
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الفاني الجاني كاظم ابن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب الاكرم الاقدم المهتدي الآخوند الملا مهدي هداه الله امر الدارين وحباه بما تقر به العين قد سئلني عن بعض المسائل وانا في غاية الاشتغال وبلبال البال وتعارض الاحوال ولا يمكنني مع ذلك الا اسعاف مطلوبه وانجاح مأموله على حسب المقدور اذ لا يسقط الميسور بالمعسور فجعلت كلامه سلمه الله متنا وجوابي كالشرح ليطابق كل جواب بسئواله كما هو عادتي في اجوبة المسائل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال سلمه الله تعالى : الحمد لله رب العالمين وصلى الله على اشرف الانبياء والمرسلين وافضل الاولياء والوصيين محمد وعلى وآلهما الطيبين الطاهرين اما بعد فقد سنح بخاطري الفاتر ان اسئل عن بعض المجهولات التي اوجبت علي سؤالها واستدعي من جنابكم تبيين اسرارها المقدور ابرازه بقدر فهمي واستعدادي ولا تكتم عني بعض الخبايا فاحسن الى احسن الله اليك جعلنا الله معكم في الدنيا والآخرة وزاد الله في عمركم وكثر في الدنيا امثالكم
مسئلة - لم كان بعض الامزجة سوداويا وبعضها بلغميا وبعضها دمويا وبعضها صفراويا ولم خص الله سبحانه بعض الانسان ببعضها فان قيل بقابليته نقول انها مخلوقة بالعرض لانه شيء واللٰه خالق كل شيء ولم كانت المحبة في السوداوي اشد واكثر بالنسبة الى غيره وكذا غيره بالنسبة اليه وغيره وهكذا
اقول اعلم ان الله سبحانه اجرى عادته ان يجيب المضطرين السائلين الواقفين ببابه اللائذين بجنابه في عالم الجواز والامكان ورتبة الاعيان الثابتة في العلم الحادث على مقتضى مسئولهم ووفق مقترحهم ومأمولهم بعد ان جعلهم سائلين ولعطاياه ومزاياه آملين اللهم اني ادعوك كما امرتني فرخصهم في السئوال وبسط لهم من جوده وكرمه عظايم النوال على حسب شهوتهم في السئوال ولو اراد ان يجبرهم ويأخذ عنهم ما منحهم اياه او لم يعطهم اولا او يعاملهم على مقتضى فعله لا مقتضى طلبهم وسئوالهم لفعل انه على كل شيء قدير ولو شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك فاقتضت هذه الحكمة ان يجري الاشياء بالاسباب وجعل لهذه الاسباب مبادي وعلل تنشاء عنها ويجري عليها الحكم بها وتلك المبادي الكلية هي الافلاك والعناصر في ( في كل خل ) عالم من العوالم الغيبية والشهودية فخلق في العالم الجسماني العرش وهو بلسان الظاهر فلك الاطلس وفلك المحدد وفلك الافلاك وهو مطرح الفيوضات والامدادات الالهية الواردة النازلة على القوابل الارضية والفلكية لكنه على الوجه الكلي وجعل الله سبحانه عنده جميع الطبايع والقوي الفعالة في العالم الجسماني وهو المحيط بكل الاجسام احاطة ظاهرية وباطنية لحكم التدبير وجريان التقدير ثم خلق بعده الكرسي الذي وسع السموات والارض وهو بلسان الظاهر فلك الثوابت وفلك البروج والمنازل وجعله سبحانه بلطيف صنعه بابا للعرش وتفصيلا للمجملات المستجنة المفاضة على العرش فظهرت فيه العلل والقوي الفعالة التي هي الكواكب وامتازت فيه الطبايع وجواهر العناصر وظهرت على منطقتها التي هي محاذي مركزه التي ليس اوسع منها مقام في الفلك على السطح الظاهر منه البروج وقسمت على اثني عشر لتمام ظهور الاركان الاثني عشر للاسم الاعظم وعلى ثمانية وعشرين لظهور يداه المبسوطتان اللتان ينفق بهما كيف يشاء ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون فترتب الطبايع الاربع على البروج والمنازل على طور محكم متقن يطول بذكره الكلام وهذه هي العلل والمبادي في الكون الجسمي وكل هذه كليات ثم لما كان تمكين القابلية للاستفاضة من تمام ظهور اثر العلة خلق الافلاك السبعة لتنضج بها بنية القوابل الجسمانية وتتمكن وتستأهل لتلقي الفيوضات والواردات العرشية والكرسية فجعل فلك الشمس مربيا للمواد الجسمية بما فيها من طبايع الاركان الاربعة للعرش من النور الاحمر والنور الاخضر والنور الاصفر والنور الابيض ومن ظهورها بالحرارة واليبوسة اللتين ( اللتان خل ) هما طبيعة الفاعل كما ذكرنا في كثير من مباحثاتنا واجوبة المسائل والمنسوب الى الفاعل ليس الا المادة فكانت الشمس هي المدبرة للمواد وهي مرادنا بالوجود الثاني اذا قلنا ان الشمس تدبر الوجود الثاني وجعل فلك القمر مربيا للصور الجسمية لكونه الظاهر بالبرودة والرطوبة اللتين ( اللتان خل ) هما طبيعة القابل ولذا كانت المياه منسوبة اليه وجعل فلك العطارد مربيا للقوى الفكرية ظاهره في ظاهره وباطنه في باطنه وهو الظاهر بالبرودة واليبوسة والباطن بالحرارة والرطوبة وجعل فلك الزهرة مربيا للقوى الخيالية ظاهره لظاهرها وباطنه لباطنها الظاهر بالحرارة والرطوبة والباطن بالبرودة واليبوسة وجعل فلك المريخ مربيا للقوى الوهمية ظاهره لظاهرها وباطنه لباطنها الظاهر بالحرارة واليبوسة والباطن بالبرودة والرطوبة وجعل فلك المشتري مربيا للقوى العلمية ظاهره لظاهرها وباطنه لباطنها الظاهر بالبرودة والرطوبة والباطن بالحرارة والرطوبة وجعل فلك زحل مربيا للقوى العقلية ظاهره لظاهرها وباطنه لباطنها الظاهر بالبرودة واليبوسة والباطن بالحرارة والرطوبة ثم قدر سبحانه لكل فلك حركة خاصة من سرعة وبطؤ واوج وحضيض واقتران واتصال وانفصال ليقدر بها اقوات الارض ومزاج الخلق الجسمي ثم جعل فلك الاطلس صاحب التسخير فسخر هذه الافلاك باذن الله يحركها في كل يوم وليلة لتتم المحاذاة لاجزاء الارض ويتكرر عليه وقوع اشعة الكواكب ليحصل النضج التام اذ بدوام الحالة الواحدة كان مايحصل النضج اما تحترق القوابل الارضية لو كان ابدا نهارا وصار لا تنبت شيئا ان كان ابدا ليلا وكذا لو كان مدة طويلة كما نشاهد الآن وهو قوله تعالى قل ان جعل عليكم النهار سرمدا الى يوم القيمة من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون قل ان كان جعل عليكم الليل سرمدا الى يوم القيمة من اله غير الله يأتيكم بضياء افلا تعقلون وجعل سبحانه الافلاك الاخر صاحب التقدير يقدرون اقوات الارض بحركاتها الخاصة والا لم يختلف الاشياء ولم يستنطق مستجنات البواطن من انواع المعادن والنبات والحيوان فبهما تمت الاسباب وظهرت العلل مشروحة مبينة ثم ان الله سبحانه جعل الارض تستمد ( يستمد خل ) من السماء بمقابلتها اياها ومحاذاتها لها فبقدر المقابلة وصفائها تتلقى الفيض من خالق السموات وبارئ المسموكات والمقابلة والمحاذاة في كل الاحوال ثابتة الا ان انحاء المقابلات مختلفة وبها اختلفت المتولدات اذ بالمحاذات تقع اشعة الكواكب عليها وتستجن فيها ثم بالرطوبات المائية الحاصلة من الحركات القمرية والادخنة والابخرة المستجنة في ذلك الجزء من الارض يتهيج ذلك الجزء بالحرارة المستجنة فيه باعانة كر الافلاك واشعة الشمس فالحرارة يهيجه والرطوبة تنضجه والبرودة تجمده واليبوسة تمسكه فيصير شيئا واحدا مركبا تقتضي خاصية وحكما ثم ان كانت الحرارة فيه غالبة بان كان ذلك الجزء انما حاذي الشمس مثلا حال كونها في برج حمل ( الحمل خل ) ومقترنة بالمريخ ولم يكن هنا مانع آخر من قران آخر منافي او قرب ذلك الجزء من الماء الكثير او صب الاشياء الباردة