
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فان جناب السائل المقدم ( فان السائل المتقدم خل ) ذكره اردف تلك المسائل بمسائل معضلة ( مفصلة خل ) فكتبت جوابها مستعجلا مع تفرق البال واختلال الاحوال متوكلا على الله مقتصرا على ادنى ما يحصل به المطلوب والله ولي التوفيق
قال ايده الله تعالى : هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله عالما بما يصنع بالحسين عليه السلم قبل ان يخبر به جبرئيل ام لا فان كان عالما فما الفائدة في اخبار جبرئيل
اقول ان الله عز وجل خلق نبيه وصفيه في الخلق الاول قبل ان يخلق خلقا باربعة عشر الف دهر وكل دهر مائة الف سنة ثم خلق القلم وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش واول غصن اخذ من شجرة الخلد
ثم قال له سبحانه اكتب يا قلم
فقال يا رب وما اكتب
قال اكتب اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله فغشي على القلم من حلاوة اسم محمد صلى الله عليه وآله الف سنة فلما افاق امره الله سبحانه ان يكتب ما كان وما هو كاين الى يوم القيمة وبعده الى ما شاء الله الى ما لا نهاية له ثم ختم على فم القلم فلم يكتب وقد جف القلم ثم جعله سبحانه عند محمد صلى الله عليه وآله فكان بذلك خازن علم الله ومهبط وحيه فعلم اسرار ما كان وما هو كاين الى يوم القيمة ومما كتب القلم واقعة الحسين
وقد روي انه لما وصل الى هذه الواقعة الهايلة جرى القلم بلعن يزيد اربع مرات من غير اذن الله تعالى اي الاذن الخاص والا فالاذن العام كان ثابتا اذ لا ينطق ولا يكتب عن الهوى ان هو الا وحي يوحى فقد علم النبي صلى الله عليه وآله جميع الاحوال والوقايع قبل ابراءها وانشاءها في اماكنها واوقات وجوداتها
فلما نزل صلى الله عليه وآله من عالم الغيب الاول الى الغيب الثاني الى عالم الشهادة
ولما كان عالم الشهادة ضيق الفضاء كان لا تنزل تلك العلوم اليه دفعة واحدة لكنها تجري كالنهر الجاري دايم الجريان لا انقطاع له ابدا ينزل من غيبه صلى الله عليه وآله الى شهادته
ولما كان بين الامرين لا بد من رابطة كانت تلك الروابط هي الملئكة وهي الروابط بين غيبه وشهادته صلى الله عليه وآله تأخذ من غيبه وتؤدي الى شهادته روحي فداءه
مثاله الخطرات التي ترد عليك وتظهر منها في حواسك المرتبطة بجسمك فان تلك الخطرات انما وردت عليك من قلبك الى ظاهر جسمك وحواسك
فالملئكة هم تلك الروابط وهم ذوات متأصلة وارواح ذووا شعور وادراك وارادة خلقوا من فاضل شعاع العقل الكلي الذي هو القلم لقد برزوا وظهروا منه كما برزت الاشعة من الشمس وتلك الروابط مما لا بد منه في الوجود فلا يمكن في عالم الشهادة ان يصل اليه صلى الله عليه وآله حكم من غير الملك ولا يمكن ان يأخذ الملك الا عن غيبهم لان العلم اشرف من كل شيء ومحله يجب ان يكون اشرف لحكم المناسبة فلو كان سويهم حملة العلم كانوا اشرف من محمد واهل بيته صلى الله عليهم اجمعين كيف وان جبرئيل ماعرف الله سبحانه الا بعد ان عرفه اياه عليّ عليه السلم
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لجبرئيل ممن تأخذ الوحي
قال من اسرافيل
قال صلى الله عليه وآله وهو ممن يأخذ الوحي
قال من ميكائيل
قال صلى الله عليه وآله هو ممن يأخذ الوحي
قال من اللوح واللوح من القلم انتهى
وقد عرفت ان القلم متأخر عن النور الاحمدي صلى الله عليه وآله حتى انه غشي عليه الف سنة عند سماع اسمه الشريف
فصح لك انه صلى الله عليه وآله كان عالما بما يصنع بالحسين عليه السلم قبل خلق جبرئيل في عالم الغيب الا جبرئيل واسطة ( الا ان الجبرئيل رابطة خل ) تنزل العلم من غيبه الى شهادته فكان في عالم الاجسام بواسطة جبرئيل وساير الملئكة وفي عالم الغيب كان يعلم جبرئيل بواسطته صلى الله عليه وآله فافهم
قال وفقه الله تعالى : ما معنى خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها
اقول اعلم ان المشية هي الذكر الاول كما قال الرضا عليه السلم ليونس بن عبد الرحمن اتدري ما المشية
قال لا
قال عليه السلم هي الذكر الاول والاشياء ما عداها كلها مذكورة بالذكر فمنها ما هو مذكور بالامكان ومنها ما هو مذكور بالكون ومنها ما هو مذكور بالكون الغيبي ومنها ما هو مذكور بالكون الشهودي
وقد اشار الى القسم الاول مولينا الصادق عليه السلم عند تفسير قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال عليه السلم كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا
ولا شك ان المذكور مسبوق بالذكر فيكون الذكر الاول هو السابق على كل شيء ولو كان هذا الذكر قديما لا يخلو اما ان يكون عين الذات او غيرها فان كان عين الذات يلزم الكثرة والتركيب في الذات لان الذكر له ارتباط بالمذكور والا لم يكن ذكرا فيكون له جهتان فاذا كان الذكر عاما فله صلوح الروابط الخاصة فتكثر الجهات بتكثر المذكورات فلا يكون الازل صمدا لتعدد الجهات والنسب فيه ولذا قال عليه السلم لا تكون الارادة الا والمراد معه
وان كان غير الذات تعدد القدماء فيجب ان يكون حادثا فحينئذ لا يخلو اما ان يكون حادثا بنفس ذكره فهو المطلوب ام بذكر آخر فينقل الكلام فيه فيتسلسل وهو باطل بالضرورة في هذا المقام مع انك اذا رجعت ( راجعت خل ) الى وجدانك وجدت انك اولا تذكر شيئا من غير سبق شيء ثم تحكم على ذلك الشيء بالاثبات او النفي وليست ارادتك الا ذلك الذكر ولم يكن قبل ذلك الذكر شيء سوى ذاتك وقد احدثت ذكرا بنفسه ثم رتبت عليه حكما من الاحكام
ووجه آخر ان المشية هي فعل الله سبحانه وما سواها من المخلوقين كلهم مفعول والمفعول مسبوق بالفعل ومتقوم به والفعل لو كان مسبوقا بفعل آخر لزم التسلسل ولو كان عين الذات وجب ان لا يفارقها مع ان الفعل يوصف بالنفي والاثبات تقول فعل ولم يفعل فتنفيه مع بقاء الذات فوجب ان يكون مخلوقا بنفسه
ومعنى ان المشية مخلوقة بنفسها انه ليس بينها وبين الذات سبحانه وتعالى وصل واتصال ولا فصل و ( ولا خل ) انفصال ولا نسبة ولا تضاد ولا تخالف ولا توافق اذ في صورة الفصل ان كانت الفاصلة نفسها لم تكن فاصلة وان كانت غيرها والمفروض عدمه
وفي صورة الاتصال لا بد من مشابهة ومناسبة في الملتقى فتكون ( فيكون خل ) الخلق حقا ام الحق خلقا ويلزم التحديد عند الاتصال اذ لو لم تعتبر الجهات والمغايرة جاءت الوحدة وارتفع الاتصال واذا عبرت وجب التحديد وهو باطل بالضرورة
وفي صورة النسبة يلزم التركيب واتحاد الاصقاع اذ لا بد من وجود النسبة في المقامين فيكون في كل من المنتسبين ذات وجهة ( جهة وخل ) ارتباط الى الآخر وهو التركيب
وفي صورة التضاد لم يتصور كونها مخلوقة اذ الضدان متعادلان في القوة والوجود فلم يكن احدهما محدثا والآخر محدثا بفتح الدال في الثاني وكذلك المخالفة والموافقة
واما كيفية هذا الصدور فلا كيف لها فلا تعرف بالكيف كما قال مولينا الرضا عليه السلم وانما ارادته احداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون من غير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له ولا بيان اعظم مما ذكرنا في مقام العبارة والله الموفق للصواب
قال سلمه الله تعالى : وهل الصفات الحادثة الفعلية خلقت قبل المشية ام بعدها
اقول ان النحاة ذكروا ان الفعل هو الاصل في العمل وان الفعل هو الذي يرفع الفاعل ومقتضى هذا القول المتفق عليه ان يكون الفعل مقدما على تلك الصفات لانها هي الاسماء كقولك الخالق ( الخالق و خل ) الرازق المحيي المميت وامثالها من الاسماء
وايضا قالوا ان اسم الفاعل مشتق من الفعل او المصدر وهو ايضا دليل على تقدم المشية على الاسماء لان العامل اشرف من المعمول وهو المؤثر في المعمول والمنفعل المتأثر لا يتقدم على الفاعل المؤثر وكذا المشتق منه اصل للمشتق والمشتق فرع لان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل وهذا لا اشكال فيه ولكنهم ايضا اتفقوا على ان الفعل لا قوام له الا بالفاعل وهو الاصل ( اصل خل ) والفعل فرع له وهو اشرف من الفعل حتى انهم لا يعرفون من الفاعل الا الذات فمقتضى هذا القول ان يكون الاسماء والصفات مقدمة على المشية التي هي الفعل
وحقيقة الامر هي ان الاسم ظهور المسمى بالاثر وذلك الظهور انما هو قائم بالاثر قيام تحقق الا ترى ان القائم اسم لظهور زيد بالقيام والقاعد لظهوره بالقعود والعالم لظهوره بالعلم وامثالها
فالاثر مساوق للظهور بل الظهور هو الوجه الاعلى منه وذلك الاثر انما هو متقوم بالتأثير الذي هو الفعل وصادر عنه
والمشية هي التأثير والاحداث الذي هو الفعل والاثر هو المصدر الذي هو المفعول المطلق وهذا المصدر له ثلث جهات
الاولى جهته ( جهة خل ) الى مبدئه وذكر علته فيه
والثانية جهة تعلقه بغيره
والثالثة مقام تحققه في نفسه
فمن الجهة الاولى يشتق الاسم الفاعل ومن الجهة الثانية يشتق الاسم المفعول ومن الجهة الثالثة المفعول المطلق
فالاسم مشتق من المصدر والمصدر مشتق من الفعل فالاسم متأخر عن المصدر ولذا تراه يعمل فيه والمصدر متأخر عن الفعل ولذا يقع تأكيدا ومعمولا له
فتكون حينئذ الاسماء متأخرة عن الفعل الذي هو المشية الا ترى اختلاف الاسماء وتعددها في زيد مثلا انما هو من جهة اختلاف آثاره والفعل واحد فاذا صدر عنه القيام اشتق له اسم القائم ( الفاعل خل ) واذا صدر عنه القعود اشتق له اسم القاعد وهكذا فتكون الاسماء هي جهات ظهورات الذات بالفعل والتأثير وهي لا شك انها متأخرة عن الفعل
واما وجه التقدم فهو من جهة الدلالة والذكر فان الفاعل اي الاسم الفاعل هو حكاية الفعل للمفعول عدم استقلالية نفسه وهو مقام طي ( مقام الحي لمحيي خل ) الوسايط مثلا اذا نظرت الى ( في خل ) المرآة فانك تلتفت الى زيد المقابل مثلا وتحكم عليه مع قطع النظر عن كونه مثالا لزيد في المرآة ولا ريب انه مثال متأخر عن تأثير زيد ومقابلته للمرآة لان تلك الصورة انما حدثت من جهة المقابلة وهي العلة لوجودها لكنك حين التفاتك الى الصورة تلتفت الى الذات وتتقع ( تقطع خل ) التفاتك عن المقابل والتأثير وساير القرانات والوسايط الحاصلة مع انها كلها مقدمة على تلك الصورة الحاكية فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم
واعلم ان هذه المسئلة من اغمض المسايل في التوحيد الا اني اشرت اليها اشارة يسيرة تنبيها الى نوع المقصود فمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ترى ( يرى خل ) الامر على ما ذكرت واضحا ظاهرا والله ولي التوفيق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال سلمه الله تعالى : هل الصادر الاول هو المشية ام الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله
اقول اعلم ان الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله بالنسبة الى المشية كالانكسار بالنسبة الى الكسر والكسر وان كان مقدما على الانكسار الا انه لا تحقق له الا بالانكسار اذ لو لم يكن الانكسار لم يكن الكسر ولولا الكسر لم يكن الانكسار كل واحد منهما شرط لتحقق الآخر والانكسار محل للكسر وبه تمام الكسر واحدهما قائم بالآخر قيام تحقق وعضد
ويقال ايضا ان الحقيقة ( الحقيقة المحمدية ص خل ) المقدسة قائمة بالمشية قيام تحقق والمشية قائمة بها قيام ظهور وهو قوله عليه السلم نحن محال مشية الله ولا تظهر آثار المشية في الاكوان والاعيان الا بتلك الحقيقة ( الحقيقة المقدسة خل ) الشريفة صلى الله عليه وآله وهي الزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار المشية
وهنا احوال عجيبة واسرار غريبة يضيق صدري باظهارها ولا يضيق بكتمانها
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان
ولو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
قال سلمه الله تعالى : وعلى اي التقادير ( التقدير خل ) هل خلقه الله سبحانه بذاته او بامر آخر وان كان الثاني فاي شيء هو والمفروض انه لم يكن هناك شيء غير الذات
اقول هذا آخر مسائله وفقه الله لمراضيه اعلم انا قد ذكرنا لك سابقا عن كلام مولينا الصادق عليه السلم انه سبحانه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية وبيننا معنى ( بينا ان معنى خل ) خلقها بنفسها انه لا بمشية غيرها ولا بذاته تعالى لان الذات سبحانه وتعالى ليس لها مع غيرها ربط ولا نسبة ولا وصل ولا فصل ولا تباين ولا تخالف لما ذكرنا سابقا فلا نعيد والسلام على تابع ( على من اتبع خل ) الهدى وخشي عواقب الردى وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
*********
*****
*