
حسب جوامع الكلم – المجلد الخامس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد انهى الي السيد العفيف والسند المنيف السيد شريف بن الطاهر الفاخر المرحوم السيد جابر احسن الله اليه وازلف درجته لديه مسئلة نقلت اليه قد تعصبت على الافكار وتمنعت على اولي الابصار طلب من محبه الجواب عنها لانها من مهمات الدين وركن من اركان اليقين فكتبت ما سنح على البال المتشوش بالحل والارتحال وذكرت ما يتفرع عليها من السؤال بشهادة الحال تتميما للمقال وحسما للداء العضال ليأتي الجواب مبينا لاولي الالباب وهي :
ما حاجة المكلفين الى عصمة المعصوم (ع) ويتفرع عليه انه ان كانت الحاجة الى ذلك للامن من الخطأ في التبليغ الى المكلفين ليعبدوا ربهم باليقين لانه لا يعبد بالشك والتخمين لانه اذا امكن عبادته بالصرف ولا يقبلها على حرف لزم عدم جواز خلو الزمان في كل آن من معصوم ظاهر يتلقون عنه النواهي والاوامر لان ذلك لطف في التكليف ورأفة عند التعريف ولزم عدم جواز الأخذ عن غير المعصوم للعلة المذكورة وهذا خلاف الواقع في هذا الزمان ووقوع ذلك مع اعتقاد انه تعالى لا يخل بواجب في الحكمة دليل على عدم احتياجهم الى متصف بالعصمة وثبوت ذلك دليل على جواز الخطاء والغفلة على الوسائط بين الله وبين خلقه المستلزم لهدم بنيان مثبتيها وتزعزع اركان مدعيها
الجواب اعلم ان جواب هذه المسئلة المشكلة مع جميع ما يتفرع عليها يتوقف على تقديم اشارة الى كلمات ينكشف بها لاولي الالباب صريح الجواب فاقول ومن الله الهام الصواب واليه المرجع والمأب اعلم ان الله سبحانه لما كان كنهه تفريقا بينه وبين خلقه وغيوره تحديدا لما سواه كان لا يعلم احد كيف هو في سر ولا علانية الا بما دل على ذاته بذاته ولا يعرفه احد الا بما تعرف به اليه فهو الدليل والمدلول عليه وكل ما وصلت اليه الافهام وحامت حوله الاوهام فهو مثلها مردود عليها وحيث احب من عباده ان يعرفوه وطلب منهم ان يعبدوه تأصيلا للرحمة واسباغا للنعمة وكانوا لا يعرفون ما يليق بعز جلاله وانما يعرفون ما يليق بهم وجب في الحكمة ان يبعث اليهم روحا خميصة من امره وان يلبسه قالبا من بشريتهم ليجانسهم ويوانسهم بظاهره كاملا قويا في باطنه يقدر على التلقى والتعريف الالهي تاما قويا في ظاهره يقدر على ترجمة التعريف بلسانهم قال تعالى ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وقال تعالى وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم والمراد بوجوب ذلك في الحكمة وجوبه في عالم الامكان والحدوث ومعناه انه لا يجري الامكان الا على مقتضى الحكمة ولا يخرج الموجود الحادث في كل رتبة من تطوراته الا مبينا مشروحا على اكمل وجه في البيان في كل رتبة بحسبها فما بطن خفي ظاهرا بيانه وما ظهر استعلن برهانه وحيث كان ذلك التعريف الذي هو مبدأ التكليف سببا وسبيلا بين مختلفين في كل جهة من كل جهة لما لوحنا لك ان الوجوب بخلاف الحدوث ولا نريد انه بعكسه فيعرف بضده اذ لا ضد له فان الحرارة تعرف بالبرودة والرطوبة باليبوسة على انه لو كان كذلك لم يكن عنه شيء منه بل نريد انها ليست كمثله اذ لا ند له فيكون في عزه وغناه مشاركا وفي ذاته وصفاته وافعاله مماثلا سبحن ربك رب العزة عما يصفون وكان الترجمان الواسطة