فيه او غير ذلك من الموانع تغلب الحرارة في ذلك المركب ويكون من العقار الحار ففي اول التركيب جماد غير ناضج ثم ان بقي على هذه الحالة من عدم وصول المانع وكرت ( كرر خل ) عليه اشعة الكواكب والافلاك يزداد نضجه وتقوي بنيته ويكثر صفائه الى ان تظهر فيه اللطيفة الغيبية الاولية وهي النفس النباتية وهنا ترقي المركب الى مرتبة اصفى حسب ما كان مستجنا فيه من المرتبة العليا من مراتب المثل الاعلى ثم ان هذا الشيء لا يبلغ رتبة الانسانية او الحيوانية الا اذا بلغ كمال التصفية والتنقية ويشبه اوايل جواهر العلل وهو لا يكون الا باسباب وشرايط ومعاون ومقوي فاذا اراد الله ذلك جعله غذاء للحيوان من البهايم او الانسان حتى بالمجاورة واشتداد الحرارة الكونية الوجودية والحرارة الغريزية البدنية والتعفينات الكيلوسية والكيموسية والعروقية تصفي الغرايب عنه وتظهر فيه الروح القديمة واذا اراد الله ان يربيه من غير تغذية الحيوان فعل كما فعل في خلق ابينا آدم عليه السلم وامنا حوا عليها السلم وقد يكون في بعض الاماكن تجتمع فيه الشرايط فيحصل الحيوان من غير العادة المستمرة كما كان في جزيرة الواقواق بنات تحملهن الاشجار لكنهن غير ناضجات وغير تامة في الاعتدال الطبيعي ولذا لا يبقين اذا قطعن من الشجرة وبالجملة فالنضج التام والاعتدال الذي يحصل به القوام لا يكون الا عند اغتذاء الحيوان او الانسان فاذا اغتذى به الانسان مثلا فان كان ذلك الشيء هو الغالب عليه الحرارة واتفق ان الرجل المغتذي به تغلب في طبيعته الحرارة او يضم معه في الاكل اغذية حارة اخرى فان الحرارة فيه تشتد سيما بعد ما تصفى من ثفل الكيلوس والكيموس وتصفى في العروق اذ هناك تقوى الحرارة لزيادة النضج واللطافة وتحملها الرطوبة المعتدلة او اليبوسة على اختلاف الاقتضاءات فاذا كملت التصفية وبلغ مقام النطفة انتقل بداعي الشهوة الى رحم المرأة وامتزج بمنيها فاذا لم تكن في طبيعة المرأة من البرودة والرطوبة الطبيعية او الفضلية ما تعارض حرارة مني الرجل وتضعفها وتقللها يبقى على حاله فان غلبت على المرأة الحرارة على حسب مقامها في الذاتية او الفضلية او اغتذت في تلك الاوقات بالاغذية الحارة يؤثر في المنيين سيما اذا اتت الحمى لمعاونة الحرارة الغريزية لتعفين النطفتين وعقدهما بعد حلهما فتؤثر الحرارة فيها اي النطفة المنعقدة وكذا اذا كانت في بلد تغلب عليه الحرارة كعراق العرب بالنسبة الى عراق العجم والنجد والحجاز وامثالها من البلدان فاذا اعتدلت اغذية المرأة واكلت الاغذية اللطيفة المقوية والمعتدلة واجتنبت عن اكل الاغذية الكثيفة والغليظة والاشياء الغير المعتدلة من المآكل والمشارب والادوية المقوية مع الحرارة المعتدلة فان تلك الاغذية تلطف الطفل الجنين وتعتدل ( تعدل خل ) خلقته بامر الله سبحانه وتحسن صورته وتجود تركيبه وتكمل فطنته وادراكه سيما اذا كانت التربة التي يموثها الملك بين النطفتين اكثر من نصف نطفة الرجل الى ان يتولد الطفل ويتربى باغذية حارة واتفق ان تكون اكثر غذاءه من غير مانع من جهة الهواء والمكان وغيرهما فان هذه الامور المذكورة وامثالها من الاسباب الالهية الجارية على الكينونات البشرية الحاملة لتأثير جريان المشية الحتمية تكون علة لغلبة المرة الصفراء التي هي القوة الجاذبة في الانسان وآية الكرة الاثيرية ومهب ريح الدبور ومحل نظر جبرائيل وانما كانت الصفراء مع ان الطبيعة تقتضي بحكم الله سبحانه ان تكون حمراء لان الحمرة اذا اختلطت مع الرطوبة تحدث عنها الصفرة ولذا ترى نور الشمس اصفر وشعلة السراج والنار صفراء وعلى هذا القياس ايضا علة غلبة الدم الا ان العلة في ذلك استيلاء الحرارة والرطوبة في المراتب التي ذكرنا وكذلك حكم غلبة البلغم الا ان العلة في ذلك استيلاء البرودة والرطوبة وكذا السوداء الحاصلة من غلبة البرودة واليبوسة وتفصيل القول في هذه الامور يؤدي الى التطويل وهو لا يمكن الآن وهذه الجملة هي ( هو خل ) السر في صفراوية بعض الامزجة وسوداوية الاخرى وذلك حسب زيادة مقابلة الكينونة البشرية الجسدية بطبيعة من الطبايع العلوية الفلكية بلا حجاب وواسطة كمقابلة جزء الارض باشعة الكواكب عند مقارنة الكواكب النارية مع البروج والمنازل النارية او الكواكب المائية والهوائية والترابية مع البروج والمنازل كذلك او بواسطة مكتسبة من غذاء الاب وطبيعته والام وطبيعتها والهواء والماء والمكان وامثال ذلك من الامور وقد يكون الشخص الواحد يتقلب عليه الطبايع ففي وقت تغلب عليه الصفراء اذا غلبت عليه الحرارة واليبوسة اما بالاغذية والمآكل او بالحركة الشديدة او العطش الشديد وامثال ذلك وفي وقت آخر ينعكس الامر بتكثير الاغذية الباردة والرطبة وهكذا غيرهما حرفا بحرف واما سر اختصاص البعض ببعضها دون بعض فهو ما قلنا لك ان الله سبحانه اجرى عادته بفضله ان يجري الاشياء على الاسباب والاقتضاءات فخلق الافلاك وجعلها مدبرة بامره وتقديره للسفليات وخلق الارض وجعلها قابلة على العموم فكل جزء من الارض اذا حاذي جزء من الفلك بدورانه اجرى عليه تلك الاحكام باعتبار تلك المقابلة والله سبحانه انما جعل الارض قابلا على جهة العموم واما هذه الخصوصيات فمن جهة خصوصيات المقابلة الجزئية فيجري الله سبحانه عليه الحكم حسب تلك المقابلة الخاصة حكمها وآثارها من الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة وتلك الخصوصيات انما هي من جهة المشخصات التي هي الزمان والمكان والكم والكيف والجهة والرتبة والوضع وامثالها وهذه الامور انما تتحقق مساوقة لوقوع اشعة الكواكب على الارض ولا نعني بالقابلية وحدودها الا هذه الامور وهي قبل وقوع اشعة الكواكب التي هي جهة الفاعل والاثر الحاصل من تأثير العلة لم تكن شيئا فحين ما وقعت الاشعة وقعت مساوقة بهذه ( لهذه خل ) الامور الستة او السبعة او الثمانية فجرى عليها مقتضاها باجراء الله سبحانه وهذا معنى اقتضاء القابلية واما قولكم ان القابلية مخلوقة لله سبحانه بالعرض فهو يبطل الجبر ويرفع الاشكال فان المقصود بالعرض فرع وتابع للمقصود بالذات فهو انما اتي به للغير فلو لا الغير لم يؤت به وهذا دليل على ان الجاعل والفاعل لم يرد هذه الاختلافات والكثرات اولا وبالذات وانما ارادها بالعرض لاقتضاء نفس المادة والاثر الذي هي جهة الفاعل فذلك المقصود بالعرض ناظر الى نفس المقصود بالذات من حيث هو لا من حيث مبدئه والا لم يكن بالعرض بل كان بالذات فمن حيث نظره الى نفسه المجتثة انقطعت عن مبدئها ( مبدئه خل ) الذي هو جهة الوحدة والايتلاف وعدم الاختلاف فتحققت الكثرة والاختلاف فاقتضى بزمانه ومكانه ووضعه واقترانه بالآخر وكمه وكيفه حكما من الاحكام واقتضاء من الاقتضاءات فلزمه ذلك الحكم ما دام تلك الصورة باقية فاذا تغيرت اما الى الانسانية او الشيطانية لزمها حكمها بكسر جديد وصوغ مثله فلا يزال هذا الكسر وهذا الصوغ الى ان يختم له اللهم اختم لنا بخير وهو قوله عز وجل ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم وقوله عز وجل افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فالمواد من حيث نفسها لا حكم لها الا الصلوح فلما اقترنت بالقابلية التي هي الصور حصل الاقتضاء والاثار على مقتضى تلك الصورة التي هي القابلية وهذه الصورة هي الزمان المعين والمكان المعين والجهة المعينة والوضع المعين والرتبة المعينة وهذه الامور تقتضي الكيف المعين والكم المعين وباقتران المادة بها يحدث حكم معين وهو اما الاقبال او الادبار او الصفراء والدم او البلغم والسوداء بعد ما كان في الاول متساوي النسبة في الامرين فافهم فانه دقيق واما قولكم ولم كان المحبة في السوداوي اكثر الخ قد ظهر جوابه مما قررنا من ان المحبة هذه هي محبة الحتم التي هي مشية الحتم التي هي عبارة عن عدم الجبر والظلم واجراء الاشياء على مقتضي اسبابها وعللها وشرايطها واوضاعها وقراناتها وامكنتها وازمنتها وغير ذلك من الامور التي هي من متممات القابلية
