رسالة في تنبيه بعض علماء النجف لسوء فهمه عبارة منه

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في تنبيه بعض علماء النجف لسوء فهمه عبارة منه

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الحادي عشر

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين الطيبين

اما بعد فقد بلغني كلام على بعض العبارات من رسالتي التي وضعتها في الاخلاق والاعمال التي توصل الى سكون النفس وطمأنينة القلب في المعارف الالهية والحقايق القدسية ومعرفة حقايق الاشياء واسرار الموجودات وكيفية الترقي الى المقامات العلية والمراتب السنية في العلوم العقلية والرسوم القطعية دون المطالب النقلية والاحكام التوقيفية فانها مع ما ذكرنا من التورع والاجتهاد تحتاج الى كلام الموقف والاخذ عنه كالمطالب الفقهية والفروع الاجتهادية فانها لا تحصل ولا تتحقق الا بعد معرفة اللغة مدلولاتها وموادها واعرابها والمتكفل لبيان الاولى كتب اللغة المعروفة وللثانية علم الصرف وللثالثة علم النحو ومعرفة الاحاديث والاخبار الواردة في جزئيات الاحكام وكلياتها المتكفل لبيانها كتب الاحاديث ومعرفة كلام سبحانه من الآيات الواردة في الاحكام المتكفل لبيانه كتب التفاسير لا سيما في آيات الاحكام ومعرفة الرجال الرواة صدوقها من كذوبها معلومها من مجهولها ومهملها من مبينها اذ قد كثرت الكذابة على اهل بيت العصمة والطهارة فلا كل راو مقبول ولا كل ناطق مسموع فلا بد من ملاحظة احوال الرواة فتختلف احكام الرواية والاحاديث بحسب رواتها والمتكفل لبيانها علم الدراية وحيث كان من الاجماع باقسامه من المركب والمحقق العام والمحقق الخاص والسكوتي والمنقول على الخلاف وهو لا يحصل الا بمطالعة كتب الاصحاب من فقهائنا رضوان الله عليهم ومنها المشهور على قول والمعتصمة والمؤيد على قول آخرين وجب الرجوع والنظر في كتب الفقهاء لتحصيلها فمن غير مطالعة الكتب المدونة في هذا الشأن ما يقدر ان يحصل هذه المطالب وبالجملة فالعلم الذي مداره النقل والتوقيف لا يمكن ان يحصله بالعقل المحض من غير ملاحظة كتب اصحاب النقل الا بان يكون مسددا بروح القدس وهذا الغير المعصوم وغير المؤيد بتسديد الله سبحانه بالعصمة والرحمة والعناية الخاصة لا يتأتى ولو تجرد وارتاض فان الله سبحانه وتعالى قال الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا والمجاهدة في الله لا بد ان يأتي البيت من بابها ويجاهد على الوجه الذي اراد الله سبحانه منه لقوله تعالى لكن البر من اتقى وأتوا البيوت من ابوابها وهذا هو الباب لذلك الجناب فمن طلب بغير هذا الوجه فقد اتى من غير الباب فلا يقبل منه وقد ذكرنا فيما كتبنا في المبادي اللغوية في بحث الدلالة ان العلوم على قسمين علوم عقلية محضة وعلوم توقيفية والمراد بالاولى هي التي مناط ادراكها محض العقل بلا توقف على الانتساب الى الغير بالتقليد له والاخذ عنه كمعرفة الله سبحانه ومعرفة حقائق الاشياء المجردة في العلم الالهي بمعنى الاخص والاعم ومعرفة صور الاشياء وقراناتها ونسبها في العلوم الهندسيات والرياضي ومعرفة للاجسام والجسمانيات وصفاتها واحوالها في العلم الطبيعي فان هذه العلوم لا بد من معرفتها بالعقل القاطع ولا سبيل للتقليد فيها الا للعوام المحض في غير معرفة الله سبحانه وساير اصول الاسلام والايمان والمراد بالثانية هي التي لا يستقل العقل بادراكها بل لا بد من استناده فيها الى الغير بالتقليد له والاخذ عنه والاستناد اليه كمعرفة الاوضاع اللفظية والدلالات الوضعية وان قلنا بالمناسبة فانها لا تغني عن الوضع كما فصلنا القول فيها في رسالة منفردة والاحكام الشرعية الالهية فانها توقيفية لا بد من الرجوع الى الموقف اما بوجود داع وخليفة من الله تعالى يبين للناس ظاهرا مشهورا او بالاسباب التي جعلها الله تعالى للوصول اليها من الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل فيما يمكن اذا كان الداعي غائبا مستورا ففي حال الغيبة الكبري كل من ادعى انه يحصل حكم الله تعالى في الاحكام الفقهية من دون النظر الى الكتاب والسنة ومما يتوقف فهمهما واستنباط الاحكام عليه من اللغة وغيرها مما ذكره اصحابنا من شرايط الاجتهاد فذلك مبدع في الدين لا يلتفت اليه اصلا وكذلك من ادعى معرفة الاحكام الشرعية بدون الرجوع الى متفاهم العرف واللغة والشرع بل الى انواع العلوم الغريبة من الجفر والرمل والحساب وانواع علم الحروف من احكام الزبر والبينات والبسط والتكسير او بالرجوع الى بواطن الاسرار من نفي المجاز والكنايات والاستعارات وانحاء الدلالات من دلالة التنبيه والاشارة ولحن الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب وغيرها فذلك ايضا مبدع في الدين وضال ومضل وكذلك من انكر الاجتهاد والتقليد واراد ان يحصل الى الاحكام الالهية الفرعية بدونهما فذلك ايضا قد اخطأ الصواب والحاصل سلوك سبيل في الفقه غير ما سلكه اصحابنا وفقهائنا المتقدمون والمتأخرون مما هو المعروف من طريقتهم المشهور وسيرتهم اتباع لغير سبيل المؤمنين ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا

فاذا عرفت هذا فاعلم ان العبارة التي وقع الكلام عليها هذه :

واعرض عن مطالعة كتب القوم سيما عامة العميا وكل كتاب قد اخذ منها وكن كأن الله سبحانه ما خلق سواك وما سطر كتاب ولا ذكر جواب ولا جرى خطاب اترى انه يهملك ولا يبعث لك من يعلمك اما ظاهرا مشهورا او غائبا مستورا ولا تقل ان الله سبحانه جعل هذه الكتب والآلات سببا ووصلة الى تحصيل العلوم لانا نقول قد ذكرنا سابقا ان الله سبحانه سبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب وظهر لك من تلويحات كلامنا انه تعالى جعل لكل سببين سببا عاما وسببا خاصا فاهل العموم يتمسكون باسباب خاصة واهل الخصوص يتمسكون بالسبب العام وذلك السبب العام الكافي لجميع المسببات والمناسب لها هو الانقطاع الى الله عز وجل بكلك وهو قوله تعالى اليس الله بكاف عبده وقوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا وقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله انتهى

والكلام عليها ان هذه مركبة من عبارة ملا محمد الاسترابادي واهل التصوف الذين قالوا بان التجرد يعني عن ملاحظة كتب العلم وعن تعاطي الاسباب كلها لان الله سبب كل ذي سبب وهذا سد لباب الاجتهاد والتقليد بل هذا رفع للحاجة الى الاخبار وانا لانحتاج الى الائمة عليهم السلام لان القرآن فيه تبيان كل شيء والانسان اذا تجرد عرف تلك الاحكام من القرآن وهذه مقالة اهل التصوف بعينها ما هذه الظنون الفاسدة ؟ ماذا اراد بقوله : واعرض عن كتب القوم سيما عامة العمياء واي قوم هم ؟ انتهى الكلام

اقول اعلم انا اردنا في هذه الرسالة الشريفة اثبات معالي الاخلاق والاعمال التي توصل النفس الى اعلى الدرجات في العلوم العقلية والمعارف الالهية والاعتقادات الحقة التي لا تنتف الاعمال والعبادات بدون تلك المعارف والاعتقادات يعني القدر الضروري وان تفاوت المسلمون والمؤمنون في مراتبها ومقاماتها وذكرنا في اول الرسالة ان الاصل في هذا المقام والعمدة في بلوغ والمرام هو التوكل والاعتماد على الله وحده في جميع الافعال والاعمال والحركات والسكنات وان لم ‌نصرح بلفظ التوكل الا ان ما ذكرنا صريح في ذلك الا ترى انا ذكرنا في اول الرسالة : اعلم ان الله سبحانه هو الواحد الذي لا شريك له الى ان قلنا : فاذن سد باب نظرك ورفع حاجتك ورجائك وخوفك وطمعك الا اليه تعالى ومعناه انه لا يلتفت الى الاسباب ويعتمد عليها لا انه لا يستعملها ويتركها فهو حين مباشرته للاسباب قاطع نظره عنها كما قال سيد الشهداء وعليّ بن الحسين عليهم السلام وقد ذكرت قولهما روحي لهما الفداء في الرسالة وهذا المعنى ملحوظ في جميع مطالب هذه الرسالة الى ان وصلنا في احكام المعاشرات وذكرنا للاسباب المانعة للبلوغ الى العلوم الحقيقية والمعارف الالهية وذكرت :فاذا تعددت الزوجات اعدل بينهن يعني كلما تعمل لواحدة اعمل للاخرى في كل شيء وان لم ‌يجب عليك لكنه اقرب للتقوى وافرغ لك وحواسك والا تقع بينهن العداوة ولا يمكنك التوجه الى ما انت بصدده من طلب الحق والمعارف الالهية فعلم ان المقصود المعارف الالهية

