هو الله - ايّها النّحرير الجليل انّی اشکر اللّه علی…

حضرت عبدالبهاء
اصلی فارسی

٥١٠

هو الله

ايّها النّحرير الجليل انّی اشکر اللّه علی ما قدّر و هدی و اشرق و تجلّی و تلألأ نيّر الملأ الأعلی و تشعشع بالنّور و الضّيآء فی فؤاد کلّ من خرق الحجبات الظّلمآء و هتک الأستار و اطّلع بالأسرار و کشف الحقيقة السّاطعة من عالم الأنوار و لمثلک ينبغی هذا و لا يکاد الانسان ان يطّلع بالسّرّ المکنون فی غيب الامکان الّا بعد الخوض فی غمار البحار و الفوز بعمق الأسرار عند ذلک يری الآيات الباهره و الدّلائل السّاطعه و البراهين القاطعه و الحجج اللّامعه انظر الی سرّ الوجود و البرهان المشهود انّ ربّک الودود قد جعل کلّ ممکن الوجود اسير الأحکام الطّبيعه و ذليلاً لقوانينها کما تری انّ الأشياء کلّها تحت سلطة ناموس الطّبيعه و مخذول تحت صولتها و مجبور عند ظهور قدرتها و دولتها حتّی الشّمس النّيّر الأعظم لا تکاد تنحرف رأس شعرةٍ من قوانينها بل هی مطيعة لحکمها ذليلة عند ظهور سطوتها فلا تتعدّی مدارها و هذا المحيط الموّاج مع عظمته و اتّساعه لا يکاد يتخلّص من اسرها و لا يتحرّر من سلاسلها و کذا کلّ الأجسام العظيمه المتلئلئه المتحـّرکة الدّرهرهه فی هذا الفضآء الّذی لايتناهی کلّها تحت احکام الطّبيعه باسرها و اذلّاء عند ظهور قدرتها ضعفآء عند بروز قوّتها و لا تکاد تتعاطی حرکة دون امرها

الّا هذا الانسان الصّغير الجسم الوسيع الفکر العظيم النّهی الشّديد القوی انّه يحکم علی الطّبيعه و يخرق قوانينها و يهدم مبانيها و يکسر شوکتها و يخذل دولتها و يقطع صولتها و لا يعتنی باحکامها و يزدری باصولها و نواميسها کما تری انّ الانسان بمقتضی قوانين الطّبيعه هو حيوان دبّاب علی التّراب ولکنّه يکسر نواميس الطّبيعه و يطير فی الهوآء و يخوض فی غمار البحار و يطارد علی صفحات المآء و تری القوّة البرقيّه الخارقة للجبال العاصية العاتية بقانون الطّبيعه انّها اسيرة حصيرة بيد الانسان فی زجاجة صغيرة و لا شکّ انّ هذا خرق لقانون الطّبيعه و الصّوت الحرّ المنتشر فی هذا الفضآء يحصره الانسان فی آلةٍ صمّآء و هذا ايضاً خرق لقانون الطّبيعه و الظّلّ الزّائل يجعله الانسان ثابتاً علی صفحات الزّجاج و هذا خرق ايضاً لقانون الطّبيعه

و اذا نظرت بنظر دقيق تری انّ کلّ هذه الصّنايع و البدايع و العلوم و الفنون و الاکتشافات و الاختراعات انّها يوماً ما کانت من الأسرار المکنونة و الحقائق المصونة فی غياهب الطّبيعه ولکنّ الانسان اکتشفها و هی فی حيّز الغيب و اخرجها الی حيّز الشّهود و هذا خرق عظيم لقوانين الطّبيعه اذاً لا شبهة انّ الانسان خارق لشرايع الطّبيعه هادم لصولتها کاسر لشوکتها ناسخ لقوانينها فاسخ لنواميسها مع هذا البرهان اللّامع و الحقيقة السّاطعة الدّالّة علی قوّة قدسيّة للانسان ورآء الطّبيعه کيف يتخاذل الانسان و يتنازل الجاهل و يتعبّد للطّبيعه و يسجد لها من دون اللّه و يعتقد انّها هی الحقيقة الجامعه و الدّرّة البيضآء السّاطعه و الکينونة الحائزة المعنی التّامّ و الهويّة المحتوية علی الکمالات بتمام معانيها استغفر اللّه عن ذلک بل انّ الحقيقة السّاطعة الخارقة للطّبيعة و احکامها الکاشفة لأسرارها الکاسرة لقوانينها و نظامها هی الانسان و هذا اعظم برهان و اقوم دليل لعلوّ الانسان و سموّه علی الطّبايع کلّها فامعن النّظر حتّی تری البرهان الّذی انزله الرّحمن فی القرآن خلق الانسان علّمه البيان انّما البيان عبارة عن الحقيقة السّاطعه و الأسرار المودعة فی حقيقة الانسان تعالی الرّحمن الّذی خلق هذا النّور المبين المؤيّد بالفکر و الذّکر العظيم و امتازه اللّه من الکائنات حتّی عن الطّبيعه الّتی يعبدونها من دون اللّه و اذا نظرنا الی النّواميس المرتبطة بها جميع الکائنات فی حيّز الطّبيعه نری بوضوح البيان انّ الانسان بقانون الطّبيعه اسير للسّباع الضّاريه ولکنّه بقوّة معنويّة مودعة فيه ياما اسر السّباع الضّاريه و ياما ذلّل و قهر الذّئاب الکاسره و هذا خرق عظيم ايضاً لنواميس الطّبيعه و انّ الانسان يدع آثار القرون الخاليه و الفنون الحاضره مواريث للقرون الآتيه و هذا خرق عظيم ايضاً لنواميس الطّبيعه و انّ الانسان له آثار باهره بعد غيابه من هذه النّشئة الحاضره و الحال انّ الآثار تابعة للمؤثّر حيث الأثر و المؤثّر توأمان و لا يجوز وجود الأثر المستمرّ مع فقدان المؤثّر و هذا خرق

و انّ الانسان يجعل للأشجار الفاقدة الثّمار قطوفاً دانيه و هذا خرق و انّ الانسان يجعل السّموم المهلکة بقانون الطّبيعه سبباً للشّفاء و العافيه و هذا خرق و انّ الانسان يستخرج المعادن الّتی هی کنوز الطّبيعه و اسرارها المکنونة المصونة فی باطنها و لا يجوز ظهورها بحسب قانونها و هذا خرق و انّ الانسان بقوّةٍ معنويّه يمزّق قوانين الطّبيعه کلّ ممزّق و يغتصب السّيف الشّاهر من يد الطّبيعه و يضربها به ضربةً دامغه و هذا خرق بل تمزيق لقانون الطّبيعه ثمّ انظر انّ الانسان کاشف لأسرار الطّبيعه و الطّبيعة غافلة عنه و عنها و انّ الانسان يخابر الشّرق و الغرب طرفة عين و هذا خرق و انّ الانسان مستقرّ فی مرکزه و يشاهد و يکالم و يخابر النّواحی القاصيه و هذا خرق و انّ الانسان حال کونه فی حيّز الثّری له اکتشافات فی السّمآء و هذا خرق و انّ الانسان مخيّر و الطّبيعة مجبور و انّ الانسان مستشعر و الطّبيعه فاقدة الشّعور انّ الانسان حيّ مريد و الطّبيعه فاقدة الحيات و الاراده انّ الانسان يکتشف الحوادث الآتيه و الطّبيعه عاجزة عنه و انّ الانسان بقضآياءٍ معلومه يستدلّ علی القضاياء المجهوله و الطّبيعة جاهلة عنها اذاً ثبت بالبرهان السّاطع انّ فی الانسان قوّة قدسيّه و الطّبيعة محرومة عنها و انّ فی الانسان صفة جامعة لکمالات شتّی من حيث السّمع و البصر و الفؤاد و الفضائل الّتی لاتتناهی و الطّبيعة فاقدة لها و انّ الانسان له التّرقّی المستمرّ و لا يتراخی و الطّبيعة لازالت علی الحالة الأولی ازلاً ابداً و انّ الانسان مؤسّس للفضائل و الطّبيعة داعية للرّذائل و المفاسد الّتی هی منازعة البقآء و الخصائل المذمومة الّتی جبل الحيوان عليها و انّ الانسان يتصرّف بقانون العقل و النّهی و انّ الطّبيعه تتصرّف بقانون الظّلم و الجفآء فالخير و الشّرّ متساويان عندها

و امّا فی عالم الانسان الخير ممدوح و الشّرّ مکروه و انّ الانسان يبدّل و يغيّر القوانين المؤسّسة باقتضاء الزّمان و المکان و الطّبيعة لا تکاد تنفکّ عن قوانينها لانّها مجبورة عليها و هذه الآفات و المخاطر کلّها اعتساف الطّبيعه و سبب للهلاک و الدّمار و امّا الانسان جامع للفضائل کلّها المنبعثة من القوّة المعنويّه الوديعة الالهيّه و انّها ماورآء الطّبيعه لانّها کاسرة لشوکة الطّبيعة و قوانينها و مع هذه البراهين الواضحه و الدّلائل السّاطعه و الحجج البالغه ما اغفل الانسان و ما اجهله اذا خرّ ساجداً للطّبيعة و شئونها و عبدها من دون اللّه و مع ذلک يعدّ نفسه فيلسوفا نفيسا استغفر اللّه بل هو فيلفوس حسيس انّ الانسان لأعظم شأناً و اقوم سلطاناً و اجلّ برهاناً من الطّبيعه الّتی ما انزل اللّه بها من سلطان يا للّه ما هذه الغفلة العظمی و ما هذه البلادة الکبری ان تذهل الانسان عن الحيّ القدير و تتعامی عن الوديعة الالهيّه المودعة فيه بفيض مقدّس من الرّبّ الجليل و يدع عقله اسيراً للطّبيعه و ذليلاً لها انّ هذا لتعمّی القلوب الّتی فی الصّدور و الصّمم الحقيقی الّذی يورث النّفور صمّ بکم عمی فهم لا يعقلون و عليک البهآء الأبهی. عبدالبهاء عباس

منابع