قال سلمه الله تعالى : مسئلة - ما المراد بان الفؤاد هو وجه الانسان من جهة ربه وليس للرب جهة لا عقلا ولا وهما ولا غيرهما وعلى ما يفهم انه قديم بمعنى انه كان مع بقاء الرب ازلا وابدا ويؤيده الآية الشريفة كل شيء هالك الا وجهه حيث قال هالك ولم يقل سيهلك
اقول الكلام في هذا المقام يطول بالبيان لانه ميدان لا يجول فيه الا اهل المعاني والبيان الا انا نشير اليه اشارة اختصارا اقتصارا واعتمادا على فهمه الشريف فنقول اعلم ان الشيء اذا وجد انوجد وحقيقة الشيء انما تحققت بهذين فلولا وجد لم يكن ولولا انوجد لم يكن وجد فهما متساوقان والضمير الفاعل في وجد يرجع الى الله سبحانه والضمير في انوجد يرجع الى الشيء نفسه فهو مجمع الامرين وملتقى البحرين اذ من حيث وجد جمع ضمير الفاعل ومن حيث انوجد جمع ضمير فاعلية نفسه وبهما تحقق وذاته عبارة عنهما قال الله تعالى خطابا لآدم على ما في الكافي يا آدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي واذا ثبت هذا فاعلم ان هذا الروح والضمير الفاعل الذي قلنا مستتر في وجد لا يجوز ان يكون هو الذات القديمة لاقترانه بانوجد والمقترنان حادثان للارتباط المقتضي للتركيب المقتضي للتجزية المقتضية للانفعال المقتضي للحدوث وهو قول امير المؤمنين عليه السلم وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل الممتنع عن الحدث فيجب ان يكون ذلك الضمير ظهور فعله في ذات مفعوله ولما كان الفعل هو الذي قام به كل مخلوق ومفعول مما وجد ومما سيوجد لم يجز ان يكون ذلك الظهور الجزئي في فرد من افراد الموجودات والمخلوقات هو عين الفعل الكلي فيكون ذلك الظهور الالهي الذي تقوم به ذلك المخلوق وجه من وجوه الفعل الكلي الذي هو المشية الكلية ولما كان ذلك الوجه اي ذلك التعلق والتوجه والالتفات في ذلك الشيء انما هو بذلك الشيء حين ايجاده كان ذلك الشيء حاملا لذلك الظهور وحاكيا لذلك النور ولما كان الشيء مركبا من الجهتين جهة ايجاد وجهة انوجاد ونعبر عن جهة الايجاد بالوجود وعن جهة الانوجاد التي هي جهة نفسه وانيته بالماهية وكان جهة الوجود هو متعلق الايجاد الذي هو وجه خاص للمشية الكلية كان لا يحكي ولا يظهر فيه الا ذلك الوجه فالوجود في الشيء هو المسمى عندنا بالفؤاد وهو بمنزلة الحديدة المحماة بالنار فان النار الظاهرة في الحديدة ليست هي عين النار الموجدة المؤثرة فيها هذا التأثير بالضرورة لظهور تلك النار في حديدة اخرى وغيرها غيرها لكن هذه النار الظاهرة التي هي اثر تأثير النار الاصلية الحقيقية مثال لها وآية ودليل لمعرفتها ووجه به يتوجه العارفون اليها اي الى النار الاصلية من عرفها اي الظاهرة في الحديدة فقد عرفها اي النار الاصلية لا فرق بينها وبينها في التعريف والتعرف والمعرفة الا انها عبدها وخلقها فتقها ورتقها بيدها بدؤها منها وعودها اليها فالفؤاد بمنزلة الحديدة المحماة ليس الا ظهور الله له به بفعله فحقيقة ذات الشيء مع قطع النظر عن حيثية نفسه من احكام الاضافات والقرانات والتمييزات مما يدركه العقل والخيال والحس المشترك والحس الظاهر هو وجه الله اي آية معرفته ودليل تفريده وتوحيده وبيان تنزهه عن مجانسة المخلوقين وعن ان ينتهي اليه الادراك وهناك يظهر سر سبحان ربك رب العزة عما يصفون وهذا الوجه ظهور للغير فظاهرية الغير التي هي فاعليته وليس في حقيقته الا ذكر الغير لكنه ما تنتهي الى ذلك الغير بل ينتهي الى نفسه ويحوم حول مركزه وهو يريد الصعود الى العلو فيقع في رتبة ذاته قال الشاعر :
قد طاشت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
وهو قول امير المؤمنين عليه السلم انتهى المخلوق الى مثله والجاه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود فالمراد بالوجه الذي هو الفؤاد وهو دليل المعرفة الالهية على قدر الطاقة الامكانية بنسبة مقامه وليس هذا هو ذات الله تعالى ولا يشار به اليها حاشا وكلا تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا وانما هو جهة الظهور ومقام النور على الطور ومرادنا بجهة الرب هو آية معرفته ودليل توحيده وهذه الجهة التي هي الآية ليست عقلية ولا وهمية ولا فرضية ولا اعتبارية ولا حقيقية ولا مجازية ولا كلية ولا جزئية ولا ذاتية ولا عرضية ولا جنسية ولا فصلية ولا مجردة ولا مادية ولا فلكية ولا عنصرية ولا غيرها من الاحوال الخلقية والمقامات الامكانية بل هي عين الهية منحك اياها بفضله وكرمه لتشاهد ظهوراته وصفاته اللايقة له بتلك العين وهي عين حادثة كالصورة في المرآة فانها دليل معرفة المقابل وآية تجلي ظهوره لا ذاته فان ذاته لا ترى ولا تدرك بالابصار والظهور الذي ظهر منه في المرآة هو عين المرآة اي الصورة فان مرادنا بالمرآة حيث ما نطلق نريد به الصورة وهذه الصورة تحكي المقابل مع انها حادثة به الا انك حين مشاهدتك المقابل فيها لا تلتفت الى الجهة الفعلية ورتبة المغايرة فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم فان هذا هو المقام الذي ضل من ضل واهتدى من سبقت له من الله العناية وهو ( هي خل ) بحر عميق قد غرقت فيه سفن كثيرة ولا حول ولا قوة الا بالله واما قولكم وعلى ما يفهم انه قديم فاعلم انه آية القديم سبحانه ودليله ومقام توحيده في الحدوث وهو مساوق للخلق بل هو عين الخلق ونفسهم من جهة ربهم قال امير المؤمنين عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه وقال عليه السلم وهو الصادق صلوات الله عليه اعرفوا الله بالله وان الله اجل ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به وقال امير المؤمنين عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وفي الزيارة من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم موالي لا احصي ثنائكم وقالوا عليهم السلم نحن وجه الله للخلق وهم الذين لا يهلكون لقولهم عليهم السلم نحن السائلون ونحن المجيبون وهذا الوجه الذي عندنا ونسميه فؤادا انما هو وحي الهي وخطاب شفاهي خاطبنا الله اياه بهم عليهم السلم والتابع من حيث هو تابع يلحقه حكم المتبوع كما في قولك جائني زيد القائم فان القائم مرفوع بجاءني الا انه بتبعية زيد فافهم ضرب المثل يقول الشاعر :
ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين
يقولون خبرنا وانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين
فلولا خوفي من اشباه الناس لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان وبينت امورا عجيبة غريبة الا ان للحيطان اذانا والله المستعان واما القديم الازلي الابدي فهو الواجب الحق سبحانه وتعالى وما سواه كائنا ما كان وبالغا ما بلغ كله حادث مخلوق مربوب واما في قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه فالعدول عن اتيان السين الاستقبالية يدل على هلاك ما سوى الوجه في كل حال وآن وزمان بخلاف الوجه فانه دليل الحق وآيته وهو الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها فهو متمسك بحبل الله لا انفصام لها ظاهرا وباطنا سرا وعلانية وهذا الوجه عند ظهوره في مقام الاسماء والصفات هو السلطان والملك اي التملك والقدرة في دعاء علي بن الحسين عليهما السلم في الصحيفة عز سلطانك عزا لا حد له باولية ولا منتهى له بآخرية واستعلى ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين فاثبت ان هذا السلطان لا يوصف باولية ولا آخرية مع ان السلطان هو الولاية التي لله الحق سبحانه واما الوجه الباقي الذي هو اعلى منه درجة واسنى منه مرتبة الذي هو آية الحق سبحانه كيف يوصف بالاولية والآخرية والبداية والنهاية والحركة والسكون والا لعرفت الله بالاولية والآخرية اذ من عرف نفسه فقد عرف ربه فمعرفة الوجه عين معرفة الحق لا عين الحق وازال هذه الشبهة مولينا الحجة المنتظر عجل الله فرجه في دعاء شهر رجب ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت فاذا كانت معرفة الوجه عين معرفة الحق الظاهرة للخلق فلا يوصف بحد التمييز لان معرفة الله الظاهرة لا توصف بالتمييز بالاولية والآخرية فان التمييز بالحدود وهي تستلزم الانفعال وقد اشار الى ذلك مولينا علي بن الحسين عليهما السلم في دعاء الحريق واشهد ان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعة السفلى باطل مضمحل ما عدا وجهك الكريم فانه اعز واجل من ان يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي العقول كنه عظمته مع انا قد قلنا ان الوجه اعلى مقامات الشيء فالعقول وما تحته كلها قاصرة عن ادراكه فاذا نفيت ادراك العقول فانف عنه كلما يدرك بالعقول واعلى الحدود واول التمييز في العقول وليس فوقها حد ولا تمييز ( تميز خل ) فاعرفه بان لا حد له ولا تمييز ( تميز خل ) وهو مثال معرفة الحق للخلق وهو شهادة الملائكة واولوا العلم في قوله عز وجل شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم فافهم السر الحق والكبريت الاحمر فان فهمته فانت اعز من الكبريت الاحمر والحمد لله رب العالمين
قال سلمه الله تعالى : مسئلة - قول جنابكم ان الله تعالى خلق بفعله وفعله حادث ما معنى الحادث هل المراد بالحدوث انه تعالى كان ولم يكن فعله فيلزم التعطيل وان كان المراد به ان بقاء الفعل به تعالى كحركة اليد والمفتاح فيلزم الاضطرار في خلق فعله تعالى عن ذلك علوا كبيرا
اقول هذه المسئلة بعينها قد كتبتها في كتابي اللوامع الحسينية عليه السلم وبينت جميع شقوقها الا اني اشير في هذا المقام اشارة لما في قلبي من الاغتشاش بدواعي الاعراض والامراض اعلم انهم قالوا ان الحدوث هو الوجود بعد العدم والحادث هو المسبوق بالعدم ونحن نقول هذا العدم الذي قد سبق الوجود اي شيء هل هو شيء او ليس بشيء فان كان الثاني فلا يوصف بالسبق لانه امر وجودي لا يعرض العدم الصرف فعلى مقتضى هذا يجب عليهم ان يقولوا ان الحادث ليس مسبوقا بشيء لا انه مسبوقا ( مسبوق خل ) بالعدم وهذا القول كفر صحيح الا ان يراد به السبق الاضافي وان كان الاول فهل هو حادث او قديم فان كان الاول فما معناه فان عدتم عدنا وان كان الثاني يلزم تعدد القدماء وقولهم في الحدوث الزماني انه يجب ان يكون زمان لا يكون فيه خلق ليكون زمان فاصل بين الله وبين خلقه ليكون الله ولا يكون شيء ثم يخلق الاشياء نظرا بظاهر الحديث كان الله ولم يكن معه شيء باطل لان الزمان الفاصل ان كان هو الله فما كان زمانا فما نفعهم اثبات هذا الزمان بشيء فعاد المحذور المتوهم عندهم وان كان غيره تعالى فان كان قديما يتعدد القدماء ويقترن بالله والاقتران كما قلنا سابقا علامة الحدوث فان كان حادثا فهل حدوثه بزمان فاصل ام لا فان كان الاول فهو حادث ام لا وهلم جرا الى ما لا نهاية له وان كان الثاني فتحقق حادث لا في زمان مع ما يلزم من القول بفصل الزمان من التحديد والتكييف المستلزمين ( المستلزمان خل ) للتركيب المستلزم للحدوث وتعود الشبهة التي اوردها رئيس المشككين من ان الفاصلة لا تخلو اما ان تكون متناهية او غير متناهية فان كان الاول يلزم التحديد والتعيين والتمييز وان كان الثاني يلزم ان لا يوجد العالم المخلوق بعد والا لكانت الفاصلة متناهية وكل هذه خرافات نشأت من القول بالفصل الزماني ولم يدروا ان الفاصلة متناهية كانت ام غيرها تستلزم التحديد والا لم تكن فاصلا ويلزم ان لا يكون حادثا والا لا حاجة الى الفاصلة الاخرى فيتم ولا يكون قديما والا لتعدد القدماء ولا يكون شيئا والا لكان حادثا او قديما ولا لا شيئا والا لم تكن فاصلة والذي قال بالزمان الموهوم فان اراد بالذي له اثر في الخارج فيجري الكلام فيه كما ذكرنا حرفا بحرف وان اراد محض توهم النفس وتصورها من غير ان يكون له اثر في الخارج فليس الكلام فيه اذ الكلام في الامر على حسب الواقع لا على المفاهيم الاعتبارية الكاذبة المزخرفة والحق الحقيق بالتصديق هو ان الحادث على اقسام حادث زماني وحادث دهري وحادث ذاتي وهو ينقسم الى قسمين حقي وحقيقي فالحادث الزماني هو ما حدث في الزمان من الاجسام ويعرف ذلك بطول بقاء القديم بالنسبة الى الحادث كالاب بالنسبة الى الابن والحادث الدهري هو ما حدث في الدهر وهو مجموع العالم الجسماني من حيث المجموع فان اجزائه حادث في الزمان واما المجموع فلا لان الزمان على الظاهر المعروف عندهم هو الحركة الفلكية وفي الحقيقة هو المدد الجسمية الحسية وبالحركة تظهر ولا شك ان تلك المدد جزء مساوق للجسم فلا يتقدم عليه حتى يفرض فيه التقدم المعروف عندهم وكذا الارواح والمجردات من العقول والاظلة والاشباح كل ذلك حادث دهري لعدم تطرق الزمان الجسمي الذي هو من نوع الحركة الفلكية مع ان كل الزمان والزمانيات نقطة واحدة في الدهر والحادث الذاتي فالحقي هو صفة الحق وظهوره ودليله وآيته ووجهه والحادث الحقيقي هو فعله ومشيته وابداعه واختراعه الى المفعول المطلق الذي هو المصدر فالحادث الزماني يسبقه العدم الاضافي الذي هو عين وجود قديمه والا فالعدم الصرف لا يعبر ولا يشار اليه ولا يصف ولا يوصف ولا يوصف به وهذا الوجود لما كان ماديا ينتظر في تحققه وكونه ووجوده الى ( الى اجتماع خل ) الاسباب والمعدات والمتممات المكملة او المتممة المادية فيوجد عند تمامها ويعدم عند عدمها او اختلال احد اجزاء قابلياته او شرايطها او لوازمها في الحسية فقبل الاجتماع معدوم في الجسم وبعد ( عند خل ) الاجتماع يتحقق ويوجد وهذا هو السر في تجدد الاشياء وتغيرها وتبدلها وتقدمها وتأخرها ودليل سياليتها واما الحادث الدهري فهو ايضا من جهة افتقاره الى الشرايط والاسباب و( والمتممات خل ) والمكملات النورية يتطرق فيه التقديم والتأخير والتوقف والتجديد وسبق العدم الاضافي الا ان ذلك ليس كالتقدم والتأخر الزماني المعروف بل على نهج اعلى وطور اقوم واشرف واما الحادث الذاتي فلا يتطرق فيه ما يتطرق في الاوليين ( الاولين خل ) لان ذلك في وجوده لا ينتظر شرطا وسببا ولازما فلا فائدة اذن في تأخير ذلك مع ان الفياض على الاطلاق دائم الفيضان لا ينقطع جوده ولا يقطع كونه فليس في هذا الحادث تقدم ولا تأخر وليس بين هذا الحادث ومحدثه فصل لما ذكرنا ولا وصل لانه يستلزم المقارنة والمجانسة في الملتقى ويلزم من ذلك ان يكون المؤثر من حيث هو اثر وبالعكس او يتخلل بينهما برزخ ليس باثر ولا بمؤثر فاذا توسط بين الاثر والمؤثر شيء غيرهما لم يكن المؤثر تاما في التأثير والا لماافتقر الى غيره عند ايجاد اثره او لا يمكن ان يصدر من الشيء ما هو من سنخه واثره لان الصادر لا يكون من جزء ذات المصدر بالضرورة فليس بينهما اتصال ولا انفصال ولا تباين لان البينونة جهة الفرقة والعزلة وعدم الانتساب الا بالتباين اذ لا يستدل باحد المتباينين على الآخر على كمال التوصيف بخلاف الاثر لان الاثر ليس الا صفة المؤثر ودليله وآيته اذا عرفتها عرفت الموصوف كالصورة في المرآة وكالشعاع للسراج ومباين الشيء لا يكون صفة له ولا تقارن ولا ارتباط لان المقارنة تستلزم الاتصال والانفصال كليهما وقد مضى ما دل على امتناعهما ولا تناسب لان النسبة برزخ بين المنتسبين فكل منهما له حالتان حالة ذاتية وحالة ارتباطية الى الآخر ولو كانت الحالة الذاتية عين الحالة الارتباطية فهل الآخر عين الاول ام لا فان كان عين الاول فارتفعت النسبة لكونها بين امرين فان كان غير الآخر هل له ارتباط وانتساب اليه ام محض التخالف فان كان ارتباط فجهة المرابطة لا شك انها غير جهة المغايرة فجاء الاختلاف ولو كان جهة المخالفة عين جهة المرابطة والمناسبة للزم ان ينسب ( ينتسب خل ) كل شيء بكل شيء والبديهة والضرورة تقتضي بخلافه فمختلف الحالة ليس بقديم فلا تخالف ولا توافق ولا تضاد ولا توالف ولا يتصور ( لا تتصور خل ) له اولية الا نفس مبدئه فيما لا يتناهي لا لتناهيه الى مبدئه والا لكانت اوليته نفسه او غيره والثاني باطل بالضرورة والاول هل اوليته بسبق شيء غير ( سوا خل ) مبدئه عليه ام لا والثاني يثبت ما قلنا والاول هل ذلك الشيء السابق وجود او عدم قديم او حادث عين مبدئه او غيره كما بينا فلا نعيد فاذا كانت اوليته هي عين مبدئه وانتسابه اليه فان كان مبدئه لا نهاية له في بدئه ولا غاية فيكون هذا الحادث ايضا لا نهاية له في تكونه ووجوده في بدئه وعوده وليست نهايته بدوا وعودا الا انقطاع وجوده وكونه وعينه وكل احواله عند مبدئه والا لكان فصلا وقد ظهر لك بطلانه بالبرهان العقلي مضافا الى قول امير المؤمنين عليه السلم على ما في نهج البلاغة ليس بينها وبينه فصل ولا له عليها فضل فيستوي الصانع والمصنوع انتهى وهو كلام عقلي نقلي لمن فهم وتدبر وهذا معنى قولنا ان الفعل حادث وفقك الله لمعرفته وايدك لحفظه
واما قولكم هل المراد بالحدوث انه تعالى كان ولم يكن فعله فيلزم التعطيل فجوابه انا اذا قلنا كان الله ولم يكن معه شيء واكتفينا بذلك وقلنا في الحديث ما فهم بعض الضعفاء من المتكلمين يلزم التعطيل والقبايح المتقدمة وان قلنا كان الله ولم يكن معه شيء وهو الآن على ما عليه كان كما دلت عليه النصوص من اهل الخصوص عليهم السلم فلا يرد ما اوردتم لان المخلوق المصنوع عدم بحت ولا شيء محض في رتبة الوجوب والازل نسبتهم هناك نسبة الشريك والخلق انما خلقهم وجعلهم في مراتبهم من الامكان والاكوان والاعيان فلا يلحقون رتبته ولا يلزم من ذلك التعطيل وانقطاع الفيض لان فيضه في امكانه وخلقه بحر وتجري منه الخلجان ومنها الانهار ومنها المشارع ومنها الجداول لا نهاية لهذا الجريان ولا غاية لهذا السريان اشار الى هذا المعنى في الحديث القدسي لمن يفهم ويعقل كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وفي الدعاء اللهم اني اسألك بملكك القديم وسلطانك العظيم وقال مولينا علي بن الحسين عليهما السلم في دعاء الصحيفة اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان ثم فسر هذا السلطان بقوله عز سلطانك عزا لا حد له باولية ولا منتهى له بآخرية واستعلى ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده هل يريد بالسلطان ذات الله سبحانه بعد مقارنته بالملك وهل يريد بالملك كل الخلق بعد قوله سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت من ذلك اقصى نعت الناعتين فتمحض ان المراد بالملك والسلطان مرتبة الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر فلا تعطيل للفيض ( في الفيض خل ) ومع ذلك كان الله ولم يكن معه شيء ولو لم نفسر الحديث بهذا المعنى يلزم منه التغير لان كونه قبل الخلق وكونه بعد الخلق متغايران للاضافة فيلحقه ما لم يكن في ذاته سبحانه وتعالى عما يشركون ان قلت ان كان فعل الماضي يدل على الزمان اما المتوهم او الموجود قبل الخلق قلت انهم سلام الله عليهم فسروا الماضي اذا استعمل في الازل سيما لفظ كان وقد قال امير المؤمنين عليه السلم ان قيل كان فعلى ازلية الوجود وان قيل موجود فعلى تأويل نفي العدم انتهى فاين الزمان والازل ولو جعل الازل شيئا غير الذات يلزم ان يحيط به سبحانه ففي حال قدمه مع ذلك يتعدد القدماء ويلزم التركيب وفي حال حدوثه يلزم ان لا يكون الله سبحانه في ذاته ازليا وكل ذلك ممتنع فبطلت هذه الفاصلة المتوهمة من المتوهمة والموجودة وقال عليه السلم ولا كان خلوا من الملك قبل انشائه ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ولا تتوهم من كلامي اني اقول بقدم العالم او بقدم المشية والامكان بل اقول بحدوث كل ذلك لكن ليس حدوث العالم او الفعل والمشية من الله سبحانه كاللوازم الذاتية لملزوماتها ولا كالاشراقات الشمسية والسراجية ولا كالتوليدات الاستجنانية ولا كالاظلال والاشباح المرآتية ولا كالامواج البحرية ولا كما يقوله ذوق المتألهين ولا كالصوفية الملحدين المتعسفين بل على جهة الاختراع والابتداع من غير نسبة وارتباط وتوافق وتخالف وتناسب وتوالف وانما احدث المشية بنفسها واقامها في ظلها فهي فاعلية نفسها بالله سبحانه وهي كالكاف المستديرة على نفسها تنتهي الى نفسها قائمة بالله قيام صدور كالكلام بالمتكلم وليس كحركة اليد والمفتاح على ما يعرفون ولا على الحقيقة لان بينهما اقتران واتصال ولا كيف لذلك كما قال مولينا الرضا عليه السلم وانما ارادته احداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون من غير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له وانما قولكم يلزم الاضطرار فلا يلزم ذلك لان الاختيار والمختار ليس شرط فعله ان يكون مسبوقا بالعدم او بوقت لم يفعل فيه بل المختار هو المتسلط الذي لا مانع له ان شاء فعل وان شاء ترك وان شاء محى ما فعل وغيره الى ما احب بخلاف المضطر الذي لا يقدر على شيء من ذلك والله سبحانه لا يتناهى كونه ولا يحد ولا مانع له في ايجاد ما احب فاجرى الفيض فيما لا نهاية له وبسط بساط الجود والكرم فيما لا غاية له وهو مع ذلك فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى فافهم