بين المختلفين موافقا بجهته العليا للتكليف ومبدئه وتلقيه وبجهته السفلي للتبليغ والتعريف وكان ذلك التكليف علل ما هم عليه ومذكورون به في المشية فجرى هناك بذكرهم على ما لا يعرفونه من انفسهم هنا لانه في الحقيقة ثناء على من لا يعرفونه الا بما وصف لهم نفسه على لسان الترجمان وجب في الحكمة ان تعتبر عصمة الترجمان في التبليغ اذ لو جاز عليه الخطاء لجاز ان يكون فيما بلغ غير ما امر به وهو غير ما يراد منهم فلا يجب قبول شيء من قوله لانه اذا جاز في مسئلة جاز في اخري فاما ان يلزم من ذلك قول البراهمة او يرتفع التكليف اذ لا فرق حينئذ بينهم وبينه وقد ثبت بطلان مذهب البراهمة وثبت بقاء التكليف وبه دار الفلك فثبتت الحاجة الى عصمة الترجمان عن الله تعالى ثم لما كان مقتضى القدر والقضاء الالهيين الجاريين على مقتضى الحكمة في ايجاد الموجودات عدم بقاء هذا الترجمان الى انقضاء وقت التكليف لسبب يطول ببيانه الكلام وكانت الاوامر والنواهي المتعلقان بافعال المكلفين غير محصورة لكثرتها لتجدد الحوادث والوقائع ما دام التكليف باقيا وجب في الحكمة ان يكون لها حافظ عن التغيير والتبديل والتلف بسهو او نسيان او جهل او موت او غير ذلك ومن كان كذلك وجب ان يعتبر فيه ما يعتبر في الترجمان من الحفظ والفهم وقوة الباطن في التحمل والتلقي عنه لانه يأخذ عنه بالجهة التي اخذ بها الترجمان عن الله تعالى وقوة الظاهر في الاداء والعصمة للامن من الخطأ والاخلال بالواجب كما ذكر في الترجمان وذلك لأن الترجمان لما وجب عليه ان يلقيها الى الحافظ لئلا يضيع من في الاصلاب والارحام ويرتفع التكليف وكانت لا تنحصر بالعد ولا يضبطها حد وجب عليه ان يلقيها اصولا وقواعد كما القيت اليه كذلك في جوامع الكلم الى الحافظ وقد فعل ولهذا قال الحافظ لما سئل عما اوعز اليه حين ناجاه طويلا قال علمني الف باب من العلم ينفتح لي من كل باب الف باب وكذلك ما اشتمل عليه الجفر والجامعة والغابر والمزبور ومصحف فاطمة (ع) ونور ليلة القدر والعمود النور والاسم الاكبر والرجم وغير ذلك مما كتب عنه باملائه وكلها اصول وضوابط تنطبق على افراد من المسائل لاتكاد تتناهي واخراجها من اكمام غيوب الضوابط والكليات على طبق الواقع لا يمكن الا بتلك القوة الالهية مع العصمة وتسديد الملك المحدث والا جاز عليه التغيير والتبديل فلا يكون حافظا ولا يجب الاخذ عنه كما مر في الترجمان حرفا بحرف لان تفصيل تلك الجمل على طبق مراد الله الذي هو حكم الله في نفس الامر ليس في وسع البشر ليستغني عن الكشف الرباني الملابس للعصمة وهكذا حكم كل مستحفظ بعد مستحفظ وهذه سنة الله التي قد خلت في عباده ولنتجد لسنة الله تبديلا ولنتجد لسنة الله تحويلا وفيما رواه ابو ليث الواقدي عن النبي في غزوة اوطاس قال (ص) لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه الحديث وكانت الانبياء مع اوصيائهم على هذا السنن منذ اهبط الله آدم الى زمن نبينا (ص) فكان كذلك حتى امره الله ان يخبر عن نفسه بجريه على ذلك السنن فقال قل ماكنت بدعا من الرسل فكانت الحجة لله على عباده قائمة من العقول والرسل قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق اذ في كل وقت لا يخلو العالم من غوث هو محل نظر الله من العالم وهو المستحفظ المشار اليه واما في هذا الزمان فانا انما لم نشترط العصمة في كل واحد من العلماء الذين هم وسائط بين الرعية والداعين كما اشار اليه تعالى بقوله وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة والقرى الظاهرة هم العلماء على احد التأويلين لانهم لا يراد منهم التلقي عن الله وتفصيل الجمل على طبق مراد الله في نفس الامر كما في الترجمان والحافظ وانما يراد منهم نقل ما فصل لهم وحمل ما وصل اليهم وان كانوا يستنبطون الاحكام من كلام الترجمان والحافظ المنقول اليهم بالنقل المعتبر لان افهامهم تدور مدار مرادهما وتحوم حول كلامهما لتحصيل ما قصداه فافهامهم محبوسة على ما هو مرادهما بحسب ما يفهمون لم يطلبوا غير ما ارادا بكل ما يقدرون عليه قد قصروا نظرهم في اتباعهما فاغنى وجود العصمة في المتبوع والاصل عن وجودها في التابع والفرع فان ذلك اذا كان محفوظا مفصلا عند المتبوع لا يضر تجويز خطأ التابع لانه اذا اخطأ واحد منهم لم يخط غيره فلم يخرج الحق عن مستقره نعم نشترط حصول اثرها اعني اصابة الواقع في المجموع وهو قطعي الحصول لانهم قد حصروا بعقولهم جميع ما يحتمله كلامهما على ما ضبطاه لهم من الاصول فلم يخرج مرادهما عن اقوالهم وقد نص الترجمان (ص) على هذا بقوله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة كما نشترط حصولها في المستحفظ لاتحاده والاصل في ذلك اعني الاكتفاء بالتكليف المنقول المفصل من دون اعتبار العصمة في هذا الحامل انه وان كان مفصلا ومفرعا الا انه طالب لمراد المستحفظ من الجهة الجامعة بينهما وهي الجهة البشرية التي قلنا انها جهة المجانسة والموانسة لانهم يعرفون احكامها بخلاف الجهة العليا من المستحفظ التي لا يعرفون احكامها فان شرط قبول التكليف بما لا يعرفون وجود العصمة ليلتزموا باحكامها فلما قررنا اشترطنا وجود العصمة في التلقي من جهة الوحي لئلا يجوز عليه تلقي ما لا يفهم وما لا يراد منه وفي الاداء والتبليغ لئلا يجوز عليه تبليغ ما لا يراد منه من تفصيل تلك الجمل اذ لا يعرف تفصيلها غيره فيريد غير المراد ولو كنا نعرف تفصيلها لم نشترط فيه لها العصمة لانا نقومه اذا اعوج ونسدده اذا زاغ ولمنشترط ذلك في تلقي ما فصله الحافظ لما قلنا من انا نعرف احكام جهتنا وهو انما فصلها لنا على ما نفهم ولانه مسدد لنا كما قال الصادق (ع) ان الارض لا تخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم ه هذا مع حفظ اصله على ان الدليل القاطع قد قام على وجود المستحفظ في هذا الزمان لما قلنا ان العالم لا يجوز ان يخلو عن قطب وغوث هو محل نظر الله من العالم وللاخبار المتواترة معنى بذلك وان كان مستترا بعينه عنهم فان نور وجوده في قلوبهم ولقد ورد في الاثر المعتبر انهم ينتفعون في غيبته بوجوده كما ينتفع الناس بضوء الشمس اذا غيبها السحاب يعني انه في غيبته كالشمس اذا غيبها السحاب فان النهار موجود لوجود ضيائها ولو لم تكن موجودة لم يوجد ضياء النهار عادة فعلى هذا لم يستغن عن العصمة اما بعينها وضيائها كما في الترجمان والمستحفظ واما بضيائها كما في العلماء الاخذين عنه ولو فقدت اصلا فقد الادراك المجزي لعدم النور اصلا ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور