الفائدة في الوجودات الثلاثة (الوجود الحق، المطلق، المقيّد)

الشيخ أحمد الاحسائي
النسخة العربية الأصلية

الشيخ أحمد الاحسائي - الفائدة في الوجودات الثلاثة (الوجود الحق، المطلق، المقيّد)

الفائدة في الوجودات الثلاثة

الوجود الحق الوجود المطلق الوجود المقيد

من مصنفات

الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي

حسب جوامع الكلم – المجلد الثاني
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين ‌الدين الاحسائي اعانه الله على طاعته وامده بهدايته ان الوجودات التي يشار بلفظ الوجود الى العبارة عن معرفتها ثلاثة :

  • الاول الوجود الحق
    وهو احدى الذات لا يمكن فيه تصور كثرة او تعدد او اختلاف في الذات او الاحوال بمايز او سبق او انتقال لا في نفس الامر ولا في الفرض والامكان والاعتبار ولا في العبارة والاشارة بل هو بكل اعتبار احدى المعنى مبرء عن كل ما سوى ذاته مطلقا وهو الله سبحانه وتعالى وليس شيء بحقيقة الشيئية سواه

  • الثاني الوجود المطلق
    قيل وهو الرابطة بين الظهور والبطون وبرزخ البرازخ وتصحيح هذه العبارة ان جهة الربط الى البطون جهة المفعولية وجهته الى الظهور جهة الفعلية وهو مشية الله وفعله وهو اشد الاشياء بعد الازل وحدة وبساطة وهو شيء بالله سبحانه قائم بالله قيام صدور اي طري ابدا فهو اسم الله الاعلى الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره ومعنى قولنا استقر في ظله ان الله سبحانه خلقه بنفسه واقامه بنفسه وهو الراجح الوجود بين الوجوب والجواز ووعاؤه السرمد وهو الذي ملأ الامكان والكلمة التي انزجر له العمق الاكبر وهو الامكان ولا اول له ابتدائي ولا آخر انتهائي لان الاول الابتدائي والاخر الانتهائي انما كانا به فهما شيء به فلا يحددانه بل هو يحددهما

  • الثالث الوجود المقيد
    واوله الدرة وآخره الذرة اي اوله العقل الاول وآخره ما تحت الثري وهذا الوجود واحد بسيط في ذاته من حيث هو وقولنا اوله وآخره نريد به تعيناته واختلفوا فيه هل يتصور ام لا فقيل يمتنع تصوره وقيل هو بديهي التصور بالبديهة وقيل انه كذلك بالدليل وقيل بانه نظري التصور فمن قال بامتناع تصوره قال ان مشاعر التصور من الانسان والامور الذهنية التي هي آلة التصور ومواده منه وكلما فرضته فهو منه فلا يمكن تصوره لانها هو والشيء لا يتصور نفسه الا مع اعتبار المغايرة والمغايرة هنا ممتنعة اذ لا يغاير الوجود الا العدم

ومن قال انه بديهي التصور بالبديهة قال انه حاصل لكل احد في كل حال بدون طلب لان الطالب له لا تحصل له حالة تغايره فيطلب تصوره فيها فلا يحتاج الي التصور ومن قال انه بديهي التصور بالدليل قال لانه اذا طلب تصوره لا يكون مقدمات الدليل عليه ولا لوازمها من النتائج شيء من طريق الاكتساب بل كلها بديهية لما قلنا في ما تقدم فهو وان امكن طلبه بالدليل الا ان الدليل لا يفيد الا ما هو معلوم ومن قال انه نظري التصور قال انا نفرق بين مفهوم الوجود ومفهوم العدم ومن قال انه بديهي او ممتنع التصور هل قال ذلك عن معرفة به ام عن غير معرفة فان كان عن معرفة به فقد قال بامكان تصوره لكن لما كان الشيء يتصور على ما هو عليه وكان الوجود ليس بمفقود ابدا كان تصوره على ما هو عليه وهو حجتنا وان كان عن غير معرفة به فلا معنى لكلامه ونحن نطلبه بالنظر والدليل على امكان طلبه ان العلماء منهم من قال ان الوجود هو الكون في الاعيان ومنهم من قال الوجود هو ما به الكون في الاعيان وطلب العقلاء لمعرفته وجهل الاكثر به دليل على امكان طلبه بالنظر

اقول اعلم ان كلامهم في مطلق الوجود الشامل للمراتب الثلاثة لان لفظ الوجود عندهم يطلق علي الثلاثة بالاشتراك اللفظي عند قوم والمعنوي عند اخرين والتشكيك عند آخرين ولا يخفى على من له بصيرة ان من قال انه بديهي التصور مطلقا او نظري التصور انه معلوم عنده اما بالبداهة المطلقة او في الدليل او بالنظر والاكتساب ولا ريب في بطلان قول من ادعى معلومية ذات الواجب سبحانه بالبداهة او الاكتساب لانه ان اراد بالوجود الواجب ذاته فقد اكتنهه وان اراد وجود ذات فعله ومشيته الذي هو الوجود المطلق فقد حده وغياه ومن حده وغياه لم ‌يكن موجودا به لانه اعلى منه واقدم سبقا وان اراد ما يعم الثلاثة فاسوء حالا من الاولين حيث جوز اجتماع ما لا يجوز عليه الاجتماع ولا الافتراق وان اراد الوجود المقيد فمطلق الارادة صحيحة لكن لتعلم ان مراتب الوجود المقيد متعددة مثلا كالعقول والنفوس وما بينهما وكالاجسام وما بينها وبين النفوس فمن قال ان الوجود المقيد من مراتبه ما يحصل بلا نظر وكسب فهو حق فان منه كون زيد في الاعيان وانه هو وان هنا موجودات من جمادات ونباتات وحيوانات واعراضا وهذا لا يجهله عاقل بل كل عاقل يقطع بحصول هذه الاشياء بلا نظر وكسب ومن قال بالتصور فنقول ان اراد به معناه العرفي العام الذي هو عبارة عن مطلق المعرفة بمطلق التوجه فلا شك في ذلك وان اراد بالتصور الادراك بالصورة فان اراد بعض مراتبه فحق لان الاجسام مثلا تدرك بصورها وهي منه وان اراد كل الوجود المقيد فلا يمكن تصوره ولا ادراك معناه لا بالعقل ولا بالنفس لانهما وادراكهما بكل اعتبار منه فلا يمكن تصوره بالنفس ولا تعقله بالعقل اذ كلما يفرض منهما وعنهما فهو منه فيكون الشيء قد تصور نفسه اي بدون مغايرة مفروضة اذ كل ما يفرض مغايرا انه المتصور بكسر الواو فهو المتصور بفتح الواو بنفس تلك الحيثية كما تقدم اذ لا يغاير الوجود الا العدم نعم قد يمكن معرفته بالفؤاد لانه ينظر بعين من الوجود المطلق اعارها اياه لان الفؤاد يدرك بلا اشارة ولا كيف وهذا المعنى هو الذي اشار اليه امير المؤمنين عليه السلام لكميل حين قال له زدني بيانا يعني في تعريف الحقيقة التي سأل عنها فقال (ع) نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره فالوجود المقيد هو ذلك الذي اشرق من صبح الازل وصبح الازل الذي هو الوجود المطلق الذي هو المشية والوجود المقيد هو محل الاشارة والكيف والعين المعارة هي الجزء الاكبر من الانسان اي الوجود بدون الماهية وهو في الانسان بمنزلة فعل النار في السراج والماهية بمنزلة الدهن والنار هي الوجود المطلق وهو وراء المقيد لان المقيد هو مجموع النار والدهن وقولي فعل النار اريد به النور من النار لان حقيقة النار هي الوجود المطلق وهو صبح الازل والنور من النار هو الجزء الاعلى من المقيد والجزء الاسفل هو الماهية فالعين هي النور وهو البسيط قبل المركب ويدرك المركب بنوع ادراكه اي بلا اشارة ولا كيف لان السابق يدرك اللاحق وانما قلت فعل النار لان النار الاولى التي هي الوجود المطلق تأخذ من ارض الامكان ارض الجرز اربعة اجزاء من امكان رطوبتها وجزءا من امكان يبوستها فتلطفهما فيكونان ماء فيقع على مشاكلهما من ارض الامكان فيكون الموجود من الجميع فالماء وجود والمشاكل ماهية وهما الوجود كالنار في السراج فانها تأخذ من الدهن اربعة اجزاء من رطوبته وجزءا من يبوسته فتلطفهما حتى يتهيأ بالنار هيئة الانارة فينفعل به ما يشاكله من الدهن وهو الدخان والحافظ له ما قارب الدخانية من الدهن فتدبر المثال فقد كشفت لك في هذا الخطاب ما لا تراه في كتاب ولا تسمعه من جواب والله ملهم الصواب واليه المأب


وكتب احمد بن زين ‌الدين في العشرين من شهر رمضان سنة ثلث وعشرين من بعد المائتين والالف والحمد لله

المصادر
المحتوى