قال سلمه الله تعالى : مسئلة - قد دلت الاخبار على ان الذي يريد الانتباه في الليل يقرء الآية التي في آخر الكهف اذا اوى الى فراشه لم صارت هذه الآية الشريفة مخصوصة بهذا الامر دون غيرها ولم يتخلف في بعض الاوقات ويوافق في اخرى
اقول اعلم ان القرآن وجه من وجه الله سبحانه ومظهر من مظاهر فعله كما قال مولينا الصادق عليه السلم ما معناه ان الله تجلى لخلقه بكلامه وهذا المظهر الكلي والوجه الاقدس الالهي قد تعين باعتبار المتعلق فتحققت الوجوه والرءوس فكل وجه باب ورابطة بين المحتاج الواقف بذلك الباب اللائذ بذلك الجناب وبين الغني المفيض المبدء فيفيض من بحر الجود والغني على ارض الفقر والاستحقاق بقدر مقابلته لذلك الجناب ووقوعه للباب على مقتضى ذلك الحجاب فان كان وقوفه على الحجاب الابيض يفاض عليه من النور الابيض وان ( فان خل ) كان على الحجاب الاصفر يفاض عليه من النور الاصفر وان كان على الحجاب الزمرد يفاض عليه من النور الاخضر وان كان على الحجاب الياقوت يفاض عليه من النور الاحمر وهكذا فاذا عرفت هذا فاعلم ان القرآن هو ظهور فعل الله سبحانه المتعلق ( المتعين خل ) بالتعلق الخاص فكل آية وجه من ذلك الكلي ورأس منه يخص بشيء حسب تعينه بذلك المتعلق وهو قوله عز وجل لا تسئلوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم وان تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم لانه يتعين بذلك المتعلق فيظهر مشروحا مبينا ومفصلا هذا هو الحكم الكلي في كل الآيات القرآنية واما هذه الآية الشريفة وهي قوله عز وجل قل انما انا بشر مثلكم يوحي الى انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا فهنا ( فهناك خل ) وجوه كثيرة لخصوصية انتباه النائم حسب مذاقات العارفين والوجه الظاهر منه لاهل المجادلة بالتي هي احسن هو ان هذه الآية الشريفة مشتملة على توحيد العبادة لقوله ولا يشرك بعبادة ربه احدا وعلى الغاية المتفرعة على هذا التوحيد الذي هو لقاء الله سبحانه الذي هو غاية الغايات ونهاية الطلبات وهو لقائه بوجه ظهوره له به وعلى شرح هذا التوحيد وبيان كيفيته وهو العمل الصالح وهو الخالص عن الشوايب الغيرية وهذا الخلوص لا يحصل الا عند الاعتزال عن الخلق وهو وان كان امرا قلبيا لكنه اذا طابق القلب الظاهر واللب وافق القشر لا شك انه احسن واولى وادخل في الخلوص والاعتزال الحاصل الظاهري يحصل بالليل الذي هو اللباس يغشي ابصار الخلايق ويشتغل الناس بانفسهم عن غيرهم ويسكنون والى اوكارهم يأوون والى منازلهم وقطع ارتباطاتهم يسارعون والاعتزال الآخر الظاهري بالنسبة الى نفسه وقواه ومداركه ومشاعره واحواله واطواره واوطاره وشئوناته وروابطه المانعة عن ملاحظة الوحدة في العبادة وذلك الاعتزال الظاهري انما يحصل بالنوم الظاهر الذي يسكن معه كل القوى والآلات والحركات وموانع الاصابة ولذا شرع الشارع عليه السلم عن الله عز وجل صلوة الليل في السحر لان ذلك وقت برد الهواء وسكون كل الحركات الخارجية ( الخارجة خل ) والحرارات اليومية الباقية في اوايل الليل وعند السحر تسكن كل الكثرات وتبطل كل الاضافات وبالمنام ايضا سكن الحواس وبطل الاضافات الزائدة فان لم يكن الشخص منغمسا في بحر الشهوات وغريقا في لجة الكثرات فالمنام يمنع الاختلالات العرضية والاختلافات البدنية الظاهرية فاذا قعد عن نومه فهو بارد الفؤاد حار الاستعداد ساكن خالص عن شوب الكثرات والقرانات الخارجية والداخلية فهناك يصح توجهه الى خالق السموات وبارئ المسموكات ويناجيه بسر الدعوات فيلبيه سامع الاصوات وربما يسمع نداء الحق له بلسانه في الخلوات في تلك الساعات فيصل اليه اللقاء ويذهب عنه الشقاء فتهيج ريح المحبة فيستأنس في ظلال المحبوب فيؤثر محبوبه على من سواه قال الله سبحانه تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون وهذا هو مفاد الآية الشريفة في ظاهرها فاذا نام الرجل ليقوم لطاعة الله سبحانه وهو يخاف الغفلة فيتوضأ عند المنام وضوء سابغا مع الادعية مع التوجه متفكرا في نفسه وحلول رمسه واصداره عن ربه ومستعينا عنه لطاعته وقارعا بابه بدعائه ومتوجها اليه بكلامه الذي هو تجليه له به وقاصدا وجه مطلوبه الذي هو مفاد هذه الآية الشريفة فيقرئها بكمال الاقبال في لفظه ومعناه ويتحرز عن الغلط واللحن فيخلق الله سبحانه بنور التفاته وتوجهه الى الله سبحانه ملكا فيوقظه الوقت الذي اراد ليقوم بامر الله واذنه ومن فعل الذي ذكرنا فهو لا بد ان ينتبه في تلك الساعة التي اراد الا ان يشاء الله الا ان العاملين مختلفون حسب صفائهم وكدورتهم فمنهم من ينتبه من غير سماع ولا رؤية ومنهم من ينتبه ويحس صوت الملك الذي يوقظه ومنهم من يشاهده وتختلف هنا الاحوال والاوضاع
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول
فان لم يأت بما ذكرنا ولم يعمل الذي سطرنا وهذا قد ينتبه اذا صادف قرائته فتح باب السماء للافاضة الى اهل الدعاء فيصحبه به اذا لم يكن مانع اقوى والا فلا سيما اذا كان بطنه مملوا من الطعام والشراب فتصاعد ( لتتصاعد خل ) الابخرة الى الدماغ وتحيط بكل البدن فتكثر الرطوبة وتتراكم فتمنع الحرارة الغريزية التي هي حاملة للروح النفوذ الى كل الجهات ليستيقظ كالغيم المانع للشمس ان تظهر بنورها في اقطار الارض والملك الموكل بالايقاظ محله الحرارة الغريزية ومتعلق بها فافهم ومن موانع الانتباه اختلال الحواس واغتشاش القلب وتعلقه بالامور الكثيرة الشهوانية الجسدانية فتبقى النفس تشتغل بتلك الصور وتلتهي بتلك المثل فلا يلتفت الى الجسد الا اذا كانت اهوالا منكرة فتستيقظ وهذه وامثالها هي السر للتخلف وحاشاه عن التخلف الا ان القاري حين القرائة لم يقابل فوارة النور الا انه تلفظ لفظا من غير قصد الى معناه وان قصد مع اضطراب عظيم في القلب من دواعي الهوية ( الهوى خل ) فان الدواعي آية الشيطان والقرآن آية الرحمن فلا يؤثر اذا مزج بسور الشيطان الم تر ان التربة الحسينية على مشرفها آلاف الثناء والتحية اذا مسها الشيطان والجان ( الجان والشيطان خل ) فلا يؤثر في شفاء المريض العليل واطفاء نايرة الغليل فاذا ختمتها في الحضرة المطهرة هناك ليس للشيطان اليه سبيل يشفي العليل ويبرد الغليل باذن الله الملك الجليل وانت ايضا اختم قلبك في تلك الحضرة المطهرة لان قلبك من تلك التربة فهناك تأمن عن مس الشيطان فينكت في قلبك الرحمن والله المستعان
قال سلمه الله تعالى : مسئلة - اذا نام الرجل اين يذهب روحه واي شيء سبب النوم
اقول اعلم ان الروح قد اتت من مكان عال وفضاء وسيع فسيح الى هذا البدن المحبس الضيق الكدر المشوب بانواع البلايا والمحن والكثافات كما قال الشاعر :
هبطت اليك من المحل الارفع ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع
الى ان قال :
حتى اذا اتصلت بهاء هبوطها عن ميم مركزها بذات الاجرع
علقت بها ثاء الثقيل فاصبحت بين المعالم والطلول الخضع
تبكي اذا ذكرت عهودا بالحمى بمدامع تهوى ولم تتقطع
الابيات وهي في هذا البدن مشغولة بتدبيره وتصرفه بانحاء المعالجات من نضج الاغذية وطبخها واخذ صافيها ودفع كثيفها وجريانها في العروق وغير ذلك من العلايق والعوايق البدنية وقد يلحقها ملال وانضجار عن ذلك فتلتفت وتتوجه الى عالم المثل الشبحية والصور المقدارية عالم هورقليا وجابرسا وجابلقا وتنظر الى احوال ذلك العالم ويبقى وجهه الذي هي الحرارة الغريزية مجتمعا في القلب ساريا في اقطار البدن في الباطن وما ترى الروح عند التفاتها الى عالمها من الاشباح حسب ( حيث خل ) ما هي عليه من الصفات المكتسبة عند عروض التعلقات البدنية من الاحوال السعيدة والردية هي الرؤيا وقد اجاب مولينا الحسن بن علي بن ابيطالب عليهما السلم عن هذه المسئلة بعينها لما سئله الخضر عليه السلم اين تذهب الروح قال عليه السلم واما ما سألت من امر الانسان اذا نام اين تذهب روحه فان روحه متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء الى وقت ما يتحرك صاحبها لتيقظه فان اذن الله سبحانه برد تلك الروح على صاحبها جذبت تلك الروح الريح وجذبت تلك الريح الهواء فرجعت وسكنت في بدن صاحبها وان لم يأذن الله عز وجل برد تلك الروح على صاحبها جذب الهواء الريح فجذبت الريح الروح فلم ترد على صاحبها الى وقت ما يبعث الحديث وهذا الحديث الشريف يشير الى ما قلنا فان المراد بالروح هنا هي الروح المعروف عند عرف الاطباء وهو البخار الذي في تجاويف القلب اللحم الصنوبري الا ان الامام عليه السلم اطلق الروح على الدم الاصفر الذي يتعلق به القلب ويتقوم به وهذا الاطلاق كثير في عرف الاطباء ايضا والمراد بالريح هو البخار اللطيف الكاين في القلب الذي يتقوم به ذلك الدم المتقوم به القلب وانما اطلق عليه الريح للمناسبة الظاهرية والطبيعية فان الروح هو مزاج الهواء ولونه اصفر ولما كان ذلك الدم كثافة ذلك البخار ظهر اللون فيه دون البخار لكمال اللطافة والا فهما في اللون واحد وكذلك في الطبيعة والمزاج فان طبيعة الروح من حيث هي حار رطب لكونها الرابطة بين الاجساد الكدرة والانوار اللطيفة وبابا للافاضة والاستفاضة فمن جهة الربط اقتضت الرطوبة ومن جهة الوجه اقتضت الحرارة وان كانت حاملة للحرارة واليبوسة اللتان هما طبيعة الفاعل الظاهر بالتدبير للبدن ( بتدبير البدن خل ) في هذه الروح فهي حينئذ كالحديدة المحماة وانما اطلق على ذلك البخار الريح لان الريح هو الهواء المتحرك فهي ظهور للهواء وتعين له وكذلك هذا البخار بالنسبة الى الروح الحيوانية الحسية الفلكية التي هي عبارة عن الهواء الذي هو الغيب وهو الروح القديمة التي في كلام مولينا علي بن الحسين عليهما السلم في قوله تعالى ثم انشأناه خلقا آخر فالروح الحيوانية الحسية الغيبية متعلقة بالبخار المنبث في القلب وذلك البخار متعلق بالدم الاصفر الذي في تجاويف القلب وهو الروح في عرف الاطباء كما سبق فاذا التفتت الروح الى عالمها بعد ان يحصل لها ملال وانضجار عن هذا البدن وعن تدبير الاغذية وتصفيتها وتنقيتها ووزنها ونضجها وطبخها وتقديرها ودفع الفضلات الزايدة سيما اذا عرضت الغرايب في البدن كالرطوبات الكثيرة التي بالحرارة تتصاعد بخارا وتتراكم وتغلظ بالقوة السوداوية التي هي متخالفة ( مخالفة خل ) لطبيعة الروح فاذا لحقتها الغرايب تزيد في الملال والضجر وتلتفت ( فتلتفت خل ) الى عالمها وتبقى تستريح مجتمعة في القلب وتقطع نظرها عن كل اقطار البدن ويبقى وجهها وشعاعها وهو الحرارة الغريزية وهي رابطة الحيوة فتظلم اقطار البدن وتبرد وتزيل وتسكن عن الحركة والادراك الى ان تقل الموانع بتخفيف الرطوبات او بالتحريك لتلتفت الروح فان قدر الله على الشخص الموت بتخلل الآلات الجسمانية وفسادها فتنجذب الروح الى عالمها والبخار ينجذب اليها بلطايفها وصافيها وكذا العلقة التي هي الدم وهي الحرارة الغريزية فيحصل البرد الكلي والظلمة الحقيقية ولذا اذا مات الانسان لم يبق لذلك البخار الذي في القلب اثر وان لم يقدر له الموت فعند التحريك تجذب الدم الاصفر البخار بصافي الامداد الذي يأتيه من صحة الآلات والعضلات وكذا البخار يجذب الروح القديمة كالدهن الذي يجذب الدخان المكلس وهو يجذب النار فيبقى السراج وان تم الدهن ولم يبق داع وسايل ومقتض جذبت النار البخار الدخان وجذب الدخان تلك الاجزاء الدهنية القريبة للدخانية بتكليس النار فينطفئ السراج فالبدن كالدهن والفتيلة في مثال السراج والروح اي الدم الاصفر والحرارة الغريزية بمنزلة تلك الاجزاء القريبة الاستحالة من الدخانية وهي التي تنش نشيشا والريح اي البخار بمنزلة الدخان والهواء اي الروح المدبرة المجردة بمنزلة النار فتدبر هذا المثال تجد الامر واضحا ظاهرا ان شاء الله تعالى فالموت هو الوفاة الكبرى وهي الرجوع الاصلي للروح واعراضها عن هذا البدن بذاتها ونظرها ووجهها والنوم هو الوفاة الصغري وهي الرجوع الالتفاتي لها واعراضها بنظرها وابقاء وجهها وتعطيل الآلات والعضلات والقوى والحركات النفسانية والجسدانية وهو قوله عز وجل الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى وعلى ما بينا تظهر لك حقيقة النوم وعلته وسببه ووجه كونه حدثا مستقلا والتفصيل يؤدي الى التطويل وعالم الروح الذي تذهب اليه حال النوم وبعد الموت هو عالم المثال ومقام هورقليا اما في سماء ذلك العالم لتشرق عليها الانوار الالهية المتنزلة الى الاشباح النورية والمثل الحقيقية في غيب السماء الثانية وتقابلها ( فتقابلها خل ) في غيب هذه الارض على ما هي عليه من الصفاء والكدورة وشدة الصفاء وضعفه وكذا الكدورة او في ارض ذلك العالم لتتصاعد اليها الابخرة المتصاعدة من شجر الزقوم متمثلة بصور الشبهات والاوهام الباطلة والخيالات فتنطبع في مرآتها على حسب ما هي عليه حال انتكاسها الى اسفل السافلين وهو معنى ما ورد ما معناه ان النائم كلما يراه في السماء فهو حق وكلما يراه في الارض فهو باطل او لضعف بصرها وقلة نضجها وعدم حركتها تبقى في القلب من غير نظر الى السماء او الى الارض وهي كالتي لا ترى شيئا في منامه في بعض الاحوال وليست كلية فافهم فهمك الله
قال سلمه الله تعالى : مسئلة - ما السر في ان بعض الناس ذكي المعي وبعضهم بليد نهاية البلادة وبعض آخر متوسط هل يقدر البليد ان يحصل الذكاوة ام لا
