تذكرة الوفاء - حضرة الحاج ميرزا محمد تقي أفنان

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

حضرة الحاج ميرزا محمد تقي أفنان – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

كان حضرة الحاج ميرزا محمد تقي أفنان، الملقب بوكيل الدولة، من النفوس الزكية والحقيقة النورانية والجلوه الرحمانية.

هذا الفرع الجليل هو من أفنان السدرة المباركة. اجتمع فيه شرف الأعراق مع حسن الأخلاق أما حسبه ونسبه فكان حقيقيًا وهو من الذين انجذبوا بنفحات الله بمجرد قراءة كتاب الإيقان وانشرحت صدورهم بترتيل الآيات فطغى عليه الوجد والوله بحيث ترك إيران قاصدًا العراق، ملبيًا النداء بالروح والريحان فقام من شدة الاشتياق وطوى الفيافي والقفار بكل روح وريحان إلى أن وصل إلى العراق وهو فائر لم يهدأ له بال ثم ذهب وهو في دار السلام إلى الساحة المقدّسة وفاز بشرف المثول بين يدي الجمال المبارك واعتلى ذروة القبول، فوله وانجذب وانقطع عما سوى الحق بدرجة تفوق الوصف. كان صبيح الوجه، نوراني الطلعة حتى إن جميع الأحباء في العراق سمّوه "أفنان المليح" وكان في الحقيقة نفسًا مباركة، ومحترمًا للغاية. لم يقصّر في خدماته طوال حياته، انجذب بنفحات الله من فاتحة أيام حياته وتوجت خاتمة مطافه بأعظم خدمة لأمر الله. كان حسن المعاملة، شهي الحديث، لم يفتر عن عبوديته للحق لحظة واحدة، يؤدي أعماله فرحًا مسرورًا، وكان كل ذلك مع ما كان عليه من حسن السلوك ينم عن مقدرة في تبليغ أمر الله وتنبيه الكثيرين. وبعد أن فاز بشرف اللقاء في بغداد، عاد إلى إيران وباشر أمر التبليغ بلسان فصيح، إذ هكذا يجب أن يكون التبليغ بلسان فصيح وقلم بليغ مشموليْن بحسن الأخلاق وحلاوة القول وطيب الأعمال والاستقامة في السير والسلوك حتى شهد الأعداء والخصماء بعلوه وروحانيته وأقرّوا بأن هذا الشخص لا نظير له في العمل والقول والتقوى والأمانة والديانة وهو فريد ووحيد في جميع الشؤون ولكنه للأسف بهائي أي أنه ليس مثلنا متهورًا غير مبالٍ ومرتكبًا للسيئات ومنهمكًا في الشهوات ومطيعًا للنفس والهوى.

سبحان الله! فقد لاحظوا أن هذا الشخص الذي لا مِراء في أنه مطلع الهدى قد انقلبت أطواره العتيقة وأصبح بمجرد وصول نفحات الأبهى إلى سمعه، مشكاة شعاع شمس الحقيقة.

لم يتنبه للأمر أيام كان تاجرًا في يزد، وبعد ذلك أصبح سبب انتشار نور الهداية حقًا. ولم يكن له مقصد سوى إعلاء كلمة الله، جل أمله نشر النفحات فكره محصور في التقرب من ساحة الكبرياء مطمئن القلب بترتيل آيات الله، مظهر رضاء الجمال المبارك ومطلع عطاء الاسم الأعظم، وكثيرًا ما تكررت على لسان جمال القدم عبارات الرضاء في حقه حتى إن الجميع تأكدوا أنه سيكون هذا الشخص مصدرًا لأمر عظيم. أما ثبوته ورسوخه على الأمر بعد الصعود المبارك فكان لا ينكره أحد ولم يكن ليتأخر عن الخدمة مهما كانت الحال رغم ما كان هناك من موانع وعقبات كأداء ومشاغل لا حصر لها. ولما عاف تشتت أفكاره ترك الراحة والتجارة والأملاك والأراضي والعقار ورحل إلى عشق آباد وشرع في بناء مشرق الأذكار هناك ولا مِراء في أن هذه الخدمة عظيمة للغاية لأنه كان أول شخص قام ببناء مشرق الأذكار (في مدينة العشق) وأصبح الباني الأول لبيت توحيد العالم الإنساني ووفق إلى ذلك بمعونة أحباء (عشق آباد) واعتبر السبّاق في هذا الميدان حيث لم يسبقه أحد في آقامة مشرق للأذكار. آقام في عشق آباد زمنًا طويلاً لم يذق للراحة طعمًا يحث الأحباء ويشوّقهم إلى ما هو قائم بعمله وهم بدورهم أيضًا قد بذلوا ما وسعهم في هذا السبيل مضحين بكل مرتخصٍ وغالٍ إلى أن تم البناء المذكور وعم صيته الشرق والغرب. أما هو فقد أنفق كل ماله، إلا القلة، في هذا السبيل. هكذا يكون الإنفاق وهذا هو شرط الوفاء.

ثم توجه بعد ذلك إلى الأرض المقدّسة وآقام بجوار مطاف الملأ الأبهى ملتجئًا إلى المقام الأعلى (مقام حضرة الباب) بنهاية التضرع والابتهال وفي غاية التنزيه والتقديس، مشتغلاً بذكر الله على الدوام يناجي الحق بقلبه ولسانه.

كانت روحانيته عظيمة ونورانيته لا مثيل لها، وكان من الذين قالوا في قلوبهم "بلى" قبل أن يُقرع طبل "ألسْت". وقد اشتعل في العراق بنار محبة نيّر الآفاق بين سنة السبعين والثمانين بعد المائتين للهجرة، وشاهد الإشراق من الأفق الأبهى، ولاحظ ببصيرته قوله: "إنني حي في الأفق الأبهى".

أما بشاشتة فحدّث عنها ولا حرج. كان إذا ألمّ بي حزن ولاقيته استبدل حزني بالفرح والسرور في الحال. وكانت عاقبته، والحمد لله، ساطعة الأنوار للغاية وانتقل إلى الملكوت الأبهى بجوار المقام الأعلى فأثرت مصيبة انتقاله في عبدالبهاء أيما تأثير. أما مرقده المنور في حيفا بجوار حظيرة القدس قرب مقام سيدنا الخضر ويجب أن يشاد له قبر بكل إتقان. نوّر الله مضجعه بأنوار ساطعة من ملكوت الأبهى وطيب الله جدثه المطهر بصيّب مدرار من الرفيق الأعلى. عليه البهاء الأبهى.

المصادر
المحتوى
OV