
حسب جوامع الكلم – المجلد الخامس
طبع في مطبعة الغدير – البصرة
في شهر ربيع الاخر سنة 1430 هجرية
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه عرض جناب قرة العين والعارف بلا مين جناب الاخوند الملا محمد حسين الاناري الكرماني بلغه الله غاية الاماني لمحبه ومخلصه ببعض المسائل يريد جوابها وانا الأن ليس لي قوة الجواب لكثرة الاشغال بالاعراض وملازمة الامراض ولا اقدر على مطلوبه ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور والى الله ترجع الامور فسارعت الى ما يمكن من اجابته وجعلت عبارته كالمتن والجواب كالشرح كما هي عادتي في اجوبة المسائل
قال سلمه الله تعالى : ان فيما قاله دام ظله في جواب سؤال الشاه عن اوضاع عالم البرزخ واحواله الفاظا ومطالب غامضة منها لفظة هورقليا وعالمه وعناصره وافلاكه اولا ما المراد بتلك اللفظة وثانيا من اية لغة هي وثالثا ما المراد بعالمه وعنصره وفلكه والرابع ما الدليل على ذلك من الشرع او العقل
اقول اما لفظة هورقليا فمعناها ملك آخر لان المراد به عالم البرزخ وعالم الدنيا هو عالم الاجسام اي عالم الملك وعالم النفوس عالم الملكوت وعالم البرزخ المتوسط بين عالم الملك وعالم الملكوت عالم اخر فهو ملك اخر يعني ان عالم الاجسام عالم الملك وهنا عالم ملك آخر وهو في الاقليم الثامن اسفله على محدب محدد الجهات في الرتبة لا في الجهة اذ لا شيء وراء محدب محدد الجهات ولا وراء له ولكن عالم هورقليا اسفله على اعلى فلك الاطلس في الرتبة والصورة التي تراها في المرءاة من اسفل ذلك العالم
واما انه من اي لغة هي فهي من اللغة السريانية وهي لغة الصابئة الان وهم في هذا الزمان يسمون بالصبة وهم الان في البصرة ونواحيها كثيرون لعنهم الله واما انه ما المراد بعنصره وعالمه وفلكه فاعلم ان عالم البرزخ الواسطة بين الدنيا والاخرة هو عالم المثال الواسطة بين عالم الملكوت وعالم الملك ويطلقون هورقليا على افلاكه وما فيها من الكواكب ويطلقون جابلقا وجابرسا على سفليه ويقولون جابلقا مدينة بالمشرق اي جهة الابتداء وجابرسا مدينة بالمغرب اي الانتهاء ومن عناصره خلق الجسد الثاني الباقي وهو طينته التي تبقى في قبره مستديرة وفي مشرق هذا العالم نيران الدنيا وفي مغربه جنان الدنيا جنان آدم عليه السلام وهي التي تأوى اليها ارواح المؤمنين وهي المدهامتان المذكورة في القرءان
واما الدليل عليه من جهة الشرع فالاحاديث الكثيرة الدالة على وجود عالم البرزخ والقرءان مثل قوله تعالى ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون والاخبار الدالة على وجود مدنه وقد ذكرت في شرح الرسالة العرشية في المبدء والمعاد لملا صدرا وغيرها احاديث مصرحة بذلك والعقل شاهد بوجوده لان عالم الملكوت من المجردات وعالم الملك من الماديات ولا بد ان يكون بينهما برزخ ليس في لطافة المجردات ولا في كثافة الماديات والا وجدت الطفرة في الوجود وما دل على ثبوت الحالة التي بعد الموت وقبل القيمة اكثر من ان يحصى ولم ينكره احد من العلماء وان اختلفت مقاصدهم وعباراتهم فيه
قال ايده الله تعالى : ومنها ان في تضاعيف كلماته الشريفة في ذلك الجواب ما يدل على ان هذا الجسم العنصري يفنى ولا يعود في الاخرة وذلك ظاهرا مناف لظاهر الاية الشريفة وصريح الاخبار الواردة
اقول اعلم ان الجسد الذي في الانسان جسدان احدهما الاول وهو فان لا يعود والجسم فيه جسمان الاول لا يعود والجسد الثاني يعود والجسم الثاني يعود وهذا هو الذي ذكرناه في تلك الاجوبة والمراد ان الانسان نزل من عالم الغيب من الخزائن كما قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه فلما نزل الى الدنيا دار التكليف ليأخذ منها متاعه للاخرة كل ما وصل الى رتبة في نزوله تلوث باعراض تلك الرتبة مثل جبريل عليه السلام اذا نزل الى الدنيا في زمان النبي صلى الله عليه وآله لبس صورة دحية الكلبي فاذا صعد الى السماء لم يصعد بصورة دحية الكلبي ولا تعود معه واذا نزل على الانبياء كل نبي ينزل عليه في صورة رجل جميل من اهل زمانه فكذلك الانسان لما نزل بالجسم الاصلي الثاني الحامل للنفس ومر بعالم المثال لحقه من عالم المثال الجسم الاول وهذا لا يعود لانه ليس من الانسان وانما هو بمنزلة الوسخ الذي في ثوبك فانك اذا غسلته ذهب الوسخ ولا يعود فلما نزل الى الدنيا لحقه الجسد الاول من العناصر وهو عرض لا ذات وانما هو من وسخ هذا العالم فاذا مات وخرج من الدنيا ودفن في قبره اكلت الارض الجسد الاول وبقي الجسد الثاني في قبره الى يوم القيمة فاذا كان يوم القيمة اتته الروح ودخلت فيه ودخلت معه الجنة او النار وهو العائد الباقي واما الجسد الاول الدنيوي العنصري اعني الاعراض والاوساخ التي من الدنيا ما كانت منه ولا معه وانما لحقته في هذه الدنيا فتعود الى اصلها كما ان ثوبك من القطن فاذا لحقه طين او وسخ وغسلته ذهب ولا يعود ولا تقول انت ولا غيرك انه ذهب من الثوب شيء وانما ذهب عنه ما ليس منه فاذا كانت الروح في عالم البرزخ فهي في الجسم الاصلي ولحقه جسم من البرزخ ليس منه وانما هو عرض زائل فاذا كان يوم القيمة عاد الانسان كله وتخلف عنه ما ليس منه الا ترى انك اذا كسرت خاتمك ذهبت صورته فاذا صغته عاد الخاتم الاول بصورته بعينه مع ان الصورة الاولى لا تعود وهو معنى قوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب مع ان الجلود المبدلة هي الاولى وانما سماها غيرها لان صورتها الاولى ذهبت وبدلت صورة اخرى ولهذا قال الصادق عليه السلام في الاية هي هي وهي غيرها ثم مثل باللبنة تكسرها وتردها في قالبها فهي هي وهي غيرها فالجسد الاول والجسم الاول اللذان قلنا لا يعودان نريد بهما الاعراض التي تلحق الانسان من مراتب تنزله وهذا الجسد الظاهر المحسوس المرئي الملموس هو الذي لا يفنى ولا يذهب منه شيء بل هو باق الى يوم القيمة حتي يعاد ويحشر فيه الى الجنة او الى النار نعم لا بد من كسره وصوغه ثانيا فاذا كسر صفي من كل شيء ليس منه ثم يصاغ لانه لو لم يصف من الاعراض لم يصلح للبقاء لان امتزاجه بالاعراض في هذه الدار هو المانع له من البقاء
قال سلمه الله تعالى : ومنها ما المراد بانجذاب الروح الى ثقبها من الصور بين النفختين وما المراد بمخازنه الستة وما الدليل على ذلك
اقول اعلم ان الروح قد قام الدليل على انها هي الانسان المخاطب المكلف وان هذه البنية الظاهرة بيت لها حبست فيه لما خيف عليها لو تركت في عالمها الفسيح ان تدعي الربوبية كما دلت عليه الاخبار ولانها انزلت فيه لانه آلة لها تتوصل بتوسطه الى العلوم الظاهرة والباطنة المودعة فيها ولما اريد انزالها اقتضت طبيعة الكون توسط النفس الفلكية الحيوانية الحسية لئلا تقع الطفرة في الوجود والفيض فلما حان الرحيل الى عالمها الاول عادت الواسطة اعني النفس الحيوانية الفلكية الى النفوس الفلكية عود ممازجة كعود قطرة الماء الى البحر وبقيت الروح ساهرة لا تنام كما قال الصادق عليه السلام وهي اذا عادت تعود الى ما منه بدئت عود مجاورة لانها باقية فاذا نفخ في الصور النفخة الاولى نفخة الصعق بطلت وعاد كل شيء الى اصله فهي مع جميع ثيابها تعود عود مجاورة ولما كانت انزلت من الخزائن تعود اليها وبطلانها تفككها لا فناؤها فلما تفككت عاد مثالها الى خزانته التي نزل منها وهباؤها الى خزانته التي نزل منها وطبيعتها الى خزانته التي نزلت منها ونفسها الى خزانته التي نزلت منها وعقلها الى خزانته التي نزل منها وهي الخزائن كما في الاية وان من شيء الا عندنا خزائنه هي المعبر عنها بالمخازن ومجموعها خزائن الروح المعبر عنها بثقبتها في الصور واما ادلة ما ذكرنا فهي ليست في حديث واحد او عشرة بل في روايات متعددة وايضا مدركها من طريق دليل المجادلة بالتي هي احسن لا يمكن الا بذكر كثير منها بل هو من دليل الحكمة وهو لا يعرف كونه دليلا الا بتوفيق من الله تعالى خاص يهبه الله سبحانه للقلوب المجتمعة ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا
قال ايده الله تعالى : وايضا ما ورد فيما ورد في احوال يوم القيمة واهواله انه خرج من جهنم كذا ولولا منعه لاحرق السموات وظاهر الاية وصريح الاخبار ان السموات مطويات فانية فكيف التوفيق بين ذلك وهذه
اقول ان الله سبحانه خلق الف الف عالم والف الف ادم انتم في آخر العوالم واولئك الادميين وكل عالم فيه مثل ما في عالمنا من السموات والارضين والجبال والبحار والحيتان والاشجار والثمار والصحارى وما فيها من الوحوش والاطيار والحشرات وهذه العوالم كلها في الدنيا وفي الاخرة فيوم القيمة يحشر الناس في الارض والسموات حينئذ فوقهم ولقد روي ان يوم القيمة تنزل الشمس من السماء الرابعة الى السماء الدنيا فمعني طي السموات وتبديلها وكشطها هو كسرها وتصفيتها فكل شيء على قياس الانسان فان كان جسدك يفنى ولا يعود فكذلك السموات فان كنت تعتقد ان جسدك هذا بعينه يعود بعد كسره فكذا السموات وكل شيء هكذا وقد قال تعالى في حق اهل الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض وقال تعالى وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ولذا ورد انه يوم القيمة خرج من جهنم عنق الخ والعنق طائفة منها
قال سلمه الله تعالى : وايضا ما المراد بنورانية انا انزلناه والخيط الذي اعطاه السجاد الباقر عليهما السلام كما في الخبرين المرويين في البحار في المجلد السادس الى اخر كلامه
اقول هذه آخر كلامه اعلى الله مقامه المراد بنورانية انا انزلناه في ليلة القدر الذين اذا ارادوا عليهم السلام شيئا سألوه فاتيهم بما سألوا هو روح القدس في قوله تعالى تنزل الملائكة والروح فيها وهو روح القدس الذي يكون معهم يسددهم ويسألون منه كل ما يريدون ويأتيهم به وهو شريك القرءان وبدله لان النور الذي نزل من الدواة الاولى صلى الله عليه وآله والدواة ملك يؤدي الى هذا الروح وهو القلم وهو ملك يؤدي الى اللوح وهو ملك يؤدي الى اسرافيل عليه السلام والنور الذي انزل من الدواة الاولى صلى الله عليه وآله انقسم قسمين قسم ظهر ملكا وهو روح القدس وهو نور انا انزلناه وقسم ظهر كلاما وهو القرءان في قوله وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم
واما الخيط الاصفر في الحديث الذي رواه جابر بن يزيد عن علي بن الحسين عليهما السلام فهذا خيط النظام القيومي الذي به قامت الاشياء به قيام تحقق وهو خيط الاشراق المحمدي صلى الله عليه وآله الذي به قام كل شيء وانما كان اصفر لانه مظهر اسم الرحمن الذي استوى به الرحمن على عرشه فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه فاذا وصل الجواب الى هنا فقف والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
وقع الفراغ بقلم مؤلفه احمد بن زين الدين الاحسائي ليلة الثامن والعشرين من جميدي الاولى سنة ١٢٣٥ خمس وثلاثين بعد المأتين والالف من الهجرة على مهاجرها واله السلام حامدا مستغفرا مصليا مسلما تمت