تفسير الم غلبت الروم - هوالأبهی - سبحانک اللّهمّ يا…

حضرت عبدالبهاء
اصلی فارسی

۴

تفسير الم غلبت الروم

هوالأبهی

سبحانک اللّهمّ يا الهی قد نزلت من سماء عزّ أحديّتک مياه الوجود بجودک و رحمانيّتک و أمطرت من سحاب سماء عزّ فردانيّتک أمطار فيوضات صمدانيّتک حتّی سالت بهذه الموهبة العظمی انهار فيضک الاعظم فی أراضی لحقائق الممکنة المکونّة بانشائک و سقيت بهذه الانهار الجارية الملکوتيّة کلّ الاراضی و البلاد و أرويت بهذه الغيوث الهاطلة اللاهوتيّة کلّ التلال و الديار و أشرقت عليهم بشمس رحمانيّتک من أفق قدس کبريائيّتک و زرعت يا الهی فی أراضی القابليّات حبوب کلماتک العليا و آياتک العظمی بلطفک و رأفتک الکبری.

و لکن بما کانت تلک الحقائق الموجودة المتقابلة المتجلّيّة بشمس اسمک الاعظم مختلفة متفاوتة بعضها يا الهی کما أحصيت بعلمک المکنون أفئدة صافية لطيفة انطبعت فيها آياتها و ظهرت منها شؤون آثار مجلّيها و اهتزّت و ربّت أرضها و نبتت منها رياحين حبّک و معرفتک و تزينّت بازهار قدس جذبک و شوقک کارض طيّبة مبارکة. و بعضها يا الهی لمّا کانت أفئدة متکدّرة محجوبة بصدأ الاوهام و محتجبة عن ربّها بحجب الظلام لم يظهر فيها آثار مجلّيها و آيات بارئها و مقدّرها و فسدت فی أرضها حبوب ذکر ربّها کارض خبيثة جرزة.

و لکن یا محبوبی ما فرّطت عند تجلّيک علی الممکنات و ظهور آثارک فی حقائق الموجودات کما قلت و قولک الحق ”ما تری فی خلق الرحمن من تفاوت و ما خلقکم و لا بعثکم الّا کنفس واحدة“

حينئذ أسألک باسمک الّذی لو ألقی علی الجبال لاندکّت و سيرّت و لو ألقی علی البحور لسجّرت و لو ألقی علی الاغصان اليابسة لاخضرت و اثمرت و علی العمی لأبصرت و علی البکم لنطقت و علی الصمّ لسمعت و علی الاموات لقامت بان ترفع الحجاب الّذی حال بينک و بين خلقک و منعهم عن الورود علی معين رحمانيّتک و عن السلوک فی سبيل عزّ توحيدک و عن الاستماع من ألحان طيور عرشک و الشرب من کأوس حبّک و عرفانک لأنّهم اذلّاء ببابک و فقراء عند ظهور غنائک لا يملکون لانفسهم نفعاً و لا ضراً و لا حيوة و لا نشوراً

ثمّ ارفع يا الهی تلک الافئدة الصافية اليک و عرّجهم بجناح التوحيد فی هواء بهاء عماء تفريدک و تجلّ عليهم فی کلّ آن بما تتلطّف هذه الحقائق الموحدة و هذه القلوب المقدّسة لأنّه لم يکن لآياتک من بداية و لا نهاية و لا لشؤونک من أوّل و لا آخر.

لو تتجلّی علی المخلصين من بريّتک فی کلّ آن بکلّ الشؤون الّتی لم يحصها أحد الّا أنت لا ينقص شیء من خزائنک القديمة و لا يقلّ شیء من کنوزک المکنونة فارحم يا الهی عبادک المفتقرين ثمّ اسکنهم فی ظلال شجرة رحمانيّتک و ارزقهم من المائدة الّتی نزلت من سماء عزّ فردانيّتک لانّک أنت المعطی بالحقّ و انّک أنت الغفور الرحيم

و أنت تعلم يا الهی بانّ هذا العبد أفقر عبادک فی ملکک و أذلّ بريّتک فی بلادک فکيف بهذا الفقر الاعظم أقتدر ان أتفوّه بالمعانی المندرجة المندمجة فی حقائق کلماتک و الاسرار الّتی حجّبتها عن أعين العارفين خلف سرادق آياتک. و لکن لمّا أمرتنی بهذا لذا أخذت القلم متوکّلاً عليک و متّکأ بفضلک و رحمتک فانّک يا الهی ان أردت لاجريت من القلم الفانی بحور معرفتک و طمطام أسرارک و ان لم تشأ يخرس لسان القلم الأعلی بين ملأ الانشاء و ينقطع منه فيضان آثار القدم بين الأمم. الامر بيدک تفعل ما تشاء و تحکم ما تريد وحدک لا اله الّا أنت المقتدر العزيز الکريم

يا ايّها السائل البارع الصادع فاعلم بانّ فی کلّ کلمة من کلمات اللّه تتموّج بحور أسرار لا نهاية لها و انّ کلّ حرف من آيات ربّک لمشرق شموس رموز و آثار و حقائق لا يحصيها أحد الّا اللّه ربّک و ربّ أبائک الأوّلين مع ذلک کيف يستطيع المداد أن يجری بهذه الاسرار ولو کان بحوراً و کيف يکفيها الاوراق ولو کانت صفحات الآفاق. ليس لهذه الموهبة الکبری من نهاية و لهذه الرحمة العظمی من بداية حتّی تنفد کما قال و قوله الحقّ ”لو کان البحر مدادا ً لکلمات ربّی لنفد البحر قبل ان تنفد کلمات ربّی ولوجئنا بمثله مددا“


و لکن ما لا يذکر کلّه لا يترک کلّه لذا اذکر بعض المعانی الغيبيّة السارية الجارية فی مجاری کلمات ربّک العلی العظيم فاعلم بانّ لهذه الآية القدسيّة و الرنّة اللاهوتيّة لمعان فی الظاهر و الباطن و باطن الباطن الی ما لا نهاية له لانّ کلمات اللّه مرايا محيطة علی صور کلّ شیء لذا قال ”و لا رطب و لا يابس الّا فی کتاب مبين“

فامّا الظاهر أخبر اللّه بزهاق کلمة الفرس و غلبها و نصرة الروم و ظفرها بعد ما غلبت الروم و اضمحلت تحت أيادی الفرس و شتّت شملهم و فرق جمعهم. و تفصيل هذا انّ فی ايّام أشرقت شمس الأحديّة من النقطة المحمّدية و رفعت أعلام الهدی علی أعلام يثرب و البطحاء و غنّت الورقاء علی أفنان سدرة المنتهی و تشهق الطاوس فی جنّة المأوی قال المشرکون انّ کسری ملک الفرس الّذی لم يکن من أهل الکتاب غلب و ظفر علی عظيم الروم الّذی هو من أهل الکتاب فبمثل هذا نحن نزهق کلمة محمّد رسول اللّه لکونه من أهل الکتاب کعظيم الروم و نحن من غير أهل الکتاب کملک الفرس.

فانزل اللّه هذه الاية اللاهوتيّة و أخبر بانّ الروم سيغلبون اعدائهم الفرس فی بضع سنين و البضع من الثلاثة الی التسعة. فبعد سبع من السنين أظهر اللّه سرّ ما أخبر به حبيبه الاعظم و انتصر الروم علی الفرس و علت کلمتهم فبذلک أيقن المخلصون بانّ علم ربّک سبق کلّ شیء و أحاط من فی الوجود من الغيب و الشهود

هذا ما غنّت به طيور أفئدة المفسّرين فی حدائق القرآن العظيم و من غير هذا لم يبلغوا الی الاسرار المودعة فيه و الرموز المکنونة المخزونة السارية الجارية فی مجاری کلمات ربّک العليم الحکيم .و بهذا لم يقنع الظامئ العطشان الی کوثر الروح من أيادی الفضل و الاحسان و لم يکن بشیء عند الّذين جعل اللّه بصرهم حديدا و عرّفهم معانی کلماته و علّمهم تأويل آياته.

لذا ينبغی ان أذکر بعض ما أراد اللّه فی هذه الآية الغيبيّة و الرنّة الملکوتيّة و النغمة اللاهوتيّة و أقول انّ الروم هو الشؤون الّتی ترجع و تنتسب الی الحقائق الکونيّة و صرف الانية و الحجب الساترة و الظلمات الصادرة عن تعينّات الوجود و تشخصّات الموجود. و هذه تغلب و تضمحل عند شروق الاشعّة الساطعة عن شمس الحقّ فلمّا انتهی کور الروح خبت مصابيح الهدی و رکدت نسائم التقی و انقطعت أرياح الوفاء و کلّت ألسن بلابل الأحديّة فی حديقة الولاء و تبدّلت الجنّة الغنّاء و الروضة الغلباء بالفلاة الجدباء و صاح البوم فی أغصان شجرة الزقّوم

اذا هبّت نسائم ربیع ربّک الرحمن من الوادی الایمن البقعة المبارکة و طلعت شمس الأحدیة عن مطلع ارادة ربّک الرحمن الرحیم و ارتفعت سحاب الفضل و فاضت علی الافئدة و القلوب و الحقائق و النفوس و اخضرّت أراضی القابلیات و لانّيّات و أنبتت أرض المعرفة و نبتت الشجرة المبارکة التی منها سمع النداء بان ”یا موسی انّک بالوادی المقدس طوی“ و ظهرت نار الحقیقة فی تلک الزیتونة الّتی لا شرقيّة و لا غربيّة یکاد زیتها یضیء ولو لم تمسسه نار نور علی نور یهدی الله لنوره من یشاء

اذا غنّ عندلیب المعانی علی الافنان بفنون الالحان و قال ”غلبت الروم فی أدنی الأرض“ فأی أرض أدنی من حقائق الاشیاء و تعينّاتهم. ثمّ أخبر لسان القدم و الکلمة الاعظم بانّ الملک الحيّ القيّوم قدرّ لکلّ أمر أجلاً محتوماً. فسوف فی انتهاء هذا الدور يأتی ايّام تغرب هذه الشمس الساطعة فی خلف سحاب متراکمة و ينتهی هذا الربيع الروحانی الی الخريف الظلمانی و تتبدّل هذه الجنّة العالية و تنقعر أشجارها و تتناثر أوراقها و تسکن أرياحها و تنقطع أنهارها و يبيد صفاؤها و هذه من سنّة اللّه و لن تجد لسنّته تبديلاً و لا تحويلا.ً

اذاً يا ايّها السائل فانظر بالبصر الّذی خلق اللّه خلف بصرک الظاهر هل يقتدر المنصف ان يقول انّ معانی کلمات اللّه التامّات موجودة عند هؤلاء الّذين لا يميزون يمينهم عن شمالهم. لا فو الّذی انطق الورقاء بذکره بين الأرض و السماء بل يتيقّن بانّ المعانی ملهمة فی أفئدة صافية ملکوتيّة. لو أراد اللّه يقيم أحداً من احبّائه الواقفين علی مرکز الهدی بين ملأ الانشاء و يفسرّ بعونه و قوّته حقائق آياته بمعان ما اطّلع به الّا اللّه و الراسخون فی علمه.

اذاً فاقبل الی ربّک بوجه ناضر و بصر ناظر و قل ای ربّ ثبّت قدمی علی أمرک و علّمنی من علمک المکنون و سرّک المخزون و عرّجنی الی ملکوتک الأعلی و رفيقک الأبهی و عرّفنی معانی آياتک لأظهر عن أفق مشيّتک ککوکب الصبح بانوار علمک و معرفتک و اظهر للناس سبيلک القويم و صرا طک المستقيم الّذی من سلک فيه لوصل الی مشرق الآثار و مطلع الانوار لانّ هذا ما يبيض وجهی عند مشاهدة آياتک الکبری و ملاحظة آثار تجلّياتک العليا.

أی ربّ وفّقنی علی هذه الموهبة الکبری و الرحمة العظمی لانّ هذا أملی منک و مقصدی و رجائی يا مالکی و منائی فی کلّ أحوالی و فرح قلبی و سلوة فؤادی فی ليالی و أيّامی انّک أنت المعطی الباذل الرؤف الرحيم

و فی مقام الانفس تری لهذه الآية الربّانيّة. معانی قدسيّة لاهوتيّة منها أراد اللّه بکلمة الروم جنود النفس و الهوی و شعوب الجهل و العمی بما ايّد عند ظهور حبيبه جنود العقل و النهی بشديد القوی حتّی رأی من آيات ربّه الکبری و سمع النداء الاحلی عن الافق الأعلی و شرب الرحيق المختوم من يد ساقی الوفاء و أخذه سکر خمر ذکر ربّه الأعلی. علی شأن استغرق فی بحور محبّة اللّه

اذاً فنی حقيقة النفس و الهوی مع الشؤون و القوی عند ظهور آثار الحقيقة المطلقة الالهيّة و غلبت و اضمحلت من سطوات آيات بارئها و لکن کانت مغلوبيّتها مبدأ لقدرتها و قوّتها و علوّها و عزّتها لانّها زکت و اطمئنّت فی ذکر ربّها و بذلک غلبت علی کلّ شیء و أحاطت بقدرة موجدها و مبدعها حقائق الملکوت علی ما هی عليها و أدرکت أسرار بارئها و مصوّرها.

فايّ غلبة أعظم من هذا لو کان الناس ببصر الحقّ ينظرون. و انّهم لو يطيرون بجناح الروح فی سماء العرفان ليشهدون بانّ هذا هو القدرة القاهرة و القوّة الباهرة و السطوة البالغة و السلطنة الغالبة و لکن لما تواروا خلف حجب الغفلة و نسوا ما ذکروا به ضرب اللّه علی أعينهم غشاوة و علی آذانهم وقراً


اذاً يا ايّها السائل الجليل قم بقوّة علی ذکر ربّک بين ملأ الأرض و قل الی متی تقنعون بقطرة منتنة آسنة عن البحر الاعظم الأبهی الّذی تموّج لذاته بذاته و جعل اللّه برشح منه کلّ الوجود حيّاً باقياً کما قال و قوله الحقّ ”و جعلنا من الماء کلّ شیء حيّ“

و فی مقام أراد اللّه بکلمة الروم النفوس الّتی استضائت وجوههم عند شروق شمس القدم عن مشرق اسمه الاعظم و صفت مرايا أفئدتهم و قابلت أشعّة نيّر الاکرم لانّ اسم الروم فی عرف اللغی وضعت لطائفة بيضاء و امّة حميراء و النفوس الصافية الّتی ناظرة الی ربّها بوجوه ناضرة مبيضّة مستبشرة فبهذا يحصل المشابهة و المناسبة

و أمّا المراد بقوله عزّ اسمه ”غلبت الروم“ أی غلبت فی عوالم الجسمانی تلک النفوس الزکيّة الّتی فنت عن صفاتها و حدودها عند ظهور مجلّيها حتّی اتّصفت بصفات رحمانيّة و ظهرت بآثار ملکوتيّة.

أرسل اللّه عليهم أرياح الامتحان و الافتتان و القاهم تحت مخالب المنکرين الّذين ما استنشقوا رائحة الحياء و ترکوا النهی و تمسّکوا الهوی. و لکن لما کانوا غالبين من حيث الروح کذلک سيغلبون من حيث الجسد علی أعدائهم بقدرة بارئهم لأنّ اللّه جعل کلّ الخير لأحبّائه فی کلّ عالم من العوالم حتّی فی عالم الجسم و الذکر.

اما تشهد بذکرهم ملئت الآفاق و باسمهم رفعت رايات الوفاق و بهم اشتعل العالم و استضائت الممکنات بنور الوجود من العدم و بهم انشقّت الاحجار و تفجّرت الانهار و تموّجت البحار و شرعت الشوارع و صفت الموارد و نزلت الموائد و رفعت الامراض و حيّت الاموات و زلزلت الأرض و انفطرت السماء و نسفت الجبال و أزلفت الجنان و اثمرت الاشجار و ظهرت الاسرار و هتکت الاستار و لاحت الانوار و شاعت الآثار

الآثار اذاً قل فسبحان اللّه موجد هذه الشهب الثاقبة و النجوم الساطعة و الکلمات التامّة و النفوس العالية و العقول المجرّدة و الارواح الهائمة فی اللّه ربّها و قل أی ربّ ادخلنی فی ظلّ شجرة رحمانيّتک و اغمسنی فی لجج عزّ فردانيّتک و قدّسنی عمّا سواک و خلّصنی من غمرات النفس و الهوی حتّی أقوم کما أقمتهم علی خدمتک و أستقيم علی أمرک بحولک و قوّتک انّک أنت المعطی لمن تشاء بيدک الخير و انّک لعلی کلّ شیء قدير.

و فی مقام أراد اللّه بهذه الکلمة الفرقانيّة شرائع اللّه و سننه و حدود اللّه و حکمه لانّ الناس فی ايّام الفترة ترکوا أوامر اللّه وراء ظهورهم و نسوا حکم اللّه نسياً منسياً بحيث وضعوا و أسّسوا أساس سياسة جهلية و قنّنوا أصولا و قوانين رسومية و رفعوا أعلام أحکام ظلميّة ظنّيّة بحيث ترکوا العلم و الهدی و تمسّکوا باذيال الوهم و الهوی هبطوا من سماء العقل و النهی و سکنوا فی درکات الضلالة و العمی اتّخذوا سبيل المفسدين و ظنّوا انّه صراط مستقيم، اعتکفوا علی أصنام مترفيهم و جهلوا مفسديهم من مصلحيهم.

و بذلک خبت مصابيح العدل و الانصاف و اشتدّت قواصف الاعتساف، استولت آية الظلم و محت آثار الانوار و ابتلی الناس بطوارق الليل و جوارح النهار بما ترکوا أوامر اللّه و سننه و حرّفوا أحکام اللّه و حدوده و بذلک غلبت الشرائع المقدّسة الربّانيّة بين الناس

و لکن بقدرة اللّه و قوّته عند طلوع صبح الهدی من أفق البقاء فتقت سحاب الظنّ و الغوی و ارتقت سماء العلم و التّقی، لاحت آية النور ومحت ظلمات الديجور ظهر الصراط القويم و نصب القسطاس المستقيم، امتدّت العروة الوثقی الّتی لا انفصام لها و هبّت لواقح ربيع العدل و الحکمة من مهبّ عناية الربّ القديم و ألبست أشجار الهياکل الانسانيّة بأوراق العلم و الحکم الربّانيّة. غرست الشجرة الطيّبة الّتی أصلها ثابت فی الأرض و فرعها فی السماء و تؤتی أکلها فی کلّ حين و امتدّت أغصانها و أفنانها فی الآفاق و أوت و وکرت عليها طيور الوفاق و غنّ عليها عندليب الاريب بذکر الحبيب و رنّت فی أفنانها حمامة الودود بمزامير آل داود علی شأن اهتزّت الارواح و انشرح الصدور و قرّت الاعين و طابت النفوس و صار الامکان حديقة الرضوان

أما تری بأنّه ظهر بين أمّة متوحّشة ذليلة و طائفة جاهلة ممقوتة بين کلّ الأمم و کان جهلهم علی درجة ما کانوا يميّزون اليمين عن اليسار و يکتبون علی صفحات الماء و يأتون کلّ فاحشة و يعملون ما يتنفّر منه الحيوان فکيف الانسان ولکن لمّا ظهر بينهم الحبيب الاعظم و النور الافخم و آية القدم و الصبح الابسم و أووا فی کهف تربيته ما مضی ايّام معدودة و سنين محدودة الّا و ترقّت هذه الطائفة الجاهلة من حضيض الجهل الی أوج العلم و الحکمة و برعت فی الفنون و المعارف و فرعت علی أعلام العلوم و العوارف و اشتهرت بين الخلائق بخصائص الانسانيّة و صفات الرحمانيّة حتّی صارت معدن الکمال و العرفان و محور دائرة المفاخر و الاحسان.

و بذا انتصرت علی الآفاق و تسلّطت علی کلّ القبائل و الشعوب من البرايا فصارت الناس يأتون من کلّ فجّ عميق الی بلادهم حتّی يتعلّموا العلوم و الحکم و يتزينّوا بحلل الفضل و الکمال و کلّ ذلک ما کان الّا بفضل اللّه و رحمته بما بعث فيهم خير البريّة بقوّة عجزت عنها الخلائق أجمعون.

و فی مقام أراد اللّه بکلمة الروم الحقائق الممکنة المتجلّيّة بأسماء اللّه و صفاته المصطلية من نار الأحديّة الموقدة فی البقعة المبارکة فی بحبوحة الجنّة الظاهرة المشهودة علی أربعة أرکان قدميّة المؤسّسة بزبر الالوهيّة و الربوبيّة القائمة بجوهر الفردانيّة. فيا ليت فتح الرحمن عن فم هذا الغلام ختام الحفظ و الکتمان حتّی أبيّن لک يا حبيب مقامات نار الأحديّة و الشجرة المبارکة و أغصانها و أوراقها و شؤون بقعة الفردوس الّتی سترها اللّه عن أعين الکلّ الّا الّذين طاروا بجناح النجاح فی هواء يظهر فيه الافراح للأرواح و استنشقوا رائحة الوفاء عن قميص البهاء، المرشوش بالدّم الحمراء بما فعل المشرکون بجماله المشرق المنير بعد ما أخذ اللّه العهد منهم فی کلّ کتب و صحف و زبر عند اشراق کلّ نور من أنواره و طلوع کلّ نيّر فی آفاقه بأن يعترفوا بقدرته و سلطانه و يسجدوا له يوم يأتيهم فی ظلل من غمامه و يفدوا أنفسهم حين ظهوره فداء للقائه.

فوا حسرتا عليهم و أسفاً لهم بما فرّطوا فی جنب اللّه فسوف يأتيهم نبأ ما کانوا عنه غافلين اذاً اقشعرّت جلودهم و استدمت أکبادهم و ذابت قلوبهم و ناحت أرواحهم و تأوّه سرّهم وعضّوا أناملهم حسرة و ندامة علی ما فعلوا و حرّموا علی أنفسهم مائدة الحياة النازلة من سماء رحمة ربّهم العزيز الغفور.

فلنرجع الی ذکر ما کنّا فيه من بيان کلمة الروم فقلنا بانّ المراد منها حقائق الاشياء و ماهياتها و سعة المکنات و قابلياتها. و المراد من غلبت أی عمّت الفيوضات الرحمانيّة و التجلّيات الصمدانيّة حقائق الممکنة المستفيضة من النور القديم و شملتهم و غلبت عليهم و احاطتهم من کلّ الجهات ظاهراً و باطناً اليوم الّذی أشرقت شمس القدم من شطر الآفاق. لانّ فی مثل ذلک اليوم المبارک الموعود لا ينظر الحقّ الی سعة الحقائق الموجودة و استعدادهم بل يفيض عليهم من بحور فضله و احسانه ولو لم يکن لهم سعة قطرة من انهاره بحيث تری يلبس الفقير ثوب غنائه ويتردّی المسکين الذليل رداء عزّه و علائه. کما قال و قوله الحقّ ”و نريد أن نمنّ علی الّذين استضعفوا فی الأرض و نجعلهم أئمّة و نجعلهم الوارثين“.

ان يا أيّها الطائر فی هواء محبّة اللّه و السائح فی بحار الفضل قم عن رقد الاوهام و افتح بصرک لتشهد بانّ جمال القدم کيف مشرق عليک و علی الممکنات من أفق الفضل و يلوح وجهه بين السماء و الأرض و تری شمول فضل مولاک و عميم احسانه علی المقبلين و تبصر کيف يتموّج طمطام رأفته الکبری عن يمين ارادته و تهبّ روائح الرحمة العظمی من مهبّ عنايته لتعلم بانّ هذا يوم لو أراد الذباب ان يستنسر و القطرة ان يستبحر فی ظلّ هذا الجمال ليقدر بعون اللّه و قوّته کما قال و قوله الحقّ ”لو أرادت نملة ان تتصرّف فی القرآن و باطنه و باطن باطنه فی حکم سواد عينها لتقدر لانّ سرّ الصمدانيّة قد تلجلج فی حقائق الممکنات“ اذاً قل تبارک الّذی أظهر قدرته و سلطانه و رحمته و احسانه فی هذه الايّام علی الخلائق أجمعين

و أمّا قوله تعالی ”و هم من بعد غلبهم سيغلبون“ أی يأتی ايّام فيها تغرب شمس الأحديّة فی مغرب البقاء و ترکد نسمات الروح عن شطر الوفاء و تخبو سراج المحبّة فی صدور ذوی الحجی و تخمد نار الشوق فی قلوب أولی النهی و تنقطع مائدة العرفان من سماء الايقان و يمنع سحاب القدس عن بذل الامطار و بحر الأحديّة عن قذف درر الاسرار و ينتهی هذا النعيم الاوفر و الحظّ الاکبر و ينقلب هذا اليوم الانور بالليل الاليل.

فاذا وجدت الامکان علی هذه الاحوال فاعلم و أیقن بأن قرب صباح الایقان و دنی طلوع فجر الرحمن من مشرق الامکان و مجی ربّک فی ظلل من الغمام اذا فارفع یدیک مقبلا الی مولاک و قل

لک الحمد و الشکر يا ربّی الأبهی بما خلقتنی و بعثتنی فی اليوم الّذی لاح وجهک و ظهر جمالک و اشرقت طلعتک و سبقت رحمتک و سبغت نعمتک و أحاطت قدرتک و ظهرت آياتک و علت کلمتک و ثبت برهانک. فوعزّتک لو أثنی عليک بدوام سلطنتک لن أستطيع اداء کلمة من شکرک و لکن لمّا رأيت من عميم فضلک و عظيم جودک و احسانک تقبل القطرة من عبادک مقام البحر و تحسب الذرّة مقام الشمس لذا قدّمت بين يديک بضاعة شکری الّتی لم تکن الّا کرنّة بعوضة فی الواد أو کدبيب نملة علی الاصفاد و انّک أنت الغفور الرحيم.

و منها أراد اللّه بهذه الکلمة القرآنيّة مقام النظر و الاستدلال و اقامة الادلّة القاطعة و البراهين الناطقة علی وحدانيّة الحقّ و فردانيّته و عزّته و قدرته و سلطانه کما شهدت و رأيت فی ايّام الّتی مضت قبل ظهور نيّر الاعظم عن مشرق اسمه المکرّم. بحيث ما کان لأحد سبيل اليه و لا دليل عليه الّا ما دلّت العقول و الانظار من ظهور آياته و بروز آثاره و کان الناس يستدلّون بها علی وجوده و تنزّهه عمّا سواه.

و لکن لمّا طلعت شمس الآفاق عن مطلع القدم فی الهيکل المکرّم و استضاء الوجود بالاشعّة الساطعة علی کلّ موجود خرقت حجبات النظر و الاستدلال و سقطت رايات الدلائل و الاشارات و رفعت أعلام المکاشفة و الشهود علی اعلام القلوب و الابصار و فاز الاحرار بلقاء ربّهم يوم زلزلت الأرض و نسفت الجبال اذاً قل فتبارک اللّه الملک العزيز الجبّار الّذی أتی فی ظلل من الانوار بسلطان عظيم

غلبت الروم أی اضمحلت قطرات مياه النظر و الاستدلال عند تموّج ابحر المکاشفة و الشهود بعد الّذی کان برد لوعة الطالبين و رواء غلّتهم و شفاء علّتهم و انعدمت و اضمحلت کان لم تکن الّا أوهام و ظنون و قياس و تصوّرات لانّ مثل الادّلة عند ربّک کمثل الظلّ عند طلوع الشمس. و لو کان دليلاً عليها لم يکن لها وجود عند ظهورها و لا له بقاء تلقاء سطوع شعاعها. بل هو محجوب عنها و لو دلّ عليها

و عند الّذين شربوا سلسال الرحيق المختوم من يد عناية اسمه القيّوم أعظم حجبات العباد ان يعتمدوا علی الظلّ الفانی لمعرفة شمس القدم أو يتّکئوا علی الآثار و يستدلّوا به علی وجود موجد الانوار. و مع ذلک يحسبون انّهم وصلوا الی مرکز الهدی و ساروا فی افلاک النهی کلّا انّهم فی غمرات الظنون يخوضون و فی بيداء الاوهام يتيهون

اذاً قم بقدرة من اللّه و قوّة من سلطانه و خاطب الغافلين و قل الی متی ترکضون فی برّيّة الجهل قد سطع برق المعانی فی سماء الروح و اشتعل الآفاق بنار اللّه الموقدة الّتی ظهرت عن سدرة سيناء فی طور البقاء. ألا يا معشر المشتاقين تقربوا اليها حتّی تصطلوا منها و تهتدوا بها و تتوقدّوا من جذواتها و تسمعوا زفيرها.

و قل قد قرّت عيون الاشياء بلقاء ربّها و أنتم لا تبصرون، قد انتبهت الممکنات و أنتم غافلون، قد قامت الموجودات و أنتم فی فراش الغفلة ترقدون، نطقت ألسن کلّ شیء بذکر مليک الاسماء و أنتم تصمتون. ان لم تتوجّهوا الی ذلک الجمال فبأيّ جمال تنظرون و ان لم تنتبهوا من هذا النداء فبايّ نداء تنتبهون و ان لم تهتزّوا من هذا الروح فبايّ روح تتحرّکون.

هل تحسبون أنفسکم أحياء کلّا انّکم من أصحاب القبور أتزعمون بأنّکم تبصرون أو تسمعون بل صمّ بکم عمی فلا
تفقهون. هل الرحمة ما سبقت أم النعمة ما سبغت أو الحجّة ما کملت و البراهين ما ظهرت و الآيات ما نزلت و الکلمة ما تمّت و حمامات الفردوس ما غنّت و الجنّة ما أزلفت و الشجرة المبارکة ما أثمرت و بحور الاسرار ما تموّجت. بل وقعت الواقعة العظمی و ظهرت الطامّة الکبری و حشر کلّ شیء فی محضر اللّه المهيمن القيّوم ولو کان المشرکون فی سکرتهم يعمهون

و منها أراد اللّه بهذه الکلمة التامّة الشؤون الجسمانيّة و الحقائق الناسوتيّة و عوارضها و خصائصها فی عالمها و حيّزها و المراد من قوله عزّ شأنه ”غلبت الروم“ أی فنت الشؤون الجسمانيّة عند ظهور الآيات الروحانيّة و فاضت انهار الحقيقة علی أراضی الافئدة الصافية عند استواء الرحمن علی العرش الاعظم بين الاکوان. لأنّ الجنود الروحانيّة تبطش و تصول علی الاحزاب يوم الاياب بقوّة ربّ الارباب لذا تغلب الجسمانيّات و يکون الحکم للروحانيّات و فی ذلک لآيات للمتبصّرين.

و منها أراد اللّه بهذه الکلمة المحکمة الثابتة مقام الظنون و الاوهام فی أفئدة العوام. لانّ فی ايّام أفول شمس العلم و الحکم تشهد الوهم و الظنّ هو السلطان الاعظم بين ملأ الاکوان. فتری انّما يعتمد الکلّ فی المسائل و المعارف علی الظنّ حتّی الشرائع و السنن فلا يقتدرون ان يسبحوا فی بحور العلم ويخوضوا فی طمطام الحکمة و لکن عند شروق شارق اليقين من أفق مبين تزهق أشعّة جمال المعلوم ظلمات الوهم و الظنون اذاً ينطق لسان الابداع بأن جاء الحقّ و زهق الباطل انّ الباطل کان زهوقا.

أن يا حبيب قل بلسان بديع لک الفضل و المنّ و الرحمة و الاحسان علی هذا الرقيق الّذی لا يليق بشیء فی ملکک بما نجّيتنی من تيه الظنون و آويتنی فی افنان سدرة العلوم بل أغنيتنی عن العلوم بما وفّقتنی علی معرفة جمالک المعلوم. أی ربّ ثبّتنی علی حبّک و أقمنی علی اظهار أمرک و اثبات حکمک و اجعلنی علماً علی اعلامک بين عبادک لاکون مهبط الهامک و مؤيّداً بآثارک انّک أنت المقتدر علی کلّ شیء بقدرتک و سلطانک يا محبوب العالمين

و منها أراد الله بهذه الکلمة الجامعة مقامات النفس و مراتبها و درجاتها و علوّها و اضمحلالها و صعودها و سقوطها من فضل بارئها و نعمة موجدها و بطش مبدعها فاعلم بانّ النفس لها مراتب شتّی و درجات لا تحصی. لکن کلّيّاتها فی مراتب الوجود معدودة و محدودة بنفس جماديّة معدنيّة و نفس نامیة نباتيّة و نفس حيوانيّة حساسیة و نفس ناسوتيّة انسانيّة و نفس امّارة و نفس لوّامة و نفس ملهمة و نفس مطمئنّة و نفس راضیة و نفس مرضیة و نفس کاملة و نفس ملکوتيّة و نفس جبروتيّة و نفس لاهوتبّة قدسيّة

فامّا النفس المعدنيّة عبارة عن مادّة جوهربّة فی المعادن و هی کمالها و صفاؤها و التأثيرات الظاهرة منها فانظر الی الاحجار الثمينة المعدنيّة کيف تنطبخ فی معدنها حتّی تصل الی کمالها و جمالها بظهور نفسها فيها و بروز جوهريّتها بها

و أما النفس النامیة النباتيّة فهی عبارة عن الجوهر الّذی تقوم به القوّة النباتيّة الّتی بها تنبت و تنمو الحبوب و الاوراق و الاغصان و الاشجار بحيث تأخذ من الموادّ و الاسطقسّات و تعطی الاشجار و النباتات حتّی آناً فآناً تترقّی و تمتدّ أغصانها و تعطی ثمارها و أزهارها و أوراقها

و أمّا النفس الحيوانيّة هی عبارة عن الجوهر الّذی قائم به القوی الحسّاسة للمحسوسات الجسمانيّة

و أما النفس الانسانیة عبارة عن النفس الناطقة أی الجوهر الذی به تقوم قوی الانسان و الحواس الظاهرة و الباطنة و الکمالات و المعارف الربانیة و العلوم الالهیة و الفنون الصمدانیة و الحکم الغیبیة و کذلک معرض لشؤون الشهوات الظلمانیة و النقائص الناسوتیة فسبحان الله من هذه الآیة العجیبة و النقطة العظیمة و الکلمة الجامعة فی صحیفة الامکان بحیث تری لها شؤونا مختلفة و مراتب متنوعة متضادة و درجات متعدده مما لا نهایة لها.

و لها استعداد أن تکون مرآة لظهور حقائق لاهوتیة و مجْلى لبروز صفات کاملة ربّانيّة. و لها تنزّلات فی ظلمات کونيّة و احتجابات بحجب کثيفة ناشئة من حدودها و تعيّنها مانعة لوصولها الی مبدئها و مرجعها و ساترة عنها آيات موجدها المودعة فيها بفضل بارئها و لأجل ترقّياتها الی مراتب القرب و الوصال و تنزّلاتها فی مهالک البعد و الضلال تتقمّص فی کلّ مرتبة و مقام بثياب أخری غير الأولی. لذا تعبّر فی کلّ مرتبة بعبارة .

مثلاً فی مقام تنزّلاتها فی أسفل مراتب الشهوات الحيوانيّة و اشتغالها بزخارف الدنيا الدنيّة و شغفها فی مشتهياتها الخبيثة الفانية و انجمادها من برودة الامکان و انخمادها عن حرارة حبّ ربّها العزيز الوهّاب و سقوطها و هبوطها فی ورطة الضلال و غلوّها و انهماکها فی المنکر و الطغيان فاعتبرت بنفس أمّارة کما قال و قوله الحقّ”انّ النفس لامّارة بالسوء الّا ما رحم ربّی“

ثمّ تترقّی من هذا المقام الهائل و الدرک السافل الی مقام يأتيها أحيانا نبأ خوضها فی ورطة المهالک و انغماسها فی لجج الغفلة و سلوکها فی تلک المسالک و انحجابها عن اللّه ربّها و غفلتها عن بارئها و حيرتها فی تيه الضلالة و الهوی و نسيانها ذکر اللّه الملک العزيز الأعلی.

تارة تمر علیها نسیم التبصّر فی أمرها و و تتيقّظ اقلّ من الشیء فتلوم ذاتها بما تراها خائضة فی غمرات الغفلة و الغی و تشتمها بما تشهدها هائمة فی بیداء المنکر و البغی. تتأسّف لدنوّها وسقوطها و هبوطها فی أسفل درجات الذلّ و الشهوات المهلکة و انحجابها خلف حجبات متراکمة الّتی تمنعها عن الصعود الی الدرجات العالیة الروحانيّة و تشغلها عن ذکر اللّه بهذه الوساوس الباطلة االشيطانيّة. فلاسفها و ندمها فی هذا المقام و لومها ذاتها تعتبر بنفس لوامة کما قال جل اسمه ”و لا أقسم بالنفس اللوّامة“

و لمّا ارتقت من هذا المقام الادنی الأذلّ الأوحش و صعدت الی مکمن الاعزّ الاقرب الاوفر و أيّدت بتأييد اللّه و ألهمت مضمون کتابها کما قال ”اقرأ کتابک کفی بنفسک الیوم علیک حسیبا“ و أتتها آیات الالهام و ظهرت لها حقیقة اللیل من النهار و دعیت الی شاطئ بحر العرفان و رزقت بموائد القدس من جنّة الرضوان و جنت من أثمار شجرة الاحسان و سقیت من أنهر الفضل و الاکرام و تنعّمت بنعم البقاء و ذاقت حلاوة الآلاء و عرفت علوّها و دنوّها و صعودها و هبوطها و طلوعها و أفولها کما هو حقّه و تبصّرت فی أمرها و تيسر لها عسرها و صارت تميل من الفانيات الی الباقيات و تغمض النظر عن الموجودات و تقلبه الی ساحة العزيز الجبّار و ترتقب النداء من الملأ الأعلی و تلتفت الی الشؤون الّتی ترقّيها حتّی توصلها الی عرش الاطمئنان و کرسی الامتنان. فتصير مهبطاً لموارد الالهام بين الانام و تجد من سعيها و مجاهدتها الفوائد الّتی توصلها الی مقصدها و مطلبها اذاً تعبّر بنفس ملهمة لانّها ألهمت بفجورها و تقواها کما قال تبارک و تعالی ”و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها“

و فی مقام تنبّهها بذکر ربّها و تيقّظها بنداء بارئها عن رقد الاوهام و تذکّرها بذکر اللّه العزيز العلّام و صعودها و عروجها الی مقامات الحبّ و الاطمئنان و انغماسها فی طمطام الايقان و مشاهدتها آيات اللّه من مشارق الامکان و آفاق الاکوان و أنفس الرحمن و ظهور آية التوحيد من مطلع الجنان و دخولها و خلودها فی بحبوحة الجنان و فورانها من حرارة حبّ ربّه العزيز المنّان و سيرها و سلوکها الی اللّه المقتدر الملک الحنّان و جلوسها علی عرش السکينة و الاستقرار و شربها من کأوس الاستقامة و الثبوت فی کلّ الاحيان تعتبر بنفس مطمئنّة

لانّها اطمئنّت فی الايمان و سکن اضطرابها و قلقها و رويت غلّتها و بردت لوعتها و رقّت و انکشفت حجباتها و تبدّلت بالنور ظلمتها و زالت بطالتها و کمل نقصانها و خرقت أستارها و هتکت أسبالها و ظهرت أسرارها و زلزلت أرضها و أخرجت أثقالها و حدثت أخبارها بانّ ربّک أوحی لها. فسبحان اللّه هاديها و ناجيها و منوّرها و مصوّرها عن کلّ ما يقول الجاهلون.

و اذا وصلت الی هذا المقام الاعزّ الاوفی و المورد الاعذب الاصفی الاحلی و شربت من هذا المنهل الارقّ من الصبا تفوز بمقام التسليم و الرضی و ترک الطلب و الاقتضاء و تفوض الامور الی اللّه الملک العزيز القيّوم و تتوکّل عليه و تتّکأ علی وسادة فضله و احسانه و لا تری فی هذا المقام ما يخالف رضاها و لا تختار الراحة الکبری علی المصيبة العظمی

بل انّها راضية بکلّ ما قضی اللّه لها فتراها فرحة مسرورة عند نزول البليّات و شاکرة ممنونة لدی تموّج أبحر المصيبات و الرزيّات ولو يأتيها من سحاب القضاء سهام الشدائد و البأساء و تنزل عليه أمطار البثّ و الضرّاء لتراها رطب اللسان بشکر ربّها المستعان و فصيح البيان فی ذکر الملک المنّان.

و هذا مقام لو فزت به لتصل الی سرور لا يتبعه الاحزان و فرح لا يتلوه الاکدار و فرج و سعة لا ينتهی الی الضنک و الشدّة و يسر لا يعاقبه عسر و محنة لانّ أزمّة الامور فی قبضة قدرة ربّک و الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالی عمّا يشرکون بحيث لا تتحرّک ورقة علی شجرة و لا تسقط ثمرة الّا بارادة ربّک الرحمن الرحيم.

و السالک فی ذلک المقام الأعلی لا يبقی له ارادة و سکون و حرکة و قدر و قضاء الّا باللّه بل تفنی ذاته و صفاته و کينونته و أنيّته کلّها بسطوات آيات التوحيد کما تزول الاظلال عند روق شارق القديم فمتی فنت و اضمحلّت ارادته فی ارادة الحقّ فصارت ارادته عين ارادته و رضائه عين رضائه و ارتفع الحجاب و زال النقاب و اضمحلّ الشرک فی حقيقة الفؤاد ظهرت فی النفس آية الرضاء اذاً لرضائها بقضاء بارئها و تسليمها لامر خالقها اعتبرت بنفس راضية.

فبما أدرکها سوابق الفضل و الرحمة و احاطتها الآلاء و النعمة و شملتها ثياب الجود و الاحسان و أقمصها اللّه قميص الانقياد و الرضوان يخاطب من الملأ الأعلی طوبی لک بما قطعت السبيل و طويت الطريق حتّی وردت شريعة الوفاء و شربت زلال التسليم و الرضاء و ترکت هواک و رضيت بقضاء مولاک و انفقت ما لک و عليک و فديت روحک و قلبک و فؤادک فی سبيل مولاک و هذا قرّة عينک

و بذلک تنال الی المقام الأعلی و الرفيق الأبهی و تصير مرضيّة مقبولة عند اللّه ربّک و مستظلّا فی ظلّ فضل مولاک مستبشرة مسرورة مهتزّة بمنّه و احسانه انّ فضله بعباده المخلصين عظيم فلأجل صعودها بوسائط الرضا الی المعارج المرضيّة عند اللّه ربّها و مقبوليّتها فی فناء موجدها اعتبرت بنفس مرضيّة

و لمّا طارت بأجنحة القدس فی فضاء هذا الفردوس و ذاقت حلاوة مقامات الانس فی حديقة الافريدوس و اجتمع فيها هذه المقامات العلّية النورانيّة و تصاعدت الی هذه المراتب الرفيعة الروحانيّة و تفجرّت من شواهق حقيقتها ينابيع حکم الصمدانيّة و صارت مهبطاً لموارد الالهام و مطلعاً لسطوع أنوار هذا الاشراق و اطمأنّت بذکر اللّه المهيمن المنّان و صارت راضية بقضائه و مرضيّة فی فناء بابه لذا عبرّت بنفس کاملة لاتّصافها بهذه الکمالات الروحيّة الرحمانيّة و اشتمالها لهذه الصفات الجوهريّة الربّانيّة


اذاً استحقّت و استعدّت للدخول فی حديقة ملکوت اللّه الّتی کانت جنّة الابرار و مأوی الاحرار الّذين استنارت وجوههم ببشارات اللّه و ظهرت فيها نضرة الرحمن و آية المنّان و الی هذه المقامات أشار بقوله عزّ کبريائه ”يا أيّتها النفس المطمئنّة ارجعی الی ربّک راضية مرضيّة فادخلی فی عبادی و ادخلی جنّتی“

لانّ جنّة المأوی و حديقة الکبريا و الروضة العليا و الفردوس الأعلی هی رياض ملکوت اللّه الّتی فتحت اليوم أبوابها و انبسطت أرضها و أشرقت أنوارها و أثمرّت أشجارها و تفتحت أزهارها و جرت أنهارها و تموّجت بحارها و تفجّرت ينابيعها و رقّ نسيمها و دقّ أديمها و غنّت ورقائها و تبسّمت ثغورها و تبلّج سحورها و سطع بروقها و أنار شروقها و سجعت طيورها و تزينّت قصورها و آن حبورها اذاً قم بقوّة من اللّه و قل باعلی النداء فاسرعوا يا ايّها المشتاقون الی مطلع هذا النيّر الساطع اللامع القديم و أقصدوا هذا الملاذ الشامخ المنيع.

و النفس اذا دخلت هذه الجنّة العالية و الحديقة الباقية و استهدت الی فجر هذا اليوم الانور و وردت هذا المورد الاعذب الاصفی الاطهر و اکتسبت الکمالات و اقتبست أنوار جواهر الاسماء و الصفات و شربت من هذه الکأس الّتی کانت مزاجها کافورا و ساحت خلال هذه الديار و خاضت عمق هذه البحار و اهتدت الی هذه النار الموقدة المشتعلة فی فاران الحبّ تثبت فی حقّها کلمة التوحيد و تستقرّ فی ذاتها آية التجريد و تفوز بحياة أبديّة و عيشة سرمديّة و تتلذّذ من النعماء الّتی لم تر عين مثلها و ما سمعت اذن شبهها و تشرب من الينابيع الصافية الّتی تجری عن يمين عرش الحقيقة و تذوق من اثمار الشجرة المنبتة فی بحبوحة الفردوس المهتزّة من نفحات الّتی تأتی من شطر الجمال و يحيی بها قلوب الموحّدين و تهتزّ منها أوراق أفنان أفئدة المخلصين و تفوز و تصل الی مرکز البقاء فی ظلّ وجه ربّها الأعلی بحيث لا تواريها شائبة الفناء و لا يطرق عليها طوارق الانعدام و الاضمحلال کما قال و قوله الحقّ ”کلّ من عليها فان و يبقی وجه ربّک ذو الجلال و الاکرام“

و النفس اذا نشرت أجنحة الروح و انجذبت من جذبات اللّه و طارت الی الافق الأعلی و قصدت رفيق الأبهی ترتقی الی مقام الجبروتيّة الرحمانيّة و تؤيّد بالقوّة القاهرة و القدرة الباهرة و السرّ المنمنم القديم و الرمز المکرّم العظيم و تطّلع علی خفيات الحقائق المکنونة المستورة الغيبيّة الّتی احترقت فی حسرتها قلوب العارفين و تنطبع من الاشعّة الساطعة من شمس الحقّ و آثارها و تحکی عن ظهورها و أنوارها فی کلّ الشؤون و الاطوار و تتعارج الی مقام جعله اللّه منزّهاً عن ادراک المدرکين

لانّ هذا المقام خلق من أرکان القدرة و القوّة و العزّة و السطوة و السلطنة و الاقتدار و الهيمنة و الاستقلال لا يشوبه شیء من الحدود و الکثرات بل هو جوهر التوحيد و ساذج التفريد و التجريد و نور الانوار و سرّ الاسرار و سدرة المنتهی و الدرجة العليا و المرکز الأعلی و المسجد الاقصی و غاية القصوی فی عالم الخلق ولو انّ الکمالات لا بداية لها و لا نهاية و لن تحدّ بحدّ فهنيئا لمن دخل هذا المقرّ المقدّس المکرّم العظيم.

فامّا النفس الالهيّة هی عبارة عن الحقيقة الکلّيّة الجامعة للحقائق اللاهوتيّة الربّانيّة و الدقائق الصمدانيّة الظاهرة بالنور القديم و الباطنة بالسرّ الاعظم العظيم النقطة الأحديّة الّتی منها ظهرت الاشياء و اليها أعيدت
و منها بدئت و اليها رجعت.


فکانت أحديّة الذات و واحديّة الصفات ثمّ تکثّرت بالظهور و الآثار و تشعّبت و تفصّلت و تفنّنت و تلألأت فامتلأت و تنورّت منها الانفس و الآفاق فی يوم الميثاق و اهتزّت بها هياکل التوحيد و تحرّکت و نشئت منها أفنان سدرة التفريد و تقمّصت بالطراز الأوّل و النور الاکمل و ظهرت من آية منها کلّ الاسماء المدرکة للحقائق الانسانيّة و نشئت من سمة منها کلّ الصفات الحقیقیة الغيبيّة.

فهی مرکز دائرة الوجود بظهور لا اله الّا اللّه و قطب فلک البقاء الّذی يدور عليه کوکب التفريد و التوحيد بحيث يدور کلّ الحقائق الغيبيّة حول هذه النقطة الأحديّة اللاهوتيّة و تقتبس کلّ الکينونات اللطيفة النورانيّة من هذه النار المشتعلة الملتهبة الناطقة فی سدرة الانسانيّة بانّه لا اله الّا هو العزيز المقتدر القيّوم

و هذه النفس عبارة عن حقيقة الهياکل المقدّسة و الاعراش الحقيقيّة لا تقدر ان تجول فوارس عقول البشرية فی هذا المضمار و لا تطرق طيور ادراکات البريّة هذه الديار انّما للمخلصين منهم الحظّ الاوفر من أشعّة هذا النور الانور عند مسارعتهم و وفودهم الی فناء باب مليک مقتدر.

تبّا و سحقاً لقوم يظنّون انّهم ادرکوا علاهم مع انّهم لم يحوموا حول حماهم کيف يقتدر ذباب الفناء ان يزاحم عنقاء مشرق البقاء و انّی للقطرة المنتنة الملح الاجاج ان تقتحم بحر العذب الصافی الموّاج. کلّما يتعارج المتعارجون الی أعلی مقامات العرفان أو يتصاعد الموحّدون الی اسمی مشاعر مراتب الايقان انّما يقرءون أحرف کتاب انفسهم و يصلون الی الآية المتجلّية المودعة المندمجة المکنونة فی حقائق کينوناتهم و يدورون حول مراکز دوائر ذاتيّاتهم.

و أمّا مراتب الّتی فوق عوالمهم و مدارکهم لن يقتدروا ان يستنبؤا منها و لا يستطيعوا ان يدرکوها. فانظر بعين الحقيقة الی المکوّنات الخارجيّة تشهد کلّ مادون لن يقدر ان يدرک ما فوقه ولو يترقّی فی مقامه الی أعلی ذروة الايجاد کما تشهد انّ الجماد کلّما يرتقی و يتعارج الی سموّ الکمال لن يقتدر أن يعرف و يدرک مقام النبات و کذلک کلّ ما يزداد النبات بهجة و نموّاً لا يستطيع ان يطّلع علی حقيقة الحيوان و بمثل ذلک الحيوان کلّما يستکثر الحسن و الزهو و الاعتدال لن يتمکّن له معرفة هويّة الانسان و حقائقه و شؤونه و صفاته

اذاً فاعلم بانّ النفوس علی اختلا ف مراتبهم و شئونهم و درجاتهم يجری عليهم هذا الحکم بحيث لن يستطيع أحد ان يتجاوز حدّه و شأنه و لا الطير يقتدر ان يطير فوق منتهی أوج طيرانه. فاذا کان الحال علی هذا المنوال بين الاشياء المکوّنة الممکنة الخارجة الّتی تشتمل علی المناسبات و المشابهات فکيف اذاً بين مقامات الامکان و مقامات الحقائق اللاهوتيّة الّتی ذهلت العقول عن ادراکها و تحيّرت النفوس فی عرفانها و عجزت الالسن عن بيانها و کلّت أجنحة طيور القلوب و الافکار عن الطيران فی سماء تبيانها

فلنرجع الی ما کنّا فيه من مقامات النفس و مراتبها و شؤونها و علوّها و دنوّها و سموّها فقلنا هذه الآية الکبری فی مقام تدلّ علی النفس و مراتبها و تقلّبها من مرتبة الی مرتبة و من مقام الی مقام لانّها فی کلّ مرتبة تترک حدودها و شئونها

و تغلب من سطوات آيات مرتبة الّتی فوقها و تضمحلّ من صدمات شؤون الّتی تزکيها و تلطّفها و تطهّرها و تنزّهها عمّا لا يليق بها فی سبيل بارئها


و اذا خلصت و نجت من کلّ مرتبة دانية و صعدت باعانة موجدها و مصوّرها الی مرتبة عالية تنتصر علی قوی المراتب السافلة و تغلب جنود حقائق الشؤون الدانية اذاً فاعرف ما قال جلّ ذکره”غلبت الروم“

أی غلبت و اضمحلّت و فنت نفس الامّارة بالسوء من الصواعق النازلة عليها من عوالم الملک و الملکوت
و الشهب الثاقبة الواردة عليها من مکامن العزّ و الجبروت اذا ايّدت بجنود النصر و الهدی و نصرت بملائکة الروح و التقی و انتبهت من نومها و غفلتها و انتهت من خوضها و هبوطها و سقوطها و شهدت نزولها و دنوّها ثمّ تذکّرت فی أمرها و دقّت بصرها و صفت نظرها حتّی عرفت ما هی عليها و الّذی حجبها و منعها و صار سببا لبعدها و نکرها و غفلتها و سکرها. اذاً تمسّکت باذيال الفضل و الرحمة و ابتهلت الی اللّه و لاذت بحضرته حتّی صعدت و نجت من ذلک المقام و المرتبة و دخلت المقام الأعلی و کذلک تتقلّب فی المقامات و المراتب و تغلب و تغلب حتّی تعود الی مبدئها و ترجع الی مرکزها و تتردّی برداء کمالها و تدخل فی ظلّ ربّها مقعد صدق عند مليک مقتدر.

ان يا ايّها المشتعل الملتهب من نار محبّة اللّه فاعلم بأنّ هذا العبد لو يريد ان يفسّر هذه الآية اللاهوتيّة بکلّ المقامات الغيبيّة و الحقائق الالهيّة و المراتب الجبروتيّة و الملکوتيّة و الحقائق الکونيّة و العوالم الغيبيّة و الشهوديّة و الظهورات الأحديّة و الشّئونات الواحديّة و الکينونات الروحيّة و الارکان القلبيّة و المشاعر الحقيقيّة و النفسيّة و توابعها و لواحقها بأتمّ بيان و أکمل تبيان لأقدر بعون اللّه و قوّته و فضله و تأييده

ولکنّ النفوس لن يقتدروا و لن يستطيعوا ان يسمعوها و يدرکوها لذا أمسکنا القلم عن البيان و الجريان و اعطيتک مفاتيح التبيان فافتح بقوّة مولاک کلّ الابواب المسدودة علی الوجوه لتطّلع علی اسرار اللّه الغيبيّة المستورة المکنونة المخفيّة و تشهد و تجتلی مواقع السرّ المستسرّ المصون و تسيح و تسير فی هذا الملکوت الواسع العظيم و تخوض فی هذا البحر الزاخر الموّاج و هذا الطمطام العظيم الثجّاج و تلتقط من دراری النور بفضل مالک الظهور.

فو ربّ غفور و جمال مشکور مشهور لو أحد من المخلصين يتوجّه الی اللّه فی هذا اليوم الاکبر و ينظر بالبصر الاطهر ليعرف کلّ الحقائق و المعانی من کلّ کلمة من آيات اللّه المهيمن القيّوم بل فی کلّ حرف و فی کلّ نقطة لانّ الحقائق و المعانی بتمامها سارية جارية فی باطنها و تتفجر منها أنهارها و تتموّج فيها بحورها فهنيئا للواصلين.

و هذه المعانی الّتی أوردناها تظهر و تنجلی من هذه الآية المبارکة اذا قرئنا ”غلبت الروم“ أی بصيغة المجهول و لکن اذا قرأناها بصيغة المعلوم يظهر منها معان اخر لا يسعنا اليوم بيانها و اظهارها و کشف رموزها و اسرارها و ترکناها لوقت معلوم و علی اللّه نتوکلّ فی کلّ الامور و بحبل رحمته و فضله نتوسّل انّه معطی السائلين و مغنی المفتقرين.


منابع
محتویات