
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
( اما بعد ) فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جماعة من طلاب الحق واليقين وسلاك السبيل الواضح المبين قد اتوا بمسائل صعبة مستصعبة عزيزة الوصال بعيدة المنال وارادوا الجواب على الاستعجال وانا مع ما انا عليه من تبلبل البال وكثرة الاشتغال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال لم يسعني الا اجابتهم واسعاف حاجتهم لشدة احتياجهم اليها وزيادة تبصرهم فيها واتيت بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور مختصرا في المقال وشارحا بعض تلك الاحوال واليه المستعان في المبدء والمآل
المسئلة الاولى - ما السبب في تعلم موسى من الخضر عليهما السلام مع ان موسى افضل منه وما العلة والسبب في خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار
( اقول ) هذه المسئلة تنحل الى ثلث مسائل :
الاولى : ما العلة في طلب موسى الخضر
الجواب - فقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله على ما رواه القمي انه لما كلم الله موسى تكليما فانزل عليه الالواح وفيها كما قال الله وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء رجع موسى الى بني اسرائيل وصعد المنبر واخبرهم ان الله قد انزل عليه التورية وكلمه وقال في نفسه ما خلق الله خلقا اعلم مني فاتاه جبرائيل فقال انك قد ابتليت فانزل فان فىي الارض من هو اعلم منك فاطلبه فنزل فارسل الى يوشع بن نون اني قد ابتليت فاصنع لنا زادا وانطلق بنا فاشتري حوتا فخرج ثم شواه ثم حمله فانطلقا فكان من امرهما ما اخبر الله سبحانه في كتابه العزيز من قوله تعالى اذ قال موسى لفتيه الآيات
والثانية : كيف يتعلم موسى من الخضر مع انه افضل منه ولا يكون الفضل الا بالعلم
الجواب - ان الممكن كمالاته تدريجية الحصول ولا يمكن الاحاطة بجميع الاشياء دفعة واحدة والا لاستغنى وخرج عن الامكان ولا فرق في ذلك بين الموجودات كلها عاليها وسافلها نبيها ورعيتها فالعلم من عند الله سبحانه يلقي الى حملته شيئا فشيئا آنا فآنا بآلات واسباب وتلك الاسباب وسايط التعليم لا معدن العلم واصله وتلك الآلات والاسباب قد تكون داخلية وقد تكون خارجية فالداخلية كالحواس الظاهرة لادراك الاجسام ونقلها الى الحواس الباطنة فلولا الحواس الظاهرة ما حصل ادراك المحسوسات باشباحها للحواس الباطنة قطعا ولولا الحواس الباطنة لم يدرك القلب جهات العلوم وتفاصيلها مع ان الحواس الباطنة اشرف من الظاهرة والقلب اشرف من الحواس الباطنة فتلك القوى آلات لادراك القلب يفيض الله سبحانه العلم التفصيلي اليه بواسطة الحواس ولا شرافة في ذلك وانما هي مقدمات وامارات لحصول العلم من المبدء الفياض والخارجية قد تكون لها حكم الآلة بلا شعور وادراك كالكتابة بالنسبة الى العالم الذي ينتفع منه ويحصل العلوم به ولا ريب انه لا شرافة له بالنسبة الى العالم مع انه سبب لحصول العلم له و قد تكون لها حكم الآلة مع شعور كالملائكة الذين يوحي الله بهم الى الانبياء ولا ريب ان العلم من الله وهم الآلات والاسباب للالقاء ولا شرف لهم ولا فضل على ساير الانبياء الذين يوحي اليهم وذلك معلوم وقد تكون من غير ما ذكر وهو قد يكون من سنخ البهائم والحشرات كالنملة التي سئلت سليمان عن السر في زيادة اسمه على اسم ابيه مع ان اباه اشرف منه وزيادة المباني تدل على زيادة المعاني ولم يعرف سليمان عليه السلام فذكرت ان اباك داوي جرحه بالود وانت سليمان وارجو من الله ان يلحقك بابيك ولا يلزم من هذا ان النملة اشرف من سليمان عليه السلام وكذا الهدهد يعلمه مواضع الماء مع انه طير من الطيور وهذه كلها علوم يعلمها الانبياء بتلك الآلات والاسباب كما يعلم العالم بالكتاب والقلب بالحواس وقد يكون من سنخ الانسان كالخضر عليه السلام وهو نبي من الانبياء تابع لشريعة موسى اي مبعوث عليها لا انه من رعيته واراد الله سبحانه ان يعلم موسى احكام الولاية الباطنة الحقيقية التي يظهر في آخر الزمان مما قد عرض عليه في العالم الاول عالم الارواح واراد ان يعرضها عليه في العالم الآخر عالم الاجسام وكان ذلك العرض بواسطة الخضر العالم عليه السلام ولذا ورد انه حدث موسى عليه السلام عن آل محمد عليهم السلام وعما يصيبهم من البلاء حتى اشتد بكاؤهما ثم حدثه عن فضل آل محمد صلى الله عليهم حتى جعل موسى يقول يا ليتني كنت من آل محمد صلوات الله عليهم وحتى ذكر فلانا وفلانا ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله الى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم اياه وذكر له تأويل هذه الآية ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة حين اخذ الميثاق فلم يكن الخضر عليه السلام افضل من موسى كما لم يكن جبرئيل افضل من محمد صلى الله عليه وآله والهدهد والنملة افضل من سليمان عليه السلام والحواس الظاهرة افضل من الباطنة والباطنة من القلب ولا الكتاب افضل من الناظر فيه العالم به وذلك شيء ظاهر معلوم غني عن البيان واما حقيقة الامر في ذلك زايدا على ما ذكر فليس هذا المقام موضع ذكره وفيما ذكرنا كفاية لاولي الدراية
والثالثة : ما العلة والسبب في خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار
الجواب - ان الخضر انما كان وصفا وحكاية وشرحا ودراية لآل محمد عليهم السلام فيكون واصفا وشارحا وحاكيا لاحوالهم عليهم السلام في وقت هدنتهم وخفاء دولتهم وغيبة غائبهم المستور عن عوالمهم كما دلت عليه الروايات المتكثرة كما في اكمال الدين وغيره فاراد عليه السلام ان يبين لموسى عليه السلام ويعرفه سلوك الامام الغايب عجل الله فرجه وروحي له الفداء مع رعيته في غيبته لان الخضر دليله وآيته عليه وعلى آبائه السلام وكك سلوك آبائه عليهم السلام في وقت ظهور دولة الباطل وخفاء دولة الحق فلهم عليهم السلام مع رعيتهم وشيعتهم ثلث حالات :
حالة يحفظونهم عن شر اعاديهم والقاصدين لهم بسوء بطردهم وابعادهم عنهم وهو عيب السفينة فالسفينة اشارة الى علماء شيعتهم وهم عليهم السلام البحر الزاخر بحر الكمال المحض و العلم المطلق وشيعتهم هم السفن منجية لعوام شيعتهم وموصلهم الى ساحل النجاة ومنجيهم من الغرق في بحر الغلو والهلاك في بر التقصير وهم النمط الاوسط والنمرقة الوسطى ولذا لما لعن مولانا الصادق عليه السلام زرارة قال لابنه اني ما اردت بلعني اياك الا ما اراد الله سبحانه كما حكى عن العالم فاردت ان اعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وانه لمن اعظم السفن الجارية في البحر القمقام فبايقاع الاختلاف في شيعتهم ورعيتهم يحفظونهم من شر اعدائهم ومخالفيهم والاختلاف عيب لقوله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقد قالوا عليهم السلام نحن اوقعنا الخلاف بينكم وقالوا عليهم السلام راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم وان شاء جمع بينها لتسلم فخرق الخضر عليه السلام السفينة اشارة الى هذه الدقيقة اللطيفة
والحالة الثانية تميز الكاذب من الصادق من منتحلي مودتهم ومحبتهم وولايتهم فلا كل من ادعى محبتهم عليهم السلام صدق في دعواه ولا كل من انتحل مودتهم قال من تمناه فان قوما آمنوا بالسنتهم ليحقنوا به دمائهم فادركوا ما املوا ولكن الله سبحانه بوليه وخليفته يخرج ضغاين القلوب ويظهر كوامن الصدور ويميز الخبيث من الطيب فيخرج الخبيث عن تلك النسبة وينزع روح الحيوة الابدية التي هي الايمان والولاية عن تلك القلوب الخبيثة النجسة فيموت بسلب الحيوة ولما كان ذلك بفعل الولي عليه السلام فيقتله فقد قتل الغلام المنسوب ظاهرا الى الابوين الطاهرين الذي لم يبلغ الحلم والكمال والعقل والجمال وهو ادراك دولة آل محمد المفضال سلام الله عليهم ولذا قال وكان ابواه مؤمنين وقد قال صلى الله عليه وآله انا وعليّ ابوا هذه الامة وقوله تعالى فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا يعني ان يغشى دينهما وذكرهما او ينسب اليهما ذلك نعوذ بالله فطهر لوث ذلك الرجس النجس من الانتساب اليهم الا ترى الشيعي اي الذي يظهر التشيع ربما يخرج عن دين الحق فبخروجه مات ولما كان هذا الخروج بالسبب فكان ذلك هو القتل فافهم فقد انبئتك عن سر دقيق وباب من العلم الغامض فاحفظه فقتل الخضر عليه السلام الغلام اشارة الى هذه الدقيقة من قوله تعالى انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فيغرقه في بحر الهلاك ويقتله بسيف الاعراض ويهلكه بوكز الذود عن حوضهم
والحالة الثالثة حفظ العلوم الالهية التي اعدت لشيعتهم عليهم السلام يوصلونها اليهم بحسب مصالحهم متدرجة بتدرج الازمنة والدهور فاذا رأوا علما من علومهم عليهم السلام يكاد يظهر ولم يأت اوان ظهوره يجعلون من تأييدهم وحفظهم ووقايتهم عليهم السلام له مانعا عن الظهور حتى يبلغ الكتاب اجله ويأتي وقت ظهوره كما قال مولانا الصادق عليه السلام ما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله وذلك المانع هو المعبر عنه بالجدار جماد لا حس له ولا شعور وهو كناية عن جهال متجلببين بجلابيب العلم المتسمين بسماء الفهم واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله اني يؤفكون فبناء الخضر عليه السلام الجدار اشارة الى حفظ هذه الاسرار وصونها عن الاغيار الى اوان ميعاده بعون الله وامداده
فبخرق السفينة حفظوا شيعتهم عن شر اعدائهم وبقتل الغلام اخرجوا المنافقين المشحونة قلوبهم من النفاق المظهرين في الصورة الظاهرة الوفاق وببناء الجدار حفظوا الاسرار وصانوها عن الاغيار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار ولما كان الخضر عليه السلام دليلهم وآيتهم عليهم السلام في حال غيبة غايبهم فعنده علم هذه الاحوال لا غير ذلك واراد الله سبحانه وتعالى ان يظهرها لموسى عليه السلام بواسطته وانما لم يتحمل وان كان مصدقا ومسلما لانه مكلف بشريعة الظاهر وما يقتضي ذلك الزمان ولم يقتضي ذلك الوقت ظهور مثل هذه الاحوال فانكرها موسى عليه السلام في مقام العمل بالشريعة الظاهرة وان كان مسلما ومصدقا بالشريعة الباطنة في زمانه والظاهرة في آخر الزمان وانما قلنا ان الخضر عنده علم احوال الغيبة خاصة دون ساير الاحوال باجمعها لما ورد من ان موسى والخضر كانا قاعدين على ساحل البحر الاخضر فاذن بطاير ورد على الماء فاخذ بمنقاره قطرة من البحر ورماها نحو السماء ثم اخذ قطرة اخرى ورماها نحو المشرق ثم الثالثة رماها نحو المغرب ثم الرابعة رماها في البحر فتحير الخضر من فعله ولم يعلم ما اراد من تلك القطرات فبينما هما متحيران واذا بصياد قد حضر وقال ما لي اراكما متحيرين قالا من جهة فعل هذا الطاير قال انه يخبر انه يأتي في آخر الزمان نبي له وصي علمكما وعلم اهل السموات والارضين وعلم اهل المشرق والمغرب في جنب علمه مثل هذه القطرة في البحر المحيط وبالجملة الكلام في هذه المسئلة كثير وشرحها طويل والبدن عليل والقلب كليل وللسائل كمال التعجيل اقتصرنا علي هذه الجملة لانها وافية كافية ان شاء الله تعالى
المسئلة الثانية - القرآن المتداول عندنا المنقول بعضه عن بعض المكتوب بايدينا ليس هو بعينه القرآن النازل على رسول الله صلى الله عليه وآله قطعا فاين ذلك القرآن الآن
اقول القرآن نور من عند الله سبحانه وتعالى نازل على رسول الله صلى الله عليه وآله ظاهر ذلك النور بالالفاظ والكلمات والخطوط فكل خط ورسم وكلمة على تلك الهيئات المخصوصة حامل لذلك القرآن بعينه كالنور الواحد المشرق على مرايا متعددة متكثرة بل الى غير النهاية وفي كل مرءاة ذلك النور نور الشمس بعينه وكالنار الواحدة
( الى هنا كان في النسخة )