ثم بينا ان تحصيل المعارف على القطع واليقين على كمال ما ينبغي في اعلى المراتب لا يمكن الا بان نتطابق اربعة اشياء في مسئلة واحدة : احدها النظر في الاخبار والاحاديث وتحصيل تلك المسئلة منها على وجه القطع واليقين لا الظن والتخمين فان الاعتماد للمسائل للاعتقادية على الاخبار والآيات المفيدة للظن قبل استفادة القطع منها لا يجوز اجماعا وللآيات والروايات وان كانتا ظنية الدلالات الا انها قد تفيد القطع لقراين واحوال خارجية خصوصا في المسائل العقلية بل ربما اسهل لاستقلال العقل فيها وسهولة استخراج الماخذ خصوصا اذا كان منقطعا اليهم طالبا اعانتهم عليهم السلام كما قالوا عليهم السلام على ما في المتبعون لقادة الدين لائمة الهادين الذين ينهجون منهجهم ويسلكون مسلكهم يهجم بهم العلم على حقيقة الايمان فيستلينون من احاديثهم ما استوعر على غيرهم ويانسون مما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون اولئك اتباع العلماء حقا الحديث ولذا قلت في الرسالة : وانظر في كتب الاخبار الخ وما ذكرنا في هذه المسئلة كلها بيان اعانتهم لمن طلبهم وانقطع اليهم وهذا لا ينكره الا من انكر عصمتهم وشرفهم وشرف مقامهم عند ربهم وكله لتحصيل القطع في المسئلة التي يستند فيها الى الروايات من المسائل العقلية دون العملية فان فيها يكفي كما برهن في محله وثانيها النظر في القرآن على ما وصفت فيها ليجد آية محكمة مطابقة لما وجده في الاخبار واليه الاشارة بقولنا فيها : ثم لما انهم قالوا ان احاديثنا تعرض على كتاب الله فخذ ما وافق واترك ما خالف الى ان قلت فابذل جهدك وشمر عن ساق جدك وتضرع الى الله عز وجل ان يعرفك الآية المحكمة شاهد صدق للحديث حتى لا يقولوا ان الحديث المدعي متشابه او انه تلبيس فيكون في الاطمينان اشد وفي اليقين اثبت ولحجج المخالفين اقطع ولانكار المنكرين ادحض وثالثها النظر في العالم في الآفاق والانفس قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال تعالى ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون ولذا قلنا فيها : فاطلب واسع حتى تجد المثال والبيان الحالي على النهج الاكمال على المنوال الموجود في القرآن وفي احاديثهم عليهم السلام ليكون في الاطمينان اثبت وفي اليقين اعظم واشد ورابعها الدليل العقلي والبرهان القطعي على ما دل عليه الكتاب والسنة ووجدت مثاله في العالم ولذلك قلت فيها اي في الرسالة : فابذل جهدك واسع سعيك وتضرع الى الله عز وجل والائمة الهداة عليهم السلام ابوابه ووسايل فيضه ان يدلوك الى البرهان العقلي المطابق لما دلت عليه الآيات الالهية من التدوينية والتكوينية لتكون اثبت في الاطمينان واضبط واقوى في الايمان والايقان وتكون كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف وتكون على بينة من ربك وهداية في دينك ونور في برهانك وانشراح في صدرك وضياء في قلبك ه‍ فجعلنا المدار في كل مسئلة من المسائل العقلية تطابق هذه الوجوه الاربعة وعلمائنا رضوان الله عليهم اكتفوا بالعقل وحده اذا حصل اليقين والاعتقاد والحقية فما ظنك بالذي يجمع الكل اي العقل والشرع من الكتاب والسنة كل ذلك مع اليقين

ثم اردنا ان نبين ان الطبيعة سراقه والنفس مع من تميل اليه وقد قال الشاعر :

عاشر اخا ثقة تحظى بصحبته فالطبع مكتسب من كل مصحوب

كالريح آخذة مما تمر به نتنا من النتن او طيبا من الطيب

فاذا كانت النفس سالمة عن جميع العاهات والآفات تدرك الشيء على ما هو عليه وان كانت غير ذلك فلا واغلب امراض النفس مصاحبة اصحاب السوء والباطل لما ذكرنا من سرعة قبولها وانقيادها فنبهت على ذلك وقلت : واعرض عن مطالعة الكتب القوم سيما العامة العمياء وكل كتاب قد اخذ منها وانت خبير بان القوم في الغالب يراد به المخالف ضدا لصاحبه وعليه جرى اكثر اطلاقاتنا وعباراتنا وفي عرفنا الآن يقال ان هؤلاء ام اصحاب فح فالمراد بالامراض عن الاعراض هو الاعراض عن كتب المخالفين الذين اعرضوا عن ائمة الدين وشريعة خاتم النبيين عليه وآله صلوات الله ابد الآبدين من كتب الفلاسفة واليونييين فانهم قالوا الحكمة هي البحث عن المبدء والمعاد لا على نهج القانون الاسلام فهم لا يراعون نهج الاسلام ولا ما عليه اهل البيت عليهم السلام بل يقتصرون على عقولهم الناقصة ولا يزنونها بالميزان القويم والقسطاس المستقيم سواء طابق الاسلام او خالف وعلى هذا المذهب الفاسد بنيت كتب الجماعة من الفلاسفة واليونانيين والصوفية الملحدين وساير الملاحدة اعداء الدين لانها كتب الضلال وحكم النظر اليها معلوم في الفقه ولما انهم قالوا ان الكلام هو البحث عن احوال المبدء والمعاد على نهج قانون الاسلام واغلب الكتب الكلامية من العامة اردنا ان يتبين ان الكلام المرغوب فيه ليس ما عند العامة العمياء فانهم يلحدون في الاسماء بل لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون ولذا اكدت وقلت : ولا سيما العامة العمياء وكل كتاب قد اخذ منها لقوله تعالى ومن تبعني فانه مني

ثم اردت ان ابين ان في اصول الدين المدار على القطع واليقين دون الظن والتخمين والتقليد والمكلف لا بد ان ينظر في الآثار لتظهر له الانوار وتحصل له معرفة العزيز الجبار ومعرفة خلقه والحكم المستودعة فيه وذلك لا يحصل كماله الا بخلو الفكر والفهم عن المعارضات والمناقشات والاعتراضات فقلت اشارة الى هذا المعنى في هذا المعنى اي المطالب العقلية كما هي موضوع الرسالة : وكن كأن الله سبحانه ما خلق سواك وما سطر كتاب ولا ذكر جواب ولا جرى خطاب كل ذلك لا تلتفت اليه وان نظرت اليه لكن لا من جهة الاعتماد والوثوق فان التقليد في غير المسائل الفقهية لغير المجتهد لا يجوز فيجب عليه النظر بصافي فطرته وخالص طويته معرضا عن اقوال الرجال المشوبة بانواع المناقشات والجدال المبعدة للاذهان عن التوجه التام المورثة للاذهان من غير اطالة التفكر وحيث ان الله سبحانه هو الهادي الى معرفته وعلى الله قصد السبيل فمن جهد وطلب منه تعالى الهداية بتسديده وتأييده فوجب عليه تعالى في الحكمة ان يهديه الى ارشد السبيل ويعرفه المدلول والدليل واليه اشرت بقولي : اترى ان الله يهملك ولا يبعث لك من يعلمك اما ظاهر مشهور بالبيان الواضح الجلي المجلي لغياهب (ظ) الظلمات الكاشف لجميع الشبهات او غائبا مستورا بالتسديد والتأييد والدعاء بالهام الخير ونحو ذلك من الجهات المورثة للعلم واليقين وذلك معلوم من المذهب والدين ولما سبق الى بعض الاوهام ان الله الله سبحانه جعل كتب هؤلاء سببا لفهم الحقائق ودرك الدقائق وظهور المطالب الخفية والاسرار الدقيقة المطوية في كتب المأخوذة جلها بل كلها عن الفتوحات المكية لمميت ‌الدين ابن عربي وفصوص‌الحكم له والانسان الكامل لعبد الكريم الجيلاني وما في كتب غيرهما ككتب ابن ‌سينا وبهمنيار وامثالهما زعما منهم ان سر الحكمة هو الذي قد نطقوا بها وحقيقتها هي التي اودعوها في هذه الكتب وان من لم ‌يأخذ عنها وعن امثالها ولم‌ يطل النظر والفكر في دقايق معانيها ومبانيها لم‌ يبلغ كمال المعرفة ولم‌ تحصل له في معرفة الاسرار الغاية اردت ان ابين فساد هذه الواهمة وان الله سبحانه ما احوجنا اليهم فيها وقد اغنانا ببركة الانقطاع الى ائمتنا عليهم السلام عنها فقلت : ولا تقل ان الله تعالى جعل هذه الكتب والآلات اي الكتب المدونة في الحكمة والكلام وغيرهما من المطالب العقلية اسبابا ووصلة الى تحصيل العلوم لانا نقول قد ذكرنا سابقا ان الله سبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب ومعنى ذلك المنع اولا عن كونها سببا والمنع من انحصار السبب فيها ثانيا لان اسباب الامور كثيرة منها خفية ومنها جلية واذا اراد الله امرا هيأ اسبابه وان لم‌ تكن امورا ظاهرية وليس المراد سد باب الاسباب كيف وان الله سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا بالاسباب الا انه سبحانه وتعالى يسبب اسبابا اخر ينفذ حكمه تعالى بها وهو قوله تعالى ويرزقه من حيث لا يحتسب اي يرزقه بما لا يحتسب ان يكون ذلك سببا للرزق وهذا لا يذكره مؤمن موحد لان ذلك من فروع الدين والمذهب لان العلماء اجمعوا ان لا تقليد الا في المسائل الفرعية الشرعية لغير المجتهد فح فحصر حصول العلم واليقين في هذه الكتب الغير الخارجة عن معدن الحكمة والنبوة وجعلها سببا لتحصيل العقايد من افحش الاغلاط المنقطع الى الله تعالى والمتمسك بحبل ولاية اهل بيت النبوة لا يحتاج الى كتبهم ولا الى زبرهم وقد من الله على عبده كاتب الاحرف وله الحمد والشكر بذلك حيث ما احتجت الى الآن بعد دخول في هذا الباب الاعظم الى كتب الحكماء والمتكلمين ولا الى الفتوحات المكية والحتوفات الشامية بل وردت المورد الروي والمنهل الهني اخبار اهل العصمة والطهارة وكتاب الله وما اودع الله سبحانه في هذا العالم وما اودع الله سبحانه في من العقل السليم فما احتجت في العلوم العقلية الى هذه الكتب وقد علم اكثر من يعاشرني ويخالطني ان مصنفاتي ورسائلي واجوبة مسائلي في غير المسائل الفقهية كلها قد صدرت من غير مراجعة الى هذه الكتب الا لاجل الرد او الشاهد في بعض المواضع وهذا هو المعلوم من طريقتي وسيرتي

كل من يدعي بما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان

والله سبحانه هو المستعان

واما المسائل الفقهية والفروع الاجتهادية وقد علم ايضا كل من عاشرني وخالطني ولو يسيرا اني ما اقول فيها الا بعد المراجعة والنظر في كتب الاصحاب ومراجعة الادلة وملاحظة جهات المعارضات وامعان النظر فيها ثم القول بما من الله سبحانه وقاد الدليل الالهي الشرعي غير ملاحظة للجهات الباطنية والاسرار الغيبية بل راغبا فهم العرف من سائر الرعية ان لم‌ تكن في المقام حقيقة شرعية وبالجملة فلا نكتفي في الفقه بما اختلج في الخيال الا بعد التتبع التام والرجوع العام في كتب فقهائنا الامامية وما فهموا من الاخبار وجاسوا خلال تلك الديار وملاحظة التعادل والتراجيح وقد اوصاني شيخي العلامة اعلى الله مقامه وقال لي لا تعتمد على خبر الا بعد ملاحظة ما فهم الاصحاب منه والنظر في كلامهم وفهمهم ثم القول بما يظهر لك وهذه هي عادتي في الفقه وتلك عادتي في الاصول والعقايد وهذه الطريقة هي التي اجمعت عليه الامامية واتفقت عليه كلمة الشيعة وهي الحق الذي لا محيص عنه وماذا بعد الحق الا الضلال فاني تصرفون وهذا هو بيان مرادي في تلك الرسالة ومقصودي من تلك العبارة ان افتريته فعليّ اجرامي وانا بريء مما تجرمون

واما الجواب عن الكلام الوارد على تلك العبارة فنقول اما القول بان هذه العبارة مركبة من عبارة ملا محمد الاسترابادي واهل التصوف الذين قالوا بان التجرد يغني عن ملاحظة كتب العلم وعن تعاطي الاسباب كلها لان الله سبحانه سبب كل ذي سبب فاعلم اما ملا محمد الاسترابادي فلم ‌نعرفه ولم‌ نره مذكورا في تصنيف ولا تأليف وان كان المراد الملا محمد امين الاسترابادي فلو الذي فلق الحبة وبرئ النسمة وتفرد بالجبروت والعظمة اني لا رأيت شيئا من كتبه ولا من رسائله وسمعت ان له كتابا سمي بالفوايد المدنية رد على المجتهدين ولا رأيتها ولا اطلعت على ما فيها وهو كلامه في الفروع ونحن كلامنا في الاصول واين هذا من ذاك واما الصوفية فعداوتي معهم وبغضي لهم وتزييفي لكلامهم وابطالي لمرامهم اشهر من ان يسطر واعلى من ان يذكر قد ملأ الاصقاع وخرق الاسماع حتى في هذه الرسالة في باب المعاشرات قلت : والاموات هم الكفرة الفجرة الصوفية ام الاخباث واصل الارجاس واياك ومعاشرتهم وان لم‌ تمل اليهم فينجسوك فلا يكفي الغسل وحده بل لا بد لك معه من الغسل بماء التوبة والندم على معاشرتهم ومصاحبتهم والتضرع الى الله تعالى والغسل بضجر النفس بالاعمال وبالطاعات وذكرت في آخرها : ولا تلتفت الى هؤلاء الخداعين الكفرة الملحدين اعني الصوفية من تسويلهم للخلق بالرياضات الغير المشروعة ومرادهم ان يعبدوا من غير الله حيث اسسوا تصوير صورة المرشد الخبيث واستعذ بالله منهم ولو لم‌ اكن على اهبة السفر مع قلب مشوش لبينت لك من فضائحهم ومثالبهم ما يكون تذكرة لاولي الالباب ولكنك خذ الحق واعرض عن الباطل واحسن فان الله مع المحسنين وقد ملأت رسائلي وكتبي في الرد عليهم وابطال مقاصدهم وافساد عقائدهم والله على ما اقول وكيل فكيف اقرن بهم ويقاس كلامي بكلامهم ومعاذ الله ان يكون ذلك كذلك وهؤلاء حيث ارادوا صرف وجوه الناس عن اهل البيت عليهم السلام لتشييد قول الذي قال حسبنا كتاب الله فقالوا ان التجرد والانقطاع الى الله يغني في كشف الحقايق والعلوم عمي الائمة الاطهار عليهم السلام وزعموا ان العبد يمكنه الوصول الى الحق بدون متابعتهم ومشايعتهم كلا وحاشا بل كذبوا ولعنوا فان الحق منحصر فيهم والخير محصور لديهم اشهد ان الحق لكم ومعكم وفيكم ومنكم واليكم ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه فاين يطلب الحق والخير اذن طالبه والله سبحانه يقول وماذا بعد الحق الا الضلال ولا تتوهم اني اقول بجواز التقليد في المعارف الالهية وان كان منهم عليهم السلام بل المراد انك حصل الحق واقطع به بمطالعة اخبارهم ومزاولتها ووجدان قواعد الكلية منها كما يصنعون بقرائة كتب الحكماء والمتكلمين ومطالعتها ومزاولتها فانهم لا يرون التقليد والاخذ عن اصحاب الكتب من غير دليل ولكن المطالعة والقرائة والنظر انما هي لحصول القوة والملكة والاستعداد وحصول هذه القوة والملكة والاستعداد بمزاولة كتب اهل البيت عليهم السلام ومطالعتها اقوى واولى فان حصل القطع واليقين فقل به والا فلا واعانة الامام عليه السلام غير مفقودة وقد قال اميرالمؤمنين عليه السلام على ما في النهج اين يتاه بكم وفيكم عترة نبيكم اين تذهبون ورايات الحق منصوبة واعلام الهداية واضحة فيظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون والذي ذكرنا ضد مذهب الصوفية لا عين مذهبهم خذلهم الله

واما سد باب الاجتهاد والتقليد فلو كان الكلام في الفروع الفقهية والقصد الاعراض عن الكتب مطلقا يصح هذا القول الا ان بين المقامين ابعد ما بين المشرق والمغرب فان الاعراض المقصود هو الاعراض عن كتب القوم لا مطلق الكتب والقوم كما هو المعروف في استعمالات الكتاب والسنة المخالفون كقوم لوط وقوم صالح وقوم شعيب يحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون وقال الحسين عليه السلام كفر القوم قدما رغبوا عن ثواب الله الخ وهذا الاطلاق في الكتاب والسنة اعلى من ان يذكر واجلى من ان يسطر فاذا حصل الاعراض عن كتب المخالفين وزبر المعاندين فاي انسداد لباب الاجتهاد والتقليد ح فان استنباط الاحكام الفرعية لا يتوقف على النظر في كتب المخالفين سيما العامة العمياء فالمنكر للرجوع الى هذه الكتب لا يقال له انه منكر للاجتهاد وقطعا اجماعا من جميع الامامية وانما يتوقف على النظر في كتب اصحابنا الامامية وذلك ليس بمنكر مع ان هذا العموم ليس مقصودا في الرسالة فان المراد الاعراض في معرفة اصول الدين عن كتب المخالفين وهذا الاعراض اي دخل له في سد باب الاجتهاد والتقليد واي دلالة لقولنا اعرض عن كتب القوم المخالفين في معرفة اصول الدين على سد باب الاجتهاد والتقليد وبين المقامين بون بعيد نعم لو قطعنا النظر عن اطلاق القوم على المخالفين وقطعنا النظر عما وضع له هذه الرسالة لكان الكلام دلالة باعتبار العموم لشمول كتب القوم للاصول والفروع ولكن حمل العام على الخاص مما شاع وذاع حتى قالوا ما من عام الا وقد خص اماكانت هذه القاعدة الكلية ووضع الرسالة وذكر القوم الظاهر في المخالف وما هو المعلوم من طريقتنا والمعروف من سيرتنا العمل اما على الاجتهاد او التقليد وما ذكرنا في الرسائل المتعددة ان المكلف في زمان الغيبة بصفات (كذا) مجتهد ومقلد وانه لا يصح العمل الا باحدهما حتى انا نرد الشهود في الحكومات اذا لم ‌يكونوا مقلدين ولنا رسالة في جواب مسئلة من مسائل سئل عن الرجل اذا مضت عليه برهة من الزمان ولم‌ يقلد كيف حال عمله وعباداته وذكرنا فيها ان المكلف اذا سمع بالتقليد ولم ‌يقلد وماكان من اهل الاجتهاد يجب عليه اعادة جميع ما فعل من العبادات بدون التقليد الى آخر ما ذكرنا فيها مع تفاصيل احكام شريفة اما كانت الامور ونظايرها قرينة لحمل هذا العام على فرض عمومه على الخاص اي في مسائل اصول الدين حتى يقال ان هذه الرسالة ضلالة والقائل بمضمونها ضال ومضل وهلاقالوا ذلك في عبارة الصدوق (ره) في الفقيه في باب حيث قال ان الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وقال ان في الغلو انكار سهو النبي صلى الله عليه وآله مع ان عصمته واهل بيته صلى الله عليه وآله مما قام عليه اجماع الشيعة واتفاق الفرقة المحقة وقد شمل لعنة المفيد (ره) ومن تاخر (ظ) عنه الى زماننا هذا ومع ذلك ماقالوا انه كلام ضال مضل مع انه صرح بالامر فحملوا السهو على الاسهاء والنسيان على الانساء نظرا الى جلالة شانه ونبالة مكانه وهلاقالوا في السيد المرتضى حيث قال ان الله ليس الها للاعراض ولا للجوهر الفرد ليس ذلك اخراج لله عن الوهية في كافة الحوادث والموجودات وهكذا غيرهما من علمائنا الاعلام ولم ‌يكن صدور هذه الكلمات قدحا في مقامهم ولا نقصا في شانهم وقد ذكرنا في هذا المقام كلمات عجيبة لعلمائنا الاعلام في رسالتنا كشف فليرجع اليها

وقد ظهر لك مما بينا الجواب عن القول بان هذا دفع للحاجة الى الاخبار وانا لانحتاج الى الائمة عليهم السلام وكيف يكون دفعا للحاجة الى الاخبار وقد ذكرنا فيها وقلنا : انظر الى كتب الاخبار وما ابعد بين هذه النسبة الينا ونسبة الغلو ولكن الحق النمط للاوسط يرجع الينا الغالي ولا يسبقنا القالي ونقول انهم عليه السلام عبيد مربوبون مرزوقون لا يشاركون الله في حال من الاحوال ولم ‌يفوض الله الامر اليهم ولكنهم امناء الله وخلفائه فمن شذ عنهم في جميع الاحوال شذ الى النار ولانطول الكلام في هذا المقام فان طريقتنا في هذا الشأن معلوم وكتبنا من هذه المطالب مشحونة والله المستعان

واما القول باحتمال التخيير بين التقليد والتجرد فليس بصحيح بل نحن نوجب الاجتهاد او التقليد فان كان بالتجرد والرياضات حصل المسائل الفقهية عن ادلتها التفصيلية على ما هو المقرر والمحقق عند العلماء الاعلام من اصحابنا المجتهدين فلا بأس بذلك اجماعا وان كان بمحض التجرد لا بالقواعد المقررة من الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل فيما يمكن وذلك مخطي ان قال ببعض وانكر بعضا وضال مضل ان انكر الجميع من الكتاب والسنة وهذا هو الاعتقاد الذي تجب الديانة به وعليه انعقد ضميري وسري وعلانيتي فان كنت كاذبا فلعنة الله على الكاذبين وقد كتبت فيما سبق في سنة الحصار جوابا لسؤال بعض السادة الاجلاء احببت ايراد السؤال والجواب تأكيدا للبيان وايضاحا للتبيان ولئلا ينسب الى ما لا اعتقده وادين الله به وهو هذا :

قال السائل : سؤال - كيف قولكم في الادلة الاربعة الاصولية التي عليها مدار استنباط الاحكام الشرعية الفرعية من الكتاب والسنة وللاجماع ودليل العقل قد امرنا الرجوع اليها واستنباط الاحكام منها من امناء رب العالمين صلوات الله عليهم اجمعين وكيف طريقة استنباط الاحكام بالقواعد المعلومة المقررة عند الاصوليين المتداولة المشهورة بين الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين كالعلامة والمحققين والشهيدين والشيخين رضوان الله عليهم الى يوم الدين ومتأخر المتأخرين كالعلامة المجلسي (ره) والشيخ البهائي العاملي والآقا باقر البهبهاني والسيد مهدي الطباطبائي والميرزا ابو القاسم القمي وغيرهم من العلماء الاصوليين الفقهاء الكرام العالين العاملين اعلى الله درجاتهم في اعلى عليين هل هي طريقة الحقة المكلف بها من الغيبة المأمور بها في اوان الحيرة فمن بذل جهده واستفرغ وسعه وسلك مسلكها فاصاب الثواب وان اخطأ واصاب ومن تخلف عنها وسلك طريقة ورائها فقد هوى في مهوى هوائها ومابلغ الصواب ولا الثواب ام عندكم طريقة اخرى في استنباط الشرعية الفرعية غير هذه الطريقة السوية المستقيمة المتعارفة المتداولة بين العلماء العاملين والفقهاء الكاملين من الفرقة المحقة المحصة الامامية وهذا هي الطريقة الحقة المنقذة من الاقتحام في الهلكات المنجية من الورطات المهلكات الموصلة الى الدرجات العاليات الواصلة الى مراتب العلماء الممدوحين في الآيات والاخبار المتواترات وتلك الطريقة المتداولة مرجوحة متروكة مذمومة عندكم كما اشتهر بين اصحاب المقالات فالمأمول من جنابكم ان تبينوا ما هو الحق عندكم من الطريقة الاولى والاخرى ليرتفع عن قلبي تشكيك المشككين واتبع الهدى وقد خاب من افترى وعليه وزر الكذاب والافتراء ونكال الآخرة والاولى

الجواب - ومن الله تعالى الهام الصواب اقول وانا العبد الجاني كاظم قاسم الحسيني الرشتي ان هذه المسئلة قد اختلفت فيها آراء العلماء وتشتت فيها اقوال الفقهاء وتفاوتت في البلوغ اليها احلام العلماء العقلاء ولو اردنا بيان الاختلافات الواقعة وتعدد المذاهب والاقوال لطال بنا المقال ولا يسعني الآن ذلك لاختلال البال واغتشاش الاحوال وتراكم الاعراض المانعة عن استقامة الحال وقد اشبعنا الكلام في ذلك في كثير من الكتب والرسائل واجوبة المسائل ونذكر في هذا المقام ما هو صريح الاعتقاد مجردا عن البيان والاستدلال

فاقول واثقا بالله الملك المتعال ان الذي اعطاني النظر بعد ان اعطيته حقه واتيت البيت من بابه مستعينا بالله ومتوجها الى جنابه ان الطريقة المثلي من تلك الطرائق والحقيقة الوسطى من هذه الحقايق ما عليه محققوا علمائنا الاصوليين ومدققوا فقهائنا المجتهدين من المتقدمين والمتأخرين ومتأخر المتأخرين ممن سميتهم ولم‌ تسمهم من اكابر العلماء الاجلاء وافاضل الفقهاء النبلاء من هذه الفرقة المحقة قدس الله ارواحهم القدسية وطيب الله انفاسهم الزكية من دوران استنباط الاحكام الالهية الفقهية على هذه الادلة الاربعة اي الكتاب والسنة واجماع الفرقة المحقة والعقل المستنير المتخلص عن الشك والشبهة وحصول القطع المنزه عن وصمة الظن والريبة وما يؤل الى هذه الاربعة من التفريعات الحقيقية اما الكتاب فالحجة منه المحكمات دون المتشابهات الا بعد البيان ونصب القرائن وتوضيح الحال من الائمة السادات سلام الله عليهم والمحكمات اعم من النصوص والظواهر واما السنة فالحجة منها المتواترات والآحاد الصحاح والمحفوفة بالقرائن القطعية او الظنية وما ليس له معارض اصلا فان كان اقوى يطرح الاضعف وان تساويا تطلب المرجحات الموجودة المفصلة في كتب علمائنا الاصوليين المأخوذة عن ائمتنا المعصومين سلام الله عليهم اجمعين وعند فقد المرجحات التخيير مع التجري على الاصح بعد الارجاء ان امكن واما الاجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام فالحجة منه سبعة اقسام الضروريات والاجماع المركب والاجماع المحقق العام والمحصل الخاص والمنقول بشرط العلم بالمنقول عنه والسكوتي على الاصح بشرط عدمه المخالف وعدم المعارض واما دليل العقل فهو حجة عند الاتفاق واذا اختلفت العقول فالمناط القطع الثابت الجازم المطابق للواقع وان كان ثانويا وما يؤل الى هذه الاربعة من الشهرة فانها حجة عند فقد المعارض الاقوى والاستصحاب واصالة البرائة واصالة الاباحة وما يتعلق باحكام اللغات والدلالات من المنطوق والمفهوم ودلالة الاقتضاء والتنبيه والاشارة وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ومباحث الاشتقاقات واحكام الدلالات وكيفية تصاريفها في مجرى اللغات ومعرفة العرف الخاص والعرف العام وتمييز عرف الشرع عن غيره وتقديمه على غيره والا فالعرف العام والا فاللغة وان تختلف والا فالتماس البيان من اهل المعاني والبيان عليهم سلام الله الملك المنان وامثال ما ذكرنا مما هو مفصل في كتب علمائنا رضوان الله عليهم فانه هو الحق الذي يجب الرجوع اليه عند حرمان ملاقات الامام عليه السلام ومشاهدته وادراك فيض حضوره وقد استمرت على ذلك طريقة جميع اهل الملل والاديان بل طريقة جميع اهل العقول والافهام عند العمل وان اختلفوا في القول ولذا قال العلامة الماهر الآغا باقر البهبهاني قدس الله نفسه ان الاخباريين مجتهدون من حيث لا يشعرون وبالجملة فهذه الطريقة هي الطريقة التي عليها عملي واعتقادي واخذتها من مشايخي لا سيما شيخي وسندي ومعتمدي خاتم المجتهدين الشيخ احمد بن زين‌ الدين اعلى الله مقامه فاني اخذت منه رحمه الله في هذا العلم وفي غيره من العلوم حظا وافرا ونصيبا متكاثرا وما عهدته في استنباط الاحكام الفقهية الا ما عليه فقهائنا المجتهدون وعلمائنا الاصوليون وكان شديد الطعن على مخالفي هذه الطريقة كما ذكره في عدة من الرسائل واجوبة المسائل مثل اجوبة مسائل الشيخ حسين بن جعفر البحراني مما سئلوه ابوه في الرؤيا ورسالة مستقلة في الاجماع ورسالة مستقلة في المبادي اللغوية وشرحه على تبصرة العلامة وغيرها من الكتب والرسائل التي يطول بذكرها الكلام فمن نسب غير ذلك اليه فقد كذب وافترى وضل وغوى واتى بما يكرهه الله ورسوله وائمة الهدى عليهم السلام ووزره عليه يوم الجزاء انتهى

وقد اوضحت ما هو صريح الحق من المراد من العبارة (ظ) التي وقع الكلام عليها في تلك الرسالة وهو الذي عليه اعتقادي وانعقد عليه ضميري ان افتريته فعليّ اجرامي وانا بريء مما تجرمون فان اصر مصر بعد هذا البيان على المخالفة فالمحاكمة بيننا وبينه بين يدي الله يوم الفصل القضاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

المصادر
المحتوى