بسم الله الرحمن الرحیم - حَمْدًا لِمَنْ تَقَدَّسَ بِذَاتِهِ…

حضرت عبدالبهاء
اصلی فارسی

۱

بسم الله الرحمن الرحیم

حَمْدًا لِمَنْ تَقَدَّسَ بِذَاتِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ مَخْلُوْقَاتِهِ وَتَنَزَّهَ بِصِفَاتِهِ عَنْ مُمَاثَلَةِ مكوّناته وتعزّز بأسمائه عن شئوون مبدعاته وتجلّل بأفعاله عن الحدود والقيود والهندسة في جميع مخترعاته المتجلّي على الأكوان في هذا الكور الجديد بأنّه فعّال لما يريد، الظّاهر في عوالم الإنشاء بحقيقة يفعل ما يشاء وهذا صريح الكتاب المبين تنزيلاً من ربّ العالمين لأنّ الحصر والحد والقيود أمور تعتري على الحقائق المتناهية بشهادة أنّ كلّ متناه محدود وكلّ محدود محصور وكلّ محصور مجبور وكلّ مجبور مختار، فسبحان ربّك المختار عن هذه القيود والآثار

بل جلّت مشیئته و تعالت و تسامت قدرته و عزّت و تفاخمت سلطنته و علت و تشامخت عزّته و عظمت و تباذخت حقیقة آیاته أن یحکم علیها سلطان االهندسيّات وقوّة الاشارات و نفوذ حدود الموجودات المتكوّنة بکلمته العلیا و آیته الکبری بل آیة ملکه الظّاهرة فی نقطة التّراب لا تکاد تتقيّد بالقیود و تنحصر تحت سلطان الحدود، و لو لا هذه العزّة المقدّسة لکان عزّه و سلطانه و قدرته و برهانه ظلًّا غیر ظلیل أو أوهام معتریة علی العلیل و لا یبرد منه غلیل.

والنّفحة المسكيّة الإلهيّة السّاطعة من رياض التّحيّة تهدي إلى الحقيقة النّورانيّة والجذبة الصّمدانيّة والكينونة الرّحمانيّة والجوهرة اللّاهوتيّة والقوّة الملكوتيّة الّتي خرقت كلّ حجاب وفتقت كلّ سحاب وكسرت كلّ سلاسل وعتقت كلّ رقاب وآله الّذين سطعت أنوار علومهم في زجاجات قلوب القوم بحسب استعدادهم ومداركهم ومقتضى الأمكنة والأزمنة وقوابلهم كما قيل: لا كلّ ما يعلم يقال ولا كلّ ما يقال حان وقته ولا كلّ ما حان وقته حضرأهله

أيها السّيد الجليل والشّهم النّبيل الموجّه الوجه للّذي فطر السّموات والأرض، قد وصلت عريضتك النّاطقة بخلوصك للّه الحقّ واشتعالك بنار محبّة ٱللّه وانجذابك من آيات ٱللّه وتعرّضك لنفحات اللّه، بشرى لك ثمّ بشرى من هذا الفضل الّذي أحاط الآفاق أنواره وشاع في السّبع الطّباق آثاره وتشرّف الوجود بالسّجود له وتباهى الملأ الأعلى بالوفود عليه، واطلعت بمضامين تلك القصيدة الغرّاء بل الخريدة الفريدة النّوراء واستنشقت رائحة الرّحمن من رياض معانيها وارتشفت سائغًا شرابًا من حياض مبانيها، لإنّها كلمات دالّة على بصيرتك وناطقة بسريرتك،

نحمد الله علی ما کشف الغطاء و جزل العطاء و هدی المقبلین الی مناهل التّوحيد و أورد المخلصین الی شوارعالتّفريد وأيّد الموحّدين علی هدم كلّ سدّ مانع و هتک كلّ سترّ حاجز دون الوصول الی حقیقة الأمر و سره المکنون و جوهره المخزون، فلله درّهم ما منعتهم سبحات اهل الاشارات و لا زخرف قول المحتجبین باظلم الحجبات، بل اهتدوا إلى العذب الصّافي من ماء معین و شربوا من عین الیقین، و لم یکترثوا بما لفقوه اهل الحجبات و حرّروا أعناقهم من اغلال اهل الاشارات و أیقنوا بأنّ الله مقتدر علی ما یشاء و من حده عده و أشرک بسلطانه فی ملکوت الانشاء، هیهات کیف تتسع بحورا زاخرة حوصلة قطرة خاسرة و کیف تدرک ذرة هاویة حقیقة شمس سامیة و أنی لها ان تجعل لها قوانین تحصرها مع عظیم سلطانها و قویم برهانها کفاها سقوطها فی هاویة هبوطها

وإنّك أنت يا أيّها الطّير المتغنّي على سدرة العرفان في رياض رحمة ربّك الرّحمن دع المحتجبين بسبحات المتشابهات من البيان وتمسّك بمحكمات الآيات من المسائل الإلٓهيّة في عالم التّبيان، لأنّ النّاس هَمَج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون بكلّ ريح، وإذا جاءهم الحقّ بالحجّة والبرهان يضعون أصابعهم في الآذان ويقولون إِنَّا وَجَدْنَا آبَائَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم لَمُقْتَدُونَ، هذا شأنهم، ذرهم في خوضهم يلعبون، إن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلاً،

وإنّي لمّا اطلعت علی مضمون کتاب جناب الشّيخ غدوت متفكّرًا متحيّرًا، و ما أظنّ لمثله رجل متتبع فی کلمات الله یخفی علیه ألامر بشأن یتمسک بقواعد و قوانین أوهن من بیوت العنکبوت شاغلة له عن العروة الوثقی التی لا انفصام لها فی عالم الملکوت، و لا شک أنّ جنابه لا یرکن الی تلک الشّبهات و لا يتقيّد بهذه الاشارات بل ناقل علی مذاق القوم و القوم فی سکرات و نوم، بل مقصده الشریف البحث والحثّ فی تشریح المسائل التی حجبت الأبصار و البصائر عن مشاهدة البدر الطّالع الباهر،

فإنّنا إذا نظرنا إلى النّصوص الظّاهرة والآيات الواضحة من کتاب الله نری النّصّ الصّريح بأنّ الله خاطب بوضوح نبی الله نوح: ”إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرِ صَالِحٍ“ و قال بلفظ صریح من غیر تلویح ان ابراهیم قال لأبیه آزر ”مَا هَذِهِ التَّمَاثِيْلِ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ“، و کذلک لمّا قال: ”وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ“، ای الظالمین منهم و کذلک فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات.

و عند ما أشرقت الأرض بنور ربّها وتنسّمت نسائم الفضل و فاضت سحاب العدل و انحدرت سیول الجود و تجدّد قمیص كلّ موجود و تزینت البطحاء بظهور خیر الوری المؤيّد بشدید القوی، اعترض الیهود و النصاری بان سلسلة النّبوّة مسلسلة کعقود الجمان أو قلائد العقیان فی ذرّيّة اسحق، و تلک برکة ممنوحة مخصوصة لتلک الذّرّيّة الطّاهرة والسّلالة الباهرة بنصوص التّوراة و لا خلاف و لا شقاق، و هذه الذّرّيّة تلألأت بانوار التّوحيد کالکواکب الدّرّيّة فکیف انتقلت النبوه العظمی و المنحة الکبری من تلک الأصلاب الطّاهرة الزّكيّة الی صلب عبد مناف و بحسب زعمهم اسمه دالّ علی ما کان علیه من الخلاف.

فأنزل الله ردًّا لقولهم و تبکیتا لهم و لمن یحومون حولهم ”اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ“، لأنّ العناصرالجسمانيّة و الطّبائع التّرابّية لا عِبرة فیها و لا معوّل علیها انما العبرة فی الاخلاق لیس فی الاعراق اذا وافق حسن الاخلاق شرف الاعراق فالنسبة حقیقیة، ”الولدُ سرّ أبيه“ و اذا خالف فالنسبة مجازیة، ”إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرِ صَالِحٍ“.

هذا إذا نظرنا إلى صريح التّنزيل وأمّا إذا عوّلنا على جوامع التّأويل فقال الرّبّ الجليل: ”يُخْرِجُ الحَيِّ مِنَ المَيْتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ“، ومن جعل للّه حدًّا في فيوضاته الجليلة فهو على ضلالة وغيّ، وأيضًا فانظر على آثار رحمة اللّه كيف يحيي الأرض بعد موتها وكيف يحشر الخلائق النّورانيّة في الحقيقة الإنسانيّة بعد فوتها وأيضًا، ”وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيْجٍ“، وهذه آية ظاهرة وحجّة باهرة قاطعة لكلّ صريخ وضجيج، فالشّمس نيّر لامع من أيّ مشرق أضاءت وبزعت والبدور كواكب ساطعة من أيّ مطلع لاحت وسطعت، وأوعية الّلاليء أصداف وقد تباينت الأوصاف ومعدن الجوهرة اليتيمة صخور وأحجار ورمال الأكناف، وليس مظاهر الوحي ومطالع الإلهام ومواقع النّجوم ومنابع فيض ربّ العباد مشابهين ومقيسين بالأصائل من الصّافنات الجياد

وبما أنّ العوام كالهوام يغفلون عن جوهر البرهان يتعرّضون لأمور ما أنزل اللّه بها من سلطان، فتبًّا لهم ولأوهامهم وسحقًا لصناديدهم وأصنامهم، وإنّ للّه خرقًا في العادات وإظهارا لآيات باهرات في ظهور كلماته الجامعات، فلا يجوز لمن بصره حديد أو ألقى السّمع وهو شهيد أن يجعل العادة المستمرّة ميزانًا لأمر اللّه في آياته المستودعة والمستقرّة حيث جرت عادة الملك العلّام أن تندفق نطفة الإنسان من الأصلاب وتنعقد في الأرحام، وخلق المسيح روح اللّه بنفخة من روحه خارقًا للعادة المستمرّة المسلّمة بين الأنام، وهل يجوز بعد وضوح هذه الشّروح أن يتوقّف أحد في أمر اللّه أو يحتجب بأوهام المرتابين في ظهور آثار اللّه لا وربّك.

يا أيّها المشتعل بنار محبّة اللّه دع القوم وأهوائهم وراءك و”ادْعُ إِلَىَ سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ“، وإذا حضر أحد لديك واعترض عليك لا تسأم ولا تبتئس توجّه إلى مولاك في أخراك وأولاك وانطق بلسان فصيح وجواب واضح صحيح فروح القدس يؤيّدك وروح الأمين يوفّقك ويشرق عليك جواهر العلوم بالهام. ربّك العزيز القيوم فابذله للطالبين وأودعه آذان المستمعين،

هذا وإنّ صاحب هذا النّبأ العظيم والنّور القديم والصّراط المستقيم حائز لنسب شامخ منيع وشرف باذخ رفيع (أضاءت لهم أحسابهم وجدودهم دجى اللّيل حتّى نظم الجزع ثاقبه) ولم تزل هذه السّلالة انتقلت من الأصلاب الطّاهرة إلى الأرحام الطّاهرة، وكم من خبايا في الزّوايا وكم من أبهى جوهرة مكنونة وفريدة ويتيمة مخزونة، مع ذلك أمره أعظم من أن يثبت بالانتساب إلى غيره وأشرف من أن يعرف بدونه، خضعت أعناق كلّ نسب رفيع لعزّة سلطانه وذلّت رقاب كلّ حسب منيع بقوّة برهانه، كلّ معروف به وهو معروف بنفسه لكلّ بصير وشهيد كالشّمس الطّالعة الباهرة السّاطعة في الأفق المجيد.

ولكن بما أنّ أوّل من تصدى للاعتراض على الأصل والنّسب من غير تعمّق وإغماض قال: ”خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ“، واحتجب عن الأسرار المودعة في صفوة اللّه ولو كان أصله من تراب مهين هو المشهور بعدم الإقرار بل الاحتجاب عن الحقّ الواضح كالشّمس في رابعة النّهار، أحببت إيقاظ القوم وكشف غطاء أبصارهم في هذا اليوم ”وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ“.

هذه سبحات هائلة حائلة لأهل الإشارات، والّذين شربوا كأس العناية من أيادي رحمة اللّه واختصّوا بموهبة ”يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ“ لا ينظرون إلّا إلى حقيقة البرهان وآثار موهبة الرّحمن، يستضيئون بمصباح الفيوضات في أيّ مشكاة أوقد وأضاء وفي أيّ شجرة مباركة سطع ولاح، شرقيّة كانت أم غربيّة لأنّها لا شرقيّة ولا غربيّة ولا جنوبيّة ولا شماليّة، كلّ الجهات جهاتها.

وإذا اطلعت بحقيقة المعاني الكلّيّة المشروحة في بواطن هذه الكلمات، وهتكت بقوّة من اللّه الأستار الحاجبة لأنظار أهل الإشارات ابسط يديك مبتهلا إلى ربّ الآيات، وقل: لك الحمد يا إلٓهي بما هديتني إلى معين رحمانيّتك، ودعوتني إلى مشرق صمدانيّتك وأيّدتني بالإقرار بكلمة وحدانيّتك، وسقيتني من سلاف محبّتك بأيادي رحمتك، ونجّيتني من شبهات الّذين احتجبوا بحجبات ظنونهم وأخذتهم نخوة علومهم وفنونهم، وتمسّكووا بأوهامهم ونكسوا أعلامهم وشاهت وجوههم وانطمست نجومهم.

أي ربّ أيّدني بقوّتك القاهرة على الموجودات وقدرتك الباهرة في حقائق الممكنات على إعلاء كلمتك وانتشار حكمتك وهداية خلقك ونجاة بريّتك، لأسقيهم من خمرك الطّهور في هذا الظّهور الّذي أشرقت أنواره على الأقطار الشّاسعة في يوم النّشور، ثمّ أشدد أزري وقوّ ظهري وثبّت قدمي في أمرك لأكون آية ذكرك بين بريتك والمنادي بين خلقك باسمك، إنّك أنت العزيز الغفور.(ع ع)

قد کتب هذا الجواب علی الکتاب الّذی حضر من قدوة أولی الالباب بحسب الامر الصادر من الحظيرة المقدّسة ع


منابع
محتویات