اقول اعلم ان الله سبحانه لما خلق الانسان من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب اقتضت الحكمة ان يجعل بين النطفتين تربة لتتم خلقة الولد بمتممات وجوده والزكاوة والبلادة انما تنشأ من تكثير تلك التربة وتقليلها والاشارة الى بيان هذه التربة هي ان نطفة الرجل حارة يابسة ونطفة المرأة باردة رطبة لكون الثانية طبع القبول كما ان الاولى طبع الفعل والوجود فهما متضادان لا يجتمعان ولما كان الله سبحانه اجرى عادته ان يجري الاشياء على نهج الاسباب والاقتضاءات جعل لربط النطفتين ولحصول المزاج بينهما تربة من الارض التي يدفن فيها الولد اجابة واغاثة للارض حيث استغاثت وانت واشتكت الى الله سبحانه يوم الذي يقبض الملك التراب منها ليجعله بين النطفتين فاوحى الله سبحانه وتعالى اليها ان قرى واسكني فاني اجعلك مدفنا للولد لتعود تربتك اليك وهذه التربة في المزاج باردة يابسة فبالبرودة توافق نطفة المرأة وباليبوسة توافق نطفة الرجل فيصح المزج بينهما لاتمام النضج وهو القاضي الذي يشير اليهما بالتراضي وانما جعلت الواسطة التراب ولم يجعل الهواء لعدم الانعقاد لغلبة الرطوبة من الهواء ومن الماء وان كان الهواء ايضا يصلح للتوسط بل هو الواسطة بين الماء والنار فان المطلوب من العقد الثاني هو اليبوسة لكمال الانعقاد والامتياز فلو زيد الهواء لغلبت الرطوبة وبطل التماسك واما التراب فمن جهة يبوسته يؤلف ثم ان كانت التربة اقل من نصف نطفة الرجل تورث البلادة لقوة الرطوبة وغلبة مادة البلغم فكلما تزداد التربة يزداد الذهن والفهم والصفا الى ان تبلغ مقدار نطفة الرجل فهناك كمال مرتبة الزكاوة والفهم والكياسة وهو المرة السوداء الصافية على ما قال الرضا عليه السلم ان الله ما بعث نبيا الا وهو صاحب المرة السوداء الصافية لانها طبع فلك زحل الذي هو فلك العقل والمعرفة واليقين والبصيرة فاذا زاد عن ذلك خرج عن حد الاعتدال فتجمد القريحة وتبطل الفطنة والكياسة هذا هو السر في زكاوة بعض الناس وبلادة الآخرين والحالة المتوسطة واما وجه الاختصاص فكما ذكرنا سابقا في وجه اختصاص بعض الناس بالمرة الصفراء وبعضهم بالسوداء فراجع تفهم ان شاء الله تعالى واما قولكم هل يقدر البليد اه فجوابه انه قد يحصل بعض الامور والمعالجات والاحوال والاوضاع والاعمال يزكي الذهن ويصفى الفهم ويبلغ البليد درجة الفطن الذكي واسرع الامور في هذا الشأن تزكية النفس عن الرذايل وتحليتها بالفضايل واخلاص العمل لله والاعراض عما سوى الله والتفكر في خلق الله ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات للموقنين الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار وقد كتبنا الاشارة الى الامور التي يزيد في العقل والفهم ( الفهم والعقل خل ) ويزكي الذهن في تفسيرنا على آية الكرسي فان فيه اشارة الى نوع جميع شقوق المسئلة والآن ليس لي توجه شرح ذلك جعلنا الله واياكم من المطمئنين الفائزين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
قال سلمه الله تعالى : هل الشيطان اللعين من الجن او من الملئكة وما يفهم من كلمات مولينا امير المؤمنين عليه السلم في نهج البلاغة انه من الملائكة وما يفهم من القرآن انه من الجن كيف الجمع والتوجيه بينوا واخرجوا عبدكم من ظلمة الجهالة الى نور العلم ان الله لا يضيع اجركم
اقول نقل صاحب مجمع البحرين عن ابن عباس وقتادة وابن جرير والزجاج وابن الانباري ان ابليس كان من الملئكة من طائفة يقال لهم الجن وكان اسمه بالعبرانية عزازيل بزائين معجمتين بينهما الف فلما عصى الله لعنه وجعله شيطانا مريدا وبالعربية الحرث وكان رئيس ملئكة سماء الدنيا وسلطانها وسلطان الارض وكان من اشد الملائكة اجتهادا وكان يوسوس ما بين السماء والارض فيرى بذلك لنفسه شرفا عظيما فذلك الذي دعاه الى الكبر فعصى وكفر فمسخه الله شيطانا رجيما ملعونا اقول الظاهر ان هؤلاء في قولهم هذا نظروا الى ظاهر الاستثناء في الكلام المجيد والاخبار وان الاصل في الاستثناء الاتصال وحملوا قوله تعالى فسجدوا الا ابليس كان من الجن على ان الجن كانت طائفة من الملئكة كما قال الله سبحانه وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون الآية فان الكفار قالوا ان الملئكة بنات الله وما احد ادعي في حق الجن ذلك فصح ان الجن يطلق على الملئكة فيجوز ان يكون المراد من قوله كان من الجن هذا المعنى ويكون تلك الطائفة مخصوصين بهذا الاسم لئلا تتناقض الآيات هذا اقصى ما يقال لهم لكن لا يخفي على من له ادنى معرفة ان الكفار الذين قالوا ان الملئكة بنات الله ماخصصوا طائفة دون اخري وفريقا دون آخرين وعمموا ( بل عمموا خل ) الحكم فاذن بطل القول بان الجن طائفة من الملئكة فاذا كان كذلك فاتجه الاستدلال على كون ابليس من الجن بقوله عز وجل كان من الجن ففسق عن امر ربه فجعل كونه من الجن علة لفسقه وبيان ان الملائكة معصومون لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون والمعروف من مذهب اهل البيت عليهم السلم وطريقتهم ان ابليس ما كان من الملائكة وانما كان من الجن من كفارهم ومتمرديهم وهو اعلى مظاهر الجهل الكلي وانما تشبه بالملئكة من حيث الصورة لا من حيث السيرة وكان يعبد الله سبحانه وتعالى في نهاية ( كمال خل ) الخضوع والخشوع والاستكانة الصورية المجتثة حتى ظنت الملئكة انه منهم ويجري عليه احكامهم وكانوا يعظمونه ويبجلونه فاذا اراد ( فاراد خل ) الله سبحانه ان يظهر خبث باطنه ويعرف قبح سريرته فامر الملئكة الذين هو كان يحسب من جملتهم بل ربما يزعمون انه خيرهم بالعمل والله سبحانه عالم بالسراير وما اراد بذلك الا استنطاق مستجنات ضميره ليميز الخبيث من الطيب لان ولادة آدم اول مقام التمييز الذي هو التقطير من الحل الاول والاخذ في العقد الثاني والحل الثاني فتمرد عن امر الله وباء بغضب من الله فعلى هذا يصح ان تجعل الاستثناء متصلا لحكم الصورة والظاهر وعلى معتقد الملئكة انه منهم بالصفة اذ من تشبه بقوم فهو منهم ولك ان تجعله ايضا منقطعا وان كان على خلاف الاصل لكن لما دل الدليل القاطع فالمصير اليه اولى واما كلام سيدنا ومولينا ( مولينا وسيدنا خل ) امير المؤمنين عليه السلم في نهج البلاغة ثم اختبر الملئكة المقربين ليميز المتواضعين عن المستكبرين فقال سبحانه وهو عالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب اني خالق الى ان قال عليه السلم فسجد الملئكة كلهم اجمعون الا ابليس اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لاصله فعدو الله امام المتعصبين الخطبة فهو لا ينافي ما ذكرنا لان مولينا الصادق عليه السلم فسر هذا الاجمال وشرح كلام الله وقول جده المفضال عليهم سلم الله بالغدو والآصال على ما رواه علي بن ابرهيم باسناده عن جميل عن ابيعبدالله عليه السلم قال سئل عما ندب الله الخلق اليه ادخل فيه الضلال قال نعم والكافرون دخلوا فيه ان ( لان خل ) الله تبارك وتعالى امر الملئكة بالسجود لآدم فدخل في امره الملئكة وابليس وان ابليس كان من ( مع خل ) الملائكة في السماء يعبد الله وكانت الملئكة تظن انه منهم ولم يكن منهم فلما امر الله الملئكة بالسجود لآدم اخرج ما كان في قلب ابليس ( ابليس من الحسد خل ) فعلم الملئكة عند ذلك ان ابليس لم يكن منهم فقيل له كيف وقع الامر على ابليس وانما امر الله الملئكة بالسجود لآدم فقال كان ابليس منهم بالولاء ولم يكن من جنس الملائكة وذلك ان الله خلق خلقا قبل آدم وكان ابليس فيهم حاكما في الارض فعتوا وافسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم واسروا ابليس ورفعوه الى السماء فكان مع الملائكة يعبد الله الى ان خلق الله تعالى آدم عليه السلم ه فجاء هذا الحديث شرحا وبيانا لما تطلب وجمعا بين ما يتراءى من التناقض بين الاخبار وعدم المناسبة مع كلام الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين
وكتب مؤلفها ومنشيها حامدا مصليا