحظة لطيفه وكثيفه الى قسمين فمن اللطيف خلق سبحانه السماء ( ومنها الماء خل ) ومن الكثيف الزبد خلق سبحانه الارض وما بينهما متوسطات فاخذ سبحانه جزء من الماء وجزء من الارض فالذي من الماء ينحل الى الجزئين جزء من النار وجزء من الهواء والماء لا يراد منه الجسم البارد السيال بل المراد منه الرطوبة الحاملة للحيوة الحاملة للحرارة الغريزية فالمراد من الماء هو الحامل للعلويين والمراد من الارض هي الحاملة للسفليين فالماء البارد الرطب الوجه الاعلى منهما والارض الباردة اليابسة الوجه الاسفل واطلاق الماء على الوجه الاعلى والارض على الوجه الاسفل شايع ذايع ومنه قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي وقوله تعالى ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض فتحققت اربعة اجزاء وهي اربعة اركان فتمت بها حقيقة وجود الجن وهكذا حقيقة كل شيء فان الاعتدال هو الاصل في حقيقة الاكوان وقولهم بان الاعتدال لا يحصل به المزاج فقد هدمنا بنيانه وازلنا اركانه في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل وهذا هو الاصل في بدو خلقة الجن وكيفية تركيبهم في الفطرة الاولى العليا ولهم فطرة ثانية وهي التي ظهرت احكامها وغلبت طباعها فبدت آثارها وهي غلبة النار في مزاجهم وطبيعتهم وخلقهم من النار كما افصح عنه كثير من الآيات والاخبار وناهيك قوله تعالى خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار وبيان ذلك ان الجن وان قلنا سابقا ان حقيقتهم واقعة في الرتبة الرابعة من السلسلة الطولية ولكنها في الحقيقة رتبتهم هي الرتبة الخامسة وانما ذكرنا ذلك من جهة ظهور المراتب مشروحة العلل ومبينة الاسباب والا فهناك رتبة اخرى هي الاولى وهي الاصل في الحدوث والاحداث والوجود والايجاد والاختراع والابتداع وهو الفعل المعبر عنه بالمشية والارادة وهذه المراتب مراتب المفعولات المشاآت المكونات من حيث هي كك فقيد الحيثية لاعتبار الحقيقة المحمدية صلى الله عليها فانما جعلناها اول المراتب في مقام المفعولية دون الفعلية فان لها مقامين فلنقبض عن الكلام وللحيطان آذان فالمراتب حينئذ خمس الاولى المشية والاختراع الثانية الحقيقة المحمدية من حيث انها محل المشية ومقام بحر صاد اول المداد لقلم الاستعداد الثالثة حقيقة الانبياء الرابعة حقيقة الانسان فالجن انما وقعت في الرتبة الخامسة ولما كان هذه المراتب وان تركبت من العناصر الاربعة لما برهنا عليه لا سيما في شرح الخطبة الطتنجية ان كل شيء تعلق به الجعل وكل حادث من حيث هو حادث انما تركب من العناصر الاربعة في كل عالم بحسبه الا ان كل عنصر في كل مركب بحسب مقام ذلك المركب بمرتبته قد غلب ظهور عنصر منها يعني ان تلك الرتبة مقام ظهور ذلك العنصر وغلبته وان كان ما سواه فيه كما تقول فلان صفراوي او بلغمي او دموي مع وجود باقي العناصر فيه فاذا اتقنت هذه الدقيقة الانيقة فاعلم ان في المشية قد غلب ظهور عنصر النار حتى اطلقت عليها النار في قوله عز وجل يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ولاجل ظهور هذا العنصر وغلبته فيها خفيت واستترت واستجنت واستترت ( استسرت خل ) بالاسرار حتى خفيت والتبست واشتبه على الناس امرها فمنهم من يجعلها امرا اعتباريا لا تحقق لها في الخارج بل انما يعتبرها الذهن اعتبارا ومنهم من يجعلها عين ذات الله سبحانه لم يتعلق بها جعل جاعل ومنهم من يجعلها من الاحوال فليست هي عين ذات الله ولا غيرها فلولا غلبت ناريتها لما خفيت وما ارتفعت عن البصاير والمدارك ولولا خفاؤها لما اختلفوا فيها فقد ظهرت المشية بالنار فجرت عليها آثارها من الخفاء والاستجنان وفي الحقيقة المحمدية صلى الله عليها قد غلب ظهور الهواء ولذا اختصت بالنبوة والولاية من احكام المشية الظاهرة في المشاء فان الهواء سبيل النار ودليلها الى الماء والتراب فهما ينفعلان لما ظهرا لهما من آثار الفاعل التي حملتها الهواء فالهواء رابط بين النار التي هي جهة المبدء وبين التراب لتوسط الماء فالنار هي الموصلة الممدة والتراب هو القابل المستفيض والهواء سبيل النار الى الماء والماء سبيل الهواء الى التراب وهو المركز محل السكون في الجملة فافهم الدقيقة بسر الحقيقة وتعيها اذن واعية ففي حقيقة الانبياء عليهم السلام قد غلب ظهور الماء ولذا ظهروا بالنبوة الخاصة في الرتبة الثانية فهم دليل الحقيقة المحمدية صلى الله عليها وسبيلها الى الخلق الرعية كما في الزيارة وان الانبياء دعاة هداة رشدكم انتم الاول والآخر وخاتمته كما ان الماء دليل الهواء في ايصال سر النار الى التراب القابل الحامل المستفيض واليهم الاشارة على بعض وجوه التأويل بقوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القر التي باركنا فيها قر ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين وقد قال مولينا الباقر عليه السلام نحن القر التي بارك الله فيها والقر الظاهرة شيعتنا والانبياء عليهم السلام وجوه الشيعة واصولها ولذا قلنا ان في مقام حقيقة الانبياء قد ظهرت غلبة الماء وفي حقيقة الانسان الرعية قد ظهرت غلبة التراب لانهم الرعايا محل القبول والانفعال ( الانفصال خل ) وحفظ ما يرد عليهم من الاحكام الوجودية الكونية والشرعية فهو في مقام التراب فالالف في العالم التدويني مقام المشية والباء تحكي مقام الحقيقة المحمدية صلى الله عليها وهو قوله صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم والجيم مقام حقيقة الانبياء والدال مقام حقيقة الانسان فتمت العناصر بظهورها وآثارها وان كان في كل مرتبة كلها فلما بدت حقيقة الجن من حقيقة الانسان التي تم عندها ظهور العناصر ولم يكن مرتبة بعد التراب وجب ان يكون في الرتبة الخامسة ظهور سر النار الكامنة في التراب ففي هذه المرتبة نار قد اوقدت من التراب ولما كان الجن هي الرتبة الخامسة وجب ان يظهر فيها سر النار في المبدء الثاني فكانت تلك النار هي التي اوقدت وظهرت من الشجر الاخضر الذي هو التراب بسر الغلبة وحقيقة الانسان هي الشجر الاخضر فوجب ان يكون في الجن غلبة النار ولذا سميت جنا لخفائها واستجنانها كما هو شأن من غلبت عليه النار فلما وجب ذلك زاد ( اراد خل ) سبحانه على تلك العناصر الاركان المستخرجة من بخار الماء وزبد البحر جزئين من الحرارة واليبوسة فغلبت على الاجزاء الاخر فقال سبحانه وخلق الجان من مارج من نار وهي النار التي قد خلصت وصفيت من فاضل اشراق التراب ولذا عبر عنها بالمارج اشارة الى هذه الدقيقة الانيقة فكانت الجن قد خلقت من نار الشجر الاخضر باضافة الماء والهواء والتراب ولكن اعتبار ما سوى النار فيها ضعيف وقد يعبر عنها بالهواء المجاور للنار التي لا يجري عليها الا حكم النار وهو نار السموم وهو قوله تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم ولذا قال مولينا الصادق عليه السلام في قوله تعالى حكاية عن ابليس انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قد غالط لعنه الله فانه خلق من نار الشجر الاخضر المخلوق من فاضل طينة آدم فالشجر الاخضر في هذا الحديث الشريف هو رتبة الجن الشعاع المخلوق من طينة الانسان وهو كما ذكرنا سابقا انحل الى ماء وارض والنار انما خلصت من هذه الحقيقة كما يشعر عليه من الدالة على التبعيض في قوله تعالى من الشجر الاخضر فالنار قد خلصت ومرجت ( مزجت خل ) من هذه الشجرة التي جميع الجان اغصانها والجن قد خلقت من هذه النار والشجرة شجرة الجان خلقت من فاضل طينة الانسان والوجه الآخر الظاهر لبيان الحديث الشريف صلى الله على قائله ان النار التي خلقت منها الجن انما خلقت من الشجر الاخضر وهو حقيقة الانسان الغالبة عليها ظهور التراب والشجر الاخضر الذي هو عبارة عن حقيقة الانسان انما خلق من فاضل طينة آدم اي حقيقة الانبياء فنار الجن نازلة عن التراب الذي هو الغالب في حقيقة الانسان بمرتبة فيكون نزولها عن مقام آدم نبي الله بمرتبتين فنار الجن شعاع شعاع طينة آدم لقد كررت العبارة ورددتها للتفهيم ولكن الجن حيث كانت في الرتبة الخامسة من السلسلة الطولية فكانت تحكي ظهور الرتبة الاولى الغالب عليها عنصر النار فكانت تحتها في الرتبة الثانية الشعاعية كالهاء التي جعلت تحت الالف لانقطاع مراتب العناصر بعد الدال فالهاء نار لكنها انزل من نارية الالف بعشر او ثلثين فافهم التقريب وذكر شيخنا العلامة رفع الله في الدارين اعلامه في كشكوله عن السيد حيدر شيخ الشهيد الثاني (ره) ان الانسانية من الف جزء تسعمأة جزء من التراب وتسعين من الماء وتسعة من الهواء وجزء من النار والابليسية من الف جزء سبعمأة من التراب ومأة وخمسون من الماء ومأة من الهواء وخمسون من النار والعلامة ايضا ذكر ذلك وقال فصار آدم لغلبة الطين ظاهره مظلم وباطنه مشرق وابليس لغلبة النار باطنه مظلم وظاهره محرق ه وهذه كلمات صناعية ان رجعت الى ما ذكرنا بضرب من التأويل فهو حق والا فلا فان الذي ذكرنا لك هو الذي اقتضاه الدليل القطعي ومذهب الاسلام ومذهب الفرقة الناجية وماذا بعد الحق الا الضلال فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم
فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتاخذه عنا
وما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
واما مرتبتهم فقد ذكرنا ان الجن انما خلقهم الله سبحانه في الرتبة الخامسة من مراتب الحدوث من الفعل والمفعول اي من الخلق والامر مما شمله لفظ العلي العظيم فالرتبة الاولى رتبة الفعل والمشية والارادة والاختراع والابتداع والكاف المستديرة على نفسها والرتبة الثانية الحقيقة المقدسة وفلك الولاية المطلقة قصبة الياقوت وحجاب الله في الملك والملكوت والجبروت واللاهوت والرتبة الثالثة حقيقة الانبياء عليهم السلام والرتبة الرابعة مقام الانسان الرعية والرتبة الخامسة رتبة الجن وهي ادنى من رتبة الانسان بمرتبة وهي شعاع لتلك الحقيقة قوامها وتحققها بحقيقة الانسان الرعية بحيث اذا فقدت تلك الرتبة انعدمت حقيقة الجن كما اذا لم تطلع الشمس لم يوجد حقيقة النهار الكاين المتحقق من نور الشمس فالجن طوع يمين الانس كالاشعة للشمس وهو قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا وقد اجمع القائلون بوجود الجن على عدم تفضيلها على الانس وقد صرح سبحانه بذلك في القرآن بقوله تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم وقوله تعالى وصوركم فاحسن صوركم وقال امير المؤمنين عليه السلام الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم والصراط الممدود بين الجنة والنار ه فاذا كان الانسان له الفضل على الجن والطفرة في الوجود باطلة وجب ان يتعلق الجعل الالهي بالانسان قبل الجن فلو كان الانسان والجن من حقيقة واحدة والفضل بالصورة لما كان للانسان فضل على الجن بالذات لتساويهما وانما كان الفضل بالعرض وهو ينافي الفضل الحقيقي الذي يجب ان يحمل عليه كلام الله سبحانه عند الاطلاق وعدم التقييد بحالة واحدة والفضل الذاتي يقتضي ان يكون ( تكون خل ) الذات الاخرى من شعاع الاولى والا تساويتا فاين الفضل وقولك ان الانس افضل من الجن كقولك ان الله سبحانه ارحم الراحمين واكرم الاكرمين وخير الرازقين واحسن الخالقين واجود من اعطى واكرم من سئل وقولك ان النبي افضل من الرعية وقد قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله يا محمد فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على ساير الخلق ه والكل من هذا النوع فافهم وثبت (تثبت خل ) ثبتك الله تعالى
واما نسبة الجن الى الانس فقد تبين مما سبق ( انها خل ) نسبة الشعاع الى المنير ونسبة الصورة الى الشاخص وانهم تبع للانس وانهم طوع يمينهم يدورون معهم حيث ما ارادوا ( داروا خل ) ويميلون حيثما مالوا يستمدون منهم ويأخذون عنهم ويستندون اليهم واما ما ترى من انفعال الانس منهم وخوفهم اياهم فذلك في مقام ( مقام قوله تعالى خل ) ثم رددناه اسفل سافلين فلما تنزل الانسان وخرج عن موطنه لزمته عوارض الادبار ونسى نفسه ومقامه ومرتبته حتى صار اذل كل شيء واحقره فالنار تحرقه والهواء يقسمه والماء يغرقه والتراب يدفنه والسباع تأكله والجن تخيفه والحر يذيبه والبرد يجمده والحديد يقطعه وجميع الكاينات تتصرف فيه وهو ذليل حقير لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا واذا طهر الانسان عن الادناس ووصل الى موطنه مقام الاستيناس ينفعل كل شيء منه وهو لا ينفعل من شيء ويؤثر في كل شيء وهو لا يتأثر من شيء الا ترى اولياء الله كيف تنفعل الاشياء منهم ( لهم خل ) وتخضع وتنقاد لهم وتسكن الى طاعتهم والاشياء طرا طوع يمينهم وهم النقباء الابدال والنجباء اصحاب غرايب الافعال فان قلت هب ان الانسان تنزل فهو في اي رتبة تكون يجب ان لا ينفعل من الجن وغيرها فان الشعاع لا يؤثر في المنير على كل حال قلت للانسان مقامان مقام نفسه وهو في ذلك المقام منير ولا ينفعل هناك من شعاعه ومقام ظهور في الرتبة السفلى بحكم وللبسنا عليهم ما يلبسون بعد قوله تعالى ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وهو في هذا المقام في حكم اهل تلك الرتبة في جميع ما يرد عليها ويصدر منها وهو قوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم ففي هذه الرتبة تجري عليه جميع اطوارها واحوالها فيفعل وينفعل ويؤثر ويتأثر فاهل السلسلة الطولية كل عليا بالنسبة الى السفلي لها مقامان مقام علية وفيها لها الهيمنة العليا والسلطنة الكبرى فلا يصل اليها شيء من احوال المرتبة السفلى ومقام قطبية وفيها باب الفيض الى السافل لان الشيء لا ينتهي الا الى مثله لقوله عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها ولولا خوفي من اشباه الناس وما في قلوبهم من وسواس الخناس لاطلقت عنان القلم في هذا المضمار ولاريتكم ما لم تدركه البصائر والابصار ولكني ممتثل قول مولاي سيد الساجدين عليه السلام لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره وليس كلما تسمعه نكرا اوسعته عذرا
واما كيفية تكليفهم فاعلم ان اصل تكليفهم وانهم مكلفون بالفروع والاصول زيادة على ما دل على تكليف جميع الموجودات الصامتة والناطقة من ساير الجمادات والنباتات والحيوانات يدل عليه قوله تعالى قل اوحي اليّ انه استمع نفر من الجن الى آخر الآيات وقوله تعالى واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم يا قومنا اجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم وامثالها من الآيات الكثيرة الدالة على تكليفهم وذلك لا شك فيه ولا ريب يعتريه واما كيفية تكليفهم فهي ان الله سبحانه وتعالى قبل خلق آدم عليه السلام بعث اليهم نبيا اسمه يوسف ابن يانان كما في البحار عن العلل والعيون بالاسناد عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال سأل الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن اسم ابي الجن فقال عليه السلام شومان وفي نسخة شونان وفي اخرى يانان وهو الذي خلق من مارج من نار وسأله هل بعث الله نبيا الى الجن فقال عليه السلام نعم بعث اليهم نبيا يقال له يوسف فدعاهم الى الله عز وجل فقتلوه وهذا كان مبعوثا عليهم قبل ان يخلق آدم كما سيمر عليك ذكر ما يدل عليه في ما بعد ثم بعد ما خلق الله آدم عليه السلام بعث اليهم الانبياء من سنخهم لكنهم يأخذون من بني آدم من الانبياء المبعوثين اليهم كما يدل عليه قوله تعالى فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين وهو قوله تعالى يا معشر الجن والانس الم ياتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا الآية ولما ان الله سبحانه اتقن صنع كل شيء وجب ان يكون نبي الجن متلقيا من نبي الانس لبطلان الطفرة فقد يكون ذلك من ظاهرية نبي الانس كما سبق في الآية الشريفة وقد يكون من باطنه دون ظاهره والاول كما كان في نبينا صلى الله عليه وآله فانهم كانوا يأتون اليه ويتلقون منه صلى الله عليه وآله كجن النصيبين وبئر ذات العلم وبالجملة كافة الجن بجميع مراتبهم واطوارهم كانوا يأخذون منه صلى الله عليه وآله كالموجودات كلها فانه مبعوث على كافة الحوادث لقوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وقد قال الطبرسي في مجمع البيان انه مابعث على الجن من الانبياء غير نبينا صلى الله عليه وآله وليس ببعيد وقوله تعالى حكاية عن جن نصيبين انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى لا يدل على ان موسى (ع) كان مبعوثا عليهم كما في الانس لان الانس كلهم كانوا عاملين بشريعة موسى قبل ان تنسخ ولم يكن موسى عليه السلام مبعوثا الا على بني اسرائيل خاصة وكذلك الجن كانوا عاملين بشريعته ولم يكن مبعوثا عليهم لان عموم البعثة غير عموم الشريعة ولا اجتمعا الا في نبينا صلى الله عليه وآله وقولي هذا لا يدل على عدم لزوم توسط الانس في ايصال الفيض الى الجن في كل حال لانه ( لان خل ) منه ايصال الوحي فان واسطة الانس لا بد منها في الحقيقة ولا يمكن ان يوصل اليهم شيء الا بواسطة الانس في الحقيقة والذات لبطلان الطفرة وانما الكلام في ظاهر البشرية في مقام انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ وقوله تعالى ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون وبالجملة فان نبي الجن يستمد من نبينا صلى الله عليه وآله في كل وقت واوان قبل وجود آدم وبعد وجود آدم وهو صلى الله عليه وآله يمده من في ( الفيض خل ) الالهي في التكويني والتشريعي بيده وتلك اليد حقيقة الانسان من حيث هي لا خصوص الافراد والاشخاص فعلى هذا جاز ان يكون استمداد انبياء الجن مخصوصا بنبينا صلى الله عليه وآله كاختصاصه صلى الله عليه وآله بامداد ساير الموجودات حرفا بحرف وذلك لكلية بشريته دون ساير الانبياء عليهم السلام والحاصل ان الله سبحانه وتعالى بعث اليهم الانبياء وكلفهم بالاصول والفروع اما الاصول فهم مكلفون بما كلف به الانسان في الاعتقادات من التوحيد والنبوة والامامة والمعاد واحكامه واطواره من النشر والحشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار الا ان تكليفهم في هذه الاعتقادات على نحو التبعية فالانس اعتقادهم بالاصول والالباب والجن اعتقادهم بالقشور والصفات ولذا كانت جنتهم الحظاير وهي من شعاع جنة الانس ونارهم الحظاير ايضا وهي ظل للنيران التي اعدت للانس فمعرفتهم بالتوحيد فرع معرفة الانس ( به خل ) وكذا معرفة اركان التوحيد ومظاهره وحملته وابوابه وخزانه فحيث كانوا مكلفين باعتقاد هذه الاصول اختلفت اديانهم ومذاهبهم بحسب اختلافهم في الاعتقادات ففيهم اليهود والنصاري والزنادقة وعبدة الاوثان والنواصب ومنكري فضائل اهل البيت عليهم السلام ويشير الى ما ذكرنا قوله تعالى حكاية عنهم انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى الآية وفيها دلالة واضحة بانهم كانوا من اليهود وفي تفسير عليّ بن ابرهيم قال الجن من ولد الجان منهم مؤمنون وكافرون ويهود ونصارى ويختلف اديانهم ولا ريب ان هذا الاختلاف بحسب اختلاف ما يلزمهم من العقايد في التوحيد والنبوة والولاية واركانها وحدودها واما تكلفيهم في الفروع فهو مثل تكليف الانسان في النوع ولكن تختلف احكام فروعهم بحسب اختلاف الموضوعات كما اختلف في الانسان اذا اختلف الموضوع كالصلوة الواجبة عليه اذا كان في الحضر او السفر او الخوف او المرض او غير ذلك من الاحوال الجارية عليه التي بسببها تختلف احكام تكليفهم باعتبار اختلاف تلك الموضوعات والعلم بتلك التفاصيل لا يمكن الا لمن اشهده الله خلق السموات والارض وخلقه ( خلق خل ) نفسه كالانسان حرفا بحرف ولذا ترى ان الهواء والنار لا يتنجسان بهذه النجاسات العشر وقد عرفت بدلالة الاخبار والآيات ان الجن خلقوا من النار والسموم فيجب ان لا يتنجسوا بهذه النجاسات وكذلك الطهارات انما تطهر الاجسام الكثيفة والجن اجسام لطيفة فلا تجري عليهم احكام الطهارات والنجاسات التي للانس فلهم طهارة ونجاسة غير ما هو المعروف عند الانس نعم نجاسة الكفر تسري فيهم وتنجسهم كالانس فقد اشرت لك نوع المسئلة فتتبع واستخرج جزئياتها فانا نلقي اليكم الاصول وعليكم التفريع
واما اصنافهم فكثيرة جدا وقد روي عن الصادق عليه السلام ان الانس عشر الجن وهم انواع لا تحصى وقد ذكر شيخنا واستادنا وسنادنا اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه في كشكوله قال احمد بن فارس حدثني بعض الثقات عن وهب بن منبه اليماني قال قرات سبعين كتابا مما انزل الله على انبيائه فوجدت فيها كلها ان اول خلق خلقهم الله اليانون وهم الف امة وكل امة الف الف سبط وكل سبط الف الف فخذ وكل فخذ الفالف شخص وان الله لما خلقهم واسكنهم الارض عهد اليهم عهدا وميثاقا الا يعصوه طرفة عين وخلق لهم نبيا اسمه يوسف ابن يانان وامرهم ان لا يعصوه ولا يخالفوه وان خالفوه اهلكهم الله فلم يزالوا سامعين مطيعين مأة حقب لم يخالفوه عن امر ولا نهي وكان مغرما بكثرتهم وما هم في عدد آناء الليل واطراف النهار متفكرا في كثرتهم وما اعطاهم من الكثرة وكيف يرزقهم ومن اين يرزقهم فاوحى الله اليه يا ابن يانان اشتغلت حتى تخوض في اهون الاشياء فوعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ما هم عندي الا كلمح البصر ولكن اخرج الى الجبل فخرج يوسف الى حيث امر فلما جاء بين الجبل كشف له الغطاء عما خلف الجبل من العالمين فنظر الى آخر مد البصر عرضا وطولا فنظر في وسطه بياضا ورائه قوم يموجون مثل الموج المرتطم بعضهم في بعض ويصيحون الى الله تعالى بصوت لو سمعه اهل الدنيا لماتوا منه فلما رآهم يوسف غشي عليه من ذلك فلما افاق من غشوته قال سبحانك اللهم وبحمدك ما هذا الخلق وما يقال لهم فاوحى اليه يا ابن يانان انظر الى الشرق ( فنظر خل ) فاذا سواد اعظم من الاول سبعينالف ضعف وفي وسطه شيء يطفي كالحبابة على البحر الاسود الحديث وفي كتاب عجايب المخلوقات ان الله سبحانه لما سخر الجن لسليمان بن داود عليهما السلام فخرجت الجن والشياطين من المغارات من الجبال والآكام والاودية والفلوات والآجام وهي تقول لبيك لبيك تسوقها الملئكة سوق الراعي غنمه حتى حشرت لسليمان طائفة ذليلة وهي يومئذ اربعمأة وعشرون فرقة وبالجملة اصنافهم كثيرة وانواعهم غير عديدة وها انا اذكر لك بعض ما وصل الينا من اسماء اجناسهم مما ذكره شيخنا الاستاد ومولانا السناد وسيدنا العماد افاض الله بركاته على العباد والبلاد فان استقصاء جميع الاصناف مما لا يمكن لنا لما بنا من قلة الاستعداد وعدم استعمال الفؤاد فمن اصنافهم الشيصبان وساجيا وذربا ومسمار وديهش وزوبعة وزيغة وصبضار ( صبصار خل ) وسمدون وصعصعة وقيراط ورياح وسلاهب واصعر وسلهاب ومذهب وعمر ومنسوبة والرها وهصهط وبهرام وطايوس وسهيل وقابوس وزمار وفروه وفره وسرباط وقاطرس ودهار ( رهار خل ) وعافر وعسرج وعصطيج ونهرس ونهروس والبطهر ومهلب ومهيل والحارب والحويرب وعيص والهريس والهرسم وبهرز ونعمان ولصيق وعريس وعوش ( عوس خل ) وطهار وفرطس والسامر والهائم ولاقيس وبهيم والهام وعيص والاقبض وهامة بن الاقبض ويلدون ودفليس والخطاب وشبر ( بسر خل ) وعاديس وسليمان وقيداس وبشر وعليص وفوه وكيده وطرقه ويمه ورفه ( رفسه خل ) وعفنه وشقيقه وقلنا ( قلباء خل ) وسرحوب وغير ذلك من اسماء اجناسهم وهم كثيرون لا يحصي عدد كل جنس منهم الا من اشهده الله خلق السموات والارض وجعلهم اعضادا لخلقه وقول مولينا الصادق عليه السلام ان الانس عشر الجن يريد باعتبار المرتبة فان نسبة الجن الى الانس نسبة العشرات الى الآحاد والا فمن حيث العدد لا يحصى كثرة ونسبة الجن الى الانس في القلة والكثرة نسبة الانبياء المعدودين بمأة الف واربعة وعشرين الف الى الانسان الرعية الذين لا يحصى عددهم ولا يتناهى فان كلما قرب الى المبدء قرب الى الوحدة فجهات الكثرة عليها مخفية مضمحلة وكلما بعد عن المبدء قرب الى الكثرة وجهات الكثرة ظاهرة غير مستترة انظر نسبة الآحاد الى العشرات وهي الى المآت وهكذا الى ما لا يتناهى وما ذكرنا من الاجناس والاصناف هو اختلاف بحسب مقاماتهم الذاتية ومراتبهم الحقيقية مما تقتضي الشؤنات المستجنة في سرائرهم ولهم مراتب بحسب تعلقات ظواهرهم باعتبار الامور العرضية الغير الذاتية كالهواء فانه حار رطب في مقام ذاته وحقيقته واما باعتبار العوارض الخارجة فانه ينقسم الى جنوب وشمال وصبا ودبور فالاول حار رطب والثاني بارد يابس والثالث بارد رطب والرابع حار يابس مع ان طبيعة الهواء واحدة ومزاجه غير متعدد وانما لحقت ( لحقته خل ) هذه الكيفيات باعتبار النواحي والجهات الخارجة العارضة للطافة ذاته ينصبغ بصبغ ما يجاوره فكذلك الجن فانهم الطف من الهواء لغلبة النارية المقتضية للطافة الحالة فيه فتعتريهم تلك الاحوال بحسب العوارض الخارجية من اقتضاء الحدود العرضية وقد نص على ذلك مولانا الصادق عليه السلام على ما رواه في البحار الى ان قال فقال السائل كيف صعدت الشياطين الى السماء وهم امثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليهما السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم قال عليه السلام غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسم والدليل على ذلك صعودهم الى السماء لاستراق السمع ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء اليها الا بسلم او سبب فالجن بحسب تلك العوارض المختلفة تختلف على اصناف فمنهم من يغلب عليهم جهة الهواء فيسكنون فيه ومنهم من يغلب عليهم جهة الماء فيسكنون في الماء ومنهم من يغلب عليهم جهة التراب فيسكنون فيه فيقال انهم اصناف صنف هم سكنة كرة النار كما هو مقتضى اصل وجودهم وصنف هم سكنة الهواء لغلبة الرطوبات وصنف هم سكنة الماء للمناسبة العرضية وصنف هم سكنة التراب كذلك ولذا ترى من هاجت عليه المرة الصفراء غلبته ( وغلبة خل ) على مزاجه فاذا مر به جني من سكان كرة النار وجد له محلا مناسبا تعلق به فاذا تعدلت الطبيعة وذهب هيجان تلك المرة لا يجد محلا لاستقراره فيذهب وهكذا سكان الهواء والماء والتراب يتعلقون بمن هاج عليه الدم والبلغم والسوداء ويذهبون عنه ( عند خل ) تعديل المزاج ولذا يؤثر فيهم الرقي وعلاج الطبيب فافهم ويدل على هذه الاصناف روايات كثيرة منها ما رواه عليّ بن ابرهيم في تفسيره انه لما تزوج سليمان عليه السلام بفاليحا ( بضاليحا خل ) ولد منها ابن وكان يحبه الى ان قال عليه السلام للجن هل لكم حيلة في ان تفروه من الموت فقال منهم واحد انا اضعه تحت عين الشمس في المشرق قال سليمان عليه السلام ان ملك الموت يخرج ما بين المشرق والمغرب وقال واحد منهم انا اضعه في الارض السابعة فقال عليه السلام ان ملك الموت يبلغ ذلك وقال آخر انا اضعه في السحاب والهواء فرفعه ووضعه على السحاب فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب فوقع جسده ميتا على كرسي سليمان الحديث وانما رضي سليمان عليه السلام برفع ابنه في الهواء لتضاد طبيعة الهواء مع طبيعة الموت نظر ( انظراً خل ) الى ملاحظة الاسباب حيث ان الله سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها كما يشرب المريض الدواء وحيث ان مقام الانبياء يقتضي قطع النظر عن الاسباب ومشاهدة المسبب عوتب على ذلك وقال سبحانه ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب ومنها ما رواه في مشارق الانوار في تفسير قوله تعالى ما كان لي من علم بالملأ الاعلى اذ يختصمون والحديث طويل من اراده فليطلب ثمة وللجن ايضا اجناس واصناف من جهة التكليف والعلم فانواعهم بهذا اللحاظ ثلثة بنظر الاجمال وخمسة على التفصيل اما الاول فكما في البحار عن الخصال بسنده الى ابي عبد الله عليه السلام انه قال الجن على ثلاثة اجزاء جزء مع الملئكة وجزء يطيرون في الهواء وجزء كلاب وحيات انتهى فالصنف الاول الذي هو الجزء الاول هم المطيعون لله المنقطعون عن اعتبار انفسهم فهم مع الملئكة في ما يجري عليهم وهم اهل الجنة يدخلونها بغير حساب كالملئكة الذين لا يجدون ارادة انفسهم ولا ميل انيتهم والصنف الثاني الذين هم الجزء الثاني هم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ولذا عبر عنهم عليهم السلام بانهم يطيرون في الهواء فان الهواء له اتصال بعالم النار التي هي وجه المبدء وعالم الماء والتراب الذين لهم الوجه الاسفل واما الصنف الثالث المعبر عنهم بالجزء الثالث هم اهل المعاصي والسيئات المعبر عنهم بالكلاب والحيات فالكلاب اعداء اهل البيت عليهم السلام لانهم الغرباء عليهم السلام في هذه الدنيا والكلب يعادي الغريب ويبغضه والحيات ساير الملل المتفرقة والفرق المختلفة ولما كان الجن للطافة بنيتهم يظهرون بصورة اعمالهم في هذه الدنيا فالكفار على صورة الكلاب والحيات وامثالها من الصور الشيطانية والمؤمنون الكاملون متصلون بالملئكة في الصورة الظاهرة يتلقون عنهم ويستأنسون بهم ويستعينون في الشدايد بهم اذ يشملهم عموم قوله تعالى الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة والمؤمنون الناقصون من العصاة يطيرون في الهواء وينصبغون بصبغ ما يجاورهم وقلوبهم محفوظة منعقدة على الولاء لآل الله وهم عصاة الشيعة عسى الله ان يتوب عليهم قال عليه السلام وعسي موجبة ويشير الى ما ذكرناه ما روي ان سليمان عليه السلام لما نظر الى خلق الجن وعجايب صورهم وهم بيض وسود وصفر وشقر وبلق على صورة الخيل والبغال والسباع ولها خراطيم واذناب وحوافر وقرون فسجد سليمان لله الى ان قال فقال لهم سليمان ما لكم صوركم مختلفة وابوكم الجان واحد فقالوا ان اختلاف صورنا لاختلاف معاصينا واختلاط ابليس بنا ومناكحتنا مع ذريته الحديث واما التفصيل فكما في الخصال ايضا عن النبي صلى الله عليه وآله قال خلق الله الجن خمسة اصناف صنف حيات وصنف عقارب وصنف حشرات الارض وصنف يطيرون في الهواء وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب ه فالحيات هم رؤساء الباطل منهم لاستمرارهم وتشعبهم من ظل ابي الشرور الذي ملأ بظلمته الدهر وانهم يسقون اتباعهم سما قاتلا ليميتوهم عن الحيوة الابدية التي هي الايمان والنجاة والعقارب هم التابعون لهم بالاسائة وهم اهل التراب الذين اخلدوا الى الارض فكما في قوله تعالى ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض والعقرب باردة يابسة طبع التراب وحشرات الارض هم المستضعفون الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا فليست لهم ( حيوة خل ) ثابتة وانما حيوتهم عرضية عنصرية فروح الحشرات ممزوجة باجسادها ولذا ترى اذا قطعت رأسها يتحرك ذنبها مدة من الزمان وليست كالحيوانات التي ارواحها مباينة لاجسادها والمستضعف ليس له حيوة باطنية قلبية وتمييز حقيقي حتى يكون بذلك من اهل التكليف وحيوتهم عرضية صورية لا حقيقة معنوية كحشرات الارض فان قلوب المستضعفين ماخلقت بعد والذين يطيرون في الهواء هم الكاملون البالغون المترفعون عن الارض اي ارض الادناس سايرون مع الملأ الاعلى بالغون الى مقام الحيوة الابدية والبقاء السرمدي وهم الذين مع الملئكة من القسم الاول ويدخلون الجنة بغير حساب والذين كبني آدم في ظهور المعرفة وقوة المشاعر الصالحة لتعلق التكليف بهم في هذه الدنيا وهم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وهم الذين عليهم الحساب وعليهم العقاب والثواب فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره والحيات والعقارب هم الذين يدخلون النار بغير حساب لان الوزن والحساب للممتزج ( وخل ) المختلط واما الخالص من الفريقين فيلحق باصله بلا ريب ومين والمستضعف من حيث هو ليس عليه حساب ولا عقاب الا اذا عرف اما في الدنيا او في البرزخ او يوم القيمة بتأجج ( بتأجيج خل ) نار الفلق قل اعوذ برب الفلق وما ادريك ما الفلق فهناك يثبت عليه الحكم اما الى الجنة او الى النار وهنا اصناف اخر من الجن بحسب ظهورهم باعتبار ناحية من النواحي منها الغول وهو اشهرها وهو نوع من الجن يتعرض للمسافر ويتلون في ضروب الصور والثياب فقيل ان الجن اذا ارادوا استراق السمع تصيبهم الشهب فمنهم من احترق ومنهم من وقع في البحر فصار تمساحا ومنهم من وقع في البر فصار غولا ومنها السعلاة وهي ايضا نوع من الجن مغايرة للغول واكثر ما توجد في البراري اذا ظفرت بانسان ترقصه وتلعب به كما تلعب الهرة بالفارة والذئب ربما يصطادها بالليل ويأكلها فاذا افترسها ترفع صوتها وتقول ادركوني فان الذئب قد اكلني وربما تنادي من يخلصني ومعي مأة دينار يأخذها والقوم يعرفون انه كلام السعلاة لا يخلصها احد فياكلها الذئب ومنها الغدار وهو نوع آخر من الجن يوجد باطراف اليمن واعالي المصر يلحق الانسان فيدعوه الى نفسه فيقع عليه فاذا اصاب الانسان منه يقول اهل النواحي امنكوح او مدغور فان كان منكوحا ايسوا منه لان له قضيبا كقرن الثور ( وخل ) يقتل الانسان وان كان مدغورا ( مذعورا خل ) سكن روعه فتشجع ومنها الدلهات وهو نوع آخر منهم يوجد في جزائر البحار وهو على صورة انسان راكب على نعامة يأكل لحوم الناس الذين يقذفهم البحر وذكر بعضهم ان الدلهات عرض لمركب في البحر اراد اخذهم فحاربوه فصاح صيحة خروا على وجوههم واخذهم ومنها الشق وهو نوع آخر من الجن صورته كنصف آدمي يظهر للانسان في اسفاره وبالجملة فاصنافهم كثيرة واجناسهم غير عديدة والذي ذكرناه جملة منها مما وصل الينا
واما تشكلهم بالاشكال المختلفة فاعلم انا ذكرنا في اجوبة المسائل التي اتت الينا من البحرين تفصيل هذه المسئلة وسنشير ( نشير خل ) هنا الى نبذة منها لعدم الاقبال لان القلب كليل والبدن عليل فنقول لا شك ولا ريب ان الجن يتشكلون بالاشكال المختلفة لانهم اجسام لطيفة غير منجمدة وانما هي ذائبة فالروح الحالة فيها تتصرف فيها وتشكلها باي شكل شائت لذوبان اجسامهم وعدم انعقادها وانجمادها فتقتضي ( فيقتضي خل ) الظهور في اي صورة شائت واما الانسان المخلوق من التراب تراب عليين وسجين غلبت عليهم اليبوسة فانجمدوا ولا يسعهم التشكل بالاشكال المختلفة الا البشر الذي خلق من الماء كما ذكره الله سبحانه في القرآن هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا فهذا البشر لذوبان ذاته وحرارة باطنه ووفور الرطوبات الغريزية يتشكل في الصور كيف شاء الله وكذلك كل من تبعه اذ ما اتبعه الا لكونه من سنخه اما سمعت الله سبحانه يقول ومن تبعني فانه مني فيظهر فيه سره ويظهر في الصور كيف شاء الله فالمتشكل ( فالتشكل خل ) بالاشكال المختلفة على انحاء فمن متشكل بالاشكال المختلفة لضعف تركيبه كالملئكة ومن متشكل بالاشكال المختلفة لقوة التركيب لكنه ذائب لغلبة النار التي اخذت وخلقت من الشجر الاخضر الذي خلق من فاضل تراب طينة آدم فيتمكن للتشكل بالاشكال المختلفة بلبس صورة ونزعها ولبس الاخرى وهكذا الى الصور الغير المتناهية لقوة التركيب وشدة الذوبان وامتزاجه بظاهر الماء الذي به حيوة كل شيء ومن متشكل بالاشكال المختلفة لقوة التركيب وذوبانه بنار سجين وغلبة الطبايع الشيطانية كاتباع ابليس وجنوده من الانس والجن واما المنجمد المنعقد لعدم الذوبان على الوجه المذكور فلا يسعهم التشكل لغلبة التراب اي البرودة واليبوسة اللتين هما طبع الموت وهم اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون وهؤلاء يكونون من المتشبثين بالحق والباطل
ولكل رايت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول
ولطافة اجسام الجن اورثت تشكلهم بالاشكال المختلفة كيف شاؤا ولما كانوا بعيدين من ( عن خل ) مبدء النور تمكنت الظلمة فيهم وناسبتهم الصور الشيطانية ويتصورون بكل صورة على صورة اقتضاء كينونتهم عند ظاهر افعالهم من الصورة الخبيثة من هياكل الكفر كصورة الكلاب والخنازير والحيات والعقارب وامثالها من الصور القبيحة وحيث كانت كان النور لم يضمحل فيهم وتظهر افعاله في كينوناتهم ولذا ظهر الاختيار فيهم من جهة اقتدارهم على اظهار آثار الميلين اي الداعيين داعي الخير والشر وداعي النور والظلمة وداعي الاقبال والادبار بعد ( فعند خل ) ظهور تلك الدواعي النورية الالهية يناسبون الصورة الانسانية هيكل التوحيد فيظهرون بتلك الصور ويتصورون بتلك الاشباح ولذا عرّف اهل المنطق الجن بانه جسم ناري يتشكل بالاشكال المختلفة حتى الكلب والخنزير والتعريف وان كان رسميا ليس بحد كاشف عن حقيقة الواقع لكنه رسم واسم جامع وهم يتشكلون بالاشكال المختلفة لذوبان ماهياتهم يعني كينوناتهم ومناسباتهم لجهات الخير وجهات الشر واما الملئكة اجسام نورية وجهات الظلمة فيهم خفية ضعيفة بل لا يكاد يوجد لها اثر ويظهر عنها خبر لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فلا مناسبة لهم مع الظلمات فلا تناسب الشياطين فلا يمكن ان يتصوروا بالصور الشيطانية التي هي هياكل الكفر والنفاق ويتصورون بكل صورة طيبة ما عدا الكلب والخنزير وقولهم الكلب والخنزير مثال لهيكل الكفر والنفاق وصورة الشيطانية والنفاق ( الشقاق خل ) لا انهما لهما خصوصية خاصة بل لهما مدخلية عامة من حيث ان هاتين الصورتين على حسب اقتضائهما اقبح الصور والهياكل والكافر وان كان مثلهما لكنه تلبس بلباس الغرور وخدع بالمكر والزور ولبس هذه الصورة بالاتيان بما يقتضيها كذبا وافتراء ولبس الصورة الانسانية زورا واختلافا فمن هذه الجهة لم يذكروا الكافر مع الكلب والخنزير لظهور الامر فيهما دونه في الدنيا فالثلثة انجاس ارجاس اصل الشرور ومبدء المكر والزور عليهم لعاين الله مدى الاعصار والدهور الى يوم ينفخ في الصور بل الى يوم النشور بل ما ترجع الى الله الامور
ثم اعلم ان الجن وان قلنا انهم يتصورون بكل صورة ويتشكلون بكل شكل لكنهم لا يتشكلون بشكل الانبياء واوصيائهم عليهم السلام لا في اليقظة ولا في المنام لعدم المناسبة للظهور بتلك الصورة الجامعة المقتضية للعصمة ومستوي الرحمن بالرحمة وهذا لا يكون ابدا واذا كذبوا يجب على الله تكذيبهم وبيان كذبهم لان الله سبحانه لا يصدق الكاذب اذا كان كذبه لا يظهر الا من جهته لانه سبحانه خلق الخلق لهدايتهم لا ان يسبب لهم اسباب ضلالتهم سبحانه وتعالى عما يظنون علوا كبيرا وشرح هذه الكلمة طويل والقلب لبيانه كليل
واما الصورة الاصلية لكفار ( الجن خل ) وهي الصور الشيطانية من صورة الكلاب والخنازير واما الصورة الاصلية لمؤمنيهم فهي الصورة الانسانية ولكنها مشوهة الخلقة غير معتدلة الاعضاء وغير متناسبة الاجزاء وغير جيدة التركيب ولذا لما جاء عرفطة وهو شيخ احد طوايف الجن حضر عند النبي صلى الله عليه وآله على صورة ايمانه واسلامه على حسب مقتضى مقامه فقال له النبي صلى الله عليه وآله فاكشف لنا عن وجهك حتى نريك على هيئتك التي انت عليها قال فكشف لنا عن صورته فاذا شخص عليه شعر كثير واذا رأسه طويل طويل العينين عيناه في طول رأسه صغير الحدقتين وله اسنان كأنها اسنان السباع الخ وكذلك سليمان عليه السلام لما نظر الى صورهم واشباحهم سجد لله وقال اللهم البسني من القوة والهيبة ما استطيع به النظر اليهم فاتيه جبرئيل عليه السلام فقال ان الله تعالى قويك عليهم الخ وعدم استطاعة نظر سليمان لان الصورة الانسانية التي هي على هيكل التوحيد تستوحش من النظر الى الهيئات المختلفة المباينة لها حتى يستعين بالله سبحانه فيعطيه الله سبحانه مددا من عنده يناسب ويقهر تلك الصور نعم يظهرون بالصور الطيبة والشكل الحسن العجيب اذا شاؤا وارادوا على حسب اقتضاء المقام فافهم راشدا موفقا
وقال بعضهم ان تشكل الجن عبارة عن تشكل الهواء المطيف به قال ما لفظه : وثالثها ان يتشكل الهواء المطيف به على اي صورة شاءه ( شاء خل ) فيكون الشخص باطن تلك الصورة ويقع الادراك على تلك الصورة الهوائية المتشكلة في الصورة التي اراد ان يظهر فيها قال ومن هذا الباب قوة الجن لمن يعرفهم ويشاهدهم فانهم يظهرون في ما شاؤا من الصور انتهي ملخصا وهذا القول احتمال محض ماقام عليه الدليل على ان قدرة كلهم على التصرف في الامر الخارج منهم كالهواء مثلا ممنوع في غاية المنع والحق هو الذي بيناه وشرحناه وليس وراء عبادان قرية
واما غذاؤهم من حيث انفسهم فاستنشاق النسيم واما عند تنزلهم بصورة من الصور فعلى مقتضى مقام تلك الصور فان تصوروا بصورة الانسانية وتغلظوا كما ظهروا لسليمان وكان يستخدمهم ويفرقهم في الاعمال المختلفة من امر الحديد والنحاس وقطع الاحجار والصخور والاشجار وابنية الحصون وكان يأمر نسائهم بغزل القز والابريسم والقطن ونسج البسط والنمارق ويأمر بعضهم بعمل المحاريب والتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات فاتخذوا له قدورا من الحجارة كل قدر يأكل منه الف نسمة واشتغل طائفة منهم بالطحن وطايفة منهم بالخبز واخرى بالذبح والسلخ وطايفة بالغوص في البحار لاستخراج الجواهر واللآلي وطايفة لحفر الآبار والقنا وشق الانهار وطايفة لاخراج الكنوز من تحت الارض وطايفة بالمعدنيات واستخراجها من المعادن وطايفة برياضة ( الخيل خل ) الصعاب وامرهم بان يتخذوا له مدينة من القوارير لا تحجب سقوفها وحيطانها شيئا فبنوا مدينة طويلة على طول معسكر سليمان وعرضه وجعلوا لكل سبط من الاسباط فيها قصرا في طول الف ذراع وعرضه مثله وفي كل قصر دور ومجالس وبيوت وغرف الرجال والنساء ثم بنى مجلسا في طول الف ذراع وعرضه مثله ليجلس فيها العلماء والقضاة ثم بنوا لسليمان قصرا رفيعا عجيبا في طول خمسة آلاف ذراعا وعرضه مثله وزخرفوه بانواع القوارير ورصعوه بانواع الجواهر وكان سليمان اذا ركب الريح على بساطه في هذه المدينة يرى كل شيء كان على بساطه خارج المدينة لصفاء القوارير حتى الطباخين والخبازين وجميع من ركب بساطه من الجن والانس والخيل والخدم والحشم وكان الكل بمرأى من سليمان عليه السلام والريح تجري بامره رخاء حيث اصاب وهؤلاء الخدمة انما ظهروا على الصورة الانسانية وغلظوا للاستخدام فغذاؤهم من جنس غذاء الانسان وان تصوروا بالصور المختلفة من صور البهايم وغيرها يكون غذاؤهم على مقتضي تلك الصور كما ظهروا لسليمان على هيئات مختلفة تدل على اقتضاءات كينوناتهم ومنهم من كانت وجوههم الى اقفيتهم وتخرج النار من فيهم ومنهم من كان يمشي على اربع ومنهم من كان له رأسان ومنهم من كانت رؤسهم رؤس الاسد وابدانهم ابدان الفيل فراي سليمان عليه السلام شيطانا نصفه صورة الكلب ونصفه صورة السنور وله خرطوم طويل وقال له من انت فقال انا مهرا بن لهفان بن غيلان وقال سليمان عليه السلام ما عندك من الاعمال قال عندي عمل الغنا وعصر الخمر وشربه وازين الشرب والغناء لبني آدم فامر بتصفيده ثم مر به آخر قبيح الشكل اسود له نبح الكلاب والدم يقطر من كل شعرة على بدنه وهو سمج الشكل فقال له من انت قال انا الهلهال بن المحول فقال له ما عملك قال سفك الدماء فامر بتصفيده فقال يا نبي الله لا تقيدني فاني احشر اليك جبابرة الارض واعطيك العهد والميثاق ان لاافسد في مملكتك فاخذ عليه الميثاق وختم عنقه واطلقه ومر به آخر في صورة قرد له اظفار كالمناجل وهو قابض على بربط فقال له من انت فقال انا مرة بن الحارث فقال له ما عملك فقال له انا اول من وضع هذا البربط وحركه فلا يجد احد لذة الملاهي الا بي فامر بتصفيده وهكذا من ساير الصور فالكل يتغذون عند التنزل على حسب مقتضى تلك الصورة لان الاحكام كلها تابعة للصورة واما المادة من حيث هي هي فلا حكم لها ( عليها خل ) وفي البحار عن وهب انه سئل عن الجن هل يأكلون ويشربون او يموتون او يتناكحون قال هم اجناس اما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ومنهم اجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون وهي هذه التي منها السعالي والغول وغير ذلك اقول مراده لا يأكلون ولا يشربون يعني مثل الاكل والشرب والموت والتوالد الذي لبني آدم والا فهم يأكلون ويشربون ويتوالدون من سنخهم على حسب مقامهم ومرتبتهم لدلالة الاخبار الكثيرة باثبات هذه الامور لهم وانهم اتوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وارادوا ان يجعل صلى الله عليه وآله لهم شيئا من الطعام فجعل لهم الروث والعظم اما الروث فانه فضلة من الحيوان الطيب والعظم فضلة من طعام بني آدم والمراد ان الجن لهم الفضلة وليس لهم الاصل لانهم فاضل وبقية وبالجملة لهم اكل وشرب وولادة على مقتضى كينونتهم فاذا ظهروا بالصورة الانسانية فيتناكحون مع الانسان ويتوالدون اماسمعت ان بلقيس كانت امها جنية وغيرها من امثالها كثير وهم يموتون ويقتلون اذا ظهروا بصورة انسان او حيوان واما اذا كانوا على صورهم الحقيقية في مقام ذاتهم فلا يجري عليهم ما يجري على الحيوانات التي غلبت عليهم طبيعة التراب الا ترى ان الهواء المحض لا ينفعل انفعالات الماء والارض والمتولد منهما وكذلك النار فاذا كان الجن مخلوقين من مارج من نار ومن نار السموم كيف يجري عليهم احكام اهل الارض من مآكلهم ومشاربهم وحيوتهم وموتهم
قال سلمه الله تعالى : وما مدة اعمارهم وكيف سلوكهم مع الانس والى اين تؤل نهاية امرهم في الجنة او في النار وما صورة سؤلهم ( سؤالهم خل ) وجوابهم ونهاية ترقيهم والفائدة في خلقهم ( خلقتهم خل )
اقول واما اعمارهم فهي طويلة لعدم مقتضي الفساد ولقوة التركيب ولعدم مزج عناصر الكون والفساد كيف وهم قد خلقوا من مارج من نار والمارج هو الخالص فتبلغ اعمارهم الى الف او الفين سنة بل ازيد وازيد لوجود المقتضي ورفع المانع فان الله سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها ( على اسبابها خل ) ولولا الدواعي الاخر والاسباب الخارجة كانت تتأخر موتهم الى ان ينفخ في الصور
واما كيفية سلوكهم مع الانس فانهم في ذاتهم وحقيقتهم خدام للانس لانهم مخلوقون من شعاع نورهم والشعاع يدور مع المنير واما في مقام تنزل الانس واجتماعهم في رتبتهم فالمؤمنون منهم مطيعون للانس واما الكفار المتمردة فهؤلاء هم اعداء الانس ومبغضوهم يتعرضون لاذيتهم وايذائهم ويترصدون لهم المراصد ولكن الله سبحانه الجمهم بلجام المنع ومنعهم عن ايذاء الانس اشد المنع وجعل لهم معقبات من الملئكة محيطة بهم من بين ايديهم ومن خلفهم يحفظونهم اي الانس من شرهم وايذائهم واولئك الملئكة المعقبات صادرون من امر الله وهذا الحفظ يعم المؤمن والكافر اما المؤمن فلاكمال النعمة لهم واما الكافر فلاتمام الحجة عليهم وليكيدهم من قوله تعالى واملي لهم ان كيدي متين ولاتمام قوله تعالى لا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين فاذا بلغ الكتاب اجله ونالوا نصيبهم من الكتاب يجري قضاء الله وقدره بما يشاء كيف ( كما خل ) يشاء بما يشاء فلولا دفع الله عن المؤمنين لاهلكتهم الجن واليه يشير بقول مولينا الحجة عجل الله فرجه في توقيعه الى المفيد انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء واحاطت بكم الاعداء وهي جمع محلي باللام يريد جميع الاعداء من الجن والانس وهو عليه السلام حجاب الله الاكبر وفي البحار عن العلل بالاسناد عن ابي جعفر عليه السلام قال قال امير المؤمنين عليه السلام ان الله تبارك وتعالى لما احب ان يخلق خلقا بيده فذلك بعد ما مضى الجن والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة قال ولما كان من شأن الله ان يخلق آدم للذي اراد من التدبير والتقدير لما هو مكونه في السموات والارض وعلمه لما اراد من ذلك كله كشط عن اطباق السموات ثم قال للملئكة انظروا الى اهل الارض من خلقي من الجن والنسناس فلما راوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الارض بغير الحق عظم ذلك عليهم واسفوا على اهل الارض ولم يملكوا غضبهم اذ ( ان خل ) قالوا يا ربنا ( رب خل ) انت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل في ارضك يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يعصونك مثل هذه الذنوب العظام لا تاسف ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى لقد عظم ذلك علينا واكبرناه فيك فلما سمع الله عز وجل ذلك من الملئكة قال اني جاعل في الارض خليفة لي عليهم فيكون لي عليهم حجة في ارضي على خلقي فقالت الملئكة سبحانك اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وقالوا فاجعله ( منا خل ) فانا لا نفسد في الارض ولا نسفك الدماء وقال الله جل جلاله يا ملائكتي اني اعلم ما لا تعلمون اني اريد ان اخلق خلقا بيدي اجعل ذريته انبياء مرسلين وعباد صالحين وائمة مهتدين اجعلهم خلفائي على خلقي في ارضي ينهونهم عن المعاصي وينذرونهم عذابي ويهدونهم الى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبلي واجعلهم حجة لي عذرا او نذرا وابين النسناس من ارضي فاطهرها منهم وانقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي واسكنهم الهواء وفي ( في الهواء في خل ) اقطار الارض لا يجاورون نسل خلقي واجعل بين الجن وبين خلقي حجابا ولا يرى نسل خلقي الجن ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم ولا يجالسونهم الخ فالله سبحانه منعهم وحجر ( حجز خل ) بينهم وبين الانس فلا يقدرون عليهم الا اذا رفع الحجاب وفتح الباب وهنالك يأتون بما يقدرون عليه ويرد الله سبحانه كيدهم في نحرهم ويقتل سلطانهم ويطهر الارض من لوث نجاساتهم وذلك في آخر الرجعات عند ظهور قوله تعالى الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض وقد بينا وشرحنا هذه المسئلة باكمل بيان فيما كتبنا في الرجعة فليطلب ثمة من اراد زيادة التحقيق ومعرفة نكات الدقيق ( التدقيق خ )
واما مآلهم في الجنة والنار فاعلم انهم اذا ارتحلوا من هذه الدنيا لا يخلون اما انهم مطيعون ام عاصون والعاصون لا يخلون اما ان يكون معصيتهم في الاعتقاد او في الاعمال فالاقسام ثلثة فان كانوا مطيعين وماتوا والله سبحانه وتعالى راض عنهم فهؤلاء من اهل الجنة وليس حال هؤلاء مثل حال الانس ان لا يروا رسول الله والائمة عليهم السلام ( صلى الله عليه وآله الطاهرين خل ) الا عند موتهم بل هؤلاء لقلة انياتهم وذوبانهم اذا ما توغلوا في المعاصي يصلون الى الامام عليه السلام ويرونه بل ويرون رسول الله صلى الله عليه وآله وساير الائمة عليهم السلام اذا ظهروا وتجلببوا بجلباب اهل هذه الدنيا من سنخ اجسام العالم الاول يوم كان طالع الدنيا السرطان والكواكب في اشرافها وهو جسم لا تقتدر ابصار اهل هذه الدنيا ان تشاهده والجن يشاهدونهم في تلك الاجسام وبالجملة فمؤمن الجن اكثر حظا من الانس بالاتصال بهم ومشاهدتهم وان كانوا اقل حظا في معرفتهم وادراك المقامات التي جعلها لهم فهؤلاء يشاهدونهم عند الموت كماحض الايمان من الانس الا ان ماحض الايمان من الانس يظهر لهم من مقام عظمتهم وجلالتهم ما لم يظهر عشر معشاره بل جزء من مأة الف جزء من مأة الف جزء من رأس الشعير للجن وهم في غبطة وسرور الى ان دخلوا ( ادخلوا خل ) في القبر ويأتيهم رومان فتان القبور فيملي عليهم اعمالهم ويجعلها في اعناقهم وفي القرآن وان كان نص على الانسان في قوله تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه الا ان الحكمة المقتضية لهذا الالزام جارية وثابتة لكل المكلفين فبعد خروج رومان فتان القبور يأتيهم الملكان الاسودان الازرقان رأساهما ( رأسهما خل ) في السماء السابعة ورجلاهما في الارض السابعة يخطان الارض خطا ويسئلانهم عن جملة الاعتقادات بعين ما ذكرنا في رومان فتان القبور حرفا بحرف الا ان رومان ونكير ومنكر اللذين يأتون عند الجن ليس هم الذين يأتون عند الانس وكذلك ملك الموت الذي يقبض روح الجن غير ملك الموت الذي يقبض روح الانس بل الملئكة المتعلقين والموكلين على الجن من فاضل نور الملئكة الموكلين بالانس لما بينا وشرحنا ان الجن انما خلقوا من شعاع نور الانس والطفرة في الوجود باطلة والادوات انما تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظائرها فاذا فرغوا من السؤال ينقل بهم من قبورهم بارواحهم دون اجسادهم الى الجنة وهذه الجنة ليست من الجنان الاصلية البرزخية وانما هي شعاع من الجنان الاصلية وهي التي تسمى بالحظاير فهناك مقرهم الى ان تظهر دولة الحق فيرجعون كما ترجع الانس لوجود المقتضى ورفع المانع وقد قال عليه السلام ما من مؤمن يؤمن بتأويل هذه الآية الا وله ميتة وقتلة وهي قوله تعالى ولئن قتلتم في سبيل الله او متم لالى الله تحشرون يؤمن بان سبيل الله هو عليّ عليه السلام والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل عليّ عليه السلام والمؤمن يعم الجميع والعقل قاطع بان المقتضى لهذه الامور كلها الايمان والمعرفة فحيث ما تحققا تجري عليه احكامهما فاذا نفخ في الصور وجاء يوم القيمة فمؤمن الجن يقفون في صف التابعين لا في صف الاناسي وكلما يجري على الانسان يجري عليهم الا ان الانس اقوى منهم بسبعين الف درجة واما الدور في الآخرة تسعة وعشرون ثمان منها الجنة من الجنان الاصلية وسبعة منها جنان الحظاير لان كل حظيرة ظل من جنة واما جنة عدن لصفائها ونورانيتها ولطافتها فليس لها ظل فكانت الجنان الاصلية ثمانية والحظاير سبعة فحيث ان الجن تبع للانس مخلوقون من شعاع نورهم فلا يمكن اجتماعهم معهم في جنة واحدة فوجب ان يكون ما من المنير للمنير وما من الشعاع للشعاع سبحان الذي اتقن صنع كل شيء انه بكل شيء عليم واما من ( ما خل ) كان من العصاة اذا كان معصيته في الاعتقاد هؤلاء هم الكفار يدخلون النار نار الحظاير فان النار سبع طبقات هي الاصليات ولكل طبقة ظل تسمى حظاير ففي الاحاديث تعبر ( يعبر خل ) عنها بالضحضاح فكانت النيران اربعة عشر دارا اعاذنا الله منها والجنان خمسة عشر جعلنا الله من اهلها وسكانها والمتنعمين بنعيمها
واما نهاية ترقيهم فلا نهاية لها لان الله سبحانه وتعالى خلق الجن ( الخلق خل ) للبقاء دون الفناء وانما ينقلهم من دار الى دار لاستكمالهم وترقيهم صعودا و( او خل ) نزولا لان السكون في الامكان محال والبقاء بدون الترقي بعد رفع الموانع محال آخر لان الله سبحانه وتعالى لا يختار الا ما هو الاكمل ولا شك ان الكمال وعدم وقوفه الى حد اشرف من النقصان وهو سبحانه وتعالى لا يترك الاولى فقال تعالى في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية الخ فلا تنتهي ترقياتهم الى حد ينقطعون ( يقطعون خل ) دونه كلا وحاشا اما سمعت ان من ضرورة الاسلام ان الجنة والنار لا تفنيان ابدا وكلما تطول المداء يزداد اهلهما نعيما واليما فاين الوقوف وعدم الترقي فان كان مرادهم في الدنيا فكذلك لان بذر المعرفة اذا تزرع ( انزرع خل ) في ارض القلب تخرج شجرة تنبت بالدهن وصبغ للآكلين وهي الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها وكذلك بذر الانكار اذا تزرع ( انزرع خل ) في قلب وسقي ماء حميم من الوساوس والشكوك والشبهات تخرج شجرة في اصل الجحيم طلعها كأنه رؤس الشياطين فآكلون منها فمالئون منها البطون وبالجملة فترقيهم لا نهاية له ولا غاية ولكن فليكن عندك معلوم ان الجن بجميع الترقيات الغير المتناهية لا يصلون الى مقام الانس بحال من الاحوال بل ولا الى جزء من مأةالف جزء من رأس الشعير من مقامات الانس ومراتبهم لاستحالة وصول الشعاع الى مقام المنير والفرع الى رتبة الاصل وهم يترقون الى ما لا نهاية له ولكنهم في رتبة مقامهم وقد قال عز وجل وما منا الا له مقام معلوم ويستحيل الترقي ان يكون في السلسلة الطولية والا جاز للممكن ان يكون واجبا والضرورة قضت ببطلانه انظر الى ترقي الجماد الميت الى ان صار اكسيرا فعالا يطرح الواحد على العشرة ( عشرة خل ) ثم يترقى الى ان يطرح على المأة ثم الى الالف وهكذا لكنه لا يصعد عن مقام الجماد ولا يصل الى مقام الحيوان وما يتراءي في بادي النظر فانه ليس كذلك وان قال بعضهم فانه كلام قشري ان الجماد يكون نباتا والنبات يكون حيوانا والحيوان يكون انسانا وهو كلام قشري لا تحقيقي فان الجماد لم يكن نباتا وانما صار محلا ( محلا صالحا خل ) لظهور النبات كالمرآة صالحة لاظهار مثال الشمس فلا يقال ان المرآة كانت نورا او كانت شمسا فاعتبر بذلك جميع المراتب والمقامات فالجن يترقون في مقامهم بلا نهاية ولا حد لذلك والانس كذلك في مقامهم وحقيقة الانبياء في مقامها والحقيقة المحمدية صلى الله عليها في مقامها وهكذا الاشياء تدور وتسير كل في مركزه بلا نهاية وانما رددت الكلام وكررته للتفهيم
واما الفايدة في خلقة الجن فما اغفلك عن قوله تعالى وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون وفي الزيارة خلق الخلق لعبادته ودعاهم الى طاعته فشقي وسعيد فالسعيد من يتوليكم والشقي من عاديكم وهكذا الفايدة في خلق كل شيء وذلك لا ينافي ان يكون شيء تابعا لشيء او متبوعا لشيء فرعا لشيء واصلا لشيء دالا على شيء ومدلولا لشيء ( مدلولا لشيء كتابا لشيء ومكتوبا لشيء شرطا لشيء ومشروطا لشيء خل ) لازما لشيء وملزوما لشيء ومتمما لشيء ومكملا لشيء فاعلا لشيء ومنفعلا عن شيء ظاهرا لشيء وباطنا لشيء وهكذا ربط الموجودات واتصالاتها والله سبحانه خلق كل شيء لطاعته وعبادته ليحصل له الترقي الى مقام قربه ونجواه ليظهر به كرمه الا ان الاشياء بعضها اصل وبعضها فرع والقول بان الغاية والفايدة خلقة الانسان الكامل كلام مجمل فان كان مرادكم بالانسان الكامل هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليها فصحيح ويدل عليه تأويل قوله تعالى واصطنعتك لنفسي وقوله تعالى في الحديث القدسي خلقتك لاجلي وخلقت الخلق لاجلك وفي حديث امير المؤمنين عليه السلام في بيان خلقة نور النبي صلى الله عليه وآله الى ان قال عليه السلام فخر نور النبي مغشيا عليه الف سنة فلما افاق اوحى الله اليه انت الحبيب وانت المحبوب وانت المراد وانت المريد خلقتك لاجلي وخلقت الخلق لاجلك وبالجملة هذا شيء معلوم لا سترة عليه وقد قام عليه اجماع المسلمين وهو ( فهو خل ) صلى الله عليه وآله غاية الايجاد وعلته فلولاه ماكان موجودا ولا مفقودا ولا ظاهرا ولا باطنا ولا عاليا ولا سافلا ولا سماء ولا ارضا ولا برا ولا بحرا ولا غيبا ولا شهودا ولا نورا ولا ظلمة ولا تابعا ولا متبوعا وذلك لا ينافي ان يكون خلقة غيره للعبادة التي هي الغاية في اصل الوجود كما انها غاية وجوده فعبادة الانبياء عليهم السلام لله تعالى لا تتم الا بالاقرار والاعتراف بالحقيقة المحمدية صلى الله عليها ( بالحقيقة المقدسة خل ) وخضوعهم وخشوعهم لها وانقيادهم لامرها ونهيها وكذلك عبادة الانسان لله تعالى لا تتم الا بالاعتراف بالحقيقة وبالانبياء وخضوعهم وخشوعهم وتذللهم لهم وانقيادهم وطاعتهم لهم فلو اخلوا بشيء من هذا ماتمت عبادتهم لله وماعبدوا الله فان العبادة لا تكون الا على الوجه الذي قرره الله وبالجملة فكل شيء يعبد الله وخلق لعبادة الله الا ان العبادة لها شرايط وآداب تكفلت الشريعة المطهرة لاثباتها وتحقيقها في جميع اطوارها واحوالها وان كان مرادكم بالانسان الكامل الذي هو غاية الايجاد كل من هو على الصورة الانسانية ممنوع غاية المنع لان الغاية في الشيء هي العلة لوجوده وكل احد ليست له هذه القابلية مع ان الكامل المطلق لا يكون الا من طهره الله عن ادناس لوازم الامكان واما ما سوى ذلك فلا يتحقق فيه الكمال المطلق فافهم
ثم اعلم انه قد اشتهر بين العلماء من الفرقة المحقة وجرت به الالسن ان آلمحمد صلى الله عليهم هم غاية الايجاد وهم العلة الغائية وهذا الكلام لا ينطبق على ما اتفقت كلمة العلماء كافة من الحكماء وغيرهم ان العلة الغائية مقدمة في الذكر ومؤخرة في الوجود كالجلوس الذي هو غاية للسرير والاكل الذي هو غاية للطبخ وامثال ذلك لانهم صرحوا ان العلة الفاعلية والغائية خارجتان عن حقيقة المعلول الا ان العلة الغائية مقدمة في الذكر ومؤخر ( مؤخرة خل ) في الوجود والعلة الفاعلية مقدمة في الوجود والذكر والعلة المادية والصورية داخلتان في حقيقة المعلول وهذا كلام صحيح لا شك فيه ولا ريب يعتريه تشمله الادلة ويطابقه الحس والتجربة وشاهده الوجدان والعيان فعلي هذا لو كان آل محمد صلى الله عليهم هم العلة الغائية على ما اتفقت عليه كلمتهم ظاهرا يلزم احد الامرين احدهما ان الله سبحانه قد فرغ من الامر والخلق بعد ايجادهم سلام الله عليهم في هذه الدنيا كما زعمت اليهود وقالت يد الله مغلولة لان العلة الغائية يجب ان تكون بعد وجود المعلول فبعد ظهور الغاية لم يبق للمعلول شيء يتوقع في الوجود فاذا قلنا انهم سلام الله عليهم العلة الغائية لكل العوالم والموجودات فبعد ان وجدوا وتم ظهورهم وجب ان يكون قد تمت خلقة العالم وفرغ الله سبحانه عن الايجاد وهذا هو قول اليهود بعينه وثانيهما يجب ان لا يخلق آل محمد سلام الله عليهم بعد لان الله سبحانه كل يوم في شأن والخلق دائما يتجدد وهم الغاية في الخلق فوجب ان لم يخلق بعد وضرورة الاسلام والايمان والعقل تقتضي بطلان ( ببطلان خل ) هذين الامرين فاذا فما معنى قولهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام هي ( هم خ ) الغاية والعلة لوجود العالم فيجب حمل كلامهم على التجوز بزعمهم وانهم ليسوا بالعلة الغائية التي هي من العلل الاربع وانما مرادهم بالغاية هي الاصل لان الله سبحانه خلقهم اولا وخلق الخلق من شعاع نورهم وفيض جودهم وجعل الخلق فرعا لوجودهم كما خلق الشمس وخلق الشعاع عنها وجعله فرعا لوجودها ومظهرا لاحكامها فعلي هذا كل اصل بالنسبة الى فرعه هذا حكمه فالانسان الكامل الذي هو الحقيقة المقدسة صلى الله عليها اصل الاصول واسطقس الاسطقسات وايس الايسات ( الايسيات خل ) وجوهر الجواهر واوايل جواهر العلل والخلق ما سويها فروع لها واشعة لانوارها يتوجهون الى الله تعالى بها ويعبدون الله بدلالتها وكذلك من دونها واقرب الحقايق اليها اصل لما عداه وهكذا تترامي السلسلة الى الجن وهم فروع واشعة لحقيقة الانسان ولكنهم ذوات وجواهر اصول بالنسبة الى من دونهم من حقيقة البهايم والنباتات والجمادات وساير اطوار الكاينات وهم عون للامام الظاهر في اجراء افعاله وشؤنه في مقتضياته اذا كان له ارادة مثلا ومصلحة في الامكنة ( الاماكن خل ) البعيدة كالهند والصين يبعثهم ويستخدمهم وقد سمعت سابقا استخدام سليمان النبي عليه السلام اياهم وفعلهم عجايب الصنايع له عليه السلام وكذلك الجن عون للشيعة يدفعون عنها المضار ويجلبون اليهم المنافع لقد جرت لهم معي قصة طويلة في دفع المضرة عني وجلب الخير الى ولااحب ان اذكر هنا لئلا اهتك ستر بعض الاشرار ولا اظهر خزيهم والعار واستعنت بالله وتوكلت عليه في الاعلان ( بالاعلان خل ) والاسرار وهو حسبي ونعم الوكيل
وبالجملة فوجود الجن من اعظم الفوايد والمنافع لكنها مستورة الآن في اعين ابناء هذا الزمان واذا استقلت دولة الحق وظهر المستور الغايب عجل الله فرجه تتبين فوايدهم لانهم يظهرون بالعيان ويشاهدهم كل انسان ويتبين هناك ان فايدتهم كفائدة خلق الانسان الا ان كلا في مقامه
فتبين من هذا البيان التام ان الغاية في ايجاد الاشياء لاسيما الجن والانس معرفة الله من توحيده وعبادته لا غير وكلما سوى التوحيد والعبادة يرجع اليهما وما قلت من ان الفائدة والغاية خلقة الانسان الكامل معناه ان الله سبحانه خلق ذلك الانسان الكامل اولا وافتتح به الايجاد فكذلك اختتم به وفي الزيارة بكم فتح الله وبكم يختم وهذا المعنى وان كان في الحقيقة يوجد في الانسان الواحد الكامل ونفسه ومن هو من سنخه لكنه يجري في كل شيء بحسبه لان كل شيء له فروع وله اشعة وله صفات وله آثار تتبع ذاته وتتفرع عليها وتقوم بها واصل بالنسبة اليها وان كان فرعا بالنسبة الى اعلى منها والى هذا المعنى اشير في الزيارة السلام على الاصل القديم والفرع الكريم فهو عليه السلام اصل بالنسبة الى ما عداه مما تحته وفرع بالنسبة الى رسول الله صلى الله عليه وآله ومن هذا البيان التام افهم معنى قوله عليه السلام كلكم راعون وكلكم مسئولون عن رعيته فافهم وعلى من يفهم الكلام السلام
قال سلمه الله تعالى : وعلى تقدير تشكلهم بالصور والاشكال فهل هذا التشكل والتصور بالصور المختلفة حقيقي اصلي او مجازي صوري تصوروا ( تصورا خل ) لمحض المشابهة وهل هنا انقلاب حقيقة ام لا ويقولون انهم مظاهر قدرة الله الى اي مقام ومرتبة هم مظاهر القدرة وبالجملة بينوا لنا في هذا الباب بيانا كاملا وحققوا تحقيقا شاملا يشمل جميع احوالهم من العقل والشرع وبينوا لنا علة رؤية ارباب التسخير اياهم دون غيرهم وما العلاج في دفع ضررهم واذياتهم
اقول قولكم تشكلهم بتلك الاشكال حقيقي او مجازي ما المراد منه ان كان مرادكم ان تلك الصورة وذلك التشكل يخرجهم عما هم عليه من كينونة انفسهم كما اذا تصور الكلب بصورة الملح وتصور الهواء بصورة الماء والماء بصورة الهواء والنار فليس كذلك بل هم عند تصورهم بالصور المختلفة باقون على ما هم عليه من الحقيقة والذات والمشاعر والمدارك وغير ذلك وذلك كتصور جبرئيل بصورة دحية بن خليفة الكلبي كانقلاب الانسان من صورة الصغر الى الكبر ومن السمن الى الهزال ومن الصفرة الى الحمرة ومن البياض الى السواد ومن الطول الى القصر وامثال ذلك وهذا في الانسان تدريجي لانجماد طينتهم واما في الجن فدفعي لذوبان فطرتهم يتشكلون باي شكل شاؤا كالشمعة التي تصورها باي صورة اردت فاذا اردت بالحقيقي المعنى الاول وبالمجازي الثاني فالتشكل مجازي لا حقيقي وان اردت بالمجازي اختلال العين وتصرف الجن بالقوة الباصرة على حسب ما يتخيلون كما يفعله اصحاب علم السيميا الذين سخروا الملئكة الثلاثة شمعون وزيتون وسيمون فانهم يظهرون كل صورة يتخيلونها بالحس الظاهر لكنها صورة ظاهرية لا حقيقة لها وانما بقاؤها ما دام خيال المسخر فان اردت الصوري المجازي هذا المعنى فتصور الجن وتشكلهم حقيقي ليس بهذا الوجه لان هذا الوجه لا اختصاص له بالجن وانما هو شأن كل احد اذا استعمل ذلك الفن مع انه خرص واحتمال ماقام عليه دليل ولا برهان وكذلك ما قال بعضهم مما نقلنا عنه سابقا من ان تشكلهم بالصور المختلفة عبارة عن تشكل الهواء المطيف بهم فان ذلك ايضا مجاز لا حقيقة فان الجن لم يتصوروا بل المتصور ذلك الهواء لا غير وحيث ان المتصرف فيه الجن نسبت الصورة اليه تجوزا بل الحق الحقيق بالتحقيق والتصديق ان تتغير الصورة وتبدل الهيئة وهذا لا اختصاص له بالجن بل انت ايضا اذا لطف سرك واعتدلت طباعك تتمكن بامر الله سبحانه من ذلك كما تقدم اذ من المستبين ان الصورة التي انت عليها والحلية التي منك ترى عرض في جوهرك فيزيل الله ذلك العرض ويلبسك ما اردت ان تظهر به من صور الاعراض التي هي لانسان او لحيوان او نبات او جماد وجوهرك باق وروحك المدبر على ما هو عليه من العقل وجميع القوى باق والصورة صورة جماد او نبات او حيوان او انسان والعقل عقل انسان وهو متمكن من النطق والكلام فان شاء تكلم باي لسان انطقه الله سبحانه فحكمه حكم عين الصورة كما ان الروح اذا تجسد اذا رأيته في صورة البشر لا بد ان يتكلم بكلام البشر او بصورة حيوان يتكلم بكلام ذلك الحيوان بخلاف الانسان او الجن اذا تصوروا بغير صورتهم ينطقون بنطقهم ويتكلمون بكلامهم فافهم واحفظ وابن على هذا امرك فان الجن لغلبة النارية والهوائية تشكلها دفعي لا تدريجي والانس منجمد يحتاج الى اذابة المنجمد وحل المنعقد بالعلم والعمل واما في التصوير الحقيقي فالحكم واحد فان قلت ان التصور والتشكل لو كان كما ذكرت يجب ان لا يمكن ان يرى الشيء الواحد في الوقت الواحد بالصور العديدة المختلفة لانه حين نزع صورة ولبس اخرى لا يمكن حين تلبسه بها يلبس اخرى لاجتماع الضدين الا على النحو ( نحو خ ) الصورتين المتقدمتين مما يستعمله اهل السيميا او تصوير الهواء المطيف بذلك الجوهر لكن التالي باطل لان الائمة عليهم السلام قد ظهروا في وقت واحد وزمان واحد لاشخاص متعددين بالصور المتعددة وظهور امير المؤمنين عليه السلام في ليلة واحدة في وقت واحد لاربعين شخص معلوم مشهور وظهور مولينا العسكري عليه السلام مع القائم عجل الله فرجه لثلاثة اشخاص من اهل قم منهم احمد بن اسحق (ره) مزبور ومسطور والملازمة ظاهرة قلت ان حكم الائمة عليهم السلام وظهورهم بالنسبة الى من عداهم غير ظهور غيرهم بعضهم لبعض فانهم سلام الله عليهم علل لوجودهم والخلق مرايا وحملة لاشراق ظهورهم وابراز نورهم كظهور نور الشمس في القوابل من المرايا والبلور وغيرهما ( غيرها خل ) فالمرايا اذا كانت قوابلها متطابقة ترى الصور والاشباح على عدد المرايا متطابقة ولذا ( لذا رأى خل لذا ترى خ ) اربعون واحدا كلهم يقول انه امير المؤمنين عليه السلام واذا كانت المرايا مختلفة فتختلف الاشباح والصور فيها على حسب اختلاف المرايا فيري الناظر الاشباح مختلفة كل مرآة تحكي ما فيه فيصفون ذلك الامر الواحد مختلفا كما وصف اولئك القميون كل منهم الامامين عليهما السلام بوصف غير وصف الآخر والكل صادقون يخبرون عن ظهورهما عليهما السلام لهم بهم فاختلافهم دليل اختلاف قوابل حقايقهم وكذلك ظهورهم عليهم السلام للاموات عند الاحتضار يظهرون لكل احد على حسب ما هو عليه من قوة النور وضعفه وان كانت قوابل الموتي الذين لهم قابلية حضورهم قد اشتركت في التصفية البالغة حتى تأهلت لظهورهم فيها وتجليهم عليها وهذا التجلي والاشراق لم يبرحا مع كل احد الا ان الظهور التام لا يكون الا بكمال التوجه وهو لا يكون الا بقطع العلايق وهو في الغالب يكون عند الموت فتلك الصور التي يظهرون بها سلام الله عليهم ليست نزع صورة ولبس اخرى بل انما هي اشباح وامثال وآيات قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقد قال مولينا الصادق عليه السلام اي آية اري الله الخلق في الآفاق وفي انفس الخلايق غيرنا وهذا بخلاف الجن فانهم يلبسون صورة وينزعون اخرى وهكذا ولا يسعهم يظهرون في وقت واحد بآن واحد في شخص واحد بصور متعددة كما في الائمة عليهم السلام الا ان يستعملوا تلك الوجوه من عمل السيميا وما يستعمله السحرة الاشقياء وذلك خلاف مقتضى كينونتهم ومقتضى مقامهم ومرتبتهم احقاق حق وازهاق باطل
اعلم ان بعض اهل التلبيس والتمويه يموهون على الناس بانهم يحضرون الارواح من الجنة والنار اذا شاءوا وكل ذلك تمويه وتلبيس وهم اعجز من ان يخرجوا من حبسهم الله سبحانه في سجن جهنم او انعم عليهم بدخول الجنة ليخرجوهم منهما وانما سخر لهؤلاء الجن فيتصورون بصورة ذلك الاشخاص الذين في الجنة او النار ويعلمون احوالهم بنظر الكواكب وقراناتها واستعمال العلوم التي تكشف المغيبات وهم مع ذلك بين صدوق وكذوب وهو قوله تعالى قل هل انبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل افاك اثيم يلقون السمع واكثرهم كاذبون وهؤلاء تصويرهم بتلك الاشكال لمحض المشابهة لا غير فليسوا اولئك الاشخاص بل انما ظهروا على صورتهم وهيكلهم فيظن الناس انهم هم وليسوا هم وانهم لكاذبون
واما قولكم بانقلاب الحقيقة فليس هناك انقلاب حقيقة فان هذا الاختلاف في التشكل في الجسم التعليمي لا غير والاختلاف في الجسم التعليمي لا يوجب الاختلاف في الجسم الطبيعي كما لا يوجب اختلاف الشخص بالصغر والكبر والسمن والهزال والحمرة والصفرة والمرض والصحة وامثالها اختلافا في حقيقة ( حقيقته خل ) وان تبدلت صوره وامثاله فالحقيقة باقية غير منقلبة فلا يلزم انقلاب الحقيقة عند تغير ( تغيير خل ) الجسم التعليمي نعم باختلاف الجسم الطبيعي يوجب الاختلاف في حقيقة الجسم وكذلك الروح وذلك معلوم واضح لا شك فيه ولا ريب يعتريه
واما ما نقلت عن ذلك القائل من ان الجن مظاهر قدرة الله فكلام صوري فان كل شيء من الاشياء وكل موجود من الموجودات مظاهر قدرة الله سبحانه لانه سبحانه اظهر قدرته في تكوينه ثم في تعيينه ( تعينه خل ) ثم في قدره ثم في قضائه ثم في الاذن لبروزه ثم في كتاب ( كتابه خ ) الذي هو اللوح الحافظ لاطواره ومراتبه ثم في تجدده وتنقله من حال الى حال وطور الى طور ووضع الى وضع وسكون بعد حركة وحركة بعد سكون وضعف بعد قوة وقوة بعد ضعف وظهور بعد خفاء وخفاء بعد ظهور وعلم بعد جهل وجهل بعد علم وذكر بعد نسيان ونسيان بعد ذكر وكراهة بعد ميل وميل بعد كراهة وزيادة بعد نقصان ونقصان بعد زيادة وهكذا في اطوار الشيء واكواره وادواره واوطاره بما يلزمه من متمماته ومكملاته وما له وعليه وفيه وبه وعنه ومنه ولديه وساير احواله فهو بكل طور من هذه الاطوار مظهر قدرة لله ( الله خل ) عظيمة ونعمة منه جسيمة لا تحصى تلك النعماء ولا تعد تلك الآلاء ولا تقابل تلك القدرة بل تستقهر عندها كل نسمة ولكن مع هذا كله فالاشياء تختلف في هذه المظهرية على حسب مقامها في الجامعية فكلما هو اقرب الى المبدء يظهر سر الجامعية فيه اعظم فيكون في مظهرية القدرة اعلى واعظم فاول مظاهر القدرة الحقيقة المحمدية صلى الله عليها وهي مظهر قدرة الله التي استطال بها على كل شيء وكل مذروء ومبروء من متحرك وساكن وحاضر وغايب ومجمل ومفصل وظاهر وباطن وسر وعلانية وبالجملة تلك الحقيقة حاملة ( حامل خل ) القدرة التي نفذت وظهرت في كل شيء مما وجد في الامكان الى ما لا نهاية له ثم بعدها فالانبياء هم مظاهر القدرة وحملة الهيمنة ومهابط ظهور القيومية في الموجودات كلها بعد الحقيقة المقدسة المقدمة ثم بعدها فالانسان الرعية هم مظاهر القدرة وحملة الفيض الالهي الى جميع الرعية دونهم ثم بعدها فالجن مظاهر القدرة ومهابط الهيمنة الى من دونهم من كل ذرة ثم بعدها فالبهايم من الحيوانات مظاهر القدرة وهكذا تترامي السلسلة الى الجماد ثم الى اشباحها واشباح اشباحها واشباح اشباح اشباحها هكذا الى ما لا نهاية له كل اقرب منها اتم في المظهرية واعلى في حمل القيومية فمظهرية الجن بحسب مقامهم ومرتبتهم لا مطلقا ولكن لما كان في قوس الصعود بعد تمام قوس النزول انجمد الانس الرعية بعض افرادها من الساكنين في الاقاليم السبعة لامور وحكم ومصالح يطول بذكرها الكلام الا ان حصول هذا الامر فيهم غني عن البرهان والدليل وتجشم القال والقيل وانما خصصناهم بسكنة الاقاليم السبعة لاخراج ما عداهم من اهل جابلقا وجابلصا والجزيرة الخضراء والتسعة والثلثون عالما التي من وراء جبل قاف وامثالها من العوالم الالف الف كل اولئك ما جمدوا ولا انعقدوا بل نار غرائزهم ظاهرة وذوبان طبيعتهم حاصل واني للجن وما يظهر من اولئك من الافعال العجيبة والاطوار الغريبة فظهور القدرة فيهم اعظم واعظم واعظم والمظهرية فيهم اتم واما اهل الاقاليم السبعة فحيث انجمدت غرائزهم بقوا لا تصرف لهم ولا سرعة انقلاب فيهم الا بمجاهدات ورياضات عظيمة شاقة وهي ايضا لا تحصل الا في افراد نادرة اذا نسبتهم الى غيرهم يكونون ( يكون خل ) كالمعدوم واما الجن فلاجل غلبة النار فيهم لان النار في الجن خمسون جزء والتراب سبعمأة جزء واذا اتصل النار بالتراب لاجل موافقتها معه في نصف الطبيعة تتقوى الحرارة وتلين الطبيعة وتجعلها صالحة لكل صورة ومحلا لظهور كل فعل خارق لعادة الانسان من اهل هذه الاقاليم ما دام باقيا على الانجماد وما يظهر من الجن من الآثار والافعال كلها اقوى مما يظهر من الانس فكانت افعال الجن خارقة لعادة افعال الانس فظهور القدرة في الجن في هذه الصورة اكثر من الانس ومن هذه الجهة سماه بعض من ليس له ضرس قاطع في العلم مظاهر القدرة صورة ظاهرية والا فالانس بحسب الحقيقة اولى بهذه المظهرية فافهم الكلام فقد اوقفتك على جوامع العلوم واسمعتك تغريد الورقاء على الافنان بفنون الالحان
واما العلة في رؤية ارباب التسخير فان تلك العزائم والاحوال والاذكار والاوراد على الوجوه المخصوصة تقوي بصرهم فيرونهم ويشاهدونهم واما بدون تلك العزائم والاسماء والاذكار على الاوضاع الخاصة والترتيبات الخاصة فلا يقدرون على رؤيتهم وقد يتفق لبعض المؤمنين في كل الاحوال مشاهدتهم من دون تلك العزائم والترتيبات الخاصة وقد يتفق لبعضهم في حال دون حال على حسب لطف سره وصفاء حسه وذلك معلوم ظاهر
واما علاج دفع اذيتهم فشيئين ( فبشيئين خل ) الاول ان لا تخاف منهم بمعنى ان لا تجعل في قلبك منهم خوف ( خوفا خ ) اذا رأيتهم لانهم اقل مرتبة منك وانهم محتاجون اليك والى نبيك صلى الله عليه وآله ولست بمحتاج ( محتاجا خل ) اليهم ولا الى نبيهم وانت اعلم منهم وابصر بمعرفة دينك وانهم خلقوا من شعاع نورك فحينئذ اي محل للخوف منهم وصورتهم وان كانت مهولة لكنك اذا تثبت وعرفت مقامك ومقامهم يذهب عنك الهول الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور والثاني تلاوة القرآن لا سيما آية الكرسي والادعية المأثورة عن اهل البيت عليهم السلام وهي كثيرة موجودة في كتب الادعية من تصانيف العالم الزاهر جمال الدين بن طاوس وكتب المجلسي (ره) وغيرهما تتبع تجد فاني في شغل عن كتابة تلك الادعية والاوراد واعمل بقوله عليه السلام خذ من القرآن ما شئت تسلم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قد فرغ من انشادها منشيها يوم الاربعاء الحادي والعشرين من شهر رجب وذلك في الهور حين التوجه لزيارة امير المؤمنين عليه السلام في السنة السابعة من بعد الخمسين والالف والمأتين حامدا ومسلما وشاكرا والحمد لله اولا